لخّصلي

الفصل السادس
المخ وصعوبات التعلم
لاشك أن المخ هو عضو النشاط النفسي بمعنى أنه هو العضو المسئول عن تشغيل المعلومات وصناعة القرارات في عالم دائم التغير ، فقد نشر أسرتيان Asratian سنة ۱۹۸۳ كتاباً يحمل عنواناً " المخ الذي يتعلم " The Learning" Brain فعندما نقول أن فلاناً قد تعلم الآلة الكاتبة فإن ذلك يعنى أن المخ هو الذي تعلم . وقد ركز بدقة في كتابة على الميكانيزمات الفسيولوجية للتعلم والذاكرة . وفي السطور القادمة نحاول أن نستوضح العلاقة بين إضطراب وظائف المخ وأثرها على عملية التعلم . وقد أوضحنا سابقاً كيف يشترك المخ في عملية التعلم كما أوردنا توزيعاً للوظائف النفسية في القشرة المخية ومن ناحية أخرى فإن الأسس العامة المرتبطة بحدوث التعلم تمثل الأساس المعلوماتي لتناول أثر إختلال وظائف المخ على حدوث التعلم . وقبل أن نعرض لنوعية صعوبات التعلم في علاقتها بأنواع خلل وظائف المخ ، لابد وأن نتعرف على المسارات الحسية والحركية المرتبطة بعملية التعلم فأى سلوك يتضمن من الناحية العصبية - الفسيولوجية عمليات حسية ، قشر مخية وحركية فالإحساس يمثل بذور عملية الإدراك الحسي الذي بدوره يؤدى إلى الإدراك المعرفي ومنه العمليات التخيل والتفكير . فالأساس دائماً هو الحواس والمراكز العليا ، وتنفيذ الأوامر الحركية. إذن فالمعلومات الحسية تحقق للمخ الشبع المعلوماتي ومن ثم يحدث تمثيل معلوماتي فتنمو أنسجة وأبنية القدرات العقلية المعرفية لتشترك في التعرف على معلومات حسية جديدة وهكذا .
ويؤدى ذلك التحليل البسيط إلى أن صعوبات التعلم تأتى من ثلاثة مصادر :- 1 - إعاقة حسية أو أن الحواس لا تقوم بوظائفها كما ينبغى أن تكون وفي تلك الحالة فإن المطلوب هو تحديد نوع الصعوبة بدقة : سمعية ( الأطفال ضعيفوا السمع والصم ) ، بصرية ( نووا البصر الضعيف - قصر نظر ، طول نظر ، عمى ألوان .... الخ ) ، أو إعاقة حركية بجميع أنواعها . وفي كل حالة من الضرورى وضع المتعلم في برنامج تربوی تعلیمی دقيق يحقق له العمليات التعويضية
ب - قد تكون الحواس سليمة ولكن هناك إصابة أو تلف أو عطل disfunction في المراكز العصبية العليا وفي هذه الحالة لابد من تحديد : ۱ - نوع العطل ( الإصابة ) الموجود
۲ - درجة الإصابة المخية . وإذا ما تم تحديد تلك العوامل أمكننا تحديد دور الطبيب ، ودور المعلم ، ودور المنزل في مواجهة مشكلات ذوى الإصابة المخية . ج - وفي بعض الأحيان تحدث بعض صعوبات التعلم بسبب عدم إمكانية تنفيذ أوامر المخ عن طريق النظام العصبي المحرك ( مثل بعض الحالات التي يكون الطفل فيها قادر على سمع الأصوات اللغوية وفهمها ولا يمكنه كتابة أو تقليد الحروف المرئية أو المسموعة ) . وصور الإعاقات الحركية خير مثال على ذلك وفيما يلى سوف نقدم عرضاً مختصراً للمسارات الحسية التي تشترك في عملية التعلم :-
أولاً : المسارات البصرية Visual Pathways
وتمتد المسارات البصرية من الشبكية في العين على طول الأعصاب البصرية ) العصب المخى رقم (۲) ليصل إلى التقاطع البصرى ومنه إلى المسارات العصبية المؤدية إلى الأجسام الجانبية الوسيطية Lateral geniculat bodies وأخيراً تنتقل الإشارات خلال التفرعات البصرية optic Radiation إلى المناطق البصرية في القشرة المخية ( المراكز العليا للإبصار وتحليل المعلومات البصرية .
وأي إصابة أو عطل في تلك المسارات محتمل أن تؤدى إلى عيوب محددة في مجالات الرؤية ( معلومات غير سليمة عن الموضوع المرئى ) .
