وما ميكن مالحظته على هذه األجناس األدبية أّّن قليال
ّ
ا غري اثبتة، فهي يف حركة مستمرة قد تتغري
يف اعتباراهتا الفنية، من عصر إىل عصر، ومن مذهب إىل مذهب آخر، ويف هذا التغيري قد يفقد
ا نس األديب بعض خصا صه ا وهرية، ليكتسب خصا ص جوهرية أخرى، كما هي احلال ابلنسبة
للمسرح يف طريق انتقاله من الكالسيكية إىل الرومانتيكية، حيث كان شعرا ليصبح يف العصر احلديث
نثرا، كما كان للملحمة وزن خاص هبا ال ينبغي أن تتعداه يف ما يرى "أرسطو" يف كتابه فن الشعر.
ل من اعتد بدراسة األجناس األدبية يف النقد، حيث نظر إليها على أّّنا كا نات
ّ
كان أرسطو أو
حية عضوية تولد وتنمو وتتطور، مث تضعف ويتوقف منوها، ويعطي مثال على ذلك ابملأساة، اليت
ّد يرى أّّنا نشأت يف األصل ارجتاال، ة
ّت بع
مث منت شيئا فشيئا إبمناء العناصر اخلاصة هبا. وبعد أن مر
أطوار ثبتت واستقرت ملا أن بلغت كمال طبيعتها اخلاصة.
ّد وهو إىل جانب ذلك يرى أن من مراعاة بعض اخلصا ص ّ ه يف متييز األجناس ا
ألدبية ال ب اليت قد
ترجع إىل العناصر اآلتية:
الشكل، من إيقاع ووزن وقافية.
ّ ( الوحدة العضوية(
بنية خاصة يف ترتيب أحداث العمل الفين
القصة مثال
ّ
ّ طوله أو قصرهكما يف القصيدة واملسرحية، مث
حيم العمل الفين .
(
*
)
- يقصد اب نس األديب ما يطلق عليه الفرنسيون Littéraires Genres واالجنليز Genres Literary.
- 117 -
ّ الزمن الذي يشغله موضوع العمل ال ، أل ّن خيتلف عند القدماء بني امللحمة اليت ميتد طوهلا
فين
أكثر مما قد متتد املسرحية.
ترجع بعض هذه اخلصا ص إىل املضمون يف صلته ابلصياغة الفنية، فأشخاص املأساة عند
"أرسطو" وعند الكالسيكيني من امللوك والنبالء واألبطال ،على حني موضوع امللهاة األشخاص
ً ال خيتلط ّن العاديون،
كما أ األجناس األدبية عند الكالسيكيني والقدماء حمددة يف كل ذلك حتديدا
فيه بعضها ببعض، وال جيوز بعضها على بعض وقواعدها شبه أوامر فنية يلقيها الناقدون، ويتبعها
الشعراء والكتاب املنتيون. ويف العصر احلديث تغريت النظرة إىل هذه األجناس األدبية، فأصبحت
دراستها ذات طابع وصفي، ويف هذه النظرة الوصفية العلمية ميكن أن خيتلط جنس أديب لنس أديب
،ًكما يف املأساة الالهية، ويظل الباب مفتوحا على مصراعيه خللق أجناس
آخر، ليؤلفا جنسا جديدا
)1( أدبية جديدة
.
و حسب "برونتيري" فاألجناس األدبية "تنمو حىت تبلغ نقطة الكمال، مث تضمحل حىت متوت أو
)2( تتحول كي حتيا مرة أخرى يف نوع جديد جيمع عناصره من بقااي نوع سابق"
. والدراسات يف
األجناس األدبيةه على هذا النحو تكشف عن منو األدب، يف ثنااي اآلداب املختلفة، وقد كشفت
الدراسة العلمية الوصفية هلذه األجناس األدبية عن قيام صالت أدبية دولية هلا أثرها وخطرها، ودراسة
"برونيتري" يف هذا ا انب صحيحة يف جوهرها، ونظرته إىل حركة ا نس األديب وتطوره وانتقاله من
)3( أدب إىل أدب صحيحة يف عمومها
ّن .
ذلك أ "احلدود الدولية ال تقف حا ال دون انتقال األجناس
)4( األدبية من أدب إىل آخر"
ّن هذه
، غري أ األجناس األدبية قد تنشأ يف اآلداب القومية، دون
استعانة يف نشأهتا آبداب أخرى، ولكنها حني تنهض وتنضج فنيا استيابة حلاجات اةتمع الفنية
والفكرية، تستمد عادة أكثر عوامل منوها وّنوضها من اآلداب األخرى، مثل القصيدة العربية يف
األدب ا اهلي، بطابعها التقليدي املعرو ف الذي مل تتوافر هلا فيه وحدة املوضوع وال وحدة العضوية،
وقد ينشأ ا نس األديب يف األدب القومي بفضل أتثره ابآلداب األخرى، مثل املسرحية ومثل القصة
يف معناها الفين يف أدبنا العريب، فقد نشأات فيه وتطورات، واحتلتا يف األدب العريب مكانة تضاءلت
ابلنسبة هلما مكانة الشعر الغنا ي الذي كان يشغل جل ميدان األدب العريب قبل العصر احلاضر.
)1(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص-752 .750
)2(
– عبد هللا خضر محد: مناهج النقد األديب احلديث، ص.61
)3(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص.740
)4(
– بديع حممد مجعة: دراسات يف األدب املقارن، ص.52
- 118 -
فدراسة األجناس األدبية، من هذا ا انب، جتعلنا نقف على املصادر الفنية ألجناس أدبنا القومي،
وتفتح آفاقا فسيحة للنقد، مث لالقتداء واخللق، ولتوجيه األدب القومي وجهة رشيدة. حيث تتعاون
اآلداب ويغىن بعضها بعضا، ويستمد بعضها من بعض، وإذا تتبعنا أشهر األجناس األدبية لندرسها
يف نواحيها املقارنة، وجدانها قسمني: قسم كان يعاجل أصال الشعر يف اآلداب األوروبية، وآخر يعاجل
أساسا النثر، ومن القسم األول امللحمة واملسرحية، والقصة على لسان احليوان، ومن الثاين القصة
)1( والتاريخ يف طابعة األديب، واحلوار أو املناظر
.
