لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (47%)

قدمة
لا شيء البتة يهيمن على وعي الإنسان وعلى أحاسيسه، الزمان، وهذا منذ عصور الأساطير الألفية؛ الذهبية، 1 حتى عصرنا هذا الذي تجاوز المللي ثانية، والميكرو ثانية (واحد على مليون من
الثانية) إلى النانو (واحد على بليون من الثانية)، البيكو والفمتو (واحد على مليون بليون)
وفي
فتشتبك مع
الليالي ومضيالأعوام، والبحث التواق عن آفاق الأبدية السرمدية. أم أنه ليس هناك
للأحداث؟
فسوف تصحبه الصفحات
ربما بدا الفصل
ومع هذا
فإن كل ما يقصده أن الزمان والمكان—وليسالوجود—هما الإطار العام والفكرة المبدئية
التي تجعل هذا الكون منتظمًا قابلًا للتعقل. ثم تتوالى الفصول بعده أكثر سلاسة وأقرب
الزمان في الفلسفة والعلم
إلى القارئ العام لتوضح تميز الزمان عن المكان، تياري العقلانية واللاعقلانية، وأن هذا التناول يستبعد الخلط بين الأبدية وبين اللاتناهي. الإسلامية والمسيحية على السواء، فيكون لقاء مع تيارات صوفية ثم حدسية ورومانتيكية
المقيس، لينتهي بنا
المطاف مع مضامين لزمان آينشتاين النسبي. وبهشيء من الفائدة. Categories, إن أرسطو —
بفلسفته المنصبَّة على الوجود، والمتعين بماهيته، 1 هو المقولة الأولى، أي ، أي جوهر كلي. وما نراه من اختلافات ليس إلا صفات تُحمَل
استنباطيٍّا، وكانت فاتحة الحضارة الحديثة، وبدء طريق العقل الحديث في العصر الحديث، فأصبحت من رأسها إلى
العلم الحديث ونموه. القاهرة، « المعجم الفلسفي » ، يوليو ، « الشك عند ديكارت » ، G. ويضؤل شيئًا فشيئًا، –١٨١٥) Boole
المنطق الرياضيالحديث هو منطق العلاقات، انفصالية أو عطفية أو تركيبية من هذا وذاك. إنجازات الفلسفة المعاصرة، فقد جعل من الممكنصياغة مشكلات قديمة بطريقة جديدة، وكان له دوره العظيم في إثراء الفكر الفلسفي المعاصر، والذي
بل بوصفه تعدديٍّا. وكل الفلسفات ذات الطابع
العلمي والعقلاني لا بد أن تسلم الآن بالتعددية. مع Logical Atomism وقد بلغت هذه التعددية ذروتها بفلسفة الذرية المنطقية
Russell
والذرية المنطقية كانت بمثابة رد فعل لواحدية برادلي خصوصًا والميتافيزيقيين
كما كانت في الوقت نفسه انعكاسًا لكشف العلم للطبيعة الذرية لكل شيء، كثرة متكثرة من الوقائع
والواقعة
أما
فإن القضية التي ترسمهما — أو ترسمها — هي القضية
4 وهذه الذرية المنطقية شاعت في الفلسفة المعاصرة، واتخذها التيار التحليلي
PP, 323–343
4 يمنى طريف الخولي
وانظر أيضًا في المرجع
واتخذتها مذاهب أخرى متعددة، ١٩١٠ ) الذي جعل التعددية المتطرفة الرافضة جدٍّا للواحدية هي –١٨٤٢) W. James
هندسة بنائه الأنطولوجي، المنطقية، وهو عالم ذو باع كبير في الفسيولوجيا وعلم النفس، حتى إنه قد قال عن
لكونه منطقيٍّا: تبٍّا له من حمار! 5
وسواء أخذنا بالذرية المنطقية أو رفضناها، فالذي لا
جدال فيه أن الجوهر الأرسطي الآن، ليس الجوهر، أي: كون منتظم. والكوزموس أو الكون الذي ؛ تتعامل معه الفيزياء الحديثة هو المادة تتحرك عبر المكان خلال الزمان. والنظرية
أي: حسابات الانتقال من نقطة
أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في المكان بسرعة
معينة، أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في الزمان. ونظرًا لعمومية الفيزياء وشموليتها
وتربعها على قمة نسق العلوم الإخبارية، فإن سائر أفرع العلم الأخرى — سواء الطبيعية
فعوالمها مجرد زوايا أكثر خصوصية
ترجمة محمد علي العريان، (القاهرة: ، « أفكار وشخصية وليم جيمس » ، 5 راجع رالف بارتون بيري
القاهرة، 13
الزمان في الفلسفة والعلم
وحتى قبل نشأة العلم الحديث بقرون عدة، كانت الفلسفة قد صاغت نظريٍّا ما
هو معطى للحس المشترك، سلسلة
من الظواهر يستحيل منطقيٍّا حدوث أيها خارج نطاق الزمان والمكان. هيراقليطس إلى أنه لا وجود خارج إطارهما، أن يتجاوز مقاييسه، وهذه المقاييس هي الحدود المكانية والزمانية. 6 والخلاصة إذن «. العالم قد وُجِدَ (أصلًا) بفضل ما له من حدود زمانية مكانية » رأت أن
أنهما إطار الوجود الذي عهدناه. والأمر كذلك تمامًا على مستوى المعرفة، والمقصود بطبيعة الحال المعرفة بهذا الكون، وهي التي تعهدت
الفلسفة برؤاها ومبادئها ومسلماتها ومناهجها، حتى تسلمها العلم الحديث إبان نشأته
في القرن السادس عشر وهي مهيأة لتنامٍ وتعملق ما كان يخطر على بال. Kant إن الزمان والمكان كما أشار إيمانويل كانط
شكلان قبليان للحساسية، أو تجربته الخارجية. فالزمان والمكان إذن صورتان قبليتان أو شرطان للمعرفة، مثلما
والمعرفة والوجود — أو الإبستمولوجيا والأنطولوجيا — هما في خاتمة المطاف
المحوران النهائيان اللذان لا بد أن يدور حول أحدهما أي جهد للعقل البشري. القيمة — الأكسيولوجيا — المحور الفلسفي الثالث والأخير، فمحضتقاطع بين المحورين
الأولين، وتمثيل لعلاقة الذات العارفة بهذا الوجود ورؤيتها له وإسقاطاتها عليه. ١٩٣٧ ) أنهما الأصل الهائل أو –١٨٥٩) S. Alexander عقله. Primal Stuff الحقيقة المبدئية التي نشأ عنها العالم، انبثقت الحياة، ثم الوعي، وأخيرًا الألوهية، 14
الزمان والمكان صدر المقولات
انبثاقها عنهما، ١٩٤٥ ) بفلسفته للأشكال الرمزية يعرف الإنسان بأنه حيوان –١٨٧٤) E. والفن، والعلم …
إلخ. هو صلتها بالزمان والمكان. الأسطوري لم يكونا محضشكلين فارغين أو خالصين، بل كانا يُعَدَّان القوتين العظميين
