لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (11%)

إذ لابـد أن نـتـذكـر أن ريـكـاردو جعل مصدر قيمة أو ثمن أي سلعة متجددة الإنتاج راجعا إلى التكلفـة وترجع التكلفة بدورها إلى العمل الذي يحتاج إليه المنتج في ظل الأوضـاع
الأقل ملاءمة للإنتاج وأن ثمن العمل هو تكلفة الحفاظ على العامل. وهناك نقطة أخيرة وهي أنه لم يكن هناك بديل يمكن قبوله. فمازال هذا الرأي المتعلق بالريع قائما إلى حد كبير_ حتى وقتنا هذا_ كتفسير لقيم الأملاك العقارية والعائد
مالك رأس المال من حق أو إسهام أو قوة. من أشد الأمور صعوبة على الإرادة البشرية»
فتكلفة القدرة على الامتناع عن الاستهلاك وتكلفة العمل معا_ تشكلان تكلفة إنتاج سلعة ما. وعلى ذلـك تـكـون تـكـلـفـة
وقد تحول الاهتمام من التكلفة والعرض بوصفهما عاملين يحددان السعر_ إلى الرغبة والطلب بوصفهما عاملين يحددان ليس السعر فقط وإنما أيضا ما
وكان هذا التطور نتيجة للجهود التي بذلت لحل مشكلة قديمة وعويصة_ وهي لماذا تكون الأشياء الأكثر منفـعـة_ مـثـل المـاء_
وإن كانوا لم يسـتـخـدمـوا كـلـهـم هـذيـن اللفظين
فالمؤسسات المختلفة ذات الأوضاع المخلتلفة أو ذات الكفاءة المخلتلفة تنتج الناتج نفسه بتكلفة مختلفة. فالأسعار_ بعد أن انتـقـل أسـاسـهـا مـن تـكـلـفـة الإنتاج إلى العرض والطلب_ أصبحت الآن مسألة توازن يتغير باستمرار بين
فهذه أيضا كانت تنشأ بـصـورة آلية عن السوق. وحيث يفترض وجود قوة عاملة مـتـجـانـسـة_
وتغفل الفروق في المهارات وفي الكد والاجتهاد_ كما هي الحال بين الجموع غير المتعلمة في المصانع_ فإن الأجر تحدده قيمة الإسهام في الناتج وإيرادات آخر عامل متاح. وعلى هذا الضوء_ لم يكن باستطاعة أحد أن يـطـالـب مما هو أكثر من إسهامه في المنشأة عند الحد. وإذا أخذنا جميع العمال كل على حدة_ نجد أنه يمكن إحلال العامل الحدي محل أي منهم. وكان بوسع
فالمنتج الاحتكـاري لا يمتد بالإنتاج إلى حيث يغـطـي سـعـر الـسـوق ـــ الـذي يـتـحـدد بـصـورة غـيـر
شخصية ــ لا التكلفة الحدية فحسب بـل إلـى حـيـث يـكـفـي عـائـده الحـدي المتناقص بسرعة لأن يغطي بالكاد التكلفة المضـافـة وذلـك نـتـيـجـة لـنـقـص أسعاره بوجه عام. الذين يرون أن النقابات _ شأن غيرها من الترتيبات التي تحـدد الأسـعـار_ سواء كانت عامة أم خاصة_ تعتبر مثالا آخر لعيوب الاحتكار في نظام يمكن لولا ذلك أن يكون نظاما كاملا_ أو على أي حال نظاما قابلا لأن يبلغ حـد
وفي العقود الأولى من القرن العشرين_ على الرغم من استمرار وجود الثغرات_ وبخاصة الثغرات الموجودة في نظرية الأرباح_ فإن أساسيات النظام الكلاسيكي ــ أو النظام النيوكلاسيكي (الكلاسيكي الجديد) الذي يـفـضـل


