خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
تمهيد : فكرة الهداية القرآنية وموقعها عند المفسرين :
لسنا في حاجة إلى أن نكرر القول في اتخاذ أصحاب هذا الاتجاه فكرة الهداية القرآنية محورًا لمحاولاتهم التفسيرية ، أو سوق الأدلة على ذلك من أفكارهم النظرية التي نصوا عليها غالبًا في بدء محاولاتهم وكرروا التنبيه عليها دائمًا (۱) ، أما ما نشعر أننا بحاجة إلى الوقوف أمامه فهو فكرة الهداية نفسها ، وطريقة القرآن نفسه ووسائله في تحقيق الهداية التي التزم بها المفسرون الهدائيون ، وبها قامت أركان علومه ومعارفه ، والهداية بلفظها وروح معناها توفيق ورحمة ويقين وإيمان وطمأنينة وسكينة وعلم وعمل ، وتحقيق لحكمة الله وسننه في الإفادة من حقائق هذا الكون العظيم ويبدو أن هذه الفكرة كانت آسرة وجذابة ، وأن التنبه لهداية القرآن العامة : في تجاه الأمم ، بجميع جوانب الحياة والكشف عنها هما وسيلتا الإصلاح والتجديد في صما أساس التقدم عندها منذ نزل القرآن الكريم ، « فآيات كتاب الله ارواح علوية هبطت إلى الأرض لتحيي القلوب الميتة بالإيمان ، فمن وهب لها قلبه وهبت له الهداية والنور ، ففيها تجمعت حقائق العلم وأفكار الفلسفة ولمسات الروح ، ثم ألقى بعض الضوء على جوانب هذه الفكرة حين قرر ) أن التفسير الذي نطلبه هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم المقصد الأعلى وما وراءه تابع له أو وسيلة لتحصيله » إلى أن قال : الآخرة ، فإن هذا هو ه فالتفسير الذي يجب على الناس على أنه فرض كفاية هو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول ، وحكمة التشريع في العقائد والأخلاق والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام ليتحقق فيه معنى قوله : هُدًى وَرَحْمَةً ويتضح من سلوك مدرسة المنار أنها كانت تعنى بما تسميه أحوال البشر شيئًا واسعا ، آخذ بكل أسباب الحضارة وتراث العقل البشري في ضوء هذه الغاية النبيلة رأت المدرسة أن تناول القرآن الكريم ينبغي اجتماعي وثقافي جديد ، ومن هنا كان فضل رواد التجديد التفسيري وجهدهم بارزا في النهوض بالفكر الإسلامي إلى عصور ازدهاره السابقة والعودة بالقيم القرآنية إلى مكانها الفعلي من حياة الناس العملية بعد أن عاش المسلمون قرونا طويلة يحسبون القرآن وسيلة للعبادة والحياة الروحية فحسب ، وليس صراطا مستقيما إلى معالجة شؤون الحياة كلها ، فأكثر المسلمين قد هجروا القرآن وباتوا يجهلون أن فيه كل ما يحتاجون إليه من حياة روحية وأدبية وقوة سياسية وحربية وثورة وحضارة ، ويجهلون أن له تأثيرًا صالحاً في حياتهم المعيشية والمدنية والسياسية وقد حاول أصحاب الاتجاه الهدائي - وبخاصة التقليديون منهم – استخلاص وجوه الهداية والعظة حول محتويات السورة القرآنية ووضعها في مكان خاص بها قبل السورة القرآنية أو بعدها ومن المؤكد أن المفسر الحديث - وبخاصة صاحب الاتجاه الهدائي - قد أفاد كثيرًا من منهج القرآن الهدائي وأسلوبه الفريد الذي أحدث به ثورة إنسانية ما كانت لتحدث لا على قاعدة القرآن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيرُوا مَا الرعد : ۱۱] ، ولا يكفي في الحمل عليهما مجرد البيان والإعلام والأمر والنهي على غرار ما يصنعه البشر من اللوائح والبيانات ، والقوانين والمنشورات ومن هنا لم يتوقف مؤمن بالقرآن للاستفهام عن طريقته في عرض محتوياته والتنقل بين موضوعاته وتكرارها بشكل لا يعرفه البشر في تنسيق مكتوباتهم وحسن تبويبها وتصنيفها لأنها الهداية ، والهداية وحدها التي تبتغى من وراء هذا العرض والتوجه المباشر للنفس الإنسانية، وليس في أسلوبه ومعناه ومحتواه إلا ما له أكبر الشأن في انقلاب الأفكار وتغيير ما في العقائد والأخلاق ، وليس تكرار المعنى الواحد فيه بصور متنوعة إلا من أجل تقريره في الأنفس ونقشه في الأذهان الأنفس من من عنه جاء به فالقرآن الكريم لم يأت على طريقة المنشئين والمؤلفين الذين يخصون كل طائفة الكلام بموضوع معين ويسمونها بابًا أو فصلا ، فكلما لاحت المناسبة لذكر شيء منها أو الاحتجاج عليه أو الدفاع يجذب إليه الأذهان ويسارق به خطرات القلوب مع مراعاة التناسق وحفظ الأسلوب البليغ ، فإذا تكرر المعنى الواحد فبعبارات متعددة ، يبينون سره فيما يقدم من خير للناس ، فالقرآن كتاب السماء الذي يتجه للخاصة والعامة على السواء ، حيث ينتقل من تشريع عادل إلى واعظ حان إلى مثل ناهض إلى قصة ذات عبرة كل ذلك دون أن يفقد في لحظة واحدة روحه العام الذي يجمع المعاني والصور و الأفكار ويغدي العقل الشعور ويمتع الحواس والودان فلو أن عقائد الإسلام اجمعت مرتبة في سور ثلاث أو أربع من القرآن ، ولو أن قواعده التشريعية وأحكامه مقاصد القرآن الشخصية والمالية والحربية والقانونية رتبت في سور خاصة بها ، ولو أن قصص النبيين والمرسلين سردت في سورها مرتبة . لو أن كل ما ذكر وما لم يذكر من مـ تقديم كل نوع منها واحده الفقد القرآن بذلك أعظم مزابا هويه المقصورة بالقصد الأول من التشريع وحكمة التنزيل وهو التعبد به ، واستفادة كل حافظ للكثير أو القليل من سوره من مسائل الإيمان والفضائل المنبثة في جميع السور ، مقاصده بعضها ببعض وتفريقها في السور بالمناسبات المختلفة وتكرارها الهداية وذلك التأثير كان القرآن كما جاء في معنى وصفه : لا تبلى جدته ولا تخلقه من كثرة الترديد من التلاوة والترتيل وكثير من المفكرين غير العرب يودون لو رتب لهم القرآن ترتيبا تاريخيا أو منطقيا أو موضوعيا على غرار كتبهم المقدسة أو الكتب العلمية البشرية ، ولكن للمرء أن يتساءل : هل يمكن أن يسمى نتيجة هذا التصرف قرآنًا ؟ وحقيقة لو كان في آيات القرآن هذا الترتيب المطلوب ما وافق ذلك طبيعة النفس الإنسانية التي تجيش بعواطف وإحساسات لا يمكن أن تكون منظمة تنظيما منطقيا ؛ لأن الملل ليس من صفات النفس وإن كان من أوضح صفات العقل الذي يعتمد في عمله على ما يرد إليه أشد ما تكون إحساسًا بالتعب والملل وهناك حقيقة أخرى تنكشف للإنسان وراء هذا الترتيب التوقيفي ، وهكذا يلمح أمام عينيه منظر الإسلام الكامل وتخطيطه الشامل مشرفًا متلألمًا بصفة مستمرة ، ولو وهكذا يلمح أمام تعاليم المرحلة الابتدائية جمع القرآن على الترتيب الذي نزل عليه لما كان هذا الترتيب مجديًا ومفهوما للعصور التي تلت عهد النبوة ، بدون أن يضاف إلى القرآن تاريخ نزوله وتاريخ الظروف التي نزل - فيها كل جزء من أجزائه كملحق للقرآن ، الأمر الذي كان ينافي الغرض الذي شاء الله مصحف وتلك النتيجة التي كشف عنها ترتيب القرآن التوقيفي تثير سؤالا مهما : لماذا يجمع النبي صلى الله عليه وسلم حسب ترتيب نزوله عليه ؟ وهل لم يكن هناك من هداية حققها ترتيب القرآن في ترتيبه التاريخي فلماذا عدل عنه إلى ذلك الترتيب الآخر ؟ والحق أن القرآن كان ينزل وفق الظروف التي سارت عليها الدعوة منذ بدئها حتى بلغت أوج الكمال ، فلم يكن من الحكمة أن يختار لتدوين الأجزاء المنزلة نفس الترتيب الدعوة وتطورها ، بل الأمر كان في حاجة إلى ترتيب جديد الذي كان ملئما مع سير يكون أكثر انسجاما وأشد تجانسًا وأدق ارتباطا مع الواقع الآتي بعد اكتمال الدعوة وتمام النعمة ؛ فلما اكتملت الدعوة وبلغت ما شاء الله أن تبلغه أصبح مخاطبوها الأولون مسؤولين عن متابعة الدعوة ومواصلة الحركة التي سلمها الرسول مع الله لهم بعد كمالها فكرة ومنهاجا وهكذا صار الأمر الأهم هو أن يدرك هؤلاء المؤمنون قبل غيرهم واجباتهم ومناهج حياتهم قبل أن يتقدموا بهداية الله إلى البشرية التي ترزح تحت نير الضلال والغواية . وهو كفيل بتحقيق الهداية لجميع الناس كما عرفنا من وثانيهما: ترتيب تاريخي وهو المعروف بترتيب النزول وقد ناسب هذا - لكي تتحقق للعرب الهداية التي نيطت بها الدعوة وقت نزول القرآن – أن تتنزل الآيات على الأسلوب الذي يلائم ظروف الدعوة ويناسب واقعها الذي من يثير العواطف بجانب مناشدته العقول نفس مواجهته لكل
إلى تربية الأتباع وإصلاحهم ونفخ الحماس في نفوسهم، إلى تحويل الأعداء أصدقاء أوفياء ، إلى دحض حجة الجاحدين وقطع دابر نفوذهم وهكذا ساير ترتيب النزول حركات النفس الإنسانية وتفاعلها مع الدعوة الجديدة وراعى حاجتها من الوجهة التربوية الإلهية الخالصة ، وتدبر معانيه والاقتناع بمراميه والعمل بما تضمنه من أحكام ، وما يحققه من هداية وحكمة وبهذين الترتيبين أصبح القرآن الكريم وحده هو الكتاب الذي يعطيك من كل وجهة من وجهتي ترتيبه منهجًا عالميًا جامعًا محكما ؛ ودحض كامل لمنطق الإلحاد وهو في ترتيبه التوقيفي ( المصحفي ( أسلوب حياة وبناء حضارة ودستور للعالم كله محيط بكل صغيرة وكبيرة من حاجاته ومطالبه ، من حيث كان الترتيب النزولي هداية للمشركين ، وهو في كلا الحالين نبع لا يغيض للأسرار والعلوم ، فإذا ارتاد الدعاة مجاهل الإلحاد عاملوا أهلها على مقتضى ترتيب النزول ، فإذا ثاب الناس إلى الإيمان وضعوا بينهم وجهه الآخر ، وهو ترتيب المصحف ليكون أسلوب حياة ووسيلة بناء الجحفل جديد من جحافل الدعوة والانطلاق على وجه الأرض تحت راية الإيمان. ومن مبادئ علمهم بعدوهم ، وهنا ندرك أن فكرة الترتيب التاريخي لنزول الآيات ، وهي التي ينادي بها منهج التفسير الموضوعي كشرط أساسي – لا تحقق – إذا ما أخذت بمعناها العام في القرآن كله - الهداية التي يبغيها الاتجاه الهدائي ، نعني الهداية التي تتوجه إلى المؤمنين في واقع حياتهم ، إذا ما أريد بها معناها الخاص الذي ينصب على موضوع قرآني واحد بعينه ، فقد عرفنا نوعين من الهداية تترتب إحداهما على الترتيب التاريخي ولكنها تتوجه إلى الكافرين والمشركين ، على حين أن الهداية المقصودة من الاتجاه الهدائي والمترتبة على ترتيب القرآن التوقيفي هي التي تتوجه إلى المؤمنين بالقرآن ونؤكد على هذه النقطة حتى لا يلتبس علينا مفهوم الهداية عندما يتردد على لسان مفسر موضوعي ، وكما سنعرف بعد - لم يكد يتحقق لأية محاولة موضوعية، وكيف يصح إدراجها في الاتجاه الهدائي ، لقد اكتفوا بتبيين كلمة الله والهداية بها في موضوع بعينه ، وربما كان هذا عاملا مهما في جمع بعض المفسرين الهدائيين بين الطريقتين التقليدية والموضوعية معًا ، لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير ، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه ، كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان . بحيث تلاشى تدريجيا خلال التفسير التطبيقي ، ففي القرآن عقائد ارتبطت البرهنة عليها بآيات الله الكونية ، وقامت حجة القرآن فيها على النظر في ملكوت الله وتعرف أسرار الكون ، ولذا يمكن عد اهتمام مدرسة المنار بالكشوف العلمية وقوانينها في تفسير الآيات من قبيل اهتمامها بسنن الله الكونية والاجتماعية ، على أساس أن ما تدل عليه هذه وتلك في النهاية محقق للهدف من الآيات وهو الهداية والعظة والعبرة وتطهير للأرواح ، فإذا عرض لشيء من الآيات الكونية - وكثيرًا ما عرض لها - فإنما باعتبارها مصدر هداية إلى عظمة الكون ، لنصل على ضوئها إلى تعظيم ! وحديث القرآن وإشاراته إلى آياته وعلومه في الأنفس والآفاق من الإعجاز العلمي الذي يقصد به هداية مخلوقاته إليه ، ويجعل التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ايات خلقه وسيلة من وسائل الإيمان بالله . ويذهب الهدائيون إلى أبعد من ذلك ، حين يقررون أن الآيات الكونية في القرآن - بصفة خاصة – لم تفسر بعد ، وهي – وآيات النفس – بحاجة كبيرة إلى إعادة نظر وتفسير يكشف عما فيها من أسرار وحقائق علمية ناط الله بها كثيرا من الدين والدنيا ، قوله تعالى أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا من منافعنا في بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الورم : ۸] ولا يكتفي الهدائيون بالدعوة إلى درس آيات الكون في ضوء حقائق العلم ، حتى يمكن فهم وصف الله بهما للشمس والقمر في قوله تعالى : و هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءٌ وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس : ٥) ؛ إذ ليس من المعقول أن يخص الله الشمس بالضياء والقمر بالنور لغير حكمة كونية ترجع إلى طبيعة كل منهما . وسنعرف قريبا كيف صرح العلميون - تحت ضغط معارضة الهدائيين لاتجاههم - بأنه يهدف إلى تحقيق الهداية - وبخاصة لغير المؤمنين بالقرآن من علماء العصر الحاضر ومتعلميهم - عن طريق الإعجاز - العلمي والكشف عن أصول العلم وحقائقه في القرآن الكريم
ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل شتى ؛ أهمها وراثة العقيدة التي كانت ولا زالت سائدة في لأذهان بأن القرآن رسالة هداية وإرشاد لا شأن لها بأصول العلوم الكونية ، وأن حديثه الكائنات لا يحوي دقائق أو تفاصيل تتطلب علمًا خاصا لإيانتها ودركها وكان من الطبيعي أن تتسرب إلى أذهان المثقفين عامة بالعلم الحديث عقيدة الإفرنج بأن ن العلم والدين ضدان لا يجتمعان وعلى أية حال فلم يمنع هذا التحذير والتنبيه السابق من طغيان فكرة الهداية واستيلائها على أذهان المفسرين الذين انتحوا بفكرهم نحوا آخر ، خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتَيْكُمْ وَأَلْوَيَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ ت الْعَلِمِينَ )) وفي القرآن الكريم أمثلة أخرى لحقائق كونية يجهلها الناس أسلوب معجز ظاهره صالح لهداية عامتهم إلى الله وباطنه يهتدي به أهل العلم إذا أذن شكل الأرض وحركتها اليومية الله فانكشفت لهم تلك الحقائق ، وقوله : يُغْنِي اليلَ النَّهَارَ يَطْبُهُ حَثِيثًا ﴾ [الأعراف : ٥٤] ، وفي نصوص أخرى نرى ربط القرآن للإيمان بحسن النظر في الكون وطول التأمل في ملكوت الله - واضحًا ، وروح القرآن تتجلى في أحسن صورها عندما تفتح طريق البحث في أكبر مصدرين للمعرفة وهما الأنفس والآفاق ، وتحث المسلم على الاعتبار بهذه الآيات ، وألا يمر بها أصم وأعمى ، ومن ثم فلا دين بلا عقل وعلم . إذ ثبت أنه يحوي أصولها ويسبق الزمن في إيراد حقائقها - فإن أجدى وسائل أداء الأمانة . أمانة تبليغ الدعوة الإسلامية إلى العالم اليوم هو الكشف عن حقائق القرآن العلمية لا سيما في وقت قارب العالم أن يصل فيه إلى قمة العلم . وتشير الأدلة إلى إشراق عهد جديد أهم مما يميزه رجوع الناس جميعًا إلى الله والعودة إلى الدين . الدين الذي يدعو إلى العلم
وقرر تطورات
وكثير من هؤلاء وأولئك يعتنقون الإسلام كل يوم دون ضغط أو تبشير أو مساعدة من أي من المسلمين، فيا ترى كيف لو قام المسلمون بواجبهم الذي فرضه عليهم الإسلام فرضًا - وهو في هذا الوقت أكثر وجوبًا عنه غافلين من آيات الله
هذا ما كان من دور فكرة الهداية عند مفسري الاتجاه العلمي ، إنها عندهم غاية يتوصلون إليها من الطريق الذي ارتضوه في سلوكهم إلى فهم كتاب الله ، وتكاد تكون فكرة الهداية هي نفس الغاية عند مفسرين آخرين، يعتمد أولا وبالذات على التأثير النفسي في نفوس المخاطبين ، ولذا يرى إمام الاتجاه الأدبي أن تفسير محمد عبده الذي يستفيض في النواحي بها الفهم الأدبي للقرآن الاجتماعية لا بد أن يأتي في مرتبة تالية لتفسير يرتكز أولا على الناحية النفسية التي يقوم ، وهو الفهم الذي يتقدم كل استفادة منه ، فكل هذا يجب أن يقوم على أساس وطيد من الدرس الأدبي المتصل بالخبرة النفسية فالمقصد الأول عند أصحاب الاتجاه الأدبي الذي يعلنون عنه « هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم ، وغرضًا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض وتقدم كل مقصد ، ثم لكل ذي غرض وصاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس يعمد إلى ذلك الكتاب ، فيأخذ منه ما يشاء ويرجع إليه فيما أحب من تشريع أو اعتقاد أو أخلاق أو إصلاح اجتماعي أو غير ذلك ولكنهم في غمرة حماسهم للإعلاء من شأن هذا المقصد يفسحون المجال – كما نرى - المقاصد أخرى ربما كان الدرس الأدبي ممهدا وموطئًا لها ، ليست في رأيه وقفة يراد منها الفن للفن ، فهو يقول : بالهدف الاجتماعي - أو قل الهدي العام – الذي يرمي وإذا قال قائلون: إن الفن لا يلتزم الفضيلة موضعا له ، وإن الفن يرجى للفن وحده ، فما دام القرآن معجزة الإسلام الدائمة التي تتحدى البشر ، والحاجة إلى تبليغها دائمًا لا تنسخ ، فقد أكد هذا أن فهما أصيلا اليوم لطبيعة المعجزة القرآنية لا بد أن يتناول الآية من حيث تركيبها النفسي ، وعلى قدر ما يتاح هذه للمفسر من خبرة بالنفس الإنسانية يكون تفسيره للنص أدق وأعمق ، وهو من الناحية يكشف عن أسمى ما جاء به النص من معانٍ تسمو بها النفس الإنسانية ويرتفع بها أمرها ، وهو الأمر الذي يرتفع بمباحث الإعجاز القرآني إلى مستوى الإنسانية عامة ، الإنسانية لأنه ما من هاجس يعرض للنفس من ناحية الحقائق الدينية - إلا ويعرض له القرآن بالهداية وسداد التوجيه ، وما أكثر ما يفر المرء من نفسه ، وزلة كل ذي زلل ، ثم تكفل بإزاحتها كلها ، والوقوف أمام فنه وأسلوبه بالدرس والتحليل النفسي الساحر أعماق لكشف الإمكانات النفسية في خطاب القرآن التي كفلت نجاح الدعوة الإسلامية ، وما زالت موكلة بنجاحها على طول الزمان ، وعند هذه النقطة النفسية تلتقي ضروب التعابير الفنية ، وتحقيق هدفه النهائي من الهداية ككتاب دعوة دينية قبل كل شيء . الملاحظ دائما أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني فيما ومن يعرضه من الصور والمشاهد ، بل إنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني فيخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنية ، والفن والدين صنوان في النفس وقرارة الحس ، ونبهوا إلى خطورة الاقتصار عليها أو الوقوع في أسر مفهومها الغريب عن فكرنا - كان لبعض آخر من الأصحاب الاتجاه الأدبي فضل التحذير من الانغلاق على فكرة الهداية ، والتزمت الأخذ بمبدأ العظة والإرشاد الذي قد يجرنا إلى التضييق على عقولنا أمام النص ، ولذلك يترسب في نفسه أن النص ما لم توجد فيه ألفاظ : ، وأن ويحتاج إلى يتصور معنی الاتجاه الإرشاد – في نفسه - ربما لا يكون وثيق الصلة ببعض معاني النص الهامة وتستمر مناقشة هذا الدارس ليكشف لنا عن تناقض بين تسمية هذا الاتجاه التفسيري ( الاجتماعي ) وواقع القضايا العملية التي يناقشها ، إنه التفسير الأدبي العام ه فكل نص ديني يعتبر بالضرورة رياضة روحية وموقفًا خاصا ، لكن المقصد الاجتماعي المقصد السائد منذ نهضة الدراسات القرآنية في العهد الحديث قد أهمل أشياء غير قليلة ، فقد ذاع في النفس لكنه في الوقت نفسه يبدو في معظم الأحيان أقل أن يحمل مسؤولية الموقف الأدبي القائم على صبغة روحية شاملة معين ورفض ضمني لمواقف أخرى ، الاجتهاد ونقض التقليد :
الهداية القرآنية وهو ما وقفنا أمامه التي الضروري وهكذا يمكن القول - باعتبار ما - إن الاتجاهين الأدبي والعلمي في التفسير قد نشأ في أحضان الاتجاه الهدائي ،
