لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

العمانيون ونشر الإسلام والثقافة العربية في شرق أفريقيا
مدير معهد العلوم الشرعية (سلطنة عُمان)
إلاَّ أن الحدث البارز والأكيد لشرق أفريقيا هو هجرة الأميرَين العُمانيَّين من أبناء الجلندى. وقد حدثت هذه الهجرة نتيجة للصراع الدائر بين عُمان الطامحة للاستقلال الذاتي من جهة والدولة الأموية في دمشق الراغبة بإخضاع جميع الأقاليم المحيطة سلطة الدولة من جهة أخرى. وقد حدا ذلك بالحجاج بن يوسف الثقفي عامل بني أمية، وكانت تلك الهجرة عام 82هـ إذ توجها إلى أرخبيل «لامو» الكائن حاليا في كينيا على الساحل الأفريقي(1). ساعد على توالي الهجرات إلى الساحل الأفريقي، وقد أكد أحد الباحثين على أن التجار العُمانيين ومنذ القرن العاشر للميلاد، وقد ساعدت الهجرات العُمانية إلى أفريقيا على ازدهار المدن الساحلية وأصبحت هناك مدن متناثرة على طول الساحل الأفريقي كمقديشو، كل هذه المدن تجمع بين السكان الأفارقة إضافة إلى العرب الوافدين القادمين بديانتهم ودعاتهم، سواء من الساحل العُماني أم غير ذلك من سواحل البلدان المجاورة كما هو عليه الحال لسكان اليمن وحضرموت. كما يشير ابن بطوطة الرحالة المشهور إلى رحلة بحرية حملته من جزيرة كلوة إلى ظفار، وذلك حوالي عام 731هـ(5). ونعود للمؤرخ المسعودي الذي ركب هذا الخطَّ البحري بنفسه من جزيرة مدغشقر إلى عُمان عام 304هـ(6) حيث تحدث عن وجود ربابنة عُمانيين. ويبدو أن تجارةً نشطت بين الساحل الأفريقيِّ وعُمان، وأن عُمان كانت معبرًا لتصدير عاج الفِيَلَة إلى الهند والصين(8). إن اتصال العُمانيين المبكر مع الساحل الأفريقي قد ساعد على وجود هجرة منتظمة للقبائل العُمانية، وهو الأمر الذي ساعد على وجود مجتمعات عربية على طول الساحل الأفريقي. ويتحدث المؤرخون عن استيطان قبيلة الحرث في مقديشو بين عامي 291 و301هـ حيث أسست هذه القبيلة دولة خاصة بها استمرت في حكمها حتى قدوم البرتغاليين(9). وقد أشارت كتب التاريخ إلى هجرة لقبيلة عُمانية أخرى هي قبيلة النباهنة في أوائل القرن السابع الهجري إذ أقامت تلك القبيلة سلطنة إسلامية لها في «بات» ظلت موجودة حتى عام 1861م(11). ويبدو أن قبيلة النباهنة في «بات» في أرخبيل «لامو» (كينيا حاليا) قد جاءت متزامنة مع حكم هذه الأسرة لعُمان خلال الفترة من عام 500هـ وحتى قيام الدولة اليعاربة أي عام 1024هـ. ويشير بعض المؤرخين إلى أن قدوم الأمير سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني إلى «بات»، هو بداية هذه الدولة النبهانية عام 599هـ حيث تزوج هذا الأمير بأميرة سواحلية هي ابنة إسحاق حاكم وقتذاك، وعلى أثر هذا الزواج نقل الأمير النبهاني بلاطه من عُمان إلى الساحل الأفريقي الشرقي(12). إن هذا النزوح والاندماج العربي قد تكرر في أكثر من مدينة على طول الساحل الأفريقي كما هو الحال عليه في ممباسا حيث استوطنتها عائلات من قبيلة المناذرة العُمانية وكذلك قبيلة المزاريع حيث تسلسلت الريادة والحاكمية في بعض هذه الأسر إلى عدد من السلاطين والزعماء، فقد وصل عدد الحاكمين من أسرة بني نبهان إلى اثنين وثلاثين سلطانا حتى عام 911هـ أي مع وقت قدوم البرتغاليين(13). وقد نقل العرب العُمانيون عقيدتهم الإسلامية إلى السواحل الأفريقية كما نقلوا معهم عاداتهم ولغتهم العربية محدثة اندماجا فريدا مع لغة السكان الأصليين، فنتج عنها لغة جديدة عرفت بالسواحلية تتغلغل فيها المفردات العربية إلى ما يقارب 45% ولكن هذه العربية هي بطابع عُماني ملحوظ حتى وقتنا هذا، أولا: مساندة العُمانييـن لإخوانــهم الأفارقة في إنهاء الوجود البرتغالي:
