لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

المبحث الخامس
اللغة والهوية
والسؤال وما استبطنه يستدعيان مجموعة من الثقاط والأسئلة التي ترتبط بتلك الدوائر التي يلتقيان )اللغة والهوية( فيها، وتلك التي يفترقان فيها إن كانت موجودة، فإن الغاية - بلا شك- هي "العربية ؛ لغتنا عربا ومسلمين، وتود الصف، واذا فإن ثمة وقة مع العربية بوصفها هوية، والتمسك بها من ناحية أخرى، إن بعض الألفاظ قريبة منا إلى درجة أننا نغفل عن دلالاتها البعيدة أو العميقة، أو المباشرة فحسب، وكثرة تداولها تلق تلك الألفاظ، فتنزوي الدلالات البعيدة أو العميقة(، حتى تختفي تماما، حتى هذا الظهور یكون محاصرا في الغالب داخل قاعات ضقة، أو وراء جدران سميكة. من هذه الألفاظ: اللغة، اللفظين؟ لم يبق من الأول سوى الاتصال أو التواصل، ولم يبق من الثاني سوى البطاقة الشخصية التي تسمى في بعض البلاد العربية بالاسم نفسه
۳۶
الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
بطاقة"، وفي بعضها "هوة"، وفي بعضها الآخر، وداخل شرائح من هذا البعض يتم القفز على الأسماء العربية، ويحدث الاتجاه إلى لفظ أجنبي دخيل، قد يكون: D. !! ولو نظرنا في هذه الدلالات القريبة )المسطحة(، وانتهاء بالغرباء، ولا تتعدى في الهوية" التعريف بالأنا الفردية" مقطوعة الصلة ب"الأنا الجمعية" بمختلف مستوياتها: الأنا التاريخية، والثقافية، والسياسية، والينية. والحضارية بإجمال، القريبة. أو ل"الأنا"، كأن الوعي البسيط والعفوي يقترب بنا من المثل والغايات والحقائق، وربما يرجع ذلك إلى أن هذه )النخب( واقعة تحت تأثير الأنانية، وبريق المال، وضغوط السلطة، وجاذبية الفلك القوي الذي لا يرحم من يقترب منه، فيبتلعه، والمستترة، لكل من هذين اللفظين، حتى نصل إلى غايتنا المتوخاة
أولا: تحديدات أولية
۳۰
الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسيام
أو الغي"، وحملت معاني الرمي وما يتصل بها ظلال، وعدم أهميته، وكونه منبوذا، ذلك أن ما يرمي أو يلقی به أو يطرح يكون كذلك. وقد استعمل العرب كلمة الغة"، وترتبط كل منها بقبيلة، أو مجموعة قبائل تعيش في حيز جغرافي )الحجاز، اليمن(، وقد نسب اللغة إلى القبيلة، فكانوا يقولون: لغة أهل الججاز، ولغة هذيل، وجاء الغويون والذين نوا بجمع اللغة وتقعيدها، فاستخدموا لغة" الاستخدام عينه، من حيث هي لغة القبائل العربة جمي، استخدموا أيضا "لغة"، و"العربية". في حين جاعث تصاريف" لغو"، وما تطور عنه، من مثل القبيح قولا وفعلا، والعيب، وغيرها مما يمكن عده في دائرة الكلام البشري حيا بظلالالمعاني الأولى المستكرهة، وحيئا بمعزل عن تلك الظلال. وعلى أية حال، فليس هذا موطن الاستغراق في هذه المسألة، إن القصد مجرد توضيح الدلالة اللغوية للفظ لغة"، ويعكس فكره، لا لشيع سوى أنه )الكلام( شيء يلقي، أو ينبغي
كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسيام
أن يلقی؛ نظرا لاشتداد الحاجة إليه في التواصل ]5[، بل بمعني الكلام، الذي هو بدوره صورة الفكر، على أن الدلالثين الطرح، فهو مخلص للكلام البشري العاقل، وتنص عليه كتب اللغة، أما الغويون والتخويون العرب وهم ينظرون في لغة" ليقيموا دراساتهم وبحوثهم، فلم يبعدوا كثيا، اللغة عندهم "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"]6، والتحليل لهذا التعريف يؤذي بنا إلى أن نلحظ العناصر التالية: أصوات )الكلام(، كلقوم )الناس(، التعبير عن الأغراض )التواصل(، وثمة علاقات بينية بين هذه العناصر تجعل منها كلا لا يمكن تجزئته؛ لأن التجزئة تجعل من كل عنصر شيئا لا علاقة له بـ "اللغة" التي نقصد، وقد توقفت في بحث لي سابق ذلك، وبسطت الكلام فيه. ۲/۱: اللغة )التجاذبات(
وأول تلك الألفاظ "اللسان"، وهو – وإن كان فارقا لم يدخل في حسبان اللغوين العرب والمسلمين، ونبه عليه اللغويون الغربيون، والكلام Parole
كلية الألسن، شيء آخر، اللغة نظام اجتماعي مستقل، بعبارة أخرى: اللغة طرائق تفكير في عقل الإنسان، أما اللسان أو الكلام فهو: صورة الأصوات، التعبير عن النفس، وهذه التفرقة مهمة، فاللغة المرتبطة بالهوية
عقل الإنسان، لا على لسانه، وهذه نقطة سنتوقف
عندها لأحقا. بين اللغة والثقافة رباط حميم، ذلك أننا لا نتصور لغة ما بالمفهوم الذي ذكزنا لا تنتج ثقافة، أيا كانت اللغة، وأيا كانت الثقافة، كما أنا لا نتصور ثقافة لا تعتمد في جانب أساس منها على وعاء أغوي يحتويها، إحداهما من الأخرى، نقول ذلك دون أن ندخل في تعريفات الثقافة وتوجهاتها، إذ ما يهمنا أن نؤد على نقطة مهمة؛ هي أنه إذا كانت اللغة هي الفكر الذي يتفاعل مع الأشياء، فإن الثقافة هي أيضا ذلك الشيء، أو تلك الأشياء المتشابكة، وتحد استجاباته تجاهها، نحن إذا أمام وجهين لشيء واحد، قد تكون الثقافة أعم، إذ اللغة عنصر مهم للغاية في بنائها، وتوجيه مسارها، واللغة والثقافة معا ليستا نابعتين من داخل الإنسان، ومن هنا تأتي التفرقة الضرورية بينهما، ۳۸
الفرقة الأولي: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
فعلى الرغم من أهمية هذه الوظيفة وحيويتها وضرورتها، ف"التواصل" في حد ذاته ضروري؛ لكن أهميته الجوهرية تنبع من تأثيره المباشر عندما يرتد إلى الفكر، ويغير في طرائقه، إنه )التواصل( جزء مهم من المحيط الذي يبني القيم والمشاعر والأفكار ويشكلها، ويعطيها مذاقها وخصوصيتها، ويصبغها بصبغته الفارقة، وهذا ما يعيدنا مة أخرى إلى "اللغة" التي ترتبط بعقل الإنسان وفكره أكثر مما ترتبط بلسانه وعلاقاته بالآخرين، لا بوصفها كما من المعلومات والمعارف التي تجتمع
في داخل الإنسان أو المجتمع. ۱/: الهوية )الدلالات والتجاذبات(: الهوية كلمة تتمحور دلالاثها حول الذات والحقيقة والماهية، وهي معهذه المرادفات - على الرغم من بعض الفروق التي نقوم على اعتبارات متباينة - قادمة من عالم الفلسفة، وهي لغويا من قبيل المصدر الصناعي، فقد ثم تولیها من النسبة إلى "هو"، أو "الهو"، الذي هو في اصطلاح الفلاسفة "الغيب"، أو "الله"]9(، وبعد الحقيقة المطلقة أصبحت تطلق على الحقيقة، والوحدة والاندماج، والانتماء والتساوي والتشابه. كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
وقد تكون "الهوية جزئية يسيرة خاصئة بشيء، أو إنسان بعينه، خاة بجماعة أو شعب أو أمة؛ وكلما اتسعت الهوية لتشمل أفرادا أكثر كانت أكثر تعقيدا وتشابكا وتركيبا؛ لأنها تصبح أعمق دلالة على أفرادها، وأكثر تعبيرا عن رؤاهم، وأشد التصاقا بمصالحهم وغاياتهم الجمعة، على أن الهوية التي نتغياها لا تولد مع الإنسان، كما أنها ليست حراكا في داخله؛ إن هوية الإنسان يرسمها ويحد شكلها وألوانها ما يرد إليه من خارجه، وما تثمره علاقاثه بالآخرين؛ ولهذا فإها لا بد أن تكون - ولو في بعض صورها - جزءا من هوية مجتمعه، أو تحمل على الأقل بعض ملامح هذا المجتمع، والمجتمع الذي نقصده هنا ليس هو المجتمع الحاضر فقط، والتاريخ - بالطبع - كل مركب، فيه العلوم والمعارف، والمواقف والذكريات والمشاعر، والتجارب إيجاا وسلا، كل ذلك يسهم في تشكيل هوية الفرد، كما يسهم بالقدر نفسه وربما بصورة أعمق - في تشكيل هوة الجماعة كلها . وليس الزمن -ماضيا وحاضرا، ومن فيه- هو وحده صاحبالتأثير في بناء ملامح الفرد والجماعة، فهناك أيضا المكان (الجغرافيا)، على أن ثمة عنصرا آخر يفوق تلك العناصر مجتمعة، هو عنصر الفكر أو الرؤية، أو الفلسفة، وما يرتبط بذلك من ثوابت ترى الجماعة من خلالها أنفسها وعلاقاتها، والعالم من حولها، كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
