لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

والدي يسوس أحوال الناس لا بد من أن يتخذ لكل حال عدتها ويتصرف فيها بناء على المعطيات أو الحقائق المتصلة بها ،
وأن الإجراء الذي سبق اتخاذه بصده حال ما في السابق يمكن اتخاذه على حال أخرى تشبهها في اللاحق .
يقتصر لكل مادة على حكمها وفي كل صنف من الأحوال والأشخاص على ما اختص به ،
أكثر نظره المواد المحسوسة ولا يجاوزها في ذهنه ،
ومن ناقلة القول أن نذكر أن أسمى هدف للباحث المدقق ،
بل إنه قد أجهد نفسه في بيان حجتها والتدليل عليها باستخدام شتى أساليب الاستدلال بالعام على الخاص ،
ذلك لأن ما وضعه من أحكام في العديد من القضايا الاجتماعية لا بد من أن يطلب بحجة للكشف عن كنهها كظواهر اجتماعية في العمران وإماطة اللثام عن أسبابها وعللها .
(۲) وهدفه من تقصي الأسباب والعلل والاجتهاد في التفسير بالبرهان رفع الشكوك ورفع الأوهام .
وقد ذكر ذلك بوضوح في قوله : ( ونحن الآن نبين في هذا الكتاب ما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم والصنائع بوجوه برهانية يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة ،
فقاسوها بما ثبت وألحقرها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد ،
ما جاء في برهانه على فساد الرواية المتواترة التي وردت عن سبب نكبة 6 الرشيد للبرامكة وما قيل عن معاقرته الخمر ،
(۳) فابن خلدون هنا يقيس حال الرشيد في حاضره على حالة الأشراف من العرب الجاهلية في ماضيهم ليتسنى له الحجاج وإحكام البرهان واستنتاج الحكم ببراءته مما نسب إليه من تنكبه سبيل الرشاد .
وقد ركن ابن خلدون أيضا إلى قياس الشاهد على الغائب عند تفنيده رأي الفلاسفة في ضرورة السياسة الشرعية للبشر ،
ومحاولتهم إثبات النبوة بالدليل العقلي وأنها خاصة طبيعية للإنسان ،
وأنه لا بد أن يكون متميزاً عنهم بما يودع الله فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه ،
حتى يتم الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار ولا تزييف » .
(۱) فيرد ابن خلدون على ذلك بقوله : ( وهذه القضية للحكماء غير برهانية كما نراه ،
إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه ،
فأهل الكتاب والمتبعون للأنبياء قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليس لهم كتاب ،
ومع ذلك فقد كانت لهم الدول والآثار فضلاً عن الحياة ،
وكذلك هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشمال والجنوب وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب النبوات ،
أو ينبه إلى قياس حاضر السياسة والملك والسلطان في المجتمعات لعهده بماضيها يوم أن كانت لا تستند إلى شرع منزل من عند الله .
ويستطيع من يقرأ المقدمة بامعان أن يخلص إلى حقيقة تستحق منه عناية خاصة فيما يتعلق باعتماد ابن خلدون على القياس فهو يستخدم قياس التمثيل ،
أو قياس الغائب بالشاهد عندما يكون بصدد تمحيص الروايات والأخبار عن أحوال الناس الاجتماعية في العمران فيما سلف من الزمان والبرهنة على صدقها أو كذبها ؛
ونذكر على سبيل المثال فقط شاهداً على استخدام ابن خلدون للقياس الأصولي ما ذكره في الفصل الخاص بصناعة الغناء من أنه ( يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حد الضروري إلى الحاجي ثم إلى الكمالي وتفننوا ،
لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ من جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره فلا يطلبها إلا من الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات .
نجد أنه من المفيد ذكر رأي تقي الدين بن تيمية في هذا النوع من القياس والهدف من استخدامه .
فلما كان الجلاء والخفاء من الأمور النسبية فقد ينتفع بالدليل الخفي والحد الخفي بعض الناس .
فكثير ممن تعود البحث والنظر صارت عادة نفسه كالطبيعة له ،
وإن كان عند أكثر الناس من الأمور الواضحة البينة لا تحتاج إلى بحث ونظر .
فالطريق الطويلة والمقدمات الخفية التي يذكرها كثير من النظار تنفع لمثل هؤلاء في النظر ،
بل إنه يجد لزاماً عليه سوق البراهين على صحة نظرياته وقوانينه وكتابة الحيثيات لتبرير أحكامه .
فالاجتماع الإنساني والعمران البشري الذي جعله موضوعاً لهذا العلم فريد في نوعه جديد في بابه ؛
ولكونه كذلك فإنه يحتاج إلى إيضاح وشرح وتفسير لكي يستسيغه الذهن ويستوعبه الفكر ،
وبخاصة في علوم النقل وما تفرع عليها من علوم عقلية أصبحت ذات منزلة رفيعة لدى كثير من مفكري الإسلام .
فصار يشرح ويوضح ويفسر ويبرهن باذلاً في ذلك قصارى جهده .
وهي معرفة الألفاظ ودلالتها على المعاني الذهنية تردها عن مشافهة الرسوم بالكتاب ومشافهة اللسان بالخطاب .
فإذا ابتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتياب في فهمك أو تشغيب بالشبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات واترك الأمر الصناعي جملة ،
للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون والذريعة إلى إدراك الحق بالطبع إنما هو الفكر الطبيعي كما قلناه ،