وحيث أن المعلومات البصرية ترتبط بمناطق هامة في المخ . فإن إضطراب أجزاء المخ المرتبطة بصورة مباشرة بالمعلومات البصرية قد يؤدى إلى إسقاط بعض المعلومات البصرية التي يدركها الفرد ، عكس اليمين مع اليسار ، أخطاء في إصدار الأحكام على المرئيات البصرية . فإذا ما تعرف الأخصائي النفسي والمعلم على طبيعة تلك الإضطرابات فإنه يتمكن من وضع برنامج علاجي محدد يؤدى إلى تعويض تلك التشوهات الإدراكية وتصحيحها
ثانياً : المسارات السمعية : Auditory pathwayes
من المعروف أن حاسة السمع تلعب دوراً هاماً في عملية التعلم لذلك كان من الضروري أن نتتبع المسار الذي تأخذه الأصوات المسموعة حتى يحدث السمع . ويبدأ خط سير السمع من كلا الأذنين ليصل إلى الفصوص الصدغية وعلى الأخص نتوه هشل gyrus Heschl's . والذي يقع في الجزء الأوسط العلوى من الفص الصدغي بالقرب من شق سيلقياس Sylvius Fissure . ومن الأذن الداخلية تكون الأصوات أنماطاً خاصة من الإهتزازات التي تعكس حالة الصوت المسموع وتتحول بدورها إلى نبضات عصبية أو كهروكيميائية بالعصب السمعي ( شكل ۲۳ ) . وهذا العصب يدخل ساق المخ عند مستوى النخاع المستطيل ثم ينقسم صاعداً إلى نتوء هشل Hschl في كل فص صدغي في القشرة المخية يميناً ويساراً . وعلى الرغم أن كل أذن تكون متصلة بكلا الفصين الصدغيين إلا أن الألياف تكون أكثر توظيفاً لنقل المعلومات السمعية من الجانب المخصص للفص المضاد للأذن المستقبلة
ولأن نصف المخ الأيسر يكون دائماً مسيطراً لإكتساب اللغة ، فإن الأذن اليمني عند غالبية الأفراد تكون أكثر حساسية بدرجة طفيفة للمعلومات اللفظية أما اليسرى فهي أكثر حساسية للأصوات غير اللفظية ( كالألحان والأصوات الإجتماعية ) .
ويجب أن نوضح حقيقة أن إصابة أحد الفصوص بالقشرة المخية لا يحدث بالضرورة صمم وذلك بسبب الإتصال ثنائي الجانب للعصب السمعي ( فرع يذهب الطاقة السمع اليمنى والآخر لليسرى ) ، ولكن قد يؤدى إلى عدم إكتمال مستوى الإستماع لبعض الأصوات النطقية أو غير اللغوية . ويظهر مقياس السمع عادة أن الشخص طبيعي إذ أنه يسمع النغمات الفردية ، ولكن بسبب عدم تحقيق التكامل الوظيفي للفصوص الصدغية اليسرى مع اليمني فإنه لا يستطيع أن يعطى معنى محدد لما يسمعه . وتلك الحالة السابقة تقدم النمط الأساسي لأعراض أفازيا فيرنيك wermicke's aphasia ) أفازيا ترادف عيوب الكلام ) . وتعرف بالأفازيا الإستقبالية Receptive وتحدث عادة كنتيجة لإصابة الفص الصدغي الأيسر .
ويذكر جاديس - حالة طفلة عمرها 9 سنوات وقرر مدرس الفصل ، أنها لا تستيطع الهجاء على الإطلاق، ولا يمكننا أن نعلمها القراءة . وعندما تم فحصها بالوسائل النفسي - عصبية المختلفة تبين أنها حصلت على درجات فوق المتوسط في أغلب الإختبارات البصرية والحسية وإختبارات الإستعدادات ، ولكنها أخفقت في الإختبارات السمعية خصوصاً المرتبطة بإدراك المعنى . فتلك الحالة توضح أن الإحساس السمعي سليم ولكن هناك خلل وظيفي في الفصوص الصدغية يؤدى إلى عدم إدراك معنى الأصوات المسموعة ويذلك أدرك المسئولون أن الطفلة ليست متأخرة عقليا كما كانوا يعتقدون حيث تم إعداد برنامج خاص بها يساعدها على التعلم على أساس أن : 1 - يتم الحديث معها ببطء وبدقة بالغة
ب - يتم تعليمها الهجاء بطريقة اللمس - الحركي البصري .
ح - ثم القراءة بنفس الطريقة التي تتعلم بها الهجاء .

