لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

الحمد لله الذي مأتم حمد إلا بحمده ، ولا عصيناك إلا بنعمتك ، ولا تیشرت لنا الأمور إلا بتلينك مصاعبها، والصلاة والسلام على رحمة الله المهداة ، ونعمته المسداة : محمد بن عبد الله ، فكل دارس للعلوم الإسلامية يعرف مكانة علوم السنة النبوية عند علماء المسلمين ، ومقدار الجهد المبذول في جمع السنة وتدوينها ، وما ألف فيه من ألوف المصنفات . وإن أيسر وأوضح ما يبين ضخامة تلك الجهود هو أن تراجع كتب فهارس كتب السنة القديمة والحديثة ، إن لم تكن أكبرها على الإطلاق . ضخامة الجهد المبذول في خدمة السنة النبوية لا يمكن أن يكون محل نقاش ؛ إلا عند من لا يعرف تلك الجهود جهلا منه بها ، أو من لا تفيده أدلة المشاهدة والعيان اليقينية يقينا ولا ظنا ، فأما معالجة عدم معرفة من لا يعرف تلك الجهود : فهو أن يعرفها بذلك الاطلاع الميسور الواضح . والمعاندين : فليس علاجا معرفيا ، وإنما هو علاج نفسي أو أخلاقي ! وقد يقول قائل : إن ضخامة الإنتاج وعظم الجهد المبذول لا يستلزم صحة المنهج ، وهذا القول بإجمالى له وجه صحيح . ولكننا نلفت النظر إلى ضخامة الجهود المبذولة في علوم السنة ، لنؤكد على أمر مهم ، كنت فيها حريصا على سعة الاطلاع عليها غاية الحرص، وتقييم لقدرتها على تحقيق أهدافها المحددة لها ، و فلسفة منطلقا معاييرها النقدية . ويعطي الدليل : على مدى صوابية نتائجها ، وعلى مقدار الثقة بصحة منهجها وعلمته ، ولذلك فقد وجد أن من أوجب الواجبات علي هو إبراز تلك الأسس العقلية التي تقوم عليها علوم السنة النبوية ، والذي يقوم على إثبات أن هناك وسيلة دقيقة ومنهجية علمية وصل إلى الثقة بصحة المرويات المنقولة عن النبي ، وأن هناك جزءا من المنقول عنه صحیح ثابت النسبة إليه ، الأول : أن فهم هذه الأسس هو الذي يعمق فهمها ، الثاني : أن ذلك الفهم الدقيق لقواعد النقد عند المحدثين ، والذي يعتمد على بيان الأسس العقلية لنقدهم : هو الدليل الذي يثبت علمية ذلك النقد ، يمكن الاعتماد عليه في تمييز صحيح المرويات من سقيمها ، وبغير إدراك تلك الأسس العقلية لن يتم التصور الصحيح عن منهج المحدثين النقدي ، بل ستكون بعيدة كل البعد عن المنطلق العلمي في الدرس وفي الخروج بالنتائج وإصدار الأحكام . وهذا هو ما حدا بي إلى القيام باستخراج الأسس العقلية لعلم نقد السنة النبوية ، وإلى محاولة تقريبها وتيسير فهم منطلقاته العلمية والمنهجية ، على وجه الاختصار ! وبحسب ما أظنه يفي بالغرض من هذا البحث ، ثم الحكم لها أو عليها بعد هذا الدرس بكل حيادية وموضوعية . فقد عزمت على دراسة علاقة قواعد قبول الخبر عند المحدثين بالقواعد العقلية لقبوله لنتبين : هل بينهما علاقة ما ؟ أو ليس بينهما أي علاقة ؟ أم لعل الأمر تجاوز وجود علاقة بينهما ، إلى تكون علوم الحديث مؤسسة أصلا على أس عقلية ، فلم تنطلق إلا وهي محكومة بلجام العقل العميق ، للتثبت منها : هل كانت مبنية على قواعد علمية صحيحة (وهي المنهجية الصحيحة) ، أم كانت مبنية على نظريات متفرقة لا تربط بينها علائ حقيقية (وهي اللامنهجية) = فإننا قد نسلك في سبيل هذا الفحص أحد طريقين : الأول : قد نتوجه إلى فحص الأدلة الخارجة عن القواعد النقدية ذاتها ، من نحو کون تلك القواعد متفقا عليها بين العلماء ، لكنه يتأثر كثيرا بالأدلة الخطابية ، لا بالنظر إليه نفسه ولا بالتعرف على ومن ذلك هاتان القصتان المتشابهتان : الأولى : لأبي حاتم الرازي مع أحد جلة أهل الرأي، خلاصتها أنه عرض على أبي حاتم أحاديث ، فميز أبو حاتم بينها بأحكامه المختلفة ، فأخبره أبو حاتم بأن هذا ليس كذلك ، دل ذلك على أن كلامهم بعلم، ثم قال أبو حاتم: « وكذلك نحن، ژزقنا علم لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب وهذا حديث منكر، ثم علق ابن أبي حاتم على هذا الخبر بقوله ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة» . تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (۳۰۱-۳۰۰) . والثانية : لأبي زرعة الرازي ، وقال له رجل : ما الحجة في تعليل الحديث ؟ قال : الحجة أن تسألني عن حديث له علة ، ثم تقصد محمد بن مسلم بن وارة ، ثم تقصد أبا حاتم ، فإن وجدت بيننا خلافا في علته : فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده ، وإن وجدت الكلمة متفقة : فاعلم حقيقة هذا العلم . لأنه يقوم على اعتماد استحالة توالي المصادفات الاعتباطية على شيء واحد، في تمييز الحكم العلمي المتقن الضوابط من الحكم المبني على التخرصات والضوابط غير المتقنة . والثاني : قد نتوجه إلى القواعد النقدية نفسها، غير أن صعوبة المنهج الثاني تكمن في أنه يوجب علما صحيحا وعميقا بالعلم المراد فحص قواعده النقدية ؛ لأن نقد القواعد يحتاج إلى معرفتها أولا : قاعدة . ثم نحتاج إلى محاكمة هذه الحكمة وفحص تلك الفلسفة مع بقية چگم بقية القواعد وفلسفتها ، وهل يشكل اجتماع تلك القواعد بناء نقديا مكتملا ، بلا ثغرات تقدح في صحة نتائجه كلها أو بعضها ، إن هذا المنهج العلمي لفحص قواعد النقد هو ما حرصت على السير عليه في هذا البحث ؛ لأقدم جوابا عن سؤال يقول : هل كانت قواعد نقد الحديث عند المحدثين قواعد منهجية صحيحة ؟ هل كانت مبنية على أشير عقلية متينة؟ لما كانت السنة النبوية عبارة عن أخبار مروية ، يتناقلها روائها جيلا بعد جيل ، وطبقة بعد طبقة = وجب أن يكون منهج التثبت لصحتها هو المنهج الذي يوجبه العقل للتثبت من الأخبار جميعها . ولذلك فلن تختلف السنة النبوية في منهج نقدها عن خبر من الأخبار ؛ وحينئذ لن يكون اختلاف منهج نقدها عن منهج نقد الخبر إلا في تفاصيل المنهج العقلي الكلي لنقد الأخبار ، ثم نوازن به منهج نقد المحدثين للسنة النبوية بعد ذلك . والمنهج العقلي للتثبت للأخبار يبدأ بتقرير ما يلي : بمجرد قبولهم الخبر من الأخبار فهو حكم منهم بأنه خبر موافق للواقع . والعكس بالعكس : فلا يرد العقلاء لمجرد رفضهم لقبول خبر من الأخبار فهو حكم منهم بأنه خبر مخالف للواقع. ورد الخبر هو : اعتقاد مخالفته للواقع . فإذا أراد العقل أن يقبل خبرا من الأخبار فعليه الحذر من أن لا يكون مخالفا للواقع ، فإذا تثبت من كونه غير مخالف للواقع ، وعندها فقط يقبله وما دام الخبر هو ما يتناقله الناس من الأقوال و يحكونه من الأفعال والقصص والحوادث ، فستكون أسباب كونه موافقا للواقع أو مخالفا له = هم الناس أنفسهم ، فهم من يجعلون خبر هم موافقا للواقع أو مخالفا له . فهو قول قد قيل أو حادث قد وقع ، أو قول ما قيل وحادث لم يقع ، والناس الذين تناقلوا الخبر هم من جعلوا خبرهم هذا موافقا لذلك الماضي أو مخالفا له . و كان فعله لذلك كله عن غير قصير ولا تعمد، و(الخطأ) : هذان هما السببان العقليان الوحيدان مخالفة الخبر للواقع ، ولذلك فهما السببان العقليان الوحيدان لرد الخبر وعدم قبوله . فسيكون أي خلل في تحقق هذه النجاة سيبا في الوقوع في فخ الخبر المخالف للواقع ، وسيترتب على ذلك من المفاسد بقدر أهمية ذلك الخبر ، وبقدر ما سينتج عن اعتقاد صحته من اعتقادات أو أقوال أو أفعال . فستكون أي زيادة على الشرط الذي يحقق تلك النجاة - بإضافة أمر سوى الكذب) و(الخطأ) لما تشترط النجاة منه - سيبا في رد أخبار تستوجب القبول ، وسيترتب على ذلك من المفاسد قريث ما يترتب على قبول ما يستوجب الرد، وبالقدر المختلف نفسه ، وبأسباب اختلافه عينها . وبذلك يمكن أن نقسم الخبر قسمة عقلية حاصرة من جهة تحقق نجاته من أفتي مخالفته للواقع (الكذب) و(الخطأ) إلى قسمين : والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك . وهذا القسم الثاني (وهو : ما لم تقم له براهين تدل على ذلك) ينقسم أيضا إلى قسمين ، بناء على القسمة العقلية الحاصرة القطعية أيضا : الأول : ما قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما . والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك ، فلا هناك ما يدل على نجاته من الكذب والخطأ، ولا ما تدل على وقوعه في شيء من ذلك(۱). 