ومما يالحظ أننا أثناء حديثنا عن نشأة وتطور األجناس األدبية بنوعيها الشعري والنثري ّنتم
اب انب املقارن، أي بظاهرة التأثري والتأثر.
أوال- األجناس األدبية الشعرية:
-5 امللحمة:
ّد امللحمة
ّد تع من فيه
األعمال األدبية اليت خل ا املبدع، مآثر قومه واترخيه من بطوالت وعادات
وتقاليد، لذا جندها تتمتع أبمهية كبرية يف اتريخ اآلداب اإلنسانية، وتشكل عالمات فارقة يف ثقافات
احلضارات والشعوب املختلفة، وهي "يف اللغة العربية تعين املعركة العظيمة... أما يف اليواننية فمعناها
)2( القصة أو الشعر القصصي الذي خيتص بوصف القتال"
.
ويف االصطالح؛ هي جنس أديب شعري بطويل شعيب، و قصة سردية طويلة، ذات حادثة واحدة أو
ّدة حوادث، ارتبطت وقا عها حبياة مجاعة
ع ، فيها العظمة واخلوارق واألهداف الكبرية واآلمال الوساع
والنزعة اإلنسانية واالجتاه القومي واالجتاه الرحيب، وهي بذلك ختتلف عن القصة العادية من حيث
أغراضها وأسلوهبا، فهي ال تقف عند السرد وخلق املتعة األدبية، بل تتخذ من التمثيل وما يواكبه من
)3( وصف وتشبيه، ومن احلوار املسرحي اخلطايب سبيال إىل السيطرة على العقول
.
-5 -5 نشأة امللحمة يف اآلداب الغربية:
ّد امللحمة أقدم جنس عرفته تلف اآلداب العاملية، إذ تعود نشأهتا إىل العصور الفطرية
تع
اإلنسانية للشعوب القدمية اليت مهدت لوجودها، وأقدم ما عرفه اتريخ األدب العاملي من هذا ا نس
يع لألدب ّد الذي املؤسس ، الشعري ملحمة "اإللياذه" و"األوديسا" لشاعر اليوانن "هومريوس"
)1(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص،747 .745
)2(
– جهورج غريهب: الشهعر امللحمهي اترخيهه وأعالمهه: ابهن كلثهوم- ابهن حلهزة- ابهن شهداد، سلسهلة املوسهوعة يف األدب العهريب ،2
بريوت، لبنان، )دط(، )دت(، ص.05
)3(
– املرجع نفسه: ص،05 .02
- 119 -
األورويب، وامللحمتان - "اإللياذه" و"األوديسا" - تعتربان من أوىل القصا د امللحمية اليت عرفها
التار يخ، ومها النموذج األصيل للفن فيما بعد.
انتقل هذا ا نس األديب، من األدب اليوانين إىل األدب الالتيىن، عندما حاكا الرومانيني اليواننيني
ّن األدب
يف األجناس األدبية اليت منا هبا أدهبم وازدهر، وهذا ما جنده عند "هوراس" الذيكان يرى أ
اليوانين هو املثل األعلى لإلبداع األديب، ولذلك جيب العكوف على دراسته واستلهامه. فنيد شاعر
) الالتينيني "فرجيل" )-56 76ق.م( أتثر يف ملحمته اليت عنواّنا "اإلنيادة"
)
ّن بهه"هومريوس"،
ورغم أ
"فرجيل" يف ملحمته ال يرتقي إىل مستوى "هومريوس" د
ّ
ّد سي
الذي يع شعراء املالحم األقدمني بال
ّن فرجيل أتقن"كتابة أسطورته اتقاان عظيما فياءت را عة حمققة ملا ختيله من
منازع يف ملحمتيه، فإ
)1( تصورات"
.
ّد "اإلنياذة" من أعظم املال
حم اليتكتبت يف العصور الغابرة، وأل ّن تع عيا بها الدينية العلم اآلخر
والرحلة إليه فيها، أكثر روحية ومسوا، وأقرب إىل عيا ب العامل املسيحي األخروي، فقد ترمجت
ملحمة "اإلنيادة" ترمجات تلفة يف أورواب طوال العصور الوسطى املسيحية، وكانت أساسا لتطور
جنس املالحم. فقد نشأت "امللحمة الدينية ذات الطابع الرمزي اإلنساين، ممثلة يف "الكوميداي اإلهلية"
للشاعر اإليطايل اخلالد "دانته")-7625 7557م( وهى فريدة من نوعها، ختالف ملحميت
"هومريوس" الفة تكاد تكون اتمة يف موضوعها، ويف رمزيتها، فهي دينية الطابع، وموضوعها الرحلة
)2( إىل العامل اآلخر"
.
وعلى الرغم من اقتفاء "دانيت" أثر شاعر الالتينيني "فرجيل"يف ملحمة "اإلنيادة" يف جنس
امللحمة، بعامة وخباصة يف نوع وصفه الرحلة إىل الدار اآلخرة، يف اختاذ "فرجيل" هاداي له يف رحلته يف
ملحمة"الكوميداي اإلهلية"، وعلى الرغم من أصالة "دانيت" يف الصور الفنية الرا عة يف وصف عامل
العصور الوسطى الذي عاش فيه، ويف رمزيته العميقة متعددة النواحي، فقد أتثر "دانيت" يف "الكوميداي
(
*
- تعترب ملحمة اإلنياذة املدخل واملمر بني العصور الوثنية والعصور املسيحية، وقد ال نبالغ إذا ما قلنا أّّناكانت أكثر الكتب (
ّ الزمنية تدوال يف أورواب، ه عاش قبل املسيحية فقد احتل
وهلذا نرى ذكرى فرجيل يقدس بعد وفاته كما تقدس األرابب، ومع أن
مكانة رفيعة بني دعاهتا، كما اح
ُ
تل مكانة عالية يف الفن املسيحي ود
ع
َ
ّه بلغ درجة من
ّد لنا أن نذكر أن
ي "نيب الوثنيني". وال ب
اإلبداع اهتم معها بكونه ساحرا )ينظر: فرجيل: اإلنياذة، ترمجة: عنربة سالم اخلالدي، دار املاليني، بريوت، لبنان، ط،6 ،7615
ص-05 06(.