وذلك أنَّ الساحل الأفريقي قد تعرض لاحتلال برتغالي تام كما جرى لعُمان والسواحل العربية والإسلامية الأخرى حيث قاوم العُمانيون هذا العدوان على أراضيهم مدة قاربت المائة والخمسين عاما. وقد تمكن العُمانيون في ظل الدولة اليعربية من دحر الدخلاء البرتغاليين، وتُعَدُّ الفترة من عام 1498م وحتى عام 1730م فترة الصراع بين البرتغاليين من جانب، وذلك منذ لحظة وصول «فاسكو دي جاما» إلى «مُمْبَاسَا» عام 1498م(14). وعندما حلَّ الاستعمار البرتغالي في شرق أفريقيا استنجد الأفارقة بإخوانهم العُمانيين للقضاء على هذا الاستعمار، وقد كلف تحرير ممباسا العُمانيين جهدا كبيرا حتى يمكن القول: إنه من الإنجازات البارزة التي تسجل لتاريخ الدولة اليعربية(16). لقد استطاع العُمانيون الاستيلاء على قلعة يسوع بعد حصار دام ثلاثة وثلاثين شهرا أي من 13مارس 1696 وحتى 14ديسمبر 1698م، وقد جاءت استجابة الحاكم العُماني الإمام سلطان يوسف بن سيف اليعربي لنداء الاستغاثة الموجه له من سكان ممباسا فأرسل قوة بحرية مكونة من سبع سفن حربية، لقد كان الحكم البرتغالي للساحل الأفريقي فترة مظلمة من الاستعباد والتسلط وقد كانت سياسة فتح البلاد لديهم التدمير بلا رحمة، اعتمادًا على مدافعهم البالغة الأهمية، ثانيا: نشوء السلطنة العُمانية في زنجبار على الساحل الأفريقي:
إنَّ الحدث الذي ذكرناه آنفا قد مهد الطريق لنشوء الدولة العُمانية، فبعد أن تم تطهير الساحل العُماني من الوجود البرتغالي زادت الهجرة العُمانية من جديد إلى الساحل الأفريقي، واتسع مدى الاتصال البحري تجاريا واجتماعيا بين الجانبين حتى اقتضت الحاجة نشوء دولة عُمانية على الساحل الأفريقي كانت مركزا للإشعاع الحضاري والإسلامي والعربي واستمر لعصور طويلة. ويعد حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي 1804_1856م تحولا بارزا في سماء العلاقات العُمانية الأفريقية، وبدءا من عام 1832م أصبحت زنجبار عاصمة الإمبراطورية العُمانية، وقد أدى ذلك إلى انتقال طائفة من العُمانيين إلى شرق أفريقيا(21). كما امتدت سلطة السيد سعيد إلى جميع الجزر الأفريقية الشرقية وكان نفوذه يمتد شمالا وجنوبا حتى قبل: إنه إذا ضرب السيد سعيد طبله في زنجبار، هذا النفوذ في الشرق الأفريقي أدى بدوره إلى قيام دولة إسلامية عربية لها تاريخها وتراثها فطبعت الساحل الأفريقي بطابعها الإسلامي- العربي المتميز وهو ما سهل انتشار الإسلام كدين جديد بين السكان المحليين، سواء في الجزر أم على امتداد المدن الساحلية. فقد ارتبطت بمعاهدات واتفاقات مع الدول الكبرى ذات النفوذ آنذاك، كما أوفد السيد سعيد سفيره أحمد بن نعُمان الكعبي إلى أمريكا سنة 1840م ليصل إلى نيويورك على السفينة سلطانة(25). فقد صدرت أوامر من السيد سعيد بعد التعرض للمذاهب الدينية وأن كل مذهب يتبع حكم مذهبه(26). وقد أصبحت عاصمة الدولة العُمانية على الساحل الأفريقي مركز إشعاع للدين الإسلامي في كل ما جاورها على البر الأفريقي إذ أشرق نور الإسلام لأول مرة في المناطق الداخلية من البر الأفريقي، العُمانيـون ونشر الإسـلام والثقافـة العربية:
ليس خافيا على أحد الأثر الذي أحدثه العُمانيون بنشر الإسلام على الساحل الأفريقي وكيف كان ذلك بفعل الاستيطان السكاني واندماج العُمانيين مع السكان الأصليين فكان أن نقلوا ثقافتهم ولغتهم، إضافة إلى عقيدتهم الإسلامية إلى غيرهم من الأفارقة. إن العرب العُمانيين هم أوَّل من اكتشف أفريقيا وجاس خلالها إلى حوض نهر الكونغو، وقد شهد لنتائج تحول الساحل الأفريقي إلى الإسلام ابن بطوطة عندما زار هذا الساحل عام 731هـ، كما أثار ذلك دهشة «فاسكو دي جاما» عندما وفد على هذا الساحل الأفريقي عام 904هـ فوجد أهلها قد تطبعوا بطابع العرب من العُمانيين في عاداتهم ولباسهم،