1) في هذه القسمة العقلية لسنا محتاجين للاستدلال لها إلا بالعقل ، حيث قال : «الأخبار : منها ما يعلم فالأخبار من جهة تحقق نجاتها من آفة الأخبار (الكذب) و(الخطأ) وعدم تحقق نجاتها منهما ، الأول : الخبر الذي قامت البراهين الدالة على أنه قد نجا من (الكذب) و(الخطأ) : والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك . وهذا القسم الثاني (وهو : ما لم تقم له براهين تدل على ذلك) ينقسم أيضا إلى قسمين ، بناء على القسمة العقلية الحاصرة القطعية أيضا : الأول : ما قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما . والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك ، فلا هناك ما يدل على نجاته من الكذب والخطأ، وبذلك تصبح الأقسام (في الحقيقة) ثلاثة ، هي : الأول : الخبر الذي قامت البراهين دالة على أنه قد نجا من (الكذب) و(الخطأ) : وهو الخبر المقبول بلا شك . الثاني : الخبر الذي قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما : وهو الخبر المردود بلا شك . هذا كله هو التقرير العقلي الشرف لقبول الأخبار ، يوافق ما تستوجبه ضرورة العقل البشري . فأي منهج لقبول الأخبار يخالف هذا المنهج فإنه سيكون منها غير عقلي ، وبالتالي : فسیرفضه العقل تماما ، فالسؤال الذي يجب أن يجيب عنه هذا البحث إذن ، ينحصر في السؤال المحوري التالي : هل سار المحدثون في طريقة قبولهم للأخبار النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم على هذا المنهج العقلي ؟ أم كانت طريقهم مخالفة لهذا المنهج ؟ فإن كانت طريقة المحدثين في نقد السنة قد سارت على هذا المنهج العقلي فسيكون هذا دليلا على وضوح هذا المنهج العقلي عندهم ، وهذا كله هو ما سوف نجيب عنه في الفصل اللاحق (بإذن الله تعالى) : أي إنهم اعتبروا شروط الحديث الصحيح هي میزان معرفة موافقة ذلك الحديث للواقع ، فالحديث الذي تحققت فيه تلك الشروط فهو الحديث الموافق للواقع ، والحديث الذي لم تتحقق فيه تلك الشروط فهو الحديث الذي لا يحكم له بموافقة الواقع ، وهو الحديث المردود (بأقسام الرد المعروفة عند المحدثين). والخطأ (الإخبار بخلاف الواقع بغير عمد) . إلا أن تثبت سلامة من الكذب والخطأ كليهما . فهل نقصت شروط المحدثين عن تحقيق هذا الشرط العقلي ؟ أو زادت عليه ؟ هذا ما لن يتبين إلا إذا درسنا تلك الشروط ، شروط المحدثين للحديث الصحيح خمسة شروط ، وهي الشروط التالية : من الطرق التي يمكن أن تحقق للراوي حسين أدائه الحديث لمن يأخذه عنه . وهما : (الكذب)، و(الخطأ) . فإن ذلك يدل على صحة المنهج الذي أل عليه هذه الشروط ، وأنها شروط مبنية على منهجية علمية دقيقة : يوجبها العقل ، و تقتضيها الدراسة العلمية الموضوعية . وإن ثبت أن بعض هذه الشروط أو كلها لا علاقة له بتحقيق السلامة من آفات الأخبار : بأن كانت شروطا تقصر عن تحقيقها ، وليست مبنية على دراسة علمية موضوعي وسنجعل بیان علاقة هذه الشروط الخمسة أفتي الأخبار (الكذب ، والخطأ) مباحث خمسة ، نتناول في كل مبحث منها شرطا من شروط الحديث الصحيح ، اكتمال دراستها (شرطا شرطا) يمكننا الخروج بالنتيجة ، وهي: هل كانت هذه الشروط شروطا عقلية : (يوجبها العقل) منهجية : (يوجبها العلم) ؟ أم ليست كذلك المبحث الأول : علاقة شرط (العدالة) بشرط السلامة من آفات الأخبار : وهي بعبارة مختصرة : متانة الديانة ، التي يكون لها في قلب المتصف بها وازع يمنعه من ارتكاب ما يخالفها ، من كبائر الذنوب وما يلتحق بها من صغائرها(۲)= فإننا سنعرف علاقة اشتراطها أفتي الأخبار ؛ حيث إن الاتصاف بالكذب عموما(3) والتجرؤ على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا مما ينافيان هذه العدالة الدينية منافاة قاطعة ؛ لأنهما من كبائر الذنوب. وأنهم لذلك اشترطوا هذا الشرط : لأجل السلامة من الكذب إذن في اشتراط العدالة يقتضيه العقل للسلامة من تعمد الراوي للكذب ، وبذلك يتبين أن المحدثين كانوا حريصين على انتفاء الكذب عن الرواية ، فإن قيل : هل يكفي أن لا يعرف الراوي بالكذب لكي يحكم على إخباره بأنه صدق لم يكذب فيه ؟ ألا يمكن أن يكذب في خبر واحد؟ أولا : ينبغي أن نعترف في البداية أن المحدثين كانوا منتبهين لضرورة التحرز من الكذب ، اشتراطهم أن لا يكون الراوي كذابا ، ثم يحق لنا بعد ذلك أن نناقش وسائلهم للتحرز من الكذب : هل كانت وسائل تحقق غايتها بإتقان ؟ أم كانت وسائل لا تحقق تلك الغاية ؟ ولن يعين على فهمه . ثانيا : مع أن اشتراط عدم اتصاف الراوي بالكذب قد يوهم أنه شرط كاف في سياق التحرز الكذب ؛ واشترطوا فوق هذا الشرط شرطا أعم وأشمل منه ، وهو العدالة الدينية (كما سبق) . لا يقوم به اشتراط عدم معرفتنا الراوي بالكذب . وماداموا يطلبون هذا الشرط الإضافي ، فهذا يدل على علمهم بأن اشتراط عدم معرفتنا الراوي بالكذب شرط غير كاف للتحرز من وقوعه في الكذب . ولا يتحقق الاحتراز من الكذب إلا بها . وبعبارة أخرى : مادام المحدثون غير غافلين عن أن اتصاف الراوي بالصدق (بمعنی عدم اشتهاره بالكذب أو بعدم افتضاحه به ) لا ينفي أن يحمله طمع أو منفعة ما على أن يكذب مرة أو مرات قليلة ، الذي يمنع المتصف بها من الكذب على النبي تحت ضغط أي إغراء أو مصلحة ، ولو كان آمنا من الافتضاح بالكذب ، لأن العدل لا يكون عدلا حت كان آمنا من الافتضاح بالكذب ؛ ولا يكون عدلا حتى تكون فضيحة الآخرة وعقوبتها عنده أشد من فضيحة الدنيا وعقوبتها . فلها من نفسها أشد رقيب على نفسها . إلا في تعجيل هلاك من خالف وازعه المادي غالبا ، من الذين يفكرون في العواقب ، إذن : والعدالة : إيمان وقناعة راسخة لدى المتحلي بها تمنعه من الكذب على رسول الله ، حتى لو كان مبدأ باطلا ، وأن الوفاء للمبادئ قد يصل إلى حد فدائها بالنفس والمال والأهل : موئا وبذلا وتقديما(۱) . ولو نظرنا في أصحاب المبادئ الدينية المختلفة وغير الدينية ، وفي قصص دفاعهم عنها ، ومشاهد حفاظهم عليها ، مما حفظه لنا التاريخ القريب والبعيد = لعلمنا أن الإيمان بالمبدأ هو المحرك الأقوى والحاكم الأكبر على نظرة الإنسان للأشياء وعلى قراراته وعلى تصرفاته وأفعاله . ولذلك فلا نستغرب أن يكون للعدالة الدينية هذا الأثر على نفس صاحبها ، ما دام أن الكذب عليه ينقض هذه العدالة ولا يجتمع معها في النفس في وقت واحد. فإذا كنا نتكلم عن الدين الحق ، ولا عرفت البشرية مثله (ولا قريبا منه في قوة الأدلة العقلية الملجئة إلى الإيمان فكيف سيصل اثر الايمان به في نفوس المؤمنين ؟! فلا يخلو وهو باستمراره للفسق لن يخفى أمژه فكيف يخفى على المقربين منه من عدول أهله وأصحابه ؟! الذين تلزمهم عدالتهم بالإفصاح عن حاله والإخبار عن جراحية) ، فحص أئمة النقد عن حاله والتحري في شأنه) . فإذا عرف بعدم العدالة وافضح بالفسق ، حتى في حال استمراره الفسوق ، - وإما أن يعاجل التوبة والإنابة ، ويسارع في العود إلى العدالة ، هذه من الكذب على النبي ؛ إلا إذا صرح بذبته وتبرأ منها ، وصحح النقل عنه ببيان ما تترد فيه . كما لم يلتبس حاله بأهل العدالة بعد أن غرف بكذبة واحدة على النبي ، أو بالعلم بكذبه بإعلانه هو به ؛ ولا يصح الاعتراض على منهجية وعقلانية هذا الشرط ؛ منها : وانظر في هذه المسألة : الكفاية للخطيب (۱/ ۳۶۲-۳۰۷) ، وفتح المغيث للسخاوي (۲/ ۲۳۰ -

