لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

كزافييه وسياسة التواجد الاستعماري بموريتانيا
أولا: موريتانيا الجغرافية والتركيبة السكانية:
1- جغرافية موريتانيا:
ودائرتي عرض 16 و26 شمالا ، تقع في الجزء الشمالي الغربي من قارة إفريقيا بين دول المغرب العربي في الشمال، والمحيط الأطلسي من الغرب، بواجهة يبلغ طولها حوالي 600 كلم بين ميناء نواذيبو الواقعة على الرأس الأبيض قرب الحدود مع الصحراء الغربية ومصب نهر السنغال ، وفيما عدا حدودها الجنوبية مع السنغال التي تتماشى مع نهر السنغال، فإن باقي الحدود السياسية مع الدول المجاورة ما هي إلا حدود هندسية مستقيمة أخذت شكلها الحالي في عهد الاستعمار الأوروبي لغربي وشمالي القارة الإفريقية . 169. وهي خامس دولة عربية من حيث المساحة، أما مناخها فعموماً يمتاز بأنه حار وجاف نظراً لطبيعة أراضيها الصحراوية القاحلة لكنه صحي، وهذا بحسب الارتفاع والانخفاض عن مستوى سطح البحر، وكذا القرب والبعد من نهر السنغال والمحيط الأطلسي، وتشهد البلاد تساقطا قليلاً وغير منتظم للأمطار رغم وقوعها على ساحل المحيط الأطلسي باستثناء فصل الصيف أين يبلغ أقصى ذروته خاصة في شهر أوت وبالخصوص في المنطقة الجنوبية، وهو ما انعكس على ازدهارها أكثر من المنطقة الشمالية.
على الرغم من أنها جلها أراض صحراوية إلا أن شاسعة المساحة، واستراتيجية الموقع جعلها تحظى بتنوع وثراء طبيعي، مكنها من تحقيق مكانة وازدهار كبير في القديم، من أشهر هذه الأسماء نجد: صحراء الملثمين، بلاد التكرور، تراب البيضان وموريتانيا. - صحراء الملثمين: نسبة الى اللثام الذي كان يلبسه الصنهاجيون ، - بلاد شنقيط: تعتبر موريتانيا همزة وصل بين العالمين العربي والإفريقي، فقد عرفت قبل مجيء الفرنسيين ببلاد شنقيط ، نسبة إلى مدينة شنقيط التي تقع في الجزء الشمالي الغربي منها، حيث اشتهرت بوقوعها على طريق القوافل المسافرة من المغرب عبر الصحراء - إلى بلاد السودان الغربي ( خاصة تنبكتو )، كما تعتبر مركزاً ثقافياً علمياً، ومنارة من منارات الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة آنذاك . - بلاد التكرور: اختلف المؤرخون في تحديد موقع هذه المنطقة، وغربا إلى نهر السنغال، وتشير هذه التسمية إلى عهد تاريخي متأخر، فالمغافرة بطون من بني حسان نزحت إلى البلاد ضمن الموجات العربية التي دخلت بين القرنين 7 و 9 للهجرة . نسبة إلي البيض (إشارة منهم إلى السكان ذوي البشرة الفاتحة من شعوب الصحراء الكبرى)، ويذكر البكري أن مصطلح البيضان يشير إلى سكان الصحراء من صنهاجة القاطنين حول مدينة أوداغست ، - موريتانيا: أما تسمية موريتانيا فقد جاءت على إثر المهمة الاستطلاعية الذي قام بها الضابط الفرنسي كزافييه كابولاني بالمنطقة، فصدرت الموافقة على اقتراحه في قرار وزاري فرنسي، قبل كابولاني بحوالي نصف قرن باعتبار أن أصل الكلمة يوناني Tania باللاتينية بمعنى السود، بمعنى الأسمر، واللاتينية maures معناها أرض أو بلد فهي إذا بلاد السود وأرض السمر ، وهناك من يذكر أن أصلها أمازيغي مشتقة من كلمة أتمورتناغ: وهي تمورتنا وتعني أرضنا، وهو اسم جاء من قبائل المور المشهورة التي ناهضت الرومان والوندال وغيرهم من غزاة بلاد الأمازيغ القديمة . سواء كانت التي تعود منها الى المملكة الرومانية القديمة، وهو ما تذهب إليه غالبية المراجع، كما لا يوجد اسم يشير أو يقرب لها بين الأسماء التي عرفتها المنطقة خاصة وأنها وصفت واشتهرت بالعديد من الأسماء. - التركيبة السكانية:
1- أصل السكان:
فئة الزنوج: من أقدم المجموعات البشرية التي سكنت موريتانيا، وقد أدى الزحف المتواصل للقبائل العربية والبربرية نحو الجنوب إلى زحزحة هذه المجموعات، ويتألف هؤلاء من قبائل عديدة: كالسوننكي، الولوف ، والبامبار ، تدين جميعها بالإسلام، كما أن معظمها يتحدث اللغة العربية والفرنسية، وهي جزء من مجموعات أكبر في السنغال وغرب إفريقيا . م)، وهم قبائل عديدة منها صنهاجة التي كانت بموريتانيا آنذاك والتي تتكون من: جدالة لمتونة ومسوفة، فهناك من ربطهم بسكان جنوب أوروبا، وهناك من رأى بأنهم عرب قحطانيون حميريون، وآخرون رأوا أنهم خليط من كنعان وعرب المعقل . القبائل العربية: نزحت للمنطقة مع الفتح الإسلامي قادمة من الهجرة العربية إلى مصر ومنها إلى شمال إفريقيا، مكونة عنصراً بارزاً وهاماً من أبرزها قبائل المعاقيل العربية، والتي كان لها تأثير كبير على المجتمع الموريتاني الحالي، والتي انجر عن خلافها مع الدولة المرينية بفاس نزوح بعض المجموعات منها والهجرة جنوباً نحو الصحراء الغربية وشمالي موريتانيا طلباً للحرية والنفوذ، وكانت أول قبيلة للمعاليق هي قبيلة: الترارزة، وذكر بعض المؤرخين أن معظم عرب موريتانيا الحاليين ينتمون إلى بني حسان بن معقل وينتهي نسبهم إلى جعفر بن أبي طالب، والبعض الآخر رأى بأنهم ينحدرون من عرب اليمن لأن في كليهما بطن يدعى معقل قدموا بعد تحطم سد مأرب . وإن اختلفت الروايات حول أصل هذه القبائل العربية وفترة نزوجها نحو موريتانيا فإنها تتفق جميعها في نظرنا على أنها قبائل تنحدر من الجزيرة العربية من أصول عربية.
2- بنية المجتمع الموريتاني:
يشير الخليل النحوي أن اختفاء دولة المرابطين في بلاد شنقيط في منتصف القرن 11م، رغم صعوبة الظروف وعزلة البلاد قد خلف فراغاً سياسياً ودينياً، الزوايا أو سدنة العلم: وتطلق على القبائل المهتمة بالعلم ونشره، ولا تتميز هذه القبائل بانتساب عرقي أو سلالي خاص، يجمعها بل يعزى الأمر إلى سلم القيم الاجتماعية والوظيفية، وتتميز عادة بالكرم والضيافة، كحفر الآبار وصيانتها ورعي المواشي وغيرها . - فئة الغارمة: أي المجموعات التي لم تهتم لا بسيف ولا بقلم، يسمون أيضا
بقبائل "اللحمة" أو "الأتباع"، تأتي هذه الفئة أسفل السلم الاجتماعي، فبسط عليها الطرفان – الزاوي والحساني- نفوذهما وسخروها للرعي وتربية الماشية. وتتمايز فيما بينها حسب الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية لكل منها . فقد شكلت "العرب "والزوايا" دون غيرهما من بقية الفئات البيضانية أو الزنوج قيادة ثنائية للمجتمع الشنقيطي وهو ما سوف يستغله الاستعمار لصالحه، فحاجة كل طرف لآخر دفعتهم إلى التعاون والتكامل فيما بينهم تجسيداً لمبادئ الدين الإسلامي وتمجيداً للعلم والسلاح، ثانيا: إرهاصات التواجد الأوروبي بموريتانيا:
وفي عام 1442م، أنشأ البرتغاليون عام 1948م، عندما أدرك الهولنديين والفرنسيين ما تجنيه البرتغال من تجارة الرقيق مع البيضان سارعوا الى ارسال بعثات استكشافية نحو منطقة غرب افريقيا، وبمجرد وصولهم أصبحوا ينشؤن المراكز التجارية لتسهيل عملية التعامل مع السكان، وفي سنة 1552م، لكن تمكن الفرنسيون من استعادة تلك القلعة في السنة التالية . بدأ النفوذ الفرنسي والبريطاني في غرب افريقيا منذ عام 1560م، لأن افريقيا أنداك لم تكن من اطماعها، ولكن مع نهاية القرن15م وبداية القرن 16م، غيرت فرنسا وبريطانيا نظرتها بسبب كميات الذهب التي يجلبها البرتغاليين، وأصبحت المنطقة محط أنظارهم وبدأوا في التغلغل في غرب افريقيا، حيث كان هدف النفوذ الفرنسي استغلال المنطقة والتي وصلوا اليها سنة 1626مـ بعد الحروب التي عرفت بحروب الصمغ بين فرنسا وهولندا وبريطانيا، وأصبحت موريتانيا تحتل مكانة بارزة في السياسة الاستعمارية الأوروبية، وتم تأسيس مركز سان لويس عند مصب نهر السنغال عام 1659م .
لاسيما بريطانيا التي ظلت تنافس فرنسا، واستمرت المشكلة بين الطرفين ولم تحل الا في سنة 1815م، بعد مؤتمر فيينا عندما أعطيت منطقة السنغال لفرنسا، وبموجب هذه المعاهدة خرجت بريطانيا من المنافسة عام 1817م، وفي الأخير فإن التنافس الأوروبي منذ القرن الخامس عشر الميلادي والى غاية القرن السابع ميلادي، ثالثا: كابولاني ومخطط استعمار موريتانيا:
1- البعثات الاستكشافية:
ويتم ذلك باحتلال موريتانيا التي تمثل حلقة وصل أساسية بين الطرفين . تعود البدايات الأولى للتواجد الفرنسي في المنطقة إلى الفترة التي بدأ فيها التكالب الأوروبي على القارة الإفريقية في إطار الكشوف الجغرافية الأوروبية الكبرى بداية من القرن (15م/ 9هـ(، وتعتبر البرتغال أول من وصل الأراضي الموريتانية وأقام بها مراكز تجارية فيها وربطتها علاقات تجارية مع البيضان كما ذكرنا . فقد شكل حصن "أرغين" عند مصب نهر السنغال، الذي أمر الملك "الفونسو الخامس" ببنائه سنة 1552م، ريش النعام، ، حيث استولى عليها الهولنديون في 1638م، وبعدهم الانجليز سنة 1645م، ولم تستطع فرنسا بشكل عام استعادة السيطرة على ما تملك في السنغال (مستعمرة سان لويس إلا بعد توقيعها لمعاهدة باريس عام 1814م مع الانجليز لتنهي بذلك ولو جزئياً صراع استمر بينهما لأكثر من قرنين، لكن سرعان ما اصطدمت بمشاكل عدة من بينها ازدياد نفوذ الموريتانيين على الضفة اليسرى لنهر السنغال وعودة المنافسة التجارية للانجليز . عقد حكام السنغال عدة معاهدات مع القبائل الموريتانية لتوفير الحماية للتجار الفرنسيين والمستكشفين من غارات القبائل. والذي علقت عليه أمال كبيرة لتخليص السنغال من تهديد الموريتانيين بسبب الاضطرابات التي عرفتها المنطقة، مع نهاية الخمسينات من ق19، قام بإرسال مجموعة من البعثات لاستكشاف سواحل موريتانيا، خاصة موريتانيا من أجل إكمال المعلومات غير الكاملة حول الجغرافيا وأجناس وخيرات هذه الأصقاع، وتجدر الإشارة إلى أن "فيدهيرب" كان مشغولاً أكثر باكتشاف الشواطئ الموريتانية. - بعثة فينسان :Vincent وهو نقيب من القيادة العليا، نحو البراكنة، كما تعرف على مختلف الأودية المنحدرة من جبال تكانت وقدم معلومات عنها أكثر دقة من ذي قبل رغم الصعوبات التي واجهته. تمكن من مراقبة أسلوب عيشهم ومعرفة طباعهم وأخلاقهم وعاداتهم، إلا أنه لم يحصل إلا على القليل من الوثائق العلمية وفي السنة نفسها كلفت الحكومة الفرنسية سولي Charles soller ببعثة نحو الشواطئ الموريتانية لدراستها لأغراض تجارية . وتبعتها بعثة نقيب الهندسة فولكر :fulcrand نحو أرغين لنفس الهدف. - بعثة ليون فابير Leon Fabert 1891م: الذي صاحبه فيها ابن المقداد "دود سك" نحو أدرار وقد غلبت عليها المطامع التجارية والأمنية، - بعثة كاستون دوني1894 Gaston donnée م. - بعثة كابولاني Xavier coppolani 1899م: الذي كلفه حاكم السودان بمهمة
