لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

ب دور القانون في قيام الدولة
إن أهم مشكلة في المدن الإغريقية كانت الفوضى التي أدت إلى اضطرابات متلاحقة وإلى ثورات قامت على أثرها نظم سياسية متعددة ومتنوعة . وقانون صولن، الذي اعتبر أهم تشريع عرفه العالم القديم، هدف إلى تأمين النظام والانسجام بين الطبقة الغنية والطبقةالفقيرة في المدن الإغريقية. غير أن تلك الفوضى التي كانت تعصف بتلك المجتمعات من حين إلى آخر، ارتكز القائمون بها على بعض المفاهيم الأولية التي استنبطوها من خبرتهم وتجاربهم، أو استقوها من البلدان المجاورة أي الفرس أو فينيقيا. لقد أخذ اليونان الأبجدية عن الفينيقيين، ودونوا ما وصل إليهم من تراث فكري وعلمي من البلدان الشرقية، على حد قول أميل بريهيه، الذي أكد أن الفلسفة إنما بدأت في بلاد ما بين النهرين وليس في اليونان (1) . أي في أحضان البرابرة. وبخاصة الفلسفة السياسية، إذا لم تصل البشرية إلى المرحلة العقلانية. فالفلاسفة اليونان الأوائل الذين ظهروا منذ القرن الخامس، والتي لم تكن قط مفاهيم يونانية. الطغاة، ولمحاولة تفسير ظواهر الطبيعة، نرى أن الفيثاغوريين قالوا بالعدد والكيل لكي يشرحوا المساواة في الطبيعة، فالأعداد تؤمن الانسجام والتوافق، من ضمن تناسب معين. وهذا ما حاولوا تطبيقه في الموسيقى والطب والطبيعة والسياسة ونظرية الأعداد استند إليها أفلاطون كي يبين نظريته في المثل والمشاركة، وكذلك نرى أن العدالة في إنكلترا هي العدد المربع Square number‏ وذلك على سبيل الاستعارة. ولكن قبل اليونان وقبل أرسطو، كانت مقولة الوسط رائجة عند الفينيقيين. ففي مسرحية يور بيدس Euripides ( الفتيات الفينيقيات ) ، تلح يوكاستا على ابنها لالتزام الاعتدال، فتقول: المساواة هي التي تربط الصديق بالصديق والمدن بالمدن والحلفاء بالحلفاء. ولقد فرضت المساواة المقاييس على البشر وألزمتهم الوفاء بالكيل والعدد (1). من هنا ، يؤكد إرنست باركر أن مقولة العدد عند الفيثاغوريين إنما هي معطى فينيقي تبنته المدرسة الفيثاغورية وانطلقت لكي تبني الانسجام والاعتدال في المجتمع الأثيني الآنف الذكر. كما أن مبدأ المساواة انسحب على الفلسفة الطبيعية برمتها ، فحاول أصحابها أن يردوا كل شيء إلى العناصر الأربعة. وهذا ما شاهدناه في ابتكار قواعد اللغة والموسيقى والكتابة والتدوين، وفي الأخلاق والسياسة، بعدئذ، أصبح الإنسان محور المعرفة، والمعرفة مرتبطة بالإنسان في الطبيعة. وهذا ما سمح للفلسفة السياسية بأن تظهر انطلاقاً من النظرية الطبيعية التي تدعي الحل لجميع تعقيدات السلوك البشري. فالقانون الطبيعي يخلق العرف والعادة وهذا ما نشاهده عند السفسطائي «أنطيغون» الذي وقف ضد الحكم الأرستقراطي ليقول «أن لا وجود لأي فارق طبيعي بين الإغريق والبرابرة». وفي كتابه «الحقيقة (2) ، يقول إن القانون هو مجرد عرف وعادة والطبيعة ليست سوى الأنانية وتحقيق المنافع الخاصة. غير أن الأنانية المنبثقة من العيش على الطبيعة كما يدعي أنطيغون، وسرقة أموالهم والإطاحة بممتلكاتهم. وما يهمنا هنا أنه في القرن الخامس ق. خلقت المناخ الجدي للبحث والمناقشة، وكانت الأساس في بروز العهد السقراطي. ففي القرن الرابع ق. م. شهدنا مقولة «اعرف نفسك عند سقراط واكتشاف الكائن الأونطولوجي عند أفلاطون عن طريق
