لخّصلي

ب) كنيسة تختلف عن الدين اليهودي الرسمي:
لم يتأثر أولئك المسيحيون بتعليم القديس بولس، فما عسى ان يكون لهم دستور حياة سوى شريعة لا تقل إلزامًا وممارسة لليهود عن شريعة موسى! أفلیس تعبيراً حقيقيًّا وشاملاً عن مشيئة الله؟ وهذا هو، على ما يبدو، اقتناع محرّر إنجيل متى، ومهما جددت هذه الشريعة تظهر بمظهر امتداد للشريعة القديمة. أفلم يكن يسوع معلماً بارعاً على وجه خاص؟ أولم يعبر عن أفكاره بحسب الحكم التقليدية، حارصاً إلى حد بعيد على الصفاء والإصالة؟ فلا بد أن يؤدّي تعليمه إلى تشريع دقيق يدعو إلى الأمان. وهذا ما أوقع أولئك المسيحيين، الذين اتبعوا شريعة جديدة، في تجربة يقاومها إنجيل متى مقاومة شديدة، مصرحاً بأن مشيئة الله حرة ولا حد لها " كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل"، و"تغفر سبعين مرة سبعة مرات" فهل تعني ردة الفعل هذه على الشرعوية انقطاع مع العلاقات الجماعات اليهودية في ذلك الزمن؟ وفي أي حال كان الدين اليهودي المتأخر والمضطهد والذي فقد مدينته وهيكله، فقبيل سقوط أورشليم، استطاع بعض الفريسيين أن يهربوا من المدينة، فأسسوا مدرسة في جمنيا "يَبْنِه" على الشاطئ في جنوب يافا وأصبحت هذه المدرسة بعد السنة ۷۰ ملجأ الفريسيين الذين نجوا من المذبحة، وفي ذلك المكان استعاد الدين اليهودي الفلسطيني عافيته، فوجب عليهم أن يرصوا الصفوف فانصرفوا إلى تسوية الخلافات بين المدارس المتنافسة ووضع تقويم مشترك للأعياد وطقوس مجمعية وتحديد قانون الكتب المقدسة اليهودي، وقد حملتهم الحاجة إلى نظام على إعلاء شأن الربانية، وأخذوا يدوّنون خطياً تقليد الشريعة اليهودية. ومما ساعد على تعزيز وحدة ذلك الدين اليهودي الناهض، الضغوط الخارجية : فهناك الوثنية والغنوصية ، ولا سيما المسيحية الفتية . ومن الدين اليهودي الذي كان على أنواع كثيرة في زمن المسيح، لم يبق ، بين الحركات المعمدانية وغيرها من الحركات الهامشية ، سوی شیعتین متنافستين، وهما الفريسية والمسيحية. ولقد تصلب موقفاهما في المناظرة . فاتخذ الدين اليهودي اجراءات للدفاع عن النفس، منها رفض الترجمة السبعينية للكتاب المقدس وادخال صلوات وطقوس لا يستطيع المسيحيون أن يمارسوها ، كالصلاة المسماة بركة هَم مينيم وكان المسيحيون على علم بذلك التعصب الصادر عن الاجتماع في جمنيا، وهو يظهر في صفحات الانجيل. فالفريسية تتهم فيه بالفساد والطغيان والجشع والافراط. لا بل ينهم، من جميع علماء» الشريعة في خلال فريسيي جمنيا . زمن المسيح، فهم الذين أخبروا ، قبل جميع المؤمنين، بأهم احداث حياة يسوع ، اي هيرودس بميلاده و بيلاطس بقيامته. فلا عذر لهم، لأنهم كانوا يعلمون . ومن خلال الرؤساء ، يشعر الشعب كله بأنه متهم "ان ملكوت الله سينزع منكم " ، ويُلقى بنو الملكوت في الظلمة البرانية ، فقبل الشعب ان ينقاد لرؤسائه ، حتى تحمل مسؤولية موت يسوع: "دمه علينا وعلى اولادنا " كان خراب اورشليم أول فصول العقاب وغادرته الشكينه أما الفصل الثاني فسيجري عند عودة المسيح، في يوم الدينونة حين يكون لسدوم وعمورة مصير افضل من مصير اليهود غير المؤمنين. فليست غاية الكاتب أولاً غاية سلبي جدلية، فهو يهدف الى تعليم الجماعة المسيحية والى هدايتها في حياتها الباطنية، بدلالتها على واجباتها الخاصة فهو يعنّف المسيحيين الفاترين واليهود على حد سواء وينذرهم بالعقوبات نفسها ولا نكتشف، من خلال التوبيخ ، لا روح انتقام ولا تحريضاً على العنف ، بل يحث الانجيل على محبة الأعداء واليهود منهم بل هناك أكثر من ذلك ، فالمحافظة في الانجيل على الحكمة القديمة " فافعلوا ما يقولونه لكم واحفظوه" تدل على أن كاتب الانجيل حريص على مراعاة شعور اليهود لا تزال : هناك بعض الروابط بين المجموعتين، ولم تتم القطيعة بينهما . فالإنجيل لا يغلق على نفسه في وجه اليهود ، بل يحفظ باب الاحتمالات مفتوحاً، من دون ان يميل الى التبشيرية "تجدوا الراحة. لنفوسكم".