لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

كانت صورته المتخيَّلة تملأ أفكاره ومشاعره، لقد مرّ بشوارع مرسيليا، وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار، أورثت في صدره ضيقًا شديدا، ولكنه نسي كلّ شيء إذ دخل القطار محطة ليون عما قليل، سيتحقق الحلم المستحيل بعد ردح قصير ستبدأ الحياة التي ما انفك يعيشها في الخيال، منذ أن تهيأت له أسباب السفر إلى باريس
فعرته انتفاضة لصوت سائق السيارة التي أقلته ورفيقيه من «محطة في الحي؟ أي فرق إذن؟ حين كان يُذكر أمامه اسم «الحي اللاتيني» كانت تنفر إلى مخيلته صور حي من أحياء بيروت القديمة، ما دام ساكنوها طلابا فقراء قدموا إلى العاصمة الفرنسيَّة من مختلف أنحاء الدنيا طلبا للعلم والمعرفة، فليس هو شعور الاطمئنان الذي يغمره إذ تمر بمخيلته هذه الصور التي اخترعها خياله . شوارع فسيحة ليس في بلاده، مثلها جمالاً ونظافة وانتظاماً، وأبنية فخمة مرتفعة كأحدث الأبنية الكبرى التي بدأت منذ حين تنتصب في الشوارع الرئيسية من عاصمة وطنه، ينبغي أن تكون هذه بلاداً أسطورية العظمة، حتى يستحق الطلاب فيها حيا كالحي اللاتيني. فإن عليه أن ينظم مخيلته من جديد، أن يطبع الصور بهذا الواقع الذي يُفسد عليه عالما كان قد رتب شؤونه واطمأن إليه. تلك هي غلطتك الكبرى حسك هذا الذي يريد أن يتنبأ بكل شيء، دع شؤونك مرّة تجري في أعنّة المفاجأة، وحطم هذه القوانين الصارمة التي تحيط بها نفسك دون ما جدوى.قلتم رو ديزيكول» رقم ٩٤٣
ولكن لماذا قدم إلى باريس في الحق؟ أفراراً من. أُخْرِس هذا الفضول إنك الآن في باريس، عش قليلاً دون ما تفكير وتدبير عش بوهيميا . لعلك تدرك فيما بعد السبب العميق لمجيئك، إن أغلالاً ثقيلة تربطني به ذلك الماضي، وستتعذب لتلقي دونها حجاباً يسترها . ينبغي أن تتعذب أن تصهرك المحن إذا شئت أن يكون لحياتك هذه الجديدة معنى. وإلاّ فَلِمَ لم تبق هناك؟ أنت على يقين من أن هذه السنوات الأخيرة كانت في حياتك إخفاقاً ذريعاً، وأنَّ هذا الإخفاق هو الذي أقنعك بأنه ينبغي لك أن تبلو الحياة وتجربها في أعمق مجالاتها. أفيكون إطار الحياة في شرقك ذاك أضيق من أن تُجدي فيه هذه التجارب؟
وبصوت رفيقه الآخر عدنان، هذا هو فندق كلود برنار ضمته وصبحي وتوقفت السيارة، فترجلوا منها لينقلوا إلى باحة الفندق محافظهم وصناديقهم الحبلى بالأطعمة والحلويات الشرقية. . وحين غرفتهما في الطابق الثالث، ولكنه رأى أطياف الفرحة تجول في عيني صديقه . وأحس بدبيب أقدام هذه الأطياف في عينيه بالذات. صحيح أنه استشعر الوحشة من هذه الجدران المسودة التي تطلّ على الشوارع. ولكنَّ شعور السعادة الصارخة كان أقوى من أن تثبت له هذه الأحاسيس الغامضة الحزينة ونهض فغسل وجهه، وكان يهم بخلع ثيابه حين رأى صبحي ينتفض واقفا ويبتدره كانه مذعور
- ماذا تعمل؟ الظاهر أن بودك أن تنام؟ - طبعا . الستما تعبين مثلي؟ ثم إنَّنا لن نخرج إلى السهرة،قال صبحي هادرا : - بل لأنها أول ليلة بالذات، نود أن نسهرا ثم أقبل عليه يتهدده بقبضة يده: هذا الخمول سأخنقه بكلتا يدي لا راحة بعد اليوم. أتظن أنك أتيت إلى باريس لتنام؟ هذا عار عليك. أراك بدأت بخلع ثيابك؟ لا بأس، ولكن البس بعد ذلك ثوباً نظيفاً أنيقاً يليق بسهرة باريسية .ولكن،الهاطل ؟
وفي تلك اللحظة دخل عليهما عدنان، وقال لهما بلهجة هادئة