النص الأصلي

كان الشاغل الرئيسي لعلم الاقتصاد طوال القرن
الماضي_ وفي كل مكان من العـالـم تـقـريـبـا_ هـو مـا
يعتبر ــ وإلى حد ما مازال يعتبر ــ القضايا المحورية
لـلـمـوضـوع_ وهـي: كـيـف تحـدد الأسـعـار والأجــور
والفائدة والأرباح. يضاف إلى ذلك أنه وجهت فـي
تلك السنوات عنايـة كـبـيـرة لـطـبـيـعـة الـنـقـود ودور
الصناعة المصرفية. فالنقود سواء في شكل ذهـب
أو فضة أو نحاس_ لم تعد مجرد سلعة مؤهلة بوجه
خاص لأداء دور الوسيط في تبادل السلع. أما وقد
أصبحت تودع في البنوك_ وباتت أوراق النقد تصدر
مـؤكـدة لـلـودائـع_ ولأن أوراق الـنـقـد والـودائـع هــذه
تحـولـت إلـى وسـيـلـة لـلـدفـع_ فـقـد نـشـأت لـلـنـقــود
شخصية ملحوظة خاصة بها. هذا بالإضافـة إلـى
ما سنتناوله في الفصل التالي من الدفاع الاجتماعي
والأخلاقي_ الذي بدأ يظهر عن النظام الرأسمالي.
كـان تـفـسـيـر الأسـعـار أو الـقـيـمـة_ أو تـفــســيــر
الإيرادات الناشئة عنها_ يعكس اتجاها سائدا وحيدا
في هذه الفترة_ وهو التحول من الاهتمام الأساسي
بالبـائـع إلـى الاهـتـمـام الأسـاسـي بـالمـشـتـري_ ومـن الاهتمام الأساسي بالتكلفة إلى الاهتمام الأساسي بمنفعة المستهلك_ ومن الاهتمام بالعرض إلى الاهتمام بالطلب. وبعد ذلك عـنـدمـا اقـتـرب الـقـرن التاسع عشر من نهايته_ حـدثـت عـودة إلـى الاهـتـمـام المتـوازن بـين الـطـلـب
والعرض_ ولاسيما في أعمال ألفريد مارشال (1842 ــ 1924) أستاذ الاقتصاد العظيم بجامعة كامبريدج_ وهو الذي قام بالجمع بين الأفكار السابقة فـي وحدة واحدة.
ومع مارشال فإن مناقشة القيمة والتوزيع والثمن والشخص الذي تعود إليه الإيرادات_ تأتي إلى الحاضر القريب_ فأبناء جيلي عندما كانوا يدرسون
_ علم الاقتصاد_ كانوا يقرأون كتاب مارشال «مبادئ علم الاقتصاد» ذلك العمل الضخم الذي صدرت منه ثماني طبعات. وعندما كنا في كامبريدج قمنا في توقير شديد بزيارة قصيرة لماري مارشال_ أرملة الأستاذ مارشال
الضليعة التي ارتبطت به وزاملته في عمله طويلا.
ولكني ينبغي أن أعود إلى فترة سابقـة. إذ لابـد أن نـتـذكـر أن ريـكـاردو جعل مصدر قيمة أو ثمن أي سلعة متجددة الإنتاج راجعا إلى التكلفـة وترجع التكلفة بدورها إلى العمل الذي يحتاج إليه المنتج في ظل الأوضـاع
الأقل ملاءمة للإنتاج وأن ثمن العمل هو تكلفة الحفاظ على العامل. وكانت أجور العمال_ بسبب الاندفاع غير المحكوم نحو التوالد_ تتوازن عند المستوى الذي يكفي للمحافظة على الحياة_ وما يتبقى يذهب ريعا لمالك الأرض أو على نحو أقل تحديدا كعائد على المنتج أو الرأسمالي. وهناك نقطة أخيرة وهي أنه لم يكن هناك بديل يمكن قبوله. ولابـأس مـن أن نـسـتـعـيـد عـبـارة ريكاردو الأساسية: «إن الأجور_ شأنها شأن جميع العقود الأخرى ينبغي أن تترك للمنافسة العادلة والحرة في السوق_ ولا ينبغي أبدا أن يحكمها تدخل التشريع وهنا كانت نقطة الانطلاق لمزيد من تطور الأفكار حول السعر وتوزيع العائد منه.
وفي هذا التطور كان هناك أولا جهد لتحسين عناصر التكلفة وتدقيقها من ذلك أنه لم يكن هناك عناء يذكر في القول إن عائد الأرض في صورة ريع هو بقية من الثمن_ ويتحدد من حيث المقدار طبقا لجودة الأرض_ وفي
الأزمنة الحديثة بوجه خاص طبقا لموقعها. فمازال هذا الرأي المتعلق بالريع قائما إلى حد كبير_ حتى وقتنا هذا_ كتفسير لقيم الأملاك العقارية والعائد
الذي ينشأ عنها.
ولكن الأمر يغدو أكثر خطورة فيما يتعلق بالعائد على رأس المال والعمل ففي اقتصاد جزر نائية من نمط جزيرة روبـنـسـون كـروزو ـــ ولـيـس كـروزو واحد_ بل أشخاص عدة يعيشون بالقرب من الشاطئ ــ لا تكـون «لـنـظـريـة
العمل في القيمة» أي مغزى. إذ تتم مبادلة المنتجات بصورة تقريبية وفقا لما تستلزمه زراعتها أو صناعتها أو استخراجها من البحر من زمن وجهد_ وإن كان حتى هنـا يمـكـن أن نجـد عـنـصـرا للتعقـيـد يـرجـع إلـى تـنـوع المـهـارات الاستثنائية أو العادية. ومع تطور استعمال الآلات وغيرها من المعدات لم يكن هناك شك في ضرورة مكافأة من يقومون بتولـيـد هـذه الأدوات الـتـيتزيد من الإنتاجية وربما يمكن القول مثلما قال ريكاردو في الواقع إن ما يدفع مقابل الآلات والمصنع الذي يقوم بإنتاجها_ هو مجرد دفع مؤجل في مقابل العمل الذي بذل في صناعتها والمتجسد فيها. ولكن هناك حدود في علم الاقتصاد للأفكار الذاتية القائمة على الخيال. ومن الواضح تماما أن
مالك المعدات الرأسمالية يحصل أيضا على ثمن_ ومن الواضح تماما أن ما يحصل عليه من فائدة أو ربح يزيد في الغالب كثيرا على المبالغ التي سبق أن دفعها كأجور. ومن الواضح أن هذه الزيادة لها ارتـبـاط مـا بمـا يـدعـيـه
مالك رأس المال من حق أو إسهام أو قوة.
الحل الأول لهذه المشكلة_ وهو الخدمة التي أسداها أحد أساتذة الاقتصاد السياسي المبكرين_ جاء من جانب ناسو وليم سينيور (1790 ــ 1864)_ وعلى الرغم من أن هذا الحل كان في الواقع مستبعدا لـلـغـايـة_ فـقـد ظـل قـائـمـا
طوال نصف القرن. إذ يرى سينيور أنه فضلا عن تكلفة العمل الذي يبذل في إنتاج السلع الرأسمالية_ هناك ثمن في صورة فائـدة أو ربـح يـتـعـين أن يدفع لإقناع الناس_ ومن بينهم الرأسمالي_ بالامتناع عن الاستهلاك الجاري.
ومن هذا الامتناع عن الاستهلاك الجـاري تـأتـي الـقـوة الـشـرائـيـة الـلازمـة لامتلاك المصانع أو الآلات أو المعدات_ أو امتلاك السلع التي في طور البيع أو في انتظاره_ في أي عملية مهمة للـصـنـاعـة أو الـتـجـارة. ولـيـس مـا يـتـم التعويض عنه على هذا النحو بالشيء القليل.. «إن الامتناع عن الاستمتاع المتاح لنا_ أو السعي إلى تحقيق نتائج بعيدة بدلا من النتائج القريبة_ هـمـا
من أشد الأمور صعوبة على الإرادة البشرية»