النص الأصلي

والدي يسوس أحوال الناس لا بد من أن يتخذ لكل حال عدتها ويتصرف فيها بناء على المعطيات أو الحقائق المتصلة بها ، وليس على أساس المنطق القياسي الذي مؤداه أن أحوال الناس متشابهة ، وأن الإجراء الذي سبق اتخاذه بصده حال ما في السابق يمكن اتخاذه على حال أخرى تشبهها في اللاحق . ذلك أن أحوال الناس في العمران لا يقاس شيء منها على الآخر ، فقد تتشابه الحالان في في أمر من الأمور ، ولكنهما قد تختلفان في أمور أخرى . ويزيد ابن خلدون على ذلك قوله الذي يدل على واقعية واضحة محددة ، ، والعامي السليم الطبع المتوسط الكيس ... يقتصر لكل مادة على حكمها وفي كل صنف من الأحوال والأشخاص على ما اختص به ، ولا يعدى الحكم بقياس ولا تعميم ولا يفارق في


أكثر نظره المواد المحسوسة ولا يجاوزها في ذهنه ، . (۱)


ومن ناقلة القول أن نذكر أن أسمى هدف للباحث المدقق ، الذي يستقرى.


من الحوادث الاجتماعية في العمران شتى القوانين ، يتركز في مباحث الحجة ، أي مباحث المعلوم التصديقي الذي يستخدم للتوصل إلى معرفة المجهول التصديقي. والحجة عبارة عما يتألف من قضايا يتجه بها إلى مطلوب يتحصل بها . والسبب في تسميتها ، حجة ، أنه يحتج بها على المعاند لإثبات المطلوب . ولذلك تعرف بالدليل لأنها تدل على المطلوب ، ويعرف تهيئتها وتأليفها لأجل الدلائه بالاستدلال. ولما كان ابن خلدون قد توصل ، عن طريق تأمل الأحداث الاجتماعية من الذوات والأفعال واستقرائها ، إلى قوانين في العمران مبتكرة ، ولما كان عالماً معلماً وباحثا مبيناً ، فانه لم يقنع بتدوين ما استقرأه من القوانين الاجتماعية فحسب ، بل إنه قد أجهد نفسه في بيان حجتها والتدليل عليها باستخدام شتى أساليب الاستدلال بالعام على الخاص ، أي القياس . ذلك لأن ما وضعه من أحكام في العديد من القضايا الاجتماعية لا بد من أن يطلب بحجة للكشف عن كنهها كظواهر اجتماعية في العمران وإماطة اللثام عن أسبابها وعللها . (١) ويؤكد ذلك بقوله : ( ولم أترك شيئاً في أولية الأجيال والدول ، وتعاصر الأمم الأول ، وأسباب التصرف والحول ، في القرون الخالية والملل ، وما يعرض في العمران من دولة وملة ، ومدينة وحلة ، وعزة وذلة ، وكثرة وقلة ، وعلم وصناعة ، و كسب وإضاعة ، وأحوال متقلبة مشاعة ، وبدو وحضر ، وواقع ومنتظر ، إلا واستوعبت جمله ، وأوضحت براهينه وعلله ) . (۲) وهدفه من تقصي الأسباب والعلل والاجتهاد في التفسير بالبرهان رفع الشكوك ورفع الأوهام . وقد ذكر ذلك بوضوح في قوله : ( ونحن الآن نبين في هذا الكتاب ما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم والصنائع بوجوه برهانية يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة ، وتدفع بها الأوهام وترفع بها الشكوك ) . (۳)