النص الأصلي

العمانيون ونشر الإسلام والثقافة العربية في شرق أفريقيا
الأستاذ: زياد بن طالب الـمعولي
مدير معهد العلوم الشرعية (سلطنة عُمان)
ترجع بداية الاتصال العُماني بالساحل الأفريقي إلى حقبة مبكرة في التاريخ أرجعها البعض إلى مرحلة تسبق ظهور الإسلام، إلاَّ أن الحدث البارز والأكيد لشرق أفريقيا هو هجرة الأميرَين العُمانيَّين من أبناء الجلندى.
وقد حدثت هذه الهجرة نتيجة للصراع الدائر بين عُمان الطامحة للاستقلال الذاتي من جهة والدولة الأموية في دمشق الراغبة بإخضاع جميع الأقاليم المحيطة سلطة الدولة من جهة أخرى. وقد حدا ذلك بالحجاج بن يوسف الثقفي عامل بني أمية، إلى توجيه جيش لقمع ثورة سعيد وسليمان ابني عباد بن عبد الجلندانيين في الفترة الأخيرة من القرن الأول للهجرة، ونتيجة لعدم تكافؤ الجيش الثائر مع حملة الحجاج، خرج هذان الأميران فرارا من بطش جيش الحجاج متوجهين إلى إفريقيا، وكانت تلك الهجرة عام 82هـ إذ توجها إلى أرخبيل «لامو» الكائن حاليا في كينيا على الساحل الأفريقي(1).
ويعزو البعض سبب توجه الأميرين للساحل الأفريقي ـــــ دون غيره من السواحل ــــ إلى سبب يؤكد معرفة العُمانيين بالطريق البحري الجنوبي، وكذلك وجود علاقات تجارية ــــ بحرية ضاربة في القدم يرجعها بعض المؤرخين إلى القرن الأول للميلاد(2).
إن ارتحال هذين الأميرَين إلى ساحل أفريقيا وما تبعه من هجرة لأنصارهما، ساعد على توالي الهجرات إلى الساحل الأفريقي، وكان ذلك بداية الطريق لتعرف الأفارقة على الدين الجديد الذي حمله هؤلاء الوافدون.
وقد أكد أحد الباحثين على أن التجار العُمانيين ومنذ القرن العاشر للميلاد، هم أول من نشر الإسلام داخل القارة الأفريقية، وأن التاجر العُماني حمل إسلامه مع سلعته، فكان تاجرا وداعية في نفس الوقت(3).
وقد ساعدت الهجرات العُمانية إلى أفريقيا على ازدهار المدن الساحلية وأصبحت هناك مدن متناثرة على طول الساحل الأفريقي كمقديشو، وممباسا، ومالندي، وبمبا، وزنجبار، وكلوة، كل هذه المدن تجمع بين السكان الأفارقة إضافة إلى العرب الوافدين القادمين بديانتهم ودعاتهم، سواء من الساحل العُماني أم غير ذلك من سواحل البلدان المجاورة كما هو عليه الحال لسكان اليمن وحضرموت.
وقد أشار المؤرخ المسعودي إلى دور العُمانيين في القرن الرابع الهجري حيث بين اتصالهم بلاد الحبشة وبحر الزنج وصولا إلى جزيرة قنبلو (مدغشقر حاليا). وقال: إنَّ «هؤلاء القوم الذين يركبون هذا البحر من أهل عُمان عرب من الأزد»(4).
كما يشير ابن بطوطة الرحالة المشهور إلى رحلة بحرية حملته من جزيرة كلوة إلى ظفار، وذلك حوالي عام 731هـ(5).
ونعود للمؤرخ المسعودي الذي ركب هذا الخطَّ البحري بنفسه من جزيرة مدغشقر إلى عُمان عام 304هـ(6) حيث تحدث عن وجود ربابنة عُمانيين.
كما وصف المسعودي «سفالة» (موزنبيق) فقال: هي أقاصي بلاد الزنج، وإليها تقصد مراكب العُمانيين(7).
ويبدو أن تجارةً نشطت بين الساحل الأفريقيِّ وعُمان، وأن عُمان كانت معبرًا لتصدير عاج الفِيَلَة إلى الهند والصين(8).
إن اتصال العُمانيين المبكر مع الساحل الأفريقي قد ساعد على وجود هجرة منتظمة للقبائل العُمانية، وقد اتخذ بعضها خيار الهجرة إما لدوافع سياسية أو لدوافع تجارية، وهو الأمر الذي ساعد على وجود مجتمعات عربية على طول الساحل الأفريقي.