)1(
– املرجع نفسه: ص.05
)2(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص.745
- 121 -
اإلهلية" مبصادر عربية، وهذا ما أشار إليه املستشرق األسباىن "ميييل أسني ابالثيوس ")-7517
)1( 7644( عام،7676 يف أحباثه
.
يتمثل يف "الكوميداي اإلهلية" طابع املالحم الدينية، وهي النوع الثاين من املالحم؛ إىل جانب
املالحم الشعبية الوطنية كما هي يف مالحم "هومريوس" و"فرجيل"، وهذان النوعان من املالحم:
ّن من املالحم الدينية ما حنرف ع
الشعيب والديين، تندرج حتتهما أشهر املالحم العاملية. على أ ن روح
) الدين، كما يف ملحمة "الفردوس املفقود"
)
للشاعر اإلجنليزي "ميلتون Milton( "-7201
)7214 )2(
.
ً بعد ذلك أخذت املالحم من عناصرها األصيلة
تفتقد كثريا ؛ فوجدت بعد ذلك بعض املالحم
النثرية، كما يف "مغامرات تليماك" للكاتب الفرنسي "فينلون Fénélon( "-7257 7175)، اليت
ظهرت ألول مرة يف ابريس عام 7266 ،وهي حماكاة لألجزاء األربع األوىل من ملحمة "أوديسيا"
لهه"هومريوس؛ ولكنها ذات طابع تعليمي يف معانيها ورموزها، وكانت نزعة امللحمة حنو الرمز أو الواقع
إيذاان بنهايتها، ومل يعد من املمكن بعث املالحم اآلن ،ألن عصور الفطرة اإلنسانية للشعوب اليت
مهدت لوجود هذا ا نس األديب مل يعد هلا وجود، أل ّن التقدم العلمي للعقل البشري، ويف عصر
)3( احلارة )املدينة(، لن تسمح بقيام املالحم يف عصران
.
-2 -5 نشأة امللحمة يف األدب العريب:
ّن العرب عرفوا الشعر امللحمي، ولكنهم مل
ال شك أ يعرفوا امللحمة كبناء، رغم وفرة املواضيع ووفرة
العبقرايت، ووقوع األدب اليوانين بني أيديهم ومعرفتهم له. وخري دليل على تلك املعرفة ما جاء
للياحظ يف "البيان والتبيني" من حتليل للفوارق بنب شعر اإلغريق وشعر العرب، فهم مل يقلدوا هذا
)1(
– املرجع السابق: ص.756
(
*
- كتبت يف القرن السابع عشر، وتطرح موضوع عصيان اإلنسان، الذي جنم عنه خسارة الفردوس حيث كان مستقرا فيه، مث (
يالمس السبب األساسي لسقوطه، وهو "األفعوان"، أو ابألحرى الشيطان الذي جتسد يف األفعوان؛ والذي خرج عن طاعة الرب
وضم إىل جانبه فيالق حاشدة من املال كة، فطرد أبمر هللا، من السماء مع كل حشده إىل اهلوة العميقة، وهي إىل جانب ذلك
حتكي خروج "آدم" من الفردوس/ا نة على أثر اإلغواء من الثعبان، حيث يرسل ملك إلخراج "آدم" وحواء من الفردوس )ينظر:
جون ميلتون: الفردوس املفقود، ترمجة: حنا عبود، منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، )دط(، ،6077
ص45(.
)2(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص-755 .755
)3(
– املرجع نفسه: ص،755 .756
- 121 -
النوع من األدب، فظلوا يف معزل عنه، وال شك أن لذلك أسبااب وعلال يقف عليها من مياشي أطوار
الشعر العريب وسيل اتريخ العرب، و ميكن حصر هذه األسباب على وجه اإلمجال يف البيئة واةتمع
وطبيعة العيش. فا اهلية مل تعرف االستقرار، وجمتمعها قبلي، وشعراؤها أقرب إىل السليقة الشعرية
)1( واالرجتال منهم إىل الغوص يف مطاوي النفس البشرية
.
ورغم هذه األسباب وغريها، فقد ظهرت بعض مالمح امللحمة يف أدبنا العريب مثل ما نعثر عليه
يف املعلقات كهه"معلقة عنرتة"و"عمرو بن كلثوم"، وكذلك ما جاء يف شعر "أيب الطيب املتنيب" "الشعر
احلريب" و"رسالة الغفران" أليب العالء املعري، و"سرية عنرتة"، اليت ألفت زمن الفاطميني، وفيها الكثري
من املبالغات واخلرافات، كذلك جند شيئا من الفن امللحمي يف قصة "سيف بن ذي يزن اليمين"
وقصة "الظاهر بيربس" وقصة "أيب زيد اهلاليل"، اليت تتحدث عن مغامراته.
جند يف العصر احلديث حماوالت ملحمية حاول أصحاهبا جاهدين، أن يطوروا هذا اللون الفين
كمحاولة "عيد الرايض" و"عيد الغدير" لبولسي سالمة، واإللياذة اإلسالمية لهه"أمحد حمرم" اليت
يتحدث فيها عن غزوات الرسول )ص( وسراايه، وقد بلغت يف طوهلا حّد امللحمة، وإن كانت ختلو
من اخلرافات واألساطري،كذلك "إلياذة ا زا ر" للشاعر ا زا ري "مفدي زكراي"، واليت اشتملت على
ألف بيت وبيت من الشعر، ويتحدث فيها عن حقا ق اترخيية مرت هبا ا زا ر.