تحديد اللاكائن الذي هو الغير، الذي كان المدماك الرئيس لشرح مفهوم المساواة والعدالة والحرية، فلم يعد الانسجام الطبيعي والتناسب على أهميته هو الأساس، بل أصبح الإنسان الاجتماعي المتفاعل مع الغير هو قاعدة التلاقي لفهم المساواة والعدل، وهذا دفع بأفلاطون كي يبلور الفلسفة السياسية التي لم تعد حب السلطة، بل أصبحت العمل على تحقيق الخير العام لجميع أفراد المجتمع من خلال خدمتهم وليس قهرهم. لقد قال سقراط إن الفضيلة هي المعرفة، وبالتالي تصبح الفضيلة السياسية هي المعرفة السياسية، فبادر أفلاطون إلى وضع مبدأ الخير الذي يقود إلى الفضيلة السياسية. وهكذا يمكن أن نحكم أثينا بشكل عادل إذا ما اتبعنا مبدأ الخير الذي تنبثق منه جميع القيم الأخرى. فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده فلديه ضرورة كي يعيش في مجتمع ليؤمن حاجاته من ضمن سياسة فاضلة وعادلة. ضرورة الاجتماع ومنشأ الدولة
ويرى أفلاطون أن لا مفر من إنشاء الدولة لأن الإنسان وحيداً لا يستطيع أن يقوم بجميع الحاجات من مأكل ومشرب وملبس . ويقول أرسطو في هذا الاتجاه إن الإنسان هو حيوان اجتماعي، فعليه والحالة هذه أن يعيش في أسرة. من هنا كانت ضرورة الاجتماع للبشر. وذلك على لسان سقراط كما هي العادة: أرى أن الدولة تنشأ لعدم استقلال الفرد في سد حاجاته بنفسه، وافتقاده إلى معرفة الآخرين (. ولما كان كل إنسان محتاجاً إلى معونة الغير في سد حاجاته، لزم أن يجتمع عدد عديد منا ، فنطلق على ذلك المجتمع اسم مدينة أو دولة (. فيتبادل أولئك الأشخاص الحاجات، وكل منهم عالم أنه سواء كان آخذاً أو معطياً، في ذلك التبادل، فالأمر عائد إلى فائدته الشخصية. (1
لقد قاد فكر أفلاطون الديالكتيكي إلى تحليل واقع الإنسان على هذه الأرض. فرأى أنه نبتة إلهية وجدت بفعل السقطة الكبيرة، وما كان عليه سوى العمل بكد ونشاط كي يؤمن معيشته، ولحظ أن هذه النبتة لا تستطيع أن تعيش وحدها ، فكان لا بد لها من أن تتعاون مع غيرها وأن تعيش في دولة كي تؤمن وجودها واستمراريتها . لقد عاش الإنسان متنقلا يصطاد من الطبيعة فترة طويلة . وبعد أن اكتشف الوسائل الزراعية في بلاد ما بين النهرين منذ اثني عشر ألف سنة، على حد قول توينبي انتقل من الحالة القبلية غير المستقرة إلى العيش في رقعة جغرافية ثابتة. أي أن الإنسان نزل منذ تلك الحقبة من العيش على أغصان الشجر إلى الاستقرار في حضن الطبيعة. أنانية الناس وتأليه الأنا خلقا الطمع والتعدي، فأخرج فلسفات تعكس ذلك الواقع وتلك الحالة، فشهدت البشرية الحروب الاقتلاعية والوحشية التي فاقت بضراوتها