وقبل احتلالنا لموريتانيا تم إرسال بعثة علمية بقيادة بلانشي} . قد تزامنت مع الاستعداد الفعلي لفرنسا لاستعمار البلاد على يد مفوضها الاستعماري كابولاني، والذي يعتبر حسب نظرنا أهم هذه الشخصيات الاستكشافية الذي مهد الطريق أمام السيطرة الفرنسية على القبائل الموريتانية من خلال تعامله معهم، ومهد أيضاً للاحتلال الفرنسي لموريتانيا حيث كانت مهمته التي أنجزها من خلال بعثته إلى بلاد شنقيط لفرض السلم في البيضان هي اللبنة الأساسية لمشروع فرض الحماية الفرنسية. 2- رحلة كابولاني الى السودان الغربي:
لقد أعجب دترنتيان الجنرال الفرنسي في بلاد النيجر بأفكار الشاب كابولاني خصوصا ان شعوب البيضان في الأنحاء الشرقية كانوا يغيرون على المصالح الفرنسية، مما جعل الأمن غير مستتب في تلك المنطقة، مكونة من كابولاني وصديقه روبارت أرنو ومترجم جزائري يرافقهم جمع من المتخصصين والخبراء في عدة مجالات، انطلقت من سان لويس الى منطقة الحوض وتمبكتو، واستطاع اقناع بعض القبائل بالدخول تحت الحماية الفرنسية كقبائل الحوض التي التقى بشيخها" سيدنا وأخيه سعد بوه" واستطاع أن يكسب صداقتهما، وقد أهداه كابولاني سبحة ومصحفا مذهبا، وعلى عكس أخيه الشيخ التراد الذي كان لا يدعم الأوروبيين بصفة عامة، نجد أن نظرة الاستقطاب لدى كابولاني عن المشايخ الصوفية تظهر جليا في استخدامه الهدايا المتمثلة في المصاحف ودلائل الخيرات في كل من يمر بهم من المشايخ كما تمكن خلال هذه الرحلة من لقاء سيدي بن هنون كبير أولاد علوش الذي عقد معه صلحا، من خلال ما سبق يمكن أن نقول بأن كابولاني قد نجح نجاحا تاما في رحلته هذه. حيث تمكن من إقناع القبائل المعارضة ذات الشوكة والتي كانت تمثل غصة في حلق الفرنسيين من أمثال "أولاد علوش" والبرابيش، والتي جعلته محط الأنظار. بعد انتهاء كابولاني من مهمته، عاد الى سان لويس، حيث قدم تقريرا مفصلا باسم خطة لتنظيم قبائل المور، من أهم ما جاء فيه:
- دراسة عامة عن قبائل البيضان وعلاقتهم المضطربة مع فرنسا
- دراسة جغرافية واجتماعية للمناطق التي زارها
- قابلية المنطقة للدخول تحت النفوذ الفرنسي بالهدايا والطرق السلمية
وإخضاعها للسيطرة الفرنسية للعمل على التفاهم مع الطرق الصوفية بشكل يضمن كسبها، وجعلها واسطة في إقامة علاقات سياسية وتجارية مع السودان الشرقي والغربي . وشمالا وادي درعة وتندوف، واجهت كابولاني في تنفيذ مشروعه عدة عراقيل أهمها:
- التجار الفرنسيين في سانت لويس، - الوالي الفرنسي في السنغال الذي رأى أن احتلال موريتانيا مسألة سابقة لأوانها وتحمل مخاطر جسيمة على الأمن والسلام في منطقة حوض نهر السنغال
فوزير الخارجية الفرنسي دلكاسيه رأى أن احتلال موريتانيا حسب خريطة كابولاني سيدخل فرنسا في مشاكل مع اسبانيا فضلا على الاتفاقية بين المغرب وبريطانيا تتعلق بالسيادة البريطانية على المراكز الموجودة في الطرفاية . رغم كل هذا فإن كزافييه لم يستسلم، من خلال إدخال تعديلات حدودية على موريتانيا ناحية الشمال، وقعت فرنسا واسبانيا معاهدة باريس التي حددت الحدود بين الساقية الحمراء الاسبانية وموريتانيا الفرنسية، فأصدر قرارا في 6 جوان 1901م بتكوين لجنة وزارية مكلفة بفحص الحالة العامة لكل من الجزائر وإفريقيا الغربية، اجتمعت اللجنة لأول مرة في 14 أكتوبر 1901م، رئيس مكتب الجزائر بوزارة الداخلية وكابولاني، وبعد مداولات امتدت لأشهر قدمت اللجنة تقريرها في 3 مارس1902م، أوصت بضم موريتانيا للإمبراطورية الفرنسية، على هذا الأساس تم تعيين كزافييه مفوضا عاما للحكومة الفرنسية مكلفا بتنظيم شؤون موريتانيا، بعد صدور قرار الموافقة على مشروع كزافييه سنة 1889م، وقد كان شعار كابولاني خلالها هو التسامح الديني من خلال كسب ود الشيوخ، "وسيدي محمد فال"، وذلك بعد اغتيال الأمير السابق عمر سالم ولد محمد الحبيب . حيث تمكنت البعثة من فض النزاع الداخلي، وفي ديسمبر 1902م، وفي المقابل يحترم كابولاني الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المعمول بها وقبول اختيار أولاد دامان إدارة شؤون القبيلة وفق التقاليد الأميرية . رغم ما حققه كابولاني من نتائج في المنطقة، ظهرت قبائل رافضة لفرنسا من
بينها: أولاد بو سباع وقبائل أدرار وايدوعيش وأولاد ريلانيس وأولاد أموني وأولاد أكشار، ففي 12 مارس 1904م هاجمت قبيلة أولاد بوسباع الرقيب "فيليب" عند تأكلات، وفي نفس السنة ترك أفري جان نواكشوط، 2- احتلال البراكنة (1904م):
والقضاء على القبائل المتمردة، وجه كابولاني أنظاره إلى المناطق المجاورة؛ حيث كانت سياسته تقوم أساسا على التوسع نحوها لتأمين المناطق الفرنسية، وبعد أن تم له ذلك، وذلك تبعا للاتفاقية التي وقعتها فرنسا مع أمراء الترارزة، خاصة قبيلة أولاد عبد الله وقبيلة إدوعيش، أعلنوا رفضهم للفرنسيين، وهذا لأن أمير البراكنة كان أحمد ولد سيدي أعلي، على عكس أمير تكانت بكار ولد أسويد المعروف بمعارضته لهم ومن هنا، يظهر بأنه لم يكن احتلال البراكنة ومال وكوركول سهلا، كما حدث في الترارزة بحكم أن هذه المناطق، كانت تحت مجال أولاد عبد الله وإدوعيش، وتنظيم خطته العسكرية، تحت قيادة النقيب شوفو، تحت قيادة
الملازمان "شيري" و"ديفور". - حرس قومي على الخيل مساعد شؤون المحليين . انتقل كابولاني هو الآخر برفقته 80 من رماة و. 5 من الفرسان والجمالة السود، تحت قيادة السيد الستر دي ري ، وفي هذه الأثناء، حيث أرسل هذا الأخير رسائل إلى كامل التراب البيضاني، أين وقعت معركة الكدية ليلة 18 سبتمبر 1903م ، ورغم هذه الجهود التي قام بها أمير تكانت وأمير البراكنة لمنع التقدم الفرنسي، ليكون النصر حليفا لفرنسا. نتج عن احتلال البراكنة تأسيس جملة من المراكز العسكرية، والاستفادة منها كمراكز لاحتلال المناطق المجاورة، ومركز مال وميت، ومركز بياخ وأميود ، إضافة إلى بروز نوع من المقاومة الدينية في المنطقة من طرف محمد عبد الجليل، حيث مارس هذا الشيخ الفقيه مقاومة صامتة من خيمته معتزلا من خلالها رجال الإدارة الاستعمارية، كما عمل على مقاطعة الفرنسيين . كما أدى إلى إرسال كابولاني مجموعة من الرسائل، أين بعث بها إلى الشيخ محمد عبد الجليل، أو سيتم اتخاذ الإجراءات ضدهم . من خلال دراستنا للاحتلال في مرحلته الأولى، الذي استطاع استغلال ما كانت تعانيه المنطقة من صراعات داخلية بين أفراد القبيلة حول السلطة والحكم، وهو ما تفطن له كابولاني واستغله بذكاء، بمرسوم جعل من إقليم موريتانيا إقليما مدنيا، لينتقل بعدها إلى الشطر الثاني من مشروع الاحتلال، للقضاء على جميع المقاومات في البلاد. 1- احتلال تكانت (1905م):
بعد سيطرة كابولاني على إقليمي الترارزة والبراكنة، حيث استولى على نصف البلاد دون خسائر تذكر، ونتيجة لتصاعد المقاومة واتساع رقعتها، ليكون عنوانه الجديد استخدام القوة والسلاح، والقضاء على أي معارضة للوجود الفرنسي. ونتج عن ذلك تأسيس مركز اداري بتجكجة . ومخبأ سياسي لجميع القوى الرافضة للخضوع للإدارة الفرنسية، ونجد أيضا بأن كزافييه حقق خلال الشوط الثاني من مشروعه نجاحا كبيرا، التي ستكون سببا في نهاية مخططه الاستعماري، بعد تصاعد حركة المقاومة. 3- نتائج المخطط الاستعماري لكابولاني بموريتانيا:
وتعنت القبائل الرافضة لأي أسلوب يرمي الى التوسع الفرنسي، ما جعل كابولاني يصطدم مع سيدي مولاي الزين ويقع في كمينه، 1- اغتيال كزافييه كابولاني:
فأولها بقتله لكابولاني، ووزع عليهم أسلحة قديمة وفي طريقهم الى تجكجة التقوا بشخص سبق له العمل في المعسكر، لإنجاح عملية الهجوم، وأن ينتظروا إشارة الهجوم وهي : الله أكبر، دخل المجاهدون مع الرعاة فورا من الباب الشمالي، فاستشعر الحارس تحركاتهم وتسللهم على بعد 100 متر من المدخل ، فوقعت مناوشات أمام باب المدخل، أما كابولاني فقد كان يتناول العشاء في تلك الليلة، مرتديا ثيابا بيضاء ممدا على كرسي، ثم توجه بعد ذلك إلى ساحة القلعة، حول موضوع ضم أدرار، وعن رفض وزير المستعمرات "دوميرك" لعملية إخضاعها، وبعد ذلك خطى على الأرضية الأمامية لمقره خمسة أو ستة مسلحين، وخلال تجواله كعادته قبل خلوده إلى النوم عند التاسعة وخمس وعشرون دقيقة رأى الحارس "ولد مبارك" و"سيدي ولد الزين" يحملان اللبن أمام باب القلعة، والبعض الآخر كان يلعب بالورق، أما النقيب "جيرار" و"أفري جان" فقد كانوا نائمين . ورد عليه الضابط برصاصة من مسدسه سقط على إثرها شهيدا، وصاح "مات كابولاني"
تمكن كابولاني بعد إصابته بالفرار بجراحه إلى أحد الغرف يصارع الموت ويصفه "كولومباني" بقوله: « وصلت أنا والضابط شيري إليه في البداية وحاولنا رفعه إلى سريره ثم لحق بنا البقية حيث حاول الطبيب تقديم الإسعافات لكن جروحه كانت مميتة »، وأضاف أرنو قائلا: «. »، ثم قال له: « أرنو أنا ميت لقد قتلني البؤساء» وهو ينزف بغزارة، وبعد تمكنه من التوصل إليه، رافق الطبيب إلى غرفته لتضميده، ثم تم نقله إلى غرفة الأكل فأخبره الطبيب أن الرصاص اخترق جوفه وظهره . نتج عن هذا الهجوم استشهاد أربعة شهداء في ساحة المعركة، أما الخسائر الفرنسية اضافة إلى كابولاني قتيلين وأحد عشر جريحا . كونها قائمة على أساس
الدعوة إلى الجهاد، بعد ذلك خلف كابولاني الرائد مونتاني في الوقت الذي زادت فيه قوة وحماسة المقاومة خصوصا على يد أمير أدرار ولد عيد والشيخ ماء العينين، 1- احتلال أدرار(1909م):
والتفوا حول أميرها ولد عيد والشيخ ماء العينين في الوقت الذي أعلن فيه هذا الأخير الجهاد لإيقاف التوسع الفرنسي . كان غزو أدرار كان سلميا ودبلوماسيا في بداية الأمر، وبذلك توافدت إليه القبائل طلبا للسلم والأمان، وهذا بعد صدور مرسوم سبتمبر 1908م، وفي نفس الوقت فقد كثف المجاهدون الموريتانيون من عملياتهم العسكرية ضد الفرنسيين، لكن ما إن وصل إلى منطقة أكرارت حتى لقي مقاومة عنيفة من الثوار المتربصين هناك وجرت بينهما معركة رهيبة كانت أولى المعارك التي تقع في أدرار، وعلى إثر ذلك تمكنوا من قتل الضابط ريبو قائد الحملة ، كما استشهد منهم ثلاثة مقاتلين ثم اتجه البقية نحو أكجوجت وحرروها من الحامية الفرنسية الموجودة هناك، وواصلوا مطاردة الفرنسيين. تجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين كانوا يريدون إخضاع أدرار بشتى الطرق السانحة لذلك، ولما رأى المقاومون الموريتانيون ذلك تيقنوا من ضرورة القضاء على هذه الحملة فدارت بينهما معركة في واحة المنيان، حيث تعرضت فرنسا لخسارة فادحة وعلى إثرها قتل قائد الحملة واستطاع الموريتانيون أخذ الأسلحة والجمال ،