وقد ساعد على النظم يف هذا ا نس األديب، الرتمجات اخلاصة ابملالحم كرتمجة "سليمان
البستاين" "إللياذة هومريوس" من اللغة اليواننية سنة ،7605 كما نقل "وديع البستاين" "املهاهباراات"
إىل اللغة العربية، ونقل "عبود أبو راشد" "الكوميداي اإلهلية، سنة ،7656 ونشرت نة التأليف
والنشر مبصر ملحمة "الشاهنامة" له "الفردوسي"، وقد نقلها قبله إىل العربية نثرا "الفتح بن علي
)2( البغدادي" يف القرن السابع اهليري وقد صححها ونقحها ابإلضافة واحلذف "عبد الوهاب عزام"
.
-2 املسرحية:
ورد يف املعيم الوسيط ة:
ّ
قصة مع « ّد أ » ة للتمثيل على املسرح ّن املسرحي
)3(
. ويورد قاموس
ة قا ال:ً
ّ
د للتمثيل على خشبة
ّد أكسفورد هذا التعريف للمسرحي » راما إنشاء ابلنثر أو الشعر، معٌّ
ال
)4( املسرح، تسرد القصة فيه بوساطة احلوار أو الفعل«
.
)1(
- جورج غريب: الشعر امللحمي اترخيه وأعالمه، ص،06 .70
)2(
- حمفوظ كحوال: األجناس األدبية النثرية والشعرية، ص-715 .715
)3(
ّ - ة:
ّ جممع اللّغة العربي ة، ط
ة، مجهورية مصر العربي
ّ
املعيم الوسيط، مكتبة الشروق الدولي ،4 ،6004 ص .462
)4(
- رايض عصمت: املسرح العريب بني احللم والعلم، دا رة الثقافة واإلعالم، الشارقة، ط،7 ،6005 ص.41
- 122 -
ة
ّ
ّن املقصود ابملسرحي
ة أ
ّ
يت العمل األ ّضح من التعريفات اللّغوي
ّ
ديب ال من الشعر
ّ
قصصي ، أو النثر
ة
ّ
يروي أحدااثً ، عرضها أو ترمجتها على خشبة املسرح مستمّدة من احلياة الواقعي
ّ
يتم
ّ
أبسلوب فين ،
بوساطة الفعل واحلوار والشخصيات، وأمام مجع من املشاهدين يف قاعة العرض.
ً ويف االصطالح »
مة تقسيما
ّ
ّصة مرتمجة إىل حركة عن طريق الشخوص واحلوار ومقس
ة ق
ّ
املسرحي
ك، ومينحها الشكل ا ميل يف الوقت نفسه
ّ
ّحر
خاصا « ً يعطيها القدرة على الت
)1(
منط أديبٌّ . أو هي »
تكتب لكي تعرض يف
ّ
فين ة
ّ
ة مرّكبة من لوحات وصور حي
ّ
ي
قالب فرجة فنه « ّ
)2(
.
ة هي
ّ
ّن املسرحي
ّضح مما سبق أ
يت قصة فنية حتمل يف ذاهتا بذور التمثيل.
-2 -2 نشأة املسرحية يف اآلداب الغربية:
ّن امللحمة سابقة يف الوجود على املسرحية، وقد رأى أرسطو منذ القدمي أن املسرحية
من املعلوم أ
ّن تط كثريا من املسرحيات وخباصة يف األدب اليوانين والروماين، مث
ورت عن امللحمة، وال شك أ
الكالسيكي، قد أخذت شخصياهتا عن امللحمة، ولكن الفرق بني امللحمة واملسرحية إّمنا هو يف
املوقف، ومرد االختالف يف املوقف إىل طبيعة ا نس األديب ودرجة رقيه الفنية يف سلم األجناس
)3( األدبية
.
نشأت املسرحية نشأة دينية خالصة من عيدين دينيني متييدا إلله اخلمر والكرم "ديونونيزوس"،
وكان العيد األول يقام يف فصل الشتاء، ومنه ظهرت املأساة، والعيد الثاين كان يقام يف فصل الصيف
ّن املسرحية اليواننية قد ال
ومنه ظهرت امللهاة، ومما الشك فيه أ قت رواجا كبريا يف عصرها بسبب
نشأهتا الدينية املقدسة، وهي رغم هذه النشأة ذات األصل الواحد، مل تستقر على حلة واحة
خصوصا من الناحية الشكلية، فهقد قام "أسخليوس" )-552 562 ق.م ( ابلتقليل من أمهية
ا وقة وزاد عدد املمثلني يف مسرحياته من واحد إىل اثنني، وجعل املكانة األوىل للحوار، مث جاء
"سوفوكليس " )465 – 505 ق.م (، فرفع عددهم إىل ثالثة ممثلني ، وطالب برسم املناظر.
ا الشاعر"يوريبيدس" )
ّ
أم -450 402ق.م(، فقد صب كل اهتمامه على إضفاء الصبغة
اإلنسانية، وجعلها حمورا أساسيا يف املسرحية اإلغريقية، وهاجم اآلهلة الوثنيني و النساء، كما هي
)4( احلال يف مسرحيته "ميداي" اليت قتلت أبناءها انتقاما من زوجها
. و"أعظم مؤلفى املالهى من
)1(
- حممد الدايل: األدب املسرحي املعاصر، عامل الكتب، القاهرة، مصر، ط،7 ،7666 ص .60
)2(
ّ - ة للفنون، ا زا ر، )دط(،
ة، املؤسسة الوطني
ّ
ة املسرحي
ّ
عبد الكرمي جدري: التقني ،6006 ص .65
)3(
– حممد غنيمي هالل: املواقف األدبية، ص،50 .57
)4(
– حمفوظ كحوال: األجناس األدبية النثرية والشعرية، ص،76 .75
- 123 -
اليواننيني هو"أرستوفانس" )511-450ق.م( يف أسلوبه وحواره وروحه املسرحية كلها، وكانت
دراسة "أرسطو" للمسرحية اليواننية وخباصة للمأساة، وهي اليت وصلت دراسته فيها كاملة إلينا ه ذات
أثر كبري يف مسو النظرة إىل املسرحية ،ويف النهضة هبا ،ال يف األدب اليوانين فحسب ،بل ويف أتثري
)1( املسرحية اليواننية كذلك - مبا هلا من مميزات فنية - يف اآلداب العاملية بعده"
.