حروب الحيوانات في ما بينها . تجاه هذا الواقع، حاول أفلاطون أن يفهم روح التعدي وأسبابها ، فخلق فلسفة ديالكتيكية قائمة على «الكائن» الأونطولوجي الذي اكتشف من خلاله واقع الإنسان الاجتماعي، وإذا لم تأتلف وتتعاضد من أجل هذا الهدف فستسقط في الحروب الإلغائية لا محالة. ويرى أفلاطون أن أولى الحاجات وأهمها القوت، لأن الطبيعة البشرية بحاجة إلى القوت كي تنمو وتزدهر وتؤمن الاستمرارية. وثالثها الكسوة وهكذا. ذلك أن عوامل الطبيعة فرضت على الإنسان أن يعيش في مسكن بعد أن اختبأ في الكهوف لفترات طويلة، كي يحافظ على حياته ضد البرد القارس وضد الحر القاتل. والكساء أساسي عنده، يساعده لكي يتغلب على قسوة الطبيعة . وهذه حاجات لا يستطيع تأمينها وحده. فلا بد للبشر من أن يتعاونوا ، بحيث يقوم كل فرد بعمل معين، وأفضل مكان لتأمين تلك الحاجات هو دولة ترعى شؤون أبنائها ، وتسهر على راحتهم وتأمين فرص العمل والتخطيط لارتقاء المجتمع وتطوره. والدولة لا تستطيع أن تقوم إلا إذا أمنت الزراعة والبناء والحياكة وسائر الأعمال لسد الحاجات الجسدية الضرورية، بالإضافة إلى وجود الإسكافي والطبيب والنجار والعالم والمهندس والموسيقي والعسكري لكي يلبوا الحاجات الملحة. ولا يتم ذلك إلا بتقسيم الأعمال حتى على صعيد المجتمع الأصغر المكون من أربعة رجال أو خمسة. فالتعاون أهم من الاستقلال بالعمل، شرط أن يعمل كل إنسان وفق اختصاصه: ففي الواحد من الناس استعداد خاص لنوع من الأعمال وفي غيره استعداد لعمل آخر (1). إن تبادل الخدمات هذا يجعل المجتمع كالنسيج، فإذا لم تأتلف جميع الخيوط بشكل محكم ومحدد لا نصل إلى قطعة النسيج المطلوبة والمتسمة بالجودة، هكذا بالنسبة إلى أفراد المجتمع، فإذا لم يتم التبادل بشكل متوازن عادل ومتسق، فالفوضى ستدب والتفرقة ستحصل. ولكن إذا اجتمع الناس من ضمن مبدأ الخير العام، فإن العدل سيسود لأن الفضيلة ستظلل الجميع. وإذا ما استطاع الحاكم في المدينة أن يخيط خيوط النسيج بشكل متوازن، وهذا لأن تقسيم العمل والتخصص بالقيام بالمهام، يؤديان إلى فائض في الإنتاج يجعل الناس تطلب الكمالي بدلاً من العيش فقط على الضروري، في المأكل والمسكن والملبس. ذلك أن التقسيم في العمل يقود إلى المهارة عند العامل
اختار عمله وفق استعداداته الطبيعية، ولأن كل فرد يختلف عن غيره بموهبة خاصة بهي يقول أفلاطون: «إن كل الأشياء تكون أوفر مقداراً وأجود نوعاً وأسهل إنتاجاً إذا التزم العامل بما يميل إليه طبعه من الأعمال، غير متشاغل عنه في ما سواه (2) أن أفلاطون يحذر من أن الدول لا تنشأ ولا تزدهر إذا افتقرت إلى واردات تؤمن لها حاجاتها، كما أن الدولة المدينة، ستهلك إذا لم يزد منتوجها على استهلاكها من أجل أن تدفع مصاريف الواردات الخارجية (3) . كما أن أفلاطون ربط الإنجاب بالمستوى المعيشي لدخل الأسرة. لأن تربية الأولاد تتطلب وضعاً اجتماعياً لائقاً، يؤمن لهم التعليم والتغذية والمسكن والكساء،