كان أكثر قدرة على بناء الإنسان، وربطه بأولئك الذين يشتركون معه في ثوابته الفكرية، وصياغته وصياغتهم في بوتقة واحدة وثمة عناصر أخرى؛ والدولة، يرى بعضهم فيها عوامل مهمة في بناء الهوية؛ لكننا لن ندخل في الكشف
عن أبعادها في هذا السياق. ثانيا: اللغة والهوية
دوائر الالتقاء والافتراق
اللغة أقدم تجليات الهوية، أو لنقل هي التي صاغت أول هوية
لجماعة في تاريخ الإنسان، الناس "جماعة" واحدة، ويزداد الاهتمام باللغة والهوية
ويشيع الحديث عنهما، في المنعطفات أو المفاصل التاريخية في حياة
الجماعات، منعطفا أو مفصلاً حضاريا إيجابيا تصاعد الجماعة، أو تثب فيه نحو
الحضارة والتقدم، وتغزوها رياح
التشتت والانطماس، وقضية الهوية، وفي الغالب يتم الربط بينهما ويتماهيان
إلى درجة أنهما يكادان يصبحان شيئًا واحدًا. وفي هذا السياق نستحضر بواكير التحول العربي من ضيق القبلية
والبداوة إلى سعة الحضارة والمدنية، هذه النقلة التي أحدثها الإسلام، ونشاط الدراساتاللغوية والنحوية، في إشارة واضحة وعميقة إلى التحول في حياة أولئك
وشعورهم بأنهم أصحاب هوية. الصورة المقابلة صورتنا - نحن العرب والمسلمين - بعد الحقبة العثمانية، وموت الرجل المريض، في طريقهم إلى التشرذم والتفكك تحت تأثير الانقطاع الحضاري الطويل، وإنكانت الظروف مختلفة، فقد قدمت اللغة العربية على أنَّها بديل للفكر الذي غذاها الإسلام)، وجعل العنصران عنصرا هوية الأمة، على أنهما نقيضان
ولسنا في معرض العوامل التي كانت وراء ذلك. وحتى لا نخرج من إطار الموضوع، فإننا ستركز على اللغة والهوية، وإذا كنا قد نثرنا إشارات إلى عمق تلك العلاقة، فإنَّنا سنضعهما هنا تحت المجهر ؛ والقواسم
المشتركة التي تجمع بينهما . إنَّ كلاً من اللغة والهوية خاصية إنسانية، فاللغة بالمفهوم الذي
أصلناه في فقرة سابقة هي لغة الإنسان لا يشاركه فيها كائن آخر، شأن الهوية، نحو ذلك، وإنَّما كانتا (اللغة والهوية) خاصيتين
إنسانيتين؛ لأنَّ الإنسان وحده هو الذي يملك الوعي، وهذا ما يجعلنا نقول إنَّ كلاً منهما مرتبط بالعقل، مرتبطة أشد الارتباط بسابقتها ، هما إذا خاصيتان عاقلتان. بمعنى أنهما قديمتان وجدتا مع وجود الإنسان
إنَّ الله - سبحانه وتعالى - میز آدم - عليه السلم - بـ
علم الأسماء"، على التفكير فيما يحيط به، ثم إنَّ هذه العملية - عمليةكلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
فهو كائن
مختلف يعرف ما لا يعرفون، ولديه خصائص ليست فيهم. وكل منهما كذلك كُلٌّ مركّب، بلغة الفلسفة والمنطق؛ أعني: أنهما
أشياء تندرج تحتها أجزاء، وهي أجزاء متداخلة لا يمكن فصل بعضها من بعض اللغة تحتوي طرائق التفكير والتاريخ والمشاعر، وإرادة الناس وطموحاتهم وشكل علاقاتهم، والهوية أيضا هي هذه العناصر في كليتها وتركبها . وهما - إضافةً إلى ذلك - تاريخيتان، وتأخذا الأبعاد اللازمة، ولا يتنافى هذا مع ما قلناه من أنهما أوليتان، فأوليتهما يُراد منها الإشارة إلى ملازمتهما للإنسان، في صورة ساذجة، لا تجعل منهما مستحقتين لاسميهما. في جوهره ليس سوى لغة وهوية، اللغة فكره ولسانه، وهذه الأشياء هي وجهه وحقيقته وهويته، وشأن الجماعة، أو الأمة هو شأن
لا فرق بينهما، وفي ذلك الإنسان ومقوماته يقول الشاعر القديم ذلك
البيت الذي نعرفه جميعا :
وعلى الرغم من دوائر الالتقاء بين اللغة والهوية فإن من المشروع أن نسأل:
لنقل: إنَّ بعضهم يرى الهوية أكثر في غير اللغة. ٤٣كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
ثالثا: "العربية" هوية
جميع ما قلناه آنفًا كان في الإطار المجرد لقضية اللغة والهوية، نحن إذا في مواجهة قضيتنا نحن قضية لغتنا وهويتنا، وأشد التصاقا بناطقيها وتمييزا لهم، إنها هوية من طراز خاص، من عناصر القوة التي تعطيها هذا كله، وقداستها مستمدة من ارتباطها
حروف وألفاظ قديمة لا أول لها، كما يرى علماء المسلمين عامة، وأهل السنة
منهم خاصة، أو عربيته، في سياقات تتغيا
مديح هذه اللغة بنعتها بالإبانة نعنا مباشرًا حينا، أو غير مباشر حينا آخر. ومعلوم أن الصلاة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام - لا
مما يعني أنَّ المسلم (غير العربي) ملزم بأن يتعبد بهذه
اللغة؛ ولذا فهو مضطر إلى تعلمها، وإدارة لسانه بها، وهذه القداسة تجعل
منها جزءا من الدين، والدين هو أهم عوامل الهوية وأقواها حضورًا عند
وعلى الرغم من أننا نعرف أنَّ "اللغة" ظاهرة بشرية، بالقداسة قد يتسبب في إشكالية، أو يجلب لنا إشكالية؛ لكن قولنا بقداسة"
العربية لا ينفي هذه البشرية، ٤٤٤٤
كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
وهو ما يتجلى في تمسكهم وعظيم ارتباطهم بها ، فقد قال به أيضا المستشرق المعروف لويس ماسينيون الذي كان يرى أن العربية - ربما في سمة تنفرد بها أو تكاد - ليست لغة تواصلية فحسب؛ وهي وسيلة المسلم لمناجاة ربه، بالقرآن الكريم. تعهد الله بأن تبقى ما بقيت الحياة؛ ولذلك فإنَّه لا يُخشى عليها من الزوال، وهذا ما يُفسر لنا بقاءها واستمرارها حتى اليوم، فلا يزال العرب اليوم يقرؤون القرآن، وتلك اللغة التي دونت بها الكتب قبل خمسة عشر قرنا، فتلك ألفاظ وتراكيب محدودة، تتخلف
لكن الجسد لم يتغير، وجهه وملامحه هي
هي، إن حفظ اللغة من حفظ القرآن، وحفظ القرآن جزء من عقيدة المسلم. التاريخية:
إلى القداسة والحفظ، ثمة عامل قوة آخر
وأعني بهذه التاريخية: أن التاريخ يعمل فيها
عمله، فاللغة وعاء التاريخ، وكلما كان هذا الأخير ممتدا وخصبا انعكس على
اللغة قوة وثراء، فالوعاء لا بد أن يُثري بما فيه، والتاريخ بمادته ومواقفه
وذكرياتهم وانتصاراتهم، وإخفاقاتهم ودروسهم
ولسانه
٤٥٤٥
كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام
الناطق، وتاريخ العربية يمتد قرونا طويلة، كانت هي خلاله لسانا واحدًا ولا تزال، والسنة عديدة، انقطعت أو بترت، فما عاد لها صلة بمراحل تاريخية سابقة، ولا لغات أمهات ولدت من رحمها . الجغرافية:
هذا عنصر لا بد أن نتوقف عنده؛ لأن اتساع المكان - مكان اللغة - يعني اتساع حراكها، وزيادة ثرائها، والعربية امتدت على مساحات شاسعة من العالم، بفضل الإسلام، وفي كل مكان وصلت إليه كانت تتفاعل مع طبيعته، وسكانه، تأخذ منه ومنهم وتعطيهم، ولعله لا توجد لغة من لغات
العالم قد اتسعت اتساع العربية جغرافيا. ويتميز هذا الاتساع بأنه لم يكن اتساعا مفروضا، أو يسيرًا، بل سَعَوْا إليه، فلم يكن مجرد حروف وتراكيب تجري على الألسنة؛ وفكرا وانتماء، بالمعنى العميق للغة، يعمر العقول والقلوب ويسكنها ؛