النص الأصلي

كزافييه وسياسة التواجد الاستعماري بموريتانيا
أولا: موريتانيا الجغرافية والتركيبة السكانية:
1- جغرافية موريتانيا:
موريتانيا دولة عربية افريقية إسلامية، تنحصر موريتانيا فلكيا بين خطي طول 5 و18 غربا، ودائرتي عرض 16 و26 شمالا ، تقع في الجزء الشمالي الغربي من قارة إفريقيا بين دول المغرب العربي في الشمال، ودول الساحل الإفريقي من الجنوب، تحدها شمالا الصحراء الغربية، ومن الشمال الشرقي الجزائر ومالي، من الجنوب الشرقي والشرق، والسنغال من الجنوب الغربي، والمحيط الأطلسي من الغرب، بواجهة يبلغ طولها حوالي 600 كلم بين ميناء نواذيبو الواقعة على الرأس الأبيض قرب الحدود مع الصحراء الغربية ومصب نهر السنغال ، حيث حدودها الجنوبية مع جمهورية السنغال، وفيما عدا حدودها الجنوبية مع السنغال التي تتماشى مع نهر السنغال، فإن باقي الحدود السياسية مع الدول المجاورة ما هي إلا حدود هندسية مستقيمة أخذت شكلها الحالي في عهد الاستعمار الأوروبي لغربي وشمالي القارة الإفريقية .




  • المساحة و المناخ:
    تقدر مساحة موريتانيا ب 1.169.480 كلم ، وهي خامس دولة عربية من حيث المساحة، أما مناخها فعموماً يمتاز بأنه حار وجاف نظراً لطبيعة أراضيها الصحراوية القاحلة لكنه صحي، وهذا بحسب الارتفاع والانخفاض عن مستوى سطح البحر، وكذا القرب والبعد من نهر السنغال والمحيط الأطلسي، وتشهد البلاد تساقطا قليلاً وغير منتظم للأمطار رغم وقوعها على ساحل المحيط الأطلسي باستثناء فصل الصيف أين يبلغ أقصى ذروته خاصة في شهر أوت وبالخصوص في المنطقة الجنوبية، وهو ما انعكس على ازدهارها أكثر من المنطقة الشمالية.
    لأن عموم البلاد مناطق صحراوية، فتميز مناخها بهبوب الرياح بكثرة, منها رياح الصبا والشمال وغيرها...الخ، وغالبيتها تأتي باردة أو حارة بحسب الفصل.

    على الرغم من أنها جلها أراض صحراوية إلا أن شاسعة المساحة، واستراتيجية الموقع جعلها تحظى بتنوع وثراء طبيعي، مكنها من تحقيق مكانة وازدهار كبير في القديم، وبأن تكون محطة تجارية وممر عبور رئيسي للقوافل التجارية في الدخل والخارج من جهة، ومحل أنظار وأطماع الدول الغربية من جهة أخرى.




  • أصل التسمية:
    عرفت ما تسمى موريتانيا اليوم عدة تسميات عبر التاريخ، بعضها نسب الى مناطق متواجدة بها، وأخرى نسبت لسكان المنطقة، وبعضها كان شاملا لمعظم أراضيها. من أشهر هذه الأسماء نجد: صحراء الملثمين، بلاد شنقيط، بلاد التكرور، بلاد المغافرة، تراب البيضان وموريتانيا.




  • صحراء الملثمين: نسبة الى اللثام الذي كان يلبسه الصنهاجيون ، ولذلك غلب عليهم اسم الملثمين ونسبت إليهم الأرض.




  • بلاد شنقيط: تعتبر موريتانيا همزة وصل بين العالمين العربي والإفريقي، فقد عرفت قبل مجيء الفرنسيين ببلاد شنقيط ، نسبة إلى مدينة شنقيط التي تقع في الجزء الشمالي الغربي منها، حيث اشتهرت بوقوعها على طريق القوافل المسافرة من المغرب عبر الصحراء - إلى بلاد السودان الغربي ( خاصة تنبكتو )، كما تعتبر مركزاً ثقافياً علمياً، ومنارة من منارات الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة آنذاك .




  • بلاد التكرور: اختلف المؤرخون في تحديد موقع هذه المنطقة، البعض يرى أنها تقع بين حوض نهر السنغال ونهر النيجر، إلا أن البعض الأخرى يرى أنها إقليم واسع ممتد شرقا إلى مالي، وغربا إلى نهر السنغال، وجنوبا إلى أعالي نهر السنغال أو النيجر وشمالا إلى أدرار .
    بلاد المغافرة: وجدت هذه التسمية عند المؤلفين الشناقطة، رغم قلة شهرتها، وتشير هذه التسمية إلى عهد تاريخي متأخر، فالمغافرة بطون من بني حسان نزحت إلى البلاد ضمن الموجات العربية التي دخلت بين القرنين 7 و 9 للهجرة .




  • تراب البيضان: يعرف العرب الشناقطة (الموريتانيين) في اللهجة الحسانية بالبيضان، نسبة إلي البيض (إشارة منهم إلى السكان ذوي البشرة الفاتحة من شعوب الصحراء الكبرى)، ويذكر البكري أن مصطلح البيضان يشير إلى سكان الصحراء من صنهاجة القاطنين حول مدينة أوداغست ، لكن المصطلح صار منذ القرن 17م علما على المجموعات الصحراوية التي تتحدث اللهجة الحسانية وتعود أصولها لاندماج الكتلة الصنهاجية والمجموعات العربية الحسانية وغير الحسانية .




