لخّصلي

يُنظر بشكلٍ عامّ إلى الجيوش والمجتمع المدنيّ على أنهما عنصران متضادّان فالأول يدمّر ويقتل وينتج المآسي، بينما الثاني أي العاملين في المجالات الاجتماعيّة والإنسانية، يقدمون أنفسهم على أنهم آداة البناء والسلام والتخفيف من الماّسي التي يسببها الأول. هذه العلاقة بقدر ما هي متناقضة تعكس في جوهرها ترابطًا قويًّا بين الإثنين، فساحة المعركة، لا تحوي العسكريين فقط، إنما المدنيين أيضًا الذين بإرادتهم أو بدونها يلعبون دورًا أساسيًا في الحرب ويعانون من آثارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
في لبنان، ومنذ نشوء أولى نواة الجيش اللبناني بتاريخ 26/1/1926 المتمثّلة بفوج القناصة، كان لوحداته علاقة متينة بالمجتمع المدني، ولعبت دورًا مهمًا في الإنماء الاجتماعي والإقتصادي . إلا أن هذا التعاونُ بين هذه الوحدات والشعب كان، يتمُّ بطريقة غير منظّمة وغير مدروسة وتقوم على ردّة الفعل وبدون خطة مسبقة. وفرضت الأزمات المتلاحقة في لبنان على الجيش الانتشار على الأراضي اللبنانية كافّة بهدف حفظ الأمن، بالإضافة إلى مهمّته الأساسيّة في الدفاع عن لبنان. هذا الانتشار فرض على وحدات الجيش، أنّ تتعامل مع المدنيّين في المجالات كافة، وتقدم يد العون لهم وحمايتهم في مختلف الظروف، والتخفيف قدر الإمكان، من وطأة الأزمات المُتراكمة وبالوسائل المتوافرة.
هذا ويقوم الجيش اللبناني بدرء الأخطار الداخلية الناتجة عن الصراعات التي تنشأ داخل المجتمع وتهدد وحدته. عبر تنمية الولاء الوطني ، ومكافحة التطرف. فيساهم في عملية التنشئة الوطنية والإجتماعية التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني (العائلة - المدرسة – الجمعيات)، والتي تطال شرائح كبيرة من المواطنين، والعسكريين الذين ينقلونها بدورهم الى المجتمع وعائلاتهم. ويستخدم الجيش قنوات عديدة لنقل هذه القيم والمبادىء الى المجتمع كوسائل الإعلام والعلاقات القائمة بين المجتمع العسكري والمجتمع المدني . فالمؤسسة العسكرية تؤمن مجالات الإختلاط والإلتقاء المباشر بين عدد كبير من المواطنين المنتمين الى فئات مختلفة، فيتلقون التنشئة الوطنية وينقلونها الى مجتمعهم عبر عائلاتهم . ويقوم الجيش اللبناني، إضافة الى حماية الوطن والحفاظ على سيادته وحريته، حماية الدستور وحماية الشرعية الدستورية من خلال الدفاع عن مؤسسات الدولة وحماية الصيغة المنبثقة عن إرادة الشعب والإلتزام بقرارات السلطة السياسية .
يشكل المجتمع بالنسبة للجيش المجال الحيوي والمدى الإنساني والوطني والإجتماعي، فالجيش يحتاج إلى الموارد البشرية التي ترفد صفوفه بالمقاتلين والفنيين والمهنيين، مما يتيح له الإحتكاك والتفاعل المتواصل مع المجتمع من خلال عمليات التطويع والتسريح والإستعانة بالإختصاصيين والإداريين والمتعهدين ومؤسسات القطاع العام والخاص التي تؤمن للجيش حاجاته المختلفة. وتشكّل عائلات العسكريين رابطًا بين الجيش والمجتمع، فالعسكريون لا يقطعون كلَ صلاتهم بذويهم وبالمجموعات الإجتماعية والمهنية والرياضية والدينية التي ينتمون اليها أساسًا. هذه المجالات التي سبق ذكرها ليست الوحيدة التي تتيح للجيش التفاعل مع المجتمع المدني، فالمهمات غير العسكرية التي يقوم بها الجيش، تفتح بدورها آفاقًا جديدة للتواصل والتعاون وتؤثّر على الموقع الذي يحتله في المجتمع.