لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

فال َّظالم يهبط بسرعة بعد غروب
ال َّشمس في شهر سبتمبر/أيلول، واضطج َع على الخشب
البالي ل ُمق َّدم القارب، واسترا َح قَ ْدَر ال ُمستطاع. ولم ي ُكن يَعرف اسم النَّجم (رجل ال َجبّار)، رآه، وسينتثر
وقال بصو ٍت عا ٍل:
ومن سعادتي أنَّنا
لسنا ُمضطّرين إلى أن نحاو َل قتل النُّجوم. يوم أن يحاول قتل القمر، لَتََو َّجب على القمر أن يلوذ بالفرار، يوم؟»، وف َّكر: «إنَّنا ُولِدنا َمحظوظين. ث ّم شعَر باألسف لل َّسمكة العظيمة الّتي ليس لديها ما تأكله، ولم يخِّفف تصميمه على قتلها من أسفه عليها أب ًدا، هؤالء النّاس أكلها؟ ال، طبًعا، ليس ث ّمة َمن يستح ُّق أَكلها؛ نظًرا لل َّطريقة الّتي تصّرف ْت بها، ولكبريائها العظيم. أو النُّجوم، القارب، فقد أفق ُد كثيًراِ من
الخيط فأفقد ال َّسمكة، القارب ُتطيل معاناتنا مًعا، سرعًة فائقًة لم تستعملها بعد، فإنَّني
تفسد، يجب أن أنزع أحشاء سمكة ال ّدولفين، وأنظفها لئّال
المجدافان خدعٌة بارعة، قويّة، وقد رأي ُت ال ِّش َّص في زاوية فمها، وقد أبقت فمها ُمطبًقا
بإحكام، من جوع وكونها تواجه أمًرا ال تفهمه هو ك ّل شيء. استر ْح اآلن -أيُّها ال ّشيخ- وَد ْعها تعمل حتّى يحين دورك في أداء
المه ّمة التّالية. فالقمر لم يبزغ بعد، ولم ت ُكن لديه وسيلٌة لتقدير الوقت، فهو مايزال يتح َّمل جّر ال َّسمكة على كتَفيه، ولكنَّه وضع يده اليسرى على حافّة ُمق َّدم القارب الُعليا، وألقى
بمقاومة ال َّسمكة، أكثر فأكثر على ال َمركب نفسه. وف ّكَر: «كم سيكون األمر سهًال لو كان في اإلمكان ربط الخيط بالقارب، يتو َّجب عل َّي أن أجعل من جسدي وسادًة تخِّفف من ضغط الخيط، إلعطاء مزي ٍد من الخيط بكلتا يد ّي. وقال بصو ٍت مسموع:
وليلة، واآلن مَّر نهاٌر
األمور في رأس َك. بل
وف ّكَر: «إ َّن األموَر واضحٌة بصورٍة
واضحٌة أكثر من الّالزم، هي أخواتي، فالنُّجوم تنام، والقمر وال َّشمس ينامان، عندما ال يوجد فيه تيّار، اجع ْل نفس َك تفعل
وابتك ْر طريقًة سهلًة وأكيدًة للخيوط، واآلن ُع ْد إلى
القارب بتثبيت المجدافَيْن إذا كان عليك أن تنام. وقال لنفسه: «أستطي ُع االستمرار دون نوم، على ي َديْه وركبتَيْه؛ لئّال يسبِّب َجَّرًة مفاجئًة لل ّسمكة، «ربَّما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنَّني ال أريدها أن تستريح، يجب عليها أن تجَّر القارب حتّى تموت. وعندما بل َغ مؤ َّخر القارب، واست َّل س ّكينه من غمدها بيده
رؤيًة واضحة فأغمد نصل س ّكينه في رأسها، تحت مؤ َّخر القارب، ث ّم طر َح س ّكينه
جانبًا، وانتز َع أحشاَءها بيده اليمنى، وشعَر أ َّن كرشها ثقي ٌل ولز ٌج في يديه، فشّقه، ووجد في داخله سمكتَيْن طائرتَيْن، وألقى باألحشاء والخياشيم من
فغاص ِت ُمخلِّفة وراءها أثًرا فوسفور َّي
الوهج في الماء، كانت سمكُة ال ّدولفين باردًة، وسل َخ ال ّشيخ جانبًا منها، ث ّم قَلَبَها، وش َّق ك َّل جان ٍب من الرأس حتّى الّذيل. ألقى بهيكل ال َّسمكة الَعظم ّي
إذا كانت ث ّمَة د ّوامٌة في الماء، ث ّم استدار، ال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَين بين شريحتَي سمكة ال ّدولفين، وفي تؤدٍة، ُمنْ َح ٍن
القارب، وهو يحمل ال ّسمكات بيده اليمنى، و َظهُره
وعندما عاد إلى مق َّدم القارب وضع شريحتَي ال َّسمكة على
الخشب وال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَيْن بجانبهما، وبعد ذلك، ع َّد َل
جانب القارب، وصار ليده لمعا ٌن فوسفور ٌّي
