لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

ترك « محسن ) مسكنه في نزل ( زهرة الأكاسيا ، وكان الروسي قد اشتدت عليه وطأة المرض ؛ فلم يشأ الفتى إزعاجه بكثرة الكلام فلزم هو أيضاً حجرته ، يقطع شوارع الحي صامتاً ، ثم يعطف على باعة المأكولات يوم السوق ، يعود بهما إلى حجرته حيث يهيئ غداءه بیده ! ذلك شأنه أكثر الأيام ؛ وهو الآن لا يستطيع حتى تناول الأكل في مطعم الحي الحقير ! . الآن يدفع ثمن الأسبوعين اللذين قال إنهما ( كل زاده وكل كنزه ) واللذين قالت ( هي ) : ( إنهما شيء تتمنى لو يمحى من ذاكرتها
وتود أنها لم تعشهما ) !
ووقف الفتى أمام النار فى أحد أركان حجرته ، يرقب فوران الماء
يتبخر الماء فيصب غيره في الإناء . ويتبخر فيصب غيره . ما من مرة نضج معه هذا الأرز ! . أو يغير هذا اللون من الطعام . لماذا يفعل ذلك ؟ . لا يريد أن يعرف . غير أسعار ( الأرز ) مدونة على البطاقات في الحوانيت ، وغير عناوين الكتب القديمة ينظر إليها معروضة في المكاتب ، وكان أحياناً يلمح فوق غلاف بعض الكتب فقرة أو عبارة أو بيتاً من الشعر ، وضع على سبيل الاستشهاد ، فيجعل منه ( نغمة ) ، يظل فكره يرتب عليها تقاسيم ) طول النهار ، وكان يجد في هذا شيئاً من السلوى ؛ جعل في رأسه هذا القول لشاعر یابانی :
إنما يبنى الشاعر سعادته على الرمال ، نعم . هنا كل البلاء الآدمى ! . ألا يمكن للنفس الشاعرة أن تقيم هناءها على دعائم أثبت قليلا من هذه الرمال ، التي تغرق فيها الإبل . التي تطويها فيشبه طرفة العين أنامل الهواء ؟ نعم هنالك سبيل واحد : لا ينبغي أن نبنى شيئاً جميلا فوق هذه الأرض ! . هذه الأرض المتغيرة المتحركةبرمالها ومائها وهوائها ! وفطن الفتى ، أن هنالك حقاً نوعاً من الهناء ، ***وأحس الفتى فعلا ؛ كأنه قد خف وزنا ، وكأنه يرتفع ، ــ ليعود إلى السماء ، ولعل « الأزر » أعانه على ذلك ؛ فإن ( الزهد ) هوسلم و الصعود ) !! . وأقبل الفتى بعدئذ على غذائه الحقير الضئيل في لذة روحية ، وبسمة راضية وضاءة ، أنارت له مسالك نفسه المظلمة ، ذلك الشيخ المتأنق ، وعيونه الكحيلة ، لا في قاعة الضريح ذاتها حيث الفرش والرياش ، والخشوع الزائف ؛ إنما فى تلك الردهة الخارجية ، وترك البعض الآخر عارياً نظيفاً ، كالنفس النظيفة العارية ! . كان يحس الفتى هنالك أنه أقرب إلى
طول يومه هذا ـ يقلب مثل هذه الأفكار ، أو إلى بيت من بيوت الله . الكنيسة التي دخلها يوم تشييع جنازة زوج ابنة مدام