فيما هو يُحس الانقباض، وغاظه أكثر أنَّ عدنان لم ينسلخ عن طبيعته الباردة في مواجهة الأمور والأحداث. كم كان يود لو يجرؤ يوما عليه فيمسك به من كتفه، ويشرع في لكمه في وجهه وعينيه وصدره عساه يفيق من هذه البرودة المثلوجة التي يقضي في أمواجها حياته بينا هو يعيش في لفحات اللهيب ومع ذلك، أكانت هذه الطبيعة تبغض إليه عدنان؟ إنَّها لتحببه إليه في الواقع وتدنيه منه، كان في اختلاف طبيعتهما دافعا إلى التعاطف والمحبة. حتى تمكن مرحهما من أن يُعديه. وإن هو إلا أن ارتدى ثوبه الشتوي، سعداء، ما دام اليوم يوم عيد .ولولا أن صبحي وعدنان كانا إلى جانبيه لشعر بالخوف والتهيب من أن ينتقل كذلك في أرجاء الحي اللاتيني. كان يحس إحساسًا عميقا بأنهما مثل أخوين له، يحيطانه بالرعاية ويردان عنه كل أذى. وقد استسلم لهما يقودانه حيث كانت أقدامهما تقودهما، وشعر بأن حبه لهما يتفاقم ويعمق. فإذا هممتقاريون في السن. وإذا في تفكيرهما مشابه من تفكيره، بينما هو يعد دكتوراه الآداب. ولكنهما كانا ينعمان بنصيب وافر من التذوق الأدبي، فكان يسكن إلى هذا القدر المشترك من الثقافة يشدّ أحدهم إلى الآخر.ودلفوا - أول ما دلفوا - إلى مقهى (ديبون) عند ملتقى رو ديزيكول» وہ بولفار سان ميشال».وغمرهم، كلفحة رياح باردة ضجيج الموسيقى وصخب الشبيبة الضاحكة الهازجة المثرثرة المنتثرة في أرجاء المقهى، جلوساً إلى الطاولات أمام كؤوس الخمر، أو وقوفا عند النوافذ المغلقة. وكان فيهم من يرود الممرات بين المقاعد، يتحدث حديثا خاطفًا إلى الجالسين، أو يلقي نكتة عابرة تنفجر لها ضحكات سافرة تزيد في صخب الأنغام المجنونة المنبعثة من مكبر موصول بغرامافون شبان يوحي مظهرهم بكل شيء إلا بالوقار وفتيات تلمع عيونهن ببريق الذكاء والخفّة والطيش، ثلاثة أنصاف . ويحررهما ، ولو كان عدنان وحده. إنَّما استمد كل منهم الجرأة على مقاومة الجوّ الجديد من قرب صاحبيه. وراحوا يغرقون صمتهم في البيرة، في كؤوس الأنصاف الثلاثة. كانوا يحاجة إلى ضحكة ترنّ في آذانهم فتشيع في جوهم المرح والحبور وتفلت ألسنتهم من عقالها.ولحظ إلى شفتي صبحي، بسمة لإحدى هاتيك الفتيات كانت واقفة عند طاولة، غير بعيدة عنهم، تحدث زنجيا حديثا ليس عليه طابع الاهتمام. فقط كانت تجيل طرفها في أرجاء المقهى كأنَّما تبحث عن أحد . بل مالها توليه ظهرها في غير ما اكتراث؟
وقد عاد هو صبحي، فغرق بصره في كاسه كـ كانما ليخفي خيبته. وطال بهم الجلوس، دون أن يتبادلوا إلا عبارات حائلة ما كان لها أن تنقذهم من جمودهم أهو حس الطهارة الشرقية الكامن في أعماقهم يُصاب بأوّل طعنة؟ أم أنها الخيبة التي تخلّفها البهجة المبتسرة إذا ما تجاوزت حدودها من الأحلام؟
وحين قال صبحي إنه بدأ يشعر بالتعب، أحس هو ببعض الشماتة، ومع ذلك، فقد كان في تلك المبادرة إنقاذ لهم جميعا . وخرجوا يسيرون الهوينا في رو ديزيكول». همس لصديقيه أنظرا هناك مقابل الفندق عند زاوية الباب الكبير. يتحركان بين لحظة ولحظة فينفصلان، ظلان أسودان ينصهران ظلاً واحداً بين لحظة
ولحظة. وتبادلوا نظرات باسمة .لم يستطع أن ينام، فلم يستطع أن ينام ونهض من سريره وهو يحرص على ألا يُحدث ضجة توقظ صبحي.ألم تتم بعد؟
وانتفض للعبارة التي نطق بها من كان يظن أنه نائم. وزاد غيظه أن صبحي أردف يقول: - كنت تقول إنك تعب!
وكان قد أعد جوابه، وحمله جماع غيظه المكبوت: بل أنت الذي قلت ذلك، واقترحت أن تقطع سهرتنا . عميق - صحيح . ولكني لم أستطع أن أنام.