من جّراء سلخه جلد ال َّسمكة، وراقب جريان الماء على يده، فتساق َط ْت ُجزيئا ٌت فوسفوريٌّة منها، وطف ْت على الماء فجرفها
الّتيار ببطٍء إلى مؤ َّخر المركب. قال ال ّشيخ:
وإّما أنّها تستريح، يج ُب
بعد أن أفر َغ أحشاءها، وقال:
أتعسها من سمكٍة وهي نيِّئة! سوف ال أُب ِحُر بقار ٍب مّرًة
وقال في نفسه: «لو كن ُت ذكيًّا لرش ْش ُت الماء على ُمق َّدم
ولكنَّني
ومع ذلك، فث ّمة سوء تدبير، جيًّدا، وراحت
النُّجوم الّتي يعرفها تختفي واحدًة تلو األُخرى، وبدا -اآلن-
كما لو كان يتحَّرك في واٍد سحي ٍق من الغيوم، قال: - «سيكون ال َّطقس سيِّئًا بعد ثالثة أو أربعة أيّام، ولك ْن
وم ّطردة
أمس َك الخي َط
األيمن على يده اليمنى، َّواتكأَ بك ِّل ثقله على خشب ُمق َّدم
القارب، يده اليسرى عليه، وف ّكَر: «تستطيع يدي اليمنى أن تُم ِسك
يدي اليسرى ستوقظني حا َل ذهاب الخيط بعي ًدا، صع ٌب على اليد اليمنى، وحتّى لو أنام عشرين دقيقة أو نصف ساعة، وواضًعا
ونام. ولكنَّه بدًال من ذلك حلم بمجموعٍة
وتعود إلى
نائ ًما في فراشه، فشعَر ببرٍد قارس، عليها بدًال من الوسادة. وبعد ذلك راح يحلم بال ّشاطئ األصفر ال ّطويل، وبأنّه رأى
أَّول األُسود ينزل إلى ال ّشاطئ في مطلع اللّيل، وأَنَّه أراح حنكه على خشب ُمق َّدم ال َّسفينة الّتي ألقت
بمرساتها مع هبوب نسيم المساء من ال ّشاطئ، يترقَّب وصول مزي ٍد من األسود، كان القمر قد ارتفع في كبد ال َّسماء منذ ُم َّدة، ولكنَّه ظ َّل
نائ ًما بينما كانت ال َّسمكة تواصل الجّر بانتظام، والقارب يسير
أفا َق على هَّزٍة مفاجئٍة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة الخيط في يده اليمنى، ولكنّه
انفل َت خار ًجا، عثَر ْت ي ُده اليسرى على الخيط، هو إلى الخلف ُملقيًا بثقله على الخيط الّذي راح اآلن يحّز
ظهره ويده اليسرى، وقد أخ َذ ْت يده اليسرى تتح َّمل الِعبء
وفي تلك اللَّحظة، وانطلق القارب بسرعة على الَّرغم من أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، و ُجَّر ال ّشيخ إلى األسفل بقّوة، وارتطم وجهه بشريحة ال ّدولفين، ولم يستطع أن يتحّرك. وف ّكَر: «هذا ما ُكنّا ننتظره، وعلينا اآلن أن نواجهه. لم يست ِط ْع أن يشاهد وثبات ال َّسمكة، ولكنّه كان فقط
كانت سرعة انفالت الخيط تجرح يديه بش ّدة، ولهذا حاول أن يجعل الخيط يمّر عبر األجزاء ال ُّصلبة من يديه، وأّال يدعه ينزلق إلى
راحة اليد، أو يجرح أصابعه. وف ّكَر ال ّشيخ: «لو كان ال َّصب ُّي ُهنا لبلّل لَّفات الخيط، لو كان ال َّصب ُّي هنا. ولكنَّه أخذ اآلن
بالتَّباطؤ، وسيجع ُل ال ّشيخ ال َّسمكَة تدفع مقابًال باه ًظا لك ِّل
اآلن رفع ال ّشيخ رأسه من الخشب ومن
ث ّم -على َمه ٍل- قام واقًفا على قدَميْه، يُرخي الخيط، كانت التزال وفرةٌ من الخيط، وعلى
ذلك
الخيط الجديد بالماء. أكثر من اثنتي
وف ّكَر: «نعم، اآلن بعد أن قَفز ِت ال ّسمكُة
ومأل ِت الجيوب ال ُممت َّدة على طول َظهرها بالهواء، الّذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة؟ أال يكون الجوع هو الّذي
بالخوف فجأة؟ ولكنَّها كانت قبل ذلك سمكًة على قدٍر من
الهدوء والقَّوة، وب َد ْت بالغَة الثِّقة وبال خوف، إنَّه أمٌر غريب. وواثًقا بنفسك، فأن َت التزال تُم ِسك بها، ولكنَّك ال
تستطيع أن تسترَّد الخيط، ال َّدوران. وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليُزيل ما علق بوجهه من لح ِم سمكِة ال ّدولفين، بالماء من على جانب القارب، ث ّم تركها في الماء المالح وهو
يراقب أَّول خيوط ال ّضوء القادمة قُبَيل شروق ال َّشمس،


