خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
حدد ماركس١ لنفسه هدفًا هو الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم عمل النظام الرأسمالي. ولتحقيق هذا الهدف كان عليه مراجعة الفكر السابق عليه؛ أي الفكر الاقتصادي للطبيعيِّين، وفرنسوا كينيه بصفةٍ خاصة، والفكر الاقتصادي لآدم سميث ودافيد ريكاردو، وبالأخص ريكاردو الذي اعتنق ماركس أهم أفكاره وتصوراته في أبرز المواقع الفكرية وأكثرها خطورة في مذهبه في «رأس المال».وابتداءً من تحديده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي بأنه العلم المنشغل بدراسة:
الفصل الأول).وباستخدام أعلى درجات التجريد:
مقدمة الطبعة الألمانية الأولى، ١٨٦٧م).انشغل ماركس بظاهرة القيمة التي تدور في فلكها علاقات نمط الإنتاج الرأسمالي؛ الأمر الذي جعله يبدأ من تحليل السلعة؛ لأنها التي تتجسد فيها القيمة:
بينما تتبدى كل سلعة كشكلٍ أوَّلي لهذه الثروة؛ لذلك يتعين البدء بتحليل السلعة» («رأس المال»، الفصل الأول).وفي أثناء تحليله يسير على نفس خُطى سميث وريكاردو؛ حيث يفرق بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، أي كنسبة يجري بموجبها تبادل قيمٍ استعمالية من نوعِ ما بقيمٍ استعمالية من نوعٍ آخر. ويستخدم ماركس، كما أسلافه، القيمة النسبية بنفس معنى القيمة التبادلية. و«ع» من الفضة، ولكن بما أن «ك» من الأرز، و«ع» من الفضة وما إليها، كما يقول ماركس، أن تكون قيمًا تبادُلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض؛ أيْ أَنْ تكون متساويةً فيما بينها؛ ومن هنا فإن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تُعبِّر عن شيءٍ واحد؛ فمهما تكن العلاقة التبادلية بين الحرير والفضة، يمكن دائمًا التعبير عن هذه العلاقة بمعادلة تتعادل فيها «ص» من الحرير مع «ع» من الفضة. الحرير والفضة، لا هو الأول ولا هو الثاني؛ وبالتالي لا بد وأن يكون كل منهما، باعتباره قيمة تبادلية، الذي لا يكون متمثلًا في خصائص هندسية أو فيزيائية أو أي خصائصَ طبيعية أخرى للسلع؛ إذ إن خصائص السلع الجسدية، كما يقول ماركس، لا تُؤخذ في الاعتبار إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، بقدر ما تجعل من السلع قيمًا استعمالية. إن الأمر الثالث المشترك بين «قيمة السلعتَين التبادلية» هو العمل؛ فكلاهما نتاج قوة العمل. متسائلًا: ما هي قيمة قوة العمل؟ ومن أجل الإجابة يسير التحليل على النحو التالي: إن قيمة كل سلعة تُقاس بكمية العمل الضروري، اجتماعيًّا، وقوة العمل تُوجد في شكل العامل الحي الذي يحتاج إلى كميةٍ محددة من وسائل المعيشة لنفسه ولعائلته، مما يضمن استمرار قوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا، فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل المعيشة هذه يمثل قيمة قوة العمل:
«إنني أقصد بقوة العمل أو القدرة على العمل، مجموع القدرات الجسدية والمعنوية التي تمتلكها أعضاء الإنسان؛ أي شخصيته الحية التي يستخدمها في كل مرة ينتج فيها قيمًا استعمالية. إن قيمة قوة العمل تتحدد مثل أي سلعةٍ أخرى بوقت العمل الضروري لإنتاجها وبالتالي لتجديد إنتاجها. الكتاب الأول،وعلى ذلك، يدفع الرأسمالي للعامل أجره، أسبوعيًّا مثلًا، شاريًا بذلك استخدام قوة عمله لهذا الأسبوع (الواقع أن الرأسمالي يدفع الأجر بعد استهلاك قوة العمل!) وبعد ذلك يجعل الرأسمالي عامله يبدأ في العمل. وافترضنا كذلك أن أجره الأسبوعي يمثل ثلاثة أيام عمل؛ فإنه، في يوم الإثنين، فلقد اشترى الرأسمالي قوة عمل٥ العامل لمدة أسبوع، ولم يشترِ عمله، كما كان يظن سميث وريكاردو.وحينما ينتقل ماركس لمقياس القيمة، عدم دقة أسلافه! ولكي يخرج من متاهة «المقياس/المقدار» الذي أدخل سميث فيها الاقتصاد السياسي، يطرح، كما سميث وريكاردو،ولكن، بوقت العمل. بينما يجد وقت العمل، بدوره، وإنما ابتداءً من اعتبارها «مقياس مقدار!» القيمة، ثم يُضطر، نتيجة عدم وضوح المقياس، وكمية العمل تُقاس بوقت العمل؛ بالزمن، خالطًا كذلك بين المقياس (كمية العمل) ووحدة القياس (اليوم، الدقيقة، … إلخ)!
بل غير صحيح علميًّا؛ وليست آلة، وليست أداة. وينبغي حينئذٍ أن نستعمل آلة/أداة القياس المناسبة لقياس الزمن، وآلة قياس الزمن ليست كمية العمل، كما يقول الاقتصاد السياسي، إنما هي الساعة (التي هي آلة يُعرَف بها الوقت) والتي يعلقها الرأسمالي على الحائط في مكتبه! أما وحدة القياس فهي الدقيقة (التي هي جزءٌ من ستين جزءًا).إن الاقتصاد السياسي ابتداءً من عدم استخدامه للمقياس الصحيح، وابتعاده عن وحدة القياس المناسبة، كما أوضحنا في الباب الأول، يصل إلى ذروة ارتباكه حينما يقيس المقياس نفسه! ثم يخلط بين هذا المقياس ووحدة القياس!
وبعدما أتم تحليله مفهوم القيمة وما يتعلق به، قام ماركس بمراجعة تصوُّر الكلاسيك لأقسام الرأسمال، أو من جهة التركيب العضوي، ولأن الكلاسيك نظروا إلى جهتَي التداول والتركيب العضوي، فقد كان سميث وريكاردو، والكلاسيك بوجه عام، يرون، وكما ذكرنا، أن الرأسمال اللازم من أجل عمليةٍ إنتاجيةٍ ما، ينقسم إلى قسمَين: القسم الأول: الرأسمال الأساسي ويحتوي على المباني والآلات … إلخ، وكل ما لا يستهلك في عمليةٍ إنتاجية واحدة. والقسم الثاني: الرأسمال الدائر وهو الذي يُستخدم في عمليةٍ إنتاجية واحدة مثل المواد الأولية والمواد الوسيطة وقوة العمل، ولكن هذا التقسيم لم يكن ليتناغم مع نظرية ماركس في القيمة؛ الأمر الذي جعله يعيد النظر في التقسيم إنما ابتداءً من القيمة ذاتها؛ متسائلًا: ما هي الأجزاء من الرأسمال التي تغير من قيمتها أثناء عملية الإنتاج؛ أي التي يمكنها أن تخلق قيمةً أكبر من قيمتها؟ وما هي الأجزاء التي لا تغير من قيمتها؛ أي التي لا تنقل إلى المنتوج قيمةً أكبر أو أقل من قيمتها؟ وحينئذٍ رأى ماركس أن تقسيم الكلاسيك يحتاج إلى تعديل؛ فالرأسمالي من أجل إنتاج السلعة يستخدم قسمَين من الرأسمال (منظورًا إليه من جهة ازدياد القيمة):
القسم «الأول»: الرأسمال ذو القيمة الثابتة «ث»، ويتكون ذلك القسم من: جزءٍ أساسي مثل المباني والآلات، وجزءٍ دائر مثل المواد الوسيطة والمواد الأولية. والجوهري عند ماركس هو كيف تنتقل قيمةٌ معينة منفَقة في عملية الإنتاج، سواء كانت أجورًا أم ثمن موادَّ أولية أو ثمن وسائلِ إنتاج، كمواد العمل، بالدوران مرارًا وتكرارًا؛ فمواد العمل، يلزم تجديدها بقدرِ ما يتم استهلاك القديم منها في تكوين المنتوج. فهي حاضرة دائمًا في عملية الإنتاج ولكن عن طريق التجديد المستمر لفعل شرائها؛ ومن ثَمَّ فإن ما يُنفَق على الرأسمال الدائر (الذي ينقل كامل قيمته إلى المنتوج دفعةً واحدة) يُنفَق دفعةً واحدة ويعود أيضًا إلى الرأسمالي دفعةً واحدة.أما القسم «الثاني»: فهو: الرأسمال ذو القيمة المتغيرة «م»، ويتكون من قوة العمل، وهو الذي يُغيِّر قيمته أثناء عملية الإنتاج. وهذا القسم يحقق أربعة أمور: (أولًا) ينقل قيمته إلى المنتوج. (ثانيًا) يزيد من قيمة المنتوج. (ثالثًا) يسمح بنقل قيمة الرأسمال الثابت إلى المنتوج. ولذلك سُمي هذا القسم من الرأسمال بالرأسمال المتغير؛ وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي، وريع، وضرائب … إلخ:
ما لم يُضطر إلى التنازل عن جزءٍ منها لشركاءَ آخرين مثل الريع العقاري للمالك العقاري. والريع العقاري، والضرائب» («رأس المال»،وما ينشغل ماركس بالتأكيد عليه هو نفيُ حصول العامل على نصيبٍ في القيمة التي خلقها؛ فالعامل بعد أن ينتج معادل قيمة قوة عمله ينتج قيمةً زائدة يستحوذ عليها الرأسمالي. وهذا التصور يغاير، كما رأينا، تصوُّر الكلاسيك الذين رأوا أن القيمة التي يضيفها العمال إنما تنحل إلى أجور وأرباح. ولم يكن لماركس الوصول إلى هذه النظرية في التوزيع إلا باستبعاد فكرة «الاكتناز» التي انطلق منها أسلافه؛ فلو افترضنا أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج ﺑ ١٠ وحدات، فالكلاسيك، سوف يُوزِّعون القيمة الزائدة، والتي قدرها ٣٠ وحدة، إلى أجور وريع وربح. ولخُلُو التوزيع لديه من فكرة الرأسمال المسلَّف بالمعنى الذي يقصده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، على النحو التالي: ٤ لقوة العمل (كأجور)، أي اﻟ ٣٠ وحدة، فسوف يستحوذ عليه الرأسمالي ويحصل منه على الربح، ويدفع منه الفائدة والريع.والرأسمالي، الذي حصل على القيمة الزائدة، يدفع الفائدة من هذه القيمة الزائدة وفقًا لمشاركة الرأسمال المقترض بنصيب في دورة الرأسمال الكلي؛ فإن كتلة الرأسمال النقدي المقترض تندمج في كتلة الرأسمال الصناعي؛ كي يُكوِّنا معًا كتلة الرأسمال الكلي الناشط في فرع الإنتاج، وحين توزيع الربح يحصل الرأسمال الناشط، على نصيبه من الكتلة الكلية للربح حسب حجمه من الكتلة الكلية للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، فلنفترض أن رأسمالًا يتكون من ١٠٠ وحدة، منها ٥٠ مقترضة، ولنفترض أيضًا أن معدَّل الربح ٢٠٪، ومعدَّل الفائدة ٦٪، فحينئذٍ سوف يحصل مالك الرأسمال النقدي على ٣ وحدات، والرأسمالي الصناعي على ١٧ وحدة، وذلك من القيمة الزائدة التي تحققت من خلال دورة الرأسمال الكلي على الصعيد الاجتماعي.ويعالج ماركس الريع ابتداءً من افتراضه أن الزراعة شأنها شأن الصناعة خاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي؛ فالمزارع ينتج القمح مثلما ينتج الرأسمال والعمل المأجور النسيج أو الآلات. والريع الذي يدفعه الرأسمالي/المزارع إلى مالك الأرض التي يستغلها يتماثل مع الفائدة التي تُدفع إلى مالك الرأسمال النقدي؛ وبالتالي سوف يطالب مالك الأرض بنصيب قيمة أرضه في دورة الرأسمال الكلي. وبذلك سيرتفع ثمن قطعة الأرض نفسها من ٤٠٠٠ جنيه إلى ٥٠٠٠ جنيه.١٢