ويتحدث المؤرخون عن استيطان قبيلة الحرث في مقديشو بين عامي 291 و301هـ حيث أسست هذه القبيلة دولة خاصة بها استمرت في حكمها حتى قدوم البرتغاليين(9). ونظرا لطول مدة حكم هذه الأسرة فقد بذلت جهدها في تعريب الكثير من القبائل الصومالية، وخاصة الساحلية التي دخلت الإسلام على أيديهم(10) وعليه فتكون هذه الهجرة تالية لهجرة الأسرة من آل الجلندى إلى «لامو» بـ«كينيا».
وقد أشارت كتب التاريخ إلى هجرة لقبيلة عُمانية أخرى هي قبيلة النباهنة في أوائل القرن السابع الهجري إذ أقامت تلك القبيلة سلطنة إسلامية لها في «بات» ظلت موجودة حتى عام 1861م(11).
ويبدو أن قبيلة النباهنة في «بات» في أرخبيل «لامو» (كينيا حاليا) قد جاءت متزامنة مع حكم هذه الأسرة لعُمان خلال الفترة من عام 500هـ وحتى قيام الدولة اليعاربة أي عام 1024هـ.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن قدوم الأمير سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني إلى «بات»، هو بداية هذه الدولة النبهانية عام 599هـ حيث تزوج هذا الأمير بأميرة سواحلية هي ابنة إسحاق حاكم وقتذاك، وعلى أثر هذا الزواج نقل الأمير النبهاني بلاطه من عُمان إلى الساحل الأفريقي الشرقي(12).
إن هذا النزوح والاندماج العربي قد تكرر في أكثر من مدينة على طول الساحل الأفريقي كما هو الحال عليه في ممباسا حيث استوطنتها عائلات من قبيلة المناذرة العُمانية وكذلك قبيلة المزاريع حيث تسلسلت الريادة والحاكمية في بعض هذه الأسر إلى عدد من السلاطين والزعماء، فقد وصل عدد الحاكمين من أسرة بني نبهان إلى اثنين وثلاثين سلطانا حتى عام 911هـ أي مع وقت قدوم البرتغاليين(13).
وقد نقل العرب العُمانيون عقيدتهم الإسلامية إلى السواحل الأفريقية كما نقلوا معهم عاداتهم ولغتهم العربية محدثة اندماجا فريدا مع لغة السكان الأصليين، فنتج عنها لغة جديدة عرفت بالسواحلية تتغلغل فيها المفردات العربية إلى ما يقارب 45% ولكن هذه العربية هي بطابع عُماني ملحوظ حتى وقتنا هذا، يلمسه الزائر ويحسُّ به بمجرد التعرُّف على سكان تلك الشعوب من المواطن الساحلية من مقديشو وحتى جزر القمر.
إن الحدث البارز في العلاقات العُمانية الأفريقية قد تُوِّج بأمرين بارزين يجدر الإشارة إليهما، ونهرج على ذكرهما كالآتي:
أولا: مساندة العُمانييـن لإخوانــهم الأفارقة في إنهاء الوجود البرتغالي:
وذلك أنَّ الساحل الأفريقي قد تعرض لاحتلال برتغالي تام كما جرى لعُمان والسواحل العربية والإسلامية الأخرى حيث قاوم العُمانيون هذا العدوان على أراضيهم مدة قاربت المائة والخمسين عاما.
وقد تمكن العُمانيون في ظل الدولة اليعربية من دحر الدخلاء البرتغاليين، ومطاردة فلولهم، وكذلك تصفية وجودهم حتى من الساحل الأفريقي. وتُعَدُّ الفترة من عام 1498م وحتى عام 1730م فترة الصراع بين البرتغاليين من جانب، وأئمة عُمان من جانب آخر، وذلك منذ لحظة وصول «فاسكو دي جاما» إلى «مُمْبَاسَا» عام 1498م(14).
وعندما حلَّ الاستعمار البرتغالي في شرق أفريقيا استنجد الأفارقة بإخوانهم العُمانيين للقضاء على هذا الاستعمار، وجاء دور اليعاربة الذين قاوموا الاستعمار البرتغالي واستخلصوا منهم القلعة التي كانوا يسمونها قلعة "يسوع" وتتبعوا خروجهم من السواحل الأفريقية (15).