  • موريتانيا: أما تسمية موريتانيا فقد جاءت على إثر المهمة الاستطلاعية الذي قام بها الضابط الفرنسي كزافييه كابولاني بالمنطقة، فقدم تقريراً عنها واقترح هذه التسمية، فصدرت الموافقة على اقتراحه في قرار وزاري فرنسي، بتاريخ 27 ديسمبر 1899م إحياء لتسمية قديمة كانت تطلق على مملكة رومانية قامت في شمال غرب إفريقيا، .
    إلا أن البعض يرى بأن أول من اصطلح هذا الاسم الضابط الفرنسي فرنسوا كاي Jean François Caille سنة 1843م، قبل كابولاني بحوالي نصف قرن باعتبار أن أصل الكلمة يوناني Tania باللاتينية بمعنى السود،

    بمعنى الأسمر، واللاتينية maures معناها أرض أو بلد فهي إذا بلاد السود وأرض السمر ، ويرى البعض الآخر أن موريتانيا تسمية أوروبية أجنبية مؤلفة من كلمتي "مور" أي سكان افريقيا الشمالية ومنهم المسلمين الذين فتحوا الأندلس، و"ثانيا" تعني الخيام (جمع خيمة) أصلها "ثانت" أو " كان" أضيفت إليها "يا" كالموجودة في بريطانيا واسبانيا .
    وهناك من يذكر أن أصلها أمازيغي مشتقة من كلمة أتمورتناغ: وهي تمورتنا وتعني أرضنا، وهو اسم جاء من قبائل المور المشهورة التي ناهضت الرومان والوندال وغيرهم من غزاة بلاد الأمازيغ القديمة .
    من خلال التسميات سابقة الذكر يمكننا أن نرجح التسمية الأعجمية أو الأجنبية الأصل، سواء كانت التي تعود منها الى المملكة الرومانية القديمة، أو إلى التي ترجعها إلى الاشتقاق من كلمتي "مور" و"تانيا"، ذلك لأنها ظهرت مع مجيء شخصية كابولاني للمنطقة، وهو ما تذهب إليه غالبية المراجع، فهو اسم لم يختره أهلها وإنما ارتبط بالحقبة الاستعمارية الفرنسية كخطوة منها لاستبدال الشخصية التاريخية الشنقيطية، كما لا يوجد اسم يشير أو يقرب لها بين الأسماء التي عرفتها المنطقة خاصة وأنها وصفت واشتهرت بالعديد من الأسماء.




  • التركيبة السكانية:
    1- أصل السكان:

    كان المجتمع الموريتاني يتكون عرقيا من مجموعتين رئيسيتين: وهم البربر القدماء في المناطق الشمالية، والزنوج في المناطق الجنوبية، لكن مع قدوم الإسلام في النصف الثاني من القرن 1ه، تغيرت ملامح المجتمع الموريتاني وتركيبته العرقية ، حيث أصبح ينقسم الى:
    فئة الزنوج: من أقدم المجموعات البشرية التي سكنت موريتانيا، تمركزت في الشمال بمنطقة أدرار، وقد أدى الزحف المتواصل للقبائل العربية والبربرية نحو الجنوب إلى زحزحة هذه المجموعات، الأمر الذي جعل أغلبيتهم تستقر بالجنوب. ويتألف هؤلاء من قبائل عديدة: كالسوننكي، الولوف ، الفولاني ، والبامبار ، تدين جميعها بالإسلام، كما أن معظمها يتحدث اللغة العربية والفرنسية، وهي جزء من مجموعات أكبر في السنغال وغرب إفريقيا .
    البربر: سكنوا شمال إفريقيا منذ عصور قديمة تصل إلى 3000 سنة (ق، م)، وهم قبائل عديدة منها صنهاجة التي كانت بموريتانيا آنذاك والتي تتكون من: جدالة لمتونة ومسوفة، اختلف الباحثون في نشأة وأصول البربر، فهناك من ربطهم بسكان جنوب أوروبا، وهناك من رأى بأنهم عرب قحطانيون حميريون، وآخرون رأوا أنهم خليط من كنعان وعرب المعقل .
    القبائل العربية: نزحت للمنطقة مع الفتح الإسلامي قادمة من الهجرة العربية إلى مصر ومنها إلى شمال إفريقيا، واستقرت بعدها في البلاد، مكونة عنصراً بارزاً وهاماً من أبرزها قبائل المعاقيل العربية، والتي كان لها تأثير كبير على المجتمع الموريتاني الحالي، والتي انجر عن خلافها مع الدولة المرينية بفاس نزوح بعض المجموعات منها والهجرة جنوباً نحو الصحراء الغربية وشمالي موريتانيا طلباً للحرية والنفوذ، وكانت أول قبيلة للمعاليق هي قبيلة: الترارزة، وذكر بعض المؤرخين أن معظم عرب موريتانيا الحاليين ينتمون إلى بني حسان بن معقل وينتهي نسبهم إلى جعفر بن أبي طالب، والبعض الآخر رأى بأنهم ينحدرون من عرب اليمن لأن في كليهما بطن يدعى معقل قدموا بعد تحطم سد مأرب .
    وإن اختلفت الروايات حول أصل هذه القبائل العربية وفترة نزوجها نحو موريتانيا فإنها تتفق جميعها في نظرنا على أنها قبائل تنحدر من الجزيرة العربية من أصول عربية.

    2- بنية المجتمع الموريتاني:
    يشير الخليل النحوي أن اختفاء دولة المرابطين في بلاد شنقيط في منتصف القرن 11م، التي يعود لها الفضل الكبير في نشر الإسلام وإرساء قواعده في نفوس الشناقطة، رغم صعوبة الظروف وعزلة البلاد قد خلف فراغاً سياسياً ودينياً، ظهرت على أثره شرائح اجتماعية متباينة ومتكاملة، حاولت سد هذا الفراغ للخروج من حالة السيبة التي كانت تعاني منها البلاد في تلك الفترة وهي :
    العرب أو (بنو حسان): سميوا أيضا بحملة السلاح، فكانت العروبة لدى بني حسان مفهوماً غير سلالي، وإنما مستنداً لقيم البطولة والتضحية والإقدام، فحسان تطلق على كل مجموعة حملت السلاح فتخلقت بأخلاق عرب المعقل، وسارت على نهجهم في الحياة حتى وإن كانت هذه القبيلة صنهاجية كقبيلة ادوعيش.
    الزوايا أو سدنة العلم: وتطلق على القبائل المهتمة بالعلم ونشره، فهم حملة العلم في هذه البلاد قديماً وحديثاً، ولا تتميز هذه القبائل بانتساب عرقي أو سلالي خاص، يجمعها بل يعزى الأمر إلى سلم القيم الاجتماعية والوظيفية، وتتميز عادة بالكرم والضيافة، إضافة إلى أداء الوظائف الاقتصادية الضرورية في الحياة البدوية، كحفر الآبار وصيانتها ورعي المواشي وغيرها ...الخ .




  • فئة الغارمة: أي المجموعات التي لم تهتم لا بسيف ولا بقلم، يسمون أيضا
    بقبائل "اللحمة" أو "الأتباع"، تأتي هذه الفئة أسفل السلم الاجتماعي، فبسط عليها الطرفان – الزاوي والحساني- نفوذهما وسخروها للرعي وتربية الماشية.
    وقد كرس المجتمع هذه القيادة المزدوجة بتمجيد شأن العلم والسلاح واعتبارهما رمز المجد والكرامة فلا مكان إلا لمن يدلي بشهادة علمية أو شهادة عسكرية، هذا عن المجموعة البيضانية أو العرب والبربر، أما المجموعة الزنجية فكانت تنقسم إلى اثنيات مختلفة، تميل جميعها إلى الاستقرار وتشتغل خاصة في القطاع الزراعي الرعوي وفي الصيد البحري، وتتمايز فيما بينها حسب الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية لكل منها .
    فقد شكلت "العرب "والزوايا" دون غيرهما من بقية الفئات البيضانية أو الزنوج قيادة ثنائية للمجتمع الشنقيطي وهو ما سوف يستغله الاستعمار لصالحه، فمارست الأولى القيادة العسكرية والثانية القيادة الروحية والعلمية وإدارة الشؤون الاقتصادية، واشتركا معا في السيطرة السياسية للبلاد، فحاجة كل طرف لآخر دفعتهم إلى التعاون والتكامل فيما بينهم تجسيداً لمبادئ الدين الإسلامي وتمجيداً للعلم والسلاح، وهو تقسيم لا يستند في نظرنا إلى الأصل أو المولد بل للمكانة الاجتماعية والوظيفية للفرد.
    ثانيا: إرهاصات التواجد الأوروبي بموريتانيا:
    ترجع أول محاولة للتواجد الأوروبي في موريتانيا الى القرن 15م، أذ يعد البرتغاليين أول من وفد على هذه المنطقة، حيث اهتموا بتجارة الصبغ والذهب والرقيق، واستقروا على السواحل وأسسوا مراكز تجارية لهم، وفي عام 1442م، وصلوا الى الشواطئ الموريتانية ، وسعوا الى ربط علاقات تجارية مع السكان .
    أنشأ البرتغاليون عام 1948م، حصن أجيوم المركز الرئيسي للتجارة وهو مقابل الرأس الأبيض ومنه اوغلوا نحو المناطق الداخلية، فتقدموا نحو السودان الغربي بهدف الوصول مدينة طمبكتو التي ذاعت شهرتها بكثرة مناجم الذهب ومنها تحولوا الى تجارة الرقيق، ولم يستقر للبرتغاليين في المنطقةـ ففي القرن 17مـ ازداد التنافس بين الدول الأوروبيةـ فظهرت هولندا خلال هذه الفترة واستطاعت عام 1638مـ انتزاع حصن أجيوم من البرتغال وكان هدفها البحث عن الصمغ العربي .
    عندما أدرك الهولنديين والفرنسيين ما تجنيه البرتغال من تجارة الرقيق مع البيضان سارعوا الى ارسال بعثات استكشافية نحو منطقة غرب افريقيا، وبمجرد وصولهم أصبحوا ينشؤن المراكز التجارية لتسهيل عملية التعامل مع السكان، وفي سنة 1552م، أمر الملك البرتغالي الفونسو الخامس ببناء قلعة في جزيرة أركين، والتي استولى عليها الهولنديين سنة 1645م، لكن تمكن الفرنسيون من استعادة تلك القلعة في السنة التالية .
    بدأ النفوذ الفرنسي والبريطاني في غرب افريقيا منذ عام 1560م، الا أنه كان ضئيلا، لأن افريقيا أنداك لم تكن من اطماعها، ولكن مع نهاية القرن15م وبداية القرن 16م، غيرت فرنسا وبريطانيا نظرتها بسبب كميات الذهب التي يجلبها البرتغاليين، وأصبحت المنطقة محط أنظارهم وبدأوا في التغلغل في غرب افريقيا، حيث كان هدف النفوذ الفرنسي استغلال المنطقة والتي وصلوا اليها سنة 1626مـ بعد الحروب التي عرفت بحروب الصمغ بين فرنسا وهولندا وبريطانيا، وأصبحت موريتانيا تحتل مكانة بارزة في السياسة الاستعمارية الأوروبية، وتم تأسيس مركز سان لويس عند مصب نهر السنغال عام 1659م .