كانت تلك هي نظرية الفائدة المعتمدة على الامتناع_ أو بعمـومـيـة أكـثـر نظرية العائد على رأس المال. فتكلفة القدرة على الامتناع عن الاستهلاك وتكلفة العمل معا_ تشكلان تكلفة إنتاج سلعة ما. وعلى ذلـك تـكـون تـكـلـفـة
ٍ الإنتاج هذه هي المستوى الذي تعود إليه الأسعار في اتجاه طبيعي مؤد إلى التوازن. وإذا ارتفعت الأسعار فوق هذا المستوى_ فإن الإنتاج يزيد ويعيدها إلى مستوى التكلفة الذي يتحدد على هذا النحو. ويحدث العكس إذا كانت الأسعار أدنى من التكلفة.
ومن الواضح أن هذا التفسير للأسعار والعائد على رأس المال بعيد عن الواقع بصورة خطيرة. فلا شك في أن بعض الأشخاص يدخرون أموالهم ــ أي يمتنعون عن الاستهلاك ــ من أجل الحصول على الفائدة. ولكن الامتناع
عن الاستهلاك لم يكن واضحا في مستوى المعيشة أو عادات الإنفاق لدى كبار الرأسماليين الذين كانوا يقومون بأنفسهم بتوفير رؤوس الأموال اللازمة لعملياتهم ويحصلون كذلك على رؤوس أموال منها_ أو بالمثل_ لم يكن هذا الامتناع عن الاستهلاك ظاهرا في عادات مموليهم ورجال البنوك المتعاملين معهم. ويصدق ذلك بوجه خاص على المسرح الأمريكي. فهل كان كورنليوس
ڤاندربلت_ أو چاي جولد_ أو چيم فسكه_ أو حتى روكفلـر الأول الـذي كـان أكثر تزمتا_ يمتنعون عن الاستهـلاك حـقـا عـنـدمـا كـان الـقـرن يـقـتـرب مـن نهايته_ لم يكن الامتناع عن الاستهلاك من السمات المميزة لمدينة نيوپورت
بجزيرة رود أيلند. ولكن الأمر لم يكن ملموسا بدرجة أكبر في إنجلترا في حال رجال الصناعة الأغنياء الجدد_ الذين كانوا بدورهم مسرفين إلى حد الإفراط_ وكثيرا ما كانوا يتفاخرون بثرائهم. وعلى ضوء الواقع اختفت من الاستعمال كلمة «الامتناع» باعتبارها تفسيـرا لـلـعـائـد عـلـى رأس المال واستبعدت هذه النظرية تماما.
والواقع أنه طوال القرن التاسع عشر لم يظهر أي تبريـر مـعـقـول حـقـا للعائد على رأس المال_ مما أفضى بالتالي إلى وجود ثغرة واضحة نفذ منها كارل ماركس. ولم يوجد تفسير معقول لهذا العائد إلا في القرن الحـالـي.
فالربح_ الذي أصبح الآن شيئا متميزا عن الفائدة_ بات ينظر إليه ـــ لـيـس من دون سبب ــ على أنه مـكـافـأة مـقـابـل الابـتـكـار ومـجـابـهـة المخـاطـر وأصبحت الفائدة هي المبلغ الذي يدفع للموازنة بين الذين ينعمون بمـوارد
أكثر مما يحتاجون إليه أو مما يستطيعون استعماله بصورة منتجة_ والذين يقترضون النقود لأن ما لديهم منها أقل مما يحتاجون إليه أومما يستطيعون استعماله بصورة منتجة. وكان عدم وجود نظرية مقنعة لما يعود على رأس
المال وعلى الرأسماليين بمنزلة فجوة قصيرة في التراث الكلاسيكي العظيم طوال القرن التاسع عشر.
غير أنه بعد انقضاء ذلك القرن تم تصحيح خطأ آخر أسبق عهدا. وقد تحول الاهتمام من التكلفة والعرض بوصفهما عاملين يحددان السعر_ إلى الرغبة والطلب بوصفهما عاملين يحددان ليس السعر فقط وإنما أيضا ما
نسميه الآن عوامل الإنتاج. وكان هذا التطور نتيجة للجهود التي بذلت لحل مشكلة قديمة وعويصة_ وهي لماذا تكون الأشياء الأكثر منفـعـة_ مـثـل المـاء_