الفرضية الأولى: أن الكميات الموظَّفة من الرأسمال متغيرة، وجود أربع قطع من الأرض: «أ»، و«ب»، و«د»، في سبيل إنتاج ٢٥٠ إردبًا من القمح، على حسب خصوبة التربة في كل أرض، فالأرض «أ» توظف «٢م + ٣ث» والأرض «ب» توظف «٤م + ٦ث» والأرض «ﺟ» توظف «٦م + ٩ث» والأرض «د»، وهي الأقل خصوبة، توظف «٨م + ١٢ث». ولو افترضنا كذلك أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪، فسيُباع القمح بقيمة قدرها ٢٨ وحدة «٨م + ١٢ث + ٨ق ز»، وهي القيمة الاجتماعية للقمح الذي تنتجه الأرض الحدِّية «د». ناقلين عبء الريع (الذي يتدفق إلى جيب المالك العقاري) إلى المستهلك، وليكن عند ١٠ وحدات، في الأرض «أ»، و«ب»، و«ﺟ» مع تغيُّر غلة الأرض؛ وتنتج الأرض «ب» ٢٠٠ إردب، أما الأرض «ﺟ» فتنتج ١٠٠ إردب فقط؛ لا ريع، فرقي قدره ٢٠٠ إردب، فرقي قدره ١٠٠ إردب، مثل باقي الرأسماليِّين، بالقيمة الزائدة التي ينتجها العمال الأجراء. هذا الربح الفرقي، أو للرأسمالي إذا كان هو صاحب الأرض المستثمر فيها؛ فسبب حصول الرأسمالي على الربح الفرقي هو أنه استخدم وسيلة إنتاج، هي الأرض الأخصب، أكثر إنتاجية. وينتظم الريع هنا أيضًا بالقيمة الاجتماعية للمنتوج في الأرض الأقل إنتاجية. ولفهم جهازه الفكري، فهمًا ناقدًا، الانتباه جيدًا لأربع مجموعات من المصطلحات الفنية التي يستخدمها أثناء تحليله هيكل وأداء نمط الإنتاج الرأسمالي:
فهو يميز، أولًا: بين إنتاج القيمة الزائدة المطلقة وإنتاج القيمة الزائدة النسبية. ويرى أن إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يكمُن في إطالة يوم العمل إلى ما بعد الحدود التي يستطيع العامل ضمنها أن ينتج معادل قيمة قوة عمله وحسب، ويقوم الرأسمالي بالاستيلاء على هذا العمل الزائد. ويؤلِّف إنتاج القيمة الزائدة المطلقة القاعدة العامة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي. أما إنتاج القيمة الزائدة النسبية فهو يفترض أن يوم العمل مقسَّم إلى قسمَين، وبُغيَةَ إطالة العمل الزائد يُقلَّص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج معادل قيمة قوة العمل في أقصر وقت. وإذا ما كان إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يتوقف على طول يوم العمل، فإن إنتاج القيمة الزائدة النسبية يعتمد على التطور التقني.ويقارن ماركس، ثانيًا: بين عملية تكوين القيمة وعملية ازدياد القيمة؛ فعملية ازدياد القيمة ما هي سوى عملية تكوين القيمة التي تستمر لأَبعدَ من نقطةٍ محددة، فهذه عمليةٌ بسيطة لتكوين القيمة. أما إذا استمرت عملية تكوين القيمة إلى أَبعدَ من هذه النقطة؛ فإنها تصبح عملية لازدياد القيمة فحسب.كما يفرق، ثالثًا: بين العائد الكلي والإيراد الكلي والإيراد الصافي؛ فالعائد الكلي يساوي العناصر المادية التي تؤلف الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير، أما الإيراد الصافي فهو القيمة الزائدة؛ أي المنتوج الفائض المتبقي بعد اقتطاع الأجور.١٣
رابعًا: بين يوم العمل وفترة العمل؛ فيوم العمل هو المدة الزمنية التي يتعين على العامل خلالها أن ينفق قوة عمله يوميًّا. أما فترة العمل فهي تعني عددًا معينًا من أيام العمل المتصلة اللازمة لإخراج المنتوج الناجز في فرعِ إنتاجٍ محدد. وهذه التفرقة؛ أي التفرقة بين يوم العمل وفترة العمل، ترتبط بالتفرقة بين زمن العمل وزمن الإنتاج؛ فزمن العمل هو الوقت الذي يُستخدم فيه فعليًّا الرأسمال على نحوٍ منتج، وهو ما يعني إمكانية، وربما وجوب، بقاء الرأسمال مقيدًا في مجال عملية الإنتاج دون استخدامٍ فعلي؛ أي يظل هاجعًا دون عمل:
«وثَمَّةَ مثالٌ طريف (التشديد من عندي م.ع.ز) على التباعد بين زمن الإنتاج وزمن العمل تُقدِّمه لنا الصناعة الأمريكية لقوالب الأحذية. ولا يتعرض الخشب خلال هذا الوقت إلى أي عملية عمل، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر). يمثل في ذاته أزمة، تستدعي مباشرة نفس أزمة الزمن عند ريكاردو؛ الهاجع دون عمل، من نصيب في ربحٍ إضافي؟
أليس من حق صاحب القوالب المطالبة بربح عن تعطل رأسماله دون أن يعود إليه كما عاد إلى صاحب القمح؛ أي ألا يُكافأ صاحب القوالب عن طول فترة الدوران؟
فإذا كانت الإجابة: نعم له الحق في ربحٍ إضافي، فالسؤال: ألا تُعد تلك المكافأة الإضافية، في الوقت نفسه، كمحدد وكمقياس وكمنظم للقيمة! وعائد الرأسمال هذا ليس هو الرأسمال كعملٍ مختزن؛ لأن ما يرغب صاحب القوالب في إضافته ليس قيمة الرأسمال الهاجع كعملٍ مختزن، والذي شارك فعلًا في عملية الإنتاج، إنما هو ربحٌ يرى الرأسمالي إضافته دون سبب إلا كونه مقابل تعطُّل رأسماله فترة انتظار نضج سلعته! ولذلك، كان هذا المثل الطريف سببًا في أزمة من أكبر أزمات الاقتصاد السياسي الكلاسيكي؛ فهو الذي أدى بريكاردو، إلى أن يعلن أن تحليله للقيمة يحتاج إلى إدخال دور الزمن النسبي الذي تستغرقه السلعة قبل طرحها في السوق، وهو أيضًا الذي قاد جيمس مِلْ١٤ ورامساي،١٥ وغيرهما من كبار مفكري الكلاسيك، إلى إعلان إيمانهم بأن نفقة الإنتاج هي منظم القيمة.فصديقنا صاحب القوالب الخشبية (ولنفترض أنه تكلَّف ١٢٠ ساعة عمل، نفس اﻟ ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في القبو لمدة ١٢٠ يومًا فقط قبل أن ينتقل بها إلى السوق) وصديقنا الآخر صاحب الفخار (الذي تكلَّف كذلك ١٢٠ ساعة عمل، فكيف يمكن التبادل هنا وفقًا لقانون القيمة؟ المشكلة إذن أمام الكلاسيك، بل أمام الاقتصاد السياسي بأسره، ولكي نتعرف إلى الطريقة التي ظن ماركس أن بها حل المشكلة، يتعين أن نتعرف، أولًا، إلى منهجه في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي.فعلى مستوى الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، ينتهي ماركس، إنما ابتداءً من نظريته في القيمة والقيمة الزائدة المستندة مركزيًّا إلى أفكار سميث وريكاردو، وهو لن يُقدِم على الاستثمار في فرعٍ إنتاجي معين، إلا إذا كان هذا الفرع الإنتاجي يحقق معدَّلاتِ ربحٍ متساوية مع باقي فروع الإنتاج، فكيف يحدد ماركس معدَّلات الأرباح التي تحكم قرارات الرأسمالي؟ يتعين علينا قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نوضح أن تحليل ماركس، بصدد التوازن بين القطاعات، هو تحليل: أولًا: ساكن. ثانيًا: مجرد من تأثير عنصر الزمن. ثالثًا: يفترض ثبات كلٍّ من: «أ» قيمة وكمية النقود. «ب» الكمية المطلوبة من السلع. «ﺟ» كمية/كتلة الربح الممكن توزيعه على الرأسماليين؛ فلو افترضنا أن:
وأن عدد المشروعات = ٥ مشروعات؛ رأسمال كل مشروع = ١٠٠ وحدة؛وأن «كمية/كتلة» النقود التي تُوزَّع كأرباح = ١١٠ وحدة.فإن نصيب كل مشروع من الربح سيكون ٢٢ وحدة، ومعنى ذلك أن أي مشروعٍ جديد يدخل السوق سوف يشارك المشروعات الخمسة القائمة في كمية الربح المحددة سلفًا، وهي ١١٠ وحدة، فمهما زادت الكمية المعروضة بدخول مشروعاتٍ جديدة، فلن يزيد المجتمع استهلاكه من هذه السلعة؛ ومن ثَم سوف تتنافس المشروعات اﻟ ١٠ على تلبية كميةٍ محددة سلفًا من السلع من جهة، وعلى اقتسام كمية الأرباح المحددة أيضًا سلفًا، وعليه، سينشغل ماركس بتحديد معدَّلات الأرباح الوسطية ابتداءً من أربع فرضيات كالآتي؛ وهذه الفرضية من أهم فرضيات ماركس ولا يمكن فهم الجهاز الفكري لماركس بمعزل عن هذه الفرضية المركزية. ثالثًا: أن المجتمع مغلق؛ أي لا يدخل في علاقات تبادل مع بقية أجزاء الاقتصاد الرأسمالي العالمي. رابعًا: سيادة المنافسة الكاملة في مجتمع يسعى فيه الرأسماليون إلى تحقيق أقصى ربحٍ ممكن بأقل نفقةٍ ممكنة؛ وعليه، يتحدد معدَّل الربح الوسطي في قطاع إنتاجٍ معين يضم خمسة مصانع تستخدم تراكيبَ مختلفة من الرأسمال الثابت والمتغير وفقًا للجدول التالي:١٦
جدول ٣-٢
الرأسمال الثابت الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت الرأسمال المتغير القيمة الزائدة قيمة السلعة ثمن التكلفة معدَّل الربح الوسطي ثمن الإنتاج انحراف الثمن عن القيمة