نعم ، إن فيها أيضاً قد أحس يومئذ عين إحساس الصعود ، لتوقعه في ذلك الحرج ، الذي وقع فيه ذلك اليوم ! . نعم ، مضحكة ؛ ثم ذلك ( القمقم ) الفضي في السكنيسة ، وتلك الإشارات والعلامات ، لماذا كل هذا ؟؟ . التي استطاعت أن ترفع الإنسان إلى بعض القمم ، سرعان ما جعلوا لها ثياب سهرة ؛ وقواعد وتقاليد ؛ لا بد من مراعاتها ! . وتنقلب الأمور على مر الزمن ، فينسى الناس الأصل والجوهر ، فإذا كل التفاتهم إلى ثياب السهرة دون الموسيقى ) ، والعبادات ، ولا يستثنى من بين هؤلاء إلا الفقراء التعساء الذين جاءواحقيقة للصلاة ، التياترو ) ، إن ( الإخلاص ) للدين والفن ، وتلك ( السانفونية الخامسة ) ، التي كان قد سمعها ، وذكر ذلك الجو العلوى الذي عاش فيه ذلك اليوم ؛ فليذهب ولو أدى ذلك إلى حرمانه أكل الموز شهراً بأكمله ! . لا لزوم للفاكهة ؛ إنه يستطيع أن يكتفى بالأرز أسبوعاً . و لم يعد يخشى شيئاً ! . هو الذي كان قد حرم على نفسه ، - تلك التي أجهزت على أمله ذبحاً ، بخطاب رقيق رقة حد السكين
المستون ! . نعم ، الآن . بقليل من الموسيقى يستطيع أن يعتصم بالسحب ، وذهب و محسن ) إلى مسرح ( شاتليه ، برنامجاً ، لريتشارد فاجنر ، وه السانفونية التاسعة )
لبيتهوفن ) ! . وكانت نقوده لا تسمح له بأكثر من مكان للوقوف بأعلى المسرح فما تردد ! وكان حريصاً دائما على اقتناء ذلك الكتيب الصغير الذي يباع في الردهة ؛ وبياناً عن ظروف وضعها ، ونبذاً من تاريخ مؤلفيها ؛ - فما أحجم عن شراء نسخة ، السطور :
قصة المسيح ؛ إذ جاء يحمل إلى الإنسانية ، الذي يخلصها من الخطيئة ! . فاجنر ) إلى صديقه الموسيقى ( لست ) : كيف نبتت في خاطره
حيث كان في مدينة
تصدح فيها
ير ، الذيانتظرته طويلا ! . خطر لي أن أضع هذه القطعة ! . . . وانقطع ( محسن ) فجأة عن القراءة ، ووقف ( المايسترو ) ، ينقر بعصاه الرفيعة نقرأ خفيفاً على قمة مصباحه الأخضر ؛ تنبيهاً للعازفين ، وبدأ « الأوركستر ) يعزف
كأنما هو صوت واحد يتكلم ، صوت ، في عين الوقت ، إلى أن تقابلها تلك الأقوال المقدسة : خذوا ، هذا هو جسدى ! . خذوا ، واشربوا ، بين عديد من الانغام السريعة المتعاقبة ، ورنين الصناجات المكبوت ؛ و محسن » ليس على هذه الأرض ، إلى أن أشار
الأستاذ ( بعصاه إشارة الانتهاء ، وانطلقت الأيدى بتصفيق كأنهالرعد ، فتنبه الفتى ، وقام الناس يدخنون في فترة الاستراحة ويتحادثون . ولمح على المسرح حركة دخول أفراد مجموعة المنشدين و الكورس ) من سيدات ورجال . ينتظمون في أماكنهم ، كي يسمع منه ، ولقد أخرج هذا العمل في تلك المرحلة من حياته - التي ابتلى فيها بالصمم - كارثة جاء ذكرها في وصيته التي كتبها في أكتوبر سنة ۱۸۸۲ م ، على أثر أزمة قوية من أزمات اليأس ، تبدو من هذه الأسطر :إلى شقيقی (کارل و « جوهان ) بيتهوفن : أنتما يا من كنتما تحسبان أني إنسان حقود عنيد أكره الناس ما أظلمكما ! . إنكما لتجهلان السبب الخفى لكل هذا الذي ظهر لكما من أمرى ! . إنى ، كنت أحس أن نفسي وقلبي يتجهان بطبعهما إلى الخير ! . لا تنسيا أنى ، منذ أعوام ستة ، أصبت بداء قاس ، زاده خطراً عجز الأطباء ! . وأنى ألفيت نفسي مرغماًعلى العزلة قبل الأوان ، آه ، كيف أعترف بهذا وأعلن للناس ضعف حاسة كان ينبغى أن تكون عندى أقوى مما عند جميع الناس ، حاسة كنت أملكها - فيما مضى - على أكمل نمو ، مما لم يتيسر مثله إلا لقليل غيرى من الموسيقيين . لهذا أرجو أن تصفحا عنى إذا كنت اليوم أهجر - كما تريان - هذا العالم ، إنى لشديد الإحساس بمصيبتي ، وإنى من أجلها ينكرنى الجميع ! . انتهت المصارحات القوية ، وتبادل المناجاة الحارة ؛ حالى الآن لا تسمح لى بارتياد المجتمع إلا بالقدر الذي تحتمه الضرورة القصوى ! . أى إذلال يجرح نفسى أحياناً ، إذ أرى إلى جانبي أحد الناس ، يصغى إلى أنغام مزمار يعزف عن بعد ، فأبدى ( بتهوفن ) جهداً مرهقاً ، فلم يستطع ، فكذب عليه ، وزعم له أنه هو أيضاً لا يسمع شيئاً ، ولكن ( بيتهوفن » فهم الحقيقة
وغرق في حزن عميق ! . كانت تلقى بي على أعتاب اليأس ، ولكنه الفن وحده ، هو الذي أبقى على حياتي . إنه ليشق على ترك هذا العالم ، قبل أن أعطى كل ما أحس داخل نفسى من مخلوقات ، إنك لترين من عليائك ذلك القاع السحيق ، في أعماق قلبي ! . إنك لتعرفين أنه عامر بحب الإنسانية والرغبة في عمل الخير . يا شقيقي کارل » و « جوهان » . لم يزل حيا ، فالتمسا منه باسمى ، أن يصف دائي وأن يرفق ذلك بصفحاتى هذه ، فلعل الناس بعد موتى يصفحون عنى على الأقل . أما إساءتكما لى ، فأنتما تعلمان أني قد صفحت عنها منذ أمدبعيد . وأن تعفيا مما رزئت أنا به من متاعب ! . فهي وحدها - لا و المال ) - السبيل الحقيقي للسعادة ! . وإنى أتكلم عن تجربة ، وإليها وإلى ( فني ) يرجع كل الفضل في أني لم ألجأ إلى الانتحار . وليحب أحدكماالآخر ! . عندما أخرج سانفونيته التاسعة ) ، ولقد احتمل كل ذلك في جلد - كما قال في وصيته - ولقد خضع لحكم القدر فى شجاعة ؛ كما يقول فيمذكرات أخرى :ه الإذعان ) ، الاستسلام ؛ فلنعرف كيف نستخرج الدرس الخلقى النافع من أفدح المصائب والكوارثبذلك نجعل أنفسنا جديرين بمغفرة الله ! . يهيم في غاباتها ملتمساً منالطبيعة العزاء ، آملا أن يجد في صدرها كل قوى الحياة والخلق ، في أوراقه :
وأشعر بالسعادة فى هذه الغابات ، هنا كل شجرة من هذه الأشجار تسمعنى صوتك ! . يا لها من روعة أيها المولى العظيم ! . هذه الأحراش ، وهذه الوديان ،