والمكان في صدر المقولات والفكرتين الأوليتين، وضع الأصبع عليهما، أو بلورة ناصعة لما هو كائن منذ أن كان الإنسان، ذاتها عُنِيَتْ عناية بالغة بالزمان والمكان. إن تقولب كل وجود في قالب ما من الزمان والمكان هو بؤرة من بؤر الوعي الإنساني
في كل مستوياته: من الحس المشترك إلى التفكير العلمي إلى الفكر الفلسفي. منذ العصرالأسطوري الذي يتسم باضطراب خط الزمان والمكان؛ حيث تقع حوادث الأسطورة في إطار زماني غير منطقي، وتنتقل عبر أمكنة لا يمكن
يبلغ درجة مبهرة في تعيينهما بدقة متناهية تنطبق على الكوكب وهو يتحرك في السماء، Space, (New Haven: Yale University Press, 1944) 8
15
تميُّز الزمان عن المكان
خصوصًا لعالم الظواهر
يملك حيثياته الفلسفية والعلمية والسيكولوجية حين J. طابق بينهما بواسطة الحركة المكانية والسرعة الزمانية، اللتين هما وجهان لعملة واحدة، ومن ثم قال بياجيه إن الزمان مكان متحرك والمكان
إنهما بالنسبة للتفكير العقلاني والعلمي، وعلى أخص الخصوص بالنسبة للفيزياء
وبتشابكهما معًا يحويان الأنظمة الأخرى جميعًا
وحدة، وكل نطاق أو حيز معين جزء من المكان، وكل أجزاء الزمان ترتبط معًا في وحدة
ولعلهما من زاوية ما للنظر — خصوصًا إذا كانت العقلانية والعلمية — يبدوان متماثلين
مثلًا، وهي العلم الذي قام Topology ويثيران مشكلات واحدة، أي: العلاقات المكانية المختلفة؛ التي تعطينا الشكل الثابت
(London: Routledge & Kegan Paul, 1980), p. 79
الزمان في الفلسفة والعلم
في طوبولوجيا الزمان — كما سنرى. مشكلات واحدة، ويوضح أيضًا كيف أنهما إطار لا مخرج منه للوجود وللمعرفة هو
التساؤل الشهير: إذا كان للزمان بداية ونهاية، ذلك التساؤل: إذا كان للمكان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبل المكان وبعده؟ والمثال
هنا الأقرب إلى التفكير العلمي هو هذا التساؤل: هل يمكن أن يوجد زمان خالٍ تمامًا؟
عن تصور مكان خالٍ تمامًا. وهذه المشكلة تبناها أمير علماء العلم الحديث إسحاق نيوتن
مبادئ الفلسفة » في بحثه عن الزمان والمكان المطلقين، إلى أن التفكير العادي لا يتناول الزمان والمكان والحركة إلا ) « الطبيعية
من حيث علاقتهما بالأشياء المحسوسة، من معلوماتنا الحسية بتجريد، يمثل أساسًا ولبنة للعلم، هي: المكان التصوري، يقابلها: الزمان التصوري، والزمان الفيزيائي، يتصور الفيزيائي الزمان بالطريقة
نفسها التي يتصور بها المكان؛ وتتخذ كل
أحداث الطبيعة موقعًا فيه. يعامل الكرونومتري
وكما أن الوعي لا يتلقى نقاطًا لا امتداد لها، ويتعامل العلماء معه بسهولة، أما الزمان والحركة
لا يطولها المكان. ص ٨١ ، 1959). pp. تميُّز الزمان عن المكان
فعلى الرغم من كل ما رأيناه من ارتباط الزمان والمكان، فإنهما ليسا البتة على قدم
وليسا متساويين أو متكافئين، المختلفة — متميزًا عن المكان ومتقدمًا عليه، ندان لا ينفصلان، بل ثمة فحسب زمانيات مكانية تستلزم زمانًا-مكانًا أوليٍّا
عاد بعد هذا ليعلي من شأن الزمان بوصفه مبدأ تنظيم، وليس
المادة أو الجوهر الممتد، وإيمانويل كانط أيضًا، وقد ذهب إلى
أن الفارق الوحيد بينهما هو أن الزمان يقوم على التوالي بمعنى التعاقب بين الأحداث
أما المكان فيقوم على التتالي بمعنى التجاور وفقًا لعلم الهندسة. نقول
إن كانط أوضح أن المكان هو شكل تجربتنا الخارجية، أما الزمان فهو شكل تجربتنا
الداخلية. عن الشروط الداخلية في العقل الذي يتصوره. الزمان على المكان ويعتبره الأعم والأشمل؛ لأن المكان مقصور على الظواهر الخارجية
وحدها، علاقته الوثيقة بالعالم الداخلي للانطباعات والانفعالات والأفكار. والزمان بهذا الوصف هو معطى من معطيات الوعي المباشر، المكان، بل من أي تصور آخر كالسببية أو الجوهر، 4 وليس من الضروري بطبيعة الحال أن تتسم كل خبرة بطابع «. مكاني، بل إن الخبرة بغير عالم الظواهر الخارجية لا يمكن أن تتسم بالطابع المكاني. وإذا كان الفيلسوف الألماني كانط شيخ الفلسفة الحديثة بأسرها، ما أخرجته الفلسفة الألمانية المعاصرة في القرن العشرين كتابان؛ ص ١١٣ ، « دراسات في الفلسفة اليونانية » ، 4 أميرة مطر
19
الزمان في الفلسفة والعلم
١٩٧٦–١٨٨٩) M. والثاني: كتاب مارتن هيدجر
) Sein Und Zeit الوجود والزمان
حتى عُدَّ إنجيل فلسفات الوجود والفلسفة الوجودية المعاصرة؛ وذلك لأنه نظر إلى الوجود
نظر إليه من خلال الزمان. وفي القسم الأول من الكتاب
اعتبر هيدجر أن الزمان هو الأفق الترانسندنتالي المتعالي الذي ننظر منه إلى السؤال
الموجود ثمة أو الكائن ) Dasein « الدازين » عن الوجود؛ الملقى به هناك والتي تُرجِمَتْ بالآنية
5 وقد وضع هيدجر مصطلحات معقدة وجهازًا فلسفيٍّا مهيبًا وفعالًا؛ لينجز «. الزمانية
هذه المهمة التي كانت ضرورية، مهمة التفسير الزماني للوجود والتفسير الوجودي
واعتبار الزمان الأفق الذي نطل منه على الوجود. فقد ارتبط الزمان دائمًا بالوجود، الوجود منذ فجر الفكر الفلسفي مرادف للحضور، ويتكلم بصوته، والماضي
في تصورنا الشائع أيضًا هو الذي لم يَعُدْ له وجود، أقدر من الزمان على البقاء، إلا أن وجودنا يرتبط ويتحدد بالزمان المنقضيالمتلاشي، نداء الحقيقة، (القاهرة دار الثقافة للطباعة
والنشر، قسم الفلسفة والاجتماع،