٨٠ ٥٠ ٢٠ ٢٠ ٩٠ ٧٠ ٢٢ ٩٢ + ٢
٧٠ ٥١ ٣٠ ٣٠ ١١١ ٨١ ٢٢ ١٠٣ − ٨
٦٠ ٥١ ٤٠ ٤٠ ١٣١ ٩١ ٢٢ ١١٣ − ١٨
٨٥ ٤٠ ١٥ ١٥ ٧٠ ٥٥ ٢٢ ٧٧ + ٧
٩٥ ١٠ ٥ ٥ ٢٠ ١٥ ٢٢ ٣٧ + ١٧
ويتضح من الجدول ٣-٢ أن:
مجموع القيمة الزائدة = ٢٠ + ٣٠ + ٤٠ + ١٥ + ٥ = ١١٠ وحدة.مجموع الرساميل = ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ = ٥٠٠ وحدة.معدَّل الربح = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال الكلي.معدَّل القيمة الزائدة = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال المتغير.معدَّل الربح الوسطي = مجموع القيمة الزائدة (١١٠) ÷ مجموع الرساميل (٥٠٠) × ١٠٠ = ٢٢٪.التركيب المتوسط للرأسمال = ٧٨ + ٢٢ وحدة، ومجموعها ٣٩٠ وحدة ÷ عدد المشروعات» + «حاصل قسمة الرساميل المتغيرة، ومجموعها ١١٠ وحدة ÷ عدد المشروعات».سوف تقوم المشروعات المختلفة (وفقًا لقوى السوق، اليد الخفية عند آدم سميث) بإدخال التعديلات النسبية في التركيب العضوي للرساميل؛ وكذلك مع الربح الوسطي.قيمة السلعة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير + القيمة الزائدة. طبقًا للجدول ٣-٢، يحصل من عماله على قيمةٍ زائدة مقدارها ١٠٠٪ إلا أن حساب ثمن الإنتاج، وفقًا لما انتهى إليه ماركس، إنما يعتمد في المقام الأول، أي يعتمد على كتلة الربح الإجمالية على الصعيد الاجتماعي. طبقًا لتصور ماركس، ومن خلال هذا المد والجزر، أو الهجرة والعودة للرساميل؛ بعبارةٍ أخرى من خلال تزاحم هذه الرساميل وتوزعها على مختلف قطاعات الإنتاج وفقًا لتدني معدَّل الربح هنا، وتخضع سائر المقدمات الاجتماعية التي تتحقَّق في ظلها عملية الإنتاج لطابعه المُميَّز والقوانين الملازمة له» («رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم الثاني، الفصل العاشر).يجب أن نلاحظ هنا:
١)أن القيمة الزائدة المتوسطة، والتي سوف يُضطر الرأسمالي إلى قبولها عندما يُجبَر على تركيب رأسماله وفقًا للمتوسط الحسابي المعطى،١٧ ولم تكن كمية عمل متجسدًا فعلًا في المنتوج، وهو ما يخالف قانون القيمة الذي يقضي بكون القيمة هي كمية عمل (حي ومختَزن وزائد) متجسدٍ في المنتوج ذاته.٢)إن ما انتهى إليه ماركس من توقُّف التركيب المتوسط للرأسمال على المتوسط الحسابي لكلٍّ من الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير يتصادم مع الواقع وبالتالي لا يمكن الاعتداد به علميًّا؛ لا على المتوسطات الحسابية. وبالتالي فلن تعدل المشروعات المتنافسة توليفتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، إنما سوف تعدلها إلى «١٠ث + ٥م» لأن الأخيرة هي التوليفة التي يفرضها قانون القيمة. بمفهوم ماركس، المعتمد على المتوسطات الحسابية، إلا أحد مستويات ثمن السوق. على هذا النحو، يبدأ من القيمة وينتهي إلى نظرية في ثمن السوق، مستندة إلى قانون القيمة، وعلى ما يبدو أنه وقع في ذلك تحت تأثير فكرة المتوسط عند ريكاردو والتي كانت تتردد بشكلٍ واضح في «المبادئ».على كل حال، فابتداءً من نظريته على هذا النحو في ثمن الإنتاج، سوف يستكمل ماركس فكرته بصدد تحديد الربح الوسطي حينما يدخل في التحليل رأسمال التاجر؛ لا بد من أن تدر متوسط ربحٍ سنوي كما الرساميل الناشطة في مختلف فروع الإنتاج، وإذا درَّ رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى فإن جزءًا من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعي؛ وبناءً عليه؛ فإن التاجر يتلقى السلعة من المنتِج محملة بالقيمة الزائدة، وما عليه إلا أن يحقق، لا يخلق،فلو افترضنا أن الرأسمال الصناعي = ١٠٠ وحدة، والقيمة الزائدة = ٢٠ وحدة، فسوف يتلقى التاجران السلعة محملة ﺑ ١٠ وحدات كربح،١٩ وما عليهما إلا أن يحققا هذا الربح فعلًا من خلال تكاليف التداول؛ فكل ما ينفقه التاجر على الأدوات التي يستخدمها أو العمال لا يُعد رأسمالًا، من أي نوع؛ لأنه لا يزيد في قيمة السلعة٢٠ إنما هو محض تكاليف تداول يجب إنفاقها لتحقيق، لا لخلق، فثمن إنتاج السلعة عند ماركس يساوي تكاليف إنتاج السلعة + الربح المتوسط، إلا أن هذا الربح المتوسط لم يعُد يُحسَب على أساس الرأسمال الإنتاجي الكلي،٢١
دعونا الآن، بعدما تعرفنا إلى منهجية ماركس في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، نرجع إلى «المثال الطريف»؛ فوفقًا لما انتهى إليه ماركس، على نحوِ ما ذكرنا أعلاه، سيكون على المحاسب الذي استأجره أصدقاؤنا الثلاثة، صاحب القوالب الخشبية وصاحب النبيذ وصاحب الفخار، أن يقوم بحساب ثمن إنتاج سلعة كل واحد من عملائه، على أساس من العمل الحي الضروري + العمل المختزن في المباني والآلات والمواد + معدَّل الربح الوسطي، الذي هو في جوهره متوسط العمل الزائد في الفرع، فإن عدم استعمالها يؤدي أيضًا إلى فقدان مقدارٍ مُعيَّن من قيمتها. وهكذا فإن ثمن المنتوج يرتفع بوجهٍ عام؛ لأن انتقال القيمة إلى المنتوج لا يحتسب طبقًا للزمن الذي يؤدي الرأسمال الأساسي خلاله وظائفه، بل وفقًا للزمن الذي يفقد خلاله قيمته» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).فإذ ما قام المحاسب بحساب ثمن الإنتاج، آخذًا في اعتباره زمن الإنتاج؛ أي قام بحساب قيمة العمل الحي + قيمة العمل المختزن + معدَّل الربح الوَسَطي، ثم قارن المدة التي يهجع فيها الرأسمال دون أن يُدِر الربح المرتقب بفارغ الصبر، ووجد أن حساباته تلك لن تحقق لسلعة عميله قيمة مبادلة متكافئة، فلن يكون أمامه إلا أن ينصح عميله هذا بمغادرة الفرع، والاتجاه إلى الفرع الذي يحقق نفس معدَّل الربح في أقصر فترة دوران. وفي مَثَلنا سنجد أن أقصر فترة دوران هي الموجودة في فرع إنتاج الفخار؛ وبالتالي يفترض الأمر قيام صاحب قوالب الأحذية وصاحب النبيذ بمغادرة فرعَيهما والاتجاه صوب فرع الفَخَّار؛ إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخَّار. وستكون بالتالي النصيحة التي يتقدم بها المحاسب لكلٍّ من صاحب القوالب وصاحب النبيذ هي تسريح عمالهما، والتحول صوب فرع الفخَّار.ولكن، السؤال الجوهري هو: لماذا لم نزل نرى، وسنظل نرى، القوالب الخشبية والنبيذ، إلى جوار الفخار، في السوق؟ ما هو القانون الموضوعي الذي يحكم استمرارهما؟ وتفترض الإجابة عن هذا السؤال أمرَين لا ثالث لهما:
إما أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من إهدار قانون القيمة! إجابةً ترى أن صاحب القوالب الخشبية والآخر صاحب النبيذ سوف يضيفان ربحًا إضافيًّا لقاء رأسمالهما المتعطل عن العمل؛ أي يضيف كلٌّ منهما معدَّل ربحٍ وسطي إضافي مكافأة لرأسمالهما! ومن ثم يصبح منظم القيمة هو كمية العمل بالإضافة إلى الرأسمال؛ وبالتالي سوف تُقاس القيمة حينئذٍ بالعمل وعائد الرأسمال؛ أي بالعمل والربح! ليس فقط الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ وسطي في الفرع، إنما أيضًا الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ سائد اجتماعيًّا! وهو ما يخالف قانون القيمة.الواقع أن ماركس تجاهل المشكلة برمتها، فإن الاكتفاء بقُدرةٍ تساوي معدَّلات الربح على توجيه المنتجين إلى فروع الإنتاج ابتداءً من إقدام وإحجام الرساميل وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي فحسب يفضي إلى حتمية التسليم بأن صاحب القوالب والآخر صاحب النبيذ سوف يتجهان إلى فرع الفخار، وهذا لا، ولن يحدث. ولْنرَ لِمَ ذلك؟ في البداية، الضروري النسبي، المبذول في سبيل إنتاج تلك السلعة، وكما ذكرنا من قبلُ، ح. ح. وصرنا نعرف أن قيمة المعطف لا تتكون فحسب من العمل الحي والعمل المختزن، الكتاب الأول)، عن طريقه ويعتد بمتوسط العمل الزائد («رأس المال»، ولكن، ما انتهى إليه علم الاقتصاد السياسي على هذا النحو، ولن، يسعفنا في سبيل التعرف إلى سبب بقاء أصدقائنا الثلاثة في السوق، دون تحول أحدهما أو كليهما؛ أي صاحب القوالب وصاحب النبيذ، إلى فرع إنتاج الفخار؛ وكما ذكرنا أعلاه، ينفق ١٢٠ ساعة من العمل (الحي والمختزن والزائد) ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح؛ إذ ما تركنا جانبًا زمن التداول، إن الفرضية التي نتقدم بها هي أن السبب في استمرار الثلاثة في السوق هو: أن القيمة الاجتماعية للسلعة، عَبْر تطورها، لم تعُد تتحدد بكمية الطاقة الضرورية المبذولة في إنتاجها فحسب، إنما صارت تتحدد بكمية الطاقة الحية والمختزنة والزائدة٢٢ (مقوَّمة بالسعر الحراري) مقسومةً على زمن إنتاجها؛ أي تتحدد بقيمتها الاجتماعية ÷ زمن إنتاجها. أما قيمة السلعة النسبية، أو قيمتها الاجتماعية النسبية، فهي تتحدد بقيمتها الاجتماعية مقسومة على زمن إنتاجها، مقارنة بالقيمة الاجتماعية للسلعة الأخرى المتبادل بها مقسومة أيضًا على زمن إنتاجها. والسلع حينما تتقابل على نحوٍ طبيعي إنما تتبادل وفق هذا القانون.
