لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (31%)

‎بقلم الرئيس الراحل أحمد بن بلة
إذ أتاحت الأسلحة التي وصلت على متن اليخت من تكثيف العمليات الثورية في الجبال والمشاتي والعمليات الفدائية في قلب مدن الغرب الجزائري (المنطقة الغربية) حيث التعزيزات العسكرية الفرنسية المكثفة والحضور القوي للمستوطنين الأوربيين بالشكل والحجم الذي لا نجده في مناطق أخرى من الجزائر ولعل هذه المعطيات هي التي جعلت قادة الثورة يقررون وقف أي عمل بالمنطقة الغربية لإنجاح خطة واستراتيجية الإمداد اللوجستيكي بالسلاح عبر الحدود الغربية دون لفت أنظار الاستعمار، ولأن العلميات التي شنها جيش التحرير الوطني بعد وصول الأسلحة على متن اليخث دينا قد ألهبت المنطقة الغربية فإن ردود الفعل الاستعمارية كانت شرسة حتى أن الصحافة الفرنسية أطلقت على مسرح
لقد أضحت الأيام المتبقية لفرنسا في الجزائر معدودة بعد أن تَبَخَّرَ حلم الاستعمار خاصة وأن مساندة ودعم إخواننا المغاربيين في تونس والمغرب سيكون له دور جد إيجابي على مسار ثورة التحرير الجزائرية. وفي غمرة هذا التحول العميق الذي يشكل بحق منعطفا تاريخيا هاما في المسيرة الكفاحية من خلال التضامن بين كفاح الشعبين المغربي والجزائري في مواجهة الاستعمار وبشكل خاص عند العودة إلى دور المناضل نذير بوزار الذي يمثل أحد العناصر الفاعلة ، وهو يعني من وراء ذلك المجد الذي صنعه عدد من الطيارين في سلاح الجو البريطاني رغم قلتهم وبالنظر إلى شراسة وقوة الألمان بعد نجاحهم في تغيير مجرى ومسار الحرب من حيث إنقاذ مملكة التاج البريطاني وقتها
وبالقدر مثله دون السعي إلى تحقيق وجه المقارنة أو المقابلة، رغم أنها لم تكن العملية الوحيدة ولا الأكثر أهمية من بين عمليات الإمداد اللوجستيكي بالسلاح الكثيرة والموجهة لتموين الثورة وبشكل سري يحفظ لها النجاح ويحقق لها الإفلات من عيون القوات الاستعمارية الحريصة على منع الثورة من التموين بالأسلحة والذخيرة، ‎كما أن ملحمة اليخت دينا في أصلها وقفة تاريخية أكثر من رائعة وملهمة للحكمة والتبصر والتأمل وبالخصوص عند العودة إلى نص قائد الفوج على متن
وأيضا إمداد بعض مناطق الثورة الأخرى بجزء من الأسلحة وفق خطة مضبوطة يقودها رجال ثقاة وعارفون بالمسالك والممرات لضمان وصول الأسلحة بشكل آمن وبأقل خسارة في الأرواح. فإن وصول شحنة الأسلحة مكن من شن عديد الهجومات والكمائن والعمليات الفدائية التي غالبا ما تستهدف المصالح الحيوية للجيش الاستعماري وغلاة الكولون وعملاء الاستعمار، في وقت لم تستفق فيه فرنسا الاستعمارية من صدمة الهزيمة التي لحقت بها في الهند الصينية ولعلها أحد العوامل الرئيسية التي حملت كثير الضباط والعسكريين الفرنسيين على التعامل بوحشية وهمجية مع الثوار والمدنيين من عامة الشعب على حد سواء، ولعل أيضا فشل وعجز القوات الاستعمارية الفرنسية في تحقيق الحل العسكري إزاء الثورة جعلها تستقدم المزيد من الجنود وفرق الاحتياطيين خاصة أمام ضغط المستوطنين المطالبين بتأمين الحماية لأرواحهم وممتلكاتهم المنتزعة منذ بداية الاحتلال من أصحابها الشرعيين الذين تحولوا إلى مجرد عمال خماسين وهم الذين كانوا في سابق
وعلى ضوء هذه التحولات اتخدت سلطات الاستعمار حملة من الإجراءات والتدابير في هذا الإتجاه سعيا منها لاحتواء الموقف قبل فوات الأوان، وتتفوق من حيث العدة والعتاد دون أن نغفل عن الإشارة إلى أن هذه المعادلة غير مستقيمة ما دام الثوار في الجزائر يحملون قضية ويكافحون من أجل قيم الكرامة الانسانية ما يمنحهم كل حظوظ الانتصار عكس فرنسا الاستعمار التي تقود