النص الأصلي

المبحث الخامس


اللغة والهوية


يهدف هذا البحث إلى الإجابة عن تساؤل هام: ما حدود العلاقة بين الغة والهوية؟ وهو سؤال يستبطن في داخله إقرازا بأن ثمة علاقة بينهما، والسؤال وما استبطنه يستدعيان مجموعة من الثقاط والأسئلة التي ترتبط بتلك الدوائر التي يلتقيان )اللغة والهوية( فيها، وتلك التي يفترقان فيها إن كانت موجودة، وعلى الرغم من أ البحث ينهد إلى قضية اللغة والهوية في إطارها العام والمجد، فإن الغاية - بلا شك- هي "العربية ؛ لغتنا عربا ومسلمين، أو منتمين إلى الحضارة العربة الإسلامية، والغاية أيضا هي الهوية العربية الإسلامية" التي تجمع الشمل، وتود الصف، وتعقد الأصرة، واذا فإن ثمة وقة مع العربية بوصفها هوية، وما تحمله في داخلها من عناصر قوة، مما


يحفزنا على الإيمان بها من ناحية، والتمسك بها من ناحية أخرى، ثم ما


تواجهه من عناصر ضعف؛ لنكون معها في هذه المواجهة. إن بعض الألفاظ قريبة منا إلى درجة أننا نغفل عن دلالاتها البعيدة أو العميقة، ونستحضر دلالاتها القريبة، أو المباشرة فحسب، ومع مرور الزمن، وكثرة تداولها تلق تلك الألفاظ، ويرق إهابها، فتنزوي الدلالات البعيدة أو العميقة(، حتى تختفي تماما، فلا تكاد تظهر إلا عند )النخبة( في سياق دراسات، أو بحوث متخصصة، يتداولها نفر محدود من الناس، حتى هذا الظهور یكون محاصرا في الغالب داخل قاعات ضقة، أو وراء جدران سميكة.


من هذه الألفاظ: اللغة، والهوية، ماذا بقى لنا من دلالات هذين


اللفظين؟ لم يبق من الأول سوى الاتصال أو التواصل، ولم يبق من الثاني سوى البطاقة الشخصية التي تسمى في بعض البلاد العربية بالاسم نفسه


۳۶


كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


بطاقة"، وفي بعضها "هوة"، وفي بعضها الآخر، وداخل شرائح من هذا البعض يتم القفز على الأسماء العربية، مما يعني القفز على اللغة ذاتها، ويحدث الاتجاه إلى لفظ أجنبي دخيل، قد يكون: D.!! ولو نظرنا في هذه الدلالات القريبة )المسطحة(، فإها لا تتجاوز في


"اللغة" ما رده اللسان، أو يلقي به لنقضي الحوائج اليومة، ونحقق التواصل مع المجتمع، بدءا من الأسرة والملاء والأصدقاء، وانتهاء بالغرباء، وفي أحيان التعبير عن أنفسنا في إطار مشاغل الحياة وهمومها، )حتى هذا التعبير انحسر تحت تأثير ضجيج الإيقاع السريع لحياتنا العصرة غير الإنسانة(، ولا تتعدى في الهوية" التعريف بالأنا الفردية" مقطوعة الصلة ب"الأنا الجمعية" بمختلف مستوياتها: الأنا التاريخية، والجغرافية، والثقافية، والسياسية، والينية.. والحضارية بإجمال، وداخل كل مستوى من فذه