تمهيد : فكرة الهداية القرآنية وموقعها عند المفسرين :
لسنا في حاجة إلى أن نكرر القول في اتخاذ أصحاب هذا الاتجاه فكرة الهداية القرآنية محورًا لمحاولاتهم التفسيرية ، أو سوق الأدلة على ذلك من أفكارهم النظرية التي نصوا عليها غالبًا في بدء محاولاتهم وكرروا التنبيه عليها دائمًا (۱) ، أما ما نشعر أننا بحاجة إلى الوقوف أمامه فهو فكرة الهداية نفسها ، وطريقة القرآن نفسه ووسائله في تحقيق الهداية التي التزم بها المفسرون الهدائيون ، وموقف المفسرين من هذه الفكرة وطرقهم إليها فهداية القرآن أساس دعوته وأصل أصوله وعنها تفرعت آدابه وشرائعه ، وبها قامت أركان علومه ومعارفه ، وعلى دعائمها نهضت حكمه وأحكامه ، وهي دروس في التربية للأفراد والجماعات والأمم والشعوب ؛ لأنها الحق الذي نزل به القرآن وإليه قصد ، والهداية بلفظها وروح معناها توفيق ورحمة ويقين وإيمان وطمأنينة وسكينة وعلم وعمل ، وتحصيل ما يمكن من البر والخير ، وتحقيق لحكمة الله وسننه في الإفادة من حقائق هذا الكون العظيم ويبدو أن هذه الفكرة كانت آسرة وجذابة ، واستمدت جذبها وقوتها من واقع الأمة الذي عجل بظهور الاتجاه الهدائي في تفسير القرآن الكريم ، وأثبت أن التنكر لهداية القرآن في تحرير الفكر وتمجيد العقل ، وغفلة المفسرين عن مقاصد القرآن التي تشير إليها ياته، هي سبب الاتجاه الهدائي، تأخر المسلمين وانحطاطهم ، وأن التنبه لهداية القرآن العامة : في تجاه الأمم ، بجميع جوانب الحياة والكشف عنها هما وسيلتا الإصلاح والتجديد في صما أساس التقدم عندها منذ نزل القرآن الكريم ، « فآيات كتاب الله ارواح علوية هبطت إلى الأرض لتحيي القلوب الميتة بالإيمان ، وقبسات إلهية أشرق نورها ليضيء طريق الحياة للإنسان ، وأفكار قدسية نزلت من وراء الغيب لتشرح للإنسان كتاب الوجود ، فمن وهب لها قلبه وهبت له الهداية والنور ، ومن أولاها عقله أولته الإدراك والفهم ، ففيها تجمعت حقائق العلم وأفكار الفلسفة ولمسات الروح ، يقرؤها العالم خلالها أسرار الوجود ، ويقرؤها الفيلسوف فيتلمس من آياتها علل الأشياء ، فيستشف من ويقرؤها الرجل العادي فينقاد لها عقله وقلبه وروحه يتم هذا الاتجاه الهدائي - الذي اختلف الدارسون في تسميته - مرة حين أشار إلى ضرورة العلم بأحوال البشر ذلك العلم الذي وقد عبر الإمام عن لا التفسير إلا به ، ثم ألقى بعض الضوء على جوانب هذه الفكرة حين قرر ) أن التفسير الذي نطلبه هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم المقصد الأعلى وما وراءه تابع له أو وسيلة لتحصيله » إلى أن قال : الآخرة ، فإن هذا هو ه فالتفسير الذي يجب على الناس على أنه فرض كفاية هو ذهاب المفسر إلى فهم مراد القائل من القول ، وحكمة التشريع في العقائد والأخلاق والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام ليتحقق فيه معنى قوله : هُدًى وَرَحْمَةً ويتضح من سلوك مدرسة المنار أنها كانت تعنى بما تسميه أحوال البشر شيئًا واسعا ، فلقد كانت تريد الإسهام في بناء شرق ناهض بريء من الضعف والوهم والتقليد ، ومتطاع إلى العلم والثقافة، آخذ بكل أسباب الحضارة وتراث العقل البشري في ضوء هذه الغاية النبيلة رأت المدرسة أن تناول القرآن الكريم ينبغي اجتماعي وثقافي جديد ، ويوطئ السبيل أمام الحرية الفكرية أن يسهم في خلق وعي ففكر ولهذا لم يكن من الغريب أن يسير القرآن الكريم في مصر والشرق العربي في فكرة الهداية التي أسسها الإمام أو قريبا منها ، وهو اتجاه أدرك المحدثون قيمته حين عرفوا أن ضعف اهتداء الناس بالقرآن في عصور الانحلال، لم يكن إلا نتيجة لخلو تفسيره من تطبيق عقائده وأحكامه على أحوال الناس وشؤونهم ، ومن هنا كان فضل رواد التجديد التفسيري وجهدهم بارزا في النهوض بالفكر الإسلامي إلى عصور ازدهاره السابقة والعودة بالقيم القرآنية إلى مكانها الفعلي من حياة الناس العملية بعد أن عاش المسلمون قرونا طويلة يحسبون القرآن وسيلة للعبادة والحياة الروحية فحسب ، وليس صراطا مستقيما إلى معالجة شؤون الحياة كلها ، فأكثر المسلمين قد هجروا القرآن وباتوا يجهلون أن فيه كل ما يحتاجون إليه من حياة روحية وأدبية وقوة سياسية وحربية وثورة وحضارة ، ويجهلون أن له تأثيرًا صالحاً في حياتهم المعيشية والمدنية والسياسية وقد حاول أصحاب الاتجاه الهدائي - وبخاصة التقليديون منهم – استخلاص وجوه الهداية والعظة حول محتويات السورة القرآنية ووضعها في مكان خاص بها قبل السورة القرآنية أو بعدها ومن المؤكد أن المفسر الحديث - وبخاصة صاحب الاتجاه الهدائي - قد أفاد كثيرًا من منهج القرآن الهدائي وأسلوبه الفريد الذي أحدث به ثورة إنسانية ما كانت لتحدث لا على قاعدة القرآن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيرُوا مَا الرعد : ۱۱] ، فلقد مضت سنة الله في تثبيت الحق والخير في الناس وصدور على القلب ، ولا يكفي في الحمل عليهما مجرد البيان والإعلام والأمر والنهي على غرار ما يصنعه البشر من اللوائح والبيانات ، والقوانين والمنشورات ومن هنا لم يتوقف مؤمن بالقرآن للاستفهام عن طريقته في عرض محتوياته والتنقل بين موضوعاته وتكرارها بشكل لا يعرفه البشر في تنسيق مكتوباتهم وحسن تبويبها وتصنيفها لأنها الهداية ، والهداية وحدها التي تبتغى من وراء هذا العرض والتوجه المباشر للنفس الإنسانية، ولو كان القرآن ككتب القوانين والفنون لما كان لتلاوته تأثير في قلب الطباع ، وتغيير الأوضاع ، ولكنه كلام الله الذي يعلم هذه الطباع ، وليس في أسلوبه ومعناه ومحتواه إلا ما له أكبر الشأن في انقلاب الأفكار وتغيير ما في العقائد والأخلاق ، وليس تكرار المعنى الواحد فيه بصور متنوعة إلا من أجل تقريره في الأنفس ونقشه في الأذهان الأنفس من من عنه جاء به فالقرآن الكريم لم يأت على طريقة المنشئين والمؤلفين الذين يخصون كل طائفة الكلام بموضوع معين ويسمونها بابًا أو فصلا ، ولكن للقرآن أغراضا يبرزها بصور مختلفة ، فكلما لاحت المناسبة لذكر شيء منها أو الاحتجاج عليه أو الدفاع يجذب إليه الأذهان ويسارق به خطرات القلوب مع مراعاة التناسق وحفظ الأسلوب البليغ ، فإذا تكرر المعنى الواحد فبعبارات متعددة ، وإذا تجلى الروح الواحد ففي أشكال متنوعة .