النص الأصلي

قدمة
لا شيء البتة يهيمن على وعي الإنسان وعلى أحاسيسه، على عقله وعلى مشاعره معًا مثل
الزمان، وهذا منذ عصور الأساطير الألفية؛ حيث تترى أحداث الأسطورة عبر آلاف الأعوام
الذهبية، 1 حتى عصرنا هذا الذي تجاوز المللي ثانية، والميكرو ثانية (واحد على مليون من
الثانية) إلى النانو (واحد على بليون من الثانية)، البيكو والفمتو (واحد على مليون بليون)
حتى الأتو (واحد على بليون بليون) وهي أصغر وحدة حاليٍّا ولن تكون الأخيرة. وفي
الوقت نفسه تمضيالمحاولات العلمية الدءوبة لتقدير عمر الكون وكياناته، فتشتبك مع
أحقاب تُقدَّر ببلايين السنوات … ثم يعلو على هذا وذاك إحساس الوجدان النابضبوقع
الليالي ومضيالأعوام، والبحث التواق عن آفاق الأبدية السرمدية.
فهل الزمان في كل هذا عملاق يستوعب الوجود والعقل جميعًا، أم أنه ليس هناك
شيء اسمه الزمان أصلًا وأنه مجرد إطار تصوري ابتدعه عقل الإنسان لينظم إدراكه
للأحداث؟
إذا عُنِيَ القارئ الكريم بتحديد موقفه من هذا السؤال، فسوف تصحبه الصفحات
القادمة في رحلة عبر أقطاب العقل البشري لترسيم معالم مفهوم الزمان، ربما بدا الفصل
الأول الموجز فاتحة مباغتة إلى حد ما لأنه قصير جدٍّا ومكثف وقد لا يبدو سهلًا، ومع هذا
فإن كل ما يقصده أن الزمان والمكان—وليسالوجود—هما الإطار العام والفكرة المبدئية
التي تجعل هذا الكون منتظمًا قابلًا للتعقل. ثم تتوالى الفصول بعده أكثر سلاسة وأقرب
1 هذا الكتاب في أصله هو بحث منشور في: مجلة ألف، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، العدد التاسع،
.٧٠– ١٩٨٩ ،صص ٨
الزمان في الفلسفة والعلم
إلى القارئ العام لتوضح تميز الزمان عن المكان، ثم إمكانية تعقب مفهوم الزمان عبر
تياري العقلانية واللاعقلانية، وأن هذا التناول يستبعد الخلط بين الأبدية وبين اللاتناهي.
تبدأ الرحلة ببدايات الفلسفة اليونانية مرورًا بالعصور الوسطى والتصورات
الإسلامية والمسيحية على السواء، فيكون لقاء مع تيارات صوفية ثم حدسية ورومانتيكية
ووجودية … وبالطبع يستوقفنا بتفصيل أكثر من سواه الزمان العقلاني المقاس أو
المقيس، منذ أرسطو وشارحه الأعظم ابن رشد حتى زمان نيوتن المطلق؛ لينتهي بنا
المطاف مع مضامين لزمان آينشتاين النسبي.
ونرجو أن يكون الإطار الذي رسمناه ضامٍّا لجميع هذه العناصر وسواها في كل
متآزر ومتكامل، لهشيء من السداد، وبهشيء من الفائدة.
وعلى لله قصد السبيل …
10
الفصل الأول
الزمان والمكانصدر المقولات
أو المقولات ،Categories, Katnyopia حين وضع المعلم الأول أرسطو القاطيغوريات
العشر التي هي أعم أجناس الوجود، جعلها أولًا: الجوهر، ثم أعراضه التسعة: الكم،
والكيف، والإضافة، والزمان، والمكان، والوضع، والحالة والفعل، والانفعال. إن أرسطو —
بفلسفته المنصبَّة على الوجود، التي دعمت الفلسفة طوال العصور الوسطى ودعمتها هي
القائم بنفسه، والمتقوم بذاته، والمتعين بماهيته، » كذلك — كان لا بد أن يجعل الجوهر
1 هو المقولة الأولى، فالوجود أو الكون واحدي؛ أي ،« والذي تقوم به الأعراض والكيفيات
حقيقة واحدة لا تكثر فيها؛ أي جوهر كلي. وما نراه من اختلافات ليس إلا صفات تُحمَل
أو أداة الفكر لأحكام هذا الحمل؛ لذا Organon على الجوهر، والمنطق هو الأورجانون
كان المنطق قياسيٍّا، حمليٍّا، استنباطيٍّا، وكل مقدماته ونتائجه قضايا مكونة من موضوع
ومحمول.
وكانت فاتحة الحضارة الحديثة، وبدء طريق العقل الحديث في العصر الحديث،
حين نقل ديكارت الفلسفة من محور الوجود إلى محور المعرفة، فأصبحت من رأسها إلى
أخمص قدميها فلسفة منصبة على المعرفة وتدور حولها؛ مما هيأ المناخ الغربي لنشأة
العلم الحديث ونموه. وقد كان هذا مرتهنًا بالافتراق عن طريق أرسطو 2 ومنطقه وجوهره.
وبتنامي بنية الحضارة الحديثة، وسيرها قدمًا في طريقها، كان الجوهر الأرسطي يتوارى
،( القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ١٩٧٩ ) ،« المعجم الفلسفي » ، 1 مجمع اللغة العربية
. ص ٦٤
مجلة القاهرة، العدد ٨٥ ، يوليو ،« الشك عند ديكارت » ، 2 انظر في تفصيل هذا: يمنى طريف الخولي
.٩– ١٩٨٨ ،ص ٦
الزمان في الفلسفة والعلم
G. ويضؤل شيئًا فشيئًا، حتى تلاشى نهائيٍّا بنشأة المنطق الحديث على يد جورج بول
١٨٦٤ ) مؤسس جبر المنطق، وأبي المنطق الرياضيأو الرمزي. –١٨١٥) Boole
وإذا كان المنطق الأرسطي هو منطق الحمل الذي لا يعرف إلا القضية الحملية، فإن
المنطق الرياضيالحديث هو منطق العلاقات، والقضية فيه قد تكون لزومية شرطية أو
