لخّصلي

التي تُؤثر على مصالحهم، ومن خلال هذا سنعالج مفهوم الديمقراطية التشاركية ونشأتها و آلياتها، سيرها في مختلف المجالات، بالإضافة الى دورها في تعزيز مشاركة المجتمع المدني في صنع القرارات بشكل جماعي.
المطلب الأول: نشأة الديمقراطية التشاركية.
لقد تم الإجماع على أن بداية الديمقراطية كانت عند اليونان لكن هذا لا ينفي وجود إرهاصات لها عند المصريين القدماء والهنود، الصينيين والآشوريين في بلاد الرافدين، ومع ذلك فأي حديث عن الديمقراطية التشاركية لا بد من ارجاعه لدولة المدينة أثينا واسبرطا وغيرها من الدول اليونانية، فأصل كلمة ديمقراطية هوDEMOCRATOS.
الأول: DEMOS أي الشعب والثاني يعني السلطة وتعني حكم الشعب إذا هو المدلول السياسي للديمقراطية. وهذا يتوافق واستخدام الاغريق للكلمة حين قصدوا بها ممارسة السلطة بواسطة عامة الشعب .
ما ميز الديمقراطية في عهدها اليوناني أنها كانت ديمقراطية أقلية ممتازة يستفيد منها المواطنون الأصليون الأحرار دون باقي أفراد الشعب. تعني الديمقراطية مساهمة أكبر عدد ممكن من المواطنين في ممارسة السلطة، فهي السيادة الكاملة للشعب، وتعد الحرية والمساواة من أهم ركائزها وبالعودة إلى النظم المختلفة الليبرالية والماركسية نجد أن إحداها تولي الأولوية للحرية والأخرى توليها للمساواة ،وحسب الفكر السياسي والقانوني فإن محاولة تعريف الديمقراطية أمر صعب، ذلك لكون أن الديمقراطية فكرة متغيرة بتغير الثقافات وهو راجع أيضا لعدة أسباب منها مرونة فكرة الديمقراطية وقابليتها للتغيير وذلك بتغير الظروف والأوضاع في المجتمع؛ كذلك بسبب اختلاف دلالات ومفاهيم عناصر فكرة الديمقراطية من زمن لآخر ومن دولة لأخرى ضف إلى ذلك كون الديمقراطية بصفتها ايديولوجية مجسدة في مبادئ قواعد ومواثيق تختلف عن الديمقراطية بصفتها ممارسة سلوك وأخلاق .
وهنا تبرز روح المناقشة والحوار الهادف وتبادل الآراء البناءة، وهذه التجربة الناجحة تم الأخذ بها في المجال السياسي، وخاصة على المستوى المحلي، وذلك باشراك المواطن بصفة مباشرة وغير مباشرة، واقحامهم في مناقشة الشؤون والقضايا العامة والتحاور بخصوصها واتخاذ القرارات السياسية، ويرجع سبب الأخذ بهذا النموذج الجديد في ممارسة الديمقراطية إلى الانتقادات المتزايدة للنظام النيابي، والذي لم يعد يوفر للمواطنين المكانة اللائقة في الحياة السياسية سواء على المستوى المركزي أو اللامركزية، حيث توسع تطبيق هذه التجربة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وبلدان أمريكا اللاتينية خلال الستينيات.
خصوصا الأرجنتين والبرازيل، التي عرفت بها تجربة راقية في الديمقراطية التشاركية بمدينة مونتي اليغراMONTE ALEGRA؛ ثم شملت باقي البلدان الأوربية عموما كإنجلترا أين سميت بالديمقراطية التداولية، وكذلك في ألمانيا في مدينة برلين بحيث تعددت تسمياتها فهناك من يسميها الديمقراطية المحلية، والبعض الأخر يطلق عليها الديمقراطية المحلية التشاركية،أو الديمقراطية الحوارية .