ولبعض الدارسين في هذا المجال وقفات مبسوطة أمام طرق ووسائل الترتيب القرآني الذي عرف بالترتيب التوقيفي ، يبينون سره فيما يقدم من خير للناس ، كما قدم ترتيب النزول من قبل وغير من طباع العرب وعقائدهم وأخلاقهم ، فالقرآن كتاب السماء الذي يتجه للخاصة والعامة على السواء ، يجمع إلى مخاطبة العقل مخاطبة الشعور وإيقاظ الوجدان ، حيث ينتقل من تشريع عادل إلى واعظ حان إلى مثل ناهض إلى قصة ذات عبرة كل ذلك دون أن يفقد في لحظة واحدة روحه العام الذي يجمع المعاني والصور و الأفكار ويغدي العقل الشعور ويمتع الحواس والودان فلو أن عقائد الإسلام اجمعت مرتبة في سور ثلاث أو أربع من القرآن ، ولو أن عباداته وضعت مبوبة مفصلة ، ولو أن آدابه وحكمه وفضائله أفردت في :عشر سور ، ولو أن قواعده التشريعية وأحكامه مقاصد القرآن الشخصية والمالية والحربية والقانونية رتبت في سور خاصة بها ، ولو أن قصص النبيين والمرسلين سردت في سورها مرتبة .. لو أن كل ما ذكر وما لم يذكر من مـ تقديم كل نوع منها واحده الفقد القرآن بذلك أعظم مزابا هويه المقصورة بالقصد الأول من التشريع وحكمة التنزيل وهو التعبد به ، واستفادة كل حافظ للكثير أو القليل من سوره من مسائل الإيمان والفضائل المنبثة في جميع السور ، ولفقد أعظم مزايا هدايته وهو مزج والملل ، وبهذه العبارات البليغة المؤثرة في القلوب المحركة للشعور النافية للسآمة. مقاصده بعضها ببعض وتفريقها في السور بالمناسبات المختلفة وتكرارها الهداية وذلك التأثير كان القرآن كما جاء في معنى وصفه : لا تبلى جدته ولا تخلقه من كثرة الترديد من التلاوة والترتيل وكثير من المفكرين غير العرب يودون لو رتب لهم القرآن ترتيبا تاريخيا أو منطقيا أو موضوعيا على غرار كتبهم المقدسة أو الكتب العلمية البشرية ، ولبعضهم محاولات فعلية في هذا الجانب ، ابتغى منها سهولة استيعاب ما فيه لغير العربي ، ولكن للمرء أن يتساءل : هل يمكن أن يسمى نتيجة هذا التصرف قرآنًا ؟ وحقيقة لو كان في آيات القرآن هذا الترتيب المطلوب ما وافق ذلك طبيعة النفس الإنسانية التي تجيش بعواطف وإحساسات لا يمكن أن تكون منظمة تنظيما منطقيا ؛ إذ إن ذلك صفات العقل والذكاء وليس من صفات النفس في أعماقها ، وإذا زعم أن عدم التنظيم أو التكرار يؤدي إلى الملل ؟ أجيب : بأن المؤمنين يعلمون أنهم لا يملون التكرار ؛ لأن الملل ليس من صفات النفس وإن كان من أوضح صفات العقل الذي يعتمد في عمله على ما يرد إليه أشد ما تكون إحساسًا بالتعب والملل وهناك حقيقة أخرى تنكشف للإنسان وراء هذا الترتيب التوقيفي ، فإن مما تقتضيه طبيعة هذا الكتاب أن يجد القارئ أثناء دراسته للقرآن الآيات المكية تتخخلها الأيات المدنية والمواعظ الابتدائية تحف بها الوصايا النهائية وتعاليم المرحلة الختامية توكبها تعاليم المرحلة الابتدائية... وهكذا يلمح أمام عينيه منظر الإسلام الكامل وتخطيطه الشامل مشرفًا متلألمًا بصفة مستمرة ، ولا يبرز له من واجهة بعينها دون غيرها ، ولو وهكذا يلمح أمام تعاليم المرحلة الابتدائية جمع القرآن على الترتيب الذي نزل عليه لما كان هذا الترتيب مجديًا ومفهوما للعصور التي تلت عهد النبوة ، بدون أن يضاف إلى القرآن تاريخ نزوله وتاريخ الظروف التي نزل - فيها كل جزء من أجزائه كملحق للقرآن ، الأمر الذي كان ينافي الغرض الذي شاء الله مصحف وتلك النتيجة التي كشف عنها ترتيب القرآن التوقيفي تثير سؤالا مهما : لماذا يجمع النبي صلى الله عليه وسلم حسب ترتيب نزوله عليه ؟ وهل لم يكن هناك من هداية حققها ترتيب القرآن في ترتيبه التاريخي فلماذا عدل عنه إلى ذلك الترتيب الآخر ؟ والحق أن القرآن كان ينزل وفق الظروف التي سارت عليها الدعوة منذ بدئها حتى بلغت أوج الكمال ، فلم يكن من الحكمة أن يختار لتدوين الأجزاء المنزلة نفس الترتيب الدعوة وتطورها ، بل الأمر كان في حاجة إلى ترتيب جديد الذي كان ملئما مع سير يكون أكثر انسجاما وأشد تجانسًا وأدق ارتباطا مع الواقع الآتي بعد اكتمال الدعوة وتمام النعمة ؛ لأن المخاطبين الأولين لهذه الدعوة في بداية أمرها كانوا ممن يجهلون الإسلام كلية ، فغشاهم الوحي بأوليات التعليم وبديهيات الإيمان ، فلما اكتملت الدعوة وبلغت ما شاء الله أن تبلغه أصبح مخاطبوها الأولون مسؤولين عن متابعة الدعوة ومواصلة الحركة التي سلمها الرسول مع الله لهم بعد كمالها فكرة ومنهاجا وهكذا صار الأمر الأهم هو أن يدرك هؤلاء المؤمنون قبل غيرهم واجباتهم ومناهج حياتهم قبل أن يتقدموا بهداية الله إلى البشرية التي ترزح تحت نير الضلال والغواية . هناك إذن ترتيبان : أحدهما : الترتيب الحالي المعروف بالترتيب التوقيفى ، وهو كفيل بتحقيق الهداية لجميع الناس كما عرفنا من وثانيهما: ترتيب تاريخي وهو المعروف بترتيب النزول وقد ناسب هذا - لكي تتحقق للعرب الهداية التي نيطت بها الدعوة وقت نزول القرآن – أن تتنزل الآيات على الأسلوب الذي يلائم ظروف الدعوة ويناسب واقعها الذي من يثير العواطف بجانب مناشدته العقول نفس مواجهته لكل
أنواع العقليات ، والعمل لما تقتضيه الدعوة في ظروف متباينة وأوضاع متضاربة من إقرار تصور الدعوة في القلوب ، إلى مخاطبة العقول بمختلف النظريات ، إلى استثارة الفيض من المشاعر ، إلى كسر شوكة المعارضة ، إلى تربية الأتباع وإصلاحهم ونفخ الحماس في نفوسهم، إلى تحويل الأعداء أصدقاء أوفياء ، إلى إرغام المنكرين على الإقرار ، إلى دحض حجة الجاحدين وقطع دابر نفوذهم وهكذا ساير ترتيب النزول حركات النفس الإنسانية وتفاعلها مع الدعوة الجديدة وراعى حاجتها من الوجهة التربوية الإلهية الخالصة ، والتدرج بالناس حتى يتم المراد من إكمال الدين وتمام النعمة ، دون أن يكون هناك عوائق نفسية تعوق الإنسان السوي عن متابعة التنزيل ، وتدبر معانيه والاقتناع بمراميه والعمل بما تضمنه من أحكام ، فكان في القرآن الكريم من التلاحم في نزوله وارتباطه بواقع المنزل عليهم مثل ما فيه من التلاحم والترابط في ترتيبه التوقيفي ، وما يحققه من هداية وحكمة وبهذين الترتيبين أصبح القرآن الكريم وحده هو الكتاب الذي يعطيك من كل وجهة من وجهتي ترتيبه منهجًا عالميًا جامعًا محكما ؛ فهو في ترتيبه النزولي منهج لتأسيس هو في دعوة ، وأسلوب إقناع بعقيدة ، وطريقة تبشير وإنذار ، ودحض كامل لمنطق الإلحاد وهو في ترتيبه التوقيفي ( المصحفي ( أسلوب حياة وبناء حضارة ودستور للعالم كله محيط بكل صغيرة وكبيرة من حاجاته ومطالبه ، أحكم ترتيبه من هذه الوجهة ليكون هداية للمؤمنين ، من حيث كان الترتيب النزولي هداية للمشركين ، وتدرجا بالكافرين د ال والملحدين إلى مرتبة الإيمان ، وهو في كلا الحالين نبع لا يغيض للأسرار والعلوم ، فإذا ارتاد الدعاة مجاهل الإلحاد عاملوا أهلها على مقتضى ترتيب النزول ، فإذا ثاب الناس إلى الإيمان وضعوا بينهم وجهه الآخر ، وهو ترتيب المصحف ليكون أسلوب حياة ووسيلة بناء الجحفل جديد من جحافل الدعوة والانطلاق على وجه الأرض تحت راية الإيمان.
وإذا كان هناك من مزية تاريخية لمعرفة ترتيب النزول ليس من السهل تجاهلها وهي المحافظة على تاريخ الدعوة ومراحل تطورها حتى بلغت ذروة كمالها فإن المزية لا تتسامى إلى الأهمية العصرية لمعرفة هذا الترتيب ، وهي أهمية عظمى بات من الواجب على المسلمين دراستها والتعرف على قواعد المنهج التربوي في الدعوة لمناهضة منطق الإلحاد العصري وطواغيته ، ولكن المسلمين أغفلوا هذا الجانب ، فأغلقوا بهذا الإغفال بابا هو من صميم دعوتهم ، ومن أصول ثقافتهم ونجاحهم ، ومن مبادئ علمهم بعدوهم ، وأصبح دفاعهم عن دينهم في مواجهة مذاهب اليهودية العالمية سطحيا لا يمت إلى جذور الصراع بأية صلة.