‎كما يعتبر أحمد بن بلة مهندس العملية والمخطط للمغامرة بعد أن عرضت عليه ملكة الأردن الإبحار على اليخت دينا في نزهة دون أن تدرك وجهته الحقيقية ومهمته. كانت علامات التعب والإجهاد بادية على الجزائريين الثمانية بعد أن قضوا عدة ساعات في شحن الصناديق المقدرة من حيث الوزن بواحد وعشرين طنا، كما تراوح وزن كل صندوق على حسب طبيعة الشحنة سلاح، و75 100 كلغ ثم حملها على مسافة قاربت 600 متر، في حين كان على جميع من أبحر على متن دينا انتظار ثلاثين يوما للوصول إلى شواطئ إقليم الناظور، وهي الرحلة البحرية التي وصلت بعد إبحارها من المياه المصرية يوم 29 مارس 1955 في ظروف أقل ما قال عنها أصحابها أنها كانت عسيرة للغاية
واجه خلالها اليخت الأمواج العاتية جعلت الطاقم يتجمع في برج القيادة الصغير بينما كان الربان يتابع بكثير من القلق مستوى ماء البحر المتدفق والمتصاعد إلى المستوى
ونتيجة الارتطام القوي بفعل حركة الأمواج كان من الضروري إعادة ترتيب صناديق الأسلحة وأكياس الذخيرة بالشكل الذي يحفظ التوازن ولا يؤدي إلى فقدانه أو انقلاب اليخت
ازدادت علامات وملامح التعب والإرهاق بروزا بعدما أجبر الفريق المبحر على إفراغ اليخت من مياه البحر المتدفقة وإخراج صناديق الأسلحة والذخيرة التي تسلل إليها الماء واستمر الحال كذلك إلى غاية صباح يوم 4 مارس وهم يقتربون من اليابسة على
قبل أن يعهد القبطان إلى الاستعداد للإبحار مجددا، ربحا للوقت وبعد الإبحار بوقت قصير عقد نذير بوزار مع القبطان ومساعده اجتماعا يخص ترتيبات تتعلق بضرورة إعادة تمويه الصناديق قبل الرسو في ميناء طرابلس بالشكل الذي يجنب إثارة الشكوك والانتباه لما تم تخزينه و أيضا لا يحمل على التدقيق بالبحث في المستوى السفلي من المركبة، فإن الإبحار سيكون من دون شك غاية في الصعوبة وقد يثير بين الحين والآخر بعض الانزعاج وكثيرا من القلق ولعله أمر طبيعي في مثل
استمر اليخت في التقدم عرض البحر باتجاه العاصمة الليبية طرابلس، ولما استحال الأمر في وصول الشحنة إلى اليخت تقرر تحويل تمريرها إلى الجزائر برا عبر الحدود الشرقية وإلى غاية منطقة الأوراس، وهو ما سوف يقود فرنسا الاستعمارية إلى بناء السدين الشائكين والمكهربين (خط شال وموريس) ولهذا الغرض بالذات. استمرت المغامرة بعد ذلك بالحرص على عدم التوغل في المياه الإقليمية لتونس التي تسيطر عليها القوات الفرنسية، بدا العنصر المكلف بالاتصال متعجبا لأمر هؤلاء المغامرين حتى أنه كان ينظر لنذير بوزار ويسأله عما إذا كان يدرك نتيجة حجم المخاطرة الحتمية في نظره التي ستنجر عن مغامرته وكان خطابه يجمع بين الصدق في القول وروح الأخوة، لا أتصور نفسي متخليا عن رفاقي وقد قطعت على نفسي عهدا بأن أكون صادقا مع وطني ومع نفسي ومع من يرافقني في هذه المهمة، أن أجمل ما يخدم قضيتي النبيلة والعادلة الاستشهاد في سبيلها لقناعتي بأن النصر في النهاية سيكون حليفنا. ولحسن حظ رفاق نذير بوزار جرت الأمور بشكل عادي دون أن يكتشف الجمارك أمر الشحنة المخبأة في مستوى / قاع اليخت السفلي والذي يعلوه مستوى آخر من العمق ليشار إليهم ظهر يوم 29 مارس بإمكانية مغادرة الميناء بعد التزود بما يحتاجونه من الوقود والأغراض
انطلق اليخت باتجاه الشمال وكأنما اختار وجهته المقبلة إسبانيا في سعي ومحاولة للابتعاد عن الأنظار وبعد قطع مسافة أميال بحرية تحول اليخت باتجاه الشرق نحو الجزائر. لذلك تطلب الأمر تحويل صندوق يزن 50 كلغ إلى مثبت لتفادي انقلابه، مما فرض الاعتماد على الأشخاص وساعات من الليل بكامله لإنهاء العملية،