النص الأصلي

ترك « محسن ) مسكنه في نزل ( زهرة الأكاسيا ، واستأجر حجرة في النزل الذي يقطنه صديقه ( إيفانوفتش ) ، وكان الروسي قد اشتدت عليه وطأة المرض ؛ فلم يشأ الفتى إزعاجه بكثرة الكلام فلزم هو أيضاً حجرته ، لا يخرج منها إلا في الصباح ، يقطع شوارع الحي صامتاً ، ثم يعطف على باعة المأكولات يوم السوق ، فيشترى كيلو جراماً ) من الأرز وموزة واحدة ، يعود بهما إلى حجرته حيث يهيئ غداءه بیده ! ذلك شأنه أكثر الأيام ؛ فقد نضبت موارده من طول الإنفاق في المطاعم الجيدة ودور السينما والمشارب ، وهو الآن لا يستطيع حتى تناول الأكل في مطعم الحي الحقير ! ... إنه . الآن يدفع ثمن الأسبوعين اللذين قال إنهما ( كل زاده وكل كنزه ) واللذين قالت ( هي ) : ( إنهما شيء تتمنى لو يمحى من ذاكرتها


وتود أنها لم تعشهما ) !


ووقف الفتى أمام النار فى أحد أركان حجرته ، يرقب فوران الماء


في آنية الأرز ( الألومنيوم ) ، وهو صامت مفكر شأنه في كل يوم منتلك الأيام التي مضت كأنها أعوام ! ... يتبخر الماء فيصب غيره في الإناء ... ويتبخر فيصب غيره ... والأرز لا ينضج ؛ فيأكله آخر الأمر شبه حصى ! ... ما من مرة نضج معه هذا الأرز ! ... وما من مرة خطر له أن يسأل أحداً في طريقة طهيه ، أو يغير هذا اللون من الطعام ... لماذا يفعل ذلك ؟ ... ليس للأكل الآن مذاق في فمه ؛ وإن ( الكيلو ) من هذا الأرز الرخيص ليكفيه خمسة أيام ! ... وكان الحجرة ( محسن ( الجديدة نافذة لم يفتحها قط منذ مجيئه و لم يدر على أي شيء تشرف ! ... لا يريد أن يعرف ... إن نافذة قلبه قد أغلقت ... وما من شيء يسترعى التفاته الآن ، غير أسعار ( الأرز ) مدونة على البطاقات في الحوانيت ، وغير عناوين الكتب القديمة ينظر إليها معروضة في المكاتب ، دون أن يمسها ... وكان أحياناً يلمح فوق غلاف بعض الكتب فقرة أو عبارة أو بيتاً من الشعر ، وضع على سبيل الاستشهاد ، فيجعل منه ( نغمة ) ، يظل فكره يرتب عليها تقاسيم ) طول النهار ، وكان يجد في هذا شيئاً من السلوى ؛ غير أن بصره وقع ذات يوم على كتاب ، جعل في رأسه هذا القول لشاعر یابانی :


إنما يبنى الشاعر سعادته على الرمال ،


ويسطر أشعاره فوق ماء الجدولالجاري ! ...نعم ... هنا كل البلاء الآدمى ! ... ألا يمكن للنفس الشاعرة أن تقيم هناءها على دعائم أثبت قليلا من هذه الرمال ، التي تغرق فيها الإبل ... وتكتب أغانيها على صفحات أبقى من صفحات هذا الماء ، التي تطويها فيشبه طرفة العين أنامل الهواء ؟ نعم هنالك سبيل واحد : لا ينبغي أن نبنى شيئاً جميلا فوق هذه الأرض ! ... هذه الأرض المتغيرة المتحركةبرمالها ومائها وهوائها ! وفطن الفتى ، أن هنالك حقاً نوعاً من الهناء ، قد عرفه يوماً ، هو هناء الصفاء ! .. هذا الصفاء الذي لا يوجد إلا في الارتفاع ! .***وأحس الفتى فعلا ؛ كأنه قد خف وزنا ، وكأنه يرتفع ، وكأنه يبتعد عن هذه الأرض ؛ ــ ليعود إلى السماء ، إلى سمائه التي كان قد هبط منها !! ...ولعل « الأزر » أعانه على ذلك ؛ فإن ( الزهد ) هوسلم و الصعود ) !! ..وأقبل الفتى بعدئذ على غذائه الحقير الضئيل في لذة روحية ، وبسمة راضية وضاءة ، أنارت له مسالك نفسه المظلمة ، وذكرته بسروره في صباه يوم كان يقتات ( بالقول النابت ) ، ويجلس بكتابه كل يوم إلى جوار ضريح ( السيدة زينب ) ! ... لم يكن شيء يعكر عليه صفاءه الروحي يومئذ غير حارس المسجد ، ذلك الشيخ المتأنق ، في عباءته الثمينة ، وشعره المخضب بالحناء ، وعيونه الكحيلة ، ينظر بها إلى صندوق ( النذور ) بين يديه ، وغير سجاجيد المسجد الغالية وثرياته الكبيرة . لماذا كل هذا ؟ !.. إن الفتى لم يكن قط يخالجه شعور اللذة العليا إلا وهو فوق الحصير ، حيث كان يتخذ مكانه دائماً ، لا في قاعة الضريح ذاتها حيث الفرش والرياش ، وبقية تلك المظاهر الحمقاء لذلك الاحترام الكاذب ، والخشوع الزائف ؛ إنما فى تلك الردهة الخارجية ، التي طرح الحصير على بعض أرضها ، وترك البعض الآخر عارياً نظيفاً ، كالنفس النظيفة العارية ! ... كان يحس الفتى هنالك أنه أقرب إلى


روح السيدة الطاهرة !


وجعل ( محسن ، طول يومه هذا ـ يقلب مثل هذه الأفكار ، وحنين إلى المسجد ، أو إلى بيت من بيوت الله . وتذكر


الكنيسة التي دخلها يوم تشييع جنازة زوج ابنة مدام
شارل ) ! ... نعم ، إن فيها أيضاً قد أحس يومئذ عين إحساس الصعود ، لكن ، تلك المراسيم والطقوس سرعان ما جذبته إلى الأرض ، لتوقعه في ذلك الحرج ، الذي وقع فيه ذلك اليوم ! .... نعم ، كلما همت روح الإنسان بالتحليق نحو الأعالى كبلتها أكاذيب الإنسان ، وأنزلتها إلى التراب ، كل شقاء الإنسانية أنها لا تستطيع أن تترك شيئاً عظيما ، ذا قداسة ، بغير أن تلبسه ثياباً مبتذلة