ضئيلة الثمن أو بلا ثمن؟ يجدر أن نتذكر أن الإجابة المبكرة عن هذا السؤال تمثلت في التمييز بين القيمة الاستعمالية والقـيـمـة الـتـبـادلـيـة. وكـان هـذا
التمييز تحكميا وسطحيا_ ويتجاهل آلاف الظلال بين هذه القـيـمـة وتـلـك.فالملابس تكون لها على الأقل في المناخ البارد_ قيمة استعمالـيـة واضـحـة ولكنها عند نقطة ما تفقد دورها كواق من البرد ويصبح لها دورها كشـيء
نفيس_ مثل معظم المجوهرات. والغذاء ضرورة حياة_ ولكن يمكن أيضا أن يكون نادرا ومجلوبا من الخارج_ والبيت أساسـي كـمـأوى ولـكـنـه مـن حـيـث الموقع وبراعة العمارة والتاريخ_ كن أن يكون شيئا فـريـدا_ ومـن ثـم تـرفـا ورفاهة. ونتيجة لذلك أصبح الإفلات من مسألة القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية عند سميث_ وهي مسألة تركها بلا حل_ من الأمور الرئيسية التي انشغل بها الاقتصاديون في الجزء الأخير من القرن الماضي.
وفي العام 1831 كانت هناك محاولة لمعالجة المشكلة قـام بـهـا أوجـسـت ڤالراس (801 ــ 1866)_ والد شخصية مهمة أخرى في تاريخ علم الاقتصادهو ليون ڤالراس كانت التكلفة قد قبلت كمصدر للقيمة_ وأضاف أوجست إلى ذلك الجدوى أو المنفعة. ولكنه كان يعتقد أنه يلزم فوق ذلـك أن يـكـون الناتج نادرا كي تكون له قيمة_ أي يلزم أن يكون له ما سماه «ندرة»
ان تكون له منفعة_ وألا يتوافر بكميات كبيرة. وكانت «الندرة» شيئا يفتقده الماء عادة بشكل ملحوظ.
وهناك آخرون حاولوا بالمثل حل هذه المسألة_ ولكن من دون إحراز تقدم
كبير_ حتى جاء الكشف الكبير في العام .1871ففي ذلك العام أدرك ستانلي چيفونز (1835 ــ 1882) في إنجلترا_ وكارل مينچر (1840 ــ 1921) في النمسا_وتبعهما بعد سنوات قليلة چون بيتس كـلارك (1847 ـــ 1938) فـي الـولايـات المتحدة_ وهم كانوا على التوالي أساتذة في جامعات مانشستر ولندن_ وڤيينا_وكولومبيا (وكان ذلك أول عهد الأساتذة الكبار)_ أدركوا شيئا مازالت كتب
الاقتصاد تحتفي به. وكان ذلك هو الدور الذي تـقـوم بـه المنـفـعـة الحـديـة_وليس الذي تقوم به المنفعة العامة. وإن كانوا لم يسـتـخـدمـوا كـلـهـم هـذيـن اللفظين
ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن المنفعة الحدية مفـهـوم صـعـب. فـلـيـس مـا يعطي القيمة هو الإشباع الكلي المستمد من حيازة واستعمال أحد المنتجات (أو إحدى الخدمات)_ بل هو الإشباع أو الاستمتاع ــ المنفعة ــ الذي تحققه الإضافة الأخيرة التي يحصل عليها المرء من ذلك الاستهلاك_ والذي تكون الرغبة فيه عند أدنى مستوياتها_ فآخر كسرة متاحة من الأغذية في حال المجاعة تكون لها قيمة هائلة_ ويمكن أن تحصل على سعر مرتفع_ أما فـي