النص الأصلي

الفصل السادس
لقد ح َّل ال َّظالم اآلن، فال َّظالم يهبط بسرعة بعد غروب
ال َّشمس في شهر سبتمبر/أيلول، واضطج َع على الخشب
البالي ل ُمق َّدم القارب، واسترا َح قَ ْدَر ال ُمستطاع. وبزغ ْت طالئع
النُّجوم، ولم ي ُكن يَعرف اسم النَّجم (رجل ال َجبّار)، ولكنَّه
رآه، فعلِم أ ّن النُّجوم األُخرى ُكلّها سرعان ما ستبزغ، وسينتثر
حوله أصدقاؤه البعيدون جميعهم َوشي ًكا في أجواز ال ّسماء.
وقال بصو ٍت عا ٍل:



  • «وال َّسمكة صديقتي كذلك، فأنا لم أََر، أَْو أَسمع بسمكٍة مثلها ق ّط، ولكنَّني يجب أن أقتلها، ومن سعادتي أنَّنا
    لسنا ُمضطّرين إلى أن نحاو َل قتل النُّجوم.»
    وقال في نفسه: «تصّو ْر لو كان يتعيَّن على اإلنسان ك َّل
    يوم أن يحاول قتل القمر، لَتََو َّجب على القمر أن يلوذ بالفرار،
    ولكن تخيّ ْل لو كان على اإلنسان أن يحاول قتل ال َّشمس ك ّل
    يوم؟»، وف َّكر: «إنَّنا ُولِدنا َمحظوظين.»
    ث ّم شعَر باألسف لل َّسمكة العظيمة الّتي ليس لديها ما تأكله،
    ولم يخِّفف تصميمه على قتلها من أسفه عليها أب ًدا، وف َّكَر:


«كم من إنسا ٍن ستُطعمه هذه ال َّسمكة؟ ولكن هل يستح ُّق
هؤالء النّاس أكلها؟ ال، طبًعا، ال، ليس ث ّمة َمن يستح ُّق أَكلها؛
نظًرا لل َّطريقة الّتي تصّرف ْت بها، ولكبريائها العظيم.»
وف َّكَر: «ال أفهم هذه األشياء، ولك ْن من ُحسن الح ِّظ أنَّه
ال يتو َّجب علينا أن نحاول قتل ال َّشمس، أو القمر، أو النُّجوم،
يكفينا أن نعيش على البحر، ونأكل منه.»
وقا َل في نفسه: «اآلن يجب أن أف ّكر في عرقلة حركة
القارب، فلها مخاطرها، ولها حسناتها، فقد أفق ُد كثيًراِ من
الخيط فأفقد ال َّسمكة، إذا بذلَ ْت مجهوًدا. والعرقلة الّتي يُحدثها المجدافان في محلِّها، إذ يفقد القارب خّفته جميعها، فخّفة
القارب ُتطيل معاناتنا مًعا، ولك ّن فيها سالمتي؛ أل َّن لل َّسمكة
سرعًة فائقًة لم تستعملها بعد، ومهما ي ُكن من أمر، فإنَّني


تفسد،


يجب أن أنزع أحشاء سمكة ال ّدولفين، وأنظفها لئّال
وأن آكل شيئًا منها ألكون قويًّا.