فضلا عن ومن الحق هنا أن نقرر أن هذا الواجب العظيم يتوقف إلى حد كبير على معرفة حقيقية ودقيقة بترتيب الآي القرآني نزولا ، سواء ما نزل منه ابتداء أو ما نزل منه إثر حادثة أو سؤال ، وهذا جانب من الدرس القرآني نفتقده في المكتبة القرآنية قديمها افتقادنا لدراسات تكشف عن أسرار هذا الترتيب ، ويبدو أن ترتيب وحديثها حسب النزول أمر عسير وشاق لأسباب كثيرة ، حتى لتكاد ترتفع تلك الآي القرآني . المشقة إلى حد الاستحالة والتعذر ، كما تقول بعض الدراسات المهمة التي عالجت بعض ظواهر القرآن الكريم في ترتيب تاريخي موضوعي يكشف عن هداية القرآن للمشركين وموقفه منهم طوال الدعوة في مكة.
وهنا ندرك أن فكرة الترتيب التاريخي لنزول الآيات ، وهي التي ينادي بها منهج التفسير الموضوعي كشرط أساسي – لا تحقق – إذا ما أخذت بمعناها العام في القرآن كله - الهداية التي يبغيها الاتجاه الهدائي ، نعني الهداية التي تتوجه إلى المؤمنين في واقع حياتهم ، إنما يمكن أن تحقق نوعا من هذه الهداية ، إذا ما أريد بها معناها الخاص الذي ينصب على موضوع قرآني واحد بعينه ، فقد عرفنا نوعين من الهداية تترتب إحداهما على الترتيب التاريخي ولكنها تتوجه إلى الكافرين والمشركين ، على حين أن الهداية المقصودة من الاتجاه الهدائي والمترتبة على ترتيب القرآن التوقيفي هي التي تتوجه إلى المؤمنين بالقرآن ونؤكد على هذه النقطة حتى لا يلتبس علينا مفهوم الهداية عندما يتردد على لسان مفسر موضوعي ، فنظنه من قبيل الهداية المترتبة على النزول التاريخي ؛ لأن شرط التتبع التاريخي لآي نزول القرآن - في ضوء الصعوبة التي أوضحناها ، وكما سنعرف بعد - لم يكد يتحقق لأية محاولة موضوعية، فيجب أن يتنبه إلى هذا حتى لا يعترض على المحاولات الموضوعية ، وكيف يصح إدراجها في الاتجاه الهدائي ، لقد اكتفوا بتبيين كلمة الله والهداية بها في موضوع بعينه ، وربما كان هذا عاملا مهما في جمع بعض المفسرين الهدائيين بين الطريقتين التقليدية والموضوعية معًا ، كما نراه من احتفال تفسير المنار الهدائي الاتجاه بتنوع موضوعات القرآن في السياق الواحد لتجدد النظر وتردده بينها حتى تتحقق الهداية المنشودة والمبتغاة وقبل أن نترك فكرة الهداية عند الهدائيين ، نشير إلى تلك المشكلة التي خلقتها مدرسة المنار حين أعلنت أن علوم التجريب - قديمة وحديثة - تعد من الشواغل في التفسير عن هداية القرآن والصوارف عن عظاته ودعوة الهدائيين عالية في القرآن بمكتشفات العلوم ؛ لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير ، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ، ولا يتضمن حكمًا من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه ، كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان .. على حين يعلن المناريون هذا نجدهم في ذات الوقت يتعرضون لأسرار الكون والطبيعة ، وسنن الله فيهما ، ومكتشفات العلم الحديث أمام الآيات المشيرة إلى أصول هذه العلوم أو حقائق حولها ويبدو أن الموقف الرسمي لمدرسة المنار من علوم التجريب والتفسير العلمي قد اهتز كثيرا ج ا جدا ، بحيث تلاشى تدريجيا خلال التفسير التطبيقي ، ففي القرآن عقائد ارتبطت البرهنة عليها بآيات الله الكونية ، وقامت حجة القرآن فيها على النظر في ملكوت الله وتعرف أسرار الكون ، ولذا يمكن عد اهتمام مدرسة المنار بالكشوف العلمية وقوانينها في تفسير الآيات من قبيل اهتمامها بسنن الله الكونية والاجتماعية ، على أساس أن ما تدل عليه هذه وتلك في النهاية محقق للهدف من الآيات وهو الهداية والعظة والعبرة وتطهير للأرواح ، فإذا عرض لشيء من الآيات الكونية - وكثيرًا ما عرض لها - فإنما باعتبارها مصدر هداية إلى عظمة الكون ، لنصل على ضوئها إلى تعظيم ! وحديث القرآن وإشاراته إلى آياته وعلومه في الأنفس والآفاق من الإعجاز العلمي الذي يقصد به هداية مخلوقاته إليه ، ويجعل التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ايات خلقه وسيلة من وسائل الإيمان بالله . ويذهب الهدائيون إلى أبعد من ذلك ، حين يقررون أن الآيات الكونية في القرآن - بصفة خاصة – لم تفسر بعد ، وهي – وآيات النفس – بحاجة كبيرة إلى إعادة نظر وتفسير يكشف عما فيها من أسرار وحقائق علمية ناط الله بها كثيرا من الدين والدنيا ، قوله تعالى أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا من منافعنا في بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الورم : ۸] ولا يكتفي الهدائيون بالدعوة إلى درس آيات الكون في ضوء حقائق العلم ، وإنما يضربون على ذلك الأمثلة التي تتطلب فحسب - لتبيين هدايته وإقامة حجته القائمين على فهم القرآن أن يحيطوا علمًا بالظواهر العلمية الطبيعية التي تميز طبيعة الضياء عن طبيعة النور ، حتى يمكن فهم وصف الله بهما للشمس والقمر في قوله تعالى : و هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءٌ وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس : ٥) ؛ إذ ليس من المعقول أن يخص الله الشمس بالضياء والقمر بالنور لغير حكمة كونية ترجع إلى طبيعة كل منهما . وهنا يقترب الهدائيون جدا من أصحاب الاتجاه العلمي في التفسير الذين لم يقصروا فكرهم في تفسير القرآن الكريم على ضوء الحقائق العلمية الكونية وحدها أو التاريخية أو الاجتماعية وحدها - تماما - كما فعل الهدائيون ، وسنعرف قريبا كيف صرح العلميون - تحت ضغط معارضة الهدائيين لاتجاههم - بأنه يهدف إلى تحقيق الهداية - وبخاصة لغير المؤمنين بالقرآن من علماء العصر الحاضر ومتعلميهم - عن طريق الإعجاز - العلمي والكشف عن أصول العلم وحقائقه في القرآن الكريم
ومن الطريف أن نذكر هنا ما كشفه أحد المفسرين العلميين من وجه الخطورة قصر النظر في القرآن الكريم وتفسيره على نحو هدائي فحسب، ومسؤولية هذا الاتجاه عن تضاؤل العلم بروح القرآن وحقيقة رسالته ودعوته العلمية ، وكيف أن دعوى هداية القرآن ميراث غربي منبثق عن تضاد الدين والعلم المصطنع ، وأريد لها البقاء والتمكين والاستمرار في فكرنا الحديث لصرف الانتباه عن معطيات القرآن العلمية والفكرية التي كانت أساسا لحضارات المسلمين السابقة ( فعلى الرغم من ذيوع العلم الحديث وتقدمه .. فإنه لم يعرف إلى الآن من دقائق معاني حديث القرآن عن الكائنات سوى كانت نذر قليل ، ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل شتى ؛ أهمها وراثة العقيدة التي كانت ولا زالت سائدة في لأذهان بأن القرآن رسالة هداية وإرشاد لا شأن لها بأصول العلوم الكونية ، وأن حديثه الكائنات لا يحوي دقائق أو تفاصيل تتطلب علمًا خاصا لإيانتها ودركها وكان من الطبيعي أن تتسرب إلى أذهان المثقفين عامة بالعلم الحديث عقيدة الإفرنج بأن ن العلم والدين ضدان لا يجتمعان وعلى أية حال فلم يمنع هذا التحذير والتنبيه السابق من طغيان فكرة الهداية واستيلائها على أذهان المفسرين الذين انتحوا بفكرهم نحوا آخر ، ووجدنا