لخّصلي

درس لويس مورغان مصطلحات القرابة التصنيفية سعياً لكشف العلاقات التاريخية بين هنود أمريكا وشعوب آسيا، معتمداً على مقارنة هذه المصطلحات. استخدم مورغان، كما فعل من تبنّى آراءه، التاريخ الظني وافتراضات غير مثبتة، متذرعاً بزواج الجماعة لتفسير المصطلحات. لكن، انتقد شتاركه هذه الطريقة، معتبراً إعادة بناء المجتمعات السابقة من خلال مصطلحات القرابة أمراً خاطئاً. على الرغم من نسيان اسمه، إلا أن آراء شتاركه أثرت في علماء ككروبر وراد كلف بروان. اتفق كروبر مع شتاركه في عدم جدوى إعادة بناء الماضي من دراسة مصطلحات القرابة، لكنه رفض فكرة العلاقة الحتمية بين مصطلحات القرابة ونظم الزواج، على عكس راد كلف بروان الذي أكد وجود هذه العلاقة، وإن كان ذلك يتطلب دراسات ميدانية. يرى النص أن رأي كروبر أقرب للدقة، إذ لا يوجد بالضرورة تلازم بين نظام زواج معين ومصطلحات قرابة محددة، كما يتضح من أمثلة مختلفة، مُشيراً إلى أن وجود ظاهرة لا يستلزم بالضرورة وجود أخرى، وأن البناء الاجتماعي العام يلعب دوراً أساسياً في تفسير نظام مصطلحات القرابة.

ان اهتمام لويس مورقان بموضوع مصطلحات القرابة التصنيفية (وهو الذي أطلق عليه هذا (الاسم) كان جزءا من خطه نبتت في فكره في الأصل عن امكان الكشف عن العلاقات التاريخية بين هنود امريكا وشعوب اسيا عن طريق دراسة مصطلحات القرابة التي يستخدمها الهنود الحمر في شمال أمريكا. وقام مورقان على هذا الاساس بجمع مقادير كبيره من هذا المصطلحات وعكف مقارنتها بعضها ببعض اي ان اهتمامه بمصطلحات القرابة عموما لم يكن موجها لأية اغراض اجتماعيه في الاصل وانما كان يهتم بها من الناحية الاثنولوجية البحتة. وأوقعه ذلك كما هو الحال مع مورقان دائما في كل نظرياته في الاعتماد على التاريخ الظني وافتراض الافتراضات التي لا تجد لها سندا من الواقع وهو يحاول الكشف عن العلاقات التاريخية بين شعوب الأرض عن طريق مقارنه مصطلحات القرابة. وحين تطرق مورقان الى تفسير هذا المصطلحات التي تطلق على أكثر من شخص واحد يمثلون من حيث الواقع درجات مختلفة من القرابة لجأ كما هو شأنه دائما الى زواج الجماعة.

