لخّصلي

"لِماذا أَنا؟" أَسْتَيْقِظُ يَوْميًّا مُتَسائِلًا، فَقَدْ كانَتْ حَياتي أَجْمَلَ حَياةٍ، وَكُنْتُ أَنْتَظِرُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَمَلٍ لا يَسَعُهُ الكَوْن. لَكِنَّني اليَوْمَ، بَعْدَ إِصابَتي بِذَلِكَ المَرَضِ الخَبيثِ، هَزيلُ الجِسْمِ، مُمَدَّدٌ عَلى سَريرٍ في غُرْفَةٍ فارِغَةٍ، تَرْتَجِفُ يَدي لِشِدَّةِ بُرودَةِ المَحْلولِ الَّذي يَدْخُلُ في عُروقي، مَحْبوسٌ في غُرْفَةِ المُسْتَشْفى أُصارِعُ ضُعْفَ جِسْمي في حينِ يَرْكُضُ الأَطْفالُ وَيَلْعَبونَ مَعًا مُبْتَسِمينَ في الحَديقَةِ الخَضْراءِ الزّاهيَةِ اللَّوْنِ. وَها هيَ دَمْعَتي السّاخِنَةُ تَسيلُ عَلى خَدّي إِذْ صارَتْ أَيّامي باهِتَةَ اللَّوْنِ وَبِلا مَعْنى، يَسودُها الخَوْفُ وَخَيْبَةُ الأَمَلِ، فَقَدْ ضاعَ مِنّي كُلُّ ما أُحِبُّهُ بِلَحْظَةٍ، وَكَأَنَّهُ سَرابٌ يَراهُ السّائِرُ في صَحْراءِ الحَياةِ.

فَجْأَةً طُرِقَ البابُ، فَمَسَحْتُ دُموعي لِئَلّا يَراها أَحَدٌ. وَإِذا بِأُمّي تَدْخُلُ مُبْتَسِمَةً، لَكِنَّني أَعْلَمُ أَنَّ قَلْبَها يَتَمَزَّقُ مِنَ الدّاخِل. نَظَرَتْ إِلى وَجْهي الشّاحِبِ قائِلَة: "أَكُنْتَ تَبْكي؟"، فَتَساءَلْتُ كَيْفَ عَرَفَتْ، ثُمَّ احْتَضَنَتْني وَقالَت: "عَيْناكَ ذابِلَتانِ كَزَهْرَةٍ لَمْ تَرْشِفِ الماءَ مُنْذُ أَيّامٍ." عِنْدَها حاوَلْتُ حَبْسَ دُموعي لِئَلّا تَراني ضَعيفًا، لَكِنَّني لَمْ أَسْتَطِعْ، فَرَمَيْتُ نَفْسي بَيْنَ ذِراعَيْها مُتَسائِلًا: "لِماذا أَنا يا أُمّي؟"

ـ "اللَّهُ يَعْلَمُ، يا صَغيري، أَنَّكَ طِفْلٌ قَويٌّ وَقادِرٌ عَلى عُبورِ جِسْرِ الحُزْنِ وَالأَلَمِ. وَهوَ يُحِبُّكَ وَيُريدُ مَنْحَكَ المَزيدَ مِنَ الخَيْرِ وَالعَطاءِ."

ـ "وَكَيْفَ سَأَتَغَلَّبُ عَلى كُلِّ هَذا؟ أَلا تَرَيْنَ حالَتي؟"

ـ "أَتَذْكُرُ ، يا حَبيبي" ماذا سَمَّيْتُكَ في صِغَرِكَ؟"

ـ "نَعَمْ، البَطَلُ الصَّغيرُ."

ـ "صَحيحٌ، وَذَلِكَ لأَنَّ الأَبْطالَ لا يَخافونَ شَيْئًا، بَلْ يُحارِبونَ كُلَّ المَصاعِبِ وَيُقاوِمونَها. وَأَنا عَلى يَقينٍ أَنَّكَ سَتَتَغَلَّبُ عَلَيْها مِثْلَهُمْ."

ـ "أَعِدُكِ يا أُمّي بِأَنْ أَكونَ ذَلِكَ البَطَلَ."

بَعْدَ قَليلٍ، خَرَجَتْ أُمّي لإِحْضارِ الفَطورِ، فَسَمِعْتُ، بِصَوْتٍ هامِسٍ، كَلامَ الطَّبيبِ مَعَها مِنْ وَراءِ البابِ: "لَقَدْ قُمْتُ بِكُلِّ ما في وُسْعي، وَهُناكَ عِلاجٌ جَديدٌ سَنُجَرِّبُهُ اليَوْمَ، لَكِنَّهُ قَويٌّ جِدًّا عَلى جِسْمِهِ وَقَدْ يؤْلِمُهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأَدْويَةِ السّابِقَةِ."



هُنا، شَعَرْتُ بِمَوْجَةٍ مِنَ الخَوْفِ في صَدْري، وَتَحَطَّمَ قَلْبي لِسَماعي بُكاءَ أُمّي بِحُرْقَةٍ، فَتَعَهَّدْتُ بِالمُحارَبَةِ لأَجْلِها فَهيَ لَمْ تَتَخَلَّ عَنّي يَوْمًا. وَبَعْدَها، رَفَعْتُ يَدَيَّ وَدَعَوْتُ اللَّهَ بِثِقَةٍ أَنْ يُعينَني وَيَزْرَعَ الأَمَلَ في قَلْبي وَيُنيرَ حَياتي؛ فَهَذا العِلاجُ شُعاعُ الأَمَلِ الأَخيرِ وَلَنْ أُفْلِتَهُ، بَلْ سَأَتَمَسَّكُ بِخُيوطِ التَّفاؤُلِ مُنْتَظِرًا اليَوْمَ الَّذي سَأَلْعَبُ فيهِ مَعَ أَصْدِقائي بِفارِغِ الصَّبْرِ.