لخّصلي

إن من مهام الأنثروبولوجیین العـرب فـي الوقـت الحاضـر ألا تقتـصر جهـودهم
علـى إبـراز الـسبق العربـي علـى الغـرب فحـسب بـصدد بعـض المفـاهیم النظریـة أو
ٕوانمـا لابـد وأن تتـضمن دراسـاتهم أیـضا الفحـص الـدقیق
جمـع المـادة الأثنوجرافیـة.
للأعمـال التراثیـة، بهـدف الكـشف عـن الجوانـب المنهجیـة المـشتركة بـین الكتـاب
والتي یكونون قد استمدوها من معـارفهم وتـربیتهم الدینیـة أساسـا. وفـي هـذا الـصدد
ینبهنـا الأسـتاذ الـدكتور توفیـق الطویـل إلـى حقیقـة هامـة وهـي أن «الحیـاة العقـلـیــة
عـنـــد الــشرقیین كانــت أوثـــق اتـــصالا بحیـــاتهم الدینیــة منهـــا بــالتفكیر الفلـــسفي
الخـالص، فـقــد امتـزج هـذا التفـسیر بـالتفكیر الـدیني فـي شـتى عـصور الإنـسانیة،
حتى لیمكن القول بان كـل محاولـة تهـدف إلـى الفـصل بینهـا تنتهـي لا محالـة إلــى
(١ (الـعـجـز عن فهم كلیهما
.
ونحاول فیما یلي التطرق لمراحل تطور الدراسات الأنثروبولوجیة كما یلي:
أولاً: إرهاصات الأنثروبولوجیا:
یعــد وصــف ثقافــات الــشعوب اهــتم بهــا الــبعض مــن النــاس فــي الحــضارات
القدیمة، فنجد في ملحمة الإلیاذة للشاعر الیوناني همیروس الذي عاش فـي القـرن
التاســــع قبــــل المــــیلاد وصــــف لمجتمعــــات المــــدن الإغریقیــــة كیــــف تحولــــت مــــن
مجتمعات بربریة تحارب بعضها البعض بوحشیة إلـى مجتمعـات مدنیـة متحـضرة.
كمـا كتـب المـؤرخ الیونـاني هیـرودتس الـذي عـاش بعـده بأربعـة قـرون عـن المـدن
التي زارها فـي حـضارات الـشرق القـدیم، كمـصر ولیبیـا وأثیوبیـا وبابـل، تحـدث عـن
عادات وتقالید شعوب هـذه المجتمعـات وبـین تـأثیر المنـاخ والنیـل علـى المـصریین
مما جعلهم یختلفون عن بقیة الشعوب القدیمة.

(١ (توفیق الطویل، أسس الفلسفة، دار النھضة العربیة، ط٥ ،١٩٦٧م، ص٤٦ .
٣٢
ولمــا انتهــت الحــضارة الیونانیــة وجــاءت بعــدها الحــضارة الرومانیــة توجهــت
جهــود هــذه الحــضارة نحــو الإنجــازات المادیــة والعملیــة، ولــم تهــتم كثیــرا بــالعلوم
النظریــة مــع ذلــك قــدم المــؤرخ الروانــي كــاروس لوكرتیمــوس أفكــار عــن التطــور
والتقـدم الإنـساني، ووصـف المجتمـع الألمـاني وكتـب عـن عاداتـه وتقالیـده وفنونـه
وأزیائه.
ومن حیث نشأة وتطور الأنثروبولوجیا، فإنه یمكن القـول بـأن الرحلـة التـي قـام
بهـا المـصریون القـدماء فـي عـام ١٤٩٣ قبـل المـیلاد إلـى بـلاد بونـت (الـصومال
حالیا) بهدف التبادل التجـاري، تعـد مـن أقـدم الـرحلات التاریخیـة فـي التعـارف بـین
الشعوب.
كمـا یعـد المـؤرخ الإغریقـي (الیونـاني) هیـرودوتس Herodotus ،الـذي عـاش
في القرن الخامس قبل المیلاد، وكان رحالة محبا للأسـفار، أول مـن صـور
ّ
ً أحـلام
الـشعوب وعـاداتهم وطـرح فكـرة وجـود تنـوع وفـوارق فیمـا بینهـا. فهـو أول مـن قـام
ّ بجمع معلومات وصفیة دقیقة عن عدد كبیر من الـشعوب غیـر الأوروبـي
(حـوالي
خمـسون شـعباً)، حیـث تنـاول بالتفـصیل تقالیـدهم وعـاداتهم، وملامحهـم الجـسمیة
وأصولهم السلالیة.
ویعتقـد الكثیـرون مـن علمـاء الأنثروبولوجیـا، أن مـنهج هیـرودونس فـي وصـف
ثقافــــات الــــشعوب وحیــــاتهم وبعــــض نظمهــــم الاجتماعیــــة، ینطــــوي علــــى بعــــض
أساسـیات المـنهج (الأثنـوجرافي) المتعـارف علیـه فـي العـصر الحاضـر باسـم (علـم
الشعوب).
وكـــذلك نجـــد أن أرســـطو (٣٤٨-٣٢٢ ق.م) كـــان مـــن أوائـــل الـــذین وضـــعوا
بعـــض أولویـــات الفكـــر التطـــوري للكائنـــات الحیـــة، وذلـــك مـــن خـــلال ملاحظاتـــه
وتأملاته في التركیبات البیولوجیة وتطورها في الحیوان.