النص الأصلي

‎مقدمة
‎بقلم الرئيس الراحل أحمد بن بلة
‎(ترجمة)
‎وكأن الزمن البعيد تستدرجه الذاكرة فيوحي بكثير من الأشياء وقد يحملنا على الصمت والاكتفاء
‎فقط بالغوض في ذاكرة التاريخ .
‎التقيت الرفيق نذير بوزار أول مرة بالقاهرة العاصمة المصرية، حينها تلمست في الرجل رغبة جامحة لخدمة الثورة المسلحة سيما وأن إصراره المتدفق على الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني كان باديا بشكل واضح وملفت للنظر، وما كان ملفتا أكثر ملكاته وثقافته الواسعة وهي مؤهلات الكفاءة المتميزة في رجل الدبلوماسية الذي يجيد فن التمثيل الخارجي
‎الأمثل والراقي الذي لا يجيده الكثير.
‎كان الرجل يُشعُ ويَتَّقِدُ بضياء روح الثورة رغبة في خدمة وطنه، دون أن يدرك وقتها أنه سيكون فاعلا مهما في مسألة إمداد الثورة بالسلاح عبر مراحلها الأكثر صعوبة وحسماً، وهو الذي قاد يخت ملكة الأردن : اليخت دينا إلى منطقة الريف المغربي محملا بشحنة الأسلحة الموجهة لثوار المغرب والجزائر، كما ساهم في وضع الأسس العملية لتأطير جيش التحرير المغربي في منطقة الريف الواقعة تحت قبضة الاستعمار الاسباني وهو الوجه الذي بقي مجهولا عنه لدى جمهور المهتمين والباحثين.
ففي اليوم الثاني من شهر أكتوبر 1955 ضبطت هيئة أركان مشتركة جزائرية مغربية خطة عمل مشتركة انطلاقا من إقليم الريف لصالح المغرب الشقيق ولصالح المنطقة الخامسة ومناطق أخرى للثورة في الجزائر سيما بعد النجاح السياسي والعسكري الذي حققته هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني تزامنا مع ذكرى نفي سلطان المغرب محمد الخامس بما يؤكد على وثاقه وحدة الآمال والعمل التحريري بين المغرب والجزائر.
لقد كانت قضية دينا حيوية بالنسبة للكفاح التحريري الذي يقوده جيش التحرير الوطني ALN في الجزائر، إذ أتاحت الأسلحة التي وصلت على متن اليخت من تكثيف العمليات الثورية في الجبال والمشاتي والعمليات الفدائية في قلب مدن الغرب الجزائري (المنطقة الغربية) حيث التعزيزات العسكرية الفرنسية المكثفة والحضور القوي للمستوطنين الأوربيين بالشكل والحجم الذي لا نجده في مناطق أخرى من الجزائر ولعل هذه المعطيات هي التي جعلت قادة الثورة يقررون وقف أي عمل بالمنطقة الغربية لإنجاح خطة واستراتيجية الإمداد اللوجستيكي بالسلاح عبر الحدود الغربية دون لفت أنظار الاستعمار، وهي الخطة التي دبرها ونفذها الشهيد محمد العربي بن مهيدي المسؤول العسكري للمنطقة الخامسة - مع نائبه عبد الحفيظ بوصوف وقيادة الثورة بالقاهرة بالتنسيق مع المرحوم محمد بوضياف
ولأن العلميات التي شنها جيش التحرير الوطني بعد وصول الأسلحة على متن اليخث دينا قد ألهبت المنطقة الغربية فإن ردود الفعل الاستعمارية كانت شرسة حتى أن الصحافة الفرنسية أطلقت على مسرح
المعارك بمثلث الموت.
وحيث أصيبت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بحالة من الاكتراث والهلع، قررت إطلاق سراح السلطان محمد الخامس واستعادته للعرش في خطوة مناوراتية هدفها عزل الكفاح المسلح الدائر في الجزائر لكن هذا الإجراء لم يكن ليؤثر أو يغير مجرى التاريخ. لقد أضحت الأيام المتبقية لفرنسا في الجزائر معدودة بعد أن تَبَخَّرَ حلم الاستعمار خاصة وأن مساندة ودعم إخواننا المغاربيين في تونس والمغرب سيكون له دور جد إيجابي على مسار ثورة التحرير الجزائرية.
وفي غمرة هذا التحول العميق الذي يشكل بحق منعطفا تاريخيا هاما في المسيرة الكفاحية من خلال التضامن بين كفاح الشعبين المغربي والجزائري في مواجهة الاستعمار وبشكل خاص عند العودة إلى دور المناضل نذير بوزار الذي يمثل أحد العناصر الفاعلة ، في ذلك إذ كان المسؤول الذي قاد اليخت دينا وعلى متنه هواري بومدين الذي سيكون لاحقا مسؤولا كبيرا في الثورة ابتداء من توليه مسؤوليات عسكرية كعقيد الولاية الخامسة التاريخية، ومن هذا المنطلق تظهر أهمية هذا الكتاب التي تعود بكثير من التفاصيل حول فصل من فصول ثورتنا المجيدة.
وفي كل مرة أسترجع خلالها بعض الذكريات يتملكني شعور يصعب وصفه والتعبير عنه، لأن مثل هذه اللحظات من حياتنا تغمرنا وتمنحنا أقوى المعاني والمغازي ومن جانبي سيكون نذير بوزار وغيره من رجالات هذا الوطن المفدى دائم الحضور في ذاكرتي وذكرياتي.