وإلى سؤاله عمن يشهد على صحة سماعه ممن روى عنه ، وإلى إلزامه بإخراج الأصل المكتوب والتأكد من صحته ، ولكثرة النقاد والمتحرين في أحوال النقلة ، وتوالي اجتهاداتهم وتتابع بحوثهم حول الراوي المعين نفسه من الرواة ، فلا وفي الأموال التي الأصل فيها الحرمة) أخا وإعطاء ، وفي مختلف أنواع النزاعات فصلا وإصلاحها . وما زال عقلاء الناس يرون هذا الاحتكام حافظا للحقوق ، محققا للعدالة، رغم ما يكتنفه من احتمالات ضئيلة للخطأ . هذا . فما دامت العقول قد أقرت بمنهج قبول شهادة الصادقين في تحقيق العدالة والفصل بين المتخاصمين ، وأقرت بمنهج تمييزهم عن غيرهم من الشهود الذين لا تقبل شهادتهم ، فليس في منهج قبول الرواة ما يستحق الرفض ؛ وهي الشهادة التي يحتكم إليها العقلاء جميعهم من جميع الأديان والأعراق وفي جميع الأزمان قدیمها والحديث !! بل شرط العدالة أدق وأقوى في تحقيق تلك الطمأنينة ، كما سبق بيانه . كما هو حال عقلاء بني آدم جميعهم ، لزمه (من باب لو بقي احتمال خفاء كذب الراوي على أهل الحديث في حديث واحد، فلا يقبل انفراد العدل مطلقا ، حتى من أهل الصلاح"، أحد، حتى أهل العلم الكبار والأئمة الأعلام) ، الذي إن لم يقم دليل أو قرينة على تعمد الكذب فيه ، كان ذلك سبا لرد الحديث الخطأ غير المتعمد ؛ وفق ضوابط دقيقة). وانظر كيف يفتضح الراوي عندهم بحديث واحد بعد أن كان متسترا بالصلاح والتصوير في الرواية : فقد سئل ابن معين عن العباس بن الفضل الواقفي ، ثم قال : «وضع حديثا لهارون الرشيد في الأمراء . لم يكن به بأس ، (ثم قال يحيى بن معين :) ولو أن رجلا يهم في الحديث بكذب حرف : هتك الله ستره») . وسيعلم بانفراده به ، ولن يقبل من راوية بسسب ذلك حتى جاء سؤاله هكذا بلا صيغة استفهام عنها ، فجاء سؤاله سؤال المتعجل في التحذير من ذلك الخطر العظيم المحدق ، لا يجد وقتا في تطويل السؤال عنه ، كما لا يؤثر إيلام نفسه بتطويل الحديث عن هذا المصاب الجلل ؛ ليكون هذا الجواب الهادئ أفضل جواب ، بل أفضل دواء لتلك النفسية المنزعجة ، التي أخرجت ذلك السؤال مستصرخ المخدر ، فقد حدث أبو إبراهيم الترجماني إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي (ت ۲۳۶ ه) ، فأمر بضرب عنقه ، فقال له الزنديق : لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين ؟! قال :أريح العباد منك ، قال : فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال : فأين أنت - يا عدو الله - من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينځلانها فيخرج منها حرفا حرفا)) . وقال ابن معين لرجل من أهل الحديث : «لولا الجهابذة لكثير الشوقة) واليوفي في رواية الشريعة . فهل ما سمعت ، ولذلك لما ادعى أحد الجهلة بالسنة وعلومها أنه قد أدخل الزنادقة على المحدثين ألوف الأحاديث المكذوبة ، فتد الإمام الدارمي (ت ۲۸۰ه) دعواه هذه ، دلسوا على المحدثين ؟! فدونك أيها الناقد البصير الفارس النحرير ! فوجدنا منها اثني عشر حديثا ؛ فلم تهجن العلم والدين في أعين الجهال بخرافاتك هذه ؟!! »۲) . ولا تبديل إسنا مكان إسنا ، وتقديم كلمة من تأخيرها ، ويصون عليهم أغلاطهم ومدرساتهم ، وتزري بهم من أعين من حواليك من السفهاء ، فدونك أيها المعارض : فوجدنا عشرة أحاديث دلسوا على أهل العلم ، كما أوجدنا مما دلسوا على إمامك المريسي ، أو جرب أنت فدلس عليهم منها عشرة ، حتى تراهم كيف يردونها في وكيف دلس الزنادقة على أهل الحديث اثني عشر ألفا ؟! ولم يبلغ ماژوي عن رسول الله وأصحابه اثني عشر ألف حديث ، بغیر تکرار (إن شاء الله) ؛ إذن رواياتهم كلها من وضع الزنادقة في دعواك !) . لا تظنون أن أحدا يقدر يكذب على رسول الله به وأنا حي. ولئن كان الإمام الدارقطني يعتز بمقدرته الفائقة على حماية السنة من الكذب ، فقد كان غيژه يشهد الناس له بذلك ، حيث جاء من بغداد للحج، وودي على نعشه : «هذه جنازة يحيى بن معين : الذاتي الكذب عن رسول الله » ) . وأنا لا أحتج بهذه العبارات ؛ إلا لإثبات أن التحرر من الكذب كان أظهر ما اعتني به المحدثون ، إلا فيما اعتقده من الهوى ، ولا يعمل به . ولا تقبل شهادة لنفسه ، ولا لابنه ، ولا فيما جر إليه نفعا ، لأن نفسه ثريه أن الحق فيما اعتقده ، وكذلك أصحاب الحديث فيما انتحلوا، فمن أين علموا علما يقينا أنهم على الحق ؟! قيل لهم : إن أهل المقالات (وإن اختلفوا ، ورأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه) فإنهم مجمعون لا يختلفون على أن : من اعتصم بكتاب الله عز وجل ، واستفتح باب الرشد، وليس يدفع أصحاب الحديث عن ذلك ؛ إلا ظالم ؛ ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين ، على ما أعلمتك . وأما المتناقض : فنحن ماخبروك بالمخارج منه ، ومنبهوك على ما تأځر عنه علمك ، وبالله الثقة وهو المستعان»(۲) . وأن اقتصارها في علمهم على الحفظ فهو من وجه آخر شهادة تزكية لهم ونقلهم ! فنقص فهمهم ، إلا ما يستنبطه لهم الفقهاء من مروياتهم !! (2) تأويل مختلف مع علمه بتوثيق الأئمة وثنائهم الكبير في ابن إسحاق ؛ مما يدل على أنه يقصد بهذا الإجماع : أن من أثنى عليه إنما قبله إذا لم يش بحكم من الأحكام . وقد ذكر الخطيب نفسه شيئا كثيرا منه في ترجمته الواسعة لابن إسحاق (۲) .