    اشتد الصراع بين القوى الأوربية، لاسيما بريطانيا التي ظلت تنافس فرنسا، واستمرت المشكلة بين الطرفين ولم تحل الا في سنة 1815م، بعد مؤتمر فيينا عندما أعطيت منطقة السنغال لفرنسا، وبموجب هذه المعاهدة خرجت بريطانيا من المنافسة عام 1817م، وأصبحت فرنسا المسيطر الوحيد على المنطقة .


    وفي الأخير فإن التنافس الأوروبي منذ القرن الخامس عشر الميلادي والى غاية القرن السابع ميلادي، نتج عنه استعمار فرنسا لتلك المنطقة التي رغبت في احكام السيطرة عليها وجعلها ضمن إمبراطورتيها في غرب افريقيا.
    ثالثا: كابولاني ومخطط استعمار موريتانيا:
    أولا: الجذور التاريخية لفكرة مخطط كابولاني:
    1- البعثات الاستكشافية:
    يعد مشروع موريتانيا الغربية الحلم الذي شغل مساحة كبيرة في الدبلوماسية الفرنسية حيث كانت تعمل على تكوين إمبراطورية استعمارية كبرى في شمال وغرب إفريقيا، ويتم ذلك باحتلال موريتانيا التي تمثل حلقة وصل أساسية بين الطرفين .
    تعود البدايات الأولى للتواجد الفرنسي في المنطقة إلى الفترة التي بدأ فيها التكالب الأوروبي على القارة الإفريقية في إطار الكشوف الجغرافية الأوروبية الكبرى بداية من القرن (15م/ 9هـ(، وتعتبر البرتغال أول من وصل الأراضي الموريتانية وأقام بها مراكز تجارية فيها وربطتها علاقات تجارية مع البيضان كما ذكرنا .
    وهو ما جعل المشروع الفرنسي يصطدم في بداياته بالأطماع الأوروبية في المنطقة، فقد شكل حصن "أرغين" عند مصب نهر السنغال، الذي أمر الملك "الفونسو الخامس" ببنائه سنة 1552م، بدايات النزاع الأوروبي الفرنسي خاصة مع الأسبان والانجليز والهولنديين أواخر القرن 17م، فقد كانت "أرغين" مركز نشاط تجاري مهم (النحاس والذهب وكذا تجارة الصمغ العربي، ريش النعام، العنبر الرمادي الملح، السمك، جلود الفهود الماعز وغيرها...) ، حيث استولى عليها الهولنديون في 1638م، وبعدهم الانجليز سنة 1645م، وبعد سنة استطاع الفرنسيون استعادتها ، ولم تستطع فرنسا بشكل عام استعادة السيطرة على ما تملك في السنغال (مستعمرة سان لويس إلا بعد توقيعها لمعاهدة باريس عام 1814م مع الانجليز لتنهي بذلك ولو جزئياً صراع استمر بينهما لأكثر من قرنين، لكن سرعان ما اصطدمت بمشاكل عدة من بينها ازدياد نفوذ الموريتانيين على الضفة اليسرى لنهر السنغال وعودة المنافسة التجارية للانجليز .
    تفادياً لتدهور تجارة الصمغ والمنافسات الأوروبية عامة والانجليزية خاصة، عقد حكام السنغال عدة معاهدات مع القبائل الموريتانية لتوفير الحماية للتجار الفرنسيين والمستكشفين من غارات القبائل.
    تعود الانطلاقة الأولى للحملات الاستكشافية الى فترة حكم فيدهيرب على السنغال، والذي علقت عليه أمال كبيرة لتخليص السنغال من تهديد الموريتانيين بسبب الاضطرابات التي عرفتها المنطقة، وفشل سياسة المهادنة مع السكان، فكان يتطلع لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات العلمية الجادة حول موريتانيا وسكانها من أجل إيجاد إستراتيجية جديدة في التعامل مع القوة الوطنية من جهة، ولفرض التواجد الفرنسي في المنطقة الذي كانت تخفيه آنذاك من جهة أخرى .
    مع نهاية الخمسينات من ق19، قام بإرسال مجموعة من البعثات لاستكشاف سواحل موريتانيا، والمعرفة إمكانية إقامة علاقات تجارية مع الموريتانيين أهمها:




  • بعثة فيدهيرب 1859 م: كلفت باستكشاف أقاليم السودان الغربي غير المعروفة، خاصة موريتانيا من أجل إكمال المعلومات غير الكاملة حول الجغرافيا وأجناس وخيرات هذه الأصقاع، وتجدر الإشارة إلى أن "فيدهيرب" كان مشغولاً أكثر باكتشاف الشواطئ الموريتانية.




  • بعثة فينسان :Vincent وهو نقيب من القيادة العليا، اتجهت بعثته هو أيضا لاكتشاف السودان الغربي عام 1860م، في رحلة دامت 52 يوماً قدم خلالها سلسلة من الملاحظات المهمة بمنطقة أدرار التي لم يدخلها أوروبي قط بعد الدخول العابر للبرتغاليين لها في القرن الخامس عشر .
    وقد رافق "فينسان" المترجم ومستشار قاضي سان لويس المسمى "بو المقداد" . فتمكن بفضله من جمع معلومات مهمة عن البلاد التي زاراها، رغم محاولات فقهاء أدرار القضاء عليه هو وبعثته، وساعدت هذه المعلومات الضباط الفرنسيين فيما بعد في حملتهم على أدرار سنة 1909م.




  • بعثة بورال :Burrel وهو ضابط البحرية، كانت رحلته في جوان 1860م، نحو البراكنة، اكتشف بحيرة الآك وذلك بتسهيلات مقدمة من طرف أمير البراكنة ، كما تعرف على مختلف الأودية المنحدرة من جبال تكانت وقدم معلومات عنها أكثر دقة من ذي قبل رغم الصعوبات التي واجهته.




  • بعثة ماج Mage 1860م: كانت رحلته نحو تكانت، ولاحظ أهميتها التجارية في المواشي والصمغ وأعطى صفات حول الموريتانيين، حيث وصفهم بالجبن واللصوص ورأى بأنهم متمردون أخلاقياً.




  • بعثة بول baule soleille 1879م : رغم وقوعه في الأسر من قبل قبائل الترارزة وإرغامه على العودة إلى سان لويس، إلا أنه قام بثلاث محاولات بعدها للدخول لموريتانيا مكنته من جمع وثائق مهمة حول هذا القطر.




  • بعثة كامیل دول 1887 Camille doulsم: زار موريتانيا وهو متنكر بزي مسلم، تمكن من مراقبة أسلوب عيشهم ومعرفة طباعهم وأخلاقهم وعاداتهم، إلا أنه لم يحصل إلا على القليل من الوثائق العلمية وفي السنة نفسها كلفت الحكومة الفرنسية سولي Charles soller ببعثة نحو الشواطئ الموريتانية لدراستها لأغراض تجارية .
    وتبعتها بعثة نقيب الهندسة فولكر :fulcrand نحو أرغين لنفس الهدف.




  • بعثة ليون فابير Leon Fabert 1891م: الذي صاحبه فيها ابن المقداد "دود سك" نحو أدرار وقد غلبت عليها المطامع التجارية والأمنية، ولم تنجح هذه البعثة نظراً لتعرض قافلتها للنهب .




  • بعثة كاستون دوني1894 Gaston donnée م.
    ساهمت هذه البعثات بشكل كبير في إثراء سابقتها خاصة فيما تعلق بالسكان وأحوالهم.




  • بعثة كابولاني Xavier coppolani 1899م: الذي كلفه حاكم السودان بمهمة
    التفاوض مع القبائل الموريتانية والطوارق( سنفصل فيها لاحقا).