‎مشيدا بالانتصار الثمين الذي حققته الوحدات البريطانية المقاتلة، وهو يعني من وراء ذلك المجد الذي صنعه عدد من الطيارين في سلاح الجو البريطاني رغم قلتهم وبالنظر إلى شراسة وقوة الألمان بعد نجاحهم في تغيير مجرى ومسار الحرب من حيث إنقاذ مملكة التاج البريطاني وقتها
وبالقدر مثله دون السعي إلى تحقيق وجه المقارنة أو المقابلة، فإن أبطال ملحمة اليخت دينا يستحقون رغم قلتهم القليلة كل التقدير من جانب من عرفهم أو لم يعرفهم،


‎حرب التحرير الوطنية، رغم أنها لم تكن العملية الوحيدة ولا الأكثر أهمية من بين عمليات الإمداد اللوجستيكي بالسلاح الكثيرة والموجهة لتموين الثورة وبشكل سري يحفظ لها النجاح ويحقق لها الإفلات من عيون القوات الاستعمارية الحريصة على منع الثورة من التموين بالأسلحة والذخيرة، ومهما يكن من شيء فإن وقع العملية هذه من المنظور الاستراتيجي والحربي، ومواصفات أبطالها ممن صنعوا قصتها وقادوا اليخت في رحلته يجعل الاستثناء متفردا والمثال رائعا.
‎كما أن ملحمة اليخت دينا في أصلها وقفة تاريخية أكثر من رائعة وملهمة للحكمة والتبصر والتأمل وبالخصوص عند العودة إلى نص قائد الفوج على متن
‎اليخت : نذير بوزار .
‎ومن هذا التصور فإن هذه المحاولة المتواضعة من وراء إخراج هذا الكتاب تتوجه خصوصا، إلى جيل اليوم من أبناء وبنات الجزائر لتصفح بعض الأوراق والفصول المرتبطة بتاريخ الجزائر المكافحة من أجل الاستقلال والحرية وأهميتها الكبيرة بالنسبة لتاريخنا الوطني، وقد اخترنا ملحمة اليخت دينا لاعتقادنا أنه مثال جيد من بين أمثلة كثيرة هي الأخرى بحاجة إلى أن نبرزها ونتوقف عندها وقفة متأنية.
لقد مكن اليخت دينا بفضل من خطط للعملية وقادها إلى غاية وصوله إلى منطقة الناظور بالمملكة المغربية و منها إلى المنطقة الغربية (المنطقة الخامسة) من تكثيف العمل الثوري لوحدات جيش التحرير الوطني في الغرب الجزائري ابتداء من أول شهر أكتوبر 1955 ، حيث بلغ حجم شحنة الأسلحة 21 طنا في معظمها أسلحة أوتوماتكية خفيفة، وقنابل ومتفجرات وذخيرة متنوعة .
كما أتاح وصول هذه الشحنة إمكانية تجنيد المزيد من المتطوعين الذين التحقوا بمراكز التدريب التي أنشأتها الثورة في نقاط مختلفة على الحدود الغربية مع المملكة المغربية، وأيضا إمداد بعض مناطق الثورة الأخرى بجزء من الأسلحة وفق خطة مضبوطة يقودها رجال ثقاة وعارفون بالمسالك والممرات لضمان وصول الأسلحة بشكل آمن وبأقل خسارة في الأرواح.