عندهم اعترافا بأن مناحيهم في التفسير سواء كانت علمية أم أدبية إنما تهدف في النهاية إلى تحقيق الهداية القرآنية وفي رأي أصحاب الاتجاه العلمي أن العلماء في تفسير آيات الله القرآنية حول الكون والفطرة بمنزلة رسل الله في تفسير أحكام الدين ( فالقرآن الكريم محيط بالفطرة في الكون إحاطته بالدين من حيث الأحكام ، وكما ترك الحق سبحانه تفصيل كثير من الأحكام للرسول عمل ونص على ذلك في قوله تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل : ٤٤] ، كذلك ترك سبحانه تفصيل ما أجمل وشرح ما فصل في كتابه من آيات في الفطرة والكون لعلماء الفطرة ، ونص على ذلك في قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ وَايْنيهِ. خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتَيْكُمْ وَأَلْوَيَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ ت الْعَلِمِينَ )) وفي القرآن الكريم أمثلة أخرى لحقائق كونية يجهلها الناس أسلوب معجز ظاهره صالح لهداية عامتهم إلى الله وباطنه يهتدي به أهل العلم إذا أذن شكل الأرض وحركتها اليومية الله فانكشفت لهم تلك الحقائق ، كقوله كناية عن يكورُ اليْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اليل ) [ الزمر : ١٥ ، وقوله : يُغْنِي اليلَ النَّهَارَ يَطْبُهُ حَثِيثًا ﴾ [الأعراف : ٥٤] ، وقوله كناية عن حركة الأرض السنوية : ويُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحج : ٦١] في آيات متعددة في القرآن ، وفي نصوص أخرى نرى ربط القرآن للإيمان بحسن النظر في الكون وطول التأمل في ملكوت الله - واضحًا ، وعشرات السور مفعمة بهذه المعاني توثق صلات المؤمنين بهذا العالم العظيم ، وتحض على استجلاء غوامضه والغوص في أسراره . وروح القرآن تتجلى في أحسن صورها عندما تفتح طريق البحث في أكبر مصدرين للمعرفة وهما الأنفس والآفاق ، وتحث المسلم على الاعتبار بهذه الآيات ، وألا يمر بها أصم وأعمى ، ومن ثم فلا دين بلا عقل وعلم . وفي رأي هؤلاء أن العلوم والمعارف التي أرشد القرآن إلى مصادرها ؛ إذ ثبت أنه يحوي أصولها ويسبق الزمن في إيراد حقائقها - فإن أجدى وسائل أداء الأمانة .. أمانة تبليغ الدعوة الإسلامية إلى العالم اليوم هو الكشف عن حقائق القرآن العلمية لا سيما في وقت قارب العالم أن يصل فيه إلى قمة العلم . وتشير الأدلة إلى إشراق عهد جديد أهم مما يميزه رجوع الناس جميعًا إلى الله والعودة إلى الدين .. الدين الذي يدعو إلى العلم
ويدعو إليه العلماء وتؤكد الشواهد أن موجة الإلحاد في طريقها إلى الانحسار ، فقد تتابع إيمان العلماء ذين نسمع نداءاتهم الصادقة مطالبة بمزيد من المعرفة عن الأديان ، ولقد أدهش كبار لأطباء ما وصل إلى علمهم من أن القرآن الكريم أورد حقائق الخلق ، وقرر تطورات
الجنين في مختلف أدواره . وأدهشهم أكثر ألا يعتني المسلمون بإظهار مثل هذه الحقائق العلمية الكفيلة وحدها بنشر هذا الدين بين الأوساط العلمية ، وجمهرة المتعلمين في أنحاء العالم وهم غالبية سكان الأرض حاليا . وكثير من هؤلاء وأولئك يعتنقون الإسلام كل يوم دون ضغط أو تبشير أو مساعدة من أي من المسلمين، فيا ترى كيف لو قام المسلمون بواجبهم الذي فرضه عليهم الإسلام فرضًا - وهو في هذا الوقت أكثر وجوبًا عنه غافلين من آيات الله
هذا ما كان من دور فكرة الهداية عند مفسري الاتجاه العلمي ، إنها عندهم غاية يتوصلون إليها من الطريق الذي ارتضوه في سلوكهم إلى فهم كتاب الله ، وتكاد تكون فكرة الهداية هي نفس الغاية عند مفسرين آخرين، لكنهم ارتضوا في السلوك إلى تحقيقها فهم كتاب الله وآياته على نحو أدبي أو فني ، يعتمد أولا وبالذات على التأثير النفسي في نفوس المخاطبين ، فالقرآن حقًّا هدى السماء إلى الأرض لكنه هدى يرتكز على الناحية النفسية ، ولذا يرى إمام الاتجاه الأدبي أن تفسير محمد عبده الذي يستفيض في النواحي بها الفهم الأدبي للقرآن الاجتماعية لا بد أن يأتي في مرتبة تالية لتفسير يرتكز أولا على الناحية النفسية التي يقوم ، وهو الفهم الذي يتقدم كل استفادة منه ، ثم تتلوه بعد ذلك المطالب الأخرى من هداية الخلق أو إصلاح حالهم أو التشريع لهم ، فكل هذا يجب أن يقوم على أساس وطيد من الدرس الأدبي المتصل بالخبرة النفسية فالمقصد الأول عند أصحاب الاتجاه الأدبي الذي يعلنون عنه « هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم ، بل هو فنها الأقدس ، سواء أنظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدين أم لا ، وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك ما نعتبره مقصدًا أول ، وغرضًا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض وتقدم كل مقصد ، ثم لكل ذي غرض وصاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس يعمد إلى ذلك الكتاب ، فيأخذ منه ما يشاء ويرجع إليه فيما أحب من تشريع أو اعتقاد أو أخلاق أو إصلاح اجتماعي أو غير ذلك ولكنهم في غمرة حماسهم للإعلاء من شأن هذا المقصد يفسحون المجال – كما نرى - المقاصد أخرى ربما كان الدرس الأدبي ممهدا وموطئًا لها ، الأمر الذي يفسر وحده كيف جاءت محاولة إمام الاتجاه الأدبي الوحيدة في التفسير بهذا العنوان « من هدي القرآن " أعلى من أن وقفة أمين الخولي عند الآفاق الأدبية للنص التي وما يهمنا التركيز عليه هنا هو شأنها كثيرا ، ليست في رأيه وقفة يراد منها الفن للفن ، بل الفن المرتبط إليه القرآن دائما ، فهو يقول : بالهدف الاجتماعي - أو قل الهدي العام – الذي يرمي وإذا قال قائلون: إن الفن لا يلتزم الفضيلة موضعا له ، وإن الفن يرجى للفن وحده ، فإننا لا نأخذ هنا بهذا الاتجاه .. ولا نحسب القرآن قد أخذ به لأنه يجعل فنه القولي وسيلة لإصلاح الحياة البشرية وثمة وجه آخر يشير فيه أصحاب الاتجاه الأدبي إلى ارتباط اتجاههم بفكرة الهداية كغاية وهدف لاتجاههم الأدبي ، فما دام القرآن معجزة الإسلام الدائمة التي تتحدى البشر ، والحاجة إلى تبليغها دائمًا لا تنسخ ، فقد أكد هذا أن فهما أصيلا اليوم لطبيعة المعجزة القرآنية لا بد أن يتناول الآية من حيث تركيبها النفسي ، وعلى قدر ما يتاح هذه للمفسر من خبرة بالنفس الإنسانية يكون تفسيره للنص أدق وأعمق ، وهو من الناحية يكشف عن أسمى ما جاء به النص من معانٍ تسمو بها النفس الإنسانية ويرتفع بها أمرها ، وهو الأمر الذي يرتفع بمباحث الإعجاز القرآني إلى مستوى الإنسانية عامة ، ولا يقصرها كما كانت قديما على العرب وحدهم فيما يعرفون من أسرار لغتهم ومقاييس البلاغة والفصاحة فيها ( فليس يكفي باحث اليوم في إعجاز القرآن أن يبين ألفاظه ووجوه البلاغة في تعبيره إذا لم يفرغ جهده في بيان قيمته الإنسانية بإبراز ما يضيفه إلى النفس الإنسانية من وعي جديد بذاتها وإدراك دقيق لما حولها وبهذا وحده تتحقق الحكمة المقصودة من القرآن الكريم بوصفه باب الإنسانية الأكبر لا كتاب العربية وحدها وإلى هذه الزاوية النفسية يرجع قدر