النص الأصلي

المقدمة
الحمد لله الذي مأتم حمد إلا بحمده ، فما حمدناك ربنا إلا بمحامدك ، ولا عرفناك إلا بدلائلك ، ولا أحببناك إلا بتحبك ، ولا أطعناك إلا بيتك ، ولا عصيناك إلا بنعمتك ، ولا تیشرت لنا الأمور إلا بتلينك مصاعبها، ولا بلغت الغايات إلا بتدليلك مناكبها .
فلك الحمد كله ، ولك المجد، لا إله إلا أنت .
والصلاة والسلام على رحمة الله المهداة ، ونعمته المسداة : محمد بن عبد الله ، وعلى ذريته وأزواجه ومن اهتدى بهداه ، ما سجدت لله الجباه ، وما تلذذت بتسبيحه الشفاه .
أما بعد :
فكل دارس للعلوم الإسلامية يعرف مكانة علوم السنة النبوية عند علماء المسلمين ، ومقدار الجهد المبذول في جمع السنة وتدوينها ، وفي نقد رواياتها و تمحيصها ، وما نشأ الخدمة ذلك من علوم ، وما ألف فيه من ألوف المصنفات .
وإن أيسر وأوضح ما يبين ضخامة تلك الجهود هو أن تراجع كتب فهارس كتب السنة القديمة والحديثة ، وأن تنظر مسار أسماء مصنفات علوم السنة ، في مختلف فروعها و متشعبات فنونها ، وهي مسارد كثيرة : المطبوع منها في كتب ، أو الموجودة في فهارس المكتبات العامة التي لها عناية بالتراث العربي والإسلامي = ليجد فيها الباحث مكتبة ضخمة جدا ، هي من أكبر مكتبات العلوم ، إن لم تكن أكبرها على الإطلاق .
ضخامة الجهد المبذول في خدمة السنة النبوية لا يمكن أن يكون محل نقاش ؛ إلا عند من لا يعرف تلك الجهود جهلا منه بها ، أو من لا تفيده أدلة المشاهدة والعيان اليقينية يقينا ولا ظنا ، من مرضى الشك ومن المعاندين المستكبرين . فأما معالجة عدم معرفة من لا يعرف تلك الجهود : فهو أن يعرفها بذلك الاطلاع الميسور الواضح . وأما معالجة الشكاك
والمعاندين : فليس علاجا معرفيا ، وإنما هو علاج نفسي أو أخلاقي !
وقد يقول قائل : إن ضخامة الإنتاج وعظم الجهد المبذول لا يستلزم صحة المنهج ، ولا يستلزم صوابية النتائج ، ولا يستلزم تحقيق الأهداف المرجوة من ذلك الجهد . وهذا القول بإجمالى له وجه صحيح .. بلا شك ، ولكننا نلفت النظر إلى ضخامة الجهود المبذولة في علوم السنة ، لنؤكد على أمر مهم ، وهو أن دراسة تلك الجهود ، والحديث عن صحتها وعن صوابية نتائجها وعن تحقيقها لأهدافها (نفيا أو إثباتا) ليس أمرا سهلا ، ولا ميسورا لكل أحد، ولا يمكن أن يتم بمرور عاجل ووقفة قصيرة أو طويلة لا وفي ذلك الجهد حقه العلمي من الاطلاع والفهم والتحليل والنقد الموضوعي ، والذي لن يتم بمرور عابر على نزر يسير منه ، ولا بفهم كليل التقرير انه ، ولا تحليل سطحي لقواعده ، ولا بنق يضع النتيجةقبل البحث .. كما نشاهده كثيرا للأسف الشديد في بعض الأطروحات القديمة والمعاصرة.
ولذلك فقد جاء هذا البحث بعدما يزيد على ثلاثين سنة من البحث الجاد والتخصص الدقيق في علوم السنة المشرفة ، كنت فيها حريصا على سعة الاطلاع عليها غاية الحرص، اطلاعا على نتاجها النظري والتطبيقي ، مدققا في فهمه ، متعمقا في درسه و تحليله ، منتقدا وفحص بأشد ما أستطيعه من الفحص والتمحيص وطول التفكر وحيادية النظر = حتى خرج بطمأنينة كاملة إلى نتائج مهمة حول علوم السنة ، وتقييم لقدرتها على تحقيق أهدافها المحددة لها ، واتضحت لي الأسس العقلية لتلك العلوم ، وقواعدها الفكرية ، و فلسفة منطلقا معاييرها النقدية . وعلمت أن هذا هو ما كان ينقض إبراژه ، وهو ما كانت علوم السنة محتاجة أشد الاحتياج إليه ، لكي يعمق فهمها أولا ، ويتم تطبيقها (عند دارسيها المتخصصين فيها) ثانيا ، ويعطي الدليل : على مدى صوابية نتائجها ، وعلى مقدار الثقة بصحة منهجها وعلمته ، وعلى حدود دقة معاييرها النقدية ..
ولذلك فقد وجد أن من أوجب الواجبات علي هو إبراز تلك الأسس العقلية التي تقوم عليها علوم السنة النبوية ، خاصة في جانبها النقدي ، والذي يقوم على إثبات أن هناك وسيلة دقيقة ومنهجية علمية وصل إلى الثقة بصحة المرويات المنقولة عن النبي ، وأن هناك جزءا من المنقول عنه صحیح ثابت النسبة إليه ، ويمكن تمييزه وفصله عن ضده : من المنقولات الموهومة عنه ، أو المكذوبة عليه .
وأعود وأقول : لقد أصبح إبراز تلك الأسس العقلية لعلم النقد الحديثي من أهم المهمات وأوجب الواجبات ؛ لأنه هو الذي يحقق ثلاثة أهداف في غاية الأهمية للسنة وعلومها :
الأول : أن فهم هذه الأسس هو الذي يعمق فهمها ، ووصل إلى معرفة مقاصد قواعدها، وينيط تلك القواعد عللها وأسبابها ؛ مما يجعل دارسها يتجاوز مجرد حفظها وتلقنها إلى فقهها وفهم منطلقاتها العقلية .
الثاني : أن ذلك الفهم الدقيق لقواعد النقد عند المحدثين ، الذي يصل حد إدراك عللها ومقاصدها ومنطلقاتها العقلية ، هو الشيء الوحيد الذي سوف يجعل النقد الحديثي نقدا منها
، لا يتناقض ، ولا يعارض منطلقاته العلمية الحقيقية . وبغير هذا الفهم يحصل ما نشاهده لدى كثير من المتسولين على نقد السنة من وقوعهم في كثير من الأغلاط والتناقضات ، التي كان لها أكبر الأثر في تشويه صورة هذا العلم ، بعد أن كان لها أكبر الأثر في سوء نتائج أحكامه الجزئية : بالتصحيح والتضعيف ، أو في تعليل سبب الصحة أو الضعف .
الثالث : أن ذلك الفقه العميق لطريقة المحدثين النقدية ، والذي يعتمد على بيان الأسس العقلية لنقدهم : هو الدليل الذي يثبت علمية ذلك النقد ، وهو الذي يوضح متانة ذلك المنهج ، وأنه منهج علمي مطر حیادی موضوعي ، يمكن الاعتماد عليه في تمييز صحيح المرويات من سقيمها ، أو أنه ليس كذلك . وبغير إدراك تلك الأسس العقلية لن يتم التصور الصحيح عن منهج المحدثين النقدي ، بل سيكون التصور عنه مجرد انطباعات
نفسية ، تخضع كثيرا للعاطفة والقناعات السابقة والأفكار النمطية التي لا تعتمد على الدرس العلمي والنظر الموضوعي ، وإنما تنطلق في أحكامها من تصورات لا تعتمد على دليل ، أجنبية عن الإنصاف والحيادية ، بل ستكون بعيدة كل البعد عن المنطلق العلمي في الدرس وفي الخروج بالنتائج وإصدار الأحكام .
وهذا هو ما حدا بي إلى القيام باستخراج الأسس العقلية لعلم نقد السنة النبوية ، وإلى محاولة تقريبها وتيسير فهم منطلقاته العلمية والمنهجية ، على وجه الاختصار ! وبحسب ما أظنه يفي بالغرض من هذا البحث ، وهو : إعادة النظر في طريقة دراسة علوم الحديث على أساس عقلي ، كما كانت قد نشأت عليه أصلا في عصور ازدهارها . ثم الحكم لها أو عليها بعد هذا الدرس بكل حيادية وموضوعية .
فقد عزمت على دراسة علاقة قواعد قبول الخبر عند المحدثين بالقواعد العقلية لقبوله لنتبين : هل بينهما علاقة ما ؟ أو ليس بينهما أي علاقة ؟ أم لعل الأمر تجاوز وجود علاقة بينهما ، إلى تكون علوم الحديث مؤسسة أصلا على أس عقلية ، فلم تنطلق إلا وهي محكومة بلجام العقل العميق ، ولا حققت غايتها إلا في مضمار الفكر الدقيق .
ولكننا إذا أردنا أن نفحص قواعد نقدية ما، في أي علم من العلوم ، و في أي زمن من الأزمان ، للتثبت منها : هل كانت مبنية على قواعد علمية صحيحة (وهي المنهجية الصحيحة) ، أم كانت مبنية على نظريات متفرقة لا تربط بينها علائ حقيقية (وهي اللامنهجية) = فإننا قد نسلك في سبيل هذا الفحص أحد طريقين :
الأول : قد نتوجه إلى فحص الأدلة الخارجة عن القواعد النقدية ذاتها ، من نحو کون تلك القواعد متفقا عليها بين العلماء ، أو مختلفا فيها . وهذا النوع من الفحص الخارجي نافع ولا شك ، لكنه يتأثر كثيرا بالأدلة الخطابية ، وتكثر عليه الاعتراضات ؛ لأنه تعرف على شيء من خلال شيء آخر ، كمن يعرف الشيء بآثاره ، لا بالنظر إليه نفسه ولا بالتعرف على
ومن ذلك هاتان القصتان المتشابهتان : الأولى : لأبي حاتم الرازي مع أحد جلة أهل الرأي، خلاصتها أنه عرض على أبي حاتم أحاديث ، فميز أبو حاتم بينها بأحكامه المختلفة ، فعجب الرجل من ذلك ، ورآه من دعوى علم الغيب . فأخبره أبو حاتم بأن هذا ليس كذلك ، وإنما هو علم أوتوه . وطلب منه أن يسأل غيره من أهل النقد ، فإن اتفقا ، دل ذلك على أن كلامهم بعلم، لا بمجازفة. ففعل ذلك الرجل هذا ، واتفقت أحكام الناقد الآخر (وهو أبو زرعة) ، فعجب ذلك الرجل من ذلك غاية العجب . فضرب له أبو حاتم مثلا لذلك بالصيرفي والجوهري ، ذلك المثل الذي ذكره المحدثون دائما لمن كان جاهلا بعلمهم ، ثم قال أبو حاتم: « وكذلك نحن، ژزقنا علم لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب وهذا حديث منكر، إلا بما نعرفه ». ثم علق ابن أبي حاتم على هذا الخبر بقوله ، ضمن کلام له: « ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه ، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة» . تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (۳۰۱-۳۰۰) . والثانية : لأبي زرعة الرازي ، وقال له رجل : ما الحجة في تعليل الحديث ؟ قال : الحجة أن تسألني عن حديث له علة ، فأذكر علته ، ثم تقصد محمد بن مسلم بن وارة ، فتسأله عنه ، ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه ، فيذكر علته ، ثم تقصد أبا حاتم ، في علله ، ثم تمیز کلامنا على ذلك . فإن وجدت بيننا خلافا في علته : فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده ، وإن وجدت الكلمة متفقة : فاعلم حقيقة هذا العلم . قال : ففعل الرجل ذلك ، فاتفقت كلمتهم عليه ، فقال : أشهد أن هذا العلم إلهام» . المدخل للبيهقي - تحقيق : محمد عوامة - (رقم 585) ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب (رقم ۱۷۷۷)، الفوائد المستغربة لابن بشکوال (رقم443). وهذا منهج اختباري علمي للتثبت من صحة منهج المحدثين ؛ لأنه يقوم على اعتماد استحالة توالي المصادفات الاعتباطية على شيء واحد، في تمييز الحكم العلمي المتقن الضوابط من الحكم المبني على التخرصات والضوابط غير المتقنة .


والثاني : قد نتوجه إلى القواعد النقدية نفسها، لفحصها من داخل العلم نفسه . وهذه هي الطريقة الأقوى والأصح في فحص القواعد النقدية ، لمعرفة متانة منهجها النقدي من عدم متانته ؛ لأنها تعرف عليها من داخلها ، و فحصها هي ، لا من خلال آثارها ولا الدلائل الخارجية .
غير أن صعوبة المنهج الثاني تكمن في أنه يوجب علما صحيحا وعميقا بالعلم المراد فحص قواعده النقدية ؛ لأن نقد القواعد يحتاج إلى معرفتها أولا : قاعدة .. قاعدة ، دون جهل ولا نسياني شيء منها ، ثم علينا معرفة حكمة (وفلسفة) كل قاعدة منها ، وأن تحدد منطلقها العلمي الذي يبي السبب العلمي الذي قدها ، ثم نحتاج إلى محاكمة هذه الحكمة وفحص تلك الفلسفة مع بقية چگم بقية القواعد وفلسفتها ، لنختبر صدقها في تحقيق هدفها النهائي ، وهل يشكل اجتماع تلك القواعد بناء نقديا مكتملا ، بلا ثغرات تقدح في صحة نتائجه كلها أو بعضها ، أم هو بخلاف ذلك .
إن هذا المنهج العلمي لفحص قواعد النقد هو ما حرصت على السير عليه في هذا البحث ؛ لأقدم جوابا عن سؤال يقول :
هل كانت قواعد نقد الحديث عند المحدثين قواعد منهجية صحيحة ؟ هل كانت مبنية على أشير عقلية متينة؟
الفصل الأول : السبب العقلي لرد الخبر .
لما كانت السنة النبوية عبارة عن أخبار مروية ، يتناقلها روائها جيلا بعد جيل ، وطبقة بعد طبقة = وجب أن يكون منهج التثبت لصحتها هو المنهج الذي يوجبه العقل للتثبت من الأخبار جميعها . ولذلك فلن تختلف السنة النبوية في منهج نقدها عن خبر من الأخبار ؛ إلا إذا اختلفت عنه في طريقة النقل أو في أهمية الخبر ، وحينئذ لن يكون اختلاف منهج نقدها عن منهج نقد الخبر إلا في تفاصيل المنهج العقلي الكلي لنقد الأخبار ، لا في أصل هذا المنهج .
وقبل الخوض في تفاصيل ذلك ، وجب أن نتحدث عن منهج العقل في نقد أي خبر من الأخبار التي يسمعها الإنسان ؛ لنقرر هذا المنهج العقلي أولا بوضوح ، ثم نوازن به منهج نقد المحدثين للسنة النبوية بعد ذلك .
والمنهج العقلي للتثبت للأخبار يبدأ بتقرير ما يلي :
أن الخبر لا يقبله العقلاء إلا إذا كانوا معتقدين أنه خبر موافق للواقع ، بمجرد قبولهم الخبر من الأخبار فهو حكم منهم بأنه خبر موافق للواقع . والعكس بالعكس : فلا يرد العقلاء
خبرا إلا إذا كانوا معتقدين أنه خبر مخالف للواقع ، لمجرد رفضهم لقبول خبر من الأخبار فهو حكم منهم بأنه خبر مخالف للواقع.
قبول الخبر إذن هو : اعتقاد موافقته للواقع ، ورد الخبر هو : اعتقاد مخالفته للواقع . هذه هي حقيقة القبول والرد للأخبار ، بكل وضوح وسهولة .
فإذا أراد العقل أن يقبل خبرا من الأخبار فعليه الحذر من أن لا يكون مخالفا للواقع ، فإذا تثبت من كونه غير مخالف للواقع ، فقد ثبت أنه خبر موافق للواقع ؛ وعندها فقط يقبله
العقل دون تردد .
وما دام الخبر هو ما يتناقله الناس من الأقوال و يحكونه من الأفعال والقصص والحوادث ، فستكون أسباب كونه موافقا للواقع أو مخالفا له = هم الناس أنفسهم ، فهم من يجعلون خبر هم موافقا للواقع أو مخالفا له . وليس للواقع الماضي (الذي أصبح خبرا) علاقة في ذلك ، فهو قول قد قيل أو حادث قد وقع ، أو قول ما قيل وحادث لم يقع ، والناس الذين تناقلوا الخبر هم من جعلوا خبرهم هذا موافقا لذلك الماضي أو مخالفا له .
،