‎لقد بات واضحا أنه اعتبارا من نهاية سنة 1955 ، عرف الكفاح المسلح انتشارا وتوسعا كاسحا، في وقت قررت الإدارة الاستعمارية الفرنسية الزيادة في تعزيزاتها العسكرية المادية والبشرية في خطوة لتحقيق التفوق العسكري ولكسر شوكة الثورة.
‎ومن جانب وحدات جيش التحرير الوطني، فإن وصول شحنة الأسلحة مكن من شن عديد الهجومات والكمائن والعمليات الفدائية التي غالبا ما تستهدف المصالح الحيوية للجيش الاستعماري وغلاة الكولون وعملاء الاستعمار، في وقت لم تستفق فيه فرنسا الاستعمارية من صدمة الهزيمة التي لحقت بها في الهند الصينية ولعلها أحد العوامل الرئيسية التي حملت كثير الضباط والعسكريين الفرنسيين على التعامل بوحشية وهمجية مع الثوار والمدنيين من عامة الشعب على حد سواء، ولعل أيضا فشل وعجز القوات الاستعمارية الفرنسية في تحقيق الحل العسكري إزاء الثورة جعلها تستقدم المزيد من الجنود وفرق الاحتياطيين خاصة أمام ضغط المستوطنين المطالبين بتأمين الحماية لأرواحهم وممتلكاتهم المنتزعة منذ بداية الاحتلال من أصحابها الشرعيين الذين تحولوا إلى مجرد عمال خماسين وهم الذين كانوا في سابق
العهد ملاكا.
وعلى ضوء هذه التحولات اتخدت سلطات الاستعمار حملة من الإجراءات والتدابير في هذا الإتجاه سعيا منها لاحتواء الموقف قبل فوات الأوان، ففي 24 فيفري 1955 أصدرت قرارا يقضي باستدعاء جميع الوحدات الاحتياطية، ومن جانبها أقرت حكومة إدغار فور قرارين مؤرخين في 24 و 28 أفريل 1955 يتضمنان إرسال فرق الاحتياط إلى الجزائر، وتمديد مدة الخدمة العسكرية من 18 شهرا إلى سنة كاملة في مرحلة أولى قبل أن تجعلها في مرحلة لاحقة من 27 إلى 30 شهرا ، وبموجب هذه الإجراءات الجديدة ارتفع تعداد الجيش الفرنسي إلى أكثر من 415 ألف عسكري، وسوف يرتفع تدريجيا هذا العدد حتى تكون سلطات الاستعمار قد وظفت مليونين من العسكريين بينهم 15 ألف في سلك سلاح البحرية، و 86 ألف جندي في سلاح الطيران الحربي بالإضافة إلى نحو 120 ألف من الخونة، والواضح أن هذه الترسانة المخيفة إذا ما استقرأنا لغة الأرقام تفوق بكثير عدد وحدات جيش التحرير الوطني، وتتفوق من حيث العدة والعتاد دون أن نغفل عن الإشارة إلى أن هذه المعادلة غير مستقيمة ما دام الثوار في الجزائر يحملون قضية ويكافحون من أجل قيم الكرامة الانسانية ما يمنحهم كل حظوظ الانتصار عكس فرنسا الاستعمار التي تقود
حربا مفرغة من أبسط المثل والقيم الإنسانية.
وحتى إن استطاعت الثورة من التزود بالسلاح فإن إستراتيجيتها الحربية وفق المنظور الذي خطط له قادتها ظلت تقوم وترتكز على الحرب الثورية حرب العصابات وهو التعبير الشائع والمعتمد أساسا على ضرب الأهداف في مواعيد محددة والانسحاب الخاطف بما يتيح تحقيق الأهداف وتجنب الخسائر في الأرواح وهي الإستراتيجية التي أثبتت نجاعتها وروجت لحالة من القلق المذهل في الأوساط الاستعمارية.


‎في يوم 28 فيفري 1955 ، أبحر اليخت دينا وهو ملك لملكة الأردن، من ميناء الإسكندرية بالديار المصرية محملا بشحنة أسلحة وذخيرة يفوق وزنها 21 طنا متوجها إلى شواطئ الناظور في الإقليم الاسباني على تراب المملكة المغربية، وأما شحنة الأسلحة فكانت موجهة بالأساس إلى جيش التحرير الجزائري وجيش التحرير المغربي.
‎قائد العملية كان نذير بوزار ، وعلى متن المركبة كان يتواجد عدد من الرجال بينهم : محمد بوخروبة هواري بومدين، سي علي جلالي، زناتي، سي أحمد وطالبين شابين.
‎كما يعتبر أحمد بن بلة مهندس العملية والمخطط للمغامرة بعد أن عرضت عليه ملكة الأردن الإبحار على اليخت دينا في نزهة دون أن تدرك وجهته الحقيقية ومهمته.