ولقد وجد مورقان من بين العلماء في القرن التاسع عشر من حاول التدليل على صحه أرائه والدفاع عنها, ولكنهم جميعا لجأوا في ذلك الى التاريخ الظني واعتمدوا اعتمادا كبيرا على مصطلحات القرابة عند الشوكتو والأوماها اللذين أشار اليهما مورقان، وهي كلها نظريات تقوم على اساس محاوله ایجاد علاقه منطقيه بين شكل الزواج والمصطلحات السائدة في المجتمع فاذا كان الرجل عند الشوكتو يطلق على أولاد خاله نفس المصطلحات التي يطلقها على اولاده هو نفسه اي ابن او ابنة فان ذلك يرجع في رأي هؤلاء العلماء الى ان الرجل الحق في ذلك المجتمع والمجتمعات الأخرى التي تتبع نفس النظام في ان يتزوج ارمله خاله وبذلك فان اولاد خاله من تلك المرأة التي سوف يتزوجها هو بعد وفاه خاله يكونون بمنزله اولاده هو منها . واذا كان الشخص عند الأوماها يطلق على بنت خاله نفس الاصطلاح الذي يستخدمه لامه فان ذلك يرجع الى ان الرجل الحق هناك في أن يتزوج من ابنه اخ زوجته,وعلى ذلك فان بنت اخ الزوجة تكون بالنسبة له بمنزله الزوجة نفسها ولما كان اخو الزوجة هو خال الأولاد، وابنته هي بنت خال الأولاد فإنها تكون بالنسبة لهم في الوقت ذاته بمنزله الام مادام لأبيهم الحق في الزواج منها، كما ان الأولاد الذين تنجبهم من أي رجل يكونون بمنزله الإخوة بالنسبة اليهم مادام ذلك الحق قائما ولقد رأى شتاركه من الخطأ ان نحاول اعاده تركيب المجتمعات السابقة باستخدام مصطلحات القرابة وان نستدل منها على نوع النظم الاجتماعية واشكال الزواج التي كانت سائدة في الماضي على ما كان يفعل مورقان . و لم يكن شتاركه ينكر بذلك وجود علاقه قويه بين مصطلحات القرابة السائدة في أي مجتمع من المجتمعات والعادات والتقاليد و بعض النظم الموجودة في ذلك المجتمع وان ثمة تلازما في الوقوع بين نوع معين من المصطلحات و نوع معين بالذات من انماط السلوك بل ومن النظم القانونية بالذات بل وانه ذهب في ذلك الى حد القول بأن نظم مصطلحات القرابة هو مقياس دقيق يعكس العلاقات القانونية القائمة بين الاقارب الأقربين داخل القبيلة, وأن الأجدى على الباحث هو أن يبحث عن العلاقات القائمة بين نظام المصطلحات القرابية وتلك العلاقات القانونية في المجتمعات الإنسانية المختلفة

ومع ان اسم شتاركه كاد يطوي في ثنايا النسيان فأن اراءه أثرت تأثير كبيرا في عدد من العلماء

في كل من أمريكا وبريطانيا مثل كروبر وراد كلف بروان وان كان هذا لا يعني انهما وبخاصة كروبر يقبلان كل آرائه قبولا تاما. فلقد اتفق كروبر معه في وجهه النظر القائلة بعدم جدوى محاوله اعاده تركيب الماضي من دراسة مصطلحات القرابة المستخدمة عند الشعوب ((البدائية)) ومع ادراكه بوجود علاقة ما بين مصطلحات القرابة ونظم الزواج وانماط السلوك والعادات والتقاليد، فانه كان ليذهب الى ان من الخطأ القول بوجود علاقة دائمة ولازمه بين التشابه والاختلاف في مصطلحات القرابة من ناحية وتشابه او اختلاف النظم الاجتماعية وبخاصة العادات والممارسات المتعلقة بالزواج والانجاب والوراثة من الناحية الأخرى، أي انه كان يرفض القول بأن وجود مصطلحات معينه (تحتم) وجود نوع معين من الزواج. فقد نجد مثل هذا التلازم في بعض قبائل استراليا، ولكنه لا يوجد عند قبائل الهنود الحمر الذين يسكنون في كاليفورنيا وقد عارض راد كلف بروان راي كروبر صراحة وذهب الى انه في كل انحاء العالم)) لابد من وجود علاقة تلازم قوية بين نظام مصطلحات القرابة وبين العادات والاوضاع الاجتماعية، وأنه إذا كان كروبر لم يعثر على هذا التلازم في كاليفورنيا فذلك راجع الى اثنتين: اما انه لم يهتم بالبحث عنه، وأما أن زمن البحث عن مثل هذا التلازم قد فات وانقضى نظرا للتغيرات التي حدثت عند فلول قبائل كاليفورنيا .

ومع ذلك فقد حرص راد كلف بروان على ان يبين بوضوح انه لا يمكن افتراض وجود مثل هذا العلاقات واستنادا الى التفكير النظري المنطقي وحده، وانما لابد من محاوله التدليل على وجودها فلا في طريق الدراسات والأبحاث الحقلية ثم التحليلات المقارنة.

