لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

الطالبة/ ميهاف زيد إبراهيم الزبيدي أ.د. السيد عبد السميع محمد حسونة جامعة القصيــم كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية قسم اللغة العربية وآدابها

الفهرس المحتويات المقدمة: . استنبات الملامح: . 23 2  المقدمة: يدور على ألسنة المثقفين في أيامنا هذه مصطلح حول الشعر العربي في صورته التي توارثناها، والتي تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل. ذلك هو مصطلح "الشعر العمودي " وما أحسبكل الذين يطلقون هذا المصطلح أرادوا أن بين الوان من القول فقط دون ان يحمل هذا نوعا من الانتقاص من الشعر العربي في صورته وعلى بحر من بحور الشعر المعروفة التي استنبطها الخليل بن أحمد الفراهيدي وأكملها الأخفش ببحر اطلق عليه المتدارك ومعنى هذا أن الذين يرددون هذا القول يحصرون عمودية الشعر في الوزن وحده فالشعر الذي يجيء على هذا البحر ويلتزمه يسمى شعًرا تقليدًيا،  ُ استنبات الملامح: كالسقف وعمد الشيء أقامه ورفعه قال تعالى: ت َ َر رو َن َه ُا  . 1 وفي الحديث النبوي الشريف رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد"2. َهََََََََََٰٰرََ ٱللُُُّٱ ِلَّيُرفعُٱلسمو ِتُُبِغيُۡعم ٖد ِ والعرب تصف ذا الحسب والنسب الرفيع فتقول: رفيع العماد. قال الأعشى:3 طويل النجاد رفيع العماد يحمي المضاف ويعطي الفقيرا وقالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:4 طويل النجاد رفيع العمـاد ساد عشيرته امـــــردا نسبكأن عليه من شمس ال ُّضحى نورا ومن فلق الصباح عمودا ً 3 ديوان الأعشى، 4 ديوان الخنساء، بيروت، ص33. مصر ، 1387هـ- 1٩67م، ج1، ص413. 4  ويقال استقام القوم على عمود رأيهم: أي على الوجه الذي يعتمدون عليه1. ومشقة نفسية وذهنية تشاكل ما ألف الناس احياًنا ، وتنحرف عن ذلك الإلف حينا آخر، والمهتمين بالدراسات الأدبية، وبيان ما طرأ على تلك القيم من تطّور في دائرة المشاكلة أو تغيير في والاتباع ، وكشف طبائع الملكات الإبداعية المركوزة في النفوس ما أمكن ، من حيث إسماحها وتعصيها ، ولهذاكانت مهمة عمود الشعر العربي في نظر المرزوقي محاولة ليتميّز تليد الصنعة من الطريف وقديم نظام القريض من الحديث ، ولتعرف مواطىء اقدام المختارين فيما اختاروه ، ومراسم إقدام المزيفين على مازيفوه ، ويُعلم ايضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع ، إذ انتقل من دائرته الحسية عندماكان يعني في دلالته المعجمية، ج3،  وعمود البلاغة، وعمود الرثاء، وعمود الشعر ويتضح أن إضافة العمود إلى بعض فنون القول مؤشر واضح إلى اكتناز هذا المفهوم لمجموعة من القيم، والمعايير ، والخصائص المتمثلة في الفن القولي المضاف إليه العمود. ما ذكر الأصبهاني على لسان الطرماح بن حكيم، واعتدا ًدا بقيمة الشعر فلما سئل عن ذلك قال:" ماحق الشعر أن أقوم له ، فيحط مني بقيامي، وأحط منه بضراعتي، وهو عمود الفخر، 2 فارتبط مفهوم العمود هنا بظاهرة سلوكية، فقد أشار الجاحظ إلى أن رأس الخطابة الطبع، وجناحاها رواية الكلام، 1٩54م، ج12، ج1، ص44. 6  يرى أن البيت المستقل بنفسه هو أقرب الأبيات من عمود البلاغة، يعني بلاغة الكلام. وذلك في قوله:" ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات ، هو وضعكل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به ، الذي إذا أبدل مكانه غير جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام ، مما يلفت النظر ما يذهب إليه بعض المشتغلين بالأدب من أن الحداثة لم تعد تتسع لما يسمى "بالشعر الحر" فقد اصبح هذا النوع من الشعر متأخًرا لا يساير تطور الفنون و أصبحت الحداثة عندهم لما أطلقوا عليه "قصيدة النثر" وهكذا لا يكتفي أولئك النفر بالخروجكامل عن ما ألفه العرب وسارت عليه أجيالهم بل عمدوا الى قطع الصلة تماًما بهذا الفن واذاكانت " التفعيلة" هي الصلة الباقية التي تذكرهم بالخليل وبحوره وتفاعيله وبالعرب وفنونهم وشعرهم فلتذهب هذا التفعيلة الى الجحيم تحت مسمى "الحداثة". مرجع سابق، ص128.  