وقد كلف تحرير ممباسا العُمانيين جهدا كبيرا حتى يمكن القول: إنه من الإنجازات البارزة التي تسجل لتاريخ الدولة اليعربية(16).
لقد استطاع العُمانيون الاستيلاء على قلعة يسوع بعد حصار دام ثلاثة وثلاثين شهرا أي من 13مارس 1696 وحتى 14ديسمبر 1698م، وبسقوط ذلك الحصن المنيع وضعت دولة اليعاربة النهاية لتفوق البرتغاليين في شرق أفريقيا(17).
وقد جاءت استجابة الحاكم العُماني الإمام سلطان يوسف بن سيف اليعربي لنداء الاستغاثة الموجه له من سكان ممباسا فأرسل قوة بحرية مكونة من سبع سفن حربية، وعشرة زوارق وحوالي ثلاثة آلاف جندي لإنقاذ المدينة من طغيان البرتغاليين(18)، وقد جاءت أبيات الشاعر بشير بن عامر الفزاري معبرة عن هذا الفتح بقوله:
هَذَا هُوَ الفَتْحُ العَظِيمُ الأَزْهَرُ .:.:. هَذَا هُوَ النَّصْرُ المبِينُ الأَكْبَرُ
فَالحَمْدُ للهِ الذِي نَصَرَ الوَرَى .:.:. بِإِمَامِ صِدْقٍ فَضْـلُهُ لاَ يُــــنْكَـــرُ
عَدْلٌ أَبِيٌّ يَعْرُبِيٌّ خَاشِعٌ لِلـ .:.:. ــــهِ لا يـَزْهُـــو وَلاَ يَتَــكَـــبَّــــــرُ
بَعَثَ الجُيُوشَ إِلَى النَّصَارَى غَازِيًا .:.:. دُوَلاً لَهُمْ بِالكُفْرِ كَانَتْ تَعْمُرُ(19)
لقد كان الحكم البرتغالي للساحل الأفريقي فترة مظلمة من الاستعباد والتسلط وقد كانت سياسة فتح البلاد لديهم التدمير بلا رحمة، اعتمادًا على مدافعهم البالغة الأهمية، ولقد صور ملك «مُمباسا» الذي شهد تدمير مدينته على يد البرتغاليين صورة معاناة شعبه في رسالة موجهة إلى جاره ملك ماليندي قائلا إن الغازي «لم يكتف بقتل الرجال وحرقهم، بل أسقط الطيور في السماء»(20).
وعليه فإن الفتح العُماني للساحل الأفريقي يعد بحق بمثابة الرحمة التي أنقذت الساكنين من نير الطغيان الذي عصف بهم فترة من الزمن.
ثانيا: نشوء السلطنة العُمانية في زنجبار على الساحل الأفريقي:
إنَّ الحدث الذي ذكرناه آنفا قد مهد الطريق لنشوء الدولة العُمانية، فبعد أن تم تطهير الساحل العُماني من الوجود البرتغالي زادت الهجرة العُمانية من جديد إلى الساحل الأفريقي، واتسع مدى الاتصال البحري تجاريا واجتماعيا بين الجانبين حتى اقتضت الحاجة نشوء دولة عُمانية على الساحل الأفريقي كانت مركزا للإشعاع الحضاري والإسلامي والعربي واستمر لعصور طويلة.
ويعد حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي 1804_1856م تحولا بارزا في سماء العلاقات العُمانية الأفريقية، فقد حول عاصمة ملكه من مسقط إلى زنجبار، وبدءا من عام 1832م أصبحت زنجبار عاصمة الإمبراطورية العُمانية، وقد أدى ذلك إلى انتقال طائفة من العُمانيين إلى شرق أفريقيا(21).
كما امتدت سلطة السيد سعيد إلى جميع الجزر الأفريقية الشرقية وكان نفوذه يمتد شمالا وجنوبا حتى قبل: إنه إذا ضرب السيد سعيد طبله في زنجبار، رقصت عليه كل غابات أفريقيا(22).
هذا النفوذ في الشرق الأفريقي أدى بدوره إلى قيام دولة إسلامية عربية لها تاريخها وتراثها فطبعت الساحل الأفريقي بطابعها الإسلامي- العربي المتميز وهو ما سهل انتشار الإسلام كدين جديد بين السكان المحليين، سواء في الجزر أم على امتداد المدن الساحلية.
