لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (23%)

توجهت إلى مقر أمير قبيلة آل مره . وكان الأمير طالب بن راشد بن شريم المري في نفس الوقت الرئيس الأعلى لآل مره ورئيس فرقة في الحرس الوطني الاحتياطي السعودي والذي يتكون معظم أفراده من قبيلة آل مره . استقبلت بكل حفاوة من قبل الأمير وأبنائه ، كما جاء على عكس ما وصفت به منطقة الربع الخالي الصحراوية التي يسكنها آل مره على أنها أرض الجنون والموت . على العكس كانوا يتمتعون بما يمكن تسميته بالتواضع الأرستقراطي الذي كان ظاهراً في أعمالهم وأحاديثهم . وقد دعم ذلك اعتقادهم بالمذهب الحنبلي والذي كان يؤيد عادات وتقاليد العرب مثل الكرم إنما التغيرات التي قد تطرأ على مجتمعهم وثقافتهم وطريقة عيشهم ضمن عملية الحداثة التي تمر بها المملكة العربية السعودية . ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تسارعت عمليات التنقيب وارتفع مجموع إيرادات النفط من ٥٠ مليون دولار في عام ١٩٥٠ إلى مليار دولار في عام ١٩٦٨ وإلى ٣ مليارات دولار في عام ۱۹۷۳ وتدفقت إلى منشأ الإسلام ومهد عرب الصحراء المنتجات الاستهلاكية كما تداعت المباني القديمة وهجرها أهلها للسكن في الفلل المكيفة في الضواحي كما تدفق على المدن ومخيمات التنقيب العديد من أفراد الطبقة المتوسطة العاملة من لبنانيين ، وبين البدو الرعاة وبين المزارعين المستقرين فقد تم تدميره . والتمركز هناك مع زوجاتهم وأولادهم مفضلين بذلك الحياة المقيدة لطبقة العمال على حياة رجال القبائل المستقلة لكن السؤال المطروح الآن هو : هل تم القضاء على حياة البدو الرعاة بشكل نهائي في المملكة العربية السعودية المعاصرة؟ لماذا نجد أنه من الأرخص والأسهل استيراد لحوم الغنم المثلجة من الأرجنتين ونيو زيلندا بدلاً من استهلاك المنتجات الوطنية ؟ أما زالت الصحراء العربية توفر المرعى الذي كان يسمح بتوريد عدد كبير من الجمال والماعز والخرفان إلى جميع أنحاء المشرق ومصر والهند؟ ألا يمكن لعملية استغلال تلك الأراضي المساهمة في الاقتصاد السريع النمو والمبني على السيولة ؟ تلك هي الأسئلة التي سنسعى للإجابة عليها في الجزء الأخير من هذا الكتاب ، لكن على القارئ أن يبقيها في ذهنه أثناء القراءة لأنها تشكل جزءاً من الواقع الذي يواجهه البدو في المملكة العربية السعودية الحالية . وقبل أن نحاول تحليل التغيرات التي يواجهها البدو في السعودية وسائر العالم العربي ، لكن ما يجذب انتباه المسافرين هم البدو الرحل الذين وضعوا أسس التقاليد العربية بشكل عام . سوف ننظر إلى الموضوع من الناحية البيئية - كيف يتم تكييف الهيكلية الاجتماعية والثقافية للبدو مع حياة الترحال؟ وبالأخص ما هو نوع المجموعات الاجتماعية المتواجدة ضمن مجتمعهم وكيف توفر لهم إطار عمل تنظيمي لاستثمار محيطهم؟ كيف أن عمليات الانشقاق والانصهار الخاصة بالوحدات الاجتماعية التي تنكمش وتتوسع ، ترتبط بالتغيرات الموسمية واحتياجات الحيوانات؟ ما هو تأثير سكناهم في الصحراء وعلاقتهم الوثيقة بالحيوانات على حياتهم الدينية؟ كيف تترابط جميع تلك الأوجه المتعلقة بحياتهم لتشكل وحدة متكاملة كانت ، وبين البدو الرعاة وبين المزارعين المستقرين فقد تم تدميره . حيث يشرب الجمل في الصحراء العربية مرة كل أربعة أيام في فصل الصيف ، وقد أدت العوامل السياسية والاقتصادية الخارجية والداخلية إلى تراجع في عملية الترحال للرعي وإلى انخفاض الأهمية المعطاة للقبائل في الهيكل الاجتماعي السياسي . إذ على الرغم من نجاح تلك المناطق في تفادي الاستعمار الأوروبي على شكل واسع ، وعلى الرغم من أن عملية التصنيع على المدى الواسع سوف تحدث تغييرات اقتصادية أساسية في البنية التحتية سواء كانت بالنسبة للرعاة الرحل أو المزارعين المقيمين ، بحيث يستوجب علينا توخي الحذر عند وضع هذين القطاعين جنباً إلى جنب ، باستثناء الأماكن التي تتمتع بمعدل جيد من تساقط الأمطار فإن الزراعة في الأماكن الأخرى ترتبط بشكل مباشر بالمسافة التي تستطيع أن تصل إليها قنوات الري داخل الصحراء . فالرعاة الذي يعملون على حافة الصحراء يلعبون دوراً هاماً في قطاع الزراعة وهم يهتمون بالأغنام والماعز . أما الذين يعملون في عمق الصحراء فهم قليلاً ما يتفاعلون مع المزارعين وهم يهتمون بالإبل . كما يوجد أيضاً الذين يمارسون نوعاً آخر من الترحال وهم يشكلون نوعاً من أنواع الشعوب المختلفة الموجودة في الشرق الأوسط . بينما يلعب العديد من البدو الذين يسكنون بالقرب من الحقول الزراعية دورا هاما من خلال نقل المحاصيل بصفتهم المالك الأساسي للحيوان القادر على النقل في الشرق الأوسط ألا وهو الجمل . أعلى من مستوى البيت نجد الفخذ الذي يضم جميع الأشخاص المنحدرين من نفس الجد على مدى خمسة أجيال ، وتعتبر الجمال أهم أنواع الحيوانات لدى آل مرّه ، إن علاقة الرعي الوثيقة بالحيوانات التي يستفيدون منها ويرعونها تشكل أهم ميزة من ميزات مجتمعات الرعي . وتوجد لديهم طريقة خاصة للتعامل معها ، وتشكل الإبل بالنسبة لآل مره جزءاً لا يتجزا من حياتهم المادية والثقافية والاجتماعية ، وتستمر على هذه الحال ولكن بكميات أقل طيلة سنة كاملة . كما تشكل الجمال في بعض المناسبات مصدراً للحم مع العلم أن آل مرّه لا يحبذون أبدأ ذبح جملا مكتمل النمو إلاّ إذا كان مريضاً وعلى وشك الموت ، لكنهم بشكل عام لا يعتمدون على الجمل كمصدر للبروتين . فهم يحنون دوماً إلى حليب نوقهم عندما يضطرون للسفر إلى المدينة والابتعاد عنها . وقبل ظهور الاقتصاد المبني على السيولة كان للبدو علاقات خاصة مع المدن والقرى ، إذ كانوا يحصلون على مكافآت عينية سنوية من التمر والحبوب مقابل حمايتهم للأسواق في المدن ولحقول القرويين من العبث والتدمير على يد القبائل الأخرى . القطعان بينما ترعى المجموعات الأخرى الإبل . مع العلم أن العديد من آل مرّه باتوا اليوم يفضلون تربية الخرفان والماعز على تربية الإبل . أما السريعة والرشيقة منها فتخصص للركوب ويتخصص النوع الثالث في توفير الحليب . أما ما يشكل ثروتهم الأساسية فهي النوق ذات اللون الأسود أو البني الداكن والتي توفر أفضل أنواع الحليب . ويدعي آل عازب أنهم قد حصلوا على جميع الحيوانات الأصيلة والتي تعرف بالشروف بعد إغارتهم على قبائل أخرى خلال القرن الماضي ، أما الإبل ذات اللون الفاتح والمخصصة للركوب فقد حصلوا عليها بعد الغارات التي شنوها على القبائل في عمان . وتشكل النوق الهم الأساسي لدى الرعاة الذين ينقسمون إلى ٣ مجموعات . وتوكل ويبلغ مجموع أفراد البيوت التسعة التابعة لآل كربي ٤٦ شخصاً . يقوم الرجال على حلب النوق أثناء الليل بمساعدة الشابات من أفراد البيت أحياناً . ومع نهاية شهر مارس (آذار) وشهر أبريل (نيسان) تشهد المنطقة عواصف رملية حارة تدوم بين يوم واحد وخمسة أيام حيث يتعرض خلالها الإنسان والحيوان إلى الدوامات الرملية الحارقة . لكن ليس بنفس السرعة التي تشهدها الرحلة من مراعي الخريف إلى مراعي الشتاء . ولكن تلك الوحدات تشكل الحد الوسط بين الفخذ والوحدة التي تضم جميع الأفراد المنحدرين من آل مره . أما على الصعيد السياسي ، تتطلب دعم القبيلة ككل ومشاركة أمير القبيلة . وعلى الرغم من أن القبيلة لا تلعب دوراً هاماً في تنظيم الترحال ، إلاّ أنها تلعب دوراً هاماً في توفير العلاقات القوية إذ أنه يمكن لأي فخذ أن يعتمد على دعم باقي فخوذ القبيلة في حال نشوء أي نزاع . وترتبط كل عشريتين ببعضهما من خلال جد مشترك كما هو موضح في الرسم الموضح أدناه . قبائل آل مرّه هي الوحدة التي تضم جميع الذكور والإناث المنحدرين من شخص يدعى مرّه يقال أنه عاش قبل ظهور الإسلام ، وتقول الراوية أن زوجته وأم ذريته كانت من الجن . والغناء ، والحياكة .