النص الأصلي

ب دور القانون في قيام الدولة


إن أهم مشكلة في المدن الإغريقية كانت الفوضى التي أدت إلى اضطرابات متلاحقة وإلى ثورات قامت على أثرها نظم سياسية متعددة ومتنوعة ... فهم الأثيني أصبح العيش في مجتمع قائم على الانسجام والتنظيم ردة فعل على تلك الفوضى. وقانون صولن، الذي اعتبر أهم تشريع عرفه العالم القديم، هدف إلى تأمين النظام والانسجام بين الطبقة الغنية والطبقةالفقيرة في المدن الإغريقية.
غير أن تلك الفوضى التي كانت تعصف بتلك المجتمعات من حين إلى آخر، ارتكز القائمون بها على بعض المفاهيم الأولية التي استنبطوها من خبرتهم وتجاربهم، أو استقوها من البلدان المجاورة أي الفرس أو فينيقيا. لقد أخذ اليونان الأبجدية عن الفينيقيين، ودونوا ما وصل إليهم من تراث فكري وعلمي من البلدان الشرقية، على حد قول أميل بريهيه، الذي أكد أن الفلسفة إنما بدأت في بلاد ما بين النهرين وليس في اليونان (1) . فقال إن ديوجين ليرس أكد أنها بدأت مع الفرس ومع المصريين، أي في أحضان البرابرة. كما أن مقولة طاليس بأن كل شيء يأتي من المياه إنما كانت اعتقاداً سائداً في بلاد ما بين النهرين (2).وعلى أي حال، فلا وجود لأية فلسفة، وبخاصة الفلسفة السياسية، إذا لم تصل البشرية إلى المرحلة العقلانية. فالفلاسفة اليونان الأوائل الذين ظهروا منذ القرن الخامس، إنما قاموا باستخدام بعض المفاهيم التي استقوها من المشرق كالقدر والعدالة والنفس والله، والتي لم تكن قط مفاهيم يونانية. لقد كانت مفاهيم أطلقتها العامة من الناس للتعبير عن خلجات نفسية أو صرخات ضد الظلم والاستبداد والجور، الأمر الذي كانوا يتعرضون له من بعض


الطغاة، من جهة، ولمحاولة تفسير ظواهر الطبيعة، من جهة أخرى.
نرى أن الفيثاغوريين قالوا بالعدد والكيل لكي يشرحوا المساواة في الطبيعة، وبالتالي المساواة بين البشر. فالأعداد تؤمن الانسجام والتوافق، من ضمن تناسب معين... وهذا ما حاولوا تطبيقه في الموسيقى والطب والطبيعة والسياسة ونظرية الأعداد استند إليها أفلاطون كي يبين نظريته في المثل والمشاركة، إذ إن المعطى الرياضي يمثل دوراً بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية... وكذلك نرى أن العدالة في إنكلترا هي العدد المربع Square number‏ وذلك على سبيل الاستعارة. ولكن قبل اليونان وقبل أرسطو، كانت مقولة الوسط رائجة عند الفينيقيين. ففي مسرحية يور بيدس Euripides ( الفتيات الفينيقيات ) ، تلح يوكاستا على ابنها لالتزام الاعتدال، فتقول: المساواة هي التي تربط الصديق بالصديق والمدن بالمدن والحلفاء بالحلفاء. فإن القانون الطبيعي الذي يحكم البشر ليس شيئاً غير المساواة. ولقد فرضت المساواة المقاييس على البشر وألزمتهم الوفاء بالكيل والعدد (1). من هنا ، يؤكد إرنست باركر أن مقولة العدد عند الفيثاغوريين إنما هي معطى فينيقي تبنته المدرسة الفيثاغورية وانطلقت لكي تبني الانسجام والاعتدال في المجتمع الأثيني الآنف الذكر.
كما أن مبدأ المساواة انسحب على الفلسفة الطبيعية برمتها ، فحاول أصحابها أن يردوا كل شيء إلى العناصر الأربعة. ولم تبدأ الدراسات الإنسانية في الظهور إلا في منتصف القرن الخامس عند اليونان. وهذا ما شاهدناه في ابتكار قواعد اللغة والموسيقى والكتابة والتدوين، وفي الأخلاق والسياسة، على أن الخطابة هي التي سيطرت على العقول والمجتمعات والسياسيين. لقد استخدمت الخطابة وسيلة للتعلم والتعليم وأصبحت مهنة تبيع العلم بأثمان باهظة لأن الشهادات التي تمنح للطلبة تخولهم تسلم الوظائف العليا في الدولة. بعدئذ، أصبح الإنسان محور المعرفة، والمعرفة مرتبطة بالإنسان في الطبيعة. وهذا ما سمح للفلسفة السياسية بأن تظهر انطلاقاً من النظرية الطبيعية التي تدعي الحل لجميع تعقيدات السلوك البشري. فالقانون الطبيعي يخلق العرف والعادة وهذا ما نشاهده عند السفسطائي «أنطيغون» الذي وقف ضد الحكم الأرستقراطي ليقول «أن لا وجود لأي فارق طبيعي بين الإغريق والبرابرة». وفي كتابه «الحقيقة (2) ، يقول إن القانون هو مجرد عرف وعادة والطبيعة ليست سوى الأنانية وتحقيق المنافع الخاصة. غير أن الأنانية المنبثقة من العيش على الطبيعة كما يدعي أنطيغون، هي لا أخلاقية لأنها لا تتوخى سوى إشباع الرغبات الخاصة وتحقيق نزوات الفرد عن طريق قهر الآخرين من خلال التسلط عليهم، وسرقة أموالهم والإطاحة بممتلكاتهم. وما يهمنا هنا أنه في القرن الخامس ق. م. ظهرت أفكار عديدة، خلقت المناخ الجدي للبحث والمناقشة، وكانت الأساس في بروز العهد السقراطي. ففي القرن الرابع ق. م. شهدنا مقولة «اعرف نفسك عند سقراط واكتشاف الكائن الأونطولوجي عند أفلاطون عن طريق
تحديد اللاكائن الذي هو الغير، الذي كان المدماك الرئيس لشرح مفهوم المساواة والعدالة والحرية، فلم يعد الانسجام الطبيعي والتناسب على أهميته هو الأساس، بل أصبح الإنسان الاجتماعي المتفاعل مع الغير هو قاعدة التلاقي لفهم المساواة والعدل، وهذا دفع بأفلاطون كي يبلور الفلسفة السياسية التي لم تعد حب السلطة، بل أصبحت العمل على تحقيق الخير العام لجميع أفراد المجتمع من خلال خدمتهم وليس قهرهم. لقد قال سقراط إن الفضيلة هي المعرفة، وبالتالي تصبح الفضيلة السياسية هي المعرفة السياسية، فبادر أفلاطون إلى وضع مبدأ الخير الذي يقود إلى الفضيلة السياسية. وهكذا يمكن أن نحكم أثينا بشكل عادل إذا ما اتبعنا مبدأ الخير الذي تنبثق منه جميع القيم الأخرى. فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده فلديه ضرورة كي يعيش في مجتمع ليؤمن حاجاته من ضمن سياسة فاضلة وعادلة.