ظروف الوفرة فلا تكون لها قيمة على الإطلاق_ ويلقى بها مع القمامة. وفي ظل الظروف العادية فإن الماء ــ على عـكـس المـاس ـــ يـكـون مـتـاحـا بـوفـرة والكوب الأخيرة أو الجالون الأخير منه تكون له منفعة قليـلـة أو يـكـون بـلا منفعة أصلا. وخروجها من نطاق القيمة التبادلية يحدد قيمة كل الأشيـاء الأخرى. وعندما كان «البحار العجوز» في البحر_ وكان الماء العذب شحيحا للغاية_ لم يكن هناك شيء له قيـمـة تـبـادلـيـة أكـثـر مـن كـوب آخـر مـن المـاء العذب_ إلى حين أمطرت السماء. ومن هنا جاءت الفرضية الـتـي تـعـلـمـها ملايين الطلاب منذ ذلك الحين ــ بل مازالوا يتعلمونهاــ وهي أن منفعة أي سلعة أو خدمة تتناقص_ إذا ظلت جميع الأمور الأخرى متساوية_ مع زيادة توافرها. فمنفعة الوحدة الأخيرة والتي تكون الرغبة فيها عند أدنى حد أي منفعة الوحدة الحدية ــ هي التي تحدد قيمة جميع الوحدات.
و كان هناك شيء باهر ومنطقي في مفهوم المنفعة الحدية. ولفترة من الوقت بدا أنه يحل كل مشكلة القيمة أو الثمن
فالثمن هو ما يدفعه الناس مقابل الزيادة الأخيرة أو التي تكون الرغبة فيها عند أدنـى حـد والأثـمـان تستقر عند هذا المستوى. فعـنـدمـا لا يـرغـب أحـد فـي مـزيـد مـن المـاء فـي
الموسم المطير_ يستقر سعره عمليا عند الصفر. ولكن الأمر ليس كذلك في الصحراء. ومن يمكن أن يزعم في هذه الظروف أن تكلفة الإنتاج لها أهمية حقا؟
والحقيقة أن حدية المنفعة كـانـت الخـطـوة الأولـى عـلـى الـطـريـق نـحـو صياغة أخرى ونهائية. فالحدية لا ترتبط فقط بـالمـنـفـعـة والـطـلـب_ وإنمـا ترتبط بالعرض أيضا. ذلك أن السلع تـنـتـج عـنـد مـسـتـويـات مـخـتـلـفـة مـن
التكاليف_ وكان ذلك ما سبـق أن أوضـحـه ريـكـاردو فـيـمـا يـتـعـلـق بـالأرض. فالإنتاج الزراعي مع تزايده يمتد إلى الأرض الأقل خصوبة_ وبالتالي تزداد مدخلات العمل أو التكلفة لوحدة الإنتـاج. ولـكـن هـنـاك وضـع مـنـاظـر فـي الصناعة. فالمؤسسات المختلفة ذات الأوضاع المخلتلفة أو ذات الكفاءة المخلتلفة تنتج الناتج نفسه بتكلفة مختلفة. كما أن المنشأة الـواحـدة تـتـحـمـل تـكـلـفـة متزايدة في سعيها لاستخلاص المزيد من معداتها وقوة العمل لديها. وعلى ذلك ففي الصناعة_ كما في الزراعة_ يوجد قانون بالغ القـدرة والحـضـور_
هو «قانون الغلة المتناقصة»_ والذي يعني التكلفة المتزايدة. وكما أن الجدوى تستقر مع المنفعة عندما تصل إلى الحد_ كذلك الأمر مع التكـلـفـة عـنـدمـا تصل إلى الحد.
وعلى وجه التحديد_ فمن تناقص المنفعة الحدية للمشترين يأتي انخفاض الاستعداد الجماعي للدفع. ومن ثم نشأ منحنى الطلب الذي ينحدر نزوليا بصفة دائمة; أي ضرورة انخفاض الأسعار باستمرار حتى يمكن أن تخرج
من السوق الإمدادات المتـزايـدة أبـدا مـن الـسـلـع. ومـن الـتـكـالـيـف الحـديـة المتصاعدة للمنتجين والتكاليف الأعلى للمنتجين الأقل كفاءة تأتي التكاليف المتصاعدة للإمدادات الإضافية. وكلما زاد ما يطلب زاد ما ينبـغـي دفـعـه. ومن هنا يكون منحنى العرض صاعدا_ فالأسعار التي ترتفع باستمرار تلزم لتغطية التكاليف الحدية واجتذاب الإمدادات المتزايدة إلى السـوق. وعـنـد
نقطة التقاء المنحنيين يكون الإنجاز الأعلى مرتبة_ وهـو الـثـمـن. وذلـك هـو الثمن اللازم لحفز العرض. ويكون ذلك متوافقا مع السعر الذي تقرره أقل الاحتياجات إلحاحا.
ومن هذه الفكرة وردت أيضا أشهـر عـبـارة (أكـلاشـيـه) فـي الاقـتـصـاد_
وهي عبارة لا ينقضي أسبوع واحد من دون أن تدخل في الحديث اليومي