النص الأصلي

في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) من عام ۱۹٦٨ ، وبعد الحصول على الإذن بالسفر من حكومة المملكة العربية السعودية ، توجهت إلى مقر أمير قبيلة آل مره . وكان المقر عبارة عن مساكن مهجورة للعمال قرب محطة لتكرير البترول في مدينة أبقيق والتي تقع في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية .
وكان الأمير طالب بن راشد بن شريم المري في نفس الوقت الرئيس الأعلى لآل مره ورئيس فرقة في الحرس الوطني الاحتياطي السعودي والذي يتكون معظم أفراده من قبيلة آل مره .
استقبلت بكل حفاوة من قبل الأمير وأبنائه ، وأبناء أعمامه ، وفي الأيام التالية تعرفت على العديد من أفراد القبيلة الذين جاءوا لتأدية مهامهم الشهرية ضمن الحرس الوطني وقبض رواتبهم .
حاول راشد الابن الأكبر للأمير أن يشرح لي تاريخ القبيلة وشجرة العائلة فيها ، بينما راح الرجال الآخرون يطلعوني على أسمائهم وعلى الفخذ الذي ينتمون إليه ، وأسماء مجموعات الأقرباء . كانوا يجعلونني أردد تلك الأسماء لكي أحفظها . وقد أدهشتني الطريقة الصريحة والمباشرة والودية التي كانوا يتبعونها في التعريف عن أنفسهم ، وكانوا يضحكون طيلة الوقت ويمازحونني ويمازحون بعضهم البعض .
وما لمسته من ترحيب وصداقة جاء على عكس الوصف الذي كنت قد قرأته حول بدو السعودية على أنهم متعصبون وصارمون من ذوي الشعور الطويلة وحملة الخناجر الذين لا يقدرون إلا القليل من الأشياء الرفيعة في الحياة . كما جاء على عكس ما وصفت به منطقة الربع الخالي الصحراوية التي يسكنها آل مره على أنها أرض الجنون والموت .
وكان آل مره يرددون دائماً أنه : بإمكان المرء أن يجد كل شيء في الربع الخالي ؛ أفضل الإبل ، وحليب الناقة اللذيذ ، والصيد الوفير ، والرمل النظيف ، والهواء النقي ، وحيث يعيش الجميع كأخوة .»
على مدى الثمانية عشر شهرا التي قضيتها معهم لم أعتبرهم في يوم من الأيام على أنهم بربريون أو متعصبون ، على العكس كانوا يتمتعون بما يمكن تسميته بالتواضع الأرستقراطي الذي كان ظاهراً في أعمالهم وأحاديثهم . فهم يرفضون العيش في المدينة لأنها ملوثة مادياً واجتماعياً ، ويفضلون الصحراء حيث بإمكانهم الحصول على حياة نقية ونظيفة كما يقولون . وقد دعم ذلك اعتقادهم بالمذهب الحنبلي والذي كان يؤيد عادات وتقاليد العرب مثل الكرم
والضيافة والانتقام عند الظلم ، والزواج من ذات القبيلة.
لكن هذا الشعب المكتفي بذاته والذي يستغل البيئة الطبيعية التي تؤمن له
مستوى معيشي جيد في الصحراء العربية التقليدية يواجه الآن صراعاً مميتاً من أجل البقاء . وليس بالمقصود هنا وجود أخطار جسدية تهدد الأفراد ، إنما التغيرات التي قد تطرأ على مجتمعهم وثقافتهم وطريقة عيشهم ضمن عملية
الحداثة التي تمر بها المملكة العربية السعودية . ولا يخفى على أحد أن أغنى آبار النفط المعروفة توجد في المملكة العربية
السعودية وفي الدول الشقيقة لها التي تحد الخليج العربي . فلقد تم اكتشاف النفط في المملكة عام ۱۹۳۸ ، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تسارعت عمليات التنقيب وارتفع مجموع إيرادات النفط من ٥٠ مليون دولار في عام
١٩٥٠ إلى مليار دولار في عام ١٩٦٨ وإلى ٣ مليارات دولار في عام ۱۹۷۳ وتدفقت إلى منشأ الإسلام ومهد عرب الصحراء المنتجات الاستهلاكية
الغربية والشرقية . فقد حلت الشاحنات والسيارات والطائرات محل الجمال الذين كانوا يمثلون بالنسبة للأشخاص الذين لا تزيد أعمارهم عن ٣٠ سنة وسيلة النقل الوحيدة المعروفة لديهم . وقد تم خلال العشر سنوات الماضية سحق المدن القديمة المبنية من الطين بواسطة الجرافات من أجل بناء الشوارع العامة ، كما تداعت المباني القديمة وهجرها أهلها للسكن في الفلل المكيفة في الضواحي
وفي الشقق الفخمة في البنايات الشاهقة
لقد حدثت تغييرات جذرية في المدن فشهدت بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات التجارية التي تبيع المنتجات الصناعية الواردة من جميع أنحاء العالم ، كما تم رصف الطرق وامتدت الشوارع على مسافات طويلة حول مدينتي الرياض وجدة .
كما تدفق على المدن ومخيمات التنقيب العديد من أفراد الطبقة المتوسطة العاملة من لبنانيين ، وفلسطينيين ، ومصريين ، وكذلك اليمنيين من الطبقة الفقيرة وبالأخص من المناطق التقليدية من اليمن مثل حضرموت ومن عمان . كما جاء إليها من أوروبا وأمريكا الشمالية وباكستان واليابان العمال المحترفون ، والمستشارون ، والفنيون ، ومديرو الشركات .
وشهدت المدن تغيرات أكثر بكثير من القرى أو الصحاري ، لكن التوازن الدقيق الذي كان قائماً بين الصحراء والأراضي الزراعية ، وبين البدو الرعاة وبين المزارعين المستقرين فقد تم تدميره .
ما زال معظم البدو والذين يشكلون نسبة %۲۰% من المجموع السكاني العام البالغ 8 ملايين نسمة ، يتابعون عملية رعي القطعان في الصحراء من أجل تأمين عيشهم ، أما الشباب منهم فراحوا يغادرون الخيام والقطعان ويبحثون عن عمل مقابل أجرا في المدن ، والتمركز هناك مع زوجاتهم وأولادهم مفضلين بذلك الحياة المقيدة لطبقة العمال على حياة رجال القبائل المستقلة
لذا فقد أصبح مستقبل البداوة مجهولاً . فهناك العديد من البدو من غير نمط حياته ، لكن السؤال المطروح الآن هو : هل تم القضاء على حياة البدو الرعاة بشكل نهائي في المملكة العربية السعودية المعاصرة؟ لماذا نجد أنه من الأرخص والأسهل استيراد لحوم الغنم المثلجة من الأرجنتين ونيو زيلندا بدلاً من استهلاك المنتجات الوطنية ؟ أما زالت الصحراء العربية توفر المرعى الذي كان يسمح بتوريد عدد كبير من الجمال والماعز والخرفان إلى جميع أنحاء المشرق ومصر والهند؟ ألا يمكن لعملية استغلال تلك الأراضي المساهمة في الاقتصاد السريع النمو والمبني على السيولة ؟ تلك هي الأسئلة التي سنسعى للإجابة عليها في الجزء الأخير من هذا الكتاب ، لكن على القارئ أن يبقيها في ذهنه أثناء القراءة لأنها تشكل جزءاً من الواقع الذي يواجهه البدو في المملكة العربية السعودية الحالية .