ومل يكن الالتينيون يعرفون املسرح قبل معرفتهم لألدب اليوانين ،فظلوا حياكونه فنيا إىل وقت
)2( طويل، فكان اليواننيون هم املبدعون، وكان مبلغ جهد الرومانيني أن يقلدوا
. ومن أشهر مالهيه
اليت كان هلا أتثري يف اآلداب األوروبية بعده، ملهاة "أولوالراي "أو "وعاء الذهب "وقد حاكاها
"موليري"يف ملهاته الشهرية"البخيل "، وكذا ملهاة "أمفيرتبون" وقد أثرت يف املالهي األخرى اليت
حتمل نفس االسم، واليت قد ألفها "موليري") -7266 7215 (و"دريدن)-7257 7100(مث
)3( "جريودو" )-7556 7644(
.
نشأت يف العصور الوسطى املسرحيات ذات نشأة دينية، فكانت موضوعاهتا مأخوذة من
اإلجنيل، حتكى ميالد عيسى، أو صلبه، أو حكاايت القديسني، أو خروج آدم من ا نة، أو قتل
قابيل هابيل... وعلى الرغم من ذلك أتثرت يف كثري من نواحيها الفنية، ويف صياغتها ابملسرحيات
أل ّن اللغة الالتينية كانت هي لغة الكنيسة، كما أتثرت بعض التأثر ابملسرحيات اليواننية من الالتينية،
خالل مسرحيات الالتينني.
ويف عصر النهضة رجع األوروبيون عامة إىل مسرحيات اليواننيني والالتينيني، يف املوضوعات
)4( واألفكار والنواحى الفنية مجيعا
.
ّن ويف العصر احلديث، املسرح الغريب القى تطوراتكثرية يف شكله ومضمونه، بسبب تعددية
فإ
الفلسفات احلديثة الفكرية واالجتماعية، إضافة إىل الثورة العلمية، زت
ّ
والوسا ل التكنولوجية اليت مي
هذا العصر، ومن أهم الشخصيات اليت تركت بصماهتا على املسرح احلديث واملعاصر: "هنريك
إبسن" )-7565 7602(، ومن أهم مسرحياته: "بيت الدمية" و"األشباح"، و"عدو الشعب"،
والكاتب البلييكي"موريس ميرت لنك")-7526 7646(، يف مسرحياته الشهرية: "بيلياس"
و"ميليزاند"، كذلك الكاتب السويدي "أوجست سرتندابرغ" )-7546 7676(، وأهم مسرحياته
)1(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص.725
)2(
– حمفوظ كحوال: األجناس األدبية النثرية والشعرية، ص.72
)3(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص،724 .725
)4(
– املرجع نفسه: ص،725 .722
- 124 -
"مسرحية احللم" ،7606 ومسرحية"سواناث الشبح" ،7601 هذا فضال عن الكاتب والناقد األملاين
"برتولد بريشت")-7565 7652(، وهو صاحب تسمية "املسرح امللحمي"، و"تشخوف"
)-7520 7604(، الذي اشتهر بهه"مسرح األوتشرك"، وتعين الكلمة "االستطالع" أو
)1( "الريبوراتج"...
.
نشأة املسرحية يف األدب العريب:
يذهب الباحث علي عقلة عرسان يف كتابه ة عند العرب"
إىل القول أبّن "الظواهر املسرحي العرب ّ
ّن قد عرفوا فن املسرح، ولكن ليس ابملفهوم والشكل املتعارف عليه اآلن. يقول: »
ا ال شك فيه أ
ممّ
ة كسواهم من األمم ميارسوّنا عند آهلتهم... وكان يف تلك الطقوسكما يف
ّ
ً ديني
لدى العرب طقوسا
ّدم يف إطار حركي له طابع احتفايل مجاهريي
طقوس األمم األخرى رقص وغناء وإيقاع ودعاء، يق
. ويشري إىل ها ما كان حيدث يف )2( عام«
ّ
أسواق العرب يف ا اهلية، وأمه "سوق عكاظ"، كذلك
تعترب الباحثة "بوتيتسيفا متارا ألكساندرو فنا "عروض التعزية" ة يف العامل
ّ
ّدرامي
من أقدم األشكال ال
ة
ّ
اإلسالمي. وترى أّّنا تقارن أحياانً ابلرتاجيداي اإلغريقي
)3(
. مثل ما جنده يف "كربالء" يف اليوم العاشر
م.
ّ
من شهر حمر
ً أما املقامات الحتوا ها
ا
ّ
ً متثيلي
ا
ّ
فيعتربها الكثري من الباحثني أمثال فاروق عبد القادر عمالً درامي
تنامٍ
ُ
وصراع متواصل لألحداث حمّد على بذور التمسرح من حوار وشخصيات وفعل درامي م ، دين يف
ً حيث يقول:
ّن املكان والزمان معا » مقامات بديع الزمان اهلمذاين وتلميذه احلريري... فيها
إ
م التمثيل، فاكتفى أصحاهبا أبن جيعلوها على
ّ
ة أجهضها الواقع العريب الذي حير
ّ
ات جنيني
ّ
مسرحي
)4( الورق، اتركني للراوي أو اخليال أن يقوم بدور املمثل«
.