يؤثر في الإفادة من الخبر ، و كان فعله لذلك كله عن غير قصير ولا تعمد، فسوف يكون
واقع أيضا.
و(الخطأ) : هذان هما السببان العقليان الوحيدان مخالفة الخبر للواقع ، ولذلك فهما السببان العقليان الوحيدان لرد الخبر وعدم قبوله .
وأي خبر نجا من (الكذب) و(الخطأ) فسيكون خبرا موافقا للواقع ، ولذلك فسيكون خبرا مقبولا . وهذا هو الشرط العقلي الوحيد لقبول الخبر ، وهو : أن يكون خبرا سالما من الكذب) و(الخطأ) .
وإذا كانت نجاة الخبر من الكذب) و(الخطأ) هي الشرط الذي يوجبه العقل لاعتقاد أنه خبر موافق للواقع ، فسيكون أي خلل في تحقق هذه النجاة سيبا في الوقوع في فخ الخبر المخالف للواقع ، وسيكون سببا لاعتقاد موافقة خبر للواقع وهو غير موافق له ، وسيترتب على ذلك من المفاسد بقدر أهمية ذلك الخبر ، وبقدر ما سينتج عن اعتقاد صحته من اعتقادات أو أقوال أو أفعال .
وإذا كانت نجاة الخبر من الكذب) و(الخطأ) هي الشرط الذي يوجبه العقل لاعتقاد أنه خبر موافق للواقع ، فستكون أي زيادة على الشرط الذي يحقق تلك النجاة - بإضافة أمر سوى الكذب) و(الخطأ) لما تشترط النجاة منه - سيبا في رد أخبار تستوجب القبول ، وفي اعتقاد مخالفة الخبر للواقع وهو موافق له . وسيترتب على ذلك من المفاسد قريث ما يترتب على قبول ما يستوجب الرد، وبالقدر المختلف نفسه ، وبأسباب اختلافه عينها .
وبذلك يمكن أن نقسم الخبر قسمة عقلية حاصرة من جهة تحقق نجاته من أفتي مخالفته للواقع (الكذب) و(الخطأ) إلى قسمين :
الأول : ما قامت البراهي دالة على أنه قد نجا من (الكذب) و(الخطأ) . والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك .
وهذا القسم الثاني (وهو : ما لم تقم له براهين تدل على ذلك) ينقسم أيضا إلى قسمين ، بناء على القسمة العقلية الحاصرة القطعية أيضا :
الأول : ما قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما .
والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك ، فلا هناك ما يدل على نجاته من الكذب والخطأ، ولا ما تدل على وقوعه في شيء من ذلك(۱).
(1) في هذه القسمة العقلية لسنا محتاجين للاستدلال لها إلا بالعقل ، ولكن لا بأس في أن نحيل
القارئ إلى أحد العقلاء ممن سبق إليها ، فقد ذكر هذه القسمة أبو الحسين البصري المعتزلي (ت 436 ه) في كتابه المعتمد في أصول الفقه (۲/ 546) ، حيث قال : «الأخبار : منها ما يعلم
وبذلك تصبح الأقسام (في الحقيقة) ثلاثة ، فالأخبار من جهة تحقق نجاتها من آفة الأخبار (الكذب) و(الخطأ) وعدم تحقق نجاتها منهما ، هي :
الأول : الخبر الذي قامت البراهين الدالة على أنه قد نجا من (الكذب) و(الخطأ) :


والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك .
وهذا القسم الثاني (وهو : ما لم تقم له براهين تدل على ذلك) ينقسم أيضا إلى قسمين ، بناء على القسمة العقلية الحاصرة القطعية أيضا :
الأول : ما قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما .
والثاني : ما لم تقم له البراهين التي تدل على ذلك ، فلا هناك ما يدل على نجاته من الكذب والخطأ، ولا ما تدل على وقوعه في شيء من ذلك(۱).


وبذلك تصبح الأقسام (في الحقيقة) ثلاثة ، فالأخبار من جهة تحقق نجاتها من آفة الأخبار (الكذب) و(الخطأ) وعدم تحقق نجاتها منهما ، هي :
الأول : الخبر الذي قامت البراهين دالة على أنه قد نجا من (الكذب) و(الخطأ) : وهو الخبر المقبول بلا شك .
الثاني : الخبر الذي قامت البراهين على أنه مخالف للواقع بسبب كذب أو خطأ أو كليهما : وهو الخبر المردود بلا شك .
والثالث : الخبر الذي لم تقم له البراهين التي تدل على نجاته من الكذب) و(الخطأ)، ولا البراهين التي تدل على وقوعه في شيء من ذلك : وهو ما يجب فيه التوقف عن الحكم له بالقبول أو الرد ؛ لأنه خبر لم يتوفر له شرط القبول ولا شرط الرة.
هذا كله هو التقرير العقلي الشرف لقبول الأخبار ، وهو تقرير لا يختلف فيه بين العقلاء ؛ لأنه فطري المسلك ، يوافق ما تستوجبه ضرورة العقل البشري . فأي منهج لقبول الأخبار يخالف هذا المنهج فإنه سيكون منها غير عقلي ، وبالتالي : فسیرفضه العقل تماما ، حالما يحاكم إلى قوانينه الفطرية .
فالسؤال الذي يجب أن يجيب عنه هذا البحث إذن ، ينحصر في السؤال المحوري التالي : هل سار المحدثون في طريقة قبولهم للأخبار النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم على هذا المنهج العقلي ؟ أم كانت طريقهم مخالفة لهذا المنهج ؟
فإن كانت طريقة المحدثين في نقد السنة قد سارت على هذا المنهج العقلي فسيكون هذا دليلا على وضوح هذا المنهج العقلي عندهم ، وأن قوانين نقدهم كانت قوانین منهجية دقيقة ، وليست قوانين عشوائية قاصرة عن تحقيق أهدافها .
وهذا كله هو ما سوف نجيب عنه في الفصل اللاحق (بإذن الله تعالى) :


الفصل الثاني : علاقة شروط صحة الحديث
بالمنهج العقلي لنقد الأخبار
لقد وضع المحدثون شروطا لقبول الحديث النبوي ، هي شروط الحديث الصحيح) في اصطلاحهم . وعدوا أي اختلال في شرط من تلك الشروط في حدي ما سبب عدم قبوله ، وعدم الحكم له بالثبات . أي إنهم اعتبروا شروط الحديث الصحيح هي میزان معرفة موافقة ذلك الحديث للواقع ، فالحديث الذي تحققت فيه تلك الشروط فهو الحديث الموافق للواقع ، ولذلك فهو الحديث المقبول ، والحديث الذي لم تتحقق فيه تلك الشروط فهو الحديث الذي لا يحكم له بموافقة الواقع ، وقد يحكم له بمخالفة الواقع ، وهو الحديث المردود (بأقسام الرد المعروفة عند المحدثين).
ونحن فيما سبق قد ذكرنا بأن المنهج العقلي لقبول الخبر يحصر شرط قبوله في سلامته من آفتي الخبر اللتين تجعله مخالفا للواقع ، وهما : الكذب (الإخبار بخلاف الواقع عمدا) ، والخطأ (الإخبار بخلاف الواقع بغير عمد) . فالخبر لا يشترط العقل لقبوله (أي الاعتقاد موافقته للواقع) ؛ إلا أن تثبت سلامة من الكذب والخطأ كليهما .
فهل نقصت شروط المحدثين عن تحقيق هذا الشرط العقلي ؟ أو زادت عليه ؟ هذا ما لن يتبين إلا إذا درسنا تلك الشروط ، وعرفنا سبب اشتراط المحدثين لها .
شروط المحدثين للحديث الصحيح خمسة شروط ، وباجتماع هذه الشروط يكون الحديث متفقا على صحته بينهم(1)، وهي الشروط التالية :



  • عدالة رواة الحديث من أول السند إلى منتهاه . ۲- ضبطهم . ٣- اتصال السند : بأن يكون كل راو من رواته قد تلقى الحديث عمن رواه عنه بطريقة
    من الطرق التي يمكن أن تحقق للراوي حسين أدائه الحديث لمن يأخذه عنه . 4- أن لا يكون الحديث مع بعلة تقتضي رده . 5- أن لا يكون في الحديث شذو يقتضي رده .
    فعلينا أن ندرس هذه الشروط من جهة علاقتها بتحقيق سلامة الخبر من آفاته اللتين أدركهما العقل ، وهما : (الكذب)، و(الخطأ) . فإن ثبت أن هذه الشروط الخمسة قد جاءت لتحقيق السلامة منهما ، فإن ذلك يدل على صحة المنهج الذي أل عليه هذه الشروط ، وأنها شروط مبنية على منهجية علمية دقيقة : يوجبها العقل ، و تقتضيها الدراسة العلمية الموضوعية . وإن ثبت أن بعض هذه الشروط أو كلها لا علاقة له بتحقيق السلامة من آفات الأخبار : بأن كانت شروطا تقصر عن تحقيقها ، أو تزيد على ذلك باشتراط السلامة من غير هذين الشرطين = فستكون شروطا غير منهجية ، تخالف موجبات العقل ، وليست مبنية على دراسة علمية موضوعي