مضحكة ؛ من حمقها وزيفها وغرورها ؟! لماذا أراد الناس أن يجعلوا ( الله ) في حاجة إلى السجاجيد الفارسية يفرش بها بيوته ؟! .. و «السيدة ) في حاجة إلى ( النذور » والنجف والشمع ؛ كأنها لا تستطيع النوم في الظلام ، ثم ذلك ( القمقم ) الفضي في السكنيسة ، وتلك الإشارات والعلامات ، لماذا كل هذا ؟؟ ... حتى ( الموسيقى العظيمة ) ، التي استطاعت أن ترفع الإنسان إلى بعض القمم ، سرعان ما جعلوا لها ثياب سهرة ؛ ترتدى من أجلها ، وقواعد وتقاليد ؛ لا بد من مراعاتها ! ... وتنقلب الأمور على مر الزمن ، فينسى الناس الأصل والجوهر ، ويذكرون الفرع والعرض ... فإذا كل التفاتهم إلى ثياب السهرة دون الموسيقى ) ، وإذا كل عنايتهم بالمظاهر والمجاملات ، دون الإيمان


والعبادات ، ولا يستثنى من بين هؤلاء إلا الفقراء التعساء الذين جاءواحقيقة للصلاة ، ومن بين أولئك - إلا الهواة - زبائن أعلى


التياترو ) ، الذين حضروا حقيقة من أجل الموسيقى ! .. إن ( الإخلاص ) للدين والفن ، يستوجب ( التجرد ) ! ... وذكر ( محسن ) ( بيتهوفن ) ، وتلك ( السانفونية الخامسة ) ، التي كان قد سمعها ، وذكر ذلك الجو العلوى الذي عاش فيه ذلك اليوم ؛ فحدثته النفس بالذهاب إلى ( الكونسير ) ! ... نعم ، فليذهب ولو أدى ذلك إلى حرمانه أكل الموز شهراً بأكمله ! .. لا لزوم للفاكهة ؛ إنه يستطيع أن يكتفى بالأرز أسبوعاً ... وأشرق وجه الفتى لهذه الفكرة ، وأحس كأن برداً وسلاماً يهبطان قلبه ؛ ويضمدان جروحه ! .. إنه الآن يشعر ببعض القوة ، و لم يعد يخشى شيئاً ! ... هو الذي كان قد حرم على نفسه ، خوف الضعف ، ذكر الجميلة قاطنة نزل زهرة ( الأكاسيا ) ! ؛ - تلك التي أجهزت على أمله ذبحاً ، بخطاب رقيق رقة حد السكين


المستون ! ..


نعم ، الآن .. بقليل من الموسيقى يستطيع أن يعتصم بالسحب ،


ضد هذا الحب الأرضى ، الذي وضع أنفه في الرغام !


وذهب و محسن ) إلى مسرح ( شاتليه ، فوجد من حسن حظه


برنامجاً ، موسيقياً حافلا : ( پارسیفال و سحر يوم الجمعةالحزينة ) ؛ لريتشارد فاجنر ، وه السانفونية التاسعة )


( لبيتهوفن ) ! ...


وكانت نقوده لا تسمح له بأكثر من مكان للوقوف بأعلى المسرح فما تردد ! وكان حريصاً دائما على اقتناء ذلك الكتيب الصغير الذي يباع في الردهة ؛ فإن فيه تحليلا دقيقاً في أكثر الأحيان للقطع التي تعزف ، وبياناً عن ظروف وضعها ، ونبذاً من تاريخ مؤلفيها ؛ - فما أحجم عن شراء نسخة ، وأسرع يتخذ له مكاناً ، تحت مصباح من مصابيح الكهرباء ، وجعل يطالع على عجل هذه


السطور :


لقد أراد و فاجنر ) أن يصور بموسيقاه ، قصة المسيح ؛ إذ جاء يحمل إلى الإنسانية ، التي نخرت فيها ( الأنانية » ناموس ( الحب ) ، الذي يخلصها من الخطيئة ! ... ولقد جاء في خطاب خاص أرسله