وقبل أن نحاول تحليل التغيرات التي يواجهها البدو في السعودية وسائر العالم العربي ، دعونا نناقش موضوع البدو الرعاة في المنطقة العربية من جميع نواحيه التقليدية . لطالما كان البدو في المنطقة العربية يمثلون جزءاً من مجموع السكان على الرغم من الأسطورة التي تقول أن أصل الأشخاص المقيمين غير الرحل يعود إلى البدو إن معظم الأشخاص الذين يعيشون في الصحراء هم من القرويين المقيمين في الواحات ، لكن ما يجذب انتباه المسافرين هم البدو الرحل الذين وضعوا أسس التقاليد العربية بشكل عام .
وقد ركزنا على البدو الرحل في هذا الكتاب ليس لأنهم يمثلون الصورة المثالية والعاطفية للشخص العربي الأصيل ، إنما بسبب اهتمامنا لمعرفة كيف يعيشون في هذه البيئة التي تعتبر قاسية في نظر معظم الأشخاص ، وكأنها أرض الجنون والموت حيث لا يمكن للإنسان العيش فيها . فالبدو الرحل يعيشون في هذه البيئة الجافة حياة مريحة إلى حد ما ، ولكن كيف يمكنهم ذلك؟
سوف ننظر إلى الموضوع من الناحية البيئية - كيف يتم تكييف الهيكلية الاجتماعية والثقافية للبدو مع حياة الترحال؟ وبالأخص ما هو نوع المجموعات الاجتماعية المتواجدة ضمن مجتمعهم وكيف توفر لهم إطار عمل تنظيمي لاستثمار محيطهم؟
كيف أن عمليات الانشقاق والانصهار الخاصة بالوحدات الاجتماعية التي تنكمش وتتوسع ، وهذه ميزة من ميزات ديناميكية التنظيم الاجتماعي لدى البدو ، ترتبط بالتغيرات الموسمية واحتياجات الحيوانات؟ ما هو تأثير سكناهم في الصحراء وعلاقتهم الوثيقة بالحيوانات على حياتهم الدينية؟ كيف تترابط جميع تلك الأوجه المتعلقة بحياتهم لتشكل وحدة متكاملة كانت ، حتى مؤخراً ، يتم توارثها من جيل إلى آخر دون أي تغيير يذكر ؟
أهمية الزراعة في الشرق الأوسط. وتظهر من خلال الآثار التي وجدت صورة واضحة للنمو الذي طرأ على الزراعة والرعي بشكل متلازم ومتكافل ، وكذلك التاريخ المبكر الذي بدأ فيه الإنسان الاهتمام بالنبات والحيوان في المنطقة مما يدل على التغيير البيئي والثقافي الذي حدث . وشهدت المدن تغيرات أكثر بكثير من القرى أو الصحاري ، لكن التوازن الدقيق الذي كان قائماً بين الصحراء والأراضي الزراعية ، وبين البدو الرعاة وبين المزارعين المستقرين فقد تم تدميره .
منذ ١٠,٠٠٠ سنة ، حين بدأ الصيادون بعملية اختيار نوع المزروعات واستخدام البذور في الزراعة والتي أدت إلى وفر في الغلة واتباع نمط الحياة المستقرة في القرى ، بدأوا أيضاً بعملية مراقبة قطعان الأغنام والماعز البرية من أجل الإبقاء عليها خارج حدود الحقول المزروعة ، ومن ثم تم أسر تلك الحيوانات ووضعها في الحظائر وتدجينها . ومع نمو الزراعة ازدادت الكثافة السكانية وظهرت بعض التخصصات الاقتصادية . وبمرور الوقت ظهر الرعاة المتخصصون الذين راحوا يستغلون المراعي البعيدة عن المناطق المزروعة .
لذا ، فإنه لا يمكننا اعتبار الرعي على أنه منصب ورثناه من طريقة عيش أجدادنا في العصر الحجري ، لأن الحيوانات البرية التي كانوا يعتمدون عليها لم يكن لهم أية سيطرة عليها ولم يكونوا يعرفوا أي شيء عنها ، أما الحيوانات الداجنة التي تحتاج للرعي فقد وضعت تحت سيطرتهم وباتت تعتمد على الرعاة للبقاء على قيد الحياة. ويمثل الرعي بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط محاولة لاستخدام المناطق التي لا تصلح للزراعة لكنها توفر فوائد جمة من خلال رعي الحيوانات فيها من قبل الرعاة المهرة .
على الرغم من أن الزراعة لا تغطي سوى ١٠ من المساحة ، فهذا لا يعني أن بقية الأراضي تفتقر إلى النباتات . فهناك العديد من المراعي الطبيعية الممتازة التي تحتوي على أنواع مختلفة من النباتات الدائمة والسنوية ، لكن الظروف المناخية قليلاً ما تسمح بالرعي المستقر كما هو الحال في المزارع الحديثة . إن مساحة مناطق الرعي محدودة جداً وأفضل طريقة لاستغلالها هي في الترحال الموسمي من منطقة إلى أخرى .
ميزات الإبل التي تتكيف مع هذا الوضع . فقدرة الجمل على العيش دون ماء لفترات طويلة لا تعود إلى قدرته الخرافية على تخزين كميات كبيرة من الماء إنما إلى نظام التكيف لديه الذي يسمح له بتحمل درجات عالية من الحرارة مع صرف كميات صغيرة من السوائل . حيث يشرب الجمل في الصحراء العربية مرة كل أربعة أيام في فصل الصيف ، ومرة كل أسبوع أو ١٠ أيام في فصلي الربيع والخريف ، ومرة كل شهر أو ٦ أسابيع في فصل الشتاء وهذا يتوقف على درجة الحرارة وتوفر العشب الشتوي الطري الغني بالسوائل . وهناك بعض الأنواع من الأغنام والماعز التي يمكنها الاستغناء عن الماء لفترات من الزمن لكنها ليست مثل الجمل .
ولا يشكل الترحال للرعي دائماً الطريقة الفضلى لاستخدام الأراضي سواء كان ذلك الآن أو في بداياته . على سبيل المثال فقد قام العرب الرحل في القرن الحادي عشر للميلاد في شمال أفريقيا بتدمير معظم قنوات الري التي أنشأها الرومان وطورها العرب الذين جاءوا بعد الفتوحات الإسلامية في القرن السابع للميلاد . وهناك أيضاً الأراضي الخصبة والمروية بالأمطار والواقعة على الساحل الأطلسي وساحل البحر الأبيض المتوسط في المغرب وتونس والجزائر والتي تم احتلالها أثناء غزوات القبائل العربية ، فقد ركزت تلك القبائل اهتمامها على الرعي بدلاً من الاستمرار في الأنشطة الزراعية المفيدة والمربحة التي كان يمارسها السكان السابقون ، وقد استأنفت زراعة معظم تلك الأراضي في هذا العصر فقط .