‎وأما فريق الإبحار فكان يضم أربعة من الرجال بينهم الربان يوغسلا في الجنسية ويدعى Jean يساعده آخر من جنسية سودانية، وطباخ ومشرف على المحرك ومكلف بأشغال الصيانة، وكان جميعهم ملتزمون بالتصرف كأنهم بحارة عاديون في رحلة بحرية عادية ليكون مجموع الفريق 13 شخصا أبحروا على ظهر يخت يبلغ طوله 11 مترا مزودا بمحركين يشتغلان بالديازل المازوت وغير مجهز بجهاز الإرسال حيث لا تتجاوز قوة الدفع للمحركين الإثنين 6 عقد بحرية، وبإمكانه حمل وزن لا يمكن أن يتجاوز 22 طنا ، وللإشارة فإن اليخت دينا هو في الأصل مركب إنقاذ تم تحويله إلى يخت للتنزه رغم افتقاره لشروط الجمالية و الأناقة التي نجدها في أمثاله ناهيك عن
‎افتقاره أيضا للتجهيزات العصرية الضرورية.
‎عشية الإبحار، كانت علامات التعب والإجهاد بادية على الجزائريين الثمانية بعد أن قضوا عدة ساعات في شحن الصناديق المقدرة من حيث الوزن بواحد وعشرين طنا، كما تراوح وزن كل صندوق على حسب طبيعة الشحنة سلاح، متفجرات قنابل يدوية، ذخيرة من مختلف الأنواع ..... ما بين 50 ، و75 100 كلغ ثم حملها على مسافة قاربت 600 متر، وأما عملية الشحن فقد استغرقت 20 ساعة، في حين كان على جميع من أبحر على متن دينا انتظار ثلاثين يوما للوصول إلى شواطئ إقليم الناظور، وهي الرحلة البحرية التي وصلت بعد إبحارها من المياه المصرية يوم 29 مارس 1955 في ظروف أقل ما قال عنها أصحابها أنها كانت عسيرة للغاية
ويذكر نذير بوزار في كتابه الذي جمع فيه تفاصيل الإبحار والرحلة أن الأحوال المناخية السيئة لم تتح الظروف الملائمة لانجاز الرحلة على الأقل في ظروف عادية ما اضطرهم للرسو في أول مارس قريبا من شواطئ درنا مما أيقظ مصالح الشرطة والجمارك للقيام بمراقبة روتينية بسيطة لم تثر فيهم حتى التصرف بروح فضولية لمعرفة ما يوجد على متن اليخت، سيما وأن الأعطاب التي لحقت بالمركبة صرفت أنظارهم وألهتهم بالتفكير في سبل إصلاحها ، ولم تكن هذه الحادثة الأخيرة في ما اعترض الرحلة
لأن ما كان ينتظرها كان الأعسر والأصعب.
حادثة العطب هذه كلفت المهمة تأخيرا بـ 48 ساعة منذ وقت إبحارها ، وفرض على الرجال التقليص من الزاد ريثما يتم الوصول إلى ميناء طرابلس بليبيا غير أن عاصفة هوجاء فرضت عليهم الاحتماء بميناء بنغازي يومين فقط بعد متابعة الإبحار، واجه خلالها اليخت الأمواج العاتية جعلت الطاقم يتجمع في برج القيادة الصغير بينما كان الربان يتابع بكثير من القلق مستوى ماء البحر المتدفق والمتصاعد إلى المستوى
السفلي من اليخت.
ونتيجة الارتطام القوي بفعل حركة الأمواج كان من الضروري إعادة ترتيب صناديق الأسلحة وأكياس الذخيرة بالشكل الذي يحفظ التوازن ولا يؤدي إلى فقدانه أو انقلاب اليخت
ازدادت علامات وملامح التعب والإرهاق بروزا بعدما أجبر الفريق المبحر على إفراغ اليخت من مياه البحر المتدفقة وإخراج صناديق الأسلحة والذخيرة التي تسلل إليها الماء واستمر الحال كذلك إلى غاية صباح يوم 4 مارس وهم يقتربون من اليابسة على
مشارف مدينة بنغازي الليبية.
كما لوحظ اقتراب زورق تابع للحرس الليبي استغربوا وصولهم سالمين وقد أخطروهم بأن العاصفة التي نجوا منها بأعجوبة أغرقت خلال ثلاثة أيام 20
سفينة بينها باخرتان كبيرتان.
وبعد الخضوع للمراقبة الروتينية لمصالح المراقبة . والجمركة الليبية، ركن جميع الرجال الذين كانوا على متن دينا للراحة طيلة يومين كاملين وقد استحقوها، قبل أن يعهد القبطان إلى الاستعداد للإبحار مجددا، حيث تم التزود بالزاد والمؤونة والوقود ما يكفي للوصول إلى العاصمة طرابلس وهكذا تم تشغيل المحركات في الصباح الباكر من يوم 5 مارس.
ربحا للوقت وبعد الإبحار بوقت قصير عقد نذير بوزار مع القبطان ومساعده اجتماعا يخص ترتيبات تتعلق بضرورة إعادة تمويه الصناديق قبل الرسو في ميناء طرابلس بالشكل الذي يجنب إثارة الشكوك والانتباه لما تم تخزينه و أيضا لا يحمل على التدقيق بالبحث في المستوى السفلي من المركبة، كما بات من الواضح أن الإبحار في مثل هذه الظروف إذا ما أخذنا في الحسبان المسافة البحرية التي تفصل بين مصر وشواطئ الناظور والمخاطر المتوقعة ولعلها كثيرة وخطيرة، فإن الإبحار سيكون من دون شك غاية في الصعوبة وقد يثير بين الحين والآخر بعض الانزعاج وكثيرا من القلق ولعله أمر طبيعي في مثل
هذه الظروف.
استمر اليخت في التقدم عرض البحر باتجاه العاصمة الليبية طرابلس، وفي ميناء طرابلس كان ينتظر شحن كمية إضافية من الأسلحة كان من المفروض وضعها في صناديق الأمر الذي أثار شيئا من القلق، حتى أن ثلاثة من بين الرجال : سي علي والشابين الطالبين تركا اليخت الذي واصل الإبحار.
وبعد فترة بدأت تبدو مدينة طرابلس دون الاقتراب منها كثيرا حيث وصلت الشحنة الإضافية من الأسلحة إلى اليخت دينا على ظهر زوارق، لكن صعوبة العملية حالت دون ذلك بسبب التيارات البحرية القوية حتى إن زورقا انقلب و كاد أحد الرجال أن يغرق .
ولما استحال الأمر في وصول الشحنة إلى اليخت تقرر تحويل تمريرها إلى الجزائر برا عبر الحدود الشرقية وإلى غاية منطقة الأوراس، وقد قدر وزن الحمولة بـ 7 قناطير ونصف، ذلك أن الوضع ابتداء من المياه الإقليمية التونسية لن يكون بالأمر اليسير خاصة و أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية كانت قد سخرت تعزيزات عسكرية ضخمة منذ تفجير الثورة المسلحة في الفاتح من نوفمبر 1954 كإجراء لحالة الاستنفار القصوى ولخنق الثورة وعزلها عن العالم الخارجي سيما، وأن الحدود الشرقية والغربية للجزائر في الإستراتيجية الاستعمارية مجال حيوي في إدارة الحرب، وهو ما سوف يقود فرنسا الاستعمارية إلى بناء السدين الشائكين والمكهربين (خط شال وموريس) ولهذا الغرض بالذات.
استمرت المغامرة بعد ذلك بالحرص على عدم التوغل في المياه الإقليمية لتونس التي تسيطر عليها القوات الفرنسية، ومع بزوغ فجر يوم 19 مارس وصل اليخت إلى مدينة بالرمو الإيطالية Palerme ، أين كان عنصر الاتصال في الانتظار حيث التقاه نذير بوزار.
بدا العنصر المكلف بالاتصال متعجبا لأمر هؤلاء المغامرين حتى أنه كان ينظر لنذير بوزار ويسأله عما إذا كان يدرك نتيجة حجم المخاطرة الحتمية في نظره التي ستنجر عن مغامرته وكان خطابه يجمع بين الصدق في القول وروح الأخوة، غير أن نذير بوزار أجاب عن وعي وثبات وإدراك للمسألة :
... لا أتصور نفسي متخليا عن رفاقي وقد قطعت على نفسي عهدا بأن أكون صادقا مع وطني ومع نفسي ومع من يرافقني في هذه المهمة، وأما عن المخاطر، فلك أن تعلم
أن أجمل ما يخدم قضيتي النبيلة والعادلة الاستشهاد في سبيلها لقناعتي بأن النصر في النهاية سيكون حليفنا.