انفصالية أو عطفية أو تركيبية من هذا وذاك. والحق أن منطق العلاقات هذا يُعَدُّ من أعظم
إنجازات الفلسفة المعاصرة، فقد جعل من الممكنصياغة مشكلات قديمة بطريقة جديدة،
وكان له دوره العظيم في إثراء الفكر الفلسفي المعاصر، وتطوير الرياضيات البحتة. والذي
يهمنا الآن فيه أنه يتسق مع النظر إلى الكون على النحو الذي ينظر به العلم الحديث إلى
الكون؛ أي: بوصفه ليس واحديٍّا بحال، بل بوصفه تعدديٍّا. وكل الفلسفات ذات الطابع
العلمي والعقلاني لا بد أن تسلم الآن بالتعددية.
مع Logical Atomism وقد بلغت هذه التعددية ذروتها بفلسفة الذرية المنطقية
أعظم فلاسفة العصر وصاحب الفضل الأول في تطوير المنطق الرياضي برتراند رسل
L. Wittengstein ١٩٧٠ ) وتلميذه ورفيقه لودفيج فتجنشتين –١٨٧٣) B. Russell
.(١٩٥١–١٨٨٩)
والذرية المنطقية كانت بمثابة رد فعل لواحدية برادلي خصوصًا والميتافيزيقيين
عمومًا، كما كانت في الوقت نفسه انعكاسًا لكشف العلم للطبيعة الذرية لكل شيء، 3
وخلاصتها أن العالم على النقيض تمامًا من فرضية الواحدية، كثرة متكثرة من الوقائع
هي شيء معين له كيفية معينة، أو أشياء معينة Fact التي ترتبط بعلاقات. والواقعة
ذات علاقات معينة، والواقعة ترسمها أو تصورها القضية الذرية، التي تعبر عن ذلك
الشيء الواحد الكائن في آنٍ مُعيَّن من آنات الزمان، ونقطة معينة من نقاط المكان. أما
إذا ارتبطت واقعتان أو أكثر، فإن القضية التي ترسمهما — أو ترسمها — هي القضية
الجزيئية، 4 وهذه الذرية المنطقية شاعت في الفلسفة المعاصرة، واتخذها التيار التحليلي
Bertrand Russell, Logic and Knowledge (London: George Allen & Unwin. 3 راجع: ( 1940
.PP, 323–343
بحث منشور في الكتاب التذكاري الذي أصدرته «؟ ما هي الوضعية المنطقية » ، 4 يمنى طريف الخولي
جامعة الكويت، زكي نجيب محمود فيلسوفًا وأديبًا ومعلمًا، ١٩٨٧ ، ص ٧٨ ، وانظر أيضًا في المرجع
.٣٨٠– ص ٣٢٩ ،« الذرية المنطقية عند رسل » ، نفسه عزمي إسلام
12
الزمان والمكان صدر المقولات
بأسره أساسًا أنطولوجيٍّا له، واتخذتها مذاهب أخرى متعددة، كبراجماتية وليم جيمس
١٩١٠ ) الذي جعل التعددية المتطرفة الرافضة جدٍّا للواحدية هي –١٨٤٢) W. James
هندسة بنائه الأنطولوجي، وكانت التجريبية الراديكالية أو الجذرية هي مادة هذا البناء.
لقد قال جيمسما كان يحتاج تمامًا إلى الصياغة المنطقية للتعددية التي نجدها في الذرية
المنطقية، والغريب حقٍّا أن جيمس، وهو عالم ذو باع كبير في الفسيولوجيا وعلم النفس،
وفيلسوف من الطراز الأول، وقد اشتهر بعدائه الغريب للمنطق، حتى إنه قد قال عن
برتراند رسل العظيم؛ لكونه منطقيٍّا: تبٍّا له من حمار! 5
وسواء أخذنا بالذرية المنطقية أو رفضناها، أو حتى رفضنا التيار التحليلي بأسره،
وأيٍّا كان الموقف من مسلمة التعددية المعاصرة وإطلاقها أو كبح جماحها، فالذي لا
جدال فيه أن الجوهر الأرسطي الآن، من أية زاوية ومن أية وجهة للنظر قد انزاح تمامًا؛
فنستطيع إذن أن نعيد الأمور إلى نصابها، ونجعل المقولة الأولى، أو ما يتصدر أعم أجناس
الوجود، ليس الجوهر، بل مقولتي الزمان والمكان.
إن الزمان والمكان هما القالب الذي صُبَّ فيه هذا الوجود جملة وتفصيلًا، وانتظم
أي: كون منتظم. والكوزموس أو الكون الذي ؛Cosmos بفضلهما على هيئة كوزموس
تتعامل معه الفيزياء الحديثة هو المادة تتحرك عبر المكان خلال الزمان. والنظرية
الفيزيائية العامة هي التي تُحدِّد قوانين هذه الحركة؛ أي: حسابات الانتقال من نقطة
إلى أخرى في المكان بسرعة معينة؛ أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في المكان بسرعة
معينة، أي: خلال مدة من لحظة إلى أخرى في الزمان. ونظرًا لعمومية الفيزياء وشموليتها
وتربعها على قمة نسق العلوم الإخبارية، فإن سائر أفرع العلم الأخرى — سواء الطبيعية
أو الحيوية أو الإنسانية — تسلم بمسلمات الفيزياء؛ فعوالمها مجرد زوايا أكثر خصوصية
في عام الفيزياء، الذي هو مادة متحركة في الزمان والمكان. ومن ثم، فإن الزمان والمكان
صلب عالم العلم، أو الوجود الذي يتعامل معه العلم.
ترجمة محمد علي العريان، (القاهرة: ،« أفكار وشخصية وليم جيمس » ، 5 راجع رالف بارتون بيري
دار النهضة العربية ١٩٦٥ )، وقارن: عرضنا ومناقشتنا لفلسفة وليم جيمس الأنطولوجية في الفصل
، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ١٩٩٠ ،« الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية » الثامن من كتابنا
