لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

(١) ظهور مجتمع المعلومات
هناك عدة مقاييس للتاريخ.
بعض هذه المقاييس طبيعي ودائري،
وهي مقاييس تعتمد على تتابع الفصول وحركة الكواكب،
والبعض الآخر اجتماعي أو سياسي أو خطي،
يحددها — على سبيل المثال — تتابع دورات الألعاب الأوليمبية،
أو عدد السنوات التي مرَّت «منذ تأسيس مدينة روما» أو اعتلاء أحد الملوك العرش،
وهناك بعض المقاييس الدينية ولها شكل حرف V باللاتينية،
وهي المقاييس التي يجري حساب السنوات من خلالها قبل وبعد حدثٍ محدد،
مثل ميلاد السيد المسيح.
وهناك فترات أطول تشمل فترات أقصر،
يجري تسميتها على غرار الأساليب الفنية المؤثِّرة مثل «الباروك»،
والأشخاص مثل «العصر الفيكتوري»،
أو مواقف بعينها مثل «الحرب الباردة»،
أو تقنية جديدة مثل «العصر النووي».
إلا أن جميع هذه المقاييس وغيرها الكثير تشترك في أنها مقاييس تاريخية؛
أي إنها بالمعنى الدقيق تعتمد جميعها على تطوير نظم لتوثيق الأحداث،
ومن ثَمَّ تراكم وتنقل المعلومات عن الماضي.
فإن لم توجد سجلات،
لا يوجد تاريخ؛
ومن ثَمَّ يترادف التاريخ مع عصر المعلومات،
حيث إن «عصر ما قبل التاريخ» هو ذلك العصر في تاريخ التطوُّر البشري الذي يسبق توافر نظم التسجيل.
يترتب على ذلك أن المرء قد يدفع بأن الإنسانية كانت تعيش في أنواع مختلفة من مجتمعات المعلومات على الأقل منذ العصر البرونزي،
وهو العصر الذي جرى فيه اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين وعدد من المناطق الأخرى حول العالم (الألفية الرابعة قبل الميلاد).
لكن ليس هذا هو المعنى المقصود اعتيادًا بثورة المعلومات؛
فعلى الرغم من كثرة التفسيرات،
إلا أن أكثرها إقناعًا هو أن عملية التقدُّم والرفاهية البشرية بدأت حديثًا جدًّا في الاعتماد بصورة تكاد تكون كاملة على الإدارة الناجحة والفعَّالة لدورة حياة المعلومات.
تشمل دورة حياة المعلومات عادةً المراحل التالية: الحدوث (الاكتشاف،
والتصميم،
والتأليف … إلخ)،
والنقل (الربط الشبكي،
التوزيع،
الحصول على المعلومات،
استرجاع المعلومات،
النقل … إلخ)،
والمعالجة والإدارة (الجمع،
والتدقيق،
والتعديل،
والتنظيم،
والتبويب،
والتصنيف،
والغربلة،
والتحديث،
والانتقاء،
والتخزين … إلخ)،
والاستخدام (المتابعة،
النمذجة،
التحليل،
التفسير،
التخطيط،
التنبُّؤ،
اتخاذ القرار،
التوجيه،
التثقيف،
التعليم … إلخ).
لا يجب أن يكون طول الوقت الذي استغرقَتْه عملية تطوُّر دورات حياة المعلومات لتؤدي إلى ظهور مجتمع المعلومات مَثارًا للدهشة.
ووفق التقديرات الأخيرة،
ستستمر الحياة فوق الأرض مدة مليار سنة أخرى،
حتى تؤدي زيادة درجة الحرارة الشمسية إلى تدميرها.
تخيَّل إذن أحدَ المؤرخين يكتب في المستقبل القريب،
قل في غضون مليون سنة؛
ربما يعتبر هذا المؤرخ مسألة استغراق الثورة الزراعية ست ألفيات من الزمان حتى تتحقق آثارها كاملة مسألةً عادية — بل وأمرًا متناسقًا — منذ بدايتها في العصر الحجري الحديث (الألفية العاشرة قبل الميلاد) إلى العصر البرونزي،
ثم ست ألفيات أخرى حتى تحقق ثورة المعلومات أثرها،
من العصر البرونزي إلى نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد.
خلال هذه الفترة من الزمان،
تطورت تكنولوجيات الاتصال والمعلومات من مجرد أنظمة تسجيل — مثل الكتابة وعمل المخطوطات — إلى نظم اتصال أيضًا،
خاصةً بعد جوتنبرج واختراع الطباعة،
إلى أن أصبحت نظمَ معالجة وإنتاج،
