لخّصلي

"المركزية والالمركزية "
ليس هناك أسلوب إداري واحد يلزم اتباعه لتنظيم وتسيير الشؤون المجتمعية داخل الدولة،
فكل دولة تأخذ باألسلوب اإلداري الذي يناسب ظروفها السياسية واإلجتماعية واإلقتصادية
،باعتبار النظام اإلداري المطبق ليس غاية في حد ذات بل هو وسيلة تستهدف تحقيق الحاجات
العامة.ويمكن أن تتحكم في اختيار الدولة ألسلوب إداري معين عوامل عدة،منها نظامها
الدستوري والقانوني وكذلك حجم ورقعتها الجغرافية.
ويمكن حصر النظم اإلدارية التي عرفتها مختلف الدول إلى نظامين أساسيين، نظام الوحدة
اإلدارية ويطلق عليها ، المركزية اإلدارية، ثم تعدد السلطات اإلدارية ويطلق عليها
الالمركزية اإلدارية.
الجانب النظري للتنظيم اإلداري على فكرتين أساسيتين: األولى قانونية وهي الشخصية
المعنوية، والثانية فنية وتتجلى في أسلوبي المركزية والالمركزية.
وسنتناول في هذا المحور النظامين معا، المركزية
والالمركزية.
أوال:المركزية اإلدارية:
1ـ تحديد المفهوم:
"تعني المركزية في مفهومها العام ، التوحيد وعدم التجزئة ، وفي مجال التنظيم اإلداري ،
فيقصد بالمركزية توحيد مظاهر النشاط اإلداري في الدولة وتجميعها في يد السلطة التنفيذية
وفروعها في العاصمة واألقاليم بشكل يسمح بتوحيد النمط اإلداري وتجانسه بالنسبة لكل أقاليم
الدولة ولعموم شعبها."
وتقوم المركزية على دعامتين أساسيتين هما انفراد الحكومة المركزية في العاصمة بممارسة
السلطة اإلدارية، دون أن تشاركها أية جهة إدارية كيفما كان نظامها القانوني، وتشرف لوحدها2
على كل المرافق الوطنية واإلقليمية، ثم إن العاملين التابعين لإلدارة يخضعون لسلطة الوزير
األول الرئاسية ، ويمارس الوزير سلطته الرئاسية على كل الموظفين في وزارته، وهم
ينتظمون في سلم هرمي، ويعتبرون من المرؤوسين، وكل موظف يوجد في مركز إداري
أعلى يمارس سلطته على الموظفين الموجودين في المرتبة الدنيا من السلم الهرمي.
2ـ خصوصية السلطة الرئاسية:
من مميزات السلطة الرئاسية أنها سلطة عامة تشمل كل أعمال المرؤوس ، سواء تعلقت
بأشخاص المرؤوسي ن ذاتهم، أي مراكزهم القانونية، أو تعلقت بأعمالهم الوظيفية، من حيث
الموافقة عليها أو إلغاءها أو تعديلها أو الحلول محلهم في أداءها.
وتتجلى اختصاصات الرئيس التي تتناول شخص المرؤوس في حق التعيين وإنهاء خدمته
وكل ما يرتبط بالترقية والتأديب.
ويمارس الرئيس اإلداري سلطات الرقابة على أعمال مرؤوسيه إما تلقائيا أو بناء على تظلم
رئاسي يتقدم به إلى ذوو المصلحة ممن أضرت بهم تصرفات المرؤوسين.
3ـ صور المركزية اإلدارية:
يتفق أغلب الفقه أن المركزية اإلدارية تتخذ في تطبيقها إحدى صورتين: التركيز اإلداري
والالتركيز اإلداري.
الفقرة األولى:التركيز اإلداري:
ونعني بها تركيز السلطة اإلدارية في عموميتها في العاصمة، دون أن يكون لممثلي اإلدارة
المركزية في األقاليم أية سلطة في تدبير األمور اإلدارية، لكن هذه الصورة من التسيير
اإلداري لم تعد موجودة أمام تعدد صالحيات ومهام الوزير، بحيث لم يعد بإمكانه القيام بكل
مايتعلق بالوظيفة اإلدارية، فظهر نظام الالتركيز اإلداري كوسيلة لتخفيف العبء عن الوزير
المختص.
الفقرة الثانية:الالتركيز اإلداري:
تقوم هذه الصورة على أساس تخويل بعض موظفي الوزارة في العاصمة أو األقاليم حق البث
نهائيا في بعض األمور دون الرجوع إلى الوزير المختص، وتظهر صورة الالتركيز اإلداري
في التفويض اإلداري الذي تتزايد أهميته في الوقت الراهن.
أـ التفويض في اإلختصاص:
3
يقصد بهذا النوع من التفويض أن يعهد صاحب اإلختصاص بممارسة جانب من اختصاصه
إلى فرد أو سلطة أخرى طبقا لما تقتضيه األوضاع القانونية.
ومن شروط التفويض كي يكون صحيحا يلزم وجود شروط موضوعية وأخرى شكلية،
فالشروط الموضوعية تتجلى في شرطين أساسين، وهما وجوب وجود نص قانوني يخول
الحق في التفويض وصدور قرار التفويض.
أما الشروط الشكلية للتفويض فتعتبر مكملة لألولى وتنقسم بدورها إلى نوعين، شكل قرار
التفويض، ويقصد به الصورة الخارجية التي تحتم القوانين والمراسيم أن يوضع فيها قرار
التفويض ثم نشر قرار التفويض، وهي عملية مادية ملحقة باإلصدار تقتضي وضع القرار في
دائرة التنفيذ، ليعلم بها من يهمهم أمر القرار.
ب ـــ أنواع التفويض:
ينقسم التفويض إلى نوعين، تفويض السلطة أو اإلختصاص وتفويض التوقيع أو اإلمضاء.
ــ تفويض السلطة أو اإلختصاص: وهو يعني نقل جزء من اإلختصاص في إجراءات معينة،
من المفوض إلى المفوض إليه، الذي يصبح من حقه ممارسة اإلختصاص باسمه ولحسابه،
ومن تم فإن القرارات التي تصدر عنه بخصوص األمور التي تم التفويض له بشأنها،تنسب
إليه.
ــ تفويض التوقيع أو اإلمضاء:
وهو يعني اقتصار التفويض على مجرد العمل المادي المتمثل في وضع التوقيع على وثيقة
،وينسب القرار الموقع من طرف المفوض إليه ، إلى صاحب اإلختصاص األصلي بمعنى
إلى المفوض.
4ـ تقدير المركزية اإلدارية:
يرى أنصار نظام المركزية اإلدارية أن لها مزايا كثيرة فيما يرى منقدوها أن عيوبها أكبر
من مزاياها.
أــ مزايا المركزية اإلدارية
4
يمكن إجمال مزايا المركزية فيما يلي:
ــ تؤدي إلى تحقيق نوع من المساواة بين األفراد في جميع األقاليم، بخصوص اإلستفادة من
خدمات المرافق العامة.
ــ تحافظ على قوة الدولة والسلطات العمومية، وتؤدي إلى تجانس النظم اإلدارية في الدولة،
ألنها تنبثق من مصدر واحد وهو السلطة المركزية.
ب ــ عيوب المركزية اإلدارية
رغم المزايا التي يمكن أن تنسب إلى نظام المركزية اإلدارية، إال أنا التخلو من نواقص
وعيوب، ويمكن اإلشارة فيما يلي لبعض هذه العيوب:
ــ تتسم المركزية بالبطء في أداء الخدمات وتلبية حاجيات المواطنين،السيما في الدول ذات
األقاليم الشاسعة.
ــ المركزية نظام غير ديمقراطي، ألنه يؤدي إلى تركيز السلطة في يد قلة من الوزراء وممثلي
الدولة ، في مقابل تهميش الكفاءات المحلية.
ــ بعد مركز اتخاذ القرارات عن اإلقليم الذي تطبق فيه ، يجعل القرارات غير مالئمة في
الغالب لمواجهة احتياجات السكان المحلية.
ثانيا الالمركزية اإلدارية:
وهي أسلوب من أساليب التنظيم اإلداري، يتم بمقتضاه توزيع الوظيفة اإلدارية في الدولة،
بين السلطات المركزية في العاصمة وهيئات المركزية ترابية تقوم على أساس جغرافي تتمتع
بالشخصية المعنوية .
وتعتبر الالمركزية ضرورة إدارية في الوقت الراهن، بحيث لم يعد اإلبقاء على نظام المركزية
اإلدارية لوحده ،رغم أن لها عيوب ومزايا، ولها أنصار ومعارضون.
1ـ مزايا الالمركزية:
نظرا لظاهرة التوسع الذي عرفته سلطات الدولة، فإن نظام الالمركزية يبقى النظام األنسب
للجواب على العديد من اإلشكاليات التي تطرحها الممارسة السياسية، ويمكن تلخيص بعض
هذه المزايا فيما يلي:
ــ نظام يحقق العدالة في توزيع الضرائب، بحيث تستأثر كل جماعة ترابية بتحصيل الضرائب
في دائرتها.
5
ــ تؤدي إلى تخفيف العبء عن السلطةالمركزية،خاصة بعد تعدد وظائف الدولة وتشعب
مهامها.
ــ نظام يتيح للمواطنين اإلشتراك في إدارة شؤونهم المحلية، ويجعلها تتخذ القرار المناسب
في الوقت المناسب.
2ـ عيوب الالمركزية اإلدارية:
رغم المزايا العديدة التي يتمتع بها نظام الالمركزية اإلدارية، إال أنه لم يسلم من العيوب في
نظر منتقديها،وهذا ما يمكن أن نسجله في النقط التالية:
ــ تمس الوحدة اإلدارية للدولة ، بتقسيمها للوظيفة اإلدارية بين السلطات المركزية في
العاصمة، والهيئات الالمركزية في اإلقليم.
ــ تؤدي إلى ترجيح المصالح المحلية على المصالح الوطنية.
ــ الهيئات الالمركزية تكون أقل خبرة بالشؤون العامة، مقارنة باليئات المركزية ذات التجربة.
وخالصة القول فإنه بقدرما تحمل الالمركزية عيوبا فإن لها مزايا كذلك ، شأنها شأن نظام
المركزية اإلدارية، إال أنه اليمكن اإلستغناء عن أحد النظامين معا في الوقت الراهن،نظرا
ألن كالهما يشكالن أساسا للتنظيم اإلداري في الدول المعاصرة.