فاجنر ) إلى صديقه الموسيقى ( لست ) : كيف نبتت في خاطره


فكرة تأليف هذه القطعة ؟! ووصف المشاعر التي أثارتها في نفسه


ذكرى الجمعة الحزينة فى يوم من أيام الربيع ، حيث كان في مدينة


زوريخ ) : ( لأول مرة استيقظت يوم الجمعة المقدس على شمس


، فنظرت إلى الحديقة حولى فألفيتها خضراء ، تصدح فيها


ير ، فجلست على عتبة البيت أنعم بهذا السلام ، الذيانتظرته طويلا ! .. وأثر فى نفسى هذا الصفاء الذي يكتنف الأشياء ، فتذكرت من فورى ، أن اليوم هو يوم الجمعة المقدس ! .. وعند


ذاك ، خطر لي أن أضع هذه القطعة ! ... . . وانقطع ( محسن ) فجأة عن القراءة ، فقد أطفئت الأنوار ، ووقف ( المايسترو ) ، ينقر بعصاه الرفيعة نقرأ خفيفاً على قمة مصباحه الأخضر ؛ تنبيهاً للعازفين ، وبدأ « الأوركستر ) يعزف


مقدمة ( بارسيفال ) :


نغمة ترتفع منفردة أول الأمر ، لا يصحبها شيء ؛ كأنما هو صوت واحد يتكلم ، وسط سكون السكون ! ... صوت ، في عين الوقت ، إلهى وبشرى ! ... وتمضى تلك النغمة حاملة في أعماقها بذور الألحان الدينية ، التي تتركب منها القطعة ، إلى أن تقابلها تلك الأقوال المقدسة : خذوا ، وكلوا ؛ هذا هو جسدى ! ... خذوا ، واشربوا ، هذا هو دمى ! ... ثم يسمع من ( الكواتيور ) شبه رعدة مبهمة ، بين عديد من الانغام السريعة المتعاقبة ، ورنين الصناجات المكبوت ؛ كأنما هو صوت طليق ممتد ، يخفت الميئاً فشيئاً تحت قباب


كاتدرائية عظيمة !


واستمر الأداء ، و محسن » ليس على هذه الأرض ، إلى أن أشار


الأستاذ ( بعصاه إشارة الانتهاء ، وانطلقت الأيدى بتصفيق كأنهالرعد ، فتنبه الفتى ، وقام الناس يدخنون في فترة الاستراحة ويتحادثون ... وبقى محسن ) واجماً في مكانه ، ولمح على المسرح حركة دخول أفراد مجموعة المنشدين و الكورس ) من سيدات ورجال ... ينتظمون في أماكنهم ، فرفع الكتيب إلى عينيه ، ليقرأ ما قيل عن قطعة ( بيتهوفن ) ويهيئ نفسه للمثول بين يدى هذا القلب العظيم ، كي يسمع منه ، ويفهم عنه ! .. وقرأ الفتى هذه الصفحة ؛ وبلغ فن ( بيتهوفن ) في ( السانفونية التاسعة ) غاية ما يستطيعه بشر في عالم البناء الصوتى ، ولقد أخرج هذا العمل في تلك المرحلة من حياته - التي ابتلى فيها بالصمم - كارثة جاء ذكرها في وصيته التي كتبها في أكتوبر سنة ۱۸۸۲ م ، على أثر أزمة قوية من أزمات اليأس ،تبدو من هذه الأسطر :إلى شقيقی (کارل و « جوهان ) بيتهوفن : أنتما يا من كنتما تحسبان أني إنسان حقود عنيد أكره الناس ما أظلمكما ! .... إنكما لتجهلان السبب الخفى لكل هذا الذي ظهر لكما من أمرى ! ... إنى ، منذ الطفولة ؛ كنت أحس أن نفسي وقلبي يتجهان بطبعهما إلى الخير ! ... إنى كنت دائماً على استعداد للقيام بأعمال عظيمة ، ولكن .. لا تنسيا أنى ، منذ أعوام ستة ، أصبت بداء قاس ، زاده خطراً عجز الأطباء ! ... وأنى ألفيت نفسي مرغماًعلى العزلة قبل الأوان ، وعلى إنفاق بقية حياتي بعيداً عن العالم ! ... ولقد حاولت أن أتجاهل أحياناً ما نزل بي ، ولكن التجربة المؤلمة كانت تذكرني دائماً بأني قد فقدت السمع ، ومع ذلك فإني لم أستطع أن أتجرأ مرة وأقول للناس : تكلموا بصوت عال ! صيحوا إلى أصم ! .. آه ، كيف أعترف بهذا وأعلن للناس ضعف حاسة كان ينبغى أن تكون عندى أقوى مما عند جميع الناس ، حاسة كنت أملكها - فيما مضى - على أكمل نمو ، وأدق تركيب ، وأرهف شعور ؛ مما لم يتيسر مثله إلا لقليل غيرى من الموسيقيين .. .... كلا ! ... لا أستطيع ؛ لهذا أرجو أن تصفحا عنى إذا كنت اليوم أهجر - كما تريان - هذا العالم ، الذي كنت فيما سبق أمرح فيه بكل نفس راضية ! ... إنى لشديد الإحساس بمصيبتي ، وإنى من أجلها ينكرنى الجميع ! ... لم يعد الآن من حقى أن أنشد الراحة في صحبة إخواني الآدميين ! ... انتهت مسرات المحادثات اللطيفة ، ولذات المناقشات الرفيعة ... انتهت المصارحات القوية ، وتبادل المناجاة الحارة ؛ حالى الآن لا تسمح لى بارتياد المجتمع إلا بالقدر الذي تحتمه الضرورة القصوى ! ... ينبغي إذن أن أعيش مطروداً منبوذاً ! ... أى إذلال يجرح نفسى أحياناً ، إذ أرى إلى جانبي أحد الناس ، يصغى إلى أنغام مزمار يعزف عن بعد ، لا أستطيع أنا أنأسمعها ، أو أناشيد راع ، لا أستطيع أن أسمعها كذلك ... . . يروى أحد أصدقاء ( بتهوفن ) أنه في صباح صيف ۱۸۰۲ م ، استرعى التفات صديقه إلى راع فى الغابة يعزف على ناي من قصب ألحاناً شجية ، فأبدى ( بتهوفن ) جهداً مرهقاً ، ليسمع شيئاً ، فلم يستطع ، ورفق به صديقه ، فكذب عليه ، وزعم له أنه هو أيضاً لا يسمع شيئاً ، لبعد الصوت عنهما ، ولكن ( بيتهوفن » فهم الحقيقة