خاصة بعد تورنج وانتشار أجهزة الكمبيوتر.
بفضل هذا التطور،
تعتمد أكثر المجتمعات تقدمًا بصورة كبيرة على الأصول غير المادية القائمة على المعلومات،
والخدمات كثيفة المعلومات (خاصةً خدمات الأعمال،
والعقارات،
والاتصالات،
والتمويل،
والتأمين،
والترفيه)،
والقطاعات العامة معلوماتية التوجُّه (خاصةً التعليم،
والإدارة العامة،
والرعاية الصحية).
على سبيل المثال،
يمكن اعتبار جميع الدول الأعضاء في مجموعة السبعة — وهي تحديدًا: كندا،
فرنسا،
ألمانيا،
إيطاليا،
اليابان،
المملكة المتحدة،
والولايات المتحدة الأمريكية — مجتمعات معلومات؛
نظرًا لأن ٧٠٪ على الأقل من إجمالي الناتج المحلي فيها يعتمد على السلع غير المادية التي ترتبط بالمعلومات،
وليس على السلع المادية التي تعتبر منتجات مادية للعمليات الزراعية أو التصنيع.
إن عمل ونمو هذه المجتمعات يتطلب،
ويولد،
كميات هائلة من البيانات،
أكثر بكثير ممَّا شهدته الإنسانية في تاريخها كله.
في عام ٢٠٠٣،
قدَّر الباحثون في كلية إدارة ونظم المعلومات في بيركلي كاليفورنيا حجم البيانات التي راكمتها الإنسانية بمقدار ١٢ إكسابايت (الإكسابايت الواحد يوازي ١٠١٨ بايت من البيانات أو ما يماثل ٥٠ ألف عامٍ من محتوى الفيديو عالي الجودة) عبر مسار تاريخها كله حتى إنتاج أجهزة الكمبيوتر على مستوًى تجاري.
في المقابل،
قدَّر الباحثون أنفسهم حجم محتوى المواد المطبوعة،
والفيلمية،
والممغنطة،
والبصرية؛
بما يماثل أكثر من ٥ إكسابايت من البيانات في عام ٢٠٠٢،
ويكافئ ذلك حجم ٣٧ ألف مكتبة جديدة بحجم مكتبة الكونجرس.
بالنظر إلى حجم سكان العالم في ٢٠٠٢،
يتبين أنه أُنتج ما يقترب من ٨٠٠ ميجابايت من البيانات المسجلة لكل شخص،
وهو ما يشكل ٣٠ قدمًا من الكتب لكل مولود جديد جاء إلى العالم؛
أي ٨٠٠ ميجابايت من البيانات المطبوعة على الورق.
من بين هذه البيانات،
جرى تخزين ٩٢٪ منها في وسائط ممغنطة،
معظمها على أقراص صُلبة،
وهو ما أدَّى إلى حدوث عملية «دمقرطة» غير مسبوقة للمعلومات؛
إذ يمتلك المزيد من الأشخاص حاليًّا مزيدًا من البيانات أكثر من أي وقت مضى.
لا يزال هذا التزايد المتسارع مستمرًّا دون توقف؛
فوفق دراسة حديثة،
سيزداد حجم البيانات الرقمية عالميًّا أكثر من ستة أضعاف،
من ١٦١ إكسابايت إلى ٩٨٨ إكسابايت بين عامَي ٢٠٠٦ و٢٠١٠.
يشير الاصطلاح الجديد «فيضان الإكسابايت» إلى ما اصطلح عليه مؤخرًا لوصف هذا الإعصار الهائل من وحدات البيانات التي تغمر العالم.
وبطبيعة الحال،
يجري استخدام مئات الملايين من أجهزة الكمبيوتر بصورة مستمرة للإبحار عبر فيضان الإكسابايت هذا،
وستظل الأرقام السابقة تنمو باطِّراد في المستقبل المنظور،
ويرجع ذلك في الأساس إلى أن أجهزة الكمبيوتر تُعتبر من أكبر مصادر إنتاج المزيد من الإكسابايت،
ويعود إليها الفضل في أننا نقترب من «عصر الزيتابايت» (١٠٠٠ إكسابايت).
هذه العملية بمثابة دورة تعزز نفسها.
ومن الطبيعي أن يشعر المرء بالارتباك بسبب هذا الحجم الهائل من المعلومات،
بل يساور المرءَ شعورٌ مختلط،
أو على الأقل هكذا يجب أن يكون الأمر.
لا تزال تكنولوجيات المعلومات والاتصال تُغيِّر العالم بعمقٍ وعلى نحو لا سبيل إلى الرجوع عنه لأكثر من نصف قرن من الزمان وحتى الآن،
على نطاق هائل وبمعدل فائق السرعة؛
فهي من ناحيةٍ أدت إلى ظهور فرص حقيقية ووشيكة ذات فوائد عظمى على التعليم،
والرفاهية،
والازدهار،
والتهذيب،