فلا غرابة إذن أن يبدأ ابن خلدون خمسة وثلاثين فصلا من فصول المقدمة و الخلافيات ) ، (۱) فيقول : ( ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة ، فإذا هم يقيسون الأشباه بالأشباه منها ، ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض في ذلك ، فان كثيراً من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة ، فقاسوها بما ثبت وألحقرها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد ، وصار ذلك دليلاً شرعياً باجماعهم عليه وهو القياس وهو رابع الأدلة ) . (۲) 6


ومما ورد في مقدمة ابن خلدون من قياس أصولي ، أو قياس الشاهد على الغائب ، ما جاء في برهانه على فساد الرواية المتواترة التي وردت عن سبب نكبة 6 الرشيد للبرامكة وما قيل عن معاقرته الخمر ، إذ قال : « وقد كانت حالة الأشراف من العرب الجاهلية في اجتناب الخمر معلومة ، ولم يكن الكرم شجرتهم ، وكان شربها مذمة عند الكثير منهم . والرشيد وآباؤه كانوا على ثبج من اجتناب المذمومات في دينهم ودنياهم ، والتخلق بالمحامد و أوصاف الكمال ونزعات العرب ) . (۳) فابن خلدون هنا يقيس حال الرشيد في حاضره على حالة الأشراف من العرب الجاهلية في ماضيهم ليتسنى له الحجاج وإحكام البرهان واستنتاج الحكم ببراءته مما نسب إليه من تنكبه سبيل الرشاد .


وقد ركن ابن خلدون أيضا إلى قياس الشاهد على الغائب عند تفنيده رأي الفلاسفة في ضرورة السياسة الشرعية للبشر ، ومحاولتهم إثبات النبوة بالدليل العقلي وأنها خاصة طبيعية للإنسان ، فيقررون هذا البرهان إلى غايته ، وأنه لا بد للبشر من الحكم الوازع ، ثم يقولون بعد ذلك : وذلك الحكم بشرع مفروض من عند الله يأتي به واحد من البشر ، وأنه لا بد أن يكون متميزاً عنهم بما يودع الله فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه ، حتى يتم الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار ولا تزييف » . (۱) فيرد ابن خلدون على ذلك بقوله : ( وهذه القضية للحكماء غير برهانية كما نراه ، إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه ، أو بالعصبية التي يقتدر بها على قهرهم وحملهم على جادته . فأهل الكتاب والمتبعون للأنبياء قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليس لهم كتاب ، فإنهم أكثر أهل العالم ، ومع ذلك فقد كانت لهم الدول والآثار فضلاً عن الحياة ، وكذلك هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشمال والجنوب وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب النبوات ، وأنه ليس بعقلي ... ) . (۲) فابن خلدون هنا يستشهد بالماضي على الحاضر ، أو ينبه إلى قياس حاضر السياسة والملك والسلطان في المجتمعات لعهده بماضيها يوم أن كانت لا تستند إلى شرع منزل من عند الله .