)1(
– حمفوظ كحوال: األجناس األدبية النثرية والشعرية، ص.50-65
ّ - ة عند العرب، منشورات احتاد الكتاب العرب، دمشق، سوراي، ط )2(
علي عقلة عرسان: الظواهر املسرحي ،5 ،7655 ص .50
)3(
- بوتيتسهيفا متههارا ألكسههاندرو فنها: ألهف عههام وعهام علهى املسهرح العهريب، تهر: توفيههق املهؤذن، دار الفهرايب، بهريوت، لبنههان، ط،6
،7660 ص .707
)4(
- علي الراعي: املسرح يف الوطن العريب، تقدمي: فهاروق عبهد القهادر، اةلهس الهوطين للثقافهة والفنهون واألدب، الكويهت، ،7666
ص .75
- 125 -
وميكن القول أبّن األوىل لنشأة املسرح يف العامل العريب، حكاايت "خيال الظل" متثل البداايت
و
ّ
البدا ي
ّ
هذا الفن أدى القراقوز
ّ
إىل ظهور منط آخر من العرا س هو فن
(
)
، فكانت هذه الفنون
.
ّ
ة مبثابة اإلرهاصات األوىل لظهور املسرح يف الوطن العريب
ّ
الشعبي
ة مع را د
ّ
بلغة عربي
ّ
ن مسرح عريب
ّ ويف العصر احلديث بدأ ف املسرح قاش ُّ
مارون الن ، الذي تكاد آراء
ل
ّ
ّدم أو
ة قاصدة. ق
ّ
ّ يف ّنضتنا احلديثة حماولة جدي
ل من حاول هذا الفن
ّ
ّه أو
الباحثني جتمع على أن
ة له بعنوان "البخيل" واليت مثلها يف أواخر
ّ
ّد مسرحي 7541 م
م.كما ق مسرحيته الثانية "أبو احلسن
املغفل وهارون الرشيد".
وبعد مار ة القدمية واحلديثة،
ّ
ة هي مزجية من القوالب العاملي
ّ
اش عرف العرب قوالب مسرحي
ّ
ون النق
اش
ّ
وإىل جانب مارون النق هناك أمحد أبو خليل القباين الرا د الثاين الذي يعترب أاب املسرح الغنا ي،
ومؤسس املسرح يف سورية. احلديث هو
ّ
يقف را د اثلث يف اتريخ املسرح العريب يعقوب صنوع، الذي
مضى يضع املسرحيات ويدرب عليها املمثلني، ويقوم إبخراجها وإدارهتا على املسرح حىت وصل
الذيكانت تعيشه مصر على أايمه، ويف هذه
ّ
عددها اثنتني وثالثني أغلبها تصوير للواقع االجتماعي
جنبا إىل جنب داخل القالب
ّ
واألثر الشعيب
ّ
املسرحيات يسري األثر األورويب .
ّ
الغريب
يكون مع هؤالء الرواد الثالثة وغريهم، يصب
ّ
األمناط الثالثة اليت ظل
ّ
قد اكتمل للمسرح العريب
فيها أعماله من منتصف القرن املاضي حىت اآلن، وهي املسرحية ا ادة يف األساس اليت تعتمد على
ّ
ة ذات األساس الشعيب
ّ
ة االنتقادي
ّ
، واملسرحية الكوميدي
ّ
النص األديب ة
ّ
، واألوبريت أو املسرحية الغنا ي
ّدم هذه األمناط الثالثة مقتبسة أو
يق
ّ
ة. ولقد ظل املسرح العريب
ّ
اليت تتخذ من حوادث قصة مسرحي ،
ة.
ّ
مؤلفة أتليفا حىت بدأ حيدث شيء جديد ألي حركة مسرحي
-5 اخلرافة
(
**
)
، أو احلكاية على لسان احليوان:
د من أقدم األجناس وأكثرها
تشكل األقاصيص اليت تروى على ألسنة احليواانت جنسا أدبيا "يعُّ
شيوعا يف اتريخ اآلداب العاملية على اختالفها وتنوعها... ومن الصعب حتديد نقطة البدء يف مسرية
(
*
)
ّ - الكراك وز: ن حكمههم للعهرب. وههي
هة معناهها العهني السهوداء، انتقهل إلينها املصهطلح والفهن مهن العثمهانيني إاب
ّ
هة مغولي
ّ
لفظهة تركي
ّالعهب
عبارة عن متثيليات أبطاهلا دمى تلعب من خلف سهتارة، ويهديرها العهب واحهد، وحتهاور ا مههور، وهلها صهوت خهاص خيرجهه ال
مههن أداة صههغرية يضههعها يف فمهه ة. )ينظه هر: حممه هد الته هوجني: املعيه هم املفصه هل يف األدب، ج
ّ
ه وحيكه هي أقاصه هيص شه هعبي ،6 دار الكتههب
ة، بريوت، لبنان، ط
ّ
العلمي ،7 ،7665 ص105(.
(
**
)
– اخلرافة: هي املصطلح الذي أطلقه العرب على األقاصيص اليت تروى على ألسنة احليواانت.
- 126 -
)1( هذا ا نس، وعلى حنو أخص يف حركته الشفهية قبل التدوين"
، وهي حكاية ذات طابع خلقي
وتعليمي يف قالبها األديب اخلاص هبا. وهي تنحو منحىن الرمز يف معناه اللغوي العام.
وحكاايت احليوان تنشأ فطرية يف أدب الشعب قبل أن ترتقي من احلالة الشعبية )الفولكلورية( إىل
املكانة األدبية الفنية وأدىن صورها يف هذه احلالة أن تفسر ظواهر طبيعية تفسريا ميتافيزيقيا أسطوراي.
وإذن ال تندرج مثل هذه األساطري واخلرافات يف ا نس األديب الذي حنن بصدد احلديث عنه، مهما
أجيدت صياغتها األدبية. ولكنها هي األصل البدا ي لنشأته. أما حني ترتقي هذه األساطري
ّن
واحلكاايت، ويتوافر هلا ما ذكرانه قبل من معىن رمزي، فإّنا تؤلف ا نس الفين املقصود هنا. غري أ
الشعوبكان األسبق يف اخرتاع حكاايت هذا ا نس األديب،
ّ
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أي
حبيث انتقلت منه إىل غريه من الشعوب؟.