فضلًا عن المميزات الاقتصادية والعلمية الكبرى؛
لذا لا غرو في أن وزارة التجارة الأمريكية ومؤسسة العلوم القومية جعلت من تكنولوجيا النانو،
والتكنولوجيا الحيوية،
وتكنولوجيا المعلومات،
والعلوم الإدراكية،
مجالاتِ بحث ذات أولوية على المستوى القومي.
تجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الإدراكية لن تصبح ممكنة بدون تكنولوجيا المعلومات.
وفي خطوة مشابهة،
أقر رؤساء وحكومات الاتحاد الأوروبي بالأثر الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال عندما اتفقوا على جعل الاتحاد الأوروبي «الاقتصاد المعرفي الأكثر تنافسية وحيوية بحلول عام ٢٠١٠».
على الجانب الآخر،
تنطوي تكنولوجيا المعلومات والاتصال على مخاطر كبيرة،
كما يتولد عنها معضلات وأسئلة عميقة حول طبيعة الواقع ودرجة معرفتنا به،
وحول تطور العلوم كثيفة المعلومات (العلم الإلكتروني)،
وتنظيم مجتمع عادل (خذ مثلًا الفجوة الرقمية)،
وحول مسئوليتنا والتزاماتنا تجاه الأجيال الحالية والقادمة،
وحول فهمنا للعالم المتشابك،
ونطاق تفاعلنا الممكن مع البيئة.
نتيجة لذلك،
تجاوزت تكنولوجيات المعلومات والاتصال فَهمنا لطبيعتها وتداعيتها المفهومية،
كما أثارت مشكلات تزداد درجة تعقدها وأبعادها العالمية بسرعة؛
مشكلاتٍ تتطور وتصبح أكثر خطورة.
ربما تسهم مشابهة بسيطة في بيان الوضع الحالي.
يشبه مجتمع المعلومات شجرةً تنمو أفرعها السامقة بصورة أكبر،
وأسرع،
وأكثر عشوائية من جذورها المفهومية،
والأخلاقية،
والثقافية.
يعتبر غياب التوازن مسألة جلية،
بل مسألة خبرة يومية في حياة الملايين من المواطنين.
كمثال على ذلك،
خذ مثلًا بسرقة الهوية،
بعبارة أخرى: استخدام المعلومات لانتحال هوية شخص آخر بغرض السرقة أو تحقيق فوائد أخرى.
وفقًا للجنة التجارة الفيدرالية،
قُدرت عمليات الاحتيال التي تتضمن حالات سرقة الهوية في الولايات المتحدة بما يقترب من ٥٢٫٦ مليار دولار أمريكي من الخسائر في عام ٢٠٠٢ فقط،
وهي العمليات التي تأثر بها حوالي ١٠ ملايين مواطن أمريكي.
يتمثل خطر ذلك في أن تحقيق المزيد من النمو الصحي في القمة قد يعوقه وجود أساس هَشٍّ في القاعدة،
كشجرة واهنة الجذور.
وبناءً عليه،
يواجه أي مجتمع معلومات متطورٍ اليوم المهمة العاجلة المتعلِّقة بتزويد نفسه بفلسفة المعلومات القابلة للتطبيق.
بتطبيق المشابهة السابقة،
بينما تنمو التكنولوجيا من أسفل إلى أعلى،
حان الوقت للبدء في النزول إلى العمق؛
أي من أعلى إلى أسفل؛
لتوسيع وترسيخ استيعابنا لمفاهيم عصر معلوماتنا هذا،
ولطبيعته،
ولتداعياته الأقل وضوحًا،
ولأثره على الرفاهية البشرية والبيئية؛
ومن ثَمَّ منح أنفسنا فرصة للتنبؤ بالصعوبات،
وتحديد الفرص،
وحل المشكلات.
أدى الانفجار المفاجئ لمجتمع المعلومات العالمي،
بعد مرور ألفيات قليلة من عملية النضج الهادئة نسبيًّا،
إلى بروز تحديات جديدة هائلة التأثير،
وهي التحديات التي لم تكن متوقَّعة قبل عقود قليلة مضت.
ومثلما وثَّقت المجموعة الأوروبية لأخلاقيات العلوم والتكنولوجيات الجديدة ومرصد اليونسكو حول مجتمع المعلومات،
فقد جعلت تكنولوجيات المعلومات والاتصال من عمليات إنشاء،
وإدارة،
واستخدام المعلومات،
والاتصال،
والموارد الحسابية؛
أمورًا مهمة،
ليس فقط فيما يتعلق بفَهمنا للعالم وبعمليات تفاعلنا معه،
بل فيما يتعلق بتقييمنا الذاتي لأنفسنا وبهويتنا.
بمعنى آخر: أدَّى علم الكمبيوتر وتكنولوجيات المعلومات والاتصال إلى «ثورة رابعة».