النص الأصلي

الحي اللاتيني.
كانت صورته المتخيَّلة تملأ أفكاره ومشاعره، فتضرب دون كل ما سواها غشاوة كثيفة. لقد مرّ بشوارع مرسيليا، ولكنَّه لم يرها . وقضى فيها يومه كاملاً، ولكنَّه لم يُحسّها . وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار، أورثت في صدره ضيقًا شديدا، ولكنه نسي كلّ شيء إذ دخل القطار محطة ليون عما قليل، سيكون في الحي اللاتيني. سيتحقق الحلم المستحيل بعد ردح قصير ستبدأ الحياة التي ما انفك يعيشها في الخيال، منذ أن تهيأت له أسباب السفر إلى باريس



  • إنَّكم الآن في الحي اللاتيني. فعرته انتفاضة لصوت سائق السيارة التي أقلته ورفيقيه من «محطة في الحي؟ أي فرق إذن؟ حين كان يُذكر أمامه اسم «الحي اللاتيني» كانت تنفر إلى مخيلته صور حي من أحياء بيروت القديمة، تقوم ليون». أنحن حقا . فيه بيوت متواضعة، أغلب الظن أنّها من الخشب، ما دام ساكنوها طلابا فقراء قدموا إلى العاصمة الفرنسيَّة من مختلف أنحاء الدنيا طلبا للعلم والمعرفة، أما الآن، فليس هو شعور الاطمئنان الذي يغمره إذ تمر بمخيلته هذه الصور التي اخترعها خياله . شوارع فسيحة ليس في بلاده، ولا فيالشرق كلّه، مثلها جمالاً ونظافة وانتظاماً، وأبنية فخمة مرتفعة كأحدث الأبنية الكبرى التي بدأت منذ حين تنتصب في الشوارع الرئيسية من عاصمة وطنه، ينبغي أن تكون هذه بلاداً أسطورية العظمة، حتى يستحق الطلاب فيها حيا كالحي اللاتيني.
    وإذن، فإن عليه أن ينظم مخيلته من جديد، أن يطبع الصور بهذا الواقع الذي يُفسد عليه عالما كان قد رتب شؤونه واطمأن إليه. تلك هي غلطتك الكبرى حسك هذا الذي يريد أن يتنبأ بكل شيء، وأن يأخذ العدة لكل أمر. دع شؤونك مرّة تجري في أعنّة المفاجأة، وحطم هذه القوانين الصارمة التي تحيط بها نفسك دون ما جدوى.
    قلتم رو ديزيكول» رقم ٩٤٣
    فسارع صبحي يجيبه :
    تماما .
    ولكن لماذا قدم إلى باريس في الحق؟ أفراراً من... الخطيئة نفسها. أُخْرِس هذا الفضول إنك الآن في باريس، حسبك هذا. أتيت فلا تَسَلْ لِمَ أتيت . عش قليلاً دون ما تفكير وتدبير عش بوهيميا . لعلك تدرك فيما بعد السبب العميق لمجيئك، ربما تدرك ذلك إذ
    تعود إلى بلادك.
    ولكن ذلك يُعجزني. إنني لا أستطيع. إن أغلالاً ثقيلة تربطني به ذلك الماضي، وتلك الأجواء. أعرف ذلك. وستتعذب لتلقي دونها حجاباً يسترها . ينبغي أن تتعذب أن تصهرك المحن إذا شئت أن يكون لحياتك هذه الجديدة معنى... وإلاّ فَلِمَ لم تبق هناك؟ أنت على يقين من أن هذه السنوات الأخيرة كانت في حياتك إخفاقاً ذريعاً، وأنَّ هذا الإخفاق هو الذي أقنعك بأنه ينبغي لك أن تبلو الحياة وتجربها في أعمق مجالاتها. أفيكون إطار الحياة في شرقك ذاك أضيق من أن تُجدي فيه هذه التجارب؟
    وأحس بيد تهزه، وبصوت رفيقه الآخر عدنان، يقول له:
    وصلنا إلى ٤٣. هذا هو فندق كلود برنار ضمته وصبحي وتوقفت السيارة، فترجلوا منها لينقلوا إلى باحة الفندق محافظهم وصناديقهم الحبلى بالأطعمة والحلويات الشرقية. . وحين غرفتهما في الطابق الثالث، ارتمى كلّ منهما على سريره، وهو يلهث إعياء. ولكنه رأى أطياف الفرحة تجول في عيني صديقه . وأحس بدبيب أقدام هذه الأطياف في عينيه بالذات. صحيح أنه استشعر الوحشة من هذه الجدران المسودة التي تطلّ على الشوارع. ولكنَّ شعور السعادة الصارخة كان أقوى من أن تثبت له هذه الأحاسيس الغامضة الحزينة ونهض فغسل وجهه، وكان يهم بخلع ثيابه حين رأى صبحي ينتفض واقفا ويبتدره كانه مذعور