ضرورة الاجتماع ومنشأ الدولة


ويرى أفلاطون أن لا مفر من إنشاء الدولة لأن الإنسان وحيداً لا يستطيع أن يقوم بجميع الحاجات من مأكل ومشرب وملبس ... ويقول أرسطو في هذا الاتجاه إن الإنسان هو حيوان اجتماعي، فعليه والحالة هذه أن يعيش في أسرة. ولكن الأسرة لا تؤمن ديمومة الحياة وحدها، من هنا كانت ضرورة الاجتماع للبشر. يقول أفلاطون في الكتاب الثاني من الجمهورية في منشأ الدولة، وذلك على لسان سقراط كما هي العادة: أرى أن الدولة تنشأ لعدم استقلال الفرد في سد حاجاته بنفسه، وافتقاده إلى معرفة الآخرين (...) ولما كان كل إنسان محتاجاً إلى معونة الغير في سد حاجاته، وكان لكل منا احتياجات كثيرة، لزم أن يجتمع عدد عديد منا ، من صحب ومساعدين في مستقر واحد ، فنطلق على ذلك المجتمع اسم مدينة أو دولة (...) فيتبادل أولئك الأشخاص الحاجات، وكل منهم عالم أنه سواء كان آخذاً أو معطياً، في ذلك التبادل، فالأمر عائد إلى فائدته الشخصية.... (1
لقد قاد فكر أفلاطون الديالكتيكي إلى تحليل واقع الإنسان على هذه الأرض. فرأى أنه نبتة إلهية وجدت بفعل السقطة الكبيرة، وما كان عليه سوى العمل بكد ونشاط كي يؤمن معيشته، ولحظ أن هذه النبتة لا تستطيع أن تعيش وحدها ، فكان لا بد لها من أن تتعاون مع غيرها وأن تعيش في دولة كي تؤمن وجودها واستمراريتها . فالدولة إذن هي درجة عليا في مسيرة الإنسان الارتقائية، لقد عاش الإنسان متنقلا يصطاد من الطبيعة فترة طويلة .... وبعد أن اكتشف الوسائل الزراعية في بلاد ما بين النهرين منذ اثني عشر ألف سنة، على حد قول توينبي انتقل من الحالة القبلية غير المستقرة إلى العيش في رقعة جغرافية ثابتة. فالعيش قرب الأنهر سمح للزراعة بالتطور وللإنسان بالاستقرار في حال من الطمأنينة لأنه أمن دخلاً ثابتاً يكفيه ضرورات الحياة. أي أن الإنسان نزل منذ تلك الحقبة من العيش على أغصان الشجر إلى الاستقرار في حضن الطبيعة. أنانية الناس وتأليه الأنا خلقا الطمع والتعدي، ودفعا بالإنسان كي يقاتل الآخر ويعمل على استعباده أو إلغائه.... فأخرج فلسفات تعكس ذلك الواقع وتلك الحالة، فشهدت البشرية الحروب الاقتلاعية والوحشية التي فاقت بضراوتها حروب الحيوانات في ما بينها . تجاه هذا الواقع، حاول أفلاطون أن يفهم روح التعدي وأسبابها ، فخلق فلسفة ديالكتيكية قائمة على «الكائن» الأونطولوجي الذي اكتشف من خلاله واقع الإنسان الاجتماعي، وأنه لا يستطيع العيش وحده. فالبشرية يحتاج بعضها إلى بعض لكي تتغلب على صعاب الحياة، وإذا لم تأتلف وتتعاضد من أجل هذا الهدف فستسقط في الحروب الإلغائية لا محالة. ويرى أفلاطون أن أولى الحاجات وأهمها القوت، قوام حياتنا كمخلوقات حية (1)، لأن الطبيعة البشرية بحاجة إلى القوت كي تنمو وتزدهر