النص الأصلي

(١) ظهور مجتمع المعلومات


هناك عدة مقاييس للتاريخ. بعض هذه المقاييس طبيعي ودائري، وهي مقاييس تعتمد على تتابع الفصول وحركة الكواكب، والبعض الآخر اجتماعي أو سياسي أو خطي، يحددها — على سبيل المثال — تتابع دورات الألعاب الأوليمبية، أو عدد السنوات التي مرَّت «منذ تأسيس مدينة روما» أو اعتلاء أحد الملوك العرش، وهناك بعض المقاييس الدينية ولها شكل حرف V باللاتينية، وهي المقاييس التي يجري حساب السنوات من خلالها قبل وبعد حدثٍ محدد، مثل ميلاد السيد المسيح. وهناك فترات أطول تشمل فترات أقصر، يجري تسميتها على غرار الأساليب الفنية المؤثِّرة مثل «الباروك»، والأشخاص مثل «العصر الفيكتوري»، أو مواقف بعينها مثل «الحرب الباردة»، أو تقنية جديدة مثل «العصر النووي». إلا أن جميع هذه المقاييس وغيرها الكثير تشترك في أنها مقاييس تاريخية؛ أي إنها بالمعنى الدقيق تعتمد جميعها على تطوير نظم لتوثيق الأحداث، ومن ثَمَّ تراكم وتنقل المعلومات عن الماضي. فإن لم توجد سجلات، لا يوجد تاريخ؛ ومن ثَمَّ يترادف التاريخ مع عصر المعلومات، حيث إن «عصر ما قبل التاريخ» هو ذلك العصر في تاريخ التطوُّر البشري الذي يسبق توافر نظم التسجيل.


يترتب على ذلك أن المرء قد يدفع بأن الإنسانية كانت تعيش في أنواع مختلفة من مجتمعات المعلومات على الأقل منذ العصر البرونزي، وهو العصر الذي جرى فيه اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين وعدد من المناطق الأخرى حول العالم (الألفية الرابعة قبل الميلاد). لكن ليس هذا هو المعنى المقصود اعتيادًا بثورة المعلومات؛ فعلى الرغم من كثرة التفسيرات، إلا أن أكثرها إقناعًا هو أن عملية التقدُّم والرفاهية البشرية بدأت حديثًا جدًّا في الاعتماد بصورة تكاد تكون كاملة على الإدارة الناجحة والفعَّالة لدورة حياة المعلومات.