  • ماذا تعمل؟ الظاهر أن بودك أن تنام؟ - طبعا ... الستما تعبين مثلي؟ ثم إنَّنا لن نخرج إلى السهرة، لاسيما
    وأنها أول ليلة...
    قال صبحي هادرا : - بل لأنها أول ليلة بالذات، نود أن نسهرا ثم أقبل عليه يتهدده بقبضة يده: هذا الخمول سأخنقه بكلتا يدي لا راحة بعد اليوم... أتظن أنك أتيت إلى باريس لتنام؟ هذا عار عليك. أراك بدأت بخلع ثيابك؟ لا بأس، تابع عملك، ولكن البس بعد ذلك ثوباً نظيفاً أنيقاً يليق بسهرة باريسية .....
    فقاطعه يقول:
    ولكن، كن عاقلاً يا صبحي إننا تعبون. ثم ألا ترى هذا المطر
    الهاطل ؟
    فتمهل صبحي يقول كجد عجوز يخاطب حفيده ببطء ووثوق - سنسهر هذه الليلة لسببين: الأول أنها أول ليلة، والثاني أن المطر
    ها طل
    وفي تلك اللحظة دخل عليهما عدنان، وقد سرّح شعره وتعطر وارتدى ثوبا أنيقاً، وقال لهما بلهجة هادئة
    ألم تنتهيا بعد؟ الظاهر أنَّكما لا تزالان تحلمان ببيروت والشام؟ وأثار أعصابه حقا أن تنطلق نفسا صديقيه هذا الانطلاق، فيما هو يُحس الانقباض، وغاظه أكثر أنَّ عدنان لم ينسلخ عن طبيعته الباردة في مواجهة الأمور والأحداث. كم كان يود لو يجرؤ يوما عليه فيمسك به من كتفه، ويشرع في لكمه في وجهه وعينيه وصدره عساه يفيق من هذه البرودة المثلوجة التي يقضي في أمواجها حياته بينا هو يعيش في لفحات اللهيب ومع ذلك، أكانت هذه الطبيعة تبغض إليه عدنان؟ إنَّها لتحببه إليه في الواقع وتدنيه منه، كان في اختلاف طبيعتهما دافعا إلى التعاطف والمحبة.
    وظل صديقاه يحنانه على نفض الخمول عن كتفيه، حتى تمكن مرحهما من أن يُعديه. وإن هو إلا أن ارتدى ثوبه الشتوي، وربط عقدة اختارها له صبحي، حتى غادروا الفندق، سعداء، غير آبهين للأمطار كثلاثة أطفال لا يهمهم أن تسقط الثلوج وتلطّخ الأوحال أقدامهم، ما دام اليوم يوم عيد .
    ولولا أن صبحي وعدنان كانا إلى جانبيه لشعر بالخوف والتهيب من أن ينتقل كذلك في أرجاء الحي اللاتيني. كان يحس إحساسًا عميقا بأنهما مثل أخوين له، يحيطانه بالرعاية ويردان عنه كل أذى. وقد استسلم لهما يقودانه حيث كانت أقدامهما تقودهما، وشعر بأن حبه لهما يتفاقم ويعمق. لقد أنس إليهما منذ تمّ تعارفهم على ظهر الباخرة، فإذا هممتقاريون في السن. وإذا في تفكيرهما مشابه من تفكيره، وصحيح أنهما قدما العاصمة الفرنسية ليتخصَّصا في غير الفرع الذي أقبل يلتحق به فهما محاميان يودان أن يُعداً دكتوراه الحقوق، بينما هو يعد دكتوراه الآداب. ولكنهما كانا ينعمان بنصيب وافر من التذوق الأدبي، فكان يسكن إلى هذا القدر المشترك من الثقافة يشدّ أحدهم إلى الآخر.
    ودلفوا - أول ما دلفوا - إلى مقهى (ديبون) عند ملتقى رو ديزيكول» وہ بولفار سان ميشال». ديبون هذا الذي سمعوا عنه الكثير من رفاق لهم مكثوا في باريس ردحا من الزمن ملتقى المتحرّرين أبعد حدود التحرر من فتيان الحي اللاتيني وفتياته