ويظهر تدخل الرعاة الرحل في الزراعة في حقبات مختلفة من التاريخ ، فخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر فرضت القبائل الرحالة سيطرتها على جميع أنحاء سوريا حيث كانت دائماً تهدد عمليات التجارة والزراعة من خلال فرض رسوما من أجل الحماية . ويعزو أحد العلماء الزيادة في عدد سكان المدن في هذه الفترة إلى حالة الثورة وعدم الاستقرار التي كانت تشهدها المناطق الريفية بسبب الرعاة الرحل . ومع نهاية القرن الثامن عشر بدأت أهمية البدو الرحل تتراجع في المنطقة الصالح المقيمين المستقرين . وقد أدت العوامل السياسية والاقتصادية الخارجية والداخلية إلى تراجع في عملية الترحال للرعي وإلى انخفاض الأهمية المعطاة للقبائل في الهيكل الاجتماعي السياسي . وقد حصلت عملية التغيير بشكل معقد وعنيف في بعض الأحيان، وبهدوء في أحيان أخرى . هناك أمثال عديدة على ذلك - لنأخذ المغرب والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين فقد تعقد الوضع فيها بسبب الاستعمار ، إذ على الرغم من نجاح تلك المناطق في تفادي الاستعمار الأوروبي على شكل واسع ، إلا أنها لم تنج من تدخل الإمبرياليين الأوروبيين في شئون القبائل الداخلية والتي كانوا يجهلون كل شيء عنها .
في العقود الماضية كان اكتشاف النفط والثروات الضخمة التي أوجدها بمثابة إنذار بقرب نهاية عملية الترحال للرعي والتي كانت تعتبر طريقة مهمة للعيش في الشرق الأوسط . فإن إيديولوجيات الحكومات الحالية ، وسكان المدن يقفون جميعاً ضد استمرار حياة الترحال التي تعتبر متناقضة مع أهداف وتطلعات الدولة العصرية والمجتمع العصري .
وعلى الرغم من أن عملية التصنيع على المدى الواسع سوف تحدث تغييرات اقتصادية أساسية في البنية التحتية سواء كانت بالنسبة للرعاة الرحل أو المزارعين المقيمين ، بحيث يستوجب علينا توخي الحذر عند وضع هذين القطاعين جنباً إلى جنب ، إذ أنهما يعتمدان على أسلوبين مختلفين من الحياة ، وهما في صراع دائم للحصول على السلطة السياسية في الشرق الأوسط . أما من الناحية البيئية ، فتشير الدلائل إلى حصول بعض التدرج في مجال التخصصات مما يعكس المحاولة لاستغلال البيئة بأكملها وعدم ترك أي جزء منها بدون استخدام .
بينما توجد حدود واضحة بين الصحراء والأراضي الزراعية في الشرق الأوسط بحيث يمكن للمرء أن يضع قدماً في الأرض الخصبة والقدم الثانية في الصحراء ، فإنه ليس بالإمكان الفصل بين حدود الراعي الرحال والمزارع المستقر . باستثناء الأماكن التي تتمتع بمعدل جيد من تساقط الأمطار فإن الزراعة في الأماكن الأخرى ترتبط بشكل مباشر بالمسافة التي تستطيع أن تصل إليها قنوات الري داخل الصحراء .
وهناك أنواع مختلفة من الرعي ودرجات مختلفة من الترحال ، وهذا يتوقف على طبيعة عمل الراعي سواء كان ذلك بالقرب من المناطق الزراعية أو في عمق الصحراء . فالرعاة الذي يعملون على حافة الصحراء يلعبون دوراً هاماً في قطاع الزراعة وهم يهتمون بالأغنام والماعز . أما الذين يعملون في عمق الصحراء فهم قليلاً ما يتفاعلون مع المزارعين وهم يهتمون بالإبل . وهناك سلسلة متصلة تمتد من المزارع المستقر ، إلى المزارع نصف المستقر ، إلى الراعي نصف المستقر وإلى الراعي الدائم الترحال . كما يوجد أيضاً الذين يمارسون نوعاً آخر من الترحال وهم يشكلون نوعاً من أنواع الشعوب المختلفة الموجودة في الشرق الأوسط .
هناك نماذج اقتصادية معقدة للتفاعل الموجود بين الشعوب المستقرة والشعوب الرحالة . فالبدو يرعون حيواناتهم على مخلفات الحصاد بعد الانتهاء منه مساهمة منهم في توفير السماد الطبيعي للحقول ، بينما يلعب العديد من البدو الذين يسكنون بالقرب من الحقول الزراعية دورا هاما من خلال نقل المحاصيل بصفتهم المالك الأساسي للحيوان القادر على النقل في الشرق الأوسط ألا وهو الجمل . فالمزارع المستقر الذي يملك بعض الحيوانات يعهد بها إلى الراعي لكي يوفر لها المرعى ، وكذلك الراعي الذي يملك بعض أشجار النخيل أو قطعة أرض زراعية صغيرة فهو يعهد بها إلى المزارع لكي يعتني بها مقابل جزء من المحصول .
أما البدو المحاربون الذين يعيشون عادة في عمق الصحراء فهم يوفرون في أن واحد الحماية للمزارع المستقر ، والراعي نصف المستقر ضد أية هجمات أو محاولات استغلال من قبل البدو الآخرين .
تعتمد مجموعتا الرحالة والمستقرين على منتجات وخدمات بعضهما البعض على الرغم من أن كل منهما يظن أن طريقة عيشه تختلف عن طريقة عيش المجموعة الأخرى ، إلا أنهم جميعاً يتبعون نظاماً اقتصادياً موحداً يهدف إلى استخدام جميع الموارد المتوفرة سواء كانت زراعية ، أو متعلقة بالرعي أو بيئية شاملة . لذا فإن أية محاولة لتحضير البدو وتحويلهم إلى شعب مستقر سوف ينتج عنها خسارة قسم كبير من الموارد في الشرق الأوسط .
آل مره
ويعتبر آل مره وهم موضوع كتابنا هذا قبيلة عربية (أو بدوية) تقوم على استغلال الصحراء الموجودة في المناطق الشرقية الجنوبية والشرقية للجزيرة العربية . وعلى الرغم من غياب أي تعداد لأفراد القبيلة إلا أن عددهم يبلغ ١٥,٠٠٠ نسمة . وهم ينقسمون إلى عدد من المجموعات المختلفة المنحدرة من جد مختلف . أما الوحدة الأساسية التي تشكل مجتمعهم فهي مكونة من رجل وامرأة كبار في السن ، وأبنائهما ، وزوجات أبنائهما وأطفالهم . أما معدل البيت الواحد فيبلغ 7 أشخاص . أعلى من مستوى البيت نجد الفخذ الذي يضم جميع الأشخاص المنحدرين من نفس الجد على مدى خمسة أجيال ، أما معدل الفخذ الواحد فهو ٥٠ بيتاً . ويجتمع كل أربعة أو ستة أفخاذ وفقاً للجد الأكبر ويشكلون قبيلة . وقبائل آل مره التي تضم جميع المنحدرين من مره تتضمن سبعة قبائل .
يقف آل مره اليوم بين الرحالة والمستقرين ، وهم يعتبرون من البدو الذين يتحركون بواسطة الجمال . على الرغم من أن البعض منهم راح يتبع القبائل العربية الأخرى والتحول إلى أسواق رعي الأغنام والماعز ، أو البحث عن عمل مقابل أجر ، إلا أن معظم أفراد القبيلة ما زالوا يعتمدون على رعي الإبل حيث تتم تربية الجمال في المقام الأول من أجل الحليب .