وتؤمن الاستمرارية. وثاني تلك الحاجات المسكن، وثالثها الكسوة وهكذا. ذلك أن عوامل الطبيعة فرضت على الإنسان أن يعيش في مسكن بعد أن اختبأ في الكهوف لفترات طويلة، كي يحافظ على حياته ضد البرد القارس وضد الحر القاتل. والكساء أساسي عنده، يساعده لكي يتغلب على قسوة الطبيعة ... وهذه حاجات لا يستطيع تأمينها وحده. فلا بد للبشر من أن يتعاونوا ، بحيث يقوم كل فرد بعمل معين، من أجل تأمين حاجات المجموعة .... وأفضل مكان لتأمين تلك الحاجات هو دولة ترعى شؤون أبنائها ، وتسهر على راحتهم وتأمين فرص العمل والتخطيط لارتقاء المجتمع وتطوره. والدولة لا تستطيع أن تقوم إلا إذا أمنت الزراعة والبناء والحياكة وسائر الأعمال لسد الحاجات الجسدية الضرورية، بالإضافة إلى وجود الإسكافي والطبيب والنجار والعالم والمهندس والموسيقي والعسكري لكي يلبوا الحاجات الملحة. ولا يتم ذلك إلا بتقسيم الأعمال حتى على صعيد المجتمع الأصغر المكون من أربعة رجال أو خمسة. فالتعاون أهم من الاستقلال بالعمل، شرط أن يعمل كل إنسان وفق اختصاصه: ففي الواحد من الناس استعداد خاص لنوع من الأعمال وفي غيره استعداد لعمل آخر (1). إن تبادل الخدمات هذا يجعل المجتمع كالنسيج، فإذا لم تأتلف جميع الخيوط بشكل محكم ومحدد لا نصل إلى قطعة النسيج المطلوبة والمتسمة بالجودة، هكذا بالنسبة إلى أفراد المجتمع، فإذا لم يتم التبادل بشكل متوازن عادل ومتسق، فالفوضى ستدب والتفرقة ستحصل. ولكن إذا اجتمع الناس من ضمن مبدأ الخير العام، وعمل كل فرد بالوظيفة التي أهلته لها الطبيعة، فإن العدل سيسود لأن الفضيلة ستظلل الجميع. وإذا ما استطاع الحاكم في المدينة أن يخيط خيوط النسيج بشكل متوازن، فالازدهار سيعم والتطور سيحصل والفنون ستزدهر أيضاً. وهذا لأن تقسيم العمل والتخصص بالقيام بالمهام، يؤديان إلى فائض في الإنتاج يجعل الناس تطلب الكمالي بدلاً من العيش فقط على الضروري، في المأكل والمسكن والملبس. ذلك أن التقسيم في العمل يقود إلى المهارة عند العامل
اختار عمله وفق استعداداته الطبيعية، ولأن كل فرد يختلف عن غيره بموهبة خاصة بهي يقول أفلاطون: «إن كل الأشياء تكون أوفر مقداراً وأجود نوعاً وأسهل إنتاجاً إذا التزم العامل بما يميل إليه طبعه من الأعمال، وأتمه في وقته الخاص، غير متشاغل عنه في ما سواه (2) أن أفلاطون يحذر من أن الدول لا تنشأ ولا تزدهر إذا افتقرت إلى واردات تؤمن لها حاجاتها، كما أن الدولة المدينة، ستهلك إذا لم يزد منتوجها على استهلاكها من أجل أن تدفع مصاريف الواردات الخارجية (3) .كما أن أفلاطون ربط الإنجاب بالمستوى المعيشي لدخل الأسرة. لأن تربية الأولاد تتطلب وضعاً اجتماعياً لائقاً، يؤمن لهم التعليم والتغذية والمسكن والكساء، وإلا فسيحصل التعدي