موضوعات الكتب
مجموعات هنداوي
السلاسل والأعمال الكاملة
نقد الاقتصاد السياسي
ePub Logo
PDF Logo
Kindle Logo
الفصل الثالث
نقد موضوعات كارل ماركس
حدد ماركس١ لنفسه هدفًا هو الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم عمل النظام الرأسمالي. ولتحقيق هذا الهدف كان عليه مراجعة الفكر السابق عليه؛ أي الفكر الاقتصادي للطبيعيِّين، وفرنسوا كينيه بصفةٍ خاصة، والفكر الاقتصادي لآدم سميث ودافيد ريكاردو، وبالأخص ريكاردو الذي اعتنق ماركس أهم أفكاره وتصوراته في أبرز المواقع الفكرية وأكثرها خطورة في مذهبه في «رأس المال».٢
١
وابتداءً من تحديده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي بأنه العلم المنشغل بدراسة:
«الترابطات الداخلية لعلاقات الإنتاج البرجوازية» («رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الأول).٣
وباستخدام أعلى درجات التجريد:
«لا يمكن لتحليل الأشكال الاقتصادية استخدام المجهر أو الكواشف الكيمياوية، بل يجب على قوة التجريد أن تحل محل هذا وتلك» («رأس المال»، مقدمة الطبعة الألمانية الأولى، ١٨٦٧م).
انشغل ماركس بظاهرة القيمة التي تدور في فلكها علاقات نمط الإنتاج الرأسمالي؛ الأمر الذي جعله يبدأ من تحليل السلعة؛ لأنها التي تتجسد فيها القيمة:
«في المجتمعات التي يهيمن عليها نمط الإنتاج الرأسمالي تتبدى الثروة بوصفها تكديسًا هائلًا من السلع، بينما تتبدى كل سلعة كشكلٍ أوَّلي لهذه الثروة؛ لذلك يتعين البدء بتحليل السلعة» («رأس المال»، الفصل الأول).
وفي أثناء تحليله يسير على نفس خُطى سميث وريكاردو؛ حيث يفرق بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، والأُولى لديه هي التي تشكل المضمون المادي للثروة في المجتمع، وتبرز الثانية كعلاقةٍ كمية، أي كنسبة يجري بموجبها تبادل قيمٍ استعمالية من نوعِ ما بقيمٍ استعمالية من نوعٍ آخر. ويستخدم ماركس، كما أسلافه، القيمة النسبية بنفس معنى القيمة التبادلية.
وفي سياق الخط المنهجي الذي يطرح من خلاله تصوره للقيمة، يذهب ماركس إلى أن سلعةً معينة، كيلوجرام من القمح مثلًا تجري مبادلته بمقدار «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة، وغير ذلك، وباختصار، بسلعٍ أخرى بأكثر النسب تباينًا؛ وبالتالي، ليس للقمح، كسلعة، قيمة مبادلة واحدة، بل الكثير جدًّا منها، ولكن بما أن «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة، تشكل القيم التبادلية للكيلو من القمح، فإن «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة وما إليها، يجب، كما يقول ماركس، أن تكون قيمًا تبادُلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض؛ أيْ أَنْ تكون متساويةً فيما بينها؛ ومن هنا فإن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تُعبِّر عن شيءٍ واحد؛ فمهما تكن العلاقة التبادلية بين الحرير والفضة، يمكن دائمًا التعبير عن هذه العلاقة بمعادلة تتعادل فيها «ص» من الحرير مع «ع» من الفضة.٤ مثلًا: مبادلة ١٠ أمتار من الحرير ﺑ ٥ جرامات من الفضة، وهذه المعادلة تدل على وجود أمرٍ مشترك مقداره واحد. إنَّ كلًّا من هذَين الشيئَين، الحرير والفضة، مساوٍ لشيءٍ ما ثالث، لا هو الأول ولا هو الثاني؛ وبالتالي لا بد وأن يكون كل منهما، باعتباره قيمة تبادلية، قابلًا للإرجاع إلى هذا الشيء الثالث، الذي لا يكون متمثلًا في خصائص هندسية أو فيزيائية أو أي خصائصَ طبيعية أخرى للسلع؛ إذ إن خصائص السلع الجسدية، كما يقول ماركس، لا تُؤخذ في الاعتبار إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، بقدر ما تجعل من السلع قيمًا استعمالية. إن الأمر الثالث المشترك بين «قيمة السلعتَين التبادلية» هو العمل؛ فكلاهما نتاج قوة العمل. هنا يجد ماركس أهمية في الانشغال بقيمة قوة العمل؛ أيْ قيمة بقاء العامل حيًّا قادرًا على العمل، متسائلًا: ما هي قيمة قوة العمل؟ ومن أجل الإجابة يسير التحليل على النحو التالي: إن قيمة كل سلعة تُقاس بكمية العمل الضروري، اجتماعيًّا، لإنتاجها. وقوة العمل تُوجد في شكل العامل الحي الذي يحتاج إلى كميةٍ محددة من وسائل المعيشة لنفسه ولعائلته، مما يضمن استمرار قوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا، فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل المعيشة هذه يمثل قيمة قوة العمل:
«إنني أقصد بقوة العمل أو القدرة على العمل، مجموع القدرات الجسدية والمعنوية التي تمتلكها أعضاء الإنسان؛ أي شخصيته الحية التي يستخدمها في كل مرة ينتج فيها قيمًا استعمالية. إن قيمة قوة العمل تتحدد مثل أي سلعةٍ أخرى بوقت العمل الضروري لإنتاجها وبالتالي لتجديد إنتاجها. إن قيمة قوة العمل هي قيمة وسائل المعيشة الضرورية للحفاظ على بقاء صاحبها. ويتضمن مجموع وسائل المعيشة الضرورية لإنتاج قوة العمل وسائل المعيشة لأولئك البدلاء، أي أطفال العمال» («رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الرابع).
وعلى ذلك، يدفع الرأسمالي للعامل أجره، أسبوعيًّا مثلًا، شاريًا بذلك استخدام قوة عمله لهذا الأسبوع (الواقع أن الرأسمالي يدفع الأجر بعد استهلاك قوة العمل!) وبعد ذلك يجعل الرأسمالي عامله يبدأ في العمل. وفي وقتٍ محدد سيُقدِّم العامل كمية من العمل توازي أجره الأسبوعي؛ فلو افترضنا أن العامل بدأ عمله يوم السبت، وافترضنا كذلك أن أجره الأسبوعي يمثل ثلاثة أيام عمل؛ فإنه، في يوم الإثنين، سيكون قد عوَّض الرأسمالي عن القيمة الكاملة للأجر المدفوع، ولكن هل يتوقف العامل عندئذٍ عن العمل؟ بالطبع لا؛ فلقد اشترى الرأسمالي قوة عمل٥ العامل لمدة أسبوع، ولم يشترِ عمله، كما كان يظن سميث وريكاردو. وعلى العامل أن يستمر في العمل خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع، وهذا العمل الزائد الذي يُقدِّمه العامل فوق الوقت اللازم لتعويض أجره هو القيمة الزائدة (ق ز).
٢
وحينما ينتقل ماركس لمقياس القيمة، يكرر، وبمنتهى الدقة، عدم دقة أسلافه! ولكي يخرج من متاهة «المقياس/المقدار» الذي أدخل سميث فيها الاقتصاد السياسي، يطرح، وكما ذكرنا، السؤال: كيف سنقيس مقدار القيمة؟ ويجيب: من الواضح أن ذلك سيكون بكميةِ ما تتضمنه من العمل الذي هو الماهية الخالقة للقيمة. العمل إذن عند ماركس، كما سميث وريكاردو، هو مقياس القيمة.
ولكن، كيف نقيس كمية العمل ذاتها؟ يجيب ماركس أيضًا: نقيسها بطوله، بوقت العمل. بينما يجد وقت العمل، بدوره، معاييره في أجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم. اعتدَّ ماركس إذن بكمية العمل، وإنما ابتداءً من اعتبارها «مقياس مقدار!» القيمة، ثم يُضطر، نتيجة عدم وضوح المقياس، إلى قياس المقياس نفسه! وحينئذٍ ينتهي إلى أن القيمة تُقاس بكمية العمل، وكمية العمل تُقاس بوقت العمل؛ أي إنه يخلص إلى أن القيمة تُقاس بالوقت، بالزمن، خالطًا كذلك بين المقياس (كمية العمل) ووحدة القياس (اليوم، الدقيقة، … إلخ)!
حتى لو سايرنا ماركس، وقلنا معه أن كمية العمل تُقاس بالزمن الذي يُبذل (خلاله) ذلك المجهود الإنساني، والزمن يُقاس بطول يوم العمل، وطول يوم العمل يُقاس بأجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم، فذلك أيضًا غير دقيق، بل غير صحيح علميًّا؛ لأن كمية العمل ليست مقياسًا، وليست آلة، وليست أداة. وينبغي حينئذٍ أن نستعمل آلة/أداة القياس المناسبة لقياس الزمن، وآلة قياس الزمن ليست كمية العمل، كما يقول الاقتصاد السياسي، إنما هي الساعة (التي هي آلة يُعرَف بها الوقت) والتي يعلقها الرأسمالي على الحائط في مكتبه! أما وحدة القياس فهي الدقيقة (التي هي جزءٌ من ستين جزءًا).