لقد برزت أزمة سياسية في عدد من الدول التي تتبنى الديمقراطية النيابية اوروبا وامريكا اللاتنية، فقد أصبحت هذه الدول تعيش مشاكل سياسية واجتماعية نتيجة غياب حوار فعلي بين المواطنين وصانعي القرارات، ومما زاد الهوة بين الطرفين، وظهور الفساد بأوجه متعددة (سياسي، إداري وغيره)، مما أدى إلى ظهور ما يسمى اليوم بالديمقراطية التشاركية وإذا ما أردنا أن نقوم بإعطاء ملخص تاريخي حول ظهور الديمقراطية التشاركية على المستوى العالمي ومن خلالها يتم استخلاص الدروس يمكن العودة إلى التجارب التالية :

• في فرنسا والدول الأوربية: يمكن القول أن جذور الديمقراطية التشاركية تعود إلى عاملين أساسيين: يتمثل الأول في ظهور ما اصطلح عليه الصراعات الحضرية "الجديدة" nouveaux conflits urbains، في سنوات الستينات والسبعينات (1960-1970)، عبر تصاعد قوى معارضة لمشاريع التهيئة والتجديد الحضري وتنامي ظهور مسألة الضواحي هذا ما أدى إلى ميلاد أشكال متعددة للدمقراطية التشاركية، مثل Alma-Gare في Roubaix بظهور تدابير بشأن الديمقراطية الحضرية وفي Grenoble هذه التجارب عممت في فرنسا عبر سياسة المدينة La politique de la ville، سنوات الثمانينات. أما الثاني تنامي حالات تقنية القرارات السياسية، ليس فقط فيما يخص تهيئة الإقليم، والمحيط، أو التكنولوجيات الحديثة وبالموازاة مع هذه التوجهات التقنية، أصبح المواطن أكثر تعلما، أكثر تكوينا وأكثر رغبة في إعطاء كلمته حول رهانات مجتمعه الكبرى، فالمطالبة بالديمقراطية التشاركية هي استجابة لخطر عدم التواصل بين المواطن من جهة والمنتخب الذي أصبحت قراراته تقنية (كخبير أو حامل لمصالح).
  في بعض الدول النامية: لم يرتبط ظهور الديمقراطية التشاركية بغياب التواصل بين المواطن والمؤسسات العمومية، بقدر ما ارتبط بغياب أجهزة الدولة أو ما يسمى بالخدمة العمومية الفعلية.
  فالديمقراطية التشاركية اتصلت ببعض أشكال الاتفاق على تسيير الخدمات العمومية، وضمان أن السياسة والاستثمارات العمومية تستجيب لحاجات كل السكان، خاصة تلك الطبقات الفقيرة، وليست فقط استجابة للطبقات الاجتماعية الأكثر تميزا طرحت هذه المشكلة في دول أمريكا اللاتنية وكمثال على ذلك، خلق ما يسمى "الموازنة التشاركية"، في مدينة برتو ألاغرفي البرازيل Porto Alegrees ، وكان الهدف هو الحفاظ على درجة من السيادة ونوع من الشراكة ( بين السكان وبين الحكومية التقليدية).
  ومن المظاهر الدالة على أهمية المكانة التي أصبحت تتبوؤها الديمقراطية التشاركية هي إقدام الاتحاد الأوروبي على تأسيس المرصد الدولي للديمقراطية التشاركية، وهو عبارة عن شبكة متاحة للمدن والكيانات والجمعيات لتبادل الخبرات والتجارب حول الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي، حيث تم إنشاء هذه الشبكة في إطار برنامج للمفوضية الأوروبية وذلك خدمة للتعاون المركزي، وكان تأسيسها رسميا في نوفمبر 2001 أثناء المؤتمر السنوي الأول بمدينة برشلونة. كما أكد مؤتمر الاتحاد الأوروبي حول الديمقراطية التشاركية المنعقد بالعاصمة البلجيكية بروكسل يومي 08و 09 مارس 2004 على أن الديمقراطية الأوروبية في أزمة وهي حصيلة يتقاسمها الكل، وأن الديمقراطية التشاركية هي الحل للأزمة وقيمة مضافة للاتحاد الأوروبي ويجب على الديمقراطية التشاركية أن تضخ دما جديدا للديمقراطية التمثيلية والتنمية مع باقي الشركاء "