وقد أدى استقرار الحاكم السيد سعيد بن سلطان في زنجبار إلى قيام نهضة زراعية وتجارية، فقد جلب شجر القرنفل من جزيرة موريشوس واعتنى بزراعته الأمر الذي زاد من ثروة البلاد وانتعاش اقتصادها، وأصبحت زنجبار من أغنى البقاع بسبب زراعة القرنفل وتجارته(23).
وكدولة ذات كيان ومكانة بارزة، فقد ارتبطت بمعاهدات واتفاقات مع الدول الكبرى ذات النفوذ آنذاك، كما هو الحال مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا(24).
كما أوفد السيد سعيد سفيره أحمد بن نعُمان الكعبي إلى أمريكا سنة 1840م ليصل إلى نيويورك على السفينة سلطانة(25).
ويذكر صاحب كتاب "جهينة الأخبار" كيف أرست هذه الدولة أسس التعايش السلمي بين المذاهب الإسلامية القائمة في زنجبار آنذاك، فقد صدرت أوامر من السيد سعيد بعد التعرض للمذاهب الدينية وأن كل مذهب يتبع حكم مذهبه(26).
وقد بلغ الأمر ذروته في ظهور الإسلام وعلو شأنه، حتى إنَّ زنجبار وشقيقتها الجزيرة الخضراء (بمبا) ضمتا 357مسجدا، وكانت الدروس تلقى في أروقة المساجد على يد نخبة من الرجال الأفذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات الدينية(27).
وقد أصبحت عاصمة الدولة العُمانية على الساحل الأفريقي مركز إشعاع للدين الإسلامي في كل ما جاورها على البر الأفريقي إذ أشرق نور الإسلام لأول مرة في المناطق الداخلية من البر الأفريقي، واستشرف آفاقا جديدة في ربوع أوغندا وأعالي نهر الكونغو وفي رواندا وبورندي وذلك فضلا عن تنجانيقا (تنزانيا حاليا) ومنطقة نياسا (مالاوي) وزامبيا وموزنبيق(28).
العُمانيـون ونشر الإسـلام والثقافـة العربية:
ليس خافيا على أحد الأثر الذي أحدثه العُمانيون بنشر الإسلام على الساحل الأفريقي وكيف كان ذلك بفعل الاستيطان السكاني واندماج العُمانيين مع السكان الأصليين فكان أن نقلوا ثقافتهم ولغتهم، إضافة إلى عقيدتهم الإسلامية إلى غيرهم من الأفارقة.
ولم يكن أمر نشر الإسلام ليمر دون تضحيات ومصاعب تصدى لها هؤلاء الوافدون، لكن الإصرار والعزيمة كانا من عوامل النجاح فأمكن للإسلام أن يرفع رايته، ويعلو صوت آذانه، وتخشع لقرآنه قلوب المؤمنين في جزر الساحل والأراضي المتاخمة لها.
إن العرب العُمانيين هم أوَّل من اكتشف أفريقيا وجاس خلالها إلى حوض نهر الكونغو، وهم الذين أخبروا عن البحيرات والجبال المعممة رؤوسها بالثلوج على الرغم من مشاق الأسفار، وعلى الرغم من وحشية الأهالي الذين يأكل بعضهم بعضا. وقد توغلوا في الغابات المظلمة وسط الضباع الضارية مخاطرين بأرواحهم وأموالهم. كما ثبت أن الأوروبيين اعتمدوا على عرب شرق أفريقيا في ارتياد مجاهل القارة الأفريقية ومداخلها(29).
حقا لقد كانت التضحيات المبذولة عظيمة، ولكن الإنجاز كان أعظم إذ تسنى لنور الإسلام أن يضيء سناه هذا الجزء الهام من القارة الأفريقية.
وقد شهد لنتائج تحول الساحل الأفريقي إلى الإسلام ابن بطوطة عندما زار هذا الساحل عام 731هـ، فقرر أن كل الناس الذين رآهم في المدن التي زارها كانوا مسلمين(30).
كما أثار ذلك دهشة «فاسكو دي جاما» عندما وفد على هذا الساحل الأفريقي عام 904هـ فوجد أهلها قد تطبعوا بطابع العرب من العُمانيين في عاداتهم ولباسهم، ووجد في إحدى المدن شيخا بالثياب الحريرية متقلدا السيف والخنجر، وفي معيته أقوام في أفخر الثياب(