إن الاقتصاد السياسي ابتداءً من عدم استخدامه للمقياس الصحيح، وابتعاده عن وحدة القياس المناسبة، كما أوضحنا في الباب الأول، يصل إلى ذروة ارتباكه حينما يقيس المقياس نفسه! ثم يخلط بين هذا المقياس ووحدة القياس!
٣
وبعدما أتم تحليله مفهوم القيمة وما يتعلق به، وأدخل التعديلات الحاسمة أحيانًا والظاهرية أحيانًا أخرى، قام ماركس بمراجعة تصوُّر الكلاسيك لأقسام الرأسمال، ووجد أن تقسيم الرأسمال قد يُنظر إليه من جهة عملية التداول، أو من جهة التركيب العضوي، أو من جهة ازدياد القيمة، ولأن الكلاسيك نظروا إلى جهتَي التداول والتركيب العضوي، دون جهة ازدياد القيمة، فلم يتمكنوا من التغلغل في بنية تحولات الرأسمال؛ فقد كان سميث وريكاردو، والكلاسيك بوجه عام، يرون، وكما ذكرنا، أن الرأسمال اللازم من أجل عمليةٍ إنتاجيةٍ ما، ينقسم إلى قسمَين: القسم الأول: الرأسمال الأساسي ويحتوي على المباني والآلات … إلخ، وكل ما لا يستهلك في عمليةٍ إنتاجية واحدة. والقسم الثاني: الرأسمال الدائر وهو الذي يُستخدم في عمليةٍ إنتاجية واحدة مثل المواد الأولية والمواد الوسيطة وقوة العمل، ولكن هذا التقسيم لم يكن ليتناغم مع نظرية ماركس في القيمة؛ الأمر الذي جعله يعيد النظر في التقسيم إنما ابتداءً من القيمة ذاتها؛ متسائلًا: ما هي الأجزاء من الرأسمال التي تغير من قيمتها أثناء عملية الإنتاج؛ أي التي يمكنها أن تخلق قيمةً أكبر من قيمتها؟ وما هي الأجزاء التي لا تغير من قيمتها؛ أي التي لا تنقل إلى المنتوج قيمةً أكبر أو أقل من قيمتها؟ وحينئذٍ رأى ماركس أن تقسيم الكلاسيك يحتاج إلى تعديل؛ فالرأسمالي من أجل إنتاج السلعة يستخدم قسمَين من الرأسمال (منظورًا إليه من جهة ازدياد القيمة):
القسم «الأول»: الرأسمال ذو القيمة الثابتة «ث»، ويتكون ذلك القسم من: جزءٍ أساسي مثل المباني والآلات، وجزءٍ دائر مثل المواد الوسيطة والمواد الأولية. وهذا القسم من الرأسمال بجُزأَيه لا يُغيِّر من قيمته أثناء عملية الإنتاج. والجوهري عند ماركس هو كيف تنتقل قيمةٌ معينة منفَقة في عملية الإنتاج، سواء كانت أجورًا أم ثمن موادَّ أولية أو ثمن وسائلِ إنتاج، كيف تنتقل إلى المنتوج؟ وبالتالي تئوب إلى نقطة الانطلاق أي تُعوَّض بواسطة بيع المنتوج؟ ويصل ماركس إلى أن الفارق الوحيد بين الرأسمال الأساسي والرأسمالي الدائر يكمن في النمط الخاص لانتقال وتداوُل هذه القيمة؛ يكمن في نمط الدوران؛ فالمباني والآلات تواصل القيام بوظيفتها في عمليات الإنتاج دون أن تتجدد خلال فترة استخدامها؛ وبالتالي فإن الجزء الذي يُنفَق على الرأسمال الأساسي يُنفَق دفعةً واحدة ولا يعود إلى الرأسمالي إلا على دفعات بقدرِ ما تبلى الآلة أو يهلك المبنى أي بقدر قيمة الجزء المستهلَك من الرأسمال والمتجسد في المنتوج (إذ لا ينقل الرأسمال الأساسي كامل قيمته دفعةً واحدة إلى المنتوج) بينما يقوم الرأسمال الدائر، كمواد العمل، وكذا قوة العمل، بالدوران مرارًا وتكرارًا؛ فمواد العمل، يلزم تجديدها بقدرِ ما يتم استهلاك القديم منها في تكوين المنتوج. كذلك قوة العمل؛ فهي حاضرة دائمًا في عملية الإنتاج ولكن عن طريق التجديد المستمر لفعل شرائها؛ ومن ثَمَّ فإن ما يُنفَق على الرأسمال الدائر (الذي ينقل كامل قيمته إلى المنتوج دفعةً واحدة) يُنفَق دفعةً واحدة ويعود أيضًا إلى الرأسمالي دفعةً واحدة.
أما القسم «الثاني»: فهو: الرأسمال ذو القيمة المتغيرة «م»، ويتكون من قوة العمل، وهو الذي يُغيِّر قيمته أثناء عملية الإنتاج. وهذا القسم يحقق أربعة أمور: (أولًا) ينقل قيمته إلى المنتوج. (ثانيًا) يزيد من قيمة المنتوج. (ثالثًا) يسمح بنقل قيمة الرأسمال الثابت إلى المنتوج. (رابعًا) يخلق قيمةً جديدةً غير مدفوعة الأجر؛ ولذلك سُمي هذا القسم من الرأسمال بالرأسمال المتغير؛ بعبارة أدق (الرأسمال ذو القيمة المتغيرة).٦
٤
والقيمة الزائدة التي يخلقها العمال تنحل، تتوزع، في مذهب ماركس إلى: ربح، وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي،٧ وفائدة، وريع، وضرائب … إلخ:
«إن القيمة الزائدة لا تكلف الرأسمالي شيئًا، وبإمكانه أن يستهلكها كلها كإيراد، ما لم يُضطر إلى التنازل عن جزءٍ منها لشركاءَ آخرين مثل الريع العقاري للمالك العقاري. وتؤلِّف الأقسام المعنية في مثل هذه الحالة إيرادًا لطرفٍ ثالث كهذا» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل التاسع عشر). «إن القيمة الزائدة تنقسم إلى الفائدة المحسوبة على الرأسمال، والريع العقاري، والضرائب» («رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل الثالث).
وما ينشغل ماركس بالتأكيد عليه هو نفيُ حصول العامل على نصيبٍ في القيمة التي خلقها؛ فالعامل بعد أن ينتج معادل قيمة قوة عمله ينتج قيمةً زائدة يستحوذ عليها الرأسمالي. وهذا التصور يغاير، كما رأينا، تصوُّر الكلاسيك الذين رأوا أن القيمة التي يضيفها العمال إنما تنحل إلى أجور وأرباح. ولم يكن لماركس الوصول إلى هذه النظرية في التوزيع إلا باستبعاد فكرة «الاكتناز» التي انطلق منها أسلافه؛ فلو افترضنا أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج ﺑ ١٠ وحدات، ٤ منها لشراء قوة العمل، و٦ لشراء وسائل الإنتاج، وفي نهاية عملية الإنتاج وَجَد لديه ٤٠ وحدة؛ أي إنه حقق ٣٠ وحدة قيمة زائدة، فالكلاسيك، وكما رأينا، سوف يُوزِّعون القيمة الزائدة، والتي قدرها ٣٠ وحدة، إلى أجور وريع وربح. أما ماركس، ولخُلُو التوزيع لديه من فكرة الرأسمال المسلَّف بالمعنى الذي يقصده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وهو المعنى القائم على فكرة الاكتناز، فسوف يُعيد توزيع المنتوج الإجمالي؛ أي اﻟ ٤٠ وحدة، على النحو التالي: ٤ لقوة العمل (كأجور)، و٦ لوسائل الإنتاج، أما الباقي؛ أي اﻟ ٣٠ وحدة، فسوف يستحوذ عليه الرأسمالي ويحصل منه على الربح، ويدفع منه الفائدة والريع.٨
والرأسمالي، الذي حصل على القيمة الزائدة، يدفع الفائدة من هذه القيمة الزائدة وفقًا لمشاركة الرأسمال المقترض بنصيب في دورة الرأسمال الكلي؛ فحينما يقوم الرأسمالي المالي بإقراض الرأسمالي الصناعي، فإن كتلة الرأسمال النقدي المقترض تندمج في كتلة الرأسمال الصناعي؛ كي يُكوِّنا معًا كتلة الرأسمال الكلي الناشط في فرع الإنتاج، وحين توزيع الربح يحصل الرأسمال الناشط، وفقًا لقانون القيمة، على نصيبه من الكتلة الكلية للربح حسب حجمه من الكتلة الكلية للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، ثم يقوم بدفع الفائدة خصمًا من هذا الربح، فلنفترض أن رأسمالًا يتكون من ١٠٠ وحدة، منها ٥٠ مقترضة، ولنفترض أيضًا أن معدَّل الربح ٢٠٪، ومعدَّل الفائدة ٦٪، فحينئذٍ سوف يحصل مالك الرأسمال النقدي على ٣ وحدات، والرأسمالي الصناعي على ١٧ وحدة، وذلك من القيمة الزائدة التي تحققت من خلال دورة الرأسمال الكلي على الصعيد الاجتماعي.٩
ويعالج ماركس الريع ابتداءً من افتراضه أن الزراعة شأنها شأن الصناعة خاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي؛ فالمزارع ينتج القمح مثلما ينتج الرأسمال والعمل المأجور النسيج أو الآلات. والريع الذي يدفعه الرأسمالي/المزارع إلى مالك الأرض التي يستغلها يتماثل مع الفائدة التي تُدفع إلى مالك الرأسمال النقدي؛ وبالتالي سوف يطالب مالك الأرض بنصيب قيمة أرضه في دورة الرأسمال الكلي.١٠ وهذه القيمة١١ تتحدد بصورةٍ عكسية مع ارتفاع وانخفاض سعر الفائدة؛ فلو انخفض سعر الفائدة من ٥٪ إلى ٤٪، فإن الريع العقاري السنوي البالغ ٢٠٠ جنيه سوف يمثل الزيادة في قيمة رأسمال يبلغ ٥٠٠٠ جنيه بدلًا من ٤٠٠٠ جنيه، وبذلك سيرتفع ثمن قطعة الأرض نفسها من ٤٠٠٠ جنيه إلى ٥٠٠٠ جنيه.١٢
والريع، الفرقي، عند ماركس ينشأ وفقًا لفرضيتَين أساسيتَين:
الفرضية الأولى: أن الكميات الموظَّفة من الرأسمال متغيرة، والكميات المنتَجة ثابتة؛ فلو افترضنا، كما افترضنا سلفًا، وجود أربع قطع من الأرض: «أ»، و«ب»، و«ﺟ»، و«د»، توظف كمياتٍ مختلفة من الرأسمال، في سبيل إنتاج ٢٥٠ إردبًا من القمح، على حسب خصوبة التربة في كل أرض، فالأرض «أ» توظف «٢م + ٣ث» والأرض «ب» توظف «٤م + ٦ث» والأرض «ﺟ» توظف «٦م + ٩ث» والأرض «د»، وهي الأقل خصوبة، توظف «٨م + ١٢ث». ولو افترضنا كذلك أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪، فسيُباع القمح بقيمة قدرها ٢٨ وحدة «٨م + ١٢ث + ٨ق ز»، وهي القيمة الاجتماعية للقمح الذي تنتجه الأرض الحدِّية «د». وسيقوم الرأسماليون في الأرض «أ» و«ب» و«ﺟ» ببيع قمحهم ﺑ ٢٨ وحدة؛ ناقلين عبء الريع (الذي يتدفق إلى جيب المالك العقاري) إلى المستهلك، وينتظم الريع هنا بالقيمة الاجتماعية في الأرض الأقل خصوبة.