وسنجعل بیان علاقة هذه الشروط الخمسة أفتي الأخبار (الكذب ، والخطأ) مباحث خمسة ، نتناول في كل مبحث منها شرطا من شروط الحديث الصحيح ، لنبرز علاقة اشتراطه بالسلامة من هاتين الآيتين . اكتمال دراستها (شرطا شرطا) يمكننا الخروج بالنتيجة ، وهي: هل كانت هذه الشروط شروطا عقلية : (يوجبها العقل) منهجية : (يوجبها العلم) ؟ أم ليست كذلك


المبحث الأول : علاقة شرط (العدالة) بشرط السلامة من آفات الأخبار :
إذا عرفنا أن العدالة هي : هيئة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة(1)، وهي بعبارة مختصرة : متانة الديانة ، التي يكون لها في قلب المتصف بها وازع يمنعه من ارتكاب ما يخالفها ، من كبائر الذنوب وما يلتحق بها من صغائرها(۲)= فإننا سنعرف علاقة اشتراطها أفتي الأخبار ؛ حيث إن الاتصاف بالكذب عموما(3) والتجرؤ على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا مما ينافيان هذه العدالة الدينية منافاة قاطعة ؛ لأنهما من كبائر الذنوب.
ومعنى ذلك : أن الراوي الذي يتعمد الكذب لن يقبل المحدثون روايته ؛ وأنهم لذلك اشترطوا هذا الشرط : لأجل السلامة من الكذب


إذن في اشتراط العدالة يقتضيه العقل للسلامة من تعمد الراوي للكذب ، بل هو شرط أوسع من مجرد اشتراط كون الراوي معروفا بعدم الكذب ؛ لأن العدالة تشمل اشتراط الصدق مع متانة الديانة التي يدل عليها استقامة دين وځلق المتصف بها .
وبذلك يتبين أن المحدثين كانوا حريصين على انتفاء الكذب عن الرواية ، الذي هو السبب العقلي الأول مخالفة الخبر للواقع ، ولذلك فهو السبب العقلي الأول أيضا لرد الخبر .
فإن قيل : هل يكفي أن لا يعرف الراوي بالكذب لكي يحكم على إخباره بأنه صدق لم يكذب فيه ؟ ألا يمكن أن يكذب في خبر واحد؟
والجواب :
أولا : ينبغي أن نعترف في البداية أن المحدثين كانوا منتبهين لضرورة التحرز من الكذب ، اشتراطهم أن لا يكون الراوي كذابا ، بل اشتراطهم أن يكون عدلا . ثم يحق لنا بعد ذلك أن نناقش وسائلهم للتحرز من الكذب : هل كانت وسائل تحقق غايتها بإتقان ؟ أم كانت وسائل لا تحقق تلك الغاية ؟
ولا يصح أن ندرس هذا الأمر بغير هذا التقعيد ؛ لأن إهمال هذا التقعيد أو عدم استحضاره سيدخل بده
، ولن يعين على فهمه . ثانيا : مع أن اشتراط عدم اتصاف الراوي بالكذب قد يوهم أنه شرط كاف في سياق التحرز الكذب ؛ إلا أن المحدثين لم يكتفوا به ، واشترطوا فوق هذا الشرط شرطا أعم وأشمل منه ، وهو العدالة الدينية (كما سبق) . وعدم اكتفاء المحدثين بشرط عدم اتصاف الراوي بالكذب ، يدل على أنهم كانوا يريدون احترايرا إضافيا ، لا يقوم به اشتراط عدم معرفتنا الراوي بالكذب . وماداموا يطلبون هذا الشرط الإضافي ، فهذا يدل على علمهم بأن اشتراط عدم معرفتنا الراوي بالكذب شرط غير كاف للتحرز من وقوعه في الكذب . بل ينبغي أن يدل هذا النوع في الاشتراط على أن العدالة الدينية هي التي تحقق هذا الاحتراز ، في رأي المحدثين ، ولا يتحقق الاحتراز من الكذب إلا بها .
وبعبارة أخرى : مادام المحدثون غير غافلين عن أن اتصاف الراوي بالصدق (بمعنی عدم اشتهاره بالكذب أو بعدم افتضاحه به ) لا ينفي أن يحمله طمع أو منفعة ما على أن يكذب مرة أو مرات قليلة ، فلا يفتضح بالكذب(۱) = فلا يبعد أنهم قد تحرزوا منه . فإذا علمنا أن العدالة الدينية أشمل من نفي تهمة الكذب عن الراوي ، فلا بد أن نتأملها ، فلعل في شموليتها لصفات غیر نفي التهمة بالكذب ما يحقق ذلك الاحتراز المطلوب .
فإذا علمنا أن العدالة الدينية التي يشترطها المحدثون هي في حقيقتها الوازع النفسي من الكذب ، الذي يمنع المتصف بها من الكذب على النبي تحت ضغط أي إغراء أو مصلحة ، ولو كان آمنا من الافتضاح بالكذب ، لأن العدل لا يكون عدلا حت
كان آمنا من الافتضاح بالكذب ؛ لأن العدل لا يكون عدلا حتى يعتقد أن الله تعالى مطلع عليه ؛ ولا يكون عدلا حتى تكون فضيحة الآخرة وعقوبتها عنده أشد من فضيحة الدنيا وعقوبتها . ولذلك والعدالة وازع نفسي لا يحتاج إلى رقيب خارجي ، فلها من نفسها أشد رقيب على نفسها . كالوازع النفسي من أن يلقي عموم العقلاء أنفسهم في النار أو
من فوق مرتفع ! ولا فرق بين قوة هذا الوازع المادي وذلك الوازع المعنوي الذي هو العدالة) عند أهل العدالة ؛ إلا في تعجيل هلاك من خالف وازعه المادي غالبا ، وفي تأخير عقوبة من خالف الوازع الديني ؛ وإلا فإن العقوبة المؤجلة بمخالفة الوازع المعنوي أشد وأخطر من جزاء مخالفة الوازع المادي . فلئن كان في تعجيل عقوبة الوازع المادي ما يجعلها أشد ردعا عند غير العدل ، ففي شدة وخطورة عقوبة الوازع المعنوي ما يجعله أشد ردا عند العدول من الناس وحكمائهم ، من الذين يفكرون في العواقب ، وينظرون إلى زمن الحصاد .
إذن : والعدالة : إيمان وقناعة راسخة لدى المتحلي بها تمنعه من الكذب على رسول الله ، بل تجعله نافرا منه : دل الحدب يالص أعانه اليمانيه هذه ، التي منها ينطلق في
وكل الناس يدركون أثر القناعات الراسخة على نظر الإنسان وتفكيره ، وعلى تصرفاته وأفعاله . وكل الناس يعلمون قوة أثر الوفاء للمبدأ عند من آمن به ، حتى لو كان مبدأ باطلا ، وأن الوفاء للمبادئ قد يصل إلى حد فدائها بالنفس والمال والأهل : موئا وبذلا وتقديما(۱) . ولو نظرنا في أصحاب المبادئ الدينية المختلفة وغير الدينية ، وفي قصص دفاعهم عنها ، ومشاهد حفاظهم عليها ، مما حفظه لنا التاريخ القريب والبعيد = لعلمنا أن الإيمان بالمبدأ هو المحرك الأقوى والحاكم الأكبر على نظرة الإنسان للأشياء وعلى قراراته وعلى تصرفاته
وأفعاله . ولذلك فلا نستغرب أن يكون للعدالة الدينية هذا الأثر على نفس صاحبها ، بأن تمنعه منعا نفسيا) من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ما دام أن الكذب عليه ينقض هذه العدالة ولا يجتمع معها في النفس في وقت واحد.
فإذا كنا نتكلم عن الدين الحق ، وعن الدين الذي له في كل شيء دليل على أنه دين الخالق الذي لا إله إلا هو ، ولا عرفت البشرية مثله (ولا قريبا منه في قوة الأدلة العقلية الملجئة إلى الإيمان فكيف سيصل اثر الايمان به في نفوس المؤمنين ؟!
والجواب : انه من كان عدلا ، تم ځدلته خطيئته بالكذب على النبي ، فلا يخلو
حاله بعد ذلك من أحد أمرين :| 21 من إجمالي 100 تمر الفسوق والخروج عن العدالة ، وهو باستمراره للفسق لن يخفى أمژه
سی عموم الناس ، فكيف يخفى على المقربين منه من عدول أهله وأصحابه ؟! الذين تلزمهم عدالتهم بالإفصاح عن حاله والإخبار عن جراحية) ، فضلا عن
فحص أئمة النقد عن حاله والتحري في شأنه) . فإذا عرف بعدم العدالة وافضح بالفسق ، فلن يلتبس حين تیر خبر مثله بخبر أهل العدالة. وأما احتمال جهل نقاد الحديث بفسقه بعد عدالته ، حتى في حال استمراره الفسوق ، فهو في البعد أو الاستحالة كاحتمال خفاء فسقه عليهم ابتداء ، وسيأتي الحديث
عن ذلك بإيجاز بعد قليل . - وإما أن يعاجل التوبة والإنابة ، ويسارع في العود إلى العدالة ، ولكن لن تصح توبته
هذه من الكذب على النبي ؛ إلا إذا صرح بذبته وتبرأ منها ، وصحح النقل عنه ببيان ما تترد فيه . وحينئذ لن يلتبس كذبه بصدقه ، كما لم يلتبس حاله بأهل العدالة بعد أن غرف بكذبة واحدة على النبي ،
وبذلك يتبين أن احتمال التخفي بالكذب والتستر به احتمال منتف باشتراط المحدثين العدالة في الرواة ؛ لأن العدالة وازع نفسي يمنع من التخفي بالكذب . فإن وقع فيه أحد فإنه لن يخفي : إما بالوقوف على انعدام عدالته ، أو بالعلم بكذبه بإعلانه هو به ؛ لأن الكذب على النبي لا تصح فيه التوبة ؛ إلا بإعلان المذنب للذنب والإفصاح عنه للتبرؤ منه .