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

هي شركة متخصصة ...

هي شركة متخصصة في الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات والمواقد من المحتمل أن تشارك Union Air ،...

Kate Chopin's "...

Kate Chopin's "The Story of an Hour" is a powerful and poignant tale that explores the complex emoti...

ولما بلغ ابن ال...

ولما بلغ ابن الدمينة شعر مزاحم ، أتي امرأته فقال لها : قد قال فيك هذا الرجل ماقال ، وقد بلغك ، قالت ...

المبيدات الحشري...

المبيدات الحشرية غير العضوية Inorganic Insecticides تستخدم معظم المبيدات الحشرية غير العضوية في مكاف...

غني عن الذكر أن...

غني عن الذكر أن المملكة العربية السعودية كانت هدفا للإرهاب منذ مرحلة مبكرة، ومن ذلك الاعتداء على الح...

الكترونية المتا...

الكترونية المتاجر: كتابة سياسية المتجر. كتابة سياسية الاستبدال والاسترجاع. ظبط الاعدادت الاسياسية ال...

المجاهد : محمد ...

المجاهد : محمد الزرقطوني ( رحمه الله )....​ ولد بالدار البيضاء سنة1925وترعرع في أحضان الحركة ​ الو...

محاضرات علم الس...

محاضرات علم السكان: محــــــــــــاضرة 1: أولا: مفهوم علم السكان قبل أن نقدم تعريفا دقيقا لعلم الس...

Biomechanical f...

Biomechanical function of articular cartilage: Through its low friction, articular cartilage facili...

الصحة النفسية :...

الصحة النفسية : رضا وانسجام الفرد مع نفسه ومع الأشخاص والمواقف والأحداث من حوله. بهذا المعنى فالصحة ...

مفهوم علم السكا...

مفهوم علم السكان قبل أن نقدم تعريفا دقيقا لعلم السكان ارتأينا أن نقدم للطلبة في البداية نبذة تاريخية...

، وجمعه وترتيبه...

، وجمعه وترتيبه دون مزجه بغيره من أقوال الصحابة والتابعين - إلا بالقدر اليسير الذي قد يحتاج إليه - و...