.١٨٢– ص ١٦٥
13
الزمان في الفلسفة والعلم
وحتى قبل نشأة العلم الحديث بقرون عدة، كانت الفلسفة قد صاغت نظريٍّا ما
هو معطى للحس المشترك، فذهبت إلى أن العالم الخارجي أو الكون كوزموس، سلسلة
من الظواهر يستحيل منطقيٍّا حدوث أيها خارج نطاق الزمان والمكان. وقديمًا أشار
هيراقليطس إلى أنه لا وجود خارج إطارهما، حين قال: لا شيء في هذا العالم يستطيع
أن يتجاوز مقاييسه، وهذه المقاييس هي الحدود المكانية والزمانية. أما الفيثاغورية فقد
6 والخلاصة إذن «. العالم قد وُجِدَ (أصلًا) بفضل ما له من حدود زمانية مكانية » رأت أن
أنهما إطار الوجود الذي عهدناه.
والأمر كذلك تمامًا على مستوى المعرفة، فهي أيضًا لا تتم إلا في إطار الزمان والمكان.
والمقصود بطبيعة الحال المعرفة بهذا الكون، أو على الأقل بظواهره، وهي التي تعهدت
الفلسفة برؤاها ومبادئها ومسلماتها ومناهجها، حتى تسلمها العلم الحديث إبان نشأته
في القرن السادس عشر وهي مهيأة لتنامٍ وتعملق ما كان يخطر على بال.
١٨٠٤ ) إطاران –١٧٢٤) I. Kant إن الزمان والمكان كما أشار إيمانويل كانط
مفطوران في صلب العقل الإنساني الذي يقوم بعملية المعرفة، شكلان قبليان للحساسية،
يتم وفقًا لهما ترتيب معطيات هذه الحساسية ومضمون خبرة الإنسان بالعالم الخارجي،
أو تجربته الخارجية. فالزمان والمكان إذن صورتان قبليتان أو شرطان للمعرفة، مثلما
هما — كما رأينا — إطاران للوجود.
والمعرفة والوجود — أو الإبستمولوجيا والأنطولوجيا — هما في خاتمة المطاف
المحوران النهائيان اللذان لا بد أن يدور حول أحدهما أي جهد للعقل البشري. أما
القيمة — الأكسيولوجيا — المحور الفلسفي الثالث والأخير، فمحضتقاطع بين المحورين
الأولين، وتمثيل لعلاقة الذات العارفة بهذا الوجود ورؤيتها له وإسقاطاتها عليه.
من هنا كان الزمان والمكان بوتقة لمطلق قدر الإنسان، مطلق حدود عالمه وآفاق
١٩٣٧ ) أنهما الأصل الهائل أو –١٨٥٩) S. Alexander عقله. ويرى صمويل ألكسندر
Primal Stuff الحقيقة المبدئية التي نشأ عنها العالم، هيولى أولى أو جوهر أصلي أو خامة
صدرت عنها كل الوجودات بالانبثاق، فعن الزمان والمكان انبثقت أولًا المادة، وبالتدريج
انبثقت الحياة، ثم الوعي، وأخيرًا الألوهية، بل إنهما يظلان أيضًا ماهية الموجودات بعد
القاهرة: دار الثقافة للطباعة ) ،« دراسات في الفلسفة اليونانية: التأمل، الزمان، الوعي » ، 6 أميرة مطر
. والنشر، ١٩٨٠ )ص ١٣٢
14
الزمان والمكان صدر المقولات
انبثاقها عنهما، فتظل كل الأشياء مثل مصدرها زمانية مكانية، 7 ونجد أرنست كاسيرر
١٩٤٥ ) بفلسفته للأشكال الرمزية يعرف الإنسان بأنه حيوان –١٨٧٤) E. Cassirer
رامز، فالرمز — لديه — هو الحد الفاصل لإنسانية الإنسان، وهو المفسرلجميع فعالياته؛
كالأسطورة، والدين، والأخلاق، والبناء الاجتماعي، أو السياسي، والفن، والفكر، والعلم …
إلخ. وكل هذه الفعاليات المتباينة يصهرها في بوتقة الإنسانية اشتراكها في شيء واحد؛
هو صلتها بالزمان والمكان. وأكثر من هذا يوضح كاسيرر أن الزمان والمكان في الفكر
الأسطوري لم يكونا محضشكلين فارغين أو خالصين، بل كانا يُعَدَّان القوتين العظميين
اللتين تحكمان كلشيء وتُصرِّفان حياتنا الفانية وحياة الآلهة أيضًا وتحدِّدانها. 8
من هذا التصور الأسطوري يتضح أنه إذا كنا قد أزحنا الجوهر الأرسطي وجعلنا الزمان
والمكان في صدر المقولات والفكرتين الأوليتين، فإن هذا ليس كشفًا حديثًا، بل هو مجرد
وضع الأصبع عليهما، أو بلورة ناصعة لما هو كائن منذ أن كان الإنسان، وفلسفة أرسطو
ذاتها عُنِيَتْ عناية بالغة بالزمان والمكان.
إن تقولب كل وجود في قالب ما من الزمان والمكان هو بؤرة من بؤر الوعي الإنساني
في كل مستوياته: من الحس المشترك إلى التفكير العلمي إلى الفكر الفلسفي.
وفي كل عهوده، منذ العصرالأسطوري الذي يتسم باضطراب خط الزمان والمكان؛
حيث تقع حوادث الأسطورة في إطار زماني غير منطقي، وتنتقل عبر أمكنة لا يمكن
تصور الانتقال بينها، وحتى عصرالنسبية بمتصلها الزماني-المكاني (أو الزمكاني) الذي
يبلغ درجة مبهرة في تعيينهما بدقة متناهية تنطبق على الكوكب وهو يتحرك في السماء،
كما تنطبق على الإلكترون وهو يتحرك حول نواة الذرة.
.Samuel Alexander, Space, Time and Deity two Volumes (London: Macmillan 1920) 7
.Ernest Cassirer, An Essay on Man, (New Haven: Yale University Press, 1944) 8
15