  • أما بالنسبة لرحلة بول بلا نشي 1900م، التي قدم فيها تقريراً حول طبيعة المنطقة وثرائها وسكانها وأنشطتهم الاقتصادية، ورافقه في رحلته "ابن المقداد، فرغم تعرض البعثة للقصف والخطف من طرف سكان أدرار إلا أنها استطاعت أن تلم بكل ما يخص الجانب الاقتصادي للمنطقة، خاصة ما تعلق بثروة الملح الموجودة في سبخة الجل وفي ناحية بيبواك ، وكانت هذه آخر بعثة على حسب قول "جلييه" {..... وأخيرا، وقبل احتلالنا لموريتانيا تم إرسال بعثة علمية بقيادة بلانشي} .
    قد تزامنت مع الاستعداد الفعلي لفرنسا لاستعمار البلاد على يد مفوضها الاستعماري كابولاني، والذي يعتبر حسب نظرنا أهم هذه الشخصيات الاستكشافية الذي مهد الطريق أمام السيطرة الفرنسية على القبائل الموريتانية من خلال تعامله معهم، ومهد أيضاً للاحتلال الفرنسي لموريتانيا حيث كانت مهمته التي أنجزها من خلال بعثته إلى بلاد شنقيط لفرض السلم في البيضان هي اللبنة الأساسية لمشروع فرض الحماية الفرنسية.
    2- رحلة كابولاني الى السودان الغربي:
    كانت سنة 1898م تحمل لكابولاني انطلاقة جديدة لمشروعه الذهني الذي يخطط له، فقد اقترح الحاكم العام للجزائر لويس لابين على وزارة الخارجية والمستعمرات إيجاد طريقة للتواصل مع الطرق الصوفية والاستفادة منها في مرحلة لاحقة لصالح الدولة الفرنسية، وقد رفضت وزارة الخارجية إلا ان وزارة المستعمرات أبدت موافقتها عليه.
    لقد أعجب دترنتيان الجنرال الفرنسي في بلاد النيجر بأفكار الشاب كابولاني خصوصا ان شعوب البيضان في الأنحاء الشرقية كانوا يغيرون على المصالح الفرنسية، مما جعل الأمن غير مستتب في تلك المنطقة، فأرسل طلبا للقيادة الفرنسية السماح لكابولاني بالقيام بالرحلة وتمت الموافقة عليه .
    انطلقت الرحلة في نوفمبر 1898م، مكونة من كابولاني وصديقه روبارت أرنو ومترجم جزائري يرافقهم جمع من المتخصصين والخبراء في عدة مجالات، انطلقت من سان لويس الى منطقة الحوض وتمبكتو، وجال فيها دون أن يعترض أحد طريقه ، بل استقبل بحفاوة من طرف البيضان، وأعجب به مشايخهم وربطوا معهم صداقات، واستطاع اقناع بعض القبائل بالدخول تحت الحماية الفرنسية كقبائل الحوض التي التقى بشيخها" سيدنا وأخيه سعد بوه" واستطاع أن يكسب صداقتهما، كما راسل سيد محمد ولد مختار وشيخ قبيلة مشظوف وسيدي ولد حانون شيخ قبيلة علوش وأقنعهما بالدخول في سلم مع فرنسا، الى جانب اقناع العديد من القبائل على السماح للقوافل التجارية بالمرور .
    كان أيضا من الشخصيات الهامة التي التقى بها في رحلته "سيدي الخير" بن الشيخ محمد فاضل ممثل الطريقة القادرية الفاضلية في منطقة الحوض تلك الفترة، والذي كان يميل إلى التعامل مع الفرنسيين، وقد أهداه كابولاني سبحة ومصحفا مذهبا، ومكث في ضيافته أياما، وعلى عكس أخيه الشيخ التراد الذي كان لا يدعم الأوروبيين بصفة عامة، ويخشى من المفاوضات التي يعقدها الشيخ سيدي الخير مع الفرنسيين .
    نجد أن نظرة الاستقطاب لدى كابولاني عن المشايخ الصوفية تظهر جليا في استخدامه الهدايا المتمثلة في المصاحف ودلائل الخيرات في كل من يمر بهم من المشايخ كما تمكن خلال هذه الرحلة من لقاء سيدي بن هنون كبير أولاد علوش الذي عقد معه صلحا، وقد كان أولاد علوش من القبائل التي تغير على الأنحاء المجاورة والتي كانت تخضع للفرنسيين.
    من خلال ما سبق يمكن أن نقول بأن كابولاني قد نجح نجاحا تاما في رحلته هذه. حيث تمكن من إقناع القبائل المعارضة ذات الشوكة والتي كانت تمثل غصة في حلق الفرنسيين من أمثال "أولاد علوش" والبرابيش، وإقامة علاقات متميزة مع المشايخ الذين مر بهم مثل سيدي الخير، وكذلك الشيخ سعد بوه والشيخ سيدي اللذين مر بهما في طريق عودته، وسيساعده ذلك في مرحلة لاحقة.
    قد ساعد كابولاني في ذلك ثقافته العربية والإسلامية، والتي جعلته محط الأنظار. وبددت المخاوف التي كانت عند البيضان من أن الفرنسيين لا يحترمون الدين. وبعد عودة كابولاني من هذه الرحلة اختمرت في ذهنه فكرة مشروع إنشاء دولة في ذلك الفضاء الواسع، فسطر ذلك فيما يعرف بمشروع موريتانيا الغربية.
    بعد انتهاء كابولاني من مهمته، عاد الى سان لويس، حيث قدم تقريرا مفصلا باسم خطة لتنظيم قبائل المور، وهو تقرير جاء دقيقا عن مجتمع البيضان وعن الطرق الملائمة للسيطرة عليه، من أهم ما جاء فيه:




  • دراسة عامة عن قبائل البيضان وعلاقتهم المضطربة مع فرنسا




  • دراسة جغرافية واجتماعية للمناطق التي زارها




  • قابلية المنطقة للدخول تحت النفوذ الفرنسي بالهدايا والطرق السلمية




  • توحيد المناطق التي تقطنها قبائل البيضان والطوارق ، وإخضاعها للسيطرة الفرنسية للعمل على التفاهم مع الطرق الصوفية بشكل يضمن كسبها، وجعلها واسطة في إقامة علاقات سياسية وتجارية مع السودان الشرقي والغربي .




  • وضع خريطة توضح حدود موريتانيا الغربية على النحو التالي: يحدها غربا المحيط الأطلسي، وشمالا وادي درعة وتندوف، وشرقا حوض تاودني ومنطقة المبروك وتنبكتو وجنوبا منطقة أنيوروخاي ونهر السنغال .
    رفع كزافييه تقريره الى وزير المستعمرات الفرنسية، فأعجب به وتبناه، وأصدر على أثره بتاريخ 27 ديسمبر 1899م قرارا ينظم المناطق التي أشار اليها كابولاني في بلاد البيضان تحت اسم مشروع موريتانيا الغربية .
    واجهت كابولاني في تنفيذ مشروعه عدة عراقيل أهمها:




  • التجار الفرنسيين في سانت لويس، اذ كانوا يسعون لإبقاء الوضع على حاله وعدم الدخول في حرب مع قبائل البيضان التي قد تهدد مصالحهم التجارية .




  • الوالي الفرنسي في السنغال الذي رأى أن احتلال موريتانيا مسألة سابقة لأوانها وتحمل مخاطر جسيمة على الأمن والسلام في منطقة حوض نهر السنغال




  • وزارة الخارجية الفرنسية لاعتبارات دبلوماسية، فوزير الخارجية الفرنسي دلكاسيه رأى أن احتلال موريتانيا حسب خريطة كابولاني سيدخل فرنسا في مشاكل مع اسبانيا فضلا على الاتفاقية بين المغرب وبريطانيا تتعلق بالسيادة البريطانية على المراكز الموجودة في الطرفاية .
    رغم كل هذا فإن كزافييه لم يستسلم، فذهب الى باريس وهناك تمكن من اقناع وزير الخارجية الفرنسي بتحييد المعارضة الاسبانية، من خلال إدخال تعديلات حدودية على موريتانيا ناحية الشمال، حيث تتوقف عند خليج ليفيير بانتظار التوصل الى اتفاقية معها، وبالفعل اتفقت فرنسا واسبانيا على رسم الحدود الموريتانية، ففي 27 جوان 1900م، وقعت فرنسا واسبانيا معاهدة باريس التي حددت الحدود بين الساقية الحمراء الاسبانية وموريتانيا الفرنسية، كما تمكن كابولاني من اقناع رئيس البرلمان الفرنسي بأهمية مشروع احتلال موريتانيا، فأصدر قرارا في 6 جوان 1901م بتكوين لجنة وزارية مكلفة بفحص الحالة العامة لكل من الجزائر وإفريقيا الغربية، ودراسة إمكانية الربط بينهما عبر موريتانيا .
    اجتمعت اللجنة لأول مرة في 14 أكتوبر 1901م، ضمت وزراء الداخلية والشؤون الخارجية والمستعمرات الحكام العامين للجزائر، افريقيا الغربية الفرنسية، رئيس مكتب الجزائر بوزارة الداخلية وكابولاني، وبعد مداولات امتدت لأشهر قدمت اللجنة تقريرها في 3 مارس1902م، أوصت بضم موريتانيا للإمبراطورية الفرنسية، كما أوصت بإنشاء مصلحة خاصة بالشؤون الإسلامية تكلف بدراسة وجمع المعلومات عن الطرق الصوفية والإسلام في منطقة غرب افريقيا .
    على هذا الأساس تم تعيين كزافييه مفوضا عاما للحكومة الفرنسية مكلفا بتنظيم شؤون موريتانيا، ورئيسا لمصلحة الشؤون الإسلامية المقرر إنشاؤها بسان لويس.
    مراحل تنفيذ مخطط كابولاني الاستعماري:
    بعد صدور قرار الموافقة على مشروع كزافييه سنة 1889م، مر المشروع بمرحلتين: المرحلة الأولى من 1900 الى 1904م، وهي تمثل مرحلة التوغل السلمي، وقد كان شعار كابولاني خلالها هو التسامح الديني من خلال كسب ود الشيوخ، أما المرحلة الثانية فتبدأ من 1905 الى 1909م، وهي تمثل مرحلة الإخضاع العسكري وتمركزت في منطقة الوسط وبالتحديد في إمارة تكانت.
    1- مرحلة التوغل السلمي من 1900 الى 1904م:
    1- احتلال الترارزة (1903م):
    تزامن مشروع كابولاني في الترارزة مع حالة عدم استقرار أحوال البلاد وانتشار عمليات النهب والصلب بسبب الصراع حول السلطة بين الأمير "أحمد سالم"، "وسيدي محمد فال"، وذلك بعد اغتيال الأمير السابق عمر سالم ولد محمد الحبيب .
    اشتد الصراع على السلطة في الترازة سنة 1902م، وفي نفس السنة أرسلت بعثة بقيادة الرائد دي لابلان بغية تقصي الحقائق في هذه القبيلة، حيث تمكنت البعثة من فض النزاع الداخلي، وفي ديسمبر 1902م، قدم كابولاني الى الترازة والتقى بأحمد سالم الذي تنازل على العرش للسلطات السنغالية، كما عقد كابولاني اتفاقية مع سيدي، وأعلنت القبائل عن خضوعها والزاوية الحسانية للاستعمار الفرنسي، وقد نصت الاتفاقية على:




  • قبول أولاد أحمد بن دامان الواقع الفرنسي.




  • الامتثال للحكومة الفرنسية.
    عدم مقاومة الحكومة الفرنسية، وفي المقابل يحترم كابولاني الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المعمول بها وقبول اختيار أولاد دامان إدارة شؤون القبيلة وفق التقاليد الأميرية .
    رغم ما حققه كابولاني من نتائج في المنطقة، ظهرت قبائل رافضة لفرنسا من
    بينها: أولاد بو سباع وقبائل أدرار وايدوعيش وأولاد ريلانيس وأولاد أموني وأولاد أكشار، ففي 12 مارس 1904م هاجمت قبيلة أولاد بوسباع الرقيب "فيليب" عند تأكلات، وفي 1905م، أسس النقيب "كالاه" مركز ببوتلميت، وفي نفس السنة ترك أفري جان نواكشوط، للانضمام مع كابولاني إلى تكانت وأدرار وهو يقول:« وداعا ترارزة الغربية وداعا للوظائف السياسية والإدارية ... إلى الإمام إلى المغامرة . (
    2- احتلال البراكنة (1904م):
    بعد السيطرة الكاملة على إقليم الترارزة، والقضاء على القبائل المتمردة، وتعزيز المنطقة بخطوط دفاعية، وجه كابولاني أنظاره إلى المناطق المجاورة؛ حيث كانت سياسته تقوم أساسا على التوسع نحوها لتأمين المناطق الفرنسية، وإخضاع المتمردين
    وبعد أن تم له ذلك، وأخضع الترارزة، كانت وجهته الجديدة هي البراكنة .
    الجدير بالذكر أن البراكنة كانت تحت الحماية الفرنسية، وذلك تبعا للاتفاقية التي وقعتها فرنسا مع أمراء الترارزة، والتي ضمت أيضا وجهاء البراكنة، حيث أعلن أميرها خضوعه للسلطات الفرنسية في 1902م، ليلتقي كزافييه مرة أخرى بالأمير في ماي 1903م، كما التقى برؤساء بعض أفخاذ الأمير، وقد أعلن هؤلاء وأميرهم خضوعهم للفرنسيين، ويشير "بول" مرتين في هذا الصدد، أن خضوع الأمير جاء إثر ضغط كابولاني، لكنه تراجع عن موقفه، والتحق بصفوف المقاومة مع أمير تكانت بكار ولد أسويد .
    كما أن القبائل الموجودة في كل من البراكنة وتكانت، خاصة قبيلة أولاد عبد الله وقبيلة إدوعيش، أعلنوا رفضهم للفرنسيين، لذلك قامت هذه القبائل بمجموعة من العمليات التخريبية على امتداد منطقة النهر، التي شملت عمليات السطو والنهب المستهدفة كل القبائل الموالية لفرنسا ، وهذا لأن أمير البراكنة كان أحمد ولد سيدي أعلي، المهادن للسلطات الفرنسية، على عكس أمير تكانت بكار ولد أسويد المعروف بمعارضته لهم ومن هنا، يظهر بأنه لم يكن احتلال البراكنة ومال وكوركول سهلا، كما حدث في الترارزة بحكم أن هذه المناطق، كانت تحت مجال أولاد عبد الله وإدوعيش، لذلك بدأ كابولاني في تجهيز قواته، وتنظيم خطته العسكرية، ففي ديسمبر 1903م، أجمعت بعثة كابولاني في بوكي لتجهيزها كنقطة تموين، وأنشأت فرقة لحماية البعثة، تحت قيادة النقيب شوفو، وتتكون من:




  • ثلاث كتائب من فرسان وكتيبة واحدة من القناصة السينغاليين، تحت قيادة
    الملازمان "شيري" و"ديفور".