نظرا لأنها تحقق إعفاء كاملا من المسؤولية_ إذ تقول: «إن الأمر في النهاية هو قانون العرض والطلب». فالأسعار_ بعد أن انتـقـل أسـاسـهـا مـن تـكـلـفـة الإنتاج إلى العرض والطلب_ أصبحت الآن مسألة توازن يتغير باستمرار بين
الجانبين . وكان هذا التوازن هو الذي استقر في نهايـة الـقـرن فـي تـعـالـيـم ألفريد مارشال. ومازالت تلك هي الحال في التعليم التقليدي حتى اليوم.
وغني عن البيان أنه في العالم الكلاسيكي في بدايته لم يـكـن لـدى أي من العمال القوة التي تمكنه من أن يحدد كم تكون مكافأته_ ولم تكن هناك نقابة تحددها له. وباستثناء حال الاحتكار لم يكن هنـاك مـنـتـج رأسـمـالـي
يحدد أثمانه الخاصة أو عائد استثماراته. فهذه أيضا كانت تنشأ بـصـورة آلية عن السوق.
وهنا يكمن سحر الحدية. وحيث يفترض وجود قوة عاملة مـتـجـانـسـة_
وتغفل الفروق في المهارات وفي الكد والاجتهاد_ كما هي الحال بين الجموع غير المتعلمة في المصانع_ فإن الأجر تحدده قيمة الإسهام في الناتج وإيرادات آخر عامل متاح. وأي عامل يتمسك بالحصول على أجر أعلى_ يكون معنى
ذلك اعتزاله المهنة. وعلى هذا الضوء_ لم يكن باستطاعة أحد أن يـطـالـب مما هو أكثر من إسهامه في المنشأة عند الحد. وإذا أخذنا جميع العمال كل على حدة_ نجد أنه يمكن إحلال العامل الحدي محل أي منهم. وكان بوسع
الزيادة في الإنتاج أن تعمل على زيادة عرض العمال وتقليل العائد الحدي_
وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الهبوط إلى مستوى الكفاف. ولكن أجر التوازن قد يكون أعلى قليلا. فالأيدي العاملة قد لا تكون متاحة بهذه الوفرة_ عند ذلك يمكن أن يتقاطع منحنيا العرض والطلب للأيدي العاملة عند مستوى
أعلى من الكفاف. وأصبح ما يعود على الرأسمالي في صورة فائدة يفسر بطريقة مماثلة: إذ تقرره وحدة الاستثمار الأخيرة والأقل عائـدا. ونـظـرا لـقـدرة رأس المال التي لاشك فيها على التحرك والانتقال_ فإن تخفيض كل العائد يمكـن أن يتحرك إلى هذا المستوى_ مع خضوعه باستمرار لاحتمالات التعرض لمخاطر متفاوتة_ وإن كان يتعذر بوجه عام حساب هذا التفاوت. فكلمـا زاد عـرض رأس المال الناشئ عن عدم الاستهلاك أو الادخار_ انخفض العائد. ويمكن أن يحدث توازن بين العائد الحـدي لـرأس اماال والمكـافـأة الـلازمـة لجـذب
المدخر الحدي. هنا نجد مرة أخرى العرض والطلب (لقد أصبح الآن الربح منفصلا عن الفائدة_ وهو الذي يعوض عن المخاطـرة_ ويـكـافـئ الـشـخـص الشجاع والمجدد الذي يتحمل المخاطر). كما أدى سحر الحدية إلى تسوية
مسألة الأثمان والأجور_ فهو الآن ينقذ معدل الفائدة من التفسيرات السابقة التي يصعب قبولها.
ثم توصل التحسين الفني إلى ما هو أكثر كثيرا من ذلك. وقد ظهر الآن أيضا استثناء جوهري من النظام_ ألا وهو الاحتكار. فالمنتج الاحتكـاري لا يمتد بالإنتاج إلى حيث يغـطـي سـعـر الـسـوق ـــ الـذي يـتـحـدد بـصـورة غـيـر