اآلن سأستريح ساعًة إضافيّة، وعندما أشعر بأ َّن ال َّسمكة
ماتزال قويًّة وم َّطردَة الحركة سأعود إلى مؤ َّخر القارب؛ ألُن ِجز العمل، وأَتَّخذ القرار، وفي الوقت نفسه سأتم ّكن من معرفة
سلوكها، وما يطرأ عليه من تغيُّرات. المجدافان خدعٌة بارعة،


ولكن آ َن األوا ُن للعمل من أجل ال َّسالمة، فماتزال السمكة
قويّة، وقد رأي ُت ال ِّش َّص في زاوية فمها، وقد أبقت فمها ُمطبًقا
بإحكام، إ َّن ضرر ال ِّش ِّص ليس شيئًا يُذ َكر، ولك ّن ما نزل بها
من جوع وكونها تواجه أمًرا ال تفهمه هو ك ّل شيء. استر ْح اآلن -أيُّها ال ّشيخ- وَد ْعها تعمل حتّى يحين دورك في أداء
المه ّمة التّالية.»
استراح مدًة ظنّها ساعتَيْن، فالقمر لم يبزغ بعد، ولم ت ُكن لديه وسيلٌة لتقدير الوقت، كما أ َّن استراحته لم ت ُكن في حقيقتها
إال استراحًة نسبيَّة، فهو مايزال يتح َّمل جّر ال َّسمكة على كتَفيه،
ولكنَّه وضع يده اليسرى على حافّة ُمق َّدم القارب الُعليا، وألقى
بمقاومة ال َّسمكة، أكثر فأكثر على ال َمركب نفسه.
وف ّكَر: «كم سيكون األمر سهًال لو كان في اإلمكان ربط الخيط بالقارب، ولكن في وسع ال َّسمكة أن تقطعه بجَّرٍة مفاجئٍة صغيرٍة منها، يتو َّجب عل َّي أن أجعل من جسدي وسادًة تخِّفف من ضغط الخيط، وأكون مستع ًّدا في األوقات جميعها
إلعطاء مزي ٍد من الخيط بكلتا يد ّي.»
وقال بصو ٍت مسموع:



  • «ولكنَّ َك لم تَنَ ْم لِح ِّد اآلن -أيُّها ال ّشيخ- فقد انقضى


آخر، وأن َت لم تَنَ ْم،


وليلة، واآلن مَّر نهاٌر


نص ُف نهاٍر


يجب أن تبتكر طريقًة لكي تناَم قليًال عندما تكون
ال َّسمكة هادئًة وم َّطردَة الحركة، وإذا لم تَنَ ْم فقد تختلط
األمور في رأس َك.»


كافيٍة في رأسي، بل


وف ّكَر: «إ َّن األموَر واضحٌة بصورٍة


واضحٌة أكثر من الّالزم، فأنا واض ٌح وضو َح النُّجوم الّتي
هي أخواتي، ومع ذلك يجب أن أنام، فالنُّجوم تنام، والقمر وال َّشمس ينامان، وحتّى المحيط ينام -أحيانًا- في أياٍم مح ّددٍة
عندما ال يوجد فيه تيّار، ويسود فيه الهدوء على سطح الماء.»
وقال في نفسه: «ولكن تذ َّك ْر أن تنام، اجع ْل نفس َك تفعل
ذلك، وابتك ْر طريقًة سهلًة وأكيدًة للخيوط، واآلن ُع ْد إلى
الخلف لتهيِّئ سمكة ال ّدولفين، إنّه لَخطٌر كبيٌر أَن تعرقل سير
القارب بتثبيت المجدافَيْن إذا كان عليك أن تنام.»
وقال لنفسه: «أستطي ُع االستمرار دون نوم، ولكن ستكون
لذلك خطورةٌ بالغٌة.»
وشر َع ب َش ّق طريقه إلى مؤ َّخر القارب وهو يزحف في حذر
على ي َديْه وركبتَيْه؛ لئّال يسبِّب َجَّرًة مفاجئًة لل ّسمكة، وف ّكَر:


«ربَّما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنَّني ال أريدها أن تستريح،
يجب عليها أن تجَّر القارب حتّى تموت.»
وعندما بل َغ مؤ َّخر القارب، استدار بحيث تتلّقى يده اليسرى ضغط الخيط الّذي حول كتَفيْه، واست َّل س ّكينه من غمدها بيده
اليمنى. كانت النُّجوم متو ِّهجًة اآلن، فرأى سمكة ال ّدولفين
رؤيًة واضحة فأغمد نصل س ّكينه في رأسها، وسحبها من
تحت مؤ َّخر القارب، ووضع إحدى قدميه على ال َّسمكة وشّقها
بخّفٍة من بطنها حتّى طرف ف ّكها األسفل، ث ّم طر َح س ّكينه
جانبًا، وانتز َع أحشاَءها بيده اليمنى، من ّظًفا جوفها، ومتخلِّ ًصا
من خياشيمها، وشعَر أ َّن كرشها ثقي ٌل ولز ٌج في يديه، فشّقه،
ووجد في داخله سمكتَيْن طائرتَيْن، كانتا طازجتَيْن وصلبتَيْن،
فطرحهما جنبًا إلى جنب، وألقى باألحشاء والخياشيم من
فوق مؤ َّخر القارب، فغاص ِت ُمخلِّفة وراءها أثًرا فوسفور َّي
الوهج في الماء، كانت سمكُة ال ّدولفين باردًة، وبدا لونها اآلن
-على ضوء النُّجوم- أبي َض رماديًّا. وسل َخ ال ّشيخ جانبًا منها،
وق َدُمه اليمنى على رأسها، ث ّم قَلَبَها، وسل َخ الجانب اآلخر،
وش َّق ك َّل جان ٍب من الرأس حتّى الّذيل.


ليرى ما


في البحر، ونظَر


ألقى بهيكل ال َّسمكة الَعظم ّي


إذا كانت ث ّمَة د ّوامٌة في الماء، ولك ْن لم ي ُكن هناك سوى
ال َّضوء النّاتج من هبوط النُّفايات البطيء، ث ّم استدار، ووضع
ال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَين بين شريحتَي سمكة ال ّدولفين، وأعاد
س ّكينه إلى غمدها؛ وفي تؤدٍة، أخذ يش ّق طريقه إلى مق َّدم


ُمنْ َح ٍن


القارب، وهو يحمل ال ّسمكات بيده اليمنى، و َظهُره
بفعل ثقل الخيط عليه.


وعندما عاد إلى مق َّدم القارب وضع شريحتَي ال َّسمكة على
الخشب وال َّسمكتَيْن ال ّطائرتَيْن بجانبهما، وبعد ذلك، ع َّد َل
الخيط على كتَفيْه في موض ٍع جديد، وأمسك به مَّرة أُخرى
بيده اليسرى وهو ُمستنٌِد إلى حافّة القارب، ث ّم انحنى على
جانب القارب، وغس َل ال َّسمكتَيْن الطائرتَيْن في البحر، وهو
يالحظ سرعة الماء على يده، وصار ليده لمعا ٌن فوسفور ٌّي
من جّراء سلخه جلد ال َّسمكة، وراقب جريان الماء على يده،
كان الجريان أق ّل قَّوًة، وح َّك جان َب ي ِدِه بخشب المركب،
فتساق َط ْت ُجزيئا ٌت فوسفوريٌّة منها، وطف ْت على الماء فجرفها
الّتيار ببطٍء إلى مؤ َّخر المركب.
قال ال ّشيخ:



  • «ال َّسمكُة إّما متعبة، وإّما أنّها تستريح، واآلن، يج ُب


َعل َّي أ ْن أنتهي من أكل سمكة ال ّدولفين هذه، وآخذ
قس ًطا من الّراحة وقليًال من النوم.»
تحت النُّجوم، واللَّيل يزداد برودة طوال الوقت، أك َل نصف إحدى شريحتَي سمكة ال ّدولفين وإحدى ال ّسمكتَيْن الطائرتَيْن
بعد أن أفر َغ أحشاءها، وقط َع رأسها.
وقال:



  • «ما أطي َب أ ْك َل سمكة ال ّدولفين وهي مطبوخة! وما
    أتعسها من سمكٍة وهي نيِّئة! سوف ال أُب ِحُر بقار ٍب مّرًة
    أُخرى أب ًدا بال ِمْل ٍح أَْو ليمو ٍن حامض.»
    وقال في نفسه: «لو كن ُت ذكيًّا لرش ْش ُت الماء على ُمق َّدم
    القارب، وتركته يج ُّف َطوال اليوم فيتحَّول إلى مل ٍح، ولكنَّني
    -في الحقيقة- لم أَص َط ْد سمكَة ال ّدولفين إّال عند غروب
    ال َّشمس تقريبًا، ومع ذلك، فث ّمة سوء تدبير، ولكنّي مضغتُها
    جيًّدا، وال أشعر بالغثيان.»
    كانت ال ّسماء تتلبّد بالغيوم من جهة ال َّشرق، وراحت
    النُّجوم الّتي يعرفها تختفي واحدًة تلو األُخرى، وبدا -اآلن-
    كما لو كان يتحَّرك في واٍد سحي ٍق من الغيوم، وخفت ِت الّريح.