إن أول مرة نتلقى فيها بهذا الاصطلاح النقدي في القرن الرابع الهجريكانت على يد الناقد الفذ علي بن عبدالعزيز الجرجاني صاحبكتاب "الوساطة بين المتبني وخصومه" ولقد وجد القاضي الجرجاني متغيرات اصابت الشعر العربي بعد الاتصال بالحضارات المختلفة واتساع ثقافة الشعراء وبالتالي اتساع الخيال المبدع لديهم وادخالهم في الشعر أمورا لم تكن مألوفة من قبل وهي أمور صدمت العقلية التي الفت بساطة التعبير التلقائية فيه1. ومالت إلى ما جاء عفو الخاطر ومن خلال البديهة والبعد عن التجويد الفني واعمال الفكر حتى اننا نجد من بين الناس من لا يقبل شعر ابي تمام. ص465 ، 466.  ووسط هذا الصراع الذي لا يتلقى فيه فريق بالآخر ويبعد فيهكل منهما عن النصفة والانصاف يظهر القاضي الجرجاني ليقوم بالوساطة بين المتخاصمين لكن هذا الوساطةكانت في الحقيقة أوسع مدى من الوقوف عند ابي الطيب المتنبي . والسبب في ذلك ان المتنبي لا يعدو أن يكون حلقة من سلسلة متصلة الحلقات نبدأ من تلك الفترة الضاربة في القدم والتي بدأت فيها المحاولات الأولى للشعر ضعفة وهنانة واخذت تقوى وتستقيم حتى استوت فنا له قيمته على نحو ما وصل الينا من شعر صاحب قضية عمود الشعر: الآمدي فيكتاب الموازنة بين أبو تمام والبحتري: على الرغم مما نجد في عبارات الآمدي من تحديد لبعض النواحي التي خرج فيها أبو تمام على ما يسمى "عمود الشعر" فإن فيها تعميًما أوقع الباحثين في لبس. ذلك لأن الآمدي لم يحدد مذهب الأوائل الذي أشار الى خروج الشاعر عليه، كما ان مفهوم الطبع عنده يختلف عن مفهوم الطبع عند غيره من النقاد، فهو عنده مقابل للصنعة الفنية وعند بعض النقاد يعني الموهبة. الاحسان " 2. ويبدو أن الآمدي ومن سلك طريقه من الذين يجعلون الطبع مرادفًا للبديهة والارتجال والتلقائية لا يزالون تحت سيطرة ماكان يعرف في النقد اليوناني وبخاصة 1 الوساطة بين المتنبي وخصومه ، 1368هـ- 1٩66م، ص 33-34. 9 عند افلاطون بالإلهام او عند العرب بشياطين الشعراء أولئك الذينكانوا يقولون من خلالهم والذين يعبر عنهم الشاعر العربي القديم بقوله: إني وانكنت صغير السن وكان في العين تبوعني فإن شيطاني أمير الجن يذهب بي في الشعركل فن عبارتهم. تأثر عبد القاهر الجرجاني بكتاب الآمدي "الموازنة": لقد القى القاضي الجرجاني الكثير من الأضواء على ما يراد بشرف المعنى حيث بين ان المقصود بذلك ليس تناول الفضائل الإنسانية والمثل الأخلاقية دون سواها فالدين والأخلاق شيء والشعر شيء مختلف عنهما وله قوانينه التي يحتكم اليها في مرجع سابق، ص64. 10  ويذكر القاضي الجرجاني امثلة لما اخطأ فيد قدامى الشعراء، لكن هذه الأمثلة تأتي أحيانا عن عدم المام الشاعر بصفات الموضوع الذي يتناوله او عدم معرفته لأحواله كأن يصف الضفادع بأنها تخاف الماء او يطلق على الجمل صفة الناقة او يزعم 1 ولم يقف النقاد القدامى "بعمود الشعر" عندكل من اللفظ والمعنى بمعزل عن الآخر فلا يوجد معنى دون وجود لفظ يشير اليه ويدل عليهكما لا يوجد لفظ لا يعبر عن معنى أياكان هذا المعنى ولهذا عادوا الى هذين الشقين ونظروا اليهما معا وقالوا ان عمود الشعر لا يستقيم ما لم يتم الائتلاف بين اللفظ والمعنى . وكانت هذه النقطة جديرة بالنظر من النقاد لأنها تنظر الى هذين العنصرين دون تمييز بينهما فهي لا تبحث أي العنصرين افضل من الاخر ومن ثم ينظر الى الفن من ناحيته نجده في صحيفة بشر بن المعتمر الذي يرى انه من حق المعنى الشريف أن يكون له اللفظ الشريف وقد سبقت الإشارة الى المراد بالشرفكما ان القاضي الجرجاني يرى أن أنواع الشعركلها لا تجري مجرى واحدا. بل ترتبكلا مرتبته وتوفيه حقه ، مرجع سابق، ص10 وما بعدها.  