    وغمرهم، كلفحة رياح باردة ضجيج الموسيقى وصخب الشبيبة الضاحكة الهازجة المثرثرة المنتثرة في أرجاء المقهى، جلوساً إلى الطاولات أمام كؤوس الخمر، أو وقوفا عند النوافذ المغلقة. وكان فيهم من يرود الممرات بين المقاعد، يتحدث حديثا خاطفًا إلى الجالسين، أو يلقي نكتة عابرة تنفجر لها ضحكات سافرة تزيد في صخب الأنغام المجنونة المنبعثة من مكبر موصول بغرامافون شبان يوحي مظهرهم بكل شيء إلا بالوقار وفتيات تلمع عيونهن ببريق الذكاء والخفّة والطيش، ويخيل للناظر أنَّهنَّ يعشن ليعطين ما يُطلب منهن. ثلاثة أنصاف ....
    كأنما قالها عدنان ليتحرر من التهيب الذي عراه، ويحررهما ، لو أنه كان وحده لقفل خارجاً قبل أن تخطو قدمه خطوة ثانية في المقهى ولو كان صبحي وحده.. ولو كان عدنان وحده.. إنَّما استمد كل منهم الجرأة على مقاومة الجوّ الجديد من قرب صاحبيه. ولكن كيف لهم بأن يمزقوا هذا الحجاب الكثيف من الصمت الذي ران على شفاههم؟ أي شيء يوفر هذه البهجة الجذلة التي تنفر من عيون الشبان والفتيات حولهم؟
    وراحوا يغرقون صمتهم في البيرة، في كؤوس الأنصاف الثلاثة. كانوا يحاجة إلى ضحكة ترنّ في آذانهم فتشيع في جوهم المرح والحبور وتفلت ألسنتهم من عقالها. كانوا بحاجة إلى إحدى هاتيك الفتيات اللواتي....
    ولحظ إلى شفتي صبحي، فإذا عليهما بسمة.. بسمة لإحدى هاتيك الفتيات كانت واقفة عند طاولة، غير بعيدة عنهم، تحدث زنجيا حديثا ليس عليه طابع الاهتمام. فقط كانت تجيل طرفها في أرجاء المقهى كأنَّما تبحث عن أحد . ولا بد أن بصرها التقى مصادفة بنظرة صبحي ا المتلهفة فولدت من اللقاء بسمة على شفتيه، ولكن ما بالها تصرف بصرها بسرعة عن صبحي، بل مالها توليه ظهرها في غير ما اكتراث؟
    وقد عاد هو صبحي، فغرق بصره في كاسه كـ كانما ليخفي خيبته. وطال بهم الجلوس، دون أن يتبادلوا إلا عبارات حائلة ما كان لها أن تنقذهم من جمودهم أهو حس الطهارة الشرقية الكامن في أعماقهم يُصاب بأوّل طعنة؟ أم أنها الخيبة التي تخلّفها البهجة المبتسرة إذا ما تجاوزت حدودها من الأحلام؟
    وحين قال صبحي إنه بدأ يشعر بالتعب، وحين قال عدنان إنه بدأ يشعر بالنعاس، أحس هو ببعض الشماتة، ومع ذلك، فقد كان في تلك المبادرة إنقاذ لهم جميعا . وخرجوا يسيرون الهوينا في رو ديزيكول». وإذ بلغوا باب فندقهم، همس لصديقيه أنظرا هناك مقابل الفندق عند زاوية الباب الكبير. شبحان متعانقان، يتحركان بين لحظة ولحظة فينفصلان، ثم يلتصقان دون نأمة. ظلان أسودان ينصهران ظلاً واحداً بين لحظة
    ولحظة. وتبادلوا نظرات باسمة . ثم دخلوا الفندق على مهل ودون أن ينبسوا بكلمة، دخل هو وصبحي غرفتهما، ودخل عدنان غرفته. نسي كل منهم أن يتمنى للآخر ليلة هادئة.
    لم يستطع أن ينام، وأغمض عينيه، فلم يستطع أن ينام ونهض من سريره وهو يحرص على ألا يُحدث ضجة توقظ صبحي.
    ألم تتم بعد؟
    وانتفض للعبارة التي نطق بها من كان يظن أنه نائم. وشعر ببعض الحنق . وزاد غيظه أن صبحي أردف يقول: - كنت تقول إنك تعب!
    وكان قد أعد جوابه، وحمله جماع غيظه المكبوت: بل أنت الذي قلت ذلك، واقترحت أن تقطع سهرتنا ... فذاب حنقه إذ سمع صبحي يقول بصوت هادئ، عميق - صحيح .. ولكني لم أستطع أن أنام. لا أدري ماذا يقلقني! وتوجه هو إلى النافذة دون أن يهتم بالإجابة، ولكنه ما لبث أن شعر بصديقه واقفا إلى جانبه يحدق مثله في زاوية الباب الكبير.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لأن كل دولة تسع...

