لخّصلي

هو يومه الأول . يبدو مكانا مهما . كلفوه بمهمة تلبية طلبات المكاتب من 5-15.
عمل رائع لم يتصور قط أنه سيحظى بعمل سهل كهذا . كان دوما متسخا بما يحمله فوق ظهره طوال النهار ، الآن هو يرتدى بدلة خاصة بالعمل ، نظيفة ، نظيفة حقا ، في الواقع تبدو له نظيفة بشكل غير معقول . شعر بأنه وليد جديد للتو يخرج إلى العالم ساعة ارتداها أول مرة .
حتى إنها مزخرفة عند الأطراف و عليها شعار في الصدر . يقولون شعار الدائرة ، و لا يهم إنه فخورا جداً، صور نفسه كثيرا ، أرسل الصور إلى أمه ، و زوجته حملت الصور إلى الجارات ، تغيظهن : زوجها أنيق.
الساعة الثامنة صباحا ، يرن الهاتف يسرع لالتقاط السماعة :
نعم سيدى ؟
يرد عليه صوت المرأة .

• نعم احضر لي الشاي


• بسكر أو من دون سكر سيدتى ؟


• بسكر


• و في أي غرفة سيدتى ؟
  -13


• في الحال سيدتي
  يجب أن يكون كل شيء نظيفا. المهم النظافة. يغسل الكوب جيدا. يغسله مرارا ، يحضر الشاي بالمقادير المطلوبة ، قبل بدء العمل ، إن مقادير الشاي تختلف عما اعتاده هناك ، فهناك أية مقادير كانت نعمة مبجلة . هنا الأشياء دقيقة أكثر ، و إن لم يعجبك كوب الشاي بإمكانك أن تسكبه .ضحك كثيرا عند هذه الفكرة ، كيف لأحد أن يسكب كوب شاي ساخنا فيه سكر لذيذ. و حليب غنى ، فقط لأن السكر زاد قليلا أو نقص ؟ ( غريب غريب).
  يهز رأسه متعجبا من عجائب الدنيا التي بدأ يتعرفها ساعة مغادرته بيته. و يضحك حين يتذكر أنه يسميه بيتا . هناك ، حتى حين تدخل بيتك تظل مكشوفا على الجميع ، يختبئ الناس خلف جدران حقيقة . يتخيل لو امتلك فرصة كهذه ، ربما كانت زوجته ستكف عن تأنيبه. يضع كوب الشاي على صينية التقديم ، يتأكد من نظافة كل شيء. لا (بقع) تذكر تعليمات المسؤول ( لا بقع على الأكواب أو الصواني ) يتأمل جيدا ، يرى صورته تنعكس على سطح الصينية . رائع ..... يسير فخورا بنفسه . لا بقع . سيكتب في الرسالة القادمة إلى زوجته (( تخيلي ! مهم ألا توجد أية بقعة من أي نوع ، حتى بقع الشاي نفسه مهم ألا تقع على الصينية ، تخيلي ينتبهون لذلك ! و هذا يزعجهم جدا ! آه لو أحاسبك على كل البقع في الأواني ، كنت طلقت من زمن.
  تذكر ، ألا أواني لديها ، فقط إناءان ، و على أية حال ما كانت أي بقع لتظهر على سطحها الصدئ. (( هذه من مميزات ألا تمتلك أشياء كثيرة ، لا تضطر لأن تقلق على البقع)) ! يسير فخورا باستنتاجه هذا . و يشعر بالحكمة , أمه دوما آمنت أن مستقبله سيكون زاهرا ، كان ولدا حكيما ، يقول دوما الأشياء الصحيحة في الوقت المناسب ، أو حين يتوفر وقت لقول أي شيء.
  على باب الغرفة رقم 13 يقف بتهيب ، يتذكر هل يجب أن يلقي التحية أو فقط يدخل بهدوء ؟ (( مرحبا سيدتي )) يلقيها بهدوء ، لا يتلقى ردا يتطلع إلى المكتب . لا مكان لوضع كوب الشاي ، منشغلة هي بالهاتف و بشاشة الحاسوب ، يقف قليلا متفكرا ، يزيح بعض الأوراق قليلا ، يحمل كوب الشاي و ينتبه أن في حافة الكوب بقعة شاي صغيرة ، لابد أنها اندلقت في الطريق ، ترتجف يده ، يتضرع في سره ألا تنتبه لها ، تبدو المسافة من الصينية حتى المكتب بعيدة ، شعر كأنه يسافر إلى الفضاء في رحلة مصيرية . يضع الكوب بتأن على المكان الذي وفره له . تحرك الموظفة يدها لأخذه ، تتحرك أكوام الأوراق ، تصطدم بكوب الشاي، ينسكب الشاي على كل شيء، يمتلئ المكان بالبقع يقف مشدوها ، يظل واقفا يرتجف مثل ورقة شجر سقطت في يوم ريح عاصف . ماذا بوسعه أن يفعل أمام كل هذه البقع ؟ شددوا كثيرا على أن ( لا بقع ) على الأكواب على الصواني لكن هذه بقع في كل مكان ! على الأوراق و سطح المكتب و ثوب الموظفة يشعر بالغرق و بلزوجة في قلبه.
  في اليوم التالي كان عليه تسليم البدلة المزخرفة الجديدة لآخر يقف في طابور طويل يمتد دون كلل.