لخّصلي

ّ الصراع اإلسرائيلي ّ -الفلسطيني هو الذي يجعل تدريس العربيّة مختلف
ّ والمواضيع األخرى التي يتم ّ تدريسها في جهاز التربية والتعليم اإلسرائيلي. إنّه موضوع
ّ تعليمي ّ يختص، مباشرة، بلغة العرب ـ مواطني إسرائيل، الفلسطينيّين والعرب في عموم
ّ ز العربي. لكن بالرغم من، وربّما بفضل، هذا
ّ المنطقة ـ ما يجعله قناة للتعرف على الحيّ
ّم العربيّة، كان منذ الخمسينات قوميًّا، أمنيًّا
ّ السياق المباشر، إال ّ أن ّ الدافع الرئيسي لتعل
ُبر اليهود األكثر
واستخباراتيًّا؛ وقد خاض اليهود وحدهم السجال في هذا الموضوع، واعت
ًدما.
ُ
َ مالء ّ مة للمضي به ق
ّ إلى جانب ذلك، فإن ّ واقع الصراع اإلسرائيلي ّ -الفلسطيني، العنف، الجفاء والخوف الناجمة
ّرة، يضع الناطقين بالعربيّة، في
ً عن هذا الواقع، وخصوص ّ ا في الفترات الحساسة أو المتوت
أحيان كثيرة، في خانة الـ "المشتبه بهم الفوريّ ّ ون"، ناهيك عن أن اللغة العربيّة نفسها تعاني
من تداعيات سلبيّة بين يهود إسرائيليّين كثيرين. بسبب هذا التأطير، يشعر كثيرون من
ّ يعتقد معظم المواطنين في إسرائيل أن
اليهود بالخوف من اللغة العربيّة ومن الناطقين بها.13
ُّم اللغة العربيّة هي لـ "الضرورات األمنيّ ّ ة" فقط ومن باب "اعرف عدوك"،14
الحاجة إلى تعل
ّغة لم تساعد، إذ بقيت نسبة اليهود الذين يجيدون
ّى هذه "العسكرة" لل
باألساس؛ لكن حت
العربيّة في إسرائيل متدنّ ًّ ية جدا؛ وهو ما يشير إلى إخفاقات وحاالت قصور في التفكير بشأن
اللغة العربيّة، سواء داخل المدرسة أو خارجها.
يشير يونتان مندل إلى أنّه في سيرورة هيكلة مجال تدريس العربيّة في إسرائيل، نشأت
لهجة اجتماعيّ ّ ة يسميها "عربيّة إسرائيليّ ّ ة"، موجودة في المجتمع اليهودي فقط.15 هذه اللهجة
ّى من المميّزات الفيلولوجيّة لتدريس اللغة العربيّة في إسرائيل ـ معرفة النحو
االجتماعيّة تتغذ
ّ والصرف )منهج تدريسي ّ يسمى في الدراسة النقديّة "لتننة العربيّة" التعامل مع العربيّة
كالتينيّة( ـ ومن السياقات األمنيّة التي ارتبطت بها، خالل العقود األربعة األولى من عمر
الدولة بالتحديد. هكذا أصبحت العربيّة في إسرائيل لغة اصطناعيّة، سالبة/ خاملة ومحدودة،
ّ ا بمعزل عن أي ارتباط بالتقاليد، بالثقافة أو بالناس الذين يستخدمونها في حياتهم.16
تعيش أحيانً
ّ ة، بل لغة تخيف المؤسسة؛
ّ
بكلمات أخرى، أصبحت العربيّة لغة يكاد اليهود ال يستخدمونها البت
ّ ى تقر ّ ر في شهر تموز 2018 إلغاء مكانتها الرسميّة. االعتبارات المدنيّة التي يجدر،
ّ
حت
ً استنادا إليها، تدريس العربيّة في إسرائيل، وبضمنها اعتبارات مدنيّة، اجتماعيّة وثقافيّة،
يًّ ً ا، تقريب ّ ا. مزعج ومقلق بشكل خاص ً ، أيض ُ ا، غياب صنّاع القرار
ّ
مغيّبة عن النقاش كل
العرب في هذا المجال وغياب التعاون بين وزارة التربية والتعليم والمدارس، المنظّمات،
ّل السكّان
يّة والهيئات األخرى التي تمث
ّ
ّ المؤسسات، المراكز الجماهيريّة، السلطات المحل

العرب-الفلسطينيّين في إسرائيل.17
تصطدم محاولة إعادة تأطير اللغة العربيّة على قاعدة االعتبارات المدنيّة واالجتماعيّة –
وهي السيرورة التي أسميتها في السابق ”تمدين اللغة العربيّة“ ـ بصعوبات عديدة، نتيجة
ّ المناخ السياسي ّ في أحيان كثيرة، مما يجعل من الصعب التعامل مع العربيّة من حيث
كونها لغة مدنيّ ّ ة وبوابة للثقافة العربيّة. هذا ليس منوطً ا بجهاز التعليم فقط، وإنّما بمجمل
ّ اإلطار السياسي ّ العام ً في إسرائيل، أيضا. وفي اعتقادي أنّه من غير الممكن تجاهل األحداث
ّر رئيس الحكومة من المواطنين العرب الذين
السياسيّة، ولذا يجب القول بصراحة: حين يحذ
ّ قون إلى صناديق االقتراع“ ويدعو إلى رد ّ ة فعل مضادة سريعة؛ وحين يكرس قانون
ّ
”يتدف
القوميّ ً ة وضع ً ا جديدا يُ َعتبر فيه المواطنون العرب نبتة غريبة في الدولة اليهوديّة؛ وحين يعود
ّ رئيس الحكومة ويقول إن مقاعد أعضاء الكنيست العرب “ال تؤخذ في الحسبان“، فعندئذ
ّ وفي وضع سياسي ّ كهذا، من غير الممكن الفصل بين تعامل اليهود الحدسي مع العرب