ويستطيع من يقرأ المقدمة بامعان أن يخلص إلى حقيقة تستحق منه عناية خاصة فيما يتعلق باعتماد ابن خلدون على القياس فهو يستخدم قياس التمثيل ، أو قياس الغائب بالشاهد عندما يكون بصدد تمحيص الروايات والأخبار عن أحوال الناس الاجتماعية في العمران فيما سلف من الزمان والبرهنة على صدقها أو كذبها ؛ ويلجأ إلى القياس البرهاني أو الأصولي ، أو قياس الشاهد على الغائب ، حينما يكون معنياً بالبرهنة على قانون اجتماعي استطاع أن يستقرئه من أحوال العمران في زمانه ، أو حتى عصره . وتزخر المقدمة بأمثلة شتى من هذين النوعين من القياس . ونذكر على سبيل المثال فقط شاهداً على استخدام ابن خلدون للقياس الأصولي ما ذكره في الفصل الخاص بصناعة الغناء من أنه ( يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حد الضروري إلى الحاجي ثم إلى الكمالي وتفننوا ، فتحدث هذه الصناعة ، لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ من جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره فلا يطلبها إلا من الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات . وكان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر فى أمصارهم ومدنهم ، وكان ملوكهم يتخذون ذلك ويولعون به ؛ حق لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصناعة ، ولهم مكان في دولتهم وكانوا يحضرون مشاهدهم ومجامعهم ويغنون فيها . وهذا شأن العجم لها العهد في كل أفق من آفاقهم ، ومملكة من ممالكهم ) .
وبمناسبة الحديث عن استخدام ابن خلدون للقياس البرهاني أو الأصولي، نجد أنه من المفيد ذكر رأي تقي الدين بن تيمية في هذا النوع من القياس والهدف من استخدامه . فهو يقول : ( ... فلما كان الجلاء والخفاء من الأمور النسبية فقد ينتفع بالدليل الخفي والحد الخفي بعض الناس . وكثير من الناس إذا ذكر له الواضح لم يعبأ به ، وقد لا يسلمه حق يذكر له دليل مستلزم ثبوته ، فانه يسلمه . وكذلك إذا ذكر له حد يميزه . وهذا في الغالب يكون من معاند ، أو ممن تعودت نفسه أنها لا تعلم إلا ما تعنت عليه ، وفكرت فيه ، وانتقلت فيه من مقدمة إلى مقدمة . فان المادة طبيعة ثانية . فكثير ممن تعود البحث والنظر صارت عادة نفسه كالطبيعة له ، لا يعرف ولا يقبل ولا يسلم إلا ما حصل له بعد بحث ونظر ، بل وجدل ومنع ومعارضه . فحينئذ يعرف به ويقبله ويسلمه . وإن كان عند أكثر الناس من الأمور الواضحة البينة لا تحتاج إلى بحث ونظر . فالطريق الطويلة والمقدمات الخفية التي يذكرها كثير من النظار تنفع لمثل هؤلاء في النظر ، وتنفع في المناظرة لقطع المعاند وتبكيت الجاحد .. (۲)
ولا جدال في أن ابن خلدون قد لجأ إلى القياس البرهاني أو الأصولي لعدة أسباب . أولها أنه هو نفسه كان شكاكاً ، أو معاقداً بمعنى أصح . ولكنه كان معانداً في الحق ، أي ينشر الحقيقة ، ويتحرى الصدق في الأخبار والروايات المتواترة. و ما دام هو كذلك ، فأولى به أن يفترض أن من الناس من هم على شاكلته في التشكك والمعاندة . وثاني هذه الأسباب أنه كان دائب البحث عن العلل والأسباب ، ومن كان هذا شأنه فانه في استقراءاته وتنظيراته ، لا يقف عند حد في بلورة النظرية أو صياغة القانون أو إصدار الحكم ، بل إنه يجد لزاماً عليه سوق البراهين على صحة نظرياته وقوانينه وكتابة الحيثيات لتبرير أحكامه . أما السبب الثالث فيتعلق بعلمه الجديد ذاته . فالاجتماع الإنساني والعمران البشري الذي جعله موضوعاً لهذا العلم فريد في نوعه جديد في بابه ؛ ولكونه كذلك فإنه يحتاج إلى إيضاح وشرح وتفسير لكي يستسيغه الذهن ويستوعبه الفكر ، في عالم و زمان امتلا بالمؤلفات والمصنفات في شتى العلوم ، وبخاصة في علوم النقل وما تفرع عليها من علوم عقلية أصبحت ذات منزلة رفيعة لدى كثير من مفكري الإسلام . والسبب الرابع تعليمي . ذلك لأن ابن خلدون كان في كتابته المقدمته معلماً أولا وقبل كل شيء . قتسلسل الأفكار فيها ، وتبويبها وتفصيلها ، والإشارات إلى ما تقدم من القول وإلى ما سيأتي من الحديث فيها، وإيراد المثال تلو المثال ، وتقديم الأدلة والشواهد ، وحرصه على أن يعلم القارىء ، (۱) والبوح له بأسرار التفكير السليم وخطواته ، كل ذلك جعله يتخذ لنفسه أسلوب المعلم في كتابة مقدمته ، فصار يشرح ويوضح ويفسر ويبرهن باذلاً في ذلك قصارى جهده .