المستويات درجات، ونحن دائما في الدرجة الأدني؛ القريبة. ومن المفارقات اللافتة: أن )العامة( أصبحوا اليوم أكثر صدقا وعفوية في الاألتفات إلى المستويات العليا للهوة، أو ل"الأنا"، كأن الوعي البسيط والعفوي يقترب بنا من المثل والغايات والحقائق، وفي الوقت نفسه من المصالح وتحقیق الذات، أكثر من الوعي المركب والعاقل، وربما يرجع ذلك إلى أن هذه )النخب( واقعة تحت تأثير الأنانية، وبريق المال، وسطوة الإعلام، وضغوط السلطة، وجاذبية الفلك القوي الذي لا يرحم من يقترب منه، فيبتلعه، وكأنه ثقب من تلك التقوب السوداء المنتشرة في الكون. نحن إذا في حاجة إلى أن نتبين الدلالات القريبة والبعيدة، الظاهرة


والمستترة، لكل من هذين اللفظين، حتى نصل إلى غايتنا المتوخاة


أولا: تحديدات أولية


1/۱: اللغة )الدلالات(


۳۰


كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسيام


ترجع كلمة لغة" في العربة إلى المادة أو الجذر: لغو"، أو الغي"، وهو جذر يدور حول معاني الرمي والزح والإلقاء )الفظ(، وهي معان ظلت مقترنة بهذا الجذر في تصاريف المادة، وحملت معاني الرمي وما يتصل بها ظلال، فيها الرهد بالشيء، وعدم أهميته، وكونه منبوذا، ذلك أن ما يرمي أو يلقی به أو يطرح يكون كذلك.


وقد استعمل العرب كلمة الغة"، وكلمة الغات" للدلالة على اللهجاتوقد استعمل العرب كلمة الغة"، وكلمة لغات" للدلالة على اللهجات التي كانت منتشرة في الجزيرة العربة، وترتبط كل منها بقبيلة، أو مجموعة قبائل تعيش في حيز جغرافي )الحجاز، اليمن(، وقد نسب اللغة إلى القبيلة، لا إلى المكان )تميم(، فكانوا يقولون: لغة أهل الججاز، ولغة أهل اليمن، أو لغة بني تميم، كما يقولون: لغة قريش، ولغة هذيل، وجاء الغويون والذين نوا بجمع اللغة وتقعيدها، فاستخدموا لغة" الاستخدام عينه، فإذا ما أرادوا التعبير عن اللغة، من حيث هي لغة القبائل العربة جمي، استخدموا أيضا "لغة"، و"العربية".


غير أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظ "لغة"، إنما استبدل بها لفظ "لسان"، في حين جاعث تصاريف" لغو"، أو "لغي" فيه لتؤدي الدلالات المحلة بالمعاني الأولى "الرمي وما يتصل به، وما تطور عنه، من مثل القبيح قولا وفعلا، والعيب، والقحش، واليمين غير المقصودة، على أن العرب استخدموا تلك التصاريف في المعاني القراآنية، وغيرها مما يمكن عده في دائرة الكلام البشري حيا بظلالالمعاني الأولى المستكرهة، وحيئا بمعزل عن تلك الظلال.


وعلى أية حال، فليس هذا موطن الاستغراق في هذه المسألة، إن القصد مجرد توضيح الدلالة اللغوية للفظ لغة"، والمفارقة هنا في أن اللفظ الذي يدل على الطزح أصبح بدل على ما يصدر عن عقل الإنسان، ويعكس فكره، ولا يؤذيه إلا لسانه، لا لشيع سوى أنه )الكلام( شيء يلقي، أو ينبغي


۳۶


كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسيام


أن يلقی؛ نظرا لاشتداد الحاجة إليه في التواصل ]5[، ونحن هنا لا علاقة لنا بمعنى الطرح، بل بمعني الكلام، الذي هو بدوره صورة الفكر، فهو المقصود. على أن الدلالثين الطرح، والكلام( مقصورتان على تصاريف الكلمة، أا الغة" هذا اللفظ المختوم بتاء مربوطة، فهو مخلص للكلام البشري العاقل، ذلك ما تشير إليه المعجمات، وتنص عليه كتب اللغة، أما الغويون والتخويون العرب وهم ينظرون في لغة" ليقيموا دراساتهم وبحوثهم، فلم يبعدوا كثيا، اللغة عندهم "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"]6، والتحليل لهذا التعريف يؤذي بنا إلى أن نلحظ العناصر التالية: أصوات )الكلام(، كلقوم )الناس(، التعبير عن الأغراض )التواصل(، وثمة علاقات بينية بين هذه العناصر تجعل منها كلا لا يمكن تجزئته؛ لأن التجزئة تجعل من كل عنصر شيئا لا علاقة له بـ "اللغة" التي نقصد، وقد توقفت في بحث لي سابق ذلك،


وبسطت الكلام فيه.


۲/۱: اللغة )التجاذبات(


اللغة واللسان:


إذا كانت تلك هي مؤشرات الدلالات اللغوية والاصطلاحية ل لغة، فإ الصورة لن تظهر خطوطها إذا لم ننظر في بعض التجاذبات التي تربط بين "اللغة"، وبعض الألفاظ الأخرى، سواء كانت تلك التجاذبات لفظية أم أقرب إليها، معنوية أم أقرب إليها.


وأول تلك الألفاظ "اللسان"، وقد سبق أن ألمحنا إلى تناوب اللفظين "اللغة" و"اللسان"، والتعبير بكل منهما عن الأخر، لكن ثمة فارقا آخر تحسن الإشارة إليه، وهو – وإن كان فارقا لم يدخل في حسبان اللغوين العرب والمسلمين، ونبه عليه اللغويون الغربيون، وتحديدا فردیناند دي سوسير فارق مهم في سياق موضوعنا، من المعلوم أن دي سوسير ومدرسته في مطالع القرن العشرين قد رأوا أن اللغة Langue شيء، والكلام Parole


۳۷


كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


شيء آخر، اللغة نظام اجتماعي مستقل، أما الكلام فهو حقق هذا النظام في صورة رموز، بعبارة أخرى: اللغة طرائق تفكير في عقل الإنسان، أو عقل الجماعة البشرية، أما اللسان أو الكلام فهو: صورة الأصوات، أو الرموز الكتابية التي نسمعها، أو نراها؛ لثحقق لنا التعبير والتواصل، التعبير عن النفس، والتوال مع الآخرين، وهذه التفرقة مهمة، فاللغة المرتبطة بالهوية


هي هناك في العقل، عقل الإنسان، لا على لسانه، وهذه نقطة سنتوقف


عندها لأحقا.


اللغة والثقافة


بين اللغة والثقافة رباط حميم، ذلك أننا لا نتصور لغة ما بالمفهوم الذي ذكزنا لا تنتج ثقافة، أيا كانت اللغة، وأيا كانت الثقافة، كما أنا لا نتصور ثقافة لا تعتمد في جانب أساس منها على وعاء أغوي يحتويها،إحداهما من الأخرى، نقول ذلك دون أن ندخل في تعريفات الثقافة وتوجهاتها، فليس هذا موطنه، إذ ما يهمنا أن نؤد على نقطة مهمة؛ هي أنه إذا كانت اللغة هي الفكر الذي يتفاعل مع الأشياء، ويقف منها أو معها مواقف محدة، فإن الثقافة هي أيضا ذلك الشيء، أو تلك الأشياء المتشابكة، وغير الملموسة التي ثملي عليه طرائقه في التعامل مع الأشياء، وتحد استجاباته تجاهها، نحن إذا أمام وجهين لشيء واحد، قد تكون الثقافة أعم، إذ اللغة عنصر مهم للغاية في بنائها، وتوجيه مسارها، على أ للثقافة دورها الخطير في التأثير في اللغة باعتبارها فكرا، واللغة والثقافة معا ليستا نابعتين من داخل الإنسان، أو ليستا فرديتين؛ لكهما جزء من حراك الوسط الذي يعيشان فيه، ومن هنا تأتي التفرقة الضرورية بينهما، وبين العلم "الثقافة نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة، وبهذا يمكن أن يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم".