الفصل الثاني
تميُّز الزمان عن المكان
انتهينا إلى أن الزمان والمكان متقاطعان بوصفهما إطارًا للوجود، خصوصًا لعالم الظواهر
فيه — كما أسماه كانط — وبوصفهماشرطًا قبليٍّا للمعرفة به. إنهما بلا شك مترابطان،
يملك حيثياته الفلسفية والعلمية والسيكولوجية حين J. Piaget وقد كان جان بياجيه
طابق بينهما بواسطة الحركة المكانية والسرعة الزمانية، اللتين هما وجهان لعملة واحدة،
بل لعلهما اسمان لمسمى واحد. ومن ثم قال بياجيه إن الزمان مكان متحرك والمكان
زمان ثابت.
إنهما بالنسبة للتفكير العقلاني والعلمي، وعلى أخص الخصوص بالنسبة للفيزياء
لا ينفصلان البتة؛ فقياس الظواهر يتم بالاعتماد عليهما معًا، وكلاهما نظام ضخم
الزمان وحدة والمكان » من العلاقات، وبتشابكهما معًا يحويان الأنظمة الأخرى جميعًا
وحدة، وكل نطاق أو حيز معين جزء من المكان، وكل أجزاء المكان ترتبط معًا في وحدة،
1«. تمامًا كما أن كل مدة معينة جزء من الزمان، وكل أجزاء الزمان ترتبط معًا في وحدة
ولعلهما من زاوية ما للنظر — خصوصًا إذا كانت العقلانية والعلمية — يبدوان متماثلين
مثلًا، وهي العلم الذي قام Topology ويثيران مشكلات واحدة، حتى إن الطوبولوجيا
لدراسة أخص خصائص المكان من حيث هو مكان؛ أي: العلاقات المكانية المختلفة؛
كعلاقة الجزء بالكل، وعلاقات الاندماج والانفصال والاتصال، التي تعطينا الشكل الثابت
للمكان، الذي لا يتغير بتغير المسافات والمساحات والأحجام — هذا العلم قد ماثله بحث
W. H. Newton Smith The Structure Of Time, (London: Routledge & Kegan Paul, 1980), 1
.p. 79
الزمان في الفلسفة والعلم
في طوبولوجيا الزمان — كما سنرى. وخير مثال فلسفي يوضح كيف أنهما قد يثيران
مشكلات واحدة، ويوضح أيضًا كيف أنهما إطار لا مخرج منه للوجود وللمعرفة هو
التساؤل الشهير: إذا كان للزمان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبله وبعده؟ إذ يماثله
ذلك التساؤل: إذا كان للمكان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبل المكان وبعده؟ والمثال
هنا الأقرب إلى التفكير العلمي هو هذا التساؤل: هل يمكن أن يوجد زمان خالٍ تمامًا؟
ومن ثم هل يمكن التفكير في زمان بمعزل تام عن أية أحداث؟ ويماثله مباشرة تساؤل
عن تصور مكان خالٍ تمامًا. وهذه المشكلة تبناها أمير علماء العلم الحديث إسحاق نيوتن
مبادئ الفلسفة » في بحثه عن الزمان والمكان المطلقين، فقد أشار في مقدمة كتابه العظيم
سنة ١٦٨٧ )، إلى أن التفكير العادي لا يتناول الزمان والمكان والحركة إلا ) « الطبيعية
من حيث علاقتهما بالأشياء المحسوسة، وأنه لا بد من نبذ هذه الطريقة لكي نخرج
من معلوماتنا الحسية بتجريد، يمثل أساسًا ولبنة للعلم، فكان أن فعل وخرج بمفهوم
للزمان والمكان المستقلين عن كلشيء والثابتين دائمًا أو المطلقين. ويوضح لنا عالم الفلك
والفيزياء وفيلسوف العلم جيمس جينز أن العلم يطرح أربعة معانٍ متميزة للمكان
يقابلها أربعة معانٍ متميزة للزمان؛ هي: المكان التصوري، والمكان الإدراكي، الحسي،
والمكان الفيزيائي، والمكان المطلق. يقابلها: الزمان التصوري، والزمان الإدراكي الحسي،
والزمان الفيزيائي، والزمان المطلق. 2 وكقاعدة عامة، يتصور الفيزيائي الزمان بالطريقة
نفسها التي يتصور بها المكان؛ فهو يفترضأن كليهما متصل قابل للقياس، وتتخذ كل
أحداث الطبيعة موقعًا فيه. وكما تعامل الهندسة — علم قياس المكان — المكان في حدود
علم قياس الزمان — الزمان — Chronometry نقاط وعلاقاتها، يعامل الكرونومتري
في حدود لحظات وعلاقاتها. وكما أن الوعي لا يتلقى نقاطًا لا امتداد لها، فإنه لا يتلقى
لحظات لا ديمومة لها. والعلاقات المكانية تماثل — صوريٍّا — العلاقات الزمانية، ولكن
المكان فكرة على قدر من البساطة، ويتعامل العلماء معه بسهولة، أما الزمان والحركة
فموضوع شديد التعقيد. 3
إن المكان كائن دائمًا في المكان، أما الزمان فيتدفق في قلب الزمان؛ فلا بد إذن أن
الزمان يتوغل في مستويات فلسفية وعلمية أبعد، لا يطولها المكان.
.٨٥– ترجمة جعفر رجب، (القاهرة: دار المعارف، ١٩٨١ )،ص ٨١ ،« الفيزياء والفلسفة » ، 2 جيمس جينز
.C. D. Broad, Scientific Thought (New Jersy: Littlefield, Adams & Co., 1959). pp. 53-54 3
18
تميُّز الزمان عن المكان
فعلى الرغم من كل ما رأيناه من ارتباط الزمان والمكان، فإنهما ليسا البتة على قدم
المساواة، وليسا متساويين أو متكافئين، بل كان الزمان دائمًا — من وجهات النظر
