لخّصلي

إن الكلمة تعبر بفنونها وأساليبها المتعددة، التي تساعد على سهولة الفهم والإحساس بجمالها. ويعتمد أساس نظرية الإعلام في وسائل الإتصال المختلفة، ومن الوجهة العملية على ضرورة حدوث اتفاق على مضامين الكلمات، وعلى أساليب الكتابة التي يفسرها كل من المستقبل والمرسل في عملية الإتصال، وفي الكتابات المتخصصة يلزم الأمر الإتفاق على مضمون الكلمة، حين يتم التعامل مع جمهور أكثر وعياً من الجمهور العادى، على أن يوضع في الإعتبار الجمع بين الدقة والسهولة، بحيث يمكن للإصطلاح الفنى الدقيق أن لا يكون غريباً أو صعباً على فهم الجمهور العريض، ويشترط في نوعية مادة الكتابة أن تقرأ فإن التركيز على تأكيد عناصر الجذب على اعتبار أن الجمال ضروري، يجعل القارئ يتقبل بعض العناء من أجل أن يفهم ما يكتب.وهناك ضرورة لعدم المغالاة في الابتعاد والتعالى على قدرة القارئ على الإستيعاب، وكذلك على توجيههه بالدرجة المناسبة،أما فن كتابة النقد الفنى فيقصد به أن يصل النقد إلى القراء، ويشترط استخدام أداة التعبير وكتابته، بالإضافة إلى فن استيعاب النقد الفني ذاته، وكتابته في قوالب إعلامية، بحيث يجد الفن في النقد ما يزيد جماله ووضوحه، ويقارن العمل الفنى بالأعمال الأخرى من نفس النوع،أن يظهر الدوافع الثقافية.ويحاول الناقد الفني في كتاباته الكشف عن النواحى غير الظاهرة في العمل الفني للجمهور، ومقارنة العمل بغيره، من أجل الكشف عن التماثل أو التناقض، ولا يلزم الخوض في سرد القضايا التاريخية والفلسفية النظرية المتعلقة بالعمل في حالة الكتابات الصحفية في النقد الفني.ويقوم الناقد الفنى بتحليل النماذج الفنية ويقوم بتقييم الأعمال بوضوح في تفسير بعض الرموز والأشكال والعلاقات والتقنيات، ويخاطب النقد الفني جماهير متباينة الثقافات، ويعمل النقاد على تطوير مستوى ثقافة الجمهور وتذوقه وذلك أن الكتابة النقدية تزيد من جمال الإحساس بالعمل الفني، بما تحدده من معان دقيقة واحساسات متميزة، وذلك أن كل كتاب يستمد قيمته من مدى قدرته على أن يثير إهتمام القارئ العادى، كما أنه يصبح مصدراً للتزود بالمعلومات والمعارف، ويمكن للنقد الفنى أن يصبح العقل المفسر والعين الكاشفة عن المواهب الواعدة، بل والوجدان الذى يصل بين مشاعر المتذوقين حول كل معنى جميل ويستحق التقدير والناقد يفسر أعمال الفن ويحللها ويعلل مضامينها، استناداً إلى معايير معينة،ولما كان النشاط الفنى الإبداعي تتبعه التركيبات الشكلية المعقدة، وعمليات تعميق مجال الأساليب التقنية التي سبق طرقها، مما تظهر معه أعمال الفن المستحدثة، فيمكن مع تفسير الناقد الواعي المساهمة في توضيح قيمة العمل الفنى والتركيب الرمزى لصورته، ويصبح للنقد الفني في هذه الحالة دوراً مفيداً في عملية التذوق، بل وفى استيعاب مغزى الفن والحكم عليه. ومعرفته بنوع الفن الذي يتعامل معه، وكذلك على نمو تفكيره الإبداعى، بل وأن تقدير أي عمل فني يعتبر دعوة للآخرين كي يستمتعوا به مثلما استمتع به من عبر عن تقديره، الذى هو جوهر عملية النقد والنقد أحياناً يكون مرشداً للسلوك الذي ينبغى أن يتبعه المتذوق في تناوله للعمل الفنى بناء على توجيهات الناقد.