ومن التستر به في عموم أحوال الناس . وهذا وحده كافي لإثبات أن شرط العدالة شرط
منهج وعقلاني ، حتى وإن تطرق إلى تطبيقه احتمال الخلل ، ما دام احتمال إتقانه هو 23 من إجمالي 100 .. ولا يصح الاعتراض على منهجية وعقلانية هذا الشرط ؛ إلا فيما لو كان
إمكان التحقق من توقره مستحيلا ، أو هو الغالب . أما إن كان العكس ، بأن كان احتمال التحقق من توقره هو الأغلب ، فلا يصح ادعاء کونه شرطا غير منهجي ولا عقلاني .
ثانيا : احتمال الخطأ في الحكم على عدالة الرواة احتمال في غاية الضعف ، ليس مستحيلا، لكنه في غاية البعد . وذلك لأمور ، منها :
وانظر في هذه المسألة : الكفاية للخطيب (۱/ ۳۶۲-۳۰۷) ، وفتح المغيث للسخاوي (۲/ ۲۳۰ -
. (۲۶۲









الدقة المحدثين في بحثهم عن أحوال الرواة . ولتنوع وسائل هذا البحث وتعددها ، فلا تنحصر۔ معرفتهم بالعدالة بالنظر في ظاهر حاله وتعبده، بل تتعدى ذلك : إلى مراقبته واختباره ، وإلى سؤاله عمن يشهد على صحة سماعه ممن روى عنه ، وإلى إلزامه بإخراج الأصل المكتوب والتأكد من صحته ، وإلى سؤاله عن عمره وموازنته بسنة وفاة من ادعى السماع منه ، وسؤاله عن صفته وهيئته ، وعن مكان سماعه منه .. إلى غير ذلك من الوسائل التي نصوا عليها . ولكثرة النقاد والمتحرين في أحوال النقلة ، مما يقلل احتمال اتفاق اجتهادهم جميعا على الخطأ" . وتوالي اجتهاداتهم وتتابع بحوثهم حول الراوي المعين نفسه من الرواة ، فلا


يقف تحتريهم عند زمن معين ، بل لا يزالون في تثبت وتحري ، حتى بعد وفاة
الراوي ! ثالثا: ما زال الناس قديما وحديثا ، وفي كل الأديان ، و تحت مختلف الأنظمة والقوانين البشرية والربانية (المحرفة منها وغير المحرفة : وهو الإسلام حده) جميعهم : يقبلون شهادة الشهود الصادقين لدى القضاة والمحكمين ، ويقبلون الحكم بشهادتهم في الأنفس (التي الأصل فيها العصمة) بالقصاص والسجن والعقوبة ، وفي الأموال التي الأصل فيها الحرمة) أخا وإعطاء ، وفي الأبضاع (التي لا تستحل ولا تحرم إلا بعقد مقدس) إنكاحا وتفريقا، وفي مختلف أنواع النزاعات فصلا وإصلاحها . وما زال عقلاء الناس يرون هذا الاحتكام حافظا للحقوق ، محققا للعدالة، رغم ما يكتنفه من احتمالات ضئيلة للخطأ . هذا .. مع أن التثبت من الشهود لا يبلغ في الدقة والقوة منهج المحدثين في تثبتهم من عدالة الرواة ، ولا قريبا منه !!
فما دامت العقول قد أقرت بمنهج قبول شهادة الصادقين في تحقيق العدالة والفصل بين المتخاصمين ، وأقرت بمنهج تمييزهم عن غيرهم من الشهود الذين لا تقبل شهادتهم ، فليس في منهج قبول الرواة ما يستحق الرفض ؛ إلا إن كانت زيادة التوتر في الرواة وقوة منهج الحكم عليهم ستكون هي سبب التوقف في قبول منهج نقدهم !!
وعلى من لم ير في اشتراط العدالة في رواة الأخبار ما يحقق له الاطمئنان إلى صحة نقلهم ، أن يعارض قبول شهادة الشهود غير المتهمين بالكذب ، وهي الشهادة التي يحتكم إليها العقلاء جميعهم من جميع الأديان والأعراق وفي جميع الأزمان قدیمها والحديث !! بل شرط العدالة أدق وأقوى في تحقيق تلك الطمأنينة ، كما سبق بيانه . فإن لم يعارض في قبول شهادة الشهود غير المتهمين ، كما هو حال عقلاء بني آدم جميعهم ، لزمه (من باب
أولى) أن يقبل رواية العدول .
وبعد هذا كله ، لو بقي احتمال خفاء كذب الراوي على أهل الحديث في حديث واحد، ولو بقي احتمال عدم اطلاعهم على أنه قد تعمد الافتراء = فقد بقي في منهج المحدثين ما يفي بنقد هذا الحديث وتميزه ، لا من جهة معرفة راويه بالكذب ، وإنما من جهة أخرى : وهي نقد المتن ، الذي لا يمر عند المحدثين قبل عمل دقيق غاية الدقة في الدراسة الفاحصة المقاصة ، تقف عند انفراد الراوي بالحديث وعند اشتراكه مع غيره في أصل روايته وقفه
طويلة متشعبة، فلا يقبل انفراد العدل مطلقا ، ولا يتساهل مع دعوى الاشتراك مطلقا ، بل الأغلب في التفرد الرد وعدم القبول ، حتى من أهل الصلاح"، بل لا يكاد يستثنى من ذلك


أحد، حتى أهل العلم الكبار والأئمة الأعلام) ، مما يدل على علم أهل الحديث بالخطورة البالغة في التفرد ، الذي إن لم يقم دليل أو قرينة على تعمد الكذب فيه ، كان ذلك سبا لرد الحديث الخطأ غير المتعمد ؛ فالله هو الغالب على المفاريد أصلا ، ولا يقبل منها إلا الشيء بعد الشيء منها، وفق ضوابط دقيقة).
وانظر كيف يفتضح الراوي عندهم بحديث واحد بعد أن كان متسترا بالصلاح والتصوير في الرواية :
فقد سئل ابن معين عن العباس بن الفضل الواقفي ، فجرحه وقدح فيه ، ثم قال : «وضع حديثا لهارون الرشيد في الأمراء . لم يكن به بأس ، لولا أنه وضع هذا الحديث . (ثم قال
يحيى بن معين :) ولو أن رجلا يهم في الحديث بكذب حرف : هتك الله ستره») .
ولما روى المحدث الكبير أبو نعيم الكوفي (ت ۱۲۱۸) عن الإمام سفيان الثوري (161ه) أنه قال : «من كذب في الحديث : افتضح»، تعقبه أبو نعيم ، معبرا عن عجائب ما شاهده من تكشف الكذابين لأهل الحديث ، حيث قال : «وأنا أقول : من هم أن يكذب : افتضح») .
وبهذا نعلم : أن الحديث المكذوب إن لم يعرف ويميز بكذب راويه ، وسيعلم بانفراده به ، ولن يقبل من راوية بسسب ذلك
ويبدو أن السائل كان شديد الفزع من هذه الأحاديث المصنوعة ، حتى جاء سؤاله هكذا بلا صيغة استفهام عنها ، وكأنه جاء مندهشا من هذا الخطر الداهم ، فجاء سؤاله سؤال المتعجل في التحذير من ذلك الخطر العظيم المحدق ، لا يجد وقتا في تطويل السؤال عنه ، كما لا يؤثر إيلام نفسه بتطويل الحديث عن هذا المصاب الجلل ؛ فجاء سؤاله هكذا : هذه الأحاديث المصنوعة ؟!! فأجابه الإمام عبدالله بن المبارك بكل هدوء وثقة قائلا : «يعيش لها الجهابذة»(1) . ليكون هذا الجواب الهادئ أفضل جواب ، بل أفضل دواء لتلك النفسية المنزعجة ، التي أخرجت ذلك السؤال مستصرخ المخدر ، فجاء جواب هذا الإمام کنفخة في بالة شمعة أو دفقة ماء على شعلة .
وهذا ما تحقق فعلا ، بجهود عبد الله بن المبارك على وجه التحديد وأقرانه من أئمة السنة ، فقد حدث أبو إبراهيم الترجماني إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي (ت ۲۳۶ ه) ، قال : «أخذ هارون الرشید زنديقا ، فأمر بضرب عنقه ، فقال له الزنديق : لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين ؟! قال :أريح العباد منك ، قال : فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال : فأين أنت - يا عدو الله - من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينځلانها فيخرج منها حرفا حرفا)) .
وقال ابن معين لرجل من أهل الحديث : «لولا الجهابذة لكثير الشوقة) واليوفي في رواية الشريعة . فمتى أحببت ، فهل ما سمعت ، حتى أعزل لك منه : نقد بیت المال ! أما تحفظ قول شريح : إن للأثر جهابذة جهابذة الورق (4)(۱).