شخصية ــ لا التكلفة الحدية فحسب بـل إلـى حـيـث يـكـفـي عـائـده الحـدي المتناقص بسرعة لأن يغطي بالكاد التكلفة المضـافـة وذلـك نـتـيـجـة لـنـقـص أسعاره بوجه عام. وبذلك تزيد أرباحه إلى الحد الأقصى. ولم يكن بوسـع أحد أن يقول إن هذا هو الإنتاج الأمثل اجتماعيا أو السعر الأمثل اجتماعيا. فهناك يكون الإنتاج أقل نظريا مما يتطلبه التوازن التنافسي_ ويكون السعر أعلى. وبالتالي كان هناك اتفاق على أنه بالرغم من أن النظام طيب بوجه
عام_ فمن المؤكد أن الاحتكار ليس كذلك. فالاحتكار استقر بوصفه الخلل المفرد الكبير في نظام كان يمكن لولا ذلك أن يبعث على الإعجـاب_ بـل أن يبلغ درجة الكمال.
وفي أيامنا هذه_ كما سنبين فيما بعد_ ليس الشاغل المحوري في السياسة العامة هو إنتاج السلع_ بل هو توفير فرص العمل لمن يرغبون في إنتاج تلك السلع. وليس هناك افتقار إلى سلع_ لكن هـنـاك حـاجـة مـاسـة إلـى فـرص العمل. وبالنسبة لريكاردو وأولئك الذين جاءوا بعده مباشرة لم تكن البطالة قضية تستحق الاهتمام. إذ كان العمال يخفـضـون أجـورهـم دائـمـا بـدرجـة
تكفي لجعل تشغيلهم مربحا. ولكن لم يظل الأمر كذلك بالضرورة مع مرور السنين وتغير الأحوال. ومع اقتراب القرن من نهايته فـي بـريـطـانـيـا كـانـت نقابات العمال سمة مميزة معترفا بها على المسرح الصناعي. وقـد رفـعـت تكلفة الأيدي العاملة عند الحد_ فهي إذ فعلت ذلك قللت عدد مـن يـجـري استخدامه أو يكن استخدامهم مع تحقيق عائد يـغـطـي أجـرهـم. وبـذلـك يمكن أن تكون النقابات سببا في بطالة أعضائها. وعند ذلك تحدث البطالة
من حين لآخر.
وهنا كان منشأ فكرة أخرى عاشت لأمد طويل_ وهي فكرة لم تمت بعد. ُ فقد قبلت نقابات العمال في نهاية الأمر في إطار النظام الكلاسيكي_ ولكن الارتباط بينهما لم يكن ارتباطا سهلا. فلاشك في أن الـنـقـابـة تمـلـك قـوة احتكارية تخرج الأجور من نطاق العـمـل الحـر والـذكـي لآلـيـة الـسـوق. ولمـا كانت النقابات من أسباب البطالة_ فإنها تكافئ من يعمـلـون بـالـفـعـل عـلـى حساب من يقعون خارج الهامش. وقد شهدت الجامعات في العقود التالية اقتصاديين مهتمين بشؤون العمل يبدون تعاطفهم مـع الـنـقـابـات الـعـمـالـيـة وتأييدهم لها_ ولكنهم يتعرضون للشك من جانب أشقائهـم الـكـلاسـيـكـيين
الذين يرون أن النقابات _ شأن غيرها من الترتيبات التي تحـدد الأسـعـار_ سواء كانت عامة أم خاصة_ تعتبر مثالا آخر لعيوب الاحتكار في نظام يمكن لولا ذلك أن يكون نظاما كاملا_ أو على أي حال نظاما قابلا لأن يبلغ حـد
الكمال.
وفي العقود الأولى من القرن العشرين_ على الرغم من استمرار وجود الثغرات_ وبخاصة الثغرات الموجودة في نظرية الأرباح_ فإن أساسيات النظام الكلاسيكي ــ أو النظام النيوكلاسيكي (الكلاسيكي الجديد) الذي يـفـضـل
البعض استخدامه ــ لألفريد مارشال كانت عندئذ قد استقرت. وعلى الرغم من أنه كان يسمى نظاما من قبل_ فقد أصبح الآن نظاما بحق. وإلى جانب التحسينات التقنية سالفة الذكر_ فقد شهدت السنوات الـتـالـيـة تـعـديـلات مهمة_ وبخاصة فيما يتعلق بفكرتي الاحتكار والمنافسة. ولكن فيما سيطلق عليه فيما بعد اسم «الاقتصاد الجزئي»_ فإن الموضوع_ الذي ينبع مباشـرة
من النظــام الكلاسيكي_ يرجـح أن يظـل على حالـه_ لا أن يتغير.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