۳۸


كلية الأنسن، الفرقة الأولي: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


اللغة والتواصل


واذا كانت الصلة بين اللغة والثقافة قد تشابكث بالقدر الذي افترقتا اللغة والثقافة( عن العلم، فإن ثمة فارقا أساسيا أيضا بين اللغة وإحدى وظائفها الأساسية )التواصل(، فعلى الرغم من أهمية هذه الوظيفة وحيويتها وضرورتها، فإئها - مجردة - ذات قيمة محدودة؛ لأئها متحقة بين الكائنات الأخرى الحية بالقدر الذي تحتاجه ويكفيها، ف"التواصل" في حد ذاته ضروري؛ لكن أهميته الجوهرية تنبع من تأثيره المباشر عندما يرتد إلى الفكر، ويغير في طرائقه، إنه )التواصل( جزء مهم من المحيط الذي يبني القيم والمشاعر والأفكار ويشكلها، ويعطيها مذاقها وخصوصيتها، ويصبغها بصبغته الفارقة، وهذا ما يعيدنا مة أخرى إلى "اللغة" التي ترتبط بعقل الإنسان وفكره أكثر مما ترتبط بلسانه وعلاقاته بالآخرين، كما يذكرنا بالثقافة،بالمفهوم الذي ذكزنا، لا بوصفها كما من المعلومات والمعارف التي تجتمع


في داخل الإنسان أو المجتمع.


۱/: الهوية )الدلالات والتجاذبات(: الهوية كلمة تتمحور دلالاثها حول الذات والحقيقة والماهية، وهي معهذه المرادفات - على الرغم من بعض الفروق التي نقوم على اعتبارات متباينة - قادمة من عالم الفلسفة، وهي لغويا من قبيل المصدر الصناعي، فقد ثم تولیها من النسبة إلى "هو"، أو "الهو"، الذي هو في اصطلاح الفلاسفة "الغيب"، أو "الحقيقة المطلقة"، أو "الله"]9(، وبعد الحقيقة المطلقة أصبحت تطلق على الحقيقة، حقيقة الشيء، حقيقة الإنسان أو غيره، وللهوية تعريفات عديدة عند الفلاسفة والمتصوفة وعلماء النفس والرياضيات والمنطق، وتصب جميعا في النهاية في دلالات، كنت حصرها في بحث سابق بالحقيقة والماهية والذات، والوحدة والاندماج، والانتماء والتساوي والتشابه.


۳۹


كلية الألسن، الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


وقد تكون "الهوية جزئية يسيرة خاصئة بشيء، أو إنسان بعينه، وقد


تكون كلية مركبة، خاة بجماعة أو شعب أو أمة؛ لكنها في صورتها الأولى في أدني السلم إن كان ثمة سلم يمكن وضعه لهذا المفهوم، وكلما اتسعت الهوية لتشمل أفرادا أكثر كانت أكثر تعقيدا وتشابكا وتركيبا؛ لأنها تصبح أعمق دلالة على أفرادها، وأكثر تعبيرا عن رؤاهم، وأشد التصاقا بمصالحهم وغاياتهم الجمعة، على أن الهوية التي نتغياها لا تولد مع الإنسان، ولا تتشكل مة واحدة، كما أنها ليست حراكا في داخله؛ بل هي ذا علاقة وثيقة بالمحيط، شأنها في ذلك شأن اللغة والثقافة.


إن هوية الإنسان يرسمها ويحد شكلها وألوانها ما يرد إليه من خارجه، وما تثمره علاقاثه بالآخرين؛ ولهذا فإها لا بد أن تكون - ولو في بعض صورها - جزءا من هوية مجتمعه، أو تحمل على الأقل بعض ملامح هذا المجتمع، والمجتمع الذي نقصده هنا ليس هو المجتمع الحاضر فقط، أقصد الوسط الاجتماعي الذي براه ويتعامل معه الإنسان؛ ولكنه أيضا المجتمع التاريخي، أو تاریخ الجماعة التي ينتمي إليها، والتاريخ - بالطبع - كل مركب، فيه العلوم والمعارف، والمواقف والذكريات والمشاعر، أفراحا وأتراحا، والتجارب إيجاا وسلا، كل ذلك يسهم في تشكيل هوية الفرد، كما يسهم بالقدر نفسه وربما بصورة أعمق - في تشكيل هوة الجماعة كلها . وليس الزمن -ماضيا وحاضرا، بما فيه، ومن فيه- هو وحده صاحبالتأثير في بناء ملامح الفرد والجماعة، فهناك أيضا المكان (الجغرافيا)، هذا أيضا له دوره في صياغة الهوية، على أن ثمة عنصرا آخر يفوق تلك العناصر مجتمعة، هو عنصر الفكر أو الرؤية، أو الفلسفة، وما يرتبط بذلك من ثوابت ترى الجماعة من خلالها أنفسها وعلاقاتها، والعالم من حولها، ويندرج تحت هذا العنصر الدين، فالدين ليس سوى رؤية للذات والكون والآخر.


٤٠


كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


وكلما كان الفكر عميقًا قادرًا على النفاذ إلى حقائق الأشياء وجواهرها، كان أكثر قدرة على بناء الإنسان، وربطه بأولئك الذين يشتركون معه في ثوابته الفكرية، وتوحيده معهم، وصياغته وصياغتهم في بوتقة واحدة وثمة عناصر أخرى؛ مثل الإرادة المشتركة، والدولة، والمصالح الاقتصادية


يرى بعضهم فيها عوامل مهمة في بناء الهوية؛ لكننا لن ندخل في الكشف


عن أبعادها في هذا السياق.


ثانيا: اللغة والهوية


دوائر الالتقاء والافتراق


اللغة أقدم تجليات الهوية، أو لنقل هي التي صاغت أول هوية


لجماعة في تاريخ الإنسان، إنَّ اللسان الواحد هو الذي جعل من كل فئة من


الناس "جماعة" واحدة، ذات هوية مستقلة، ويزداد الاهتمام باللغة والهوية


معا، ويشيع الحديث عنهما، في المنعطفات أو المفاصل التاريخية في حياة


الجماعات، وهي منعطفات أو مفاصل ليست من نوع واحد، فقد يكون


منعطفا أو مفصلاً حضاريا إيجابيا تصاعد الجماعة، أو تثب فيه نحو


الحضارة والتقدم، وقد يكون سلبيا تتعرض فيه للانكسار، وتغزوها رياح


التشتت والانطماس، وربما الغياب عن ساحة الفعل والتأثير، في كلا الحالين


تبرز قضية اللغة، وقضية الهوية، وفي الغالب يتم الربط بينهما ويتماهيان


إلى درجة أنهما يكادان يصبحان شيئًا واحدًا.