مغامرتنا كما تبدو هي فعلا في غاية الصعوبة، لكن شيئا في نفسي ودواخلي يشعرني بأنه رغم المخاطر والصعاب الكبيرة إلا أننا سننجح حتما في مهمتنا ......
في يوم 20 مارس أبحر اليخت دينا مواصلا رحلته شاقا البحر، والطاقم جميعه في حالة واضحة من الإرهاق نتيجة المتاعب الكثيرة التي اعترضته وما كان ينتظر الرجال في الواقع كان أكثر من المتوقع، إذ بعد 6 أيام أجبروا على الرسو في ميناء مليلة الواقع تحت السيطرة الاسبانية أين واجهتهم متاعب مع الجمارك الإسبان الذين وصفوهم بالمهربين ونعتوهم بالتجار غير الشرعيين، وأخضعوهم للمساءلة، ولحسن حظ رفاق نذير بوزار جرت الأمور بشكل عادي دون أن يكتشف الجمارك أمر الشحنة المخبأة في مستوى / قاع اليخت السفلي والذي يعلوه مستوى آخر من العمق ليشار إليهم ظهر يوم 29 مارس بإمكانية مغادرة الميناء بعد التزود بما يحتاجونه من الوقود والأغراض
الأخرى.
انطلق اليخت باتجاه الشمال وكأنما اختار وجهته المقبلة إسبانيا في سعي ومحاولة للابتعاد عن الأنظار وبعد قطع مسافة أميال بحرية تحول اليخت باتجاه الشرق نحو الجزائر.
وصل المبحرون على ظهر دينا بالقرب من الناظور ليلا مستدلين بأضواء نصبها مجاهدون جزائريون (75) عنصرا ) ، ومغاربة (عنصران) كانوا يترقبون وصولهم وحين حاول اليخت الاقتراب من ساحل الناظور عبر مسالك آمنة استيقظت حركة الأمواج وأفقدت دينا توازنه، لذلك تطلب الأمر تحويل صندوق يزن 50 كلغ إلى مثبت لتفادي انقلابه، وبعد حين بدأت أخيرا عملية تنزيل الشحنة وإيصالها نحو الشاطئ وهي العملية التي رافقتها متاعب لا يمكن وصفها ، بحيث وقعت الصناديق في أكثر من مرة في الماء وغمرت المياه القارب، مما فرض الاعتماد على الأشخاص وساعات من الليل بكامله لإنهاء العملية، بعدها استلمت وحدات جديدة من جيش التحرير الجزائري وأخرى من جيش التحرير المغربي المداومة لإتمام المهمة، بروح لا يمكن وصفها ، ذلك أن جميعهم كان يدرك أهمية ما يقدمون عليه في تغيير مجرى الكفاح المسلح ومهما استفضنا
في الجزائر.
في الوقوف على تفاصيل ملحمة اليخت دينا ضمن ملاحم وقصص الدعم اللوجيستيكي للثورة بالسلاح ومغامرات الكثير من السفن الخاصة بالإمداد، فإن البحث فيها سيظل من الاهتمامات المثيرة والهامة ما دامت ترتبط بنضالات آبائنا وأجدادنا الشهداء الأبرار رحمة الله عليهم والمجاهدون الأموات
منهم والأحياء.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الخبرات المباشر...