البيئة: الأرض، الحيوانات، المهارات الخاصة
يؤمّن أل مرّه جميع احتياجاتهم الحياتية من خلال رعي الإبل والأغنام والماعز في الصحاري الواقعة في شرق وجنوب شرق الجزيرة العربية . وتعتبر الجمال أهم أنواع الحيوانات لدى آل مرّه ، وهي النوع الوحيد من الحيوانات التي يحتفظ بها ال عازب الذين عشت وسافرت معهم . وعلى غرار جميع الرعاة ، فإن لآل مرّه علاقة تكافلية مع الحيوانات التي يرعونها لأنها توفر لهم العناصر الأساسية لغذائهم ، لذا كان من الواجب عليهم بذل قصارى جهدهم في البحث عن أفضل المراعي والتحكم في ينابيع المياه . هذا لأن الإنسان والحيوان بحاجة إلى بعضهما من أجل البقاء ، ولا يمكن لأي منهما العيش بمفرده في البيئة الصحراوية دون مساهمة الآخر .
إن علاقة الرعي الوثيقة بالحيوانات التي يستفيدون منها ويرعونها تشكل أهم ميزة من ميزات مجتمعات الرعي . فالحيوانات لا تسهم فقط في توفير الأشياء المادية الضرورية للحياة ، إنما تمثل عنصراً هاماً من عناصر الفلكلور والدين لدى الشعوب .
ولا يكتفي آل مرّه بشرب حليب الناقة فقط ، بل إنهم يعطون كلاً من الحيوانات اسماً خاصاً بها ويتغنون بها ويكتبون عنها الأشعار ، ويؤلفون حولها القصص التي لا نهاية لها ، وتوجد لديهم طريقة خاصة للتعامل معها ، كما يدعون أنهم قادرون على التخاطب معها . وتشكل الإبل بالنسبة لآل مره جزءاً لا يتجزا من حياتهم المادية والثقافية والاجتماعية ، ويكون من الصعب جداً محاولة تصورهم بدونها إذ أنها تمثل حبهم الثابت الذي لا يتغير .
يشكل الحليب العنصر الأهم في النظام الغذائي لأل مره ، فالإبل التي يرعونها هي من فصيلة مشهورة بنوعية الحليب الذي توفره ، فبعد وضع حوارها تعطي الناقة ما يقارب جالوناً من الحليب يوميا للاستهلاك البشري ، وتستمر على هذه الحال ولكن بكميات أقل طيلة سنة كاملة . كما تشكل الجمال في بعض المناسبات مصدراً للحم مع العلم أن آل مرّه لا يحبذون أبدأ ذبح جملا مكتمل النمو إلاّ إذا كان مريضاً وعلى وشك الموت ، فهم يقومون في المناسبات الخاصة بذبح الحوار (صغير الناقة) ، لكنهم بشكل عام لا يعتمدون على الجمل كمصدر للبروتين .
خلال العقود الماضية ، وقبل أن يمنع الصيد ، كانت الحيوانات البرية تؤمن البروتين الحيواني ، أما اليوم فإن الخراف المشتراه من أسواق المدن أو من البدو الآخرين أصبحت تؤمن لهم اللحم مع العلم أنه لا يدخل كثيراً ضمن عناصرهم الغذائية .
والحليب كما ذكرنا يشكل العنصر الغذائي الأهم لدى آل مره ، فهم دائماً يتحدثون عن فوائده وعن القوة التي يمنحها للإنسان ، فهم يحنون دوماً إلى حليب نوقهم عندما يضطرون للسفر إلى المدينة والابتعاد عنها .
أما العنصر الغذائي الآخر فهو التمر بالإضافة إلى الوجبات اليومية المكونة من بعض الأرز أو الخبز المغمس بدهن الحيوان . ولا تتوفر لآل مرّه سوى كميات صغيرة من التمر يشترونها من أسواق المدن وبالأخص في منطقة الهفوف . أما المال لشراء التمر فيتم توفيره من خلال وظيفتهم ضمن الحرس الوطني الاحتياطي السعودي ، وبشكل متزايد ، من الأجور التي يتقاضونها مقابل عملهم في المدن أو في مخيمات التنقيب عن النفط في شرق المملكة . فهم نادراً ما يبيعون الإبل ، كما أنهم لا يعتمدون عليها أو على منتجاتها لتأمين العناصر الغذائية الأخرى ، بل إنهم يعتمدون على المال الذي يحصلون عليه لقاء عملهم أو بصورة مكافات خاصة من قبل الحكومة .
فيما مضى ، وقبل إنشاء الحكومة المركزية القوية وإدماج رجال القبائل في الحرس الوطني ، وقبل ظهور الاقتصاد المبني على السيولة كان للبدو علاقات خاصة مع المدن والقرى ، إذ كانوا يحصلون على مكافآت عينية سنوية من التمر والحبوب مقابل حمايتهم للأسواق في المدن ولحقول القرويين من العبث والتدمير على يد القبائل الأخرى .
القطعان
ترتكز عملية البقاء لدى آل مرّه وبالأخص آل عازب على الإبل ، ولا يحتفظ أي من الذين يترددون على الربع الخالي بأي من الخرفان أو الماعز ، كما أن البيوت ضمن القبيلة لا تخلط بين الإبل والخرفان والماعز . لذا فهم يختلفون عن باقي الرعاة من البدو مثل العرب القبابيش في السودان .
وتتحرك الإبل بطريقة أسرع ولمدة أطول من الخرفان والماعز كما أنها تستطيع أن ترعى في الأماكن البعيدة عن أي مصدر للماء أو عن المقر الرئيسي للقبيلة .
ويجري تصنيف القطعان التي تتضمن أنواعاً مختلفة من الحيوانات وتكوين مجموعات مختلفة أثناء بعض الفصول . وهذا ما يفرضه القبابيش على كل بيت إذ يضطر أفراده للانقسام إلى مجموعات أثناء الفصل الجاف حيث ترعى مجموعات منهم الخرفان والماعز ، بينما ترعى المجموعات الأخرى الإبل . أما بالنسبة لآل مرّه فإن التقسيم يتم بين البيوت على سبيل المثال إذا كان أحد البيوت يمتلك بعض الجمال ضمن قطعان الخراف أو الماعز فإنه يتركها للبيت المتخصص برعي الإبل ، مع العلم أن العديد من آل مرّه باتوا اليوم يفضلون تربية الخرفان والماعز على تربية الإبل .
وهناك أنواع متعددة من الإبل ، فالقوية والبطيئة منها تخصص لنقل الأثقال ، أما السريعة والرشيقة منها فتخصص للركوب ويتخصص النوع الثالث في توفير الحليب . ويحتفظ آل مرّه بالأنواع الثلاثة من الإبل ، أما ما يشكل ثروتهم الأساسية فهي النوق ذات اللون الأسود أو البني الداكن والتي توفر أفضل أنواع الحليب . ويدعي آل عازب أنهم قد حصلوا على جميع الحيوانات الأصيلة والتي تعرف بالشروف بعد إغارتهم على قبائل أخرى خلال القرن الماضي ، أما الإبل ذات اللون الفاتح والمخصصة للركوب فقد حصلوا عليها بعد الغارات التي شنوها على القبائل في عمان .
يتراوح عدد الحيوانات في قطعان آل عازب بين ٤٠ و ٧٥ ناقة أي بمعدل ٥٠ ناقة في القطيع الواحد . وتشكل النوق الهم الأساسي لدى الرعاة الذين ينقسمون إلى ٣ مجموعات . فالمجموعة الأولى ترافق الحيران (صغار الناقة) إذ أنهم بحاجة إلى عناية خاصة في البداية لأنهم لا يستطيعون التنقل بسرعة ، أما الناقة الأم فيجب أن تحصل على الماء مرة واحدة في الأسبوع حتى خلال فصل الشتاء إلا إذا توفرت كميات كبيرة وطرية من المرعى . ولا يسمح آل عازب لإبلهم بالتزاوج إلا بعد انقضاء فصل الصيف مما يؤدي إلى ولادة الحيران في أواخر فصل الخريف أو أوائل فصل الشتاء مع العلم أن فترة الحمل لدى الناقة تدوم ١٢ شهراً .
ويكون حليب تلك النوق غنياً وغزيراً ولذيذ الطعم بالنسبة للبدو . وتوكل