هناك خالفكبري بني الباحثني، فمنهم من يرى أّّنا يواننية األصل، يف صورهتا الفنية، كما عرفت
يف حكاايت "ايسوبوس" )Aisopos )Aesop( يف القرن السادس قبل امليالد(، بل قد عرفت هذه
اخلرافات يف األدب اليوانين قبل ذلك عند الشاعر "هيزيودس"، حوايل القرن الثامن قبل امليالد، مث
)2( عند "ستيسيكوس" يف القرن السادس قبل امليالد
.
وهناك من يرى أ ، وهذا ح ه "داود ّن نشأة قصص احليوان تعود إىل بالد وادي الرافدين
ّ
سب ما أقر
سلوم" يف كتابه قصص احليوان يف األدب العريب"أن نشأة هذا النوع من قصص احليوان قد بدأ أول ما
ّن األساطري العراقية بشكل عام قد
بدأ يف أقدم حضارة عرفها التاريخ يف اببل املتأثرة بسومر، وأ
)3( سيلت يف العراق قبل أن تصل احلضارات األخرى إىل درجة النضوج"
.
ّن اهلند أسبق إىل هذه احلكاايت من اليوانن. ففي كتاب
على حني يرى آخرون من الباحثني أ
"جااتكا"- وهو الكتاب الذي حيكي اتريخ تناسخ "بوذا" يف أنواع من املوجودات قبل وجوده األخري
مؤسسا للداينة البوذية- حكاايت كثرية عن أنواع وجود "بوذا" يف صور احليواانت والطيور. وترجع
بعض حكاايت ذلك الكتاب إىل قرون طويلة قبل ميالد املسيح، وقد بلغ سبعة أو أكثر. على أن
بعض احلكاايت املصرية القدمية على لسان احليوان يرجع اترخيها إىل القرن الثاين عشر قبل امليالد،
)1(
- أمحد دويش: األدب املقارن بني النظرية والتطبيق، ص.767
)2(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص-716 .757
)3(
- داود سلوم: قصص احليوان يف األدب العريب القدمي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ،7616 ص.50
- 127 -
مثل قصة السبع والفأر اليت وجدت على ورقة بردي. وال يبعد، إذن أن تكون هذه احلكاايت املصرية
هي اليت أثرت يف هذا ا نس يف األدبني اهلندي واليوانين معا.
وال سبيل إىل القطع برأي يف هذه املسألة، فهذه احلكاايت -كما قلنا- تنشأ شعبية أو أسطورية،
مث أتخذ يف االرتقاء إىل املكانة األدبية، فتتبادل الصالت مع اآلداب األخرى. وليست لدينا أدلة
اترخيية توضح لنا كيف مت تبادل هذه الصالت.
و فيما خيص اآلداب الشرقية، كان الطابع األديب غالبا على حكاايت احليوان فيها. وأقدم اآلداب
الشرقية اليت عرفنا الكثري عن حكاايهتا هو األدب اهلندي، وقد كان لألدب اإليراين القدمي صلة بني
األدب اهلندي واألدب العريب، فيما خيص هذا ا نس األديب )قصص احليوان(. ففي عهد "خسرو
أنوشروان" )القرن السادس امليالدي( قد حصل طبيبه اخلاص "برزويه" على نسخة من كتاب "بنج
اتنرتا" اهلندي ونقله إىل اللغة البهلوانية، وأضاف إليه قصصا أخرى مل نقف بعد على مصادرها كلها،
واحليواانت الر يسيان يف ذلك الكتاب من فصيلة ابن آوى، ويسميان "كارااتكا" )Karataka)
و"داماانكا" )Damanaka )- ومنهما استخرج اسم الكتاب الفارسي: "كليلة ودمنة" الذي ترمجه
عبد هللا بن املقفع من اللغة البهلوية إىل اللغة العربية حوايل منتصف القرن الثامن امليالدي.
ويف األدب العريب القدمي، كانت ترمجة عبد هللا بن املقفع هذه، سببا يف خلق هذا ا نس األديب
ّن حكاايت احليوان يف األدب العريب القدمي قبل "كليلة ودمنة" كانت
ا ديد يف اللغة العربية. ذلك أ
إما شعبية فطرية تشرح ما صار بني العامة من أمثال، وإما مقتبسة من كتب العهد القدمي، أي ذات
طابع ديين يتصل ابلعقا د. وأما ما عدا هذين فمتأخر عن "كليلة ودمنة" ومتأثر به. ويف كتاب
"كليلة ودمنة" تتمثل اخلصا ص اهلندية سابقة الذكر.
وكان كتاب "كليلة ودمنة" ذا أثر قوي يف األدب العريب القدمي يف العصر العباسي. ومل يقف حظ
هذا الكتاب عند الرتمجة نظما أو نثرا، فقد نسج آخرون على منواله. فألف "سهل بن هارون" كتااب
مساه: "ثعلبة وعفراه"، هو حماكاة لكتاب له مساه: "كتاب النمر والثعلب"، ومل يصلنا شيء من هذه
الكتب أيضا. وقد أتثر به"كليلة ودمنة" "حممد بن أمحد بن ظفر"، يف كتابه النثري: "سلوان املطاع يف
عدوان األتباع"، وحكاايت احليوان فيه قليلة، ذات صيغة دينية. ولكن أتثري "كليلة ودمنة" فيها
واضح كل الوضوح.
- 128 -
مث جاء ابن عربشاه )أمحد بن حممد بن عبد هللا، املتويف عام 554هه(، فألف كتاب: "فاكهة
اخللفاء ومفاكهة الظرفاء" على لسان احليوان. وهو يف احلقيقة ترمجة أدبية حرة لكتاب: "مرزابن
)1( انمه"، وكتاب عربشاه آخر كتاب يف هذا ا نس األديب يف اللغة العربية قبل العصر احلديث
.
أثرت العربية، بدورها، يف الفارسية احلديثة أتثريا عميقا يف هذا امليدان. فمنذ أن اختفت الرتمجة
البهلوية األصل اليت ترجم عنها "ابن املقفع". أصبحت الرت مجة العربية لكتاب "كليلة ودمنة" العريب،
على حسب ترمجة ابن املقفع له، أصال لكل ترمجة يف اللغات األخرى هلذا الكتاب. ومن هذه
الرتمجات الفارسية ترمجة أيب املعايل نصر هللا حممد بن عبد احلميد الكاتب يف القرن السادس اهليري.