وفي هذا السياق نستحضر بواكير التحول العربي من ضيق القبلية


والبداوة إلى سعة الحضارة والمدنية، هذه النقلة التي أحدثها الإسلام، وكان


أحد تجلياتها الواضحة الاتجاه الكبير نحو التدوين اللغوي، ونشاط الدراساتاللغوية والنحوية، في إشارة واضحة وعميقة إلى التحول في حياة أولئك


الأعراب، وشعورهم بأنهم أصحاب هوية.


٤١


كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


الصورة المقابلة صورتنا - نحن العرب والمسلمين - بعد الحقبة العثمانية، وموت الرجل المريض، وفيها يبدو المسلمون عامة، والعرب منهم خاصة، في طريقهم إلى التشرذم والتفكك تحت تأثير الانقطاع الحضاري الطويل، والسبات الذي امتد قرونا، وأيضا تحت تأثير العقل الاستعماري الذي يُريد أن ينهب ويُهيمن ويستتبع، ويومها أيضًا برزت قضية اللغة، وإنكانت الظروف مختلفة، فقد قدمت اللغة العربية على أنَّها بديل للفكر الذي غذاها الإسلام)، وجعل العنصران عنصرا هوية الأمة، على أنهما نقيضان


ولسنا في معرض العوامل التي كانت وراء ذلك.


وحتى لا نخرج من إطار الموضوع، فإننا ستركز على اللغة والهوية،


والعلاقة القائمة بينهما، وإذا كنا قد نثرنا إشارات إلى عمق تلك العلاقة، فإنَّنا سنضعهما هنا تحت المجهر ؛ لنرصد الدوائر التي يلتقيان فيها، والقواسم


المشتركة التي تجمع بينهما .


إنَّ كلاً من اللغة والهوية خاصية إنسانية، فاللغة بالمفهوم الذي


أصلناه في فقرة سابقة هي لغة الإنسان لا يشاركه فيها كائن آخر، وكذا


شأن الهوية، فما يجمع بين فصيل من الحيوانات أو سرب من الطيور أو


نحو ذلك، ليس بالتأكيد هوية، وإنَّما كانتا (اللغة والهوية) خاصيتين


إنسانيتين؛ لأنَّ الإنسان وحده هو الذي يملك الوعي، والشعور بالذات


وبالآخر، وهذا ما يجعلنا نقول إنَّ كلاً منهما مرتبط بالعقل، وهذه دائرة جديدة


مرتبطة أشد الارتباط بسابقتها ، هما إذا خاصيتان عاقلتان.


وهما أيضا أوليتان، بمعنى أنهما قديمتان وجدتا مع وجود الإنسان


على هذه الأرض، إنَّ الله - سبحانه وتعالى - میز آدم - عليه السلم - بـ


علم الأسماء"، وما الأسماء في حقيقتها إلا نوع من اللغة التي تجعله قادرًا


على التفكير فيما يحيط به، والتعامل معه، ثم إنَّ هذه العملية - عمليةكلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


التعليم نفسه لآدم - حددت هويته وميزته عن غيره من المخلوقات، فهو كائن


مختلف يعرف ما لا يعرفون، ولديه خصائص ليست فيهم.


وكل منهما كذلك كُلٌّ مركّب، بلغة الفلسفة والمنطق؛ أعني: أنهما


أشياء تندرج تحتها أجزاء، وهي أجزاء متداخلة لا يمكن فصل بعضها من بعض اللغة تحتوي طرائق التفكير والتاريخ والمشاعر، وإرادة الناس وطموحاتهم وشكل علاقاتهم، والهوية أيضا هي هذه العناصر في كليتها وتركبها .


وهما - إضافةً إلى ذلك - تاريخيتان، بمعنى أنهما محتاجتان إلى التاريخ أو الزمن حتى تتشكلاً وتتعمقا ، وتأخذا الأبعاد اللازمة، ولا يتنافى هذا مع ما قلناه من أنهما أوليتان، فأوليتهما يُراد منها الإشارة إلى ملازمتهما للإنسان، وتاريخيتهما تشير إلى ما تحتاجان إليه حتى تنضجا، ثم إنهما جمعيتان، والمقصود من الجمعية" أنهما لا تعيشان داخل الفرد منعزلاً، إلا


في صورة ساذجة، لا تجعل منهما مستحقتين لاسميهما.


اللغة والهوية هما إذا وجهان لشيء واحد، بعبارة أخرى: إنَّ الإنسان


في جوهره ليس سوى لغة وهوية، اللغة فكره ولسانه، وفي الوقت نفسه انتماؤه،


وهذه الأشياء هي وجهه وحقيقته وهويته، وشأن الجماعة، أو الأمة هو شأن


الفرد، لا فرق بينهما، وفي ذلك الإنسان ومقوماته يقول الشاعر القديم ذلك


البيت الذي نعرفه جميعا :


لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ


وعلى الرغم من دوائر الالتقاء بين اللغة والهوية فإن من المشروع أن نسأل:


هل ثمة دوائر يفترقان فيها ؟ والجواب : أنَّ ثمة من يضع حدودًا بينهما، أو


لنقل: إنَّ بعضهم يرى الهوية أكثر في غير اللغة.


٤٣كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


ثالثا: "العربية" هوية


جميع ما قلناه آنفًا كان في الإطار المجرد لقضية اللغة والهوية، وسننتقل إلى "العربية" بوصفها هوية، نحن إذا في مواجهة قضيتنا نحن قضية لغتنا وهويتنا، وإذا كانت اللغة" مطلقة هي الهوية كما سلف، فإِنَّ "العربية" تحديدًا هوية لأصحابها (العرب)، ولغيرهم من يتعبدون بها من المسلمين ذات خصوصية، فهي أعلى مستوى من مجرد لغة وأكثر عمقًا، وأشد التصاقا بناطقيها وتمييزا لهم، إنها هوية من طراز خاص، تمتلك الكثير


من عناصر القوة التي تعطيها هذا كله، وسوف نتوقف عند هذه العناصر :


القداسة :


"العربية" مقدسة في نظر أبنائها، وقداستها مستمدة من ارتباطها


بكلام الله - تعالى - القرآن الكريم بحروفه وألفاظه، والقرآن الكريم هو


حروف وألفاظ قديمة لا أول لها، كما يرى علماء المسلمين عامة، وأهل السنة


منهم خاصة، إنَّه من صفات الله - تعالى - كما أنَّ الله - سبحانه - في


القرآن نفسه ينص في غير آية على عروبته، أو عربيته، في سياقات تتغيا


مديح هذه اللغة بنعتها بالإبانة نعنا مباشرًا حينا، أو غير مباشر حينا آخر.


ومعلوم أن الصلاة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام - لا


تصلح بغير العربية، مما يعني أنَّ المسلم (غير العربي) ملزم بأن يتعبد بهذه


اللغة؛ ولذا فهو مضطر إلى تعلمها، وإدارة لسانه بها، وهذه القداسة تجعل


منها جزءا من الدين، والدين هو أهم عوامل الهوية وأقواها حضورًا عند


الإنسان، أيا كان.