رغم الأهمية الك...

رغم الأهمية الكبيرة و المعروفة لدور الإدارة , إلا أنه لا يو جد اتفاق صريح و أكيد بين الباحثين و الخب...

التعزيز العام و...

التعزيز العام ومعززاته لدى التلميذ: من أهم المعززات التي يمكن أن تؤثر في تحصيل التلميذ خبراته السابق...

In conclusion, ...

In conclusion, healthcare staff, particularly nurses, form the backbone of the healthcare system in ...

جاء الإسلام فمن...

جاء الإسلام فمنح المرأة حقوقا لم تكن تتمتع بها النساء في أي مكان في العالم وذلك بعد المكانة المزرية ...

لعله من الواجب ...

لعله من الواجب بداية القول إن ما أُبديه من رأي في هذه المساحة من جريدة «الأيام» الغراء لا يُعد بأي ح...

نعم، محافظة ظفا...

نعم، محافظة ظفار هي وجهة سياحية رائعة في سلطنة عُمان. تقع في جنوب البلاد وتشتهر بطبيعتها الخلابة ومن...

تعتبر البلدية ا...

تعتبر البلدية المكان األول الذي يلتقي فيه المواطن بالدولة فهي لها صالحيات واختصاصات واسعة في مجال ال...

يف 18 حزيران/يو...

يف 18 حزيران/يونيو ،1970 عندما فاز املحافظون بالسلطة يف اململكة املتحدة استمروا يف انتقاد قرار حزب ا...

لم تغير السمكة ...

لم تغير السمكة خط سيرها ولا اتجاهها ابدا طوال تلك الليلة وأمسى الطقس باردا غياب الشمس فاخذ الكيس الذ...

In a randomized...

In a randomized and experimental study Yueh-Min Liu & Yi-Chou (2021) demonstrated the positive impac...

أنهى ابن عمي خط...

أنهى ابن عمي خطابه فأحسست بأن أدران نفسي قد اغتسلت وتطهرت قد مسح بعصاه السحرية ما كان عالقا بنفسي من...

تعتبر المؤسسات ...

تعتبر المؤسسات الناشئة آلية جديدة وطريقة مبتكرة تسعى من أجل دفع عجلة التنمية على كافة الأصعدة وتساهم...