عملية رعي الناقة وحوارها عادة إلى الابن الأكبر في البيت والبالغ من العمر ١٠ سنوات وتتم العملية بالقرب من الخيمة البدوية (بيت شعر) أثناء النهار ، وعلى الراعي أن يتوقع زيارة والده أو جده أو بعض الأطفال الآخرين الذين يأتون لمشاهدة النوق الشهيرة وهي ترعى العشب وبجانبها الحوار الصغير ، أما الغرض الرئيسي من وراء الزيارة فهو السعي وراء الحصول على الحليب الرائع المزبد .
أما المجموعة الثانية من النوق فهي تتضمن تلك التي ما زالت تدر الحليب ولديها حوار يبلغ من العمر ما بين ٨ و١٨ شهراً ما زالت ترضعه . حليب تلك النوق يكون أقل حلاوة مع العلم أنه يظل غزيراً لدى تلك الحيوانات الأصيلة .
ويمكن لتلك النوق أن تتحرك بسرعة أكبر من الآخرين لأنه قد أصبح بمقدور صغارها التحرك بسرعة أيضاً . وتوكل رعاية هذه المجموعة إلى الابن الأكبر البالغ من العمر ١٠ سنوات أو إلى الفتاة غير المتزوجة ، وتتم العملية أثناء النهار بعيداً بعض الشيء عن الخيمة . أما خلال مواسم الشح يمكن لتلك المجموعة أن تنفصل عن القطيع الرئيسي لمدة أسابيع عدة أثناء فصلي الربيع والصيف للبحث عن مراع مناسبة . وتشكل النوق الحوامل المجموعة الثالثة حيث تترك لترعى بمفردها طيلة النهار ويتم جمعها من قبل أحد الأشخاص وإعادتها إلى المخيم قبل غروب الشمس . أما المجموعة الرابعة فتتضمن الإبل المخصصة لنقل اأمتعة وللركوب . ويبلغ عدد الإبل المخصصة للنقل بين ٢٠ و٣٥ وتتضمن جملاً ذكراً يتخذ للاستدلال ويكون ملك المرأة الأكبر سناً في البيت . وأثناء الترحال تقوم النساء بركوب تلك الإبل التي تحمل الخيام واللوازم الحياتية والمياه .
كما يقوم الرجال والشبان بركوب الإبل المخصصة لذلك ومعظمها من الإناث وذلك كجزء من أنشطة الرعي . أثناء أوقات فراغها تقيد قوائم الإبل وتترك لترعى بمفردها ويتم إرسال امرأة أو فتاة شابة للإتيان بها إذا دعت الحاجة إليها .
والقطيع من الحجم العادي يتطلب عمل اثنين من الرعاة بدوام كامل وراع واحد بدوام جزئي . ويصل مجموع الرعاة الذين ينتمون إلى البيوت التسعة التي تخص آل كربي المتفرع من آل عازب ٢٠ راعياً بدوام كامل (منهم ١١ راعياً من الذكور غير المتزوجين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٢ سنة- ٦ رعاة من الذكور المتزوجين في العشرينات من العمر ٣ منهم يترأسون بيوتهم - و٣ رعاة من الإناث غير المتزوجات في سن الثامنة عشرة) أما الصبية فهم يعملون بدوام جزئي . أما باقي الذكور الذين ينتمون إلى البيوت التسعة والذين لا يعملون بالرعي فهم أما من كبار السن أو من الذين يعملون مقابل أجرا بدوام كامل .
ويبلغ مجموع أفراد البيوت التسعة التابعة لآل كربي ٤٦ شخصاً .
يقوم الرجال على حلب النوق أثناء الليل بمساعدة الشابات من أفراد البيت أحياناً . أما بعد أن ترعى الإبل طيلة النهار فإنه يتم تجميعها وتساق إلى المخيم قبل غروب الشمس بساعة تقريباً ، ثم تترك لتنام حيث تبدأ عملية الاجترار .
بعد ساعة أو ساعتين من الوقت يتم إيقاظ النوق المرضعة الواحدة تلو الأخرى ويزال الغطاء الواقي المصنوع من الصوف والمربوط حول ضرعها أثناء النهار لكي تتمكن الحيران من الرضاعة ، ثم يتم حلبها ويوضع الحليب في أوعية كبيرة مطلية بالمينا ويؤخذ إلى البيت . يتم استهلاك معظم الحليب أثناء الليل والكمية المتبقية صباح اليوم التالي .
الربيع
يعتبر الربيع في المناطق الشمالية الفصل الذي تبدأ فيه الحياة بالتحرك وتزهر النباتات ، أما في الصحاري العربية ، وعلى الرغم من تواجدها في شمال المنطقة الاستوائية ، فهو لا يدعو إلى حياة جديدة إنما إلى همود في الحركة .
فالنباتات التي كانت خضراء أثناء فصل الشتاء تجف وتصبح بنية اللون ، وترتفع درجة الحرارة يومياً ، ومع نهاية شهر مارس (آذار) وشهر أبريل (نيسان) تشهد المنطقة عواصف رملية حارة تدوم بين يوم واحد وخمسة أيام حيث يتعرض خلالها الإنسان والحيوان إلى الدوامات الرملية الحارقة . تتوقف الزيارات والاحتفالات وتبدأ الدور بالتفكك إذ يستعد كل بيت للتوجه إلى البنر المخصص لسلالته .
ويطلق آل مره على تلك الفترة الصيف مع العلم أنها بالنسبة لأهل المدن تشير إلى فصل الربيع . وتبدأ خلال هذه الفترة الرحلات الطويلة للعودة إلى المخيمات الصيفية ، لكن ليس بنفس السرعة التي تشهدها الرحلة من مراعي الخريف إلى مراعي الشتاء .
القبيلة
ما يستخدم آل مرّه كلمة قبيلة للإشارة إلى هذه الوحدة الاجتماعية . ولكن تلك الوحدات تشكل الحد الوسط بين الفخذ والوحدة التي تضم جميع الأفراد المنحدرين من آل مره .
وتفادياً للخطا سوف نسمي هذه الوحدة قبيلة ، ولا سيما وأن لدى آل مره أميراً أعلى ، وهم معترف بهم كوحدة قبلية من قبل الحكومة السعودية .
وتعتبر القبائل كوحدات لا تلعب أي دور فعال في التنظيم الاقتصادي لدى آل مرّه ، فهي لا تمتلك أية آبار أو مراع لكن هناك علاقات وثيقة تربط بين مختلف أفراد الأفخاذ التي تشكل القبيلة ، الذين يتجمعون معاً قرب الآبار . أما على الصعيد السياسي ، فالقبيلة تشكل وحدة هامة ، فمن بين القبائل السبعة التي تتكون منها قبيلة آل مرّه هناك خمس قبائل تتضمن أفخاذاً تتمتع بوضع اجتماعي رفيع ، وضع الأمراء ، ومنها ثلاث أعطت أمراء حكموا القبيلة بالفعل . فجميع الأعمال السياسية ، سواء كانت تتعلق بالدفاع عن الموارد ، أو الحصول على تنازلات من قبل الحكومة ، أو البحث عن الثار ، أو تسوية النزعات القانونية ، تتطلب دعم القبيلة ككل ومشاركة أمير القبيلة .
وعلى الرغم من أن القبيلة لا تلعب دوراً هاماً في تنظيم الترحال ، وأن ملكية القطعان والآبار تعود رسمياً إلى الأفخاذ ، إلاّ أنها تلعب دوراً هاماً في توفير العلاقات القوية إذ أنه يمكن لأي فخذ أن يعتمد على دعم باقي فخوذ القبيلة في حال نشوء أي نزاع .
وتلعب القبيلة دوراً أساسياً في عمليات التقسيمات ، فالتحالفات السياسية والعسكرية نادراً ما تتعدى حدود القبيلة على الرغم من أن نظام التقيمات قد أوجد الية للتحالف تمتد إلى مستوى القبيلة وحتى إلى ما وراءها . وترتبط كل عشريتين ببعضهما من خلال جد مشترك كما هو موضح في الرسم الموضح أدناه . وترتكز علاقة كل قبيلة بالأخرى على مبدأ المعارضة المزدوجة التي تترجم عادة من خلال الأعمال العسكرية . على سبيل المثال يقول أحد أفراد آل فهيدة أنه في حال حدوث نزاع ينضم آل فهيدة إلى أل عذبه تحت اسم آل فاضل لمحارية آل بحيح ، لكنهم ينضمون إلى آل بحيح تحت اسم آل بشر بمحاربة أل جابر .