الفرضية الثانية: وهي ثبات كمية الرأسمال مع تغيُّر الكمية المنتجة؛ إذ تظل كمية الرأسمال ثابتة، وليكن عند ١٠ وحدات، في الأرض «أ»، و«ب»، و«ﺟ» مع تغيُّر غلة الأرض؛ فتنتج الأرض «أ» ٣٠٠ إردب، وتنتج الأرض «ب» ٢٠٠ إردب، أما الأرض «ﺟ» فتنتج ١٠٠ إردب فقط؛ حينئذٍ سيحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «أ» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ٢٠٠ إردب، ويحصل الرأسمالي من الأرض «ب» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ١٠٠ إردب، ولا يحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «ﺟ» على أي ربحٍ فرقي، مع استئثاره، مثل باقي الرأسماليِّين، بالقيمة الزائدة التي ينتجها العمال الأجراء. هذا الربح الفرقي، الإضافي، يمكن أن يتحول إلى ريعٍ فرقي للمالك العقاري، أو للرأسمالي إذا كان هو صاحب الأرض المستثمر فيها؛ فسبب حصول الرأسمالي على الربح الفرقي هو أنه استخدم وسيلة إنتاج، هي الأرض الأخصب، أكثر إنتاجية. أما سبب حصول المالك العقاري على الريع الفرقي فهو مجرد ملكيته للأرض الأكثر خصوبة. وينتظم الريع هنا أيضًا بالقيمة الاجتماعية للمنتوج في الأرض الأقل إنتاجية.
٥
ومن المهم لمتابعة حركة ذهن ماركس، ولفهم جهازه الفكري، فهمًا ناقدًا، الانتباه جيدًا لأربع مجموعات من المصطلحات الفنية التي يستخدمها أثناء تحليله هيكل وأداء نمط الإنتاج الرأسمالي:
فهو يميز، أولًا: بين إنتاج القيمة الزائدة المطلقة وإنتاج القيمة الزائدة النسبية. ويرى أن إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يكمُن في إطالة يوم العمل إلى ما بعد الحدود التي يستطيع العامل ضمنها أن ينتج معادل قيمة قوة عمله وحسب، ويقوم الرأسمالي بالاستيلاء على هذا العمل الزائد. ويؤلِّف إنتاج القيمة الزائدة المطلقة القاعدة العامة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي. أما إنتاج القيمة الزائدة النسبية فهو يفترض أن يوم العمل مقسَّم إلى قسمَين، هما العمل الضروري والعمل الزائد. وبُغيَةَ إطالة العمل الزائد يُقلَّص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج معادل قيمة قوة العمل في أقصر وقت. وإذا ما كان إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يتوقف على طول يوم العمل، فإن إنتاج القيمة الزائدة النسبية يعتمد على التطور التقني.
ويقارن ماركس، ثانيًا: بين عملية تكوين القيمة وعملية ازدياد القيمة؛ فعملية ازدياد القيمة ما هي سوى عملية تكوين القيمة التي تستمر لأَبعدَ من نقطةٍ محددة، فإذا كانت عملية تكوين القيمة لا تستمر إلا إلى تلك النقطة التي يُستعاض فيها عن قيمة قوة العمل التي دفع الرأسمالي مقابلها بمعادلٍ جديد؛ فهذه عمليةٌ بسيطة لتكوين القيمة. أما إذا استمرت عملية تكوين القيمة إلى أَبعدَ من هذه النقطة؛ فإنها تصبح عملية لازدياد القيمة فحسب.
كما يفرق، ثالثًا: بين العائد الكلي والإيراد الكلي والإيراد الصافي؛ فالعائد الكلي يساوي العناصر المادية التي تؤلف الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير، زائدًا العناصر المادية للمنتوج الفائض الذي ينحل إلى ربح وريع، في حين أن الإيراد الكلي يتكون من الأجور والربح والريع. أما الإيراد الصافي فهو القيمة الزائدة؛ أي المنتوج الفائض المتبقي بعد اقتطاع الأجور.١٣
ويفرق ماركس، رابعًا: بين يوم العمل وفترة العمل؛ فيوم العمل هو المدة الزمنية التي يتعين على العامل خلالها أن ينفق قوة عمله يوميًّا. أما فترة العمل فهي تعني عددًا معينًا من أيام العمل المتصلة اللازمة لإخراج المنتوج الناجز في فرعِ إنتاجٍ محدد. وهذه التفرقة؛ أي التفرقة بين يوم العمل وفترة العمل، ترتبط بالتفرقة بين زمن العمل وزمن الإنتاج؛ فزمن العمل دائمًا هو زمن إنتاج، وليس كل زمن إنتاج بالضرورة هو زمن عمل؛ فزمن العمل هو الوقت الذي يُستخدم فيه فعليًّا الرأسمال على نحوٍ منتج، أما زمن الإنتاج فهو مجمل الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز منتوجٍ معين، وهو ما يعني إمكانية، وربما وجوب، بقاء الرأسمال مقيدًا في مجال عملية الإنتاج دون استخدامٍ فعلي؛ أي يظل هاجعًا دون عمل:
«وثَمَّةَ مثالٌ طريف (التشديد من عندي م.ع.ز) على التباعد بين زمن الإنتاج وزمن العمل تُقدِّمه لنا الصناعة الأمريكية لقوالب الأحذية. إن قدرًا كبيرًا من التكاليف غير المنتجة ينشأ هنا من أن الخشب يتعين تركه حتى يجف لفترة قد تصل إلى ١٨ شهرًا؛ منعًا لتمدُّد القالب وتغيُّر شكله، ولا يتعرض الخشب خلال هذا الوقت إلى أي عملية عمل، ويظل الرأسمال الموظف عاطلًا طوال ١٨ شهرًا قبل أن يدخل عملية العمل الحقيقية» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).
٦
ولكن مضمون هذا المثال الطريف المذكور أعلاه، يمثل في ذاته أزمة، تستدعي مباشرة نفس أزمة الزمن عند ريكاردو؛ فكيف يمكن قياس القيمة هنا؟ وما هو منظمها بالأساس؟ فكيف يمكن لصاحب القوالب الخشبية الذي أنفق ١٢٠ ساعة عمل في ١٨ شهرًا أن يبادل قوالبه الخشبية بالقمح الذي تكلف ١٢٠ ساعة عمل أيضًا وإنما على مدار ١٢ شهرًا فقط؟
أليس للرأسمال، الهاجع دون عمل، من نصيب في ربحٍ إضافي؟
أليس من حق صاحب القوالب المطالبة بربح عن تعطل رأسماله دون أن يعود إليه كما عاد إلى صاحب القمح؛ أي ألا يُكافأ صاحب القوالب عن طول فترة الدوران؟
فإذا كانت الإجابة: نعم له الحق في ربحٍ إضافي، فالسؤال: ألا تُعد تلك المكافأة الإضافية، في الوقت نفسه، خرقًا صريحًا لقانون القيمة؟ لأننا في هذه الحالة سوف نعتد بمعدَّل الربح/عائد الرأسمال، إلى جوار كمية العمل، كمحدد وكمقياس وكمنظم للقيمة! وعائد الرأسمال هذا ليس هو الرأسمال كعملٍ مختزن؛ لأن ما يرغب صاحب القوالب في إضافته ليس قيمة الرأسمال الهاجع كعملٍ مختزن، والذي شارك فعلًا في عملية الإنتاج، إنما هو ربحٌ يرى الرأسمالي إضافته دون سبب إلا كونه مقابل تعطُّل رأسماله فترة انتظار نضج سلعته! ولذلك، كان هذا المثل الطريف سببًا في أزمة من أكبر أزمات الاقتصاد السياسي الكلاسيكي؛ فهو الذي أدى بريكاردو، وكما ذكرنا سلفًا، إلى أن يعلن أن تحليله للقيمة يحتاج إلى إدخال دور الزمن النسبي الذي تستغرقه السلعة قبل طرحها في السوق، وهو أيضًا الذي قاد جيمس مِلْ١٤ ورامساي،١٥ وغيرهما من كبار مفكري الكلاسيك، إلى إعلان إيمانهم بأن نفقة الإنتاج هي منظم القيمة.
فصديقنا صاحب القوالب الخشبية (ولنفترض أنه تكلَّف ١٢٠ ساعة عمل، ولكن عليه الانتظار ٢٤٠ يومًا حتى تجف قوالبه قبل طرحها في السوق) يتطابق موقفه مع موقف صديقنا صاحب النبيذ (الذي تكلَّف، عند ريكاردو، نفس اﻟ ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في القبو لمدة ١٢٠ يومًا فقط قبل أن ينتقل بها إلى السوق) وصديقنا الآخر صاحب الفخار (الذي تكلَّف كذلك ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في التجفيف لمدة ٦٠ يومًا قبل أن ينتقل بها كذلك إلى السوق)؛ فجميعهم يتعين عليهم الانتظار فترةً معينة قبل أن يقوموا بطرح سلعهم في السوق، فكيف يمكن التبادل هنا وفقًا لقانون القيمة؟ المشكلة إذن أمام الكلاسيك، وبالتالي أمام ماركس، بل أمام الاقتصاد السياسي بأسره، هي دور الزمن في تكوين القيمة؛ ولكي نتعرف إلى الطريقة التي ظن ماركس أن بها حل المشكلة، يتعين أن نتعرف، أولًا، إلى منهجه في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي.