كبير من إعجاز القرآن الكريم ، فما من إنسان سليم الفكر والضمير يتلو القرآن ، أو يستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به ؛ الإنسانية لأنه ما من هاجس يعرض للنفس من ناحية الحقائق الدينية - إلا ويعرض له القرآن بالهداية وسداد التوجيه ، وما أكثر ما يفر المرء من نفسه ، وما أكثر الذين يمضون في سبل الحياة هائمين على وجوههم، ولكن القرآن الكريم بأسلوبه الفريد يرد الصواب إلى أولئك جميعا ، وكأنه عرف ضائقة كل ذي ضيق ، وزلة كل ذي زلل ، ثم تكفل بإزاحتها كلها ، وتراكيب القرآن - التي تنتهي حتما بهذه النتيجة في الهداية ويكون من اجتماعها هذا الأثر - تستحق التأمل الطويل ، والوقوف أمام فنه وأسلوبه بالدرس والتحليل النفسي الساحر أعماق لكشف الإمكانات النفسية في خطاب القرآن التي كفلت نجاح الدعوة الإسلامية ، وما زالت موكلة بنجاحها على طول الزمان ، وعند هذه النقطة النفسية تلتقي ضروب التعابير الفنية ، والتراكيب الأدبية في القرآن لتؤدي الغرض منها كوسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية ، وتحقيق هدفه النهائي من الهداية ككتاب دعوة دينية قبل كل شيء . الملاحظ دائما أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني فيما ومن يعرضه من الصور والمشاهد ، بل إنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني فيخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنية ، والفن والدين صنوان في النفس وقرارة الحس ، وإدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثير الديني وكما كان لبعض أصحاب الاتجاه العلمي تحفظ نحو فكرة الهداية ، ونبهوا إلى خطورة الاقتصار عليها أو الوقوع في أسر مفهومها الغريب عن فكرنا - كان لبعض آخر من الأصحاب الاتجاه الأدبي فضل التحذير من الانغلاق على فكرة الهداية ، والتزمت الأخذ بمبدأ العظة والإرشاد الذي قد يجرنا إلى التضييق على عقولنا أمام النص ، فمن الواضح أن عملية فهم النص أوسع من هذا بكثيرويشير هذا البعض إلى العامل الدينى الذي مكن لفكرة الهداية ، وجعل منها قيلا على النص وعائقا أمام العقل في اكتناه أسراره فيقول : ( إن على سماع النص الدينى ، ولذلك يترسب في نفسه أن النص ما لم توجد فيه ألفاظ : ، ولذلك كانت مهمة التفسير الأدبي أمام النص الديني مفهومة لديه فهو واضح غیر خاصة لا تخلو من صعوبات أساسية ؛ فالمفسر يحتاج إلى أن يخرج على ميدان العظة أن الفهم والاستيعاب أشمل من هذا الإرشاد ، وأن ويحتاج إلى يتصور معنی الاتجاه الإرشاد – في نفسه - ربما لا يكون وثيق الصلة ببعض معاني النص الهامة وتستمر مناقشة هذا الدارس ليكشف لنا عن تناقض بين تسمية هذا الاتجاه التفسيري ( الاجتماعي ) وواقع القضايا العملية التي يناقشها ، وتستهوي أصحابه باستمرار ) ، وهو موقف يدل في نظره – على أن ما يسمونه تفسيرًا اجتماعيا لا يعدو أن يكون ضربًا من الملاحظات التي تحمل طابعا خطابيًّا ، وتقف بأصحابه عند المفهوم الأولي للإرشاد والتوجيه .. وترتفع حدة النقاش فيفصح هذا الناقد عن البديل للاتجاه الهدائي ، إنه التفسير الأدبي العام ه فكل نص ديني يعتبر بالضرورة رياضة روحية وموقفًا خاصا ، وهذا الموقف الروحي ذو شعب ومظاهر مختلفة بعضها عملي أو مادي ، لكن المقصد الاجتماعي المقصد السائد منذ نهضة الدراسات القرآنية في العهد الحديث قد أهمل أشياء غير قليلة ، ، وندعي هنا أن العناصر التي أهملت ربما تكون أوثق صلة بما نسميه التفسير الأدبي نشاط روحي ، بمعنى أن الروح تشترك في تلقي الحياة وفهمها ، فلا تقف موقفا عاطفيًا بحتا أو موقفًا عقليا بسيطا ، وإنما الموقف الأدبي موقف شامل أو هو موقف الروح بأكملها ، ومن هنا كان التناول الاجتماعي للكتاب ينبغي أن الصحيح ، فقد ذاع في النفس لكنه في الوقت نفسه يبدو في معظم الأحيان أقل أن يحمل مسؤولية الموقف الأدبي القائم على صبغة روحية شاملة معين ورفض ضمني لمواقف أخرى ، ولكن الحساسية الخاصة بالتثقيف الاجتماعي جعلت المفسرين يغضون النظر عن ألوان أخرى من الحياة الروحية ، لا يمكن اختصارها في مثل هذا النوع من التناول المفضل.
الاجتهاد ونقض التقليد :
الهداية القرآنية وهو ما وقفنا أمامه التي الضروري وهكذا يمكن القول - باعتبار ما - إن الاتجاهين الأدبي والعلمي في التفسير قد نشأ في أحضان الاتجاه الهدائي ، وهما إن اتخذا منحى مغايرا له في علاج قضايا الأمة يفرضها الواقع الحديث - فهما مرتبطان به من خلال دورانهما في النهاية حول فكرة في التمهيد السابق ، ومن هنا كان من تكرار التنبيه على أن إدراج أية محاولة تفسيرية في الاتجاه الهدائي – أو غيره لا يعني أنها مقصورة عليه وحده ، ولا ترنو بنظرها إلى غيره ، فالمسألة إذن مسألة اتجاه غالب على غيره كما قررنا - ولذا لا يبدو غريبًا الاستعانة ببعض الأفكار في قضايا الاتجاه الهدائي من تفسير هو في اتجاهه الغالب أدبي ) بياني أو ذوقي ( أو علمي ، والعكس صحيح في ذلك تماماولهذا تسمح لنا تلك الحقيقة بتقسيم المحاولات التي تشكل بناء الاتجاه الهدائي إلى محاولات كان إسهامها أساسيا في هذا البناء وأخرى كان إسهامها موزعا بين الاتجاه ا الهدائي واتجاه آخر ، بحيث يعد اندراجها فيهما ليس أمرا غريبًا ، وثالثة كان إسهامها ثانويا أو اختفت فيها المشاركة الإيجابية في إظهار هدي القرآن في القضايا التي تهم الأمة.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
مقدمة يُقصد بالمؤسسات المالية الإسلامية كلاً من المصارف وشركات التأمين التكافلي وشركات الصرافة والحو...
- عمل الإستعمار الفرنسي على إلغاء الزراعات التقليدية و إستغلالها و إدخال الإستعمار الكولونيالي ما يع...
3. تخفيف إجهاد الملح من خلال استراتيجيات مختلفة في النباتات طورت النباتات أنظمة مرنة للتعامل مع إجها...
لقد واجهت الباحث عدة صعوبات نذكر منها أن طبيعة الظاهرة السياسية على مستوى ديناميتها وتشابكها وتداخله...
2.موقف الفلاسفة من مسألة "علم الله بالجزئيات" و( أي هل يعلم الله التفاصيل الدقيقة للأشياء أم الكليا...
، وهو من النوافذ السورية الهامة على تركيا وأوروبا، حيث تبعد قرية "أوردو التركية عن المعبر الحدودي مس...
أول أسبوع من إجازة الصيف ,, يوم الأربعاء ,, فـ قاعه من قاعات الخبـر كان زواج صاحب أباء أبطال روايتنا...
تشكلت دول المدن اليونانية القديمة، مثل أثينا وإسبرطة وكورنث، تجارب سياسية متنوعة أثرت في الفكر السيا...
العنف كل ماذكر الأنانية ، العنف والعدوانية ،الانسحاب الاجتماعي العنف -الانتصار - البطولة -المكسب - ...
جراءات التعامل مع الديون المشكوك في تحصيلها: 1. تكوين مخصص بنسبة 50% من قيمة القرض إذا: o كان هناك أ...
تُعد المياه عنصرًا أساسيًا في حياتنا اليومية، ويتجاوز دورها إرواء العطش إلى دعم وظائف الجسم الحيوية....
يهدف البحث إلى التعرف على تأثير تمرينات تاهيلية باستخدام السلسلة الحركية المغلقة تحسين المصابين الذي...