ومن أوضح الأمثلة على قدرة ابن خلدون كمعلم لا يضن بأسرار علمه على تلامذته ، ما كتبه عن كيفية التعلم السليم ، إذ قال : ( واعلم أيها المتعلم أني الحفك بفائدة في تعلمك . فان تلقيتها بالقبول وأمسكتها بيد الفنانة ظفرت بكنز عظيم ، وذخيرة شريفة . وأقدم لك مقدمة تعينك في فهمها . وذلك أن الفكر الإنساني طبيعة مخصوصة فطرها الله كما فطر سائر مبدعاته . ، تارة يكون وهو فعل وحركة في النفس بقوة في البطن الأوسط من الدماغ ، مبدأ للأفعال الإنسانية على نظام وترتيب ، وتارة يكون مبدأ لعلم ما لا يكون حاصلا بأن يتوجه إلى المطلوب ... هذا شأن الطبيعة الفكرية التي يتميز بها البشر من بين سائر الحيوانات . ثم الصناعة المنطقية هي كيفية فعل هذه الطبيعة الفكرية النظرية تصفه ليعلم سداده من خطئه .. فيعين المنطق على التخلص من ورطة هذا الفساد إذا عرض ، فالمنطق إذن أمر صناعي مساوق للطبيعة الفكرية ومنطبق على صورة فعلها . ولكونه أمراً صناعياً استغنى عنه في الأكثر . ولذلك نجد كثيراً من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطالب من العلوم دون صناعة المنطق ... ثم من دون هذا الأمر الصناعي الذي هو المنطق مقدمة أخرى من التعلم ، وهي معرفة الألفاظ ودلالتها على المعاني الذهنية تردها عن مشافهة الرسوم بالكتاب ومشافهة اللسان بالخطاب . فلا بد أيها المتعلم من تجاوزك هذه الحجب كلها إلى الفكر في مطلوبك . فأولا دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة وهي أخفها ، ثم دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة ، ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال في قوانينها المعروفة في صناعة المنطق ، ثم تلك المعاني مجردة في الفكر أشراكاً يقتضي بها المطلوب بالطبيعة الفكرية بالتعرض لرحمة الله ومواهبه . وليس كل أحد يتجاوز هذه. المراتب بسرعة ، ولا يقطع هذه الحجب في التعليم بسهولة ، بل ربما وقف الذهن في حجب الألفاظ بالمناقشات ، أو عثر في أشراك الأدلة بشغب الجدال والشبهات ، فقعد عن تحصيل المطلوب ... فإذا ابتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتياب في فهمك أو تشغيب بالشبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات واترك الأمر الصناعي جملة ، واخلص إلى فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه ، وسرح نظرك فيه وفرغ ذهنك للغوص على مرامك منه ، واضعا قدمك حيث وضعها أكابر النظار قبلك ، مستعرضا ... للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون والذريعة إلى إدراك الحق بالطبع إنما هو الفكر الطبيعي كما قلناه ، إذا جرد عن جميع الأوهام وأما المنطق فإنما هو واصف لفعل هذا الفكر ، فيساوقه لذلك ... الفكر سابق في الأكثر . فاعتبر ذلك ... ) (۱) فابن خلدون يقرر أن على الفعل ، بل إنه منبعه وأصله والدافع إلى العمل . وهو كذلك أصل المعرفة مقصودة ومطلوبة . والفكر طبيعة فطر عليها الإنسان ، فأصبح يميز به عن الحيوان ، وصار الإنسان يعرف بأنه حيوان مفكر . فالإنسان يرى الكلمة أو يقولها على أنها لفظة ذات معنى ، أى أنها تدل على شيء . وبربط الألفاظ بعضها ببعض ، ووصل المعاني بعضها ببعض ، وتصور دلالاتها ، يستطيع الناظر أو الباحث أن يصل إلى ما يبتغيه من فهم للعلاقات والمتعلقات ، واستنباط للآراء ، واستقراء للقوانين والنظريات . ولا يتسني ذلك إلا لمن فرغ ذهنه لعالم الفكر ، وسرح نظره فيه ، وغاص على مراده منه ، مستخدما السبر والتقسيم وهو القاعدة الخامسة من قواعد المنهج التي فيه إليها ابن خلدون في مقدمته .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Pharmaceuticals...