٧
فعلى مستوى الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، ينتهي ماركس، إنما ابتداءً من نظريته في القيمة والقيمة الزائدة المستندة مركزيًّا إلى أفكار سميث وريكاردو، إلى: أن الاستثمارات في فروع القطاعات المشاركة في الإنتاج على الصعيد الاجتماعي تحكمها معدَّلات الأرباح؛ فأي رأسمالي يرغب في استثمار أمواله سوف ينظر أولًا إلى ربحه المحتمل، وهو لن يُقدِم على الاستثمار في فرعٍ إنتاجي معين، إلا إذا كان هذا الفرع الإنتاجي يحقق معدَّلاتِ ربحٍ متساوية مع باقي فروع الإنتاج، فكيف يحدد ماركس معدَّلات الأرباح التي تحكم قرارات الرأسمالي؟ يتعين علينا قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نوضح أن تحليل ماركس، بصدد التوازن بين القطاعات، وصولًا إلى ثمن الإنتاج، هو تحليل: أولًا: ساكن. ثانيًا: مجرد من تأثير عنصر الزمن. ثالثًا: يفترض ثبات كلٍّ من: «أ» قيمة وكمية النقود. «ب» الكمية المطلوبة من السلع. «ﺟ» كمية/كتلة الربح الممكن توزيعه على الرأسماليين؛ فلو افترضنا أن:
مجموع الرساميل الموظَّفة في حقل الإنتاج = ٥٠٠ وحدة؛
وأن عدد المشروعات = ٥ مشروعات؛ رأسمال كل مشروع = ١٠٠ وحدة؛
وأن «كمية/كتلة» النقود التي تُوزَّع كأرباح = ١١٠ وحدة.
فإن نصيب كل مشروع من الربح سيكون ٢٢ وحدة، ومعنى ذلك أن أي مشروعٍ جديد يدخل السوق سوف يشارك المشروعات الخمسة القائمة في كمية الربح المحددة سلفًا، وهي ١١٠ وحدة، فإذا افترضنا أن خمسة مشروعاتٍ جديدة دخلت السوق فسوف يكون نصيب كل مشروعٍ من المشروعات اﻟ ١٠ مقداره ١١ وحدة فقط من هذه الكمية/الكتلة المحددة من الربح، وذلك مرتبط بشرطٍ واحد هو أن تكون كمية الطلب الفعلي محددة؛ فمهما زادت الكمية المعروضة بدخول مشروعاتٍ جديدة، فلن يزيد المجتمع استهلاكه من هذه السلعة؛ ومن ثَم سوف تتنافس المشروعات اﻟ ١٠ على تلبية كميةٍ محددة سلفًا من السلع من جهة، وعلى اقتسام كمية الأرباح المحددة أيضًا سلفًا، من جهةٍ أخرى؛ وعليه، سينشغل ماركس بتحديد معدَّلات الأرباح الوسطية ابتداءً من أربع فرضيات كالآتي؛ أولًا: أن السلع تُباع بقيمتها، وهذه الفرضية من أهم فرضيات ماركس ولا يمكن فهم الجهاز الفكري لماركس بمعزل عن هذه الفرضية المركزية. ثانيًا: أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪. ثالثًا: أن المجتمع مغلق؛ أي لا يدخل في علاقات تبادل مع بقية أجزاء الاقتصاد الرأسمالي العالمي. رابعًا: سيادة المنافسة الكاملة في مجتمع يسعى فيه الرأسماليون إلى تحقيق أقصى ربحٍ ممكن بأقل نفقةٍ ممكنة؛ وعليه، يتحدد معدَّل الربح الوسطي في قطاع إنتاجٍ معين يضم خمسة مصانع تستخدم تراكيبَ مختلفة من الرأسمال الثابت والمتغير وفقًا للجدول التالي:١٦
جدول ٣-٢
الرأسمال الثابت الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت الرأسمال المتغير القيمة الزائدة قيمة السلعة ثمن التكلفة معدَّل الربح الوسطي ثمن الإنتاج انحراف الثمن عن القيمة
٨٠ ٥٠ ٢٠ ٢٠ ٩٠ ٧٠ ٢٢ ٩٢ + ٢
٧٠ ٥١ ٣٠ ٣٠ ١١١ ٨١ ٢٢ ١٠٣ − ٨
٦٠ ٥١ ٤٠ ٤٠ ١٣١ ٩١ ٢٢ ١١٣ − ١٨
٨٥ ٤٠ ١٥ ١٥ ٧٠ ٥٥ ٢٢ ٧٧ + ٧
٩٥ ١٠ ٥ ٥ ٢٠ ١٥ ٢٢ ٣٧ + ١٧
ويتضح من الجدول ٣-٢ أن:
مجموع القيمة الزائدة = ٢٠ + ٣٠ + ٤٠ + ١٥ + ٥ = ١١٠ وحدة.
مجموع الرساميل = ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ = ٥٠٠ وحدة.
معدَّل الربح = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال الكلي.
معدَّل القيمة الزائدة = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال المتغير.
معدَّل الربح الوسطي = مجموع القيمة الزائدة (١١٠) ÷ مجموع الرساميل (٥٠٠) × ١٠٠ = ٢٢٪.
التركيب المتوسط للرأسمال = ٧٨ + ٢٢ وحدة، الذي هو «حاصل قسمة الرساميل الثابتة، ومجموعها ٣٩٠ وحدة ÷ عدد المشروعات» + «حاصل قسمة الرساميل المتغيرة، ومجموعها ١١٠ وحدة ÷ عدد المشروعات».
سوف تقوم المشروعات المختلفة (وفقًا لقوى السوق، اليد الخفية عند آدم سميث) بإدخال التعديلات النسبية في التركيب العضوي للرساميل؛ حتى تتلاءم مع التركيب المتوسط للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، وكذلك مع الربح الوسطي.
ثمن التكلفة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير.
قيمة السلعة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير + القيمة الزائدة.
أما ثمن الإنتاج فيتكون من: ثمن التكلفة + معدَّل الربح الوسطي.
وعلى الرغم من أن كل رأسمالي (منفرد)، طبقًا للجدول ٣-٢، يحصل من عماله على قيمةٍ زائدة مقدارها ١٠٠٪ إلا أن حساب ثمن الإنتاج، وفقًا لما انتهى إليه ماركس، لا يعتمد على القيمة الزائدة التي حققها الرأسمالي في مصنعه هو، إنما يعتمد في المقام الأول، والأخير، على مجموع القيم الزائدة المنتَجة في جميع المصانع؛ أي يعتمد على كتلة الربح الإجمالية على الصعيد الاجتماعي. يجب هنا الوعي بإن الرأسمال، طبقًا لتصور ماركس، ينسحب من القطاع ذي معدَّل الربح الأدنى ويتدفق إلى القطاع الذي يدر معدَّل ربح أعلى. ومن خلال هذا المد والجزر، أو الهجرة والعودة للرساميل؛ بعبارةٍ أخرى من خلال تزاحم هذه الرساميل وتوزعها على مختلف قطاعات الإنتاج وفقًا لتدني معدَّل الربح هنا، وارتفاعه هناك، يخلق الرأسمال تناسبًا بين الطلب والعرض يجعل الربح الوسطي واحدًا في مختلف قطاعات الإنتاج فتتحول القيم على هذا النحو إلى أثمان إنتاج. مع الوعي بأن:
«الرأسمال ينجح في بلوغ هذه المساواة بصورةٍ أكمل بمقدارِ ما تكون الأوضاع في البلد المَعنيِّ مُتكيِّفةً أكثر للأسلوب الرأسمالي للإنتاج؛ فمع تقدُّم الإنتاج الرأسمالي تتطور شروطه، وتخضع سائر المقدمات الاجتماعية التي تتحقَّق في ظلها عملية الإنتاج لطابعه المُميَّز والقوانين الملازمة له» («رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم الثاني، الفصل العاشر).
يجب أن نلاحظ هنا:
(١)أن القيمة الزائدة المتوسطة، والتي سوف يُضطر الرأسمالي إلى قبولها عندما يُجبَر على تركيب رأسماله وفقًا للمتوسط الحسابي المعطى، والتي هي نتيجة قسمة القيم الزائدة للمصانع المنفردة على مجموع الرساميل في فرع الإنتاج على الصعيد الاجتماعي، تظهر وكأنها هبطت على ثمن التكلفة من السماء.١٧ ولم تكن كمية عمل متجسدًا فعلًا في المنتوج، وهو ما يخالف قانون القيمة الذي يقضي بكون القيمة هي كمية عمل (حي ومختَزن وزائد) متجسدٍ في المنتوج ذاته.
(٢)إن ما انتهى إليه ماركس من توقُّف التركيب المتوسط للرأسمال على المتوسط الحسابي لكلٍّ من الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير يتصادم مع الواقع وبالتالي لا يمكن الاعتداد به علميًّا؛ لأن التركيب العضوي للرأسمال في المصنع يعتمد في المقام الأول على الفن الإنتاجي السائد على الصعيد الاجتماعي، لا على المتوسطات الحسابية.
(٣)وحتى إذا سلمنا جدلًا بصحة منطق ماركس، فلن يمكننا التسليم بأن المشروعات سوف تعدل توليفاتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، لمخالفة ذلك لقانون القيمة الذي يقضي بهيمنة توليفة الفن الإنتاجي السائد؛ وبالتالي فلن تعدل المشروعات المتنافسة توليفتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، كما ذهب ماركس، إنما سوف تعدلها إلى «١٠ث + ٥م» لأن الأخيرة هي التوليفة التي يفرضها قانون القيمة.
(٤)وبالترتيب على ما سبق؛ لا يمكن اعتبار ثمن الإنتاج، بمفهوم ماركس، المعتمد على المتوسطات الحسابية، إلا أحد مستويات ثمن السوق.١٨ ثمن من أثمان السلعة عَبْر حركة التأرجحات حول القيمة الاجتماعية التي تمثل مركز الجذب لأثمان السوق.
ماركس إذن، على هذا النحو، يبدأ من القيمة وينتهي إلى نظرية في ثمن السوق، مستندة إلى قانون القيمة، وعلى ما يبدو أنه وقع في ذلك تحت تأثير فكرة المتوسط عند ريكاردو والتي كانت تتردد بشكلٍ واضح في «المبادئ».
٨
على كل حال، فابتداءً من نظريته على هذا النحو في ثمن الإنتاج، سوف يستكمل ماركس فكرته بصدد تحديد الربح الوسطي حينما يدخل في التحليل رأسمال التاجر؛ فالقانون العام هو أن الرساميل الناشطة في عملية التداول بصورةٍ مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربحٍ سنوي كما الرساميل الناشطة في مختلف فروع الإنتاج، فإذا ما درَّ رأسمال تاجر متوسطَ ربحٍ أعلى من رأسمال صناعي، فإن جزءًا من الرأسمال الصناعي يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا درَّ رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى فإن جزءًا من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعي؛ وبناءً عليه؛ فإن التاجر يتلقى السلعة من المنتِج محملة بالقيمة الزائدة، وما عليه إلا أن يحقق، لا يخلق، الجزء الذي يكون ربحه من هذه القيمة الزائدة.