مث ترمجه مرة اثنية إىل الفارسية يف ّناية القرن التاسع اهليري"حسني واعظ كاشفي"، ومسى ترمجته:
)2( "أنوار سهيلي" وهبذه الرتمجة األخرية أتثر "الفونتني" الفرنسي فيما خيص هذا ا نس األديب
.
لقد نشأ جنس احلكاية على لسان احليوان يف اآلداب الغربية نثرا، مت سرعان ما صار شعرا،
وغلب طابع الشعر عليه. وقد أثر األدب اليوانين يف األدب الالتيين فيما خيص هذا ا نس األديب.
فعلى الرغم من أصالة الشاعر الالتيين "هوراس" )5-25 ق م( يف رسا له )Epistolae )وهيا ه
)Satyrae )- وخباصة يف اهلياء الذي اعتربه "كانتيليان" جنسا أدبيا استقل خبلقه الرومان - جند أنه
يدخل، فيما كتب، حكاايت على لسان احليوان يسري فيها على ّنج اليوانن، ولكن تظهر أصالته يف
إضفاء طابع السخرية الالذعة يف حكاايته على لسان احليواانت اليت يتخذها رمزا للناس. وأثرت هذه
احلكاايت اليواننية والالتينية يف أدب العصور الوسطى األوروبية.
وانتهى ذلك املرياث يف هذا ا نس األديب إىل "الفونتني" الفرنسي )7265-7257( فتأثر به،
وحاكاه وأخذ كثريا من موضوعاته عن سابقية وخباصة من اليواننيني والالتينيني ولكنه برع فيه حىت
صار مثاال ملن حاكوه يف اآلداب مجيعا. فقد راعى األسس الفنية العامة اليت الحظها النابغون يف
ذلك ا نس األديب من سابقيه، مث استكمل هذه القواعد الفنية، وجنمل القول اآلن يف هذه القواعد
)3( الفنية
:
احلرص على التشابه بني األشخاص اخليالية واألشخاص احلقيقية يف سياق احلكاية. فال
ينبغي أن يسرتسل يف وصف الشخصيات الرمزية من احليواانت وغريها حىت ينسى القارئ.
)1(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص-757 .752
)2(
– طه ندا: األدب املقارن، ،756 755 .
)3(
– حممد غنيمي هالل: األدب املقارن، ص-755 .765
- 129 -
ّن "احلكاية اخللقية على لسان احليوان ذات جزأين، ميكن تسمية أحدمها
يرى "الفونتني" أ
جسما واآلخر روحا. فا سم هو احلكاية، والروح هو املعىن اخللقي. ولذا حرص "الفونتني"
على توافر املتعة الفنية يف حكايته.
حرص "الفونتني" على تصوير الشخصيات حية قوية يف أدق صفا ها، املثرية للفكرة، وعلى
تطوير هذه الشخصيات على حسب احلدث.
ّن "الفونتني" أتثر مبن سبقوه ممن ألفوا يف هذا ا نس األديب من اليواننيني
وقد سبق أن ذكران أ
والالتينيني. كما أتثر كذلك ابألدب العريب يف "كليلة ودمنة" على حسب ترمجتها الفارسية. وأعظم
من برع يف هذه احلكاايت يف أدبنا احلديث، وجاري يف فنه "الفونتني"، هو "أمحد شوقي" الذي بلغ
هبذا ا نس يف أدبنا احلديث أقصى ما قدر له من كمال حىت اليوم.
-9 جنس الوقوف على األطالل:
يرى "حممد غنيمي هالل" أ ا ه مثل ّن "
ّ
لوقوف على األطالل" يلتحق ابألجناس الشعرية، غري أن
لألجناس األدبية الثانوية، وهي ذات طابع عاطفي يصعب حبثها يف نشأهتا وتطورها، ولكنها انتشرت
يف األدب العريب القدمي بدء ابلعصر ا اهلي، وبعده حني عمت احلضارة العربية األقطار األخرى،
فوقفوا على اآلاثر يف قصا دهم العربية، وخري من منثل به هلؤالء يف القدمي يف هذا اةال، "البحرتي"
يف وقوفه على إيوان كسرى ابملدا ن يف سينيته الشهرية، وحاكاه يف العصر احلديث "شوقي" حني نظم
)1( سينيته األندلسية الشهرية
.
ّ ه
أحلق غنيمي هالل هذا النوع من الكتاابت الشعرية ابألجناس األدبية اليت يدرسها اعتبارا من أن
خضع لظاهرة التطور حيث طور من الوقوف على األطالل إىل الوقوف على اآلاثر، وانتقل من
األدب العريب إىل الفارسي. وكان الوقوف على األطالل اتبعا للقصيدة الغنا ية كما هو شأنه يف
األدب الفارسي ولنا يف األدب الفارسي مثال يف الشاعر "منوجهري" املتوىف أواخر القرن اخلامس
اهليري، يف قصيدة من ديوانه ميدح فيها عظيما من عظماء عصره وفيها يبدأ ابلوقوف على األطالل،
مث يبكي حبيبته، ويصف راحلته كما هو شأن شعراء العرب.
كذلك أثر األدب العريب يف األدب الفارسي يف ظاهرة الوقوف على أطالل البالد بعد ختريبها يف
احلروب ويذكر يف هذا اةال أتثري احلريري يف مقاماته على لسان "أيب زيد السروجي". الذي بكى
على مدينته "سروج" اليت خرهبا الصليبيون، يف القاضي محيد الدين بلخي يف مقاماته الفارسية اليت
)1( وقف فيها على أطالل مدينته "بلخ" يبكيها بعدما خرهبا غزو "الغز""
.
ومن خالل الوقوف على هذه األجناس األدبية الشعرية، تظهر قيمة األدب العريب وأتثريه يف غريه
من اآلداب.