وغرق في حزن عميق ! . مثل هذه الحوادث ، كانت تلقى بي على أعتاب اليأس ، و كادت تغريني بأن أضع حداً لأيامي ! ... ولكنه الفن وحده ، هو الذي أبقى على حياتي ... آه ! ... إنه ليشق على ترك هذا العالم ، قبل أن أعطى كل ما أحس داخل نفسى من مخلوقات ، لم تزل بعد في طور التكوين ! ... آه أيتها القدرة الإلهية ! ... إنك لترين من عليائك ذلك القاع السحيق ، في أعماق قلبي ! ... إنك لتعرفين أنه عامر بحب الإنسانية والرغبة في عمل الخير ... يا شقيقي کارل » و « جوهان » .. إذا انتهت أيامي ، وكان طبيبي الأستاذ شميث ، لم يزل حيا ، فالتمسا منه باسمى ، أن يصف دائي وأن يرفق ذلك بصفحاتى هذه ، فلعل الناس بعد موتى يصفحون عنى على الأقل ... أما إساءتكما لى ، فأنتما تعلمان أني قد صفحت عنها منذ أمدبعيد ... وكل ما أتمنى الآن ، أن تكون حياتكما أيسر من حياتي ، وأن تعفيا مما رزئت أنا به من متاعب ! ... وأوصيكما أن تعلماً أطفالكما ( الفضيلة ) ؛ فهي وحدها - لا و المال ) - السبيل الحقيقي للسعادة ! ... وإنى أتكلم عن تجربة ، « فالفضيلة و هي التي كانت كل سندى فى محتنى ، وإليها وإلى ( فني ) يرجع كل الفضل في أني لم ألجأ إلى الانتحار ... وداعاً ! ... وليحب أحدكماالآخر ! ... .لقد كان ( بيتهوفن ( يعيش إذن في ظلام السكون ، عندما أخرج سانفونيته التاسعة ) ، ولقد احتمل كل ذلك في جلد - كما قال في وصيته - ولقد خضع لحكم القدر فى شجاعة ؛ كما يقول فيمذكرات أخرى :ه الإذعان ) ، الاستسلام ؛ الاستسلام ... فلنعرف كيف نستخرج الدرس الخلقى النافع من أفدح المصائب والكوارثبذلك نجعل أنفسنا جديرين بمغفرة الله ! ... )لم يبق إذن لـ 1 بيتهوفن ( من الحياة ، غير متعة و البصر ) : عيناهوحدهما أمستا كل صلته بالطبيعة ، وقد انحصر كل فرحه في إرسالالنظر إلى وديان ( فينر فالد ( الخضراء ، يهيم في غاباتها ملتمساً منالطبيعة العزاء ، آملا أن يجد في صدرها كل قوى الحياة والخلق ،صائحاً في فضائها من أعماق قلبه تلك الصيحات التي وجدت مدونة