المختلفة — متميزًا عن المكان ومتقدمًا عليه، حتى إن صمويل ألكسندر الذي رأى أنهما
ندان لا ينفصلان، وأكد فلسفيٍّا ما أكدته النظرية النسبية علميٍّا من أنه لا يوجد مكان
مستقل أو زمان مستقل، بل ثمة فحسب زمانيات مكانية تستلزم زمانًا-مكانًا أوليٍّا
تنبثق عنه كل الأشياء؛ عاد بعد هذا ليعلي من شأن الزمان بوصفه مبدأ تنظيم، لولاه لكان
المكان كتلة مصمتة. وبتعبير مجازي يقول إن المكان جسد الكون والزمان عقله، وليس
هذا ببعيد عن الثنائية التي أرساها أبو الفلسفة الحديثة ديكارت بتفرقته الحاسمة بين
المادة أو الجوهر الممتد، والعقل أو الجوهر المفكر.
وإيمانويل كانط أيضًا، وهو من أكثر الفلاسفة عناية بالربط بينهما، وقد ذهب إلى
أن الفارق الوحيد بينهما هو أن الزمان يقوم على التوالي بمعنى التعاقب بين الأحداث
وفقًا للسببية، أما المكان فيقوم على التتالي بمعنى التجاور وفقًا لعلم الهندسة. نقول
إن كانط أوضح أن المكان هو شكل تجربتنا الخارجية، أما الزمان فهو شكل تجربتنا
الداخلية. ولكن العالم الخارجي — كما تنص فلسفة كانط النقدية — لا ينفصل البتة
عن الشروط الداخلية في العقل الذي يتصوره. لذا عاد كانط في نقد العقل الخالصليقدم
الزمان على المكان ويعتبره الأعم والأشمل؛ لأن المكان مقصور على الظواهر الخارجية
وحدها، أما الزمان فهو الشرط الصوري القبلي لجميع الظواهر بوجه عام، ومن ثم فإن
علاقته الوثيقة بالعالم الداخلي للانطباعات والانفعالات والأفكار. » — له — دون المكان
والزمان بهذا الوصف هو معطى من معطيات الوعي المباشر، وهو أكثر حضورًا من
المكان، بل من أي تصور آخر كالسببية أو الجوهر، فكأنه لا خبرة هناك إلا إذا كانت
4 وليس من الضروري بطبيعة الحال أن تتسم كل خبرة بطابع «. تتسم بطابع زماني
مكاني، بل إن الخبرة بغير عالم الظواهر الخارجية لا يمكن أن تتسم بالطابع المكاني.
وإذا كان الفيلسوف الألماني كانط شيخ الفلسفة الحديثة بأسرها، فإن أهم
ما أخرجته الفلسفة الألمانية المعاصرة في القرن العشرين كتابان؛ الأول: هو كتاب
١٩٣٨ ) دراسات –١٨٩١) E. Husserl مؤسس الفينومينولوجيا إدموند هوسرل
وقد اعتنى هوسرل بالوعي الباطني والتوصيف Logische Untersuchungen منطقية
. ص ١١٣ ،« دراسات في الفلسفة اليونانية » ، 4 أميرة مطر
19
الزمان في الفلسفة والعلم
(١٩٧٦–١٨٨٩) M. Heidegger الفينومينولوجي له، والثاني: كتاب مارتن هيدجر
١٩٢٧ ) وقد اكتسب هذا الكتاب أهمية فلسفية فائقة، ) Sein Und Zeit الوجود والزمان
حتى عُدَّ إنجيل فلسفات الوجود والفلسفة الوجودية المعاصرة؛ وذلك لأنه نظر إلى الوجود
أخيرًا نظرة كانت مجدية حقٍّا، نظر إليه من خلال الزمان. وفي القسم الأول من الكتاب
اعتبر هيدجر أن الزمان هو الأفق الترانسندنتالي المتعالي الذي ننظر منه إلى السؤال
الموجود ثمة أو الكائن ) Dasein « الدازين » عن الوجود؛ إذ إنه بالزمان والزمانية يفسر
أما في القسم الثاني من الكتاب، فيشرح المعالم » ،( الملقى به هناك والتي تُرجِمَتْ بالآنية
لتاريخ الأنطولوجيا على هدى من مشكلة « التحطيم الفينومينولوجي » الرئيسية لما يسميه
5 وقد وضع هيدجر مصطلحات معقدة وجهازًا فلسفيٍّا مهيبًا وفعالًا؛ لينجز «. الزمانية
هذه المهمة التي كانت ضرورية، مهمة التفسير الزماني للوجود والتفسير الوجودي
للزمان، واعتبار الزمان الأفق الذي نطل منه على الوجود.
فقد ارتبط الزمان دائمًا بالوجود، ونحن لا نفكر في أحدهما دون أن نفكر في الآخر
الوجود منذ فجر الفكر الفلسفي مرادف للحضور، والحضور يكون في أفق الحاضر » و
ويتكلم بصوته، والحاضرفي التصور الشائع بُعْدٌ من الأبعاد الثلاثة التي تلازم تصوُّرنا
للزمن الذي يسير على طريق لا رجوع فيه من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل. والماضي
في تصورنا الشائع أيضًا هو الذي لم يَعُدْ له وجود، كما أن المستقبل هو الذي لم يوجد
6 إن ثمة علاقة عكسية وتحديدًا متبادلًا بين الزمان والوجود؛ لذا فربما بدا المكان «. بَعْدُ
أقدر من الزمان على البقاء، إلا أن وجودنا يرتبط ويتحدد بالزمان المنقضيالمتلاشي، أكثر
كثيرًا من ارتباطه بالمكان.
5 مارتن هيدجر، نداء الحقيقة، ترجمة وتقديم ودراسة عبد الغفار مكاوي، (القاهرة دار الثقافة للطباعة
( والنشر، ١٩٧٧
مجلة الحكمة، قسم الفلسفة والاجتماع، كلية ،« الحاضرالسرمدي واللحظة الخالدة » ، 6 عبد الغفار مكاوي
.٢٦- التربية، جامعة طرابلس، الجماهيرية العربية الليبية، العدد ٣، السنة الثانية، أكتوبر ١٩٧٨ ،ص ٢٥


