لخّصلي

قصيدة النهر المتجمد للشاعر ميخائيل نعيمة ، هو أديب وشاعر وكاتب مسرحيّات ومفكر لبناني،من شعراء المهجر سافر إلى روسيا لاستكمال دراسته الجامعية، له مؤلفات عديدة منها مجموعات قصصية ، كما كتب سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء
 تحمل أبيات القصيدة في  فكرة أخلاقية واضحة ، وتدور حول فكرة محورية تتعلق بثنائية اليأس والأمل ، فلطالما كانت حياة الإنسان تحكمها فصول متعاقبة بين يأس وجمود حينًا ، وأمل وانفراج أحايين أخرى ، والعبرة بمن يصبر وينتظر الفرج ، ولا يستسلم لقيود الظلمة والهموم.
      يقف الشاعر في بداية قصيدته أمام النهر المتجمد وكأنه جثة هامدة ، وقد أخذ الحزن من قلب الشاعر مأخذه ، فرثاهُ بعبارات مؤثرة لمسناها جليًّا في كلماته، يقف مندهشًا وهو يرى النهر الذي كان في الأمس القريب يتمتع بالنشاط والحركة ، والآن أضحى كعجوز هَرِم أخذت منه الأيام والسنين.
يتذكر الشاعر أيام كان يعتريه الحزن والشقاء فلا يجد التسلية والأنس إلا من صديقه النهر الرقراق ،
هذا النهر الذي كان يفرح لفرح الشاعر ويبكي لحزنه ، لكن الموت غيّبه ، فترك صاحبه يبكي وحدته ، ويشكو وحشته .
وقد كان تأثير النهر المتجمد واضحًا على الطبيعة ككلّ ، وكأن الحزن خيّم على الجميع ، فلا طائر يغرد
ولا أوراق شجر تزهو بخضرتها ، بل أتى سَرْب من طيور الغربان السوداء تشيع النهر المتجمد إلى مثواه الأخير .
أما في المقطع الثاني فقد عادت الحياة إلى النهر المتجمد وانفرجت العقد والأحزان ، وانكسرت الهموم والآلام، وانبعث بروح متجددة ، وحياة مليئة بحب البقاء ، والتمتع بالبهجة والهناء .

وبدورها تبتهج الطبيعة بعودة الحياة للنهر المتجمد ، فتنشر نسيمها العليل فوق أغصان الأشجار اليانعة ،
وتهدي الشمس الدافئة حلّة من الأزهار تكسو جوانب النهر، البسّام ، فتشكل لوحة ربيعية جميلة ، وتختمها في الليل انعكاس نجوم السماء، على صفحة مياهه الشفافة .
أما مشهد الغربان المُشيِّعة لجثمان النهر المتجمد ، يتحول في فصل الربيع إلى مشهد طائر الحسون وهو يحلق مغردًّا بالحياة والأمل ، فتعود للأغصان حيويتها ، وتكتسي الأرض خضرة ، فيغدو النهر شابا مُفعمًا بالنشاط والحيوية .
أسلوب الشاعر : كانت مفردات الشاعر مناسبة للغرض وقد تنوّعت في دلالاتها، فمنها مايدل على الحركة والجمود ومنها مايدل على الصوت، وقد ترواحت معاني الشاعر بين السهولة والصعوبة، لكنه اعتمد في الغالب على المفردات الصعبة، وأثرى حصيلتنا اللغوية بمفردات جديدة مثال على ذلك:
وقد نوّع الشاعر في استخدامه للمحسنات البديعية التي أضفت على القصيدة جمالأ وروعة  كالطباق مثل: الصباح والمساء ، نوح وضحك ، باكيًا ضاحكًا .
والألفاظ المترادفة مثل : تنهّدي وتوجّعي ، تساوت و توازنت  ، المصائب والمحن
والمقابلة مثل : (باكيًا سلَّيْتَني – ضاحِكًا أبْكَيْتَنِي ) وهي تُقارِنُ بين حاليْنِ مختلفين للشاعر
وقد أكثر الشاعر من الجناس مما أضفى على الأبيات إيقاعًا موسيقًّا جميلًا مثل :  الزهور / والدهور ، أغصانه /ألحانه ، كبلتكَ /وذللتكَ ، النسيم /البهيم.

كما اعتمد الشاعر في أبياته على الصور البيانية والتشبيهات واللغة المجازية، فقد استطاع بكلماته المنتقاة تقديم لوحة نابضة بالحياة للطبيعة الساكنة والمتحركة، بتقلباتها وآفاقها المختلفة، وقد أسبغ على النهر المتجمد صفات ومشاعر الكائن الحي.
فقد استعار من صفات الإنسان وأسبغها على الجمادات مثل :
بالأمسِ كنتَ مُرَنِّمًا بين الحدائق والزهور
بالأمسِ كنتَ إذا أتَيْتُكَ باكِيًا سَلَّيْتَني  
كما استخدم الكثير من التراكيب التي تشير إلى دلالات تعبيرية متنوعة مثل : لاتخشى الموانع يدلُّ على  القوة والعزيمة ، ذللتكَ وكبّلتكَ : يدلُّ على الضعف والهوان.
أما عن الأساليب الخبرية والإنشائية فقد وظّف الشاعرفي  قصيدته بعض استخدام الأساليب الإنشائية:
و كرّر استخدامه للاستفهام الإنكارِيٌّ مثل : يانهر هل نضبت مياهك ؟ أم قد هرمت ؟  ماهذه الأكفان ؟
والغرض منه إثارة الدهشة والاستغراب من حال النهر .
واستخدام النداء مثل : يانهر.
ووظف الكثير من الأساليب الخبرية، مثل : بالأمس كنت لا تخشى الموانع في الطريق.
كانت عاطفة الشاعر عاطفة إنسانية صادقة ، لأنه حاول في قصيدته التعبير عن تجربته الشخصية ووصف مامرّ به في الواقع.

الرمزية :  اختار الشاعر النهر المتجمد دون غيره من عناصر الطبيعة لأن تجمده يوافق حال الشاعر الذي جمدت مشاعره بسبب معاناته من الغربة والوحدة ، وقد برع الشاعر في إسقاط مايمر به من مشاعر وأحاسيس على كل عنصر من عناصر الطبيعة.
رسائل عميقة تحملها قصيدة النهر المتجمد
لطالما كان الشاعر والأديب ميخائيل نعيمة يحمل في كتاباته وخواطره رسائل
وغايات هادفة ،وهي أنّ الحياة مليئة بالمصاعب ولا بدّ من التمسك بالأمل حتى يأتي الفرج
وما دام لهذا الكون رب يسيره ، تعالى وتبارك في إبداعه وعظمته ، فستظل قلوبنا
تحيا برحمته ، وتنبعث نشيطة مبتهجة بعد كل يأس وآلام.