في أوراقه :


يا رب الغابات ! .. يا ربى القدير على كل شيء ، إنى أحس البركات ، وأشعر بالسعادة فى هذه الغابات ، هنا كل شجرة من هذه الأشجار تسمعنى صوتك ! ... يا لها من روعة أيها المولى العظيم ! ... هذه الأحراش ، وهذه الوديان ، تفوح برائحة الهدوء والسلام ! ... هذا السلام الذى لا بد لنا منه ؛ لتستطيع أن نتفاني في


خدمتك ! ... .


ووقف ) محسن ( عن القراءة في عجب وتأثر شديدين ! لكأن عبيراً يعرفه ، يهب من طيات هذه الكلمات ... إن هي إلا كلمات صادرة من النبع الذي صدرت منه كلمات أنبياء الشرق .... وأطفئت الأنوار ، وتكلم ( بيتهوفن ) ... إنه لا يتكلم كبقية الناس ؛ لكنه يقيم من الأصوات عالماً ، لا تدخله ولا تسكنه غير الأرواح الخيرة المهذبة .... وتحددت أركان تلك ( السانفونية ) ووضحت للآذان والأرواح : هيكلا عظيما ، مشيداً على أعمدة


نورانية ؛ من أنغام آلية ، وأصوات آدمية !


و لم يتمالك ( محسن ) ، وأخذته رجفة ، وتصبب جبينه العرق ،


نشوة عليا ؛ عندما ارتفعت الأبواق النحاسية إلى جانب صيحةالكورس ) :قفوا متعانقين ! ... أيتها الملايين ) من البشر ! ... .... ! أيها الإخوة إن فوق النجوم أباً حبيباً إلى كل القلوب ! ... .ولبث الفتى : مشدود الأعصاب ، متفصد الجبين ؛ في شبه ذهول حتى عزف الـ ( أليجرو ( الختامي ، والتقت أصوات الرجال والنساء بصوت ( الأوركستر ) ! ... فكأنما أستار السماء قد انفرجت ليصل إلى آذاننا غناء الحور والملائكة ، مجتمعين في جنة الخلود يلقون نشيد الفرح ، ذلك القبس الإلهى ، فرح الأنفس التيتعيش في ( الله ) ! ...


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يكمن هدف التدري...

يكمن هدف التدريس في تحقيق النموّ في الجانب المعرفيّ، والجانب النفسيّ، والحركي، والوجدانيّ للفرد، وتم...

نشاط : مشاركة ا...

نشاط : مشاركة المرأة في الاحزاب السياسية. اختر أحد الأحزاب السياسية التي ترغب في الانضمام إليها أو ...

in their state ...

in their state of language acquisition. If they use the plural marker and answer “wugs”, which is pr...

ثانياً: الدولة ...

ثانياً: الدولة والمجتمع المدني: علاقات التكامل: لاشك أن فهم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني على أ...

Caitlin Clark G...

Caitlin Clark Gets New Nickname From Stephen A. Smith Amid WNBA Hype.Numbers don't lie, which is why...

- دعت باكستان ط...

- دعت باكستان طاجيكستان لاستخدام ميناء كراتشي لتجارة الترانزيت حيث اتفق البلدان على تعزيز التعاون، و...

كانت العلاقة بي...

كانت العلاقة بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى جيدة في القرن التاسع عشر، ولكن في أوائل الق...

سبق وأن قام وال...

سبق وأن قام والدي المؤرخ المرحوم (عبدالرحمن بن سليمان الرويشد) بتكليف من الأمير المرحوم فهد بن محمد ...

في علم النفس كا...

في علم النفس كان هناك صراع بين التحليل النفسي و العلاج السلوكي، حيث ركز كلاهما على البؤس والصراع، مع...

وأعظم الأسباب ل...

وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَ...

Showing kindnes...

Showing kindness is a crucial human trait. When someone is facing hardship or difficulty, extending ...

بيان المهمة " ت...

بيان المهمة " توفير تعليم وتدريب عالي الجودة يحركه السوق ودعم ريادة الأعمال والبحث التطبيقي التعاوني...