شكل ( ۲۳ )
المهاد
المخ الأوسط
النخاع المستطيل
الأجسام المركزية الوسيطة
نتو مكل
نواء الشم
المتوقعة اليسرى
التوقعة اليمني
20 نواء القرقعة العصب السمعي شكل ( ۲۳ ) يوضح الممرات العصبية من الأذن الداخلية إلى القشرة المخية
ثالثاً : مسار الإحساس باللمس وحالة الجسم : Somesthetic and Tactile Pathways وحياة الفرد مليئة بإستقبال معلومات حسية عديدة ومتنوعة ولعلك قد شعرت بحالة الضغط على سطح الجلد أو شد الشعر أثناء التمشيط كما إنك تشعر بحالة جسمك وحركته بصفة عامة ، فعندما يحدث أى إتصال بجسم الإنسان مع أي جسم فيزيقي من خلال سطح الجلد أو الشعر فإن ذلك يسبب بدء نشاط النبضات العصبية في الخلايا العصبية النوعية التي توجد قرب سطح الجلد وتمر تلك النبضات خلال أعصاب حسية تدخل الحبل الشوكي عن طريق الجذور الخلفية وتصعد عبر الحبل الشوكى وساق المخ لتصل إلى المهاد Thalamus والقشرة الخاصة بترجمة المعلومات الحسية ( خلف شق رولاند مباشرة - أنظر الشكل رقم ) فإذا حدثت أى إصابة أو تلف في منطقة الإحساس بالمخ أو في المسار المؤدى إليه فإن الإنسان يفقد قدرة التعرف على الإحساسات ثنائية البعد كما هو الحال في حروف بريل اللمسية ، كما قد يخطىء في إدراك أصابعه هو ذاته وعادة ما يلجأ الإكلينيكي المتخصص إلى إختبار تلك الوظائف المخية ببعض الأساليب الدقيقة البسيطة : لمس خفيف - لمس مع الضغط - ألم سطحى ( بقلم أو دبوس ) يطلب تحديد مكان اللمس الذي يقوم به الأخصائي - ملاحظة مدى وعى الفرد بوضع جسمه في الفراغ . ويمكن إستخدام إختبار المسح النيورواوجي السريع ( عبد الوهاب كامل سنة ۱۹۸۹ ) حيث يتضمن الكثير من الإختبارات والملاحظات الدقيقة التي تشير إلى إضطربات وظائف المخ . ويتضمن الإختبار خمسة عشر جزءاً فرعياً نتعرف منها على مهارة اليد المفضلة والتعرف على الأشكال، والتعرف على الشكل المرسوم ، على راحة اليد باللمس وتتبع العين لحركة الأشياء ، نماذج الصوت وتناسق الأصبع مع الأنف ( التصويب على الأنف ) ، تكوين دائرة من الإبهام والسبابه .
الإستثارة التلقائية لليد والخد ، العكس السريع لحركات اليد المتكررة ، من الذراع والأرجل، المشى بالترادف ، الوقوف على رجل واحدة ، الوثب ، تمييز اليمين من اليسار - الملاحظات السلوكية الغريبة والشاذة
رابعاً : المسارات الحركية
ومن الناحية البنائية في نظام عمل المخ والجهاز العصبي التي أوردناها من قبل ، فإن المسارات الحسية والحركية متشابهان إلى حد بعيد ولكن خط سير النبضات العصبية فيها تسير في الإتجاه المضاد فعندما تصل المعلومات الحسية إلى القشرة الحسية ( خلف شق رولاند ) فإن النبضات العصبية الحركية تبدأ خط السير من القشرة الحركية ( أمام شق رولاند مباشرة أنظر شكل ) . أما الألياف العصبية من تلك المنطقة بالمخ فهي تمتد حاملة النبضات العصبية الحركية لتصل القنطرة خلال ساق المخ وكذلك إلى داخل المخيخ Cerebellum ومنه إلى الخارج لتنتقل إلى النتوء الأمامي في الحبل الشوكي لتصل أخيراً إلى مختلف إتجاهات الخروج من الحبل الشوكي عن طريق الأعصاب الشوكية حيث يتم تنفيذ أمر المخ بالحركة المطلوبة . وحياة الفرد ما هي إلا سلسلة متناغمة من الحركات الموجهة التي تدخل في التناسق البصرى الحركي، تعلم المهارات ، الكلام ، الكتابة والقراءة ....... الخ .
والتحليل السابق يوضح لنا أن إعاقة أو عطل المسار الحركي سواء كان على المستوى الطرفي أو المركزي بالمخ لابد وأن يؤدى إلى ظهور علامات نوعية تدل على صعوبات التعلم تظهر واضحة للغاية في مهام إختبار المسح النيورولوجي السريلتنتقل إلى النتوء الأمامي في الحبل الشوكي لتصل أخيراً إلى مختلف إتجاهات الخروج من الحبل الشوكي عن طريق الأعصاب الشوكية حيث يتم تنفيذ أمر المخ بالحركة المطلوبة . وحياة الفرد ما هي إلا سلسلة متناغمة من الحركات الموجهة التي تدخل في التناسق البصرى الحركي، تعلم المهارات ، الكلام ، الكتابة