ولذلك لما ادعى أحد الجهلة بالسنة وعلومها أنه قد أدخل الزنادقة على المحدثين ألوف الأحاديث المكذوبة ، فتد الإمام الدارمي (ت ۲۸۰ه) دعواه هذه ، وبين أنها دعوى عرية عن أي دليل ، بل الدليل ينقضها ويدل على ضدها ، وذلك في قوله (رحمه الله) له : «أو ليس قد ادعيت أن الزنادقة قد وضعوا اثني عشر ألف حديبي ، دلسوا على المحدثين ؟! فدونك أيها الناقد البصير الفارس النحرير ! فوجدنا منها اثني عشر حديثا ؛ فإن لم تقدر عليها ، فلم تهجن العلم والدين في أعين الجهال بخرافاتك هذه ؟!! »۲) . وقال في موطن آخر : «وادعيت أيضا : أن الزنادقة قد وضعوا اثني عشر ألفا من الحديث ، وجوها على رواة الحديث وأهل الغفلة منهم. فيقال لك أيها المعارض : ما أقل بصرك بأهل الحديث وجهابذة !! ولو وضعت الزنادقة اثني عشر ألف حديث ، ما يروج لهم على أهل البصر بالحديث منها حديث واحد ، ولا تقديم كلمة ولا تأخيرها ، ولا تبديل إسنا مكان إسنا ، ولو قد صرفوا عليهم في حديث واحد استبان ذلك عنده ، وردوه في نحورهم . ويلك !! هؤلاء ينتقدون على العلماء المشهورين تقديم رجل من تأخيره ، وتقديم كلمة من تأخيرها ، ويصون عليهم أغلاطهم ومدرساتهم ، فيجوز للزنادقة عليهم تدلیس ؟ !! ...(ثم قال الدارمي:) وما إخالك إلا وستعلم أنه لا يجوز للزنادقة على أهل العلم بالحديث تدلی ، غير أنك تريد أن تهجر العلم وأهله ، وتزري بهم من أعين من حواليك من السفهاء ، بمثل هذه الحكايات ، كيما يرتاب فيها جاهل ، فيراك صادقا في دعواك . فدونك أيها المعارض : فوجدنا عشرة أحاديث دلسوا على أهل العلم ، كما أوجدنا مما دلسوا على إمامك المريسي ، أو جرب أنت فدلس عليهم منها عشرة ، حتى تراهم كيف يردونها في
نحرك (۳) .


وكيف دلس الزنادقة على أهل الحديث اثني عشر ألفا ؟! ولم يبلغ ماژوي عن رسول الله وأصحابه اثني عشر ألف حديث ، بغیر تکرار (إن شاء الله) ؛ إذن رواياتهم كلها من وضع الزنادقة في دعواك !) .
وكان أحد النقاد الكبار يعلن عن هذا الفخر بهذا الإنجاز الذي تميز به نقاد الحديث وأئمته ، وهو أبو الحسن الدارقطني (ت 385ه)، فكان يقول : «يا أهل بغداد ، لا تظنون أن أحدا يقدر يكذب على رسول الله به وأنا حي.
ولئن كان الإمام الدارقطني يعتز بمقدرته الفائقة على حماية السنة من الكذب ، فقد كان غيژه يشهد الناس له بذلك ، كما وقع لإمام الجرح والتعديل أبي زكريا يحيى بن معين (ت۲۳۳ ه) ، حيث جاء من بغداد للحج، فدخل المدينة المنورة ، فمرض فيها ، ووافاه الأجل فيها ، فرفع على سرير رسول الله ة ، وودي على نعشه : «هذه جنازة يحيى بن معين : الذاتي الكذب عن رسول الله » ) .
وكان إمام الأئمة أبو بكر ابن خزيمة (۳۱۱ه) يقول عن الإمام أبي حامد الشرقي (ت ۳۲۰ه) : «ما دام أبو حامد الشرقي في الأحياء ، لا يتهيأ لأحد أن يكذب على رسول الله
» ) . ويقول أيضا : «حياة أبي حامد تحجز بين الناس والكذب على رسول الله » .
وأنا لا أحتج بهذه العبارات ؛ إلا لإثبات أن التحرر من الكذب كان أظهر ما اعتني به المحدثون ، وأنهم كانوا مطمئنين إلى دقة نقدهم له ، وأن الناس كانوا يشهدون لهم بذلك .


فلا بأس بالكتاب عنه ، والعمل بروايته ؛ إلا فيما اعتقده من الهوى ، فإنه لا يكتب عنه ، ولا يعمل به . كما أن الثقة العدل تقبل شهادته على غيره ، ولا تقبل شهادة لنفسه ، ولا لابنه ، ولا لأبيه ، ولا فيما جر إليه نفعا ، أو دفع عنه ضررا . وإنما منع من قبول قول الصادق فيما وافق يخليه وشاگ هواه ؛ لأن نفسه ثريه أن الحق فيما اعتقده ، وأن القرية إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه ، ولا يؤم مع ذلك التحريف والزيادة والنقصان .
قال ابن قتيبة) : فإن قالوا : فإن أهل المقالات المختلفة يرى كل فريق منهم أن الحق فيما اعتقده ، وأن مخالفه على ضلال وهوى ، وكذلك أصحاب الحديث فيما انتحلوا، فمن أين علموا علما يقينا أنهم على الحق ؟! قيل لهم : إن أهل المقالات (وإن اختلفوا ، ورأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه) فإنهم مجمعون لا يختلفون على أن : من اعتصم بكتاب الله عز وجل ، وتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد استضاء بالنور ، واستفتح باب الرشد، وطلب الحق من مظانه . وليس يدفع أصحاب الحديث عن ذلك ؛ إلا ظالم ؛ لأنهم لا يردون شيئا من أمر الدين إلى استحسان ، ولا إلى قياس ونظر) ، ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين ، ولا إلى أصحاب الكلام المتأخرين .
فإن ادعوا عليهم الخطأ ، بحملهم الكذب والمتناقض ! قيل لهم : أما الكذب والغلط والضعيف : فقد نبهوا عليه ، على ما أعلمتك . وأما المتناقض : فنحن ماخبروك بالمخارج منه ، ومنبهوك على ما تأځر عنه علمك ، وقصر عنه نظرك ، وبالله الثقة وهو المستعان»(۲) .
فها هو ابن قتيبة يؤكد أولا أن المحدثين يروون ويقبلون حديث أهل البدع ؛ إلا إذا لم
(2) وهذا يظهر أن جهل كثير من رواة السنة الثقاة بالفقه ، وأن اقتصارها في علمهم على الحفظ
والضبط والنقل دون تعمق ولا التفات (أحيانا كثيرة) إلى دلائل النص الدقيقة ، كما قد يعد من وجو نقلها ، فهو من وجه آخر شهادة تزكية لهم ونقلهم ! فنقص فهمهم ، وقلة فقههم ، واقتصار جهدهم على الضبط والرواية = أذعى لبعدهم عن التحيز، وعدم تدخلهم في النقل ، وأن لا يكون
لهم ما يتعصبون له من المذاهب والعقائد ؛ إلا ما يستنبطه لهم الفقهاء من مروياتهم !! (2) تأويل مختلف


الاحتجاج به : فيما تفرد به »(1). يقول الخطيب ذلك ، مع علمه بتوثيق الأئمة وثنائهم الكبير في ابن إسحاق ؛ مما يدل على أنه يقصد بهذا الإجماع : أن من أثنى عليه إنما قبله إذا لم يش بحكم من الأحكام . ولا يمكن أن يقصد الخطيب الإجماع على الرد المطلق ، فهذا ادعاء لا يخفى بطلانه على أحد ، فكيف بالخطيب ؟! في الثناء والتوثيق الكثير الذي ورد في ابن إسحاق لا يجهله طالب علم ، وقد ذكر الخطيب نفسه شيئا كثيرا منه في ترجمته الواسعة لابن إسحاق (۲) .
ولما نقل البيهقي (ت 458 ه) كلام الإمام أحمد فيه ، قال : «فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام ، فأولى به أن لا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالی» (۳) .
وقد عمل الإمام عبدالله بن المبارك (ت ۱۸۱ ه) بهذه القرينة المعتمدة على موازنة درجة ضبط الراوي بدرجة احتمال صحة تفرده ، بحسب اختلاف مضمون الحديث ، الذي تختلف معه دواعي نقله على ما سبق تقريره) : فروى عبده بن سليمان (ت ۲۳۹ ه) عنه أنه
روي عن رجل حديثا . فقيل : هذا رجل ضعيف (4) ؟! فقال : يحتمل أن يروى عنه هذا القدر ، أو مثل هذه الأشياء» ، فسئل عبده بن سليمان : «مثل أي شيء كان ؟ فقال : في أدب ،
والاستئناس ، لا للاعتماد والتأسيس . وإن قصد ب(الضعيف) من كان في آخر مراتب القبول ، الصدوق والشيخ والصالح في حديثه : فيكون مقصوده باحتمال روايته في المواعظ ونحوها : القبول والاحتجاج به . وإطلاق وصف (الضعيف) على (الصدوق) المقبول موجود عند أئمة الحديث ، كما تراه في المرسل الخفي للعوني ( ۳۱۱


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تصميم الشعار ...

تصميم الشعار الهدف الأساسي من تصميم الشعار هو توصيل هُوِيَّة بصرية و مرئية كاملة لمعجبيك و جمهورك ...

لقد أصبح التغيي...

لقد أصبح التغيير حقيقة لابد منها, وحتمية أكثر من ضرورة ,على المؤسسات تبنيه حيث أنها تعيش حالة متغيرة...

À ma trés chère...

À ma trés chère famille Khellaf et Bounoula, Je dédie ce mémoire avec tout mon amour et ma gratitude...

تدور أحداث هذه ...

تدور أحداث هذه القصّة فى بيت صغير، يعيش أهله مرارة الغربة، ومنهم فتاةٌ في السّادسة عشر من عمرها، وتد...

أكد المتحدث باس...

أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، عن وقوع تلوث داخل منشأة نطنز النووية...

Ch.3 Methodolog...

Ch.3 Methodology This study used a quantitative research method to explore how Augmented Reality (...

إذا وضعت كرة عل...

إذا وضعت كرة على سطح الأرض فإنها تبقى ساكنة في مكانها ولا تتحرك، إلا إذا ضربتها بقدمك. وكذلك الكتاب ...

تعتبر حرية الإث...

تعتبر حرية الإثبات في المسائل الجنائية من المبادئ المستقرة في نظرية الإثبات الجنائي، وذلك بخلاف المس...

يقيم هذا المعيا...

يقيم هذا المعيار مدى جودة المنهاج التعليمي من حيث الأساس المنطقي والتوازن والالتزام بالمعايير والمتط...

تُركز نظرية الل...

تُركز نظرية الليبرالية التجارية على تعزيز الحرية الاقتصادية والتجارة الحرة. ويؤكد مبدأ الليبرالية ال...

إن تنمية الدول ...

إن تنمية الدول وازدهارها يعتمد أساسا على تنوع النسيج الاقتصادي الذي يلعب دورا هاما ويؤثر إيجابا على...

الأمراض المعدية...

الأمراض المعدية الأمراض المعدية Infectious diseases هي الأمراض التي تسببها كائنات حية تسمى المسببات ...