  • مفرزة من الحرس الحدودي، تحت قيادة الملازم أربوكيست




  • قسم المدفعية الجبلية، تحت قيادة الملازم كوباي.




  • حرس قومي على الخيل مساعد شؤون المحليين .
    بعد وصول البعثة إلى ألاك في ديسمبر، انتقل كابولاني هو الآخر برفقته 80 من رماة و.5 من الفرسان والجمالة السود، تحت قيادة السيد الستر دي ري ، وفي هذه الأثناء، عارض أمير البراكنة أحمد ولد سيد أعلي التقدم الفرنسي، واتصل بأمير تكانت بكار ولد أسويد، حيث أرسل هذا الأخير رسائل إلى كامل التراب البيضاني، يحثهم فيها على الجهاد، وقد نجح في اقناع بعض زوايا المنطقة ، وعلى إثرها تم الهجوم على البعثة في ألاك ، أين وقعت معركة الكدية ليلة 18 سبتمبر 1903م ، لتليها مجموعة من المناوشات بين الطرفين مثل: موقعة مال ضد إيدوعيش في 28 ديسمبر1903م، وموقعة مويت في 17 فيفري 1904م ، ورغم هذه الجهود التي قام بها أمير تكانت وأمير البراكنة لمنع التقدم الفرنسي، ألا أنها باءت بالفشل، ليكون النصر حليفا لفرنسا.
    نتج عن احتلال البراكنة تأسيس جملة من المراكز العسكرية، لتعزيز الوجود الفرنسي بالمنطقة، والاستفادة منها كمراكز لاحتلال المناطق المجاورة، ومن أبرزها مركز ألاك وكوركول ، ومركز مال وميت، ومركز بياخ وأميود ، إضافة إلى بروز نوع من المقاومة الدينية في المنطقة من طرف محمد عبد الجليل، حيث مارس هذا الشيخ الفقيه مقاومة صامتة من خيمته معتزلا من خلالها رجال الإدارة الاستعمارية، كما عمل على مقاطعة الفرنسيين .
    كما أدى إلى إرسال كابولاني مجموعة من الرسائل، أين بعث بها إلى الشيخ محمد عبد الجليل، يخيره فيها بين السلم والحرب، إما بالكف والتنازل عما يكنه من عداء لفرنسا، أو سيتم اتخاذ الإجراءات ضدهم .
    من خلال دراستنا للاحتلال في مرحلته الأولى، يبدو لنا أن إمارة الترارزة دخلت فعلا ضمن الممتلكات الفرنسية بالمنطقة ابتداء من سنة 1903م، وهذا بفضل حنكة كابولاني، الذي استطاع استغلال ما كانت تعانيه المنطقة من صراعات داخلية بين أفراد القبيلة حول السلطة والحكم، إضافة إلى تقربه من الشخصيات الدينية والرئيسة التي كانت تلعب الدور الرئيسي في تسيير شؤون المنطقة، وهو ما تفطن له كابولاني واستغله بذكاء، ليتم تتويج كل ذلك في 18 أكتوبر 1904م، بمرسوم جعل من إقليم موريتانيا إقليما مدنيا، كما منح كابولاني سلطة مفوض الحكومة العامة، لينتقل بعدها إلى الشطر الثاني من مشروع الاحتلال، للقضاء على جميع المقاومات في البلاد.
    2- مرحلة الإخضاع العسكري:
    1- احتلال تكانت (1905م):
    بعد سيطرة كابولاني على إقليمي الترارزة والبراكنة، قطع بذلك شوطا كبيرا من مشروعه؛ حيث استولى على نصف البلاد دون خسائر تذكر، ونتيجة لتصاعد المقاومة واتساع رقعتها، انتقل كابولاني إلى أهم جزء من مشروعه الاستعماري، ألا وهو تكانت متخليا فيه على شعار التسامح الديني والتعايش السلمي، ليكون عنوانه الجديد استخدام القوة والسلاح، والقضاء على أي معارضة للوجود الفرنسي.
    انتقل بعد ذلك كزافييه إلى اخضاع إمارة تكانت وأدرار تحت السلطة الفرنسية، حيث جهز حملة عسكرية كبيرة وشجع لكل من يساعده عللا ذلك بمنحه ميدالية عسكرية تقديرا لذلك، ومن خلال مرسوم 28 أكتوبر 1904م، القاضي بأن موريتانيا منطقة مدنية وأن كابولاني مفوضا عاما عليها، وقد نجحت حملته للقضاء على قوات ادوعيش بتكانت وتفريقها كما تمكن من القضاء على أميرها بكار ولد أسويد أحمد في 1 أفريل 1905م، الذي رفض الاستسلام، ونتج عن ذلك تأسيس مركز اداري بتجكجة .
    ومن خلال ما سبق نستنتج أن بوادر المقاومة المنظمة، اتضحت أكثر في إقليم تكانت، نظرا لأنها اعتبرت في نظر الفرنسيين محلا لاستقطاب المعارضة، ومخبأ سياسي لجميع القوى الرافضة للخضوع للإدارة الفرنسية، لذا فيمكن القول: بأن مرحلة التوغل السلمي انتهت بعد أن غير "كابولاني" وجهته الى المواجهة العسكرية، ونجد أيضا بأن كزافييه حقق خلال الشوط الثاني من مشروعه نجاحا كبيرا، حيث تمكن هذا الأخير من القضاء على مقاومة الأمير بكار ولد أسويد، التي ستكون سببا في نهاية مخططه الاستعماري، و التي جعلت فرنسا في وضع حرج، بعد تصاعد حركة المقاومة.
    3- نتائج المخطط الاستعماري لكابولاني بموريتانيا:
    بعد استكمال عملية ضم منطقة الترازة والبراكنة سلميا، تم توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات مع أمراء المنطقة، وواجه كابولاني خلالها صعوبات عديدة في سبيل إخضاع إقليم تكانت وأدرار بسبب حدة المقاومة، وتعنت القبائل الرافضة لأي أسلوب يرمي الى التوسع الفرنسي، ما جعل كابولاني يصطدم مع سيدي مولاي الزين ويقع في كمينه، وخلف كابولاني الرائد مونتاني ليواصل الإخضاع العسكري لباقي المناطق الموريتانية.
    1- اغتيال كزافييه كابولاني:
    بعد استشهاد بكار ولد أسويد أحمد، رأى سيدي ولد مولاي الزين في منامه أنه قتل ثعبانا، فأولها بقتله لكابولاني، حسب تفسير شيخ الطريقة الغطفية ، فخطط مولاي الزين لذلك بسرية وجرأة، فجند 20 رجلا، ووزع عليهم أسلحة قديمة وفي طريقهم الى تجكجة التقوا بشخص سبق له العمل في المعسكر، فأخبرهم عن حالة الحرس ومواقعهم .