والقراءة ....... الخ .

والتحليل السابق يوضح لنا أن إعاقة أو عطل المسار الحركي سواء كان على المستوى الطرفي أو المركزي بالمخ لابد وأن يؤدى إلى ظهور علامات نوعية تدل على صعوبات التعلم تظهر واضحة للغاية في مهام إختبار المسح النيورولوجي السريع، والأداء على الإختبارات العملية الفرعية المقياس وكسلر للذكاء

توزيع الوظائف النفسية بالقشرة الدماغية

الإنسان في خلال حياته اليومية يمارس ألوانا متعددة من الأنشطة المختلفة وهو في تفاعل دائم مع البيئة الخارجية التي يعيش فيها فهو يفكر ويحس ويرى

ويتذكر ويتعلم ويكتسب مهارات منها الحركية ومنها العقلية وينفعل و .... الخ . ولاشك على الإطلاق في أن خلق الإنسان في أحسن تقويم جعله ينفرد عن المخلوقات بالعقل ، والعقل يرتبط بذلك التركيب الدقيق المتناسق المتكامل للجهاز العصبي للإنسان ، فأين تقع تلك الأجزاء بالقشرة المخية التي نطلق عليها المراكز العليا high centers المسئولة عن سلوك الإنسان سواء كان هذا السلوك بسيطا كحركة

اليد أو إكتساب مهارة حركية أو معقدة عالية التنظيم كالتفكير أو التذكر أو الإدراك ؟ .

من الناحية التاريخية فقد بذلت محاولات عديدة للإجابة عن هذه الأسئلة ففى العصور الوسطى قام العلماء بفحص العمليات العقلية على إنها وظيفة لأجزاء المخ المختلفة واعتقد الفلاسفة الطبيعيون أن موقع القدرات العقلية قد يوجد في البطيات الثلاثة المخية three Cerebral venticles وفي بداية القرن التاسع عشر كان جول Call أول عالم تشريح وصف الفرق بين المادة البيضاء matter white والمادة السنجابية grey matter للمخ مؤكداً تمركز تلك القدرات العقلية في مواضع خاصة بالمخ وقدم خريطة عرفت باسمه هي خريطة الفراسة العقلية لجول Call sphrenological chart وكذلك فإن الملاحظات الإكلينكية الخاصة بمعرفة أثر تلف جزء من أجزاء المخ على النشاط العقلى عرف من سنين بعيدة فمثلاع، والأداء على الإختبارات العملية الفرعية المقياس وكسلر للذكاء