القبائل
قبائل آل مرّه هي الوحدة التي تضم جميع الذكور والإناث المنحدرين من شخص يدعى مرّه يقال أنه عاش قبل ظهور الإسلام ، وتقول الراوية أن زوجته وأم ذريته كانت من الجن . والمكانة التي يحتلها آل مرّه ضمن القبائل السعودية تؤكد هذا الأمر . فهم من جهة يعتبرون على أنهم قبيلة نبلاء على أساس أنهم ينحدرون من مرّه الرجل العربي الحر ، ومن الجن من جهة أخرى لأنهم يسكنون في الربع الخالي ويتمتعون بالقدرة على اقتفاء أثر الأشخاص والحيوانات . ونتيجة لذلك فإن الناس ينظرون إليهم نظرة غريبة ، لكن ما من أحد ينكر مكانتهم الرفيعة .
وللقبيلة حدود اجتماعية وثقافية هامة مثل اللغة ، وتقاليد اللبس ، وعملية الزواج ، وطرق التحية الشفهية وغير الشفهية ، وأساليب الشعر ، والغناء ، والحياكة . كما تضع القبيلة أيضاً حدود القرابة الفعلية على الرغم من أن عملية التقسيمات تتعدى مستوى القبيلة وتخلق صلات قرابة جديدة بين آل مرّه وقبائل أخرى . لقد رأينا أن عملية الزواج اللحمي تتم على مستوى الفخذ بنسبة مرتفعة ، وقد تصل هذه النسبة إلى ١٠٠٪ على مستوى القبيلة . ويسمح لعدد قليل فقط من النساء بالزواج من أفراد من قبائل أخرى ، أو من العائلة المالكة وذلك من أجل إظهار التحالف الموجود مع تلك المجموعات .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لقد حقق القسم إ...