Pharmaceuticals are the major method of treating human disease in Western medicine, with hundreds of...

ﻴﻣﻼﺳﻹا ﺔﻴﺑﺮﻌﻟا ...

ﻴﻣﻼﺳﻹا ﺔﻴﺑﺮﻌﻟا ةرﺎﻀﺤﻟا ﻲﻓ ﻢﻠﻌﻟا مﻮﻠﻌﻟا ﺦﯾرﺎﺗ ﻲﻓ ﺪﯾﺪﺠﻟا ﻞﺼﻔﻟا اﺬھ فﺪﮭﯾ ﻰﻟإ ﻂﯿﻠﺴﺗو، ﻲﻤﻠﻌﻟا ﺞﮭﻨﻤﻟا ...

يستطيع الكيان ت...

يستطيع الكيان تحديد المعلومات البيئيّة ذات الصلة من خلال استخدام مفهومي بيئة النطاق وبيئة النشاط، حي...

ORGANIZATIONAL ...

ORGANIZATIONAL BEHAVIOUR Definition Organizational behaviour is defined as the behaviour of human be...

ان المتأمل في ا...

ان المتأمل في التشريعات العالمية - إن على مستوى الدول أو المنظمات أو الهيئات - ، وعلى رأسها هيئة الأ...

قياس الأداء الا...

قياس الأداء الاجتماعي ۱ - المالكون هي فئة مهمة جدا ضمن أصحاب المصالح في المنظمة، فهم يتحملون مخاطر ا...

مرحلة الدراسة :...

مرحلة الدراسة : وُلد في تونس ( ۷۳۲) هـ / ١٣٣٢ م) وفيها ترعرع. - تولى والده تعليمه بعض العلوم وأساتذ...

ف الفصل السابع...

ف الفصل السابع أشرت إل أننا بحاجة إل التركيز عل القيادة لا عل القادة، إن كنا بصدد فهم كيفية عمل...

My mother and m...

My mother and my father are the most influential people in my life. They are always beside me in eve...

However, as the...

However, as the recent scandals involving the plagiarized Ph.D. theses of government officials in Ge...

عندما وصل الظاف...

عندما وصل الظافر بدين الله إلى الخلافة الفاطمية، حصل خلاف بينه وبين الوزير شاور بن مجير السعدي الذي ...

ها أنت — أيها ا...

ها أنت — أيها الربيع-فأقبلت معك الحياة بجميع صنوفها والوانها: فالنبات ينبت، والاشجار تورق وتزهر، وال...