قال: - «سيكون ال َّطقس سيِّئًا بعد ثالثة أو أربعة أيّام، ولك ْن
ليس اللَّيلة أ ْو غ ًدا، فَ َجِّهز ال ّشراع اآلن لتنال قس ًطا من


وم ّطردة


النَّوم -أيُّها ال ّشيخ- ما دامت ال َّسمكة هادئًة
الحركة.»


بيده اليمنى في إحكاٍم، ث ّم استند بفخذه


أمس َك الخي َط


األيمن على يده اليمنى، َّواتكأَ بك ِّل ثقله على خشب ُمق َّدم
القارب، ث ّم حّو َل الخيط قليًال إلى األسفل على كتَفيْه، ووض َع
يده اليسرى عليه، وف ّكَر: «تستطيع يدي اليمنى أن تُم ِسك
بالخيط مادام ملفوفًا حولها، فإذا ارتخ ْت في أثناء النَّوم فإ َّن
يدي اليسرى ستوقظني حا َل ذهاب الخيط بعي ًدا، إ َّن األمر
صع ٌب على اليد اليمنى، ولكنَّها اعتادت على تح ُّمل المشّقة،
وحتّى لو أنام عشرين دقيقة أو نصف ساعة، ففي ذلك فائدة»،
وانكفأ إلى األمام وهو ُمتشبِّ ٌث بالخيط بجسده ُكلّه، وواضًعا
ثقله كلّه على اليد اليمنى، ونام.
لم يحلم باألُسود، ولكنَّه بدًال من ذلك حلم بمجموعٍة
من أسماك خنزير البحر وهي تنتشر لث ّمانية أو عشرة أميال في موس ِم تكاثرها، فكانت تتقافز عاليًا في الهواء، وتعود إلى


الفجوة نفسها الّتي أحدثتها في الماء عندما قفَز ْت منه.
ث ّم حلم بأنَّه في القرية، نائ ًما في فراشه، وهبّ ْت ري ٌح شماليٌّة


ْت ذراعه اليمنى؛ أل َّن رأسه اتَّكأ


فشعَر ببرٍد قارس، وقد تخ ّدر
عليها بدًال من الوسادة.


وبعد ذلك راح يحلم بال ّشاطئ األصفر ال ّطويل، وبأنّه رأى
أَّول األُسود ينزل إلى ال ّشاطئ في مطلع اللّيل، ث ّم تبعته بقيّة
األُسود، وأَنَّه أراح حنكه على خشب ُمق َّدم ال َّسفينة الّتي ألقت
بمرساتها مع هبوب نسيم المساء من ال ّشاطئ، وأنَّه لبث
يترقَّب وصول مزي ٍد من األسود، وكان سعي ًدا.
كان القمر قد ارتفع في كبد ال َّسماء منذ ُم َّدة، ولكنَّه ظ َّل
نائ ًما بينما كانت ال َّسمكة تواصل الجّر بانتظام، والقارب يسير
في نفق من الغيوم.
أفا َق على هَّزٍة مفاجئٍة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة الخيط في يده اليمنى، لم ي ُكن يشعر بيده اليسرى، ولكنّه
أوقف الخيط بك ِّل ما أوتي من قّوٍة بيده اليمنى، بَيْ َد أ َّن الخيط
انفل َت خار ًجا، وأخيًرا، عثَر ْت ي ُده اليسرى على الخيط، فمال
هو إلى الخلف ُملقيًا بثقله على الخيط الّذي راح اآلن يحّز