تشمل دورة حياة المعلومات عادةً المراحل التالية: الحدوث (الاكتشاف، والتصميم، والتأليف … إلخ)، والنقل (الربط الشبكي، التوزيع، الحصول على المعلومات، استرجاع المعلومات، النقل … إلخ)، والمعالجة والإدارة (الجمع، والتدقيق، والتعديل، والتنظيم، والتبويب، والتصنيف، والغربلة، والتحديث، والانتقاء، والتخزين … إلخ)، والاستخدام (المتابعة، النمذجة، التحليل، التفسير، التخطيط، التنبُّؤ، اتخاذ القرار، التوجيه، التثقيف، التعليم … إلخ).
لا يجب أن يكون طول الوقت الذي استغرقَتْه عملية تطوُّر دورات حياة المعلومات لتؤدي إلى ظهور مجتمع المعلومات مَثارًا للدهشة. ووفق التقديرات الأخيرة، ستستمر الحياة فوق الأرض مدة مليار سنة أخرى، حتى تؤدي زيادة درجة الحرارة الشمسية إلى تدميرها. تخيَّل إذن أحدَ المؤرخين يكتب في المستقبل القريب، قل في غضون مليون سنة؛ ربما يعتبر هذا المؤرخ مسألة استغراق الثورة الزراعية ست ألفيات من الزمان حتى تتحقق آثارها كاملة مسألةً عادية — بل وأمرًا متناسقًا — منذ بدايتها في العصر الحجري الحديث (الألفية العاشرة قبل الميلاد) إلى العصر البرونزي، ثم ست ألفيات أخرى حتى تحقق ثورة المعلومات أثرها، من العصر البرونزي إلى نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد. خلال هذه الفترة من الزمان، تطورت تكنولوجيات الاتصال والمعلومات من مجرد أنظمة تسجيل — مثل الكتابة وعمل المخطوطات — إلى نظم اتصال أيضًا، خاصةً بعد جوتنبرج واختراع الطباعة، إلى أن أصبحت نظمَ معالجة وإنتاج، خاصة بعد تورنج وانتشار أجهزة الكمبيوتر. بفضل هذا التطور، تعتمد أكثر المجتمعات تقدمًا بصورة كبيرة على الأصول غير المادية القائمة على المعلومات، والخدمات كثيفة المعلومات (خاصةً خدمات الأعمال، والعقارات، والاتصالات، والتمويل، والتأمين، والترفيه)، والقطاعات العامة معلوماتية التوجُّه (خاصةً التعليم، والإدارة العامة، والرعاية الصحية). على سبيل المثال، يمكن اعتبار جميع الدول الأعضاء في مجموعة السبعة — وهي تحديدًا: كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية — مجتمعات معلومات؛ نظرًا لأن ٧٠٪ على الأقل من إجمالي الناتج المحلي فيها يعتمد على السلع غير المادية التي ترتبط بالمعلومات، وليس على السلع المادية التي تعتبر منتجات مادية للعمليات الزراعية أو التصنيع. إن عمل ونمو هذه المجتمعات يتطلب، ويولد، كميات هائلة من البيانات، أكثر بكثير ممَّا شهدته الإنسانية في تاريخها كله.