وقد يكون لهذا التحفظات الأخيرة التي وضعها راد كلف بروان ما يبررها، اذ منم الخطر محاوله التعميم من بعض التعميم من بعض حالات قليله على المجتمع البشري بأسره والانسياق وراء التفكير النظري المجرد لان ذلك خليق بأن يجعلنا نصل الى اراء ونظريات تعسفية مادام ذلك التفكير لا يستند الى المعلومات اليقينية المستمدة من الدراسات الحقلية. والواقع انه على الرغم من معارضه راد كلف بروان لكروبر فأن رأى كروبر أقرب الى الدقة العلمية. فليس من الضروري بحال ان يكون هناك تلازم في الوقوع بين نظام الزواج من ارمله الخال وتسميه اولاد الخال بنفس الكلمات التي تطلق على الابن والابنة كما هو الحال عند الشوكتو وبعض القبائل الأخرى التي يوجد فيها ذلك التلازم كذلك ليس ثمة ما يستوجب إطلاق كلمه ((ام)) على بنت الخال وكلمه ((زوجه)) على ابنة اخ الزوج حيثما وجد نظام الزواج من ابنة اخ الزوجة لان هذا هو ما يحدث عند الأوماها وبعض القبائل الاخرى.

ففي كثير من المجتمعات التي تبيح للرجل الزواج من ارمله خاله لا ينادى الرجل هذا المرة قبل الزواج منها باسم (زوجه)) ولا يطلق على اولادها من خاله - قبل ان يتزوج هو منها بالفعل - الالفاظ التي يستخدمها لأولاده، وانما يعتبرها قبل هذا الزواج ((زوجة خاله)) فقط ويتصرف نحوها ونحو اولادها على هذا الاساس. بل ان سلوكه ازاء اولاد الخال في هذا الحالة يكون أقرب الى نمط السلوك القائم بين الإخوة والاخوات وليس بين الاب واولاده. كذلك نجد انه في بعض المجتمعات _ و بخاصه المجتمعات الافريقية - التي تعترف بنظام الزواج من ابنه اخ الزوجة المتوفاة او العاقر ولا يستخدم الرجل لهذا المرأة نفس الكلمة التي يستخدمها لزوجته على الرغم من وجود الاحتمال بالزواج منها، وانما يستخدم لها مصطلحا قرابيا مختلفا. فليس ثمة علاقة عليه اذن بين مصطلح القرابة ونظام الزواج، كما انه ليس ثمة ما يدعو الى الظن بأن عادة الزواج من ارمله الخال او من بنت اخ الزوجة تؤدي بالضرورة الى قيام مصطلحات القرابة التصنيفية والى ان يشير الرجل الى كل من هاتين المرأتين على انها زوجته باعتبار ما قد يحدث. واصدق مثل لذلك هو ما نجده عندنا نحن حيث يباح للرجل أن يتزوج من ارمله خاله ومن اخت زوجته المتوفاة او من ابنة اخيها دون ان يستخدم لأي منهن قبل ان يتم الزواج بالفعل كلمه ((زوجه)) او يعاملها على اساس انه من المحتما ان تصبح زوجه له في يوم من الايام. وأكبر خطا يمكن ان يقع فيه الباحث في دراسته للمجتمع هو ان يذهب الى ان وجود ظاهرة معينه ما ترتب بالضرورة على وجود ظاهره معينه اخرى لان هذا هي الحتمية في اسوء صورها، كما ان فيها اغفالا تاما لبقيه النظم التي تدخل في تكوين البناء الاجتماعي والواقع ان راد كلف بروان نفسه لم يغفل هذا المسالة رغم كل ما قاله عن وجود علاقة التلازم بين مصطلحات القرابة والعادات الخاصة بالزواج. فالمجتمعات التي تعرف نظام مصطلحات القرابة التصنيفية تتميز بنوع خاص من البناء الاجتماعي. وعلى ذلك فأن الاقرب الى الواقع والمنطق أن نقول ان اباحة الزواج من ارمله الخال او من اخت الزوجة المتوفاة أو من ابنه اخيها لا ترتبط بظهور مصطلحات القرابة التصنيفي هالا إذا توفر نوع معين بالذات من البناء الاجتماعي. وهذا يستدعي محاوله ايجاد تفسيرات اخرى لنظام مصطلحات القرابة التصنيفية.