لقد حقق القسم إنجازات متعددة تعكس دوره المحوري في مواجهة تحديات التغيرات المناخية في القطاع الزراعي....

1. قوة عمليات ا...

1. قوة عمليات الاندماج والاستحواذ المالية في المشهد الديناميكي للأعمال الحديثة، ظهرت عمليات الاندماج...

اﻷول: اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ...

اﻷول: اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﺗﻤﮭﯿﺪﯾﺔ ﻣﻘﺪﻣﮫ ﺳﻨﻀﻊ اﻟﻤﺒﺤﺚ ھﺬا ﻓﻲ ﺳﺘﻜﻮن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻣﻦ واﻟﺘﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ذﻟﺒﻌﺾ ھﺎﻌﻠﻮم ﻔﺎت ...

الوصول إلى المح...

الوصول إلى المحتوى والموارد التعليمية: تشكل منصات وسائل التواصل الاجتماعي بوابة للدخول إلى المحتوى ...

ـ أعداد التقاري...

ـ أعداد التقارير الخاصه بالمبيعات و المصاريف والتخفيضات و تسجيل الايرادات و المشتريات لنقاط البيع...

وهي من أهم مستح...

وهي من أهم مستحدثات تقنيات التعليم التي واكبت التعليم الإلكتروني ، والتعليم عن والوسائط المتعدد Mult...

كشفت مصادر أمني...

كشفت مصادر أمنية مطلعة، اليوم الخميس، عن قيام ميليشيا الحوثي الإرهابية بتشديد الإجراءات الأمنية والر...

أولاً، حول إشعي...

أولاً، حول إشعياء ٧:١٤: تقول الآية: > "ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا، وتدعو اسمه عمانوئيل" (إشعياء...

يفهم الجبائي ال...

يفهم الجبائي النظم بأنّه: الطريقة العامة للكتابة في جنس من الأجناس الأدبية كالشعر والخطابة مثلاً، فط...

أعلن جماعة الحو...

أعلن جماعة الحوثي في اليمن، اليوم الخميس، عن استهداف مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع...

اهتم عدد كبير م...

اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء علم الاجتماع وميادينه، واستخدا...

وبهذا يمكن القو...

وبهذا يمكن القول في هذه المقدمة إن مصطلح "الخطاب" يعدُّ مصطلحًا ذا جذور عميقة في الدراسات الأدبية، ح...