في المجتمع، وينتشر الفساد وتعم الفوضى وتسقط المدينة بالرذيلة (1) . فنصح بالاعتدال في المأكل والمشرب لينصرف الناس نحو العلوم والابتكار وليس أن يكونوا مستهلكين فقط.... إن المدينة التي يقودها الخير العام لا تطلب سوى الضروري من سبل العيش وإلا فستتحول إلى مدينة فاسدة لا محالة، لأن أولادها سيتحولون إلى الموائد والولائم، فيسيطر الطيش عليهم ويقضون العمر في السكر والتهتك. فالقيم أساسية في الوجود بعد أن يؤمن المرء الضروري في حياة المدينة.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لأن كل دولة تسع...

لأن كل دولة تسعى إلى فرض ضرائبها بما يحقق سياستها المالية، فلا شك أن يحدث اختلاف بين القوانين الضريب...

إن الاضطرابات ا...

إن الاضطرابات السيكوسوماتية هي مجموعة من الاضطرابات أو الأعراض الجسمية التي تحدثها عوامل انفعالية تت...

. توسع منظمة أو...

. توسع منظمة أوبك إلى أوبك أدى ظهور النفط الصخري الأمريكي إلى تغيير هيكل إنتاج النفط العالمي بشكل ك...

Date palm (Phoe...

Date palm (Phoenix dactylifera) contains 12 of the 1500species that belong to the date palm family. ...

تصنيف المنتجات ...

تصنيف المنتجات التأمينية في سوق التأمين السعودي: يذكر العاملون في صناعة التأمين عدة تصنيفات للمنتجات...

الإيراد في الاق...

الإيراد في الاقتصاد هو الدخل الذي تحققه الشركة أو المصنع أو المؤسسة التجارية من نشاط أعمالها التجاري...

المقدمة يسعدني...

المقدمة يسعدني ان اكتب في هذا الموضوع الهام وسوف أقوم بذكر كل المعلومات التي تفيدكم وساحاول قدر الا...

فكرية الرئيسية ...

فكرية الرئيسية ارشيف المجلة العدد 429 فكرية علماء الغرب والازدواجية في المعايير وشبهاتهم حول الحضارة...

تأثير تناول الح...

تأثير تناول الحبة السوداء على التهاب الممرات الهوائية وتضيق جريان الهواء عند مرضى الربو المتحكم بهم ...

مدى سير كبير إ...

مدى سير كبير إحدى أهم مميزات بطاريات أيونات الليثيوم هي أنها تتيح للسيارات الكهربائية تحقيق مدى قيا...

Regarding hardn...

Regarding hardness: Tablets produced by subjecting them to high pressure show higher hardness compar...

تؤمن مصر بحقوق ...

تؤمن مصر بحقوق ذوي اإلعاقة باعتبارهم شركاء في الوطن، يسهمون في بناء الوطن، ويدعمون أمنه واستق ارره، ...