فلكل واحد من الامرين نهج هو املك به وطريق لا يشاركه الاخر فيه، والقاضي الجرجاني لا يخص الشعر بهذا القول بل يطلب تحققه في الكتابة أي ًضا. 1 جهود عبد القاهر الجرجاني في مقاييس عمود الشعر: ما سبقت من شعر الشعراء الآخرين ومثل هذه الدراسةكان ضروريا ليستطيع الناقد الكشف عن شاعرية ابي الطيب ومدى اجادته في فنه او اخفاقه فيه وهذاكله لابد ان يكون من خلال مقاييس موضوعية يحتكم إليها وان هذه المقاييس سوف تكون متطورة عن المقاييس التيكانت سائدة قبله. ومن هنا وجد القاضي الجرجاني من المهم أن يبين المقاييس التيكان العرب يحتكمون اليها ويفضلون بها هذا الشاعر على ذاك او ينزلون بها هذا الشاعر عن غيره من معاصريه. أما تلك المقاييس فهي التي يقول فيها:" وكانت العرب انما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحس بشرف المعنى وصحته وجزاله اللفظ واستقامته وتسلم السبق لمن وصف فأصاب وشيه فقارب، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض". ص 34، ط4 البجاوي. 12  وبعد محاولة القاضي الجرجاني التي أشار فيها الى ما يطلق عليه "عمود الشعر" جاء المرزوقي شارح ديوان الحماسة الذي جمعه أبو التمام وفي المقدمة التيكتبها المرزوقي تحدث عن عمود الشعر حديثا مفصلا بين من خلاله اسسه والمعايير التي يمكن العودة اليها في الحكم بالتزامه أو البعد عنه. المرزوقي واضافة مقاييس جديدة لعمود الشعر: لقد وجد المرزوقي تحولا في الصناعة الفنية، وجنوحا عن أساليب العرب ورغبة في احداث الوان طريفة من التعبير فاراد أن يميز بين الاتجاهات المختلفة التي تسير على مرجع سابق، ص6. 13  وأول المبادئ التي تصادفنا في عمود الشعر والتي اخذت شكلها النهائي مصطلحات نقدية على يد المرزوقي هو ما اطلق عليه شرف المعنى واهتمام نقادنا القدامى بالمعنى واعلائهم من قدره و ارجاع حسن الصنعة إليه في بعض الأحيان – وعند بعض النقاد – يدل على انهم لم يكونوا يقبلون الشعر الفارغ في المعاني أو فارغ المحتوى وابن قتيبة يضع الشعر في مراتب اعلاها ما حسن لفظه ومعناه وادناها ما ساء فيه اللفظ ولم يشتمل على معنى جيد والثاني ما حسن فيه المعنى وقصر اللفظ عن الوفاء أما المرتبة الثالثة فهي التي تعنينا هنا والتي يقال عنها أن لفظها حسن ولكن اذا فتشتها لم تجد فيهاكثير معنى وقد مثل لهذا النوع من الشعر. إن هذه الأبواب التي جمعها المرزوقي قد بدأ رصدها منذ بداية التأليف في النقد العربي، التي اصبحت من أبواب عمود الشعر ، وقضية اللفظ والمعنى ، والدراسات التي تناولت اعجاز القرآن ، وبعض المواقف النقدية التي عالجت بعض الظواهر الاسلوبيةكظاهرتي الوضوح والغموض ، وكذلك بعض القضايا الأخرى، مثل علاقة الخيال بالصدق والكذب والذهنية والمزاجيّة ، وبيان المؤتلف والمختلف من خصائص الشعر والنثر. 1 ويبدو أن الدوافع التي دفعت المرزوقي إلى جمع ابواب عمود الشعر لا تختلف عن الأسباب التي دفعت ابن المعتز إلى تصنيفكتابه " البديع " إلا في طبيعة الظاهرة الأدبية ، فالمرزوقي يشير إلى أهمية معرفة وظيفة عمود الشعر المعروف عند العرب ، لبيان تليد الصنعة من الطريف ، لم يسبقوا إلى استخدام فن البديع " ولكنهكثر في اشعارهم ، فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم فأعرب عنه ، مرجع سابق، 1404هـ-1983م، ص398.  الأولى: مشكلة اللفظ والمعنى وانصاركل منها . والثانية: مشكلة الاختيار . والثالثة : مشكلة العلاقة بين النظم والنثر. وربما بدأ لأول مره ان المرزوقي عاد يكرر الثنائيات السابقة: من مثل اللفظ والمعنى والصدق والكذب والطبع والتكلف وما اشبه ولكن هذه الثنائياتكانت تقتضيها طبيعة مقدمته أولا، ثم انه لم يمض عنها حيث تركها أصحابها بل أضاف اليها ما اسعفه به فهمه وتصوره . أسس قديمة. واضعف المشكلات الثلاث في مقدمته هي المشكلة الثالثة لأنها محاولة لتفسير ظاهرة عملية تتفرع في ثلاث فروع: (أ) المفاضلة بين الشعر والنثر (ب) السبب في قلة البلغاء وكثرة المفلقين (جـ) السبب في قلة البلغاء وكثرة الشعراء ، مرجع سابق ، ص399. 16 سيتصدى لها ابن رشيد بالرد)كذلك فان الشعراء حطوا من قيمة الشعر بتعرضهم للسرقة حتى قيل "الشعر ادنى مروءة السري واسرى مروءة الدني"(وهو موقف سينقضه ابن رشيق أيضا ) وثالث الأدلة على شرف النثر ان الاعجاز بالقرآن لم يقع بالنظم ولهذه الأسبابكان النثر ارفع شأنا من الشعر ومن ثم تأخرت رتبة الشعراء عن الكتاب وقد شهدنا نظائر لهذه التعديلات عند نقاد القرن الرابع وهي محاولة لتفسير ماكان سائدا في المجتمع من رفعة الكتاب وانخفاض شان الشاعر ولكنها لا تتصل عند المرزوقي بالفكرة الفلسفية المحرفة عن صدقة المخاطبة وكذب الشعر. مرجع سابق، ص19. 17  قضى المرزوقي على قول من قد يقول: الشعراء اعرف الناس بنقد الشعر ولم يلتفت الى ما حدث في تاريخ النقد العربي ، لم يلتفت الى ان ابن المعتز وابن طباطبا والآمدي والجرجاني وغيرهمكانوا شعراء. ولكن ابن فارسكان قد قال من قبل: ان اختيار الشعر موقوف على الشهوات، فيتصدى المرزوقي للرد عليه دون ان يسميه وذلك بلجوئه الى القول بوجود مقاييس نقدية عامة يشترك فيها زيد وعمرو وان من اتقن تلك المقاييس وتدرب على استعمالها " لا ينظر الا بعين البصيرة ولا يسمع الا بأذن النصفة ولا ينتقد الا بيد المعدلة ". وارجع الى ما قالهكل من قدامة والجرجاني ( دون ان يذكر المرزوقي اسميهما ) حول الخروج عن العادة والطبع وحول الحشو وما الى ذلك . مرجع سابق ، ص401-402. 18 ومثل هذه المقاييس المنطقية تمنح العيار جاهزية مسبقة ينظر بها إلى النصوص الأدبية وفق منطقه، مع أنه يفترض في النص أنه هو الذي يستدعي المعيار المناسب لمكوناته البنائية، وتقويما ، لذلك لم تكن المفاهيم النقدية في عمود الشعر مفاهيم قياسية بقدر ماكانت مفاهيم فنية تهتم بتوصيف الظاهرة الأدبية، متخذة من الطبع مرتكًزا لتقديراتها المعيارية، ومنتمية في منطلقاتها إلى خصوصية الفكر العربي من حيث القيم المعرفية، وإلى خصوصية اللغة العربية من حيث القيم الصياغية، إذ من الصعوبة بمكان أن تنفصل مهمة عمود الشعر العربي عن سياقها الفكري مادة ولغة ، لأن الفكر وحدة متكاملة تؤثر بنياته التي يتكون منها في بعضها ، وهذا ما تلمسه في بنيات الفكر العربي الإسلامي الذي لا تستقل بنية من بنياته بمهمتها بمعزل عن البنيات الأخرى ، وهذا ما تنفرد به المفاهيم النقدية العربية المنتمية من خصوصية استمرار الحياة في وظائفها، 1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ، ص 531. وهذا ما تحقق في طريقة العرب المتمثلة في قواعد عمود الشعر العربي و متعلقاتها التي أكدت على أهمية جريان لغة الشعر العربي على مجاريكلام العرب، لهذاكانت طريقة العرب في بناء شعرهم جديرة بالاهتمام لاتساعها لكل إضافة جديدة، الغابرين ، أو تحطيم تلك المفاهيم ، مرجع سابق ،  الخاتمة: مرجعية الفكر العربي الإسلامي هي مرجعية المعرفة الإلهية التي لا تعرف الانقطاع ، لأنها تحتضن في جوهرها ، ومقوماتها مرونة التعامل معكل ما يطرأ على حياة الناس، من تحولات فكرية وإبداعية جديدة، قادرة على الإضافة والتجدد والاستمرار ، فيما يخص المنتج البشري المنتمي إلى هذه المرجعية الربانية، وما دار حولها من حركة فكرية استمدت عطاءاتها من هذه المرجعية التي تمثل المعرفة الحقيقية لقضايا الكون والحياة والناس، لذلك يفترض في المفاهيم النقدية العربية الفاعلة أن تكون مرنة في اتساع حدودها الوظيفية باتساع طاقات المرجعية المعرفية التي تنتمي إليها، وفق قواعده وحدوده، مادة ولغة ، نتاجهم ، لمعرفة مدى القرب أو البعد عن ذلك النموذج. 21  من هنا قامت هذه الدراسة على توسيع النظرة حول طريقة العرب في بناء شعرهم نشأة ومفهوما من خلال أبواب عمود الشعر العربي ومتعلقاتها، مستعينين على ذلك برصد بعض تلك المفردات من دوائر خارج دائرة الحركة النقدية، وذلك ما تيسر لنا من بنية الشعر العربي في بعض صفاته الاستحسانية أو في ما ضاد ذلك، وقدكشفت هذه المرحلة الأولى من مراحل النشأة التي أطلقت عليها مرحلة استنبات الملامح بعض العناصر والمفاهيم النقدية الوصفية، التي تمحورت مهماتها النظرية حول معيارية الحد ، والتعريف، وتحديد بعض المهمات الأدائية ، وهى مرحلة تكوين العناصر، وكانكتاب البديع لا بن المعتز قمينا بأن يكون بداية هذه المرحلة التي تكونت فيها العناصر عند عدد من النقاد والبلاغيين. وتناولت المرحلة الأخيرة مفاهيم عمود الشعر ومتعلقاتها عند الآمدي والقاضي الجرجاني، والمرزوقي، الذين عالجوا مفاهيم العمود من منطلق الموازنة بين طريقة العرب في الشعر، وكان هدف الآمدي اخراج أبي تمام من دائرة طريقة العرب في الشعر، ص 361. ص4203. 1423هـ، مصر، ص347. بدون تاريخ، 11. ص127. 12.  1387هـ - 1٩67م، ص ۸ – ۹. 15. الوساطة بين المتنبي وخصومه ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1368هـ- 1٩66م، القاهرة، 1٩٩4م،


النص الأصلي

عمود الشعر
إعداد:
الطالبة/ ميهاف زيد إبراهيم الزبيدي
الرقم الجامعي / 441211916
"قضايا بلاغية تراثية"
أستاذ المقرر:
أ.د. السيد عبد السميع محمد حسونة
المملكة العربية السعودية وزارة التعليــم
جامعة القصيــم
كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية
قسم اللغة العربية وآدابها
العام الجامعي 1444هـ -2023م

1


الفهرس
المحتويات المقدمة: .....................................................................................3
استنبات الملامح: ...........................................................................4 نشأة قضية عمود الشعر (الأفضلية بين القدماء والمحدثين): .................................7 تأثر عبد القاهر الجرجاني بكتاب الآمدي "الموازنة":.......................................10 جهود عبد القاهر الجرجاني في مقاييس عمود الشعر: .....................................12 المرزوقي واضافة مقاييس جديدة لعمود الشعر: ...........................................13 المراجع ....................................................................................23
2

المقدمة:
يدور على ألسنة المثقفين في أيامنا هذه مصطلح حول الشعر العربي في صورته التي توارثناها، والتي تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل. ذلك هو مصطلح "الشعر العمودي " وما أحسبكل الذين يطلقون هذا المصطلح أرادوا أن بين الوان من القول فقط دون ان يحمل هذا نوعا من الانتقاص من الشعر العربي في صورته
المألوفة والحط من قيمته والترويج للون آخر من الألوان. وبادئ ذي بدء نقول: إن الذين أطلقوا مصطلح "الشعر العمودي" أرادوا به الشعر الذي يجيء على شطرين متماثلين. وعلى بحر من بحور الشعر المعروفة التي استنبطها الخليل بن أحمد الفراهيدي وأكملها الأخفش ببحر اطلق عليه المتدارك ومعنى هذا أن الذين يرددون هذا القول يحصرون عمودية الشعر في الوزن وحده فالشعر الذي يجيء على هذا البحر ويلتزمه يسمى شعًرا تقليدًيا، أما الشعر الذي ينفض يده من الوزن بهذه الصورة فهو الشعر الحر أو الشعر الحديث. 1
1 توفيق الفيل، أستاذ البلاغة المساعد بقسم اللغة العربيةكلية الانسانيات، عمود الشعر-دراسة في المصطلح النقدي، جامعة قطر،ص127.
3

ُ
استنبات الملامح:
العمد في اللغة: القصد ، والعمود: الذي تحامل الثقل عليه من فوق ، كالسقف وعمد الشيء أقامه ورفعه قال تعالى: ت َ َر رو َن َه ُا  . 1 وفي الحديث النبوي الشريف رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد"2.
َهََََََََََٰٰرََ
ٱللُُُّٱ ِلَّيُرفعُٱلسمو ِتُُبِغيُۡعم ٖد ِ
والعرب تصف ذا الحسب والنسب الرفيع فتقول: رفيع العماد. قال الأعشى:3 طويل النجاد رفيع العماد يحمي المضاف ويعطي الفقيرا
وقالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:4 طويل النجاد رفيع العمـاد ساد عشيرته امـــــردا
وقال عمرو بنكلثوم:5 ونحن إذا عماد الح ّي خّرت على الأحفاض نمنح من يلينـا
وعمود الأمر: قوامه الذي لا يستقيم إلا به. وعميد القوم وعمودهم سيدهم وعمود الصبح أول وقت الفجر قال أبو تمام:6
نسبكأن عليه من شمس ال ُّضحى نورا ومن فلق الصباح عمودا ً
1 سورة الرعد، الآية:2. 2 الترمذي، الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي "نشر مكتبة الباز السعودية بدون تاريخ" ،جـ5، ص ۱۲. 3 ديوان الأعشى، بيروت،1404هـ- ۱۹۸۳م،ص87. 4 ديوان الخنساء، بيروت، بدون تاريخ، ص33. 5 أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، تحقيق ، على محمد البجاوي، مصر ،1387هـ- 1٩67م، ج1، ص347. 6 ديوان أبو تمام، تحقيق: محمد عبده عزام، مصر،1٩64م،ج1، ص413.
4

ويقال استقام القوم على عمود رأيهم: أي على الوجه الذي يعتمدون عليه1. حركة المعنى المعجمي لمادة "عمد" تشير إلى أن العمود أساس الشيء وصلبه ولما كان الشعر نتاج معاناة ومكابدة، ومشقة نفسية وذهنية تشاكل ما ألف الناس احياًنا ، وتنحرف عن ذلك الإلف حينا آخر،كان الاتجاه إلى وضع مفاهيم نقدية لمثالية الشعر أمًرا على درجة من الأهمية عندكثير من النقاد، والمهتمين بالدراسات الأدبية، للإفادة منها فيكشف عناصر الصنعة الشعرية من حيث قيمها الأدبية والمعرفية ، وبيان ما طرأ على تلك القيم من تطّور في دائرة المشاكلة أو تغيير في
دائرة الانحراف.2 وما الموازنة بين شاعر وشاعر وبين مذهب شعري وآخر أو بين مدرسة أدبية وأخرى إلانماذجحية،فيحركةالنقد،تحاولإيضاحمواطنالالتقاءوالاختلاف،والاتباع ، والابتداع ، وكشف طبائع الملكات الإبداعية المركوزة في النفوس ما أمكن ، من حيث إسماحها وتعصيها ، ولهذاكانت مهمة عمود الشعر العربي في نظر المرزوقي محاولة ليتميّز تليد الصنعة من الطريف وقديم نظام القريض من الحديث ، ولتعرف مواطىء اقدام المختارين فيما اختاروه ، ومراسم إقدام المزيفين على مازيفوه ، ويُعلم ايضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع ، وفضيلة الأتي السمح على الأبي الصعب".3
وقد بدأ مفهوم العمود في دوائر غير دائرة الشعر، إذ انتقل من دائرته الحسية عندماكان يعني في دلالته المعجمية، العمود الذي تحامل النقل عليه من فوق، إلى
1 ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الأفريقي، لسان العرب، بيروت، 1414هـ، مادة عمد، ج3، ص305. 2 الحارثي، محمد مريسي، عمد الشعر العربي-النشأة والمفهوم، مكتبة الملك فهد الوطنية،ط1، 1417هـ- 1٩٩6م، ص40. 3 المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، تحقيق: أحمد أمين، وعبد السلام محمد هارون، مصر، 1387هـ - 1٩67م، ج ۱، ص ۸ – ۹.
5

دوائر مجازية، فأصبح ذو الحسب، والنسب، رفيع العماد، والصلاة عمود الإسلام، وهناك عمود الصبح، وعمود القوم، وعمود الرأي، وعمود الخطابة، وعمود البلاغة، وعمود الرثاء، وعمود الفخر، وعمود الملكة الإبداعية، وعمود المعنى وهو صورته الخاصة به، وعمود الشعر ويتضح أن إضافة العمود إلى بعض فنون القول مؤشر واضح إلى اكتناز هذا المفهوم لمجموعة من القيم، والمعايير ، والمقّومات ، والخصائص
، المتمثلة في الفن القولي المضاف إليه العمود.1 ومن أقدم الإشارات إلى استخدام لفظ العمود بمعنى أساس الشيء وصلبه، ما
ذكر الأصبهاني على لسان الطرماح بن حكيم، فقد وفد الطرماح على مخلد بن يزيد المهلبي ، ولم ينشد شعره قائ ًما ، إدلالاً بنفسه الشاعرة ، واعتدا ًدا بقيمة الشعر فلما سئل عن ذلك قال:" ماحق الشعر أن أقوم له ، فيحط مني بقيامي، وأحط منه بضراعتي، وهو عمود الفخر، وبيت الذكر لمآثر العرب.2 فارتبط مفهوم العمود هنا بظاهرة سلوكية، ثم ارتبط بعد ذلك بدوائر قولية عند بعض النقاد، فقد أشار الجاحظ إلى أن رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخّير الألفاظ ، والمحبة مقرونة بقلة الإستكراه.3 فالجاحظ يهتم في وضع أسس البلاغة بعد الطبع، بالصفات المتمثلة في عمود الخطابة،كالدري، والموهبة الاكتسابية ، الخاصة برواية الكلام، وعلم الإعراب والدقة في تخير اللفظ وضوًحا، وفصاحة، وبعدا عن الاستكراه ، والتعقيد، وكان ثعلب
1 اسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: ريتر، استانبول، 1٩54م، ص 361. 2الأغاني، الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد، أبو فرج ، تحقيق: إبراهيم الإيباري، مصر،13٩8هـ-1٩6٩م، ج12،ص4203. 3البيان والتبيين، الجاحظ، عمرو بن بحر الكناني، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423هـ، ج1،ص44.
6

يرى أن البيت المستقل بنفسه هو أقرب الأبيات من عمود البلاغة، يعني بلاغة الكلام.1
أما الخطابي فقد استخدم العمود أسا ًسا لصفات البلاغة، وذلك في قوله:" ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات ، هو وضعكل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به ، الذي إذا أبدل مكانه غير جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام ، وإما ذهاب
الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة".2
نشأة قضية عمود الشعر (الأفضلية بين القدماء والمحدثين):
مما يلفت النظر ما يذهب إليه بعض المشتغلين بالأدب من أن الحداثة لم تعد تتسع لما يسمى "بالشعر الحر" فقد اصبح هذا النوع من الشعر متأخًرا لا يساير تطور الفنون و أصبحت الحداثة عندهم لما أطلقوا عليه "قصيدة النثر" وهكذا لا يكتفي أولئك النفر بالخروجكامل عن ما ألفه العرب وسارت عليه أجيالهم بل عمدوا الى قطع الصلة تماًما بهذا الفن واذاكانت " التفعيلة" هي الصلة الباقية التي تذكرهم بالخليل وبحوره وتفاعيله وبالعرب وفنونهم وشعرهم فلتذهب هذا التفعيلة الى
الجحيم تحت مسمى "الحداثة".3
1 قواعد الشعر، أبي العباس، أحمد بن يحيى ثعلب، تحقيق: محمد عبدالمنعم خفاجي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر،1367هـ- 1٩48م، ص7٩. 2 ، ثلاث رسائل في اعجاز القرآن، الرماني، الخطابي، الجرجاني، تحقيق: محمد خلف الله، محمد زغلول سلام، دار المعارف، مصر،1387هـ- 1٩86م،ص2٩. 3 توفيق الفيل، مرجع سابق، ص128.
7

إن أول مرة نتلقى فيها بهذا الاصطلاح النقدي في القرن الرابع الهجريكانت على يد الناقد الفذ علي بن عبدالعزيز الجرجاني صاحبكتاب "الوساطة بين المتبني وخصومه" ولقد وجد القاضي الجرجاني متغيرات اصابت الشعر العربي بعد الاتصال بالحضارات المختلفة واتساع ثقافة الشعراء وبالتالي اتساع الخيال المبدع لديهم وادخالهم في الشعر أمورا لم تكن مألوفة من قبل وهي أمور صدمت العقلية التي الفت بساطة التعبير التلقائية فيه1.ومالت إلى ما جاء عفو الخاطر ومن خلال البديهة والبعد عن التجويد الفني واعمال الفكر حتى اننا نجد من بين الناس من لا
يقبل شعر ابي تمام. ورصد القاضي الجرجاني بعض المتغيرات التي اصابت الشعر وكان من بين الشعراء الذين اسهموا في هذا التعبير " أبو الطيب المتنبي " الذيكان محور الوساطة التي قام بها القاضي الجرجاني. لقد انقسم الناس حول المتنبي إلى فريقين: فريق يراه الشاعر الحقيق بهذا الاسم على نحو ما نجد عند ابي العلاء المعري فقد سما من وجهة نظر هذا الفريق بالفن وبلغ به غابة الاتقان والأحكام وحول الحكمة إلى شعر بعد أن اضفى عليها جمال الشعر واخرجها من جفاف الفكر الى حيث خصوبة الخيال وجمال العبارة. وفريق يراه غير جدير بهذا الاسم فشعره يتكئ على غيره وحكمه مأخوذة من هنا وهناك وليس له منها إلا أقل القليل وقد شغل هذا الفريق بالكتابة عن سرقاته وما اخذه من غيره على نحو ما فعل الصاحب بن عباد وغيره.
2 الآمدي : الحسن بن بشر : المتوازنة بين الطائيين ، ص20 - المرشح في مآخذ العلماء على الشعراء، للمزرباني، ص465 ، 466.
8

ووسط هذا الصراع الذي لا يتلقى فيه فريق بالآخر ويبعد فيهكل منهما عن النصفة والانصاف يظهر القاضي الجرجاني ليقوم بالوساطة بين المتخاصمين لكن هذا الوساطةكانت في الحقيقة أوسع مدى من الوقوف عند ابي الطيب المتنبي . والسبب في ذلك ان المتنبي لا يعدو أن يكون حلقة من سلسلة متصلة الحلقات نبدأ من تلك الفترة الضاربة في القدم والتي بدأت فيها المحاولات الأولى للشعر ضعفة وهنانة واخذت تقوى وتستقيم حتى استوت فنا له قيمته على نحو ما وصل الينا من شعر
كبار الشعراء.1
صاحب قضية عمود الشعر: الآمدي فيكتاب الموازنة بين أبو تمام والبحتري:
على الرغم مما نجد في عبارات الآمدي من تحديد لبعض النواحي التي خرج فيها أبو تمام على ما يسمى "عمود الشعر" فإن فيها تعميًما أوقع الباحثين في لبس. ذلك لأن الآمدي لم يحدد مذهب الأوائل الذي أشار الى خروج الشاعر عليه، والتزام البحتري به.كما ان مفهوم الطبع عنده يختلف عن مفهوم الطبع عند غيره من النقاد، فهو عنده مقابل للصنعة الفنية وعند بعض النقاد يعني الموهبة. يقول القاضي الجرجاني: " انا أقول – ايدك الله – أن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء ثم تكون الدربة مادة له وقوة لكل واحد من أسبابه فمن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرز وبقدر نصيبه منها تكون متربته من
الاحسان " 2. ويبدو أن الآمدي ومن سلك طريقه من الذين يجعلون الطبع مرادفًا للبديهة والارتجال والتلقائية لا يزالون تحت سيطرة ماكان يعرف في النقد اليوناني وبخاصة
1 الوساطة بين المتنبي وخصومه ،الجرجاني، أبو الحسن علي بن عبدالعزيز، تحقيق: علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي،1368هـ- 1٩66م، ص 33-34.
9

عند افلاطون بالإلهام او عند العرب بشياطين الشعراء أولئك الذينكانوا يقولون من خلالهم والذين يعبر عنهم الشاعر العربي القديم بقوله:
إني وانكنت صغير السن وكان في العين تبوعني فإن شيطاني أمير الجن يذهب بي في الشعركل فن
ولكن ما نراه لا يتفق وما يذهب اليه الآمدي ففي شعر البحتري شيء غير قليل من الصنعة الفنية وفي شعر الشعراء الذين سبقوه من الجاهلين والاسلامين شيء غير قليل من الصنعة أيضا فالشعر عند العرب – صناعةككل الصناعات – تلك
عبارتهم