لخّصلي

وكان الكوكب الرابع كوكب رجل أعمال، فلما نزله الأمير الصغير كان الرجل منهمكا كل الانهماك، حتى إنه لم يرفع رأسه عند وصول الأمير الصغير
فقال له الأخير: نهارك سعيد، إن سيكارتك قد انطفأت. أما الرجل فظل منكبا على حساباته يقول: «ثلاثة واثنان خمسة. خمسة وسبعة اثنا عشر، اثنا عشر وثلاثة خمسة عشر، نهارك سعيد.
خمسة عشر وسبعة اثنان وعشرون اثنان وعشرون وستة
ثمانية وعشرون لا وقت لي فأشعلها.
سنة وعشرون وخمسة واحد وثلاثون.
أف، الحاصل إذن خمسمئة مليون وستمئة واثنان وعشرون ألفا
وسبعمئة وواحد وثلاثون
قال الأمير : خمسمئة مليون ماذا ؟
قال الرجل: «آه... أنت لا تزال هنا؟ خمسمئة مليون .. لا أدري شيئاً. أنا مشغول جدا. أنا شخص جاد ليس لدي وقت للثرثرة
والترهات اثنان وخمسة سبعة ....عاود الأمير السؤال الذي لم يتخل أبدا عن سؤال طرحه في
حياته، فقال: خمسمئة مليون ماذا ؟
رفع رجل الأعمال رأسه وقال: أنا أقطن هذا الكوكب منذ أربع
وخمسين سنة، وما انزعجت إلا ثلاث مرات فقط :
المرة الأولى كانت قبل اثنتين وعشرين سنة خلت، عكرت علي صفو عملي خنفساء سقطت من حيث لا أدري، وأحدثت ضجة هائلة، تردد صداها في جميع الأنحاء، فأخطأت في حساباتي أربعة أخطاء، والمرة الثانية كانت قبل إحدى عشرة سنة خلت، أصبت بالروماتزم، وذلك لأني لا أمارس شيئًا من الرياضة البدنية، فعملي لا يترك لي متسعا من الوقت لأروح عن نفسي بالمشي في الطرقات من غير ما قصد ولا غاية. أنا شخص جاد. أما المرة الثالثة فهي هذه المرة. قلت
إذن خمسمئة مليون....
قال الأمير: مليون ماذا ؟
أدرك رجل الأعمال أنه لا أمل له في أن يترك بسلام.
فقال: ملايين من هذه الأشياء الصغيرة التي ترى أحيانا في
الأعلى في السماء.
قال الأمير: الذباب؟
قال: لا، بل أشياء صغيرة تضيء.
قال: النحل ؟
قال: لا، بل أشياء صغيرة لامعة، تساعد الكسالى على الاستغراق في أحلام يقظة، أما أنا فرجل رصين رزين لا يتسع وقتي
للأحلام.
قال: أه ... أنت تقصد النجوم.
قال: نعم، هي النجوم ؟
قال: وماذا تصنع بخمسمئة مليون من النجوم ؟
قال: خمسمئة مليون وستمئة واثنان وعشرون ألفاً وسبعمئة
وواحد وثلاثون أنا شخص جاد ودقيق في حساباتي.
قال: وما تصنع بهذه النجوم ؟
قال: أصنع بها ؟
قال: نعم ؟
قال: لا شيء. إنني أمتلكها.
قال: إنك تملك النجوم ؟
قال: نعم.
قال: لقد سبق لي أن رأيت ملكا ....
قال: الملوك لا تملك بل تحكم، و هناك فرق كبير.
قال: وما يفيدك امتلاك النجوم ؟
قال: إنها تجعلني غنيا.
قال: وما الذي يفيدك أن تكون غنيا؟
قال: يفيدني في شراء نجوم أخرى كلما اكتشفها مكتشف.
قال الأمير في نفسه: إن هذا الرجل يفكر إلى حد ما مثل
السكيرين .
غير أنه طرح عليه أسئلة أخرى.
قال: كيف يمكنك أن تمتلك النجوم ؟
قال الرجل متذمرا : لمن هذه النجوم ؟
قال: لا أدري لا أظنها لأحد.
قال: إذن هي لي لأني أول من فكر بامتلاكها.
قال: هل يكفي هذا لأن تكون لك ؟
قال: بالتأكيد، فأنت إذا وجدت ماسة لا تعود لأحد فإنها تصبح لك، وإذا اكتشفت جزيرة لا تعود لأحد فإنها تصبح لك، وإذا خطرت
على بالك فكرة لم تخطر على بال أحد فإنك تأخذ بها براءة اختراع.
وعلى هذا فأنا أملك النجوم لأنه لم يفكر قبلي أحد في امتلاكها.
قال الأمير الصغير : هذا صحيح، لكن ماذا تصنع بها ؟
قال: إني أسوسها وأعدها ثم أعيد عدها، إن المسألة صعبة غير
أني أكون شخصا جادا.
لم يقتنع الأمير الصغير بالجواب، فقال:
إذا ملكت منديلا أضعه حول رقبتي وأذهب به إذا شئت، وإذا ملكت زهرة قطفتها وذهبت بها إذا شئت. أما أنت فلا تقدر على
اقتطاف النجوم
قال: لا، ولكنني أستطيع وضعها في البنك.
قال: ماذا يعني ذلك ؟
قال: يعني أني أسجل في ورقة صغيرة عدد نجومي ثم أضع
الورقة في درج وأقفل عليها.
قال: هل هذا كل ما تصنع ؟
قال: هذا يكفيني.
ففكر الأمير الصغير في نفسه قائلا: إنه تصرف مضحك، إنه
شاعري نوعا ما، ولكنه ليس جديا.
كان للأمير الصغير رأي في الأمور الجدية مختلف تماما عن رأي
كبار السن.
قال الأمير الصغير وهو يلح : أنا عندي زهرة أسقيها كل يوم. وعندي ثلاثة براكين أنظفها مرة في كل أسبوع. وبينها بركان خامد أنظفه أيضًا فقد يثور هذا البركان، إن امتلاكي لبراكيني وزهرتي مفيد
لهما. أما أنت فلا تفيد النجوم شيئًا.
ففتح رجل الأعمال فمه للجواب، لكنه لم يجد أي شيء يقوله
في الجواب.
وانصرف الأمير الصغير، وهو يردد طوال رحلته: إن كبار
السن غير عاديين.