وعلى الرغم من أننا نعرف أنَّ "اللغة" ظاهرة بشرية، وأن نعتها


بالقداسة قد يتسبب في إشكالية، أو يجلب لنا إشكالية؛ لكن قولنا بقداسة"


العربية لا ينفي هذه البشرية، ولا يجعل منها نصا مقدسا، إن مفهوم القداسةالذي تريده ليس أكثر من تعبير عن عظيم مكانة هذه اللغة لدى المسلمين،


٤٤٤٤


كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


وهو ما يتجلى في تمسكهم وعظيم ارتباطهم بها ، وليس هذا قولاً ننفرد به، فقد قال به أيضا المستشرق المعروف لويس ماسينيون الذي كان يرى أن العربية - ربما في سمة تنفرد بها أو تكاد - ليست لغة تواصلية فحسب؛ لكن لها وظيفة دينية، فهي تعبر عن أوامر الله، وهي وسيلة المسلم لمناجاة ربه، ومجدها كما يرى ماسينيون - يقوم على هذه القداسة) التي تربطها


بالقرآن الكريم.


الحفظ:


والعربية أيضا محفوظة، تعهد الله بأن تبقى ما بقيت الحياة؛ لأنها أيضًا لغة القرآن الكريم؛ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] [١٥]؛ ولذلك فإنَّه لا يُخشى عليها من الزوال، ولا تعصف بها رياح الزمن والبلى، وهذا ما يُفسر لنا بقاءها واستمرارها حتى اليوم، دون أن تتحول إلى لغات كما حدث مع اللاتينية مثلاً، فلا يزال العرب اليوم يقرؤون القرآن، وتلك اللغة التي دونت بها الكتب قبل خمسة عشر قرنا، ويفهمون ما يقرؤون، ولا يمكن أن يدخل على ذلك بأن ثمة ألفاظاً أو تراكيب لم تعد مفهومة للعامة،


فتلك ألفاظ وتراكيب محدودة، تسكن حركتها داخل جسد اللغة، تنزوي، تتخلف


خطوات عن الحياة على الألسنة، لكن الجسد لم يتغير، وجهه وملامحه هي


هي، إن حفظ اللغة من حفظ القرآن، وحفظ القرآن جزء من عقيدة المسلم.


التاريخية:


إلى القداسة والحفظ، وهي عوامل دينية بحتة، ثمة عامل قوة آخر


يتصل بتاريخية هذه اللغة، وأعني بهذه التاريخية: أن التاريخ يعمل فيها


عمله، فاللغة وعاء التاريخ، وكلما كان هذا الأخير ممتدا وخصبا انعكس على


اللغة قوة وثراء، فالوعاء لا بد أن يُثري بما فيه، والتاريخ بمادته ومواقفه


وحراك أصحابه ومشاعرهم، وذكرياتهم وانتصاراتهم، وإخفاقاتهم ودروسهم


وعبرهم - لا بد أن يُغني هذه اللغة التي كانت ترجمانه المعبر، ولسانه


٤٥٤٥


كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


الناطق، وتاريخ العربية يمتد قرونا طويلة، كانت هي خلاله لسانا واحدًا ولا تزال، خلافا لتواريخ كثيرة، والسنة عديدة، انقطعت أو بترت، فما عاد لها صلة بمراحل تاريخية سابقة، ولا لغات أمهات ولدت من رحمها .


الجغرافية:


هذا عنصر لا بد أن نتوقف عنده؛ لأن اتساع المكان - مكان اللغة - يعني اتساع حراكها، وزيادة ثرائها، والعربية امتدت على مساحات شاسعة من العالم، بفضل الإسلام، وفي كل مكان وصلت إليه كانت تتفاعل مع طبيعته، وسكانه، تأخذ منه ومنهم وتعطيهم، ولعله لا توجد لغة من لغات


العالم قد اتسعت اتساع العربية جغرافيا.


ويتميز هذا الاتساع بأنه لم يكن اتساعا مفروضا، أو يسيرًا، إِنَّ اتساع حراك العربية كان طوعيًّا رغب فيه أصحاب الأرض وقبلوه، بل سَعَوْا إليه، ليس ذلك فحسب، بل كان اتساعًا مركبًا، فلم يكن مجرد حروف وتراكيب تجري على الألسنة؛ ولكنه كان ثقافة وحضارة، وفكرا وانتماء، بالمعنى العميق للغة، يعمر العقول والقلوب ويسكنها ؛ ولهذا فإنَّ زوال سلطة


العربية سياسيا لم يكن ليزيل سلطة هذه اللغة من القلوب والألسنة.


الحضارية:


بعض اللغات تتمتع بعنصر مما سبق، أو اثنين أو أكثر؛ لكنها لم


تصنع حضارة، أو لم تسجل سبقا في مرحلة تاريخية، ونعني بالصناعة أو


السبق هنا ليس مجرد صناعة حضارة جزئية، أو تحقيق سبق في جانب ما؛


ولكن قيادة الحضارة واستلام رايتها، مثل هذا الإنجاز يكون سندًا كبيرًا لغةً


ورصيدًا يظل محسوباً لها، وهذا ما تحقق للعربية، فقد كانت لغة الفكر والعلم


والتقدم قرونا عديدة.


الثراء :


٤٦كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


هذا عنصر لسنا بحاجة للوقوف عنده، فعلماء اللغات صنفوا العربية ضمن أسرة اللغات المتصرفة، وهي أرقى الأسر اللغوية، فهي تمتلك وسائل كثيرة تزيد من قدرتها على تحقيق وظائفها في التعبير والتواصل، ومن ذلك الاشتقاق بأنواعه والنحت والإلصاق والمجاز، كما أنها تملك - كما قال اللغويون العرب - نحوا من آلاف جذر لغوي، إنه ثراء في المادة، وفي الآليات التي تغني هذه المادة، وتزيد من قدرتها على تحمل المعاني


المختلفة، والتعبير عنها.


وفي مقابل عناصر القوة هذه التي تحتويها العربية، ثمة عناصر ضعف لا بد من مواجهتها؛ ولكن قبل أن نتكلم في المواجهة يحسن أن نعرف أو نعرف هذه العناصر، علمًا بأنها - خلافًا لسابقتها (عناصر القوة) عناصر خارجية لا علاقة لها مباشرة بالعربية نفسها؛ بل هي مرتبطة بأصحابها من ناحية، والظروف الخارجية من ناحية ثانية، ولعل محور عناصر الضعف هو الهزيمة الهزيمة النفسية، فإنَّ لغةً أصحابها مهزومون


حضاريا، لا يمكن أن تصمد في وجه أي تحد، على أي صعيد، ينتظر فيه


أن تفعل اللغة فعلها، أو تقوم بوظيفتها.


وعليه؛ فإنَّ أية لغة - مهما كانت قوية - لا تستطيع أن تفعل شيئًافي عقول مهزومة، وألسنة معوجة، وعليه أيضًا فإنَّ على أصحاب اللغة أن يبدؤوا هم بالنهوض من عثرتهم، والإيمان بقدراتهم، والثقة بأنفسهم، وأول علامة من علامات النهوض الإيمان بلغتهم، والثقة بأهليتها، والاعتزاز بها،


والحرص على إحيائها في مختلف المجالات.