لقد أصبح الاهتمام بدور الناقد الفنى في العصر الحديث، فيها النواحي الفكرية والتقنية والجمالية. يجد نفسه أحياناً هدفاً للهجوم عليه من جانب الفنانين أنفسهم، ولما كان النقد الفنى يصب اهتمامه بالبحث في الفن عن القيم، فقد وجه و هتلر ، في كلمته عند افتتاح معرض الفن الألماني في ميونخ نقده للنقاد الذين في رأيه " اشتطوا في نزعاتهم وبدعهم وغموضهم المحير للجمهور، عندما الجرفوا وراء إبداع الفنانين الحديثين وانتقد لغة نقاد الفن وإستخدامهم التعبيرات الغامضة في رأيه، إرادة الفعالية و التقمص الوجداني . وقد أيد هذا الرأى نقاد من المذهب الاجتماعي، إذ استنكروا كذلك الأسلوب الغامض الذى يرون أنه ساد النقد الفنى في العصر الحديث، وكذلك ينقد بسيط يفهمه المشاهد دون جهد. وقد اتهم أصحاب الإتجاه الآخر مثل هذه الآراء بأنها تدعو إلى إقصاء معايير الجودة من مجال النقد، وهكذا يمكن للناقد كمثقف ومفسر للفن أن يصبح له دور فعال في مجال نشر الثقافة، ومنذ ظهور الحركات الفنية الحديثة، أصبح بالنسبة للأنظمة التي تسعى إلى السيطرة على أكبر قدر من نواحي الحياة الثقافية، مسألة حرية التعبير المتأصلة في هذه المذاهب من الأمور التي لها خطورتها، وطالبوا بأن تندمج كل مظاهر التعبير الثقافي في نتاج جماهيري متجانس،هكذا يبدو أن عملية النقد الفنى ليست مجرد تسجيل مواعيد افتتاح قاعات العرض،وبمعرفته لما قدمته حضارات الأقدمين من منجزات فنية أصيلة. لأن مجال الإبداع الفنى أو التذوق هو الوجدان، والناقد إذا أراد أن يحيا حياة الموضوع الفنى فلابد له من أن يقبل على العمل الفني بشروطه الخاصة، ويتخلى عن أى تحد له، وأن يدرك العمل ككل على الأقل قبل أن يشرع في عملية النقد، حينئذ يحق له البحث في عناصر العمل فرادى وأن يتبع طريقته في التحليل.وقد صاحب التوسع في عدد كتاب النقد الفني في القرن ال١٩ مع الإنحسار النسبي لظاهرة رعاة الفنانين
وأن تضاعفت الأدوار الاجتماعية المتعلقة بالفن وانضم إلى عالم الفن أناس ينتمون أصلاً إلى مجالات اجتماعية خارجة عن نطاق الفن.إذ احتاجت الحركات الفنية الحديثة إلى توفير شروح للجمهور وقد قاموا بتوضيح مقاصد الحركات الفنية للجمهور المتزايد،وقد تناول الكتابة في الفن أحياناً أدباء تخصصوا في مثل هذه الكتابات أمثال " بودلير " و " أميل زولا " و " فيلكس فينو .وكانت لهم علاقات وثيقة بالفنانين التشكيليين وبالموسيقيين يدافعون عنهم ويروجون لأعمالهم الفنية.وأصبح الجمهور يعتمد كثيراً على استنباطات النقاد في عملية استيعابهم لمحتوى أعمال الفن وتميزاتها الجمالية.لأن المشاهد العادي أصبح يعتمد على المتخصص في فهم الأعمال التجريدية " و " السريالية " و " التكعيبية "،وتبعاً لثقافة ومستويات المشاهد تختلف درجة الاستيعاب باختلاف ثقافة الفنان ذاته،وما كان في استطاعة التكعيبيين أبداً أن يحدثوا ما أحدثوه من أثر دون كتابات " أبولينير " و " ماكس جاكوب ".كما أن " روجر فراى " الذى هو صاحب التسمية " ما بعد الانطباعية " كان نموذجا لإرتباط الناقد بالفنانين حيث كان مفسراً لفنهم.لقد تمكن " فراى " أن يقيم معرضاً في إنجلترا لمتبعى مذهب ما بعد الانطباعية من الفنانين،إن الكتاب الذي ألفه " كيلف بيل " المنتمى إلى جماعة " فراى " كان له تأثيره فى تنمية ثقافة الفن لدى العديدين،مما يوضح أهمية العروض النقدية في مجال إيصال المعلومات من إبداعات الفنانين الناشئين،في حين تشتمل المجلات المتخصصة على مقالات تحتوى على دراسات للحركات والإتجاهات،عندما يوازنون بين مقتضيات آداب المهنة وبين حرية التعبير والتخلى عن الانحياز الشخصي في النقد على قدر المستطاع.وقد أدى النقاد دوراً مهماً في تعريف الجماهير بأشكال الفنون الجديدة، عندما استطاعوا أن يستنبطوا القواعد الجمالية والفنية الخاصة بالمبتكرات التكنولوجية في مجال الفن، للتمهيد لإبتكارات جديدة ويتطلب الأمر الكشف عن أساليبهم في التحليل الفنى، وأن يحرصوا على كسب ثقة الجمهور، ورغم أن قدراً كبيراً من موضوعات النقد الفنى يستند إلى التذوق الشخصي
تتطلب دراسة الفن شمولية كاملة لكل تفرعاته كوحدة شاملة لجوانبه الرئيسية والمتعددة،يصعب استخدام أى أسلوب من أساليب المعرفة الفنية بطريقة فعالة.