لأن كل دولة تسعى إلى فرض ضرائبها بما يحقق سياستها المالية، فلا شك أن يحدث اختلاف بين القوانين الضريب...

إن الاضطرابات ا...

إن الاضطرابات السيكوسوماتية هي مجموعة من الاضطرابات أو الأعراض الجسمية التي تحدثها عوامل انفعالية تت...

. توسع منظمة أو...

. توسع منظمة أوبك إلى أوبك أدى ظهور النفط الصخري الأمريكي إلى تغيير هيكل إنتاج النفط العالمي بشكل ك...

Date palm (Phoe...

Date palm (Phoenix dactylifera) contains 12 of the 1500species that belong to the date palm family. ...

تصنيف المنتجات ...

تصنيف المنتجات التأمينية في سوق التأمين السعودي: يذكر العاملون في صناعة التأمين عدة تصنيفات للمنتجات...

الإيراد في الاق...

الإيراد في الاقتصاد هو الدخل الذي تحققه الشركة أو المصنع أو المؤسسة التجارية من نشاط أعمالها التجاري...

المقدمة يسعدني...

المقدمة يسعدني ان اكتب في هذا الموضوع الهام وسوف أقوم بذكر كل المعلومات التي تفيدكم وساحاول قدر الا...

يتلقى كثيرون من...

يتلقى كثيرون من أفراد الشعوب النامية من القنوات الفضائية وشبكة الانترنت والوسائط الأخرى لنقل المعلوم...

تأثير تناول الح...

تأثير تناول الحبة السوداء على التهاب الممرات الهوائية وتضيق جريان الهواء عند مرضى الربو المتحكم بهم ...

مدى سير كبير إ...

مدى سير كبير إحدى أهم مميزات بطاريات أيونات الليثيوم هي أنها تتيح للسيارات الكهربائية تحقيق مدى قيا...

Regarding hardn...

Regarding hardness: Tablets produced by subjecting them to high pressure show higher hardness compar...

تؤمن مصر بحقوق ...

تؤمن مصر بحقوق ذوي اإلعاقة باعتبارهم شركاء في الوطن، يسهمون في بناء الوطن، ويدعمون أمنه واستق ارره، ...