وليس الأمر سهلاً، فالهزيمة التي نشعر بها لم تدخل إلينا من نافذة


مقولة ابن خلدون المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه


ونحلته، وسائر أحواله وعوائده فحسب، على أهمية هذه المقولة وصدقها في


٤٧كلية الألسن الفرقة الأولى: مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


الواقع، ثمة وسط تنمو فيه هذه الهزيمة وتكبر، ويمكن أن نصف هذا الوسط، أو نحدد ملامحه في ملمحين هامين


غياب وعي "الأنا":


وممَّا يُؤسف له أنَّه غياب مركب على أكثر من صعيد، وفي أكثر من أتجاه، أما الأصعدة فتبدأ من العامة، وتنتهى بالنخب والمثقفين ممن يوجهون الرأي العام، ويؤثرون فيه، والسياسيين وأصحاب القرار في مواقعهم المختلفة، كل هؤلاء غائبون أو مغيبون عن قضية العربية، وهذه الأصعدة جميعًا تجعل من مسألة الغياب هذه سرطانًا يستشري في جسد المؤسسات العلمية والتعليمية والإعلامية، وبذلك تكتمل منظومة الغياب، التي تعد أكبر تحد يواجه العربية اليوم، والتجليات واضحة انزواء العربية في عقول النخب بوصفها قضية حضارية لها دور هام في أي مشروع للنهضة، وعدم حضورها على ألسنتهم في إشارة واضحة إلى الإهمال، ثم النظرة الدونية للغة، سواء في مؤسسات البحث أو التعليم بمختلف مراحله، أو الإعلام بمختلف أشكاله. إن مؤسسات البحث لا تحفل اليوم بغير توصيل المعنى، ولا ترى في الخطأ والركاكة والعجمة ما يشين، ومؤسسات التعليم تحاصر العربية في مادة من مواد عديدة، ومع كل عام دراسي جديد يختصر منها أو يُحذف، ومؤسسات الإعلام لا ترى في العربية إلا تقعرًا لا داعي له، وهنا أيضا تحاصر اللغة لتصبح مجرد ألفاظ تردد في سياق عمل فني للإضحاك


والتهريج.


والحق أن ذلك كله ليس سوى تعبير بأشكال مختلفة عن فقدان


الهدف، وضياعه، وارتباك العقل واضطرابه، واهتزاز الثقة بالنفس، بل


احتقارها، لقد قلنا آنفًا: إِنَّ اللغة عقل الإنسان ولسانه، وهوية الجماعة


ووجهها، ولنا أن نتصور إنسانًا يهزأ بنفسه وينتقص من عقله، وجماعة تجعل


من هويتها مادة للضحك والسخرية.


٤٨٤٨


كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


٤٨


كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


وإذا كان هذا غيابًا للوعي اللغوي، فإنه جزء من حالة الغياب الشاملة، الغياب الحضاري والعلمي، والسياسي والثقافي والاقتصادي


يقظة الآخر وتنبهه


في مقابل غياب وعي "الأنا" بخطر اللغة وأهميتها نجد أن "الآخر" بعولمته التي يريد أن يفرضها، ومصالحه التي يسعى لتحقيقها - متيقظ تماما، ولذلك فإنَّه لا يألو جهدًا في محاربة العربية، هذه الهوية التي تربط بين نحو ثلاثمائة مليون إنسان، والإسلام هذا الدين الذي يجمع ما يزيد على مليار وثلاثمائة مليون إنسان، وليس الأمر وعيه بخطر اللغة والدين) مستورا يستنبط أو يُستشف من كلامه أو أفعاله؛ لكنه صريح مباشر لا غموض فيه ولا لبس، كما أنه ليس وعيًا يظهر على ألسنة المغمورين وأنصاف المثقفين والساسة، وفي أفعالهم ممن قد يجهلون دلالات الألفاظ، إنَّه عند أولئك المنظرين الإستراتيجيين الذين ينتمون إلى مؤسسات بحثية رفيعة المستوى تُعد مراكز للدراسات المستقبلية، وتحظى بدعم أصحاب القرار السياسي في أعلى مستوياته، وتعتمد في اتخاذ القرارات وبناء السياسات ونكتفي بواحد فقط من هؤلاء صمويل هنتنجتون صاحب الكتاب الذائع صراع الحضارات"، الذي يؤكد أن اللغة والدين هما العنصران المركزيان لأي ثقافة أو حضارة [۱۷]، في إشارة واضحة إلى أن الساحة الأخطر للصدام هي ساحة اللغة والدين، فإذا ما تحقق الانتصار فيهما أصبح من السهل الهيمنة


على الحضارة المعادية واستتباعها .


وبين غياب وعي الأنا ويقظة الآخر ، تبدو الهوية العربية الإسلامية


وفي القلب منها "اللغة" مكشوفة، غير قادرة على المواجهة، ويصبح خطر


الزوال أو الانحسار أو التشويه واردا، فعن طريق هذه الهوية، وهذه اللغة،


سيحدث الاختراق - اختراق العقل العربي الإسلامي - والعبث في خلاياه بما


تعنيه هذه الخلايا من خصوصية وقيم، وتاريخ وحضارة، فهل ننتظر حتى


٤٩٤٩


كلية الألسن الفرقة الأولى مقرر اللغة والإنسان - جميع الأقسام


يحدث ذلك؟ أم أننا سنقف بالمرصاد، وخاصة أن العابثين يلحون في طرق الأبواب، ويسلكون مختلف الطرق منذ أكثر من قرن ؟!
لخص هذا بشكل منظم اقدر اذاكر منه للامتحان مع التفاصيل الهامه


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

1. **Infrastruc...

1. **Infrastructure as a Service (IaaS)**: Through the Internet, this strategy offers virtualized co...

و “سلامة وبناته...

و “سلامة وبناتها” عبارة عن جزر تنتشر في هذا المضيق ، ويعود سبب تسميتها إلى أن هناك بحارة عرب تعرضوا ...

الموجودات: 1. *...

الموجودات: 1. *مصدر الطاقة*: يوفر مصدر الطاقة الجهد والتيار اللازمين لتنشيط الدائرة. يقوم عادةً بتحو...

stablishment of...

stablishment of the foundation represents a successful story of the UAE in very many aspects and it...

INTRODUCTION E...

INTRODUCTION ELECTRIC CARS ARE A GREAT WAY TO REDUCE DEPENDENCE ON FOSSIL FUELS AND GAS-EMITTING SE...

تبدأ القصة بتقد...

تبدأ القصة بتقديم الراوي ، يتذكر رسم صورة عندما كان في عمر السادسة - ل صورة لأفعى مضيق وهو يبتلع ف...

المرحلة الرابعة...

المرحلة الرابعة العصر الحديث ابتداء من القرن الرابع عشر بعد كتاب الزيادة والإحسان فترت الهمم عن التأ...

While the smart...

While the smart home offers convenience and cost savings, there are still challenges. Security risks...

قراءة مهمة ا...

قراءة مهمة القراءة : القراءة هي مهمة رائعة وضرورية في حياتنا. إنها تمنحنا فرصة للتعلم والترفيه ف...

Zone electropho...

Zone electrophoresis is similar to moving boundary electrophoresis in that it uses a homogeneous buf...

المورفولوجية لل...

المورفولوجية للصحراء الشرقية تقع بين وادي والدلتا في الغرب والبحر األحمر وخليج السويس وقناة السويس ...

The visual repr...

The visual representation of the materials in figure 3, showed the brownish colours of the prepared ...