(٢) عصر الزيتابايت


في عام ٢٠٠٣، قدَّر الباحثون في كلية إدارة ونظم المعلومات في بيركلي كاليفورنيا حجم البيانات التي راكمتها الإنسانية بمقدار ١٢ إكسابايت (الإكسابايت الواحد يوازي ١٠١٨ بايت من البيانات أو ما يماثل ٥٠ ألف عامٍ من محتوى الفيديو عالي الجودة) عبر مسار تاريخها كله حتى إنتاج أجهزة الكمبيوتر على مستوًى تجاري. في المقابل، قدَّر الباحثون أنفسهم حجم محتوى المواد المطبوعة، والفيلمية، والممغنطة، والبصرية؛ بما يماثل أكثر من ٥ إكسابايت من البيانات في عام ٢٠٠٢، ويكافئ ذلك حجم ٣٧ ألف مكتبة جديدة بحجم مكتبة الكونجرس. بالنظر إلى حجم سكان العالم في ٢٠٠٢، يتبين أنه أُنتج ما يقترب من ٨٠٠ ميجابايت من البيانات المسجلة لكل شخص، وهو ما يشكل ٣٠ قدمًا من الكتب لكل مولود جديد جاء إلى العالم؛ أي ٨٠٠ ميجابايت من البيانات المطبوعة على الورق. من بين هذه البيانات، جرى تخزين ٩٢٪ منها في وسائط ممغنطة، معظمها على أقراص صُلبة، وهو ما أدَّى إلى حدوث عملية «دمقرطة» غير مسبوقة للمعلومات؛ إذ يمتلك المزيد من الأشخاص حاليًّا مزيدًا من البيانات أكثر من أي وقت مضى. لا يزال هذا التزايد المتسارع مستمرًّا دون توقف؛ فوفق دراسة حديثة، سيزداد حجم البيانات الرقمية عالميًّا أكثر من ستة أضعاف، من ١٦١ إكسابايت إلى ٩٨٨ إكسابايت بين عامَي ٢٠٠٦ و٢٠١٠. يشير الاصطلاح الجديد «فيضان الإكسابايت» إلى ما اصطلح عليه مؤخرًا لوصف هذا الإعصار الهائل من وحدات البيانات التي تغمر العالم. وبطبيعة الحال، يجري استخدام مئات الملايين من أجهزة الكمبيوتر بصورة مستمرة للإبحار عبر فيضان الإكسابايت هذا، وستظل الأرقام السابقة تنمو باطِّراد في المستقبل المنظور، ويرجع ذلك في الأساس إلى أن أجهزة الكمبيوتر تُعتبر من أكبر مصادر إنتاج المزيد من الإكسابايت، ويعود إليها الفضل في أننا نقترب من «عصر الزيتابايت» (١٠٠٠ إكسابايت). هذه العملية بمثابة دورة تعزز نفسها. ومن الطبيعي أن يشعر المرء بالارتباك بسبب هذا الحجم الهائل من المعلومات، بل يساور المرءَ شعورٌ مختلط، أو على الأقل هكذا يجب أن يكون الأمر.


لا تزال تكنولوجيات المعلومات والاتصال تُغيِّر العالم بعمقٍ وعلى نحو لا سبيل إلى الرجوع عنه لأكثر من نصف قرن من الزمان وحتى الآن، على نطاق هائل وبمعدل فائق السرعة؛ فهي من ناحيةٍ أدت إلى ظهور فرص حقيقية ووشيكة ذات فوائد عظمى على التعليم، والرفاهية، والازدهار، والتهذيب، فضلًا عن المميزات الاقتصادية والعلمية الكبرى؛ لذا لا غرو في أن وزارة التجارة الأمريكية ومؤسسة العلوم القومية جعلت من تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم الإدراكية، مجالاتِ بحث ذات أولوية على المستوى القومي. تجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الإدراكية لن تصبح ممكنة بدون تكنولوجيا المعلومات. وفي خطوة مشابهة، أقر رؤساء وحكومات الاتحاد الأوروبي بالأثر الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال عندما اتفقوا على جعل الاتحاد الأوروبي «الاقتصاد المعرفي الأكثر تنافسية وحيوية بحلول عام ٢٠١٠».


على الجانب الآخر، تنطوي تكنولوجيا المعلومات والاتصال على مخاطر كبيرة، كما يتولد عنها معضلات وأسئلة عميقة حول طبيعة الواقع ودرجة معرفتنا به، وحول تطور العلوم كثيفة المعلومات (العلم الإلكتروني)، وتنظيم مجتمع عادل (خذ مثلًا الفجوة الرقمية)، وحول مسئوليتنا والتزاماتنا تجاه الأجيال الحالية والقادمة، وحول فهمنا للعالم المتشابك، ونطاق تفاعلنا الممكن مع البيئة. نتيجة لذلك، تجاوزت تكنولوجيات المعلومات والاتصال فَهمنا لطبيعتها وتداعيتها المفهومية، كما أثارت مشكلات تزداد درجة تعقدها وأبعادها العالمية بسرعة؛ مشكلاتٍ تتطور وتصبح أكثر خطورة.


ربما تسهم مشابهة بسيطة في بيان الوضع الحالي. يشبه مجتمع المعلومات شجرةً تنمو أفرعها السامقة بصورة أكبر، وأسرع، وأكثر عشوائية من جذورها المفهومية، والأخلاقية، والثقافية. يعتبر غياب التوازن مسألة جلية، بل مسألة خبرة يومية في حياة الملايين من المواطنين. كمثال على ذلك، خذ مثلًا بسرقة الهوية، بعبارة أخرى: استخدام المعلومات لانتحال هوية شخص آخر بغرض السرقة أو تحقيق فوائد أخرى. وفقًا للجنة التجارة الفيدرالية، قُدرت عمليات الاحتيال التي تتضمن حالات سرقة الهوية في الولايات المتحدة بما يقترب من ٥٢٫٦ مليار دولار أمريكي من الخسائر في عام ٢٠٠٢ فقط، وهي العمليات التي تأثر بها حوالي ١٠ ملايين مواطن أمريكي. يتمثل خطر ذلك في أن تحقيق المزيد من النمو الصحي في القمة قد يعوقه وجود أساس هَشٍّ في القاعدة، كشجرة واهنة الجذور. وبناءً عليه، يواجه أي مجتمع معلومات متطورٍ اليوم المهمة العاجلة المتعلِّقة بتزويد نفسه بفلسفة المعلومات القابلة للتطبيق. بتطبيق المشابهة السابقة، بينما تنمو التكنولوجيا من أسفل إلى أعلى، حان الوقت للبدء في النزول إلى العمق؛ أي من أعلى إلى أسفل؛ لتوسيع وترسيخ استيعابنا لمفاهيم عصر معلوماتنا هذا، ولطبيعته، ولتداعياته الأقل وضوحًا، ولأثره على الرفاهية البشرية والبيئية؛ ومن ثَمَّ منح أنفسنا فرصة للتنبؤ بالصعوبات، وتحديد الفرص، وحل المشكلات.


أدى الانفجار المفاجئ لمجتمع المعلومات العالمي، بعد مرور ألفيات قليلة من عملية النضج الهادئة نسبيًّا، إلى بروز تحديات جديدة هائلة التأثير، وهي التحديات التي لم تكن متوقَّعة قبل عقود قليلة مضت. ومثلما وثَّقت المجموعة الأوروبية لأخلاقيات العلوم والتكنولوجيات الجديدة ومرصد اليونسكو حول مجتمع المعلومات، فقد جعلت تكنولوجيات المعلومات والاتصال من عمليات إنشاء، وإدارة، واستخدام المعلومات، والاتصال، والموارد الحسابية؛ أمورًا مهمة، ليس فقط فيما يتعلق بفَهمنا للعالم وبعمليات تفاعلنا معه، بل فيما يتعلق بتقييمنا الذاتي لأنفسنا وبهويتنا. بمعنى آخر: أدَّى علم الكمبيوتر وتكنولوجيات المعلومات والاتصال إلى «ثورة رابعة».


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

- دعت باكستان ط...

- دعت باكستان طاجيكستان لاستخدام ميناء كراتشي لتجارة الترانزيت حيث اتفق البلدان على تعزيز التعاون، و...

كانت العلاقة بي...

كانت العلاقة بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى جيدة في القرن التاسع عشر، ولكن في أوائل الق...

سبق وأن قام وال...

سبق وأن قام والدي المؤرخ المرحوم (عبدالرحمن بن سليمان الرويشد) بتكليف من الأمير المرحوم فهد بن محمد ...

في علم النفس كا...

في علم النفس كان هناك صراع بين التحليل النفسي و العلاج السلوكي، حيث ركز كلاهما على البؤس والصراع، مع...

وأعظم الأسباب ل...

وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَ...

Showing kindnes...

Showing kindness is a crucial human trait. When someone is facing hardship or difficulty, extending ...

بيان المهمة " ت...

بيان المهمة " توفير تعليم وتدريب عالي الجودة يحركه السوق ودعم ريادة الأعمال والبحث التطبيقي التعاوني...

مفهوم القيم في ...

مفهوم القيم في الفلسفة: يوجد اختلاف في النظر إلى القيم حسب المذاهب الفلسفية، وباعتبار المواضيع التي ...

الفصل 5: فورت ك...

الفصل 5: فورت كارون في الصباح بعد لقاءنا بالملك، عدت إلى فندقنا لاصطحاب روكسي، بينما بقيت زانوبا في...

ثانياً الأندلس ...

ثانياً الأندلس : المراد بلفظ الأندلس اسبانيا الاسلامية بصفة عامة اطلق هذا اللفظ في بادىء الأمر على ش...

We then identif...

We then identify the enabling technologies for the introduced 6G services and outline a comprehensiv...

‏1. Exporting: ...

‏1. Exporting: - In this initial stage, the firm starts selling its products or services in foreign ...