  • هجوم سيدي ولد مولاي الزين على قلعة تيجكجة:
    لإنجاح عملية الهجوم، اعتمد على تنفيذ الخطة القائمة على التزام الصمت أثناء التقدم، وأنه سيتقدم أولا مع ابنه "الل"، وأن ينتظروا إشارة الهجوم وهي : الله أكبر، وبعد إعلانها من طرف الشريف، دخل المجاهدون مع الرعاة فورا من الباب الشمالي، فاستشعر الحارس تحركاتهم وتسللهم على بعد 100 متر من المدخل ، فوقعت مناوشات أمام باب المدخل، بالرغم من تنقل الحراس وتواجدهم على مسافة 50 متر.
    أما كابولاني فقد كان يتناول العشاء في تلك الليلة، مرتديا ثيابا بيضاء ممدا على كرسي، ثم توجه بعد ذلك إلى ساحة القلعة، واضعا مرفقيه على جدار حائط باب الدخول يتحدث مع ندمائه، حول موضوع ضم أدرار، وعن رفض وزير المستعمرات "دوميرك" لعملية إخضاعها، وبعد ذلك خطى على الأرضية الأمامية لمقره خمسة أو ستة مسلحين، وخلال تجواله كعادته قبل خلوده إلى النوم عند التاسعة وخمس وعشرون دقيقة رأى الحارس "ولد مبارك" و"سيدي ولد الزين" يحملان اللبن أمام باب القلعة، أما "أرنو" ففي الحراسة كعادته خلال تلك اللحظة، والبعض الآخر كان يلعب بالورق، أما النقيب "جيرار" و"أفري جان" فقد كانوا نائمين .
    في ظل تلك الظروف السابقة أعلن "سيدي" إشارة الهجوم "الله أكبر" وأنقض على أحد الضباط بالسيف فشح رأسه، ورد عليه الضابط برصاصة من مسدسه سقط على إثرها شهيدا، أما كابولاني فقد أطلق عليه النار من طرف أحد المجاهدين فأصابه اصابة قاتلة، وصاح "مات كابولاني"
    تمكن كابولاني بعد إصابته بالفرار بجراحه إلى أحد الغرف يصارع الموت ويصفه "كولومباني" بقوله: « وصلت أنا والضابط شيري إليه في البداية وحاولنا رفعه إلى سريره ثم لحق بنا البقية حيث حاول الطبيب تقديم الإسعافات لكن جروحه كانت مميتة »، وأضاف أرنو قائلا: «... سألني هل كولومباني هنا؟ قلت نعم ثم سألني هل أصيب أحد الأوروبيين وفي هذه اللحظة فقد حياته وكانت الساعة حوالي التاسعة والنصف ...»، ثم قال له: « أرنو أنا ميت لقد قتلني البؤساء» وهو ينزف بغزارة، فتركه "أرنو" مع الملازم "شيري" للبحث عن الطبيب، وبعد تمكنه من التوصل إليه، رافق الطبيب إلى غرفته لتضميده، ثم تم نقله إلى غرفة الأكل فأخبره الطبيب أن الرصاص اخترق جوفه وظهره .
    نتج عن هذا الهجوم استشهاد أربعة شهداء في ساحة المعركة، أما الخسائر الفرنسية اضافة إلى كابولاني قتيلين وأحد عشر جريحا .
    في الأخير يمكن أن نقول أن نجاح عملية اغتيال كابولاني، كونها قائمة على أساس
    الدعوة إلى الجهاد، وما قدمه مؤسس الطريقة الغطفية من الدعم المادي والمعنوي والاعتماد على الطابع السري في الهجوم، ويمكن القول أنه بالرغم من قلة إمكانيات المجاهدين، إلا أنهم تمكنوا من قتل كابولاني انتقاما لمقتل سيدي مولاي ولد الزين.
    2- فرض الحماية الفرنسية واستكمال الإخضاع العسكري:
    بعد ذلك خلف كابولاني الرائد مونتاني في الوقت الذي زادت فيه قوة وحماسة المقاومة خصوصا على يد أمير أدرار ولد عيد والشيخ ماء العينين، وفي ظل هذه الظروف الحرجة بالنسبة للفرنسيين فقد أخذوا الحيطة والحذر وحصنوا مراكزهم الدفاعية وهذا لحماية المناطق المحتلة وإخضاع المزيد من المناطق الموريتانية .
    1- احتلال أدرار(1909م):
    مكن احتلال تكانت وتوفر المراكز الدفاعية الرائد مونتاني من تحقيق الهدوء النسبي داخل المناطق التي خضعت للسيطرة الفرنسية، إلا أن الأمر لم يدم طويلا بسبب حماس المجاهدين وهجرتهم إلى أدرار أين انفجرت نار الثورة فيها، والتفوا حول أميرها ولد عيد والشيخ ماء العينين في الوقت الذي أعلن فيه هذا الأخير الجهاد لإيقاف التوسع الفرنسي .
    كان غزو أدرار كان سلميا ودبلوماسيا في بداية الأمر، حيث استفاد مونتاني من الموالين للنظام الاستعماري، إلى أن حل غورو (Gouraud) محله واستقر بمدينة أطار عاصمة إقليم أدرار في جانفي 1909م، ، مستفيدا من التجربة السابقة لكابولاني التي اعتمدت على معرفة التضاريس والمجتمع الموريتاني، حيث أعرب عن نواياه الطيبة واحترامه للدين الإسلامي، وبذلك توافدت إليه القبائل طلبا للسلم والأمان، وهذا بعد صدور مرسوم سبتمبر 1908م، القاضي باحتلال منطقة أدرار، وفي نفس الوقت فقد كثف المجاهدون الموريتانيون من عملياتهم العسكرية ضد الفرنسيين، وفي هذا السياق توجهت حملة فرنسية بقيادة الضابط ريبو فاستولى على منطقة اكجوجت ثم أخذ طريقه نحو أدرار لاحتلالها، لكن ما إن وصل إلى منطقة أكرارت حتى لقي مقاومة عنيفة من الثوار المتربصين هناك وجرت بينهما معركة رهيبة كانت أولى المعارك التي تقع في أدرار، وعلى إثر ذلك تمكنوا من قتل الضابط ريبو قائد الحملة ، كما استشهد منهم ثلاثة مقاتلين ثم اتجه البقية نحو أكجوجت وحرروها من الحامية الفرنسية الموجودة هناك، وواصلوا مطاردة الفرنسيين.
    تجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين كانوا يريدون إخضاع أدرار بشتى الطرق السانحة لذلك، ولما رأى المقاومون الموريتانيون ذلك تيقنوا من ضرورة القضاء على هذه الحملة فدارت بينهما معركة في واحة المنيان، حيث تعرضت فرنسا لخسارة فادحة وعلى إثرها قتل قائد الحملة واستطاع الموريتانيون أخذ الأسلحة والجمال ، مما دفع بالفرنسيين إلى إعداد حملة كبيرة تتكون من 1000 جندي، من بينهم 700 من الرماة، 240 جمل، 30 من الفرسان 30 من أصحاب المدافع الثقيلة و150-200 من المجندين الموريتانيين ورأى القائد غورو أن هذه القوات تستطيع القضاء على الثوار ، وقد انقسمت هذه الحملة إلى فرقتين الفرقة الأولى بقيادة غورو وذلك باتجاه تجكجة، والفرقة الثانية بقيادة الرائد أفرير جان التي انطلقت من الترارزة لتلتقي مع فرقة غورو على مشارف أطار ، حيث دارت معارك طاحنة بين الجانبين كانت نتائجها سقوط العديد من القتلى والجرحى من الطرفين وعلى اثر ذلك تمكن الفرنسيون من الدخول إلى أطار واحتلالها في 09 جانفي 1909م ، فطلب أهلها الأمان نظير دفع 15 طن من التمر، وبالرغم من ذلك إلا أن المقاومة في هذه المنطقة بقيت متواصلة 5، حيث تمكنت من قتل عدد من الجنود والرماة السنغاليين وبرهنوا على مواصلتها رغم فقدانها لقاعدتها الأساسية في أطار، لكن الضعف بدأ يدب فيها وذلك لحداثة وتطور الأسلحة الفرنسية مقابل أسلحتهم .
    2- احتلال تشیشت:
    قام الفرنسيون بحملات أخرى بعدما تمكنوا من السيطرة على أدرار لإخضاع ما تبقى من الأراضي الموريتانية، حيث صدر قرار القيام بحملة عسكرية سنة 1911م، وهذا لقيام بعمليتين متزامنتين ، من تقوم الفرق الموريتانية باستطلاع تشيشت في منطقة الأنزي، ومن جهة أخرى تقوم فرق تمبكتو باستطلاع ولاته ودخلت فرقة تمبكتو إلى ولاته تحت قيادة العقيد رولي، في المقابل كانت مجموعة الفرق الموريتانية قد تشكلت في تجكجة تحت قيادة العقيد باتي، وتمكنت هذه الفرق من عملية الإتحاد المقررة، ومنها تم اكتمال تطويق الحوض تقريبا، وأصبحت هذه الأخيرة تحت السيطرة الفرنسية مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة1914م .
    رابعا: تقييم دور كزافييه كابولاني في موريتانيا
    بعد تطرقنا الى دور كابولاني في موريتانيا نجد بأن:




  • البرنامج الذي قدمه كابولاني لفرض الحماية على موريتانيا قد قدم كل التدابير التي تسهل مهمة الحماية بداية بتأمينه لكل المناطق المجاورة لموريتانيا خاصة دول المغرب والصحراء، لينظر بعدها في تحديد طبيعة السياسة التي يجب أن تتبع داخل البلاد والقوى التي يجب ترجيح كفتها، كما يبرز لنا كيف أثر المستوى الحضاري للشناقطة في أسلوب الإخضاع الاستعماري، ليثبت كزافييه للإدارة الفرنسية مدى حنكته وذكائه في نجاح مخططاته الاستعمارية.




  • إن الإستراتيجية التي تبناها كابولاني في موريتانيا تقوم على الحيلة والدهاء وذلك من خلال إظهار المثل الإنسانية الرفيعة والسماحة والوفاء والمرونة في المواقف مع الموريتانين، وفي الوقت نفسه بذر النزاعات وتغذيتها على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والفكرية في إطار سياسة فرق تسد.




  • كما عمل كزافييه على إنهاك القوى النشطة في المجتمع وتضعيف مردودها الجهادي، كما نصح بالامتزاج العرقي، حيث طلب من رجاله منذ دخوله تجكجة بالسعي للزواج من نساء موريتانيا ليتمكن من تعزيز مكانة فرنسا الاجتماعية إلا أن الموريتانين قاوموا هذه السياسة بالرفض ذلك لأنه يتعارض مع الدين الإسلامي.




  • وفي الأخير فإن ما وصل إليه كزافييه كابولاني منظر الحملة العسكرية الفرنسية في الإعلان عن فرض السيطرة على الأراضي الموريتانية وتحقيق الحلم الفرنسي في غرب افريقيا دون عناء يذكر، لم يكن وليد دراساته الميدانية فقط، بل يعود الفضل الكبير في ذلك الى البعثات الاستطلاعية التي سبقته لما جمعته من معلومات مستفيضة حول جغرافية المنطقة وما تحويه من ثروات وطبيعة حياة البيضان.




تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يتميز الاقتصاد ...

يتميز الاقتصاد الفلسطيني بخصوصية عالية بالرغم من كونه اقتصاد صغير الحجم فهو يعاني من تشوهات واختلالا...

تسعى صناعة الرع...

تسعى صناعة الرعاية الصحية باستمرار إلى إيجاد حلول مبتكرة لتحسين نتائج المرضى والكفاءة التشغيلية. من ...

وثلاثين سنة للب...

وثلاثين سنة للبليون الثاني (من 1930 - 1960)، وخمسة عشر سنة للبيليون الثالث (من 1960 (1975)، فإننا عش...

أداة تقييم الثق...

أداة تقييم الثقافة التنظيمية OCAI صمم الأداة Cameron &Quinn (1999) أداة لتقييم الثقافة التنظيمية T...

أضحت أدوار المع...

أضحت أدوار المعلمة في تعزيز الأمن الفكري والتصدي للانحرافات الفكرية التي قد تتعرض لها الطالبة ضرورة ...

‎الانتماء الدين...

‎الانتماء الديني واحد من أقدم الانتماءات في حياة الإنسان؛ لأنه مرتبط بطبيعته وتركيبته العقلية والنفس...

شهد العالم ثورة...

شهد العالم ثورة صناعية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي كانت العامل الرئي...

تتمكن القيادة ا...

تتمكن القيادة المدرسية من تحسين وتطوير الجوانب الرئيسة في عمل المدرسة وبفضل المحافظة على الأداء الجي...

online question...

online questionnaire among working and non-working Egyptian females.Fifty-three percent of the parti...

הטענה הראשונה ש...

הטענה הראשונה שלי היא כי בתי ספר ייחודיים מציעים הזדמנויות חינוכיות משופרות. בניגוד לבתי הספר הסטנדר...

Je me souviens ...

Je me souviens d'un jour à l'école au Nous avons organisé une kermesse c'était un évènement très att...

ال في ضوء مطلع ...

ال في ضوء مطلع بوا إلى ملاحقة الملك بنكه او سانم به بر انتصافت. طة قام الانكبار REFRACTOMETRIC MET...