فلو افترضنا أن الرأسمال الصناعي = ١٠٠ وحدة، والقيمة الزائدة = ٢٠ وحدة، وافترضنا أن هناك تاجرَين رأسمال كلٍّ منهما = ٥٠ وحدة، فسوف يتلقى التاجران السلعة محملة ﺑ ١٠ وحدات كربح، لكل تاجرٍ منهما ٥ وحدات.١٩ وما عليهما إلا أن يحققا هذا الربح فعلًا من خلال تكاليف التداول؛ فكل ما ينفقه التاجر على الأدوات التي يستخدمها أو العمال لا يُعد رأسمالًا، من أي نوع؛ لأنه لا يزيد في قيمة السلعة٢٠ إنما هو محض تكاليف تداول يجب إنفاقها لتحقيق، لا لخلق، الربح المحدد سلفًا في حقل الإنتاج. وعلى هذا النحو لم يحدث أي تغيير في تكوين ثمن الإنتاج؛ فثمن إنتاج السلعة عند ماركس يساوي تكاليف إنتاج السلعة + الربح المتوسط، إلا أن هذا الربح المتوسط لم يعُد يُحسَب على أساس الرأسمال الإنتاجي الكلي، إنما صار يُحسَب بعد دخول الرأسمال التجاري على أساس الرأسمال الإنتاجي الكلي + الرأسمال التجاري.٢١
٩
دعونا الآن، بعدما تعرفنا إلى منهجية ماركس في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، نرجع إلى «المثال الطريف»؛ فوفقًا لما انتهى إليه ماركس، على نحوِ ما ذكرنا أعلاه، سيكون على المحاسب الذي استأجره أصدقاؤنا الثلاثة، صاحب القوالب الخشبية وصاحب النبيذ وصاحب الفخار، أن يقوم بحساب ثمن إنتاج سلعة كل واحد من عملائه، على أساس من العمل الحي الضروري + العمل المختزن في المباني والآلات والمواد + معدَّل الربح الوسطي، الذي هو في جوهره متوسط العمل الزائد في الفرع، ولكن كيف حسب المحاسب قيمة الرأسمال الهاجع خلال فترة الجفاف والتعتيق والتجفيف؟ صديقنا المحاسب يمسك ﺑ رأس مال ماركس ويتلو:
«أما بالنسبة لوسائل العمل، فإن عدم استعمالها يؤدي أيضًا إلى فقدان مقدارٍ مُعيَّن من قيمتها. وهكذا فإن ثمن المنتوج يرتفع بوجهٍ عام؛ لأن انتقال القيمة إلى المنتوج لا يحتسب طبقًا للزمن الذي يؤدي الرأسمال الأساسي خلاله وظائفه، بل وفقًا للزمن الذي يفقد خلاله قيمته» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).
فإذ ما قام المحاسب بحساب ثمن الإنتاج، آخذًا في اعتباره زمن الإنتاج؛ أي قام بحساب قيمة العمل الحي + قيمة العمل المختزن + معدَّل الربح الوَسَطي، ثم قارن المدة التي يهجع فيها الرأسمال دون أن يُدِر الربح المرتقب بفارغ الصبر، ووجد أن حساباته تلك لن تحقق لسلعة عميله قيمة مبادلة متكافئة، فلن يكون أمامه إلا أن ينصح عميله هذا بمغادرة الفرع، والاتجاه إلى الفرع الذي يحقق نفس معدَّل الربح في أقصر فترة دوران. وفي مَثَلنا سنجد أن أقصر فترة دوران هي الموجودة في فرع إنتاج الفخار؛ وبالتالي يفترض الأمر قيام صاحب قوالب الأحذية وصاحب النبيذ بمغادرة فرعَيهما والاتجاه صوب فرع الفَخَّار؛ لأن كل واحد منهم ينفق ١٢٠ ساعة من العمل ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح، بغض النظر عن زمن التداول، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ، و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخَّار. وستكون بالتالي النصيحة التي يتقدم بها المحاسب لكلٍّ من صاحب القوالب وصاحب النبيذ هي تسريح عمالهما، والتحول صوب فرع الفخَّار.
ولكن، السؤال الجوهري هو: لماذا لم نزل نرى، وسنظل نرى، القوالب الخشبية والنبيذ، إلى جوار الفخار، في السوق؟ ما هو القانون الموضوعي الذي يحكم استمرارهما؟ وتفترض الإجابة عن هذا السؤال أمرَين لا ثالث لهما:
إما أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من إهدار قانون القيمة! إجابةً ترى أن صاحب القوالب الخشبية والآخر صاحب النبيذ سوف يضيفان ربحًا إضافيًّا لقاء رأسمالهما المتعطل عن العمل؛ أي يضيف كلٌّ منهما معدَّل ربحٍ وسطي إضافي مكافأة لرأسمالهما! ومن ثم يصبح منظم القيمة هو كمية العمل بالإضافة إلى الرأسمال؛ وبالتالي سوف تُقاس القيمة حينئذٍ بالعمل وعائد الرأسمال؛ أي بالعمل والربح! ليس فقط الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ وسطي في الفرع، إنما أيضًا الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ سائد اجتماعيًّا! وهو ما يخالف قانون القيمة.
وإمَّا أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من تحقيق قانون القيمة، إجابة تنطلق من إعادة استخدام الأدوات الفكرية التي يقدمها علم الاقتصاد السياسي على نحوٍ يطور العلم ويستكمله.
الواقع أن ماركس تجاهل المشكلة برمتها، وارتكن إلى أن صديقنا المحاسب سيقوم بحساب قيمة الآلات وهي هاجعة دونما عمل، ويعتبر أن تساوي معدَّلات الربح في القطاعات بإمكانها تصحيح المسألة! ولكن هذا كله غير صحيح؛ لأن المشكلة لم تزل قائمة حتى بعد قيام مُحاسبنا بحساب قيمة الآلات الهاجعة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن الاكتفاء بقُدرةٍ تساوي معدَّلات الربح على توجيه المنتجين إلى فروع الإنتاج ابتداءً من إقدام وإحجام الرساميل وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي فحسب يفضي إلى حتمية التسليم بأن صاحب القوالب والآخر صاحب النبيذ سوف يتجهان إلى فرع الفخار، وهذا لا، ولم، ولن يحدث. ولْنرَ لِمَ ذلك؟ في البداية، نحن نعلم أن الاقتصاد السياسي، على الأقل وفقًا لمساهمة ريكاردو، انتهى إلى تحديد قيمة السلعة بكمية العمل، الضروري النسبي، المبذول في سبيل إنتاج تلك السلعة، ولا تتوقف تلك القيمة على العمل الحي المنفَق في الإنتاج فقط بل يُؤخذ أيضًا في الاعتبار ذلك العمل الضروري المنفَق في سبيل إنتاج المباني والآلات والمعدات الضرورية لتحقيق العمل؛ أي العمل المختَزن؛ وبالتالي، فإن قيمة المعطف، وكما ذكرنا من قبلُ، الذي أُنفق في سبيل إنتاجه ١٠٠ «س. ح. ض» من الطاقة الحية و٥٠ «س. ح. ض» من الطاقة المختَزنة، تتساوى مع النسيج الذي أُنفق في سبيل إنتاجه ٨٠ «س. ح. ض» من الطاقة الحية و٧٠ «س. ح. ض» من الطاقة المختَزنة. وما إن جاء ماركس، إلا واستكمل مُكوِّنات القيمة، وصرنا نعرف أن قيمة المعطف لا تتكون فحسب من العمل الحي والعمل المختزن، إنما يُضاف إليهما العمل الزائد، في مرحلةٍ أولى من تفكيره («رأس المال»، الكتاب الأول)، وذلك قبل أن ينحرف، في مرحلةٍ ثانية، عن طريقه ويعتد بمتوسط العمل الزائد («رأس المال»، الكتاب الثالث). ولكن، ما انتهى إليه علم الاقتصاد السياسي على هذا النحو، لا، ولن، يسعفنا في سبيل التعرف إلى سبب بقاء أصدقائنا الثلاثة في السوق، دون تحول أحدهما أو كليهما؛ أي صاحب القوالب وصاحب النبيذ، إلى فرع إنتاج الفخار؛ لأن كل واحدٍ من الثلاثة، وكما ذكرنا أعلاه، ينفق ١٢٠ ساعة من العمل (الحي والمختزن والزائد) ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح؛ إذ ما تركنا جانبًا زمن التداول، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخار. إن الفرضية التي نتقدم بها هي أن السبب في استمرار الثلاثة في السوق هو: أن القيمة الاجتماعية للسلعة، عَبْر تطورها، لم تعُد تتحدد بكمية الطاقة الضرورية المبذولة في إنتاجها فحسب، إنما صارت تتحدد بكمية الطاقة الحية والمختزنة والزائدة٢٢ (مقوَّمة بالسعر الحراري) مقسومةً على زمن إنتاجها؛ أي تتحدد بقيمتها الاجتماعية ÷ زمن إنتاجها. أما قيمة السلعة النسبية، أو قيمتها الاجتماعية النسبية، فهي تتحدد بقيمتها الاجتماعية مقسومة على زمن إنتاجها، مقارنة بالقيمة الاجتماعية للسلعة الأخرى المتبادل بها مقسومة أيضًا على زمن إنتاجها. والسلع حينما تتقابل على نحوٍ طبيعي إنما تتبادل وفق هذا القانون. وحينما تتأرجح أثمانها في السوق فإنما تتأرجح حول هذه القيمة الاجتماعية.
وحين إعمال هذا القانون نقابل ثلاث فرضيات: إما أن تختلف أزمنة الإنتاج وتتساوى القيم الاجتماعية، أو تختلف القيم الاجتماعية وتتساوى أزمنة الإنتاج، أو تختلف أزمنة الإنتاج وكذلك القيم الاجتماعية. في جميع الأحوال ينطبق قانون القيمة الاجتماعية النسبية؛ أي القيمة الاجتماعية للسلعة مقسومة على زمن إنتاجها.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
In this presentation, I will focus on main points: First, I will provide a definition of the concep...
في خسائر فادحة للذرة، والمحاصيل السكرية، والأعلاف النجيلية، والكينوا. لمواجهة هذه التحديات بفعالية،...
أدى الإنترنت والتطور الرقمي إلى إحداث تحول جذري في أساليب التواصل وتبادل المعلومات بين الأفراد. فنحن...
تم في هذا المشروع تطبيق مكونات الواجهة الأمامية (Front-end) والواجهة الخلفية (Back-end) الشائعة لضما...
تُعد عدالة الأحداث من أهم القضايا التي تشغل الأنظمة القانونية والاجتماعية في مختلف دول العالم، نظرًا...
كان تحالف ديلوس في البداية قوة دفاعية ناجحة، لكنه تحول مع الوقت إلى أداة للسيطرة الأثينية، مما أدى إ...
--- ### **التعريف:** عوائق التعلم التنظيمي هي **عوائق إدراكية، أو ثقافية، أو هيكلية، أو شخصية** تم...
أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...
ث- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...
Because learning changes everything.® Chapter 13 Mutations and Genetic Testing Essentials of Biology...