الخبرات المباشرة الهادفة Direct Purposeful Experiences: وهي تمثل قاعدة المخروط الواقعية المباشرة أو ...

مقدمة الناشر إن...

مقدمة الناشر إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد...

حقوق المؤلف عنا...

حقوق المؤلف عناصر الحق الأدبي " غير القابلة للتقادم أو التنازل 3 " نشر المصنف لأول مرة " الحق في إت...

Genetic Testing...

Genetic Testing Genetic testing is a medical test that examines a person's DNA to identify any chan...

المستوى الصرفي ...

المستوى الصرفي قد يقع اختيار المرسل على الصياغة التي تنتسب إلى المستوى الصرفي استجابة لتأثير الهدف م...

المادة 27 لحقوق...

المادة 27 لحقوق اإلنسان: من اإلعالن العال م لكل فرد الحق ف واالستفادةمن النتائج التقدم العل ...

« Goût orange o...

« Goût orange ou fruit exotique ? » La question est de plus en plus posée en pharmacie quand il s'ag...

يعد الذكاء الإص...

يعد الذكاء الإصطناعي من الأنظمة المبرمجة وفقاً لأساليب تقنية معينة تظهر سلوكاً ذكياً تعمل على تحليل ...

الفصل الأول الف...

الفصل الأول الفكر التربوى والعوامل المؤثرة فيه الفكر: الفكر الإنسانى Human Thought هو محصلة التعبير ...

حضور المحاضرات ...

حضور المحاضرات واإلستماع إلى شرح األستاذ ألن كل نقطة تم ذكرها في هذه المحاضرات تم شرحها والتفصيل في...

File-level Stor...

File-level Storage Virtualization Provides an abstraction in the NAS/File servers environment Elimin...

Utilize platfor...

Utilize platforms like Instagram, Facebook, Twitter, and TikTok to share our campaign message, engag...