لخّصلي

كان يعيش في مدينة آدو اليابانية قاض إسمه أووكا.في اليوم الذي وصل فيه أووكا الى آدو لتولي مهامه، دعا إليها كل الوجهاء والموظفين والقضاة: ما مجموعه ثلاث ماية شخص. تأخر الجميع امام كؤوس الكحول المستخرج من الإرز، يتجاذبون اطراف الحديث عن العدالة، فاجمع القضاة على أن أفضل وسيلة لمعرفة الحقيقة هي اللجوء إلى التعذيب، وأكد الجميع على أن أشد المجرمين قسوةً تنطلق السنتهم بالاعتراف عند هذا النوع من الاستجواب.كان أووكا يستمع اليهم دون أن بنبت ببنت شفة وعلامات الاسى بادية على محبّاه. عند آخر جرعة شراب
كل وليمة جيدة لا بد أن تنتهي بتقديم الفاكهة، الذي أصبح بغاية النضج وبطعم العسل. أنا حانق على نفسي لأنني لم أفكر بذلك. أعذروني سأصحح فوراً هذا الخطأ».إستدعى خادمه الوفي ناوسيكا وطلب اليه أن يذهب ويشتري الليمون الإفندي. وبعد برهة صمت طلب اليه عد الحبات. تنقص حبّة ليصبح العدد ثلاث ماية».- ولكتني طلبت اليك أن تحضر كامل العدد،- يجيب الخادم وهو يتأمل كومة الفاكهة بقلق: سيدي : أنا متأكد أن عددها كان ثلاث ماية. لقد عددتها بنفسي عند وضعها في الكيس.بوجه قاس يقول أووكا: «أكلت منها في الطريق واحدةً إذاً.يجيب الخادم والشحوب يعلو وجهه: «كلاً سيدي. وأنا لا أفعل ابداً أمراً مماثلاً».- «تريد أن توهمني أنّ الليمون لها أجنحة كما العصافير، وأن واحدةً قد طارت؟ أو أن لها قوائم وأن واحدة قد هربت؟»
- «لا أتجرأ على قول ذلك ولكتني أجزم بأنني لم ألمسها اطلاقاً».«سنعرف الحقيقةَ َأجابَ أووكا وقد علت جبيته سحابة تهديد سأكون قاضياً فاشلاً إذا لم أستطع أن أكشف خيوط هذه القضيّة في منزلي الخاص».يميل الى أحد المساعدين القضائيين ويقول له بأن يُحضر الموقد المشتعل، والماء المغلي وكل أدوات التعذيب التي تستعملها العدالة.كلمح البصر يعودُ فيضع ارضاً وعاء ضخماً من الماء الساخن كما يضع على المقعد السحّان والابر والملاقط. والآن أعرض أدواتك على هذا الخادم الفاسد، وفسر له الى اين سيوصله استمراره في إنكار الحقيقة».بكل تفصيل يعرضُ المساعد على الخادم ما ينتظره، فيشحب هذا الأخير اكثر فأكثر ليسقط أخيراً عند اقدام سيده صارخاً: «سأعترف». اجاب أووكا ببرودة: «أخبرنا بدقة ما فعلته ولا تُهمل أي تفصيل. ثم إشرح لنا ما دفعك الى السرقة».يجيب الخادم: «لم تكن لدي النية بالمس بهذه و الليمونات، ولكتها كانَتْ بغاية الجمال والرقة. بحيث لم استطع المقاومة، ويا الروعة مذاقها فهو لا يزال عالقاً في حلقي».- أظهر الجميعُ اعجابهم بانجلاء الحقيقة، هتأ البعض القاضي على قسوته وشعوره العميق بالعدالة، سخر بعضُهم منه لأنه سُرِقَ من قبل خادمه الخاص.- إستمع اليهم أووكا بصمت ثم قال موجهاً كلامه الى خادمه : - أأنت مصر على الإعتراف أمام كل هؤلاء الشهود أنك سرقت الليمونة؟». أجاب الخادم وهو يبكي. اتوسل اليك ان تكون رحوماً فهي المرة الأولى التي اسرقُ فيها في حياتي». انحنى بعمق امامه وعانقه وهو يقول:
سامحني لأنني عرضتك لهذا الاختبار المؤلم. اعتذر أمام الجميع وأعدك بأن أعوّض عليك بمزيد من المحبة والصداقة».بعدها يُخرج من كمه الواسع الليمونة ويقذفها بعيداً صائحاً:
خوفه من التعذيب جعله يعترف بجريمة لم يرتكبها، حاولوا تخيل كم من الابرياء يتكدّسون في سجونكم لأنهم عوقبوا على جرائم لا صلة لهم بها . فكروا فيها كلّما سوّلت لكم نفسكم استخدام القوة لاكتشاف الحقيقة».