ظهره ويده اليسرى، وقد أخ َذ ْت يده اليسرى تتح َّمل الِعبء
ُكلّه فانجرح ْت جر ًحا سيِّئًا. نظر خلفه إلى لّفات الخيوط،
فرآها والخيط ينساب منها بخّفة، وفي تلك اللَّحظة، قفز ِت ال َّسمكُة ُمح ِدثًة انفجاًرا هائًال في المحيط، ث ّم سقو ًطا ثقيًال، ث ّم وثبَ ْت مَّرة تلو األخرى، وانطلق القارب بسرعة على الَّرغم من أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، وال ّشيخ يزيد من ال ّضغط
على الخيط حتّى يقترب من نقطة االنقطاع مّرًة بعد أُخرى،
و ُجَّر ال ّشيخ إلى األسفل بقّوة، فسقط على ُمق َّدم القارب،
وارتطم وجهه بشريحة ال ّدولفين، ولم يستطع أن يتحّرك.
وف ّكَر: «هذا ما ُكنّا ننتظره، وعلينا اآلن أن نواجهه.»
وقال في نفسه: «اجعل ال َّسمكَة تدفع ثم َن الخيط، اجعلها
تدفع ثمنه.»
لم يست ِط ْع أن يشاهد وثبات ال َّسمكة، ولكنّه كان فقط
يسمع تف ُّجر المحيط عند قفزها ورشاش المياه الثّقيل عند
سقوطها، كانت سرعة انفالت الخيط تجرح يديه بش ّدة، ولكنَّه كان يتوقَّع حدوث ذلك دائ ًما، ولهذا حاول أن يجعل الخيط يمّر عبر األجزاء ال ُّصلبة من يديه، وأّال يدعه ينزلق إلى
راحة اليد، أو يجرح أصابعه.


وف ّكَر ال ّشيخ: «لو كان ال َّصب ُّي ُهنا لبلّل لَّفات الخيط، نَع ْم،
لو كان ال َّصب ُّي هنا.. لو كان ال َّصب ُّي هنا.»
وامت َّد الخيط خار ًجا وخار ًجا وخار ًجا، ولكنَّه أخذ اآلن
بالتَّباطؤ، وسيجع ُل ال ّشيخ ال َّسمكَة تدفع مقابًال باه ًظا لك ِّل
بوصٍة من الخيط. اآلن رفع ال ّشيخ رأسه من الخشب ومن
شريحة ال ّدولفين الّتي ارتطم بها خ ُّده، ث ّم نهض على ُركبتَيْه،
ث ّم -على َمه ٍل- قام واقًفا على قدَميْه، وكان َطوال الوقت
يُرخي الخيط، ولك ْن ببطٍء أكبر، وتراج َع إلى الخلف حيث
يستطيع أن يتح َّس َس بقدمه لّفات الخيط الّتي لم ي ُكن في
استطاعته أن يراها، كانت التزال وفرةٌ من الخيط، وعلى


ذلك


النّاتج من احتكاك ك ِّل


ال َّسمكة اآلن أن تتح َّمل الِعبَء
الخيط الجديد بالماء.


أكثر من اثنتي


وف ّكَر: «نعم، اآلن بعد أن قَفز ِت ال ّسمكُة


عشرة مَّرًة، ومأل ِت الجيوب ال ُممت َّدة على طول َظهرها بالهواء،
فإنَّها ال تستطيع الغوص إلى األسفل لتموت في األعماق،
بحيث يصعب َعل ّي رفعها إلى األعلى، وسرعان ما ستبدأ
بال َّدوران، وحينئ ٍذ ينبغي أن أشتغل عليها، وإنّي أتساء ُل ما
الّذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة؟ أال يكون الجوع هو الّذي


جعلها يائسة، أْم أ َّن شيئًا ما قد أفزعها في اللَّيل؟ لعلَّها شعَر ْت
بالخوف فجأة؟ ولكنَّها كانت قبل ذلك سمكًة على قدٍر من
الهدوء والقَّوة، وب َد ْت بالغَة الثِّقة وبال خوف، إنَّه أمٌر غريب.»
وقال:



  • «من األفضل أن تكون أن َت -أيُّها ال ّشيخ- بال خوف،
    وواثًقا بنفسك، فأن َت التزال تُم ِسك بها، ولكنَّك ال
    تستطيع أن تسترَّد الخيط، ولكنَّها سرعان ما ستأخذ في
    ال َّدوران.»
    أمسك ال ّشيخ بخيط ال َّسمكة بيده اليسرى وكتَفيْه اآلن، وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليُزيل ما علق بوجهه من لح ِم سمكِة ال ّدولفين، فقد كان يخشى أن يصيبه بالغثيان
    ّفيتقيأ، ويفقد قّوته، وبعد أن ن ّظ َف وجهه غس َل يده اليمنى
    بالماء من على جانب القارب، ث ّم تركها في الماء المالح وهو
    يراقب أَّول خيوط ال ّضوء القادمة قُبَيل شروق ال َّشمس، وف ّكَر:
    «إ َّن ال َّسمكة تتَّجه نحو ال َّشرق تقريبًا، وذلك يعني أنَّها ُمتعبَة،
    وأنَّها تسير مع التّيّار، وقريبًا سيتحتَّم عليها ال َّدوران، وحينئ ٍذ
    يبدأ عملنا الحقيق ّي.»


كافيًة،


ُم ّدًة


في الماء


يده اليمنى بقيَ ْت


أ َّن


وبعد أن ق َّدَر


أخرجها، ونظَر إليها.
وقال:



  • «ال بأس بها، والَّرج ُل ال يعبأ باألَلم.»
    أَْمس َك بالخيط بعنايٍة لكيال يم ّس أ َّي جر ٍح جدي ٍد في يده،
    وحّول حمله بحيث يستطيع وضع يده اليسرى في البحر من
    الجانب اآلخر للمركب.
    وخاطب يده اليسرى قائًال:

  • «إنَّ ِك لم تتح َّملي ذلك األَلم من أجل شيٍء ال قيمة له،
    ولك ْن كانت هناك لحظة لم أتم َّكن من أن أجد ِك فيها.»
    وتساءل في نفسه: «لماذا لم أولد بي َديْن جيِّدتَيْن؟ ربَّما كانت غلطتي؛ ألنَّني لم أُدِّرب تلك اليد بصورٍة مالئمة، ولكن
    يعلم اهلل أنَّها قد أُتي َحت لها فر ٌص كافيٌة لتتعلَّم، ومع ذلك،
    فقد كانت ال بأس بها طوال اللَّيل، وأنَّها تشنَّج ْت مَّرًة واحدًة
    فقط، وإذا تشنَّج ْت مَّرًة أُخرى، فليجرحها الخيط.»
    وعندما ف َّكر في ذلك، أدرك أنَّه لم ي ُكن صافي ال ِّذهن، وخطَر له أنَّه يجب أن يمضغ مزي ًدا من لحم ال ّدولفين، فقال
    في نفسه: «ولكنَّني ال أستطيع، فَ ِم َن الخير ل َك أن تبقى مش َّوش


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

للتصميم على الم...

للتصميم على المانيكان صفات ومميزات خاصة تميزه عن غيره من الفنون التشكيلية منها: -1 الوصول إلى انسجام...

المبحث الثاني: ...

المبحث الثاني: الأعوان المكلفين بتنفيذ الميزانية وفق القانون 23-07 من أجل انشاء نظام متكامل يسمح بتح...

مسرح العرائس : ...

مسرح العرائس : ويعتبر شكلاً قديماً عرفته الأمم المتحضرة كاليونان والمصريين القدماء وظهر في بريطانيا ...

أبيت في غُرْبةٍ...

أبيت في غُرْبةٍ لا النَّفْسُ رَاضِية بها وَلا الْمُلْتَقَى مِن شِيعَتِي كَتَبُ (2) فلا رفيق تسر ال...

I hope this ema...

I hope this email finds you well.I encourage all of you to participate in this event, whether as a p...

تسرى أحكام هذا ...

تسرى أحكام هذا الباب على كافة أعمال العمران بوحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتج...

Introduction Th...

Introduction The Islamic Economic system is a system which is in conformity with the rules of Sharia...

خيرية السقاف نس...

خيرية السقاف نسبها هي الدكتورة خيرية بنت إبراهيم السقاف نشأتها ولدت ونشأت في بيت علم ودين وفكر. فهي ...

Caitlin Clark a...

Caitlin Clark and Angel Reese's impact drives million-dollar investment in the WNBA.taking a major s...

Chemical Method...

Chemical Methods - Formaldehyde • 37% solution = Formalin • Bactericidal,tuberculocidal,fungicidal, ...

تظهر الاستاذة و...

تظهر الاستاذة وهي في منزلها امام المرأة تتخيل نفسها تتكلم مع تلاميذها لانها انتقلت الى مدرسة قريبا ل...

التحديد الإجرائ...

التحديد الإجرائي: مثال لنفترض أننا سندرس البنية الاجتماعية في بلدة صغيرة تهدف الدراسة إلى تحديد ما إ...