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

قصته مع أمة في ...

قصته مع أمة في مغرب الشمس وهي أمة من الأمم الأرض العظيمة، وكان الله قد مكنه فيهم، وحكمه فيهم، وأظفره...

يحتوى الفيجوال ...

يحتوى الفيجوال استوديو على محرر أكواد يدعم تعليم الصيغة والاكمال التلقائى ويستخدم أيضا تقنية انتليسن...

Importantly, Mo...

Importantly, Modified Low-Dose Bismuth Quadruple Therapy has shown high effectiveness in curing Heli...

قيل أنّ مركبة ا...

قيل أنّ مركبة الفضاء "الباحث" قد تمكنت من رصد وجودٍ لرجلٍ يبدو طاعناً في السنّ على كوكب المريخ، فقد ...

I am writing to...

I am writing to submit my enthusiastic Application for the position of Crew, I am confident that my ...

كتاب البيع البي...

كتاب البيع البيع في اللغة : أخذ شيء، وإعطاء شيء. وشرعا: (مبادلة مال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كمم...

أولاً: السمات ا...

أولاً: السمات المميزة للتأمين ضد التعطل عن العمل (1) : يتميز خطر البطالة بطبيعة خاصة تميزه عن غيره ...

A 57­year­old m...

A 57­year­old man is brought to the ED by his son at 10 AM after experiencing left arm numbness, slu...

Phonetics The ...

Phonetics The general study of the characteristics of speech sounds is called phonetics. Our main i...

يعتبر التوقع أح...

يعتبر التوقع أحد المعايير الأساسية لقياس مدى جودة أي نص قانوني وقدرته على تحقيق الأمنيين القانوني وا...

يجادل بأن القاد...

يجادل بأن القادة بحاجة إلى ضبط نغمة تطوير ثقافة تنظيمية حول التعلم. يجب أن تتبنى الثقافة التنظيمية ...

قرونة وأخوعها ج...

قرونة وأخوعها جدود خالدون وصطرنا صحائفا من ضياء فما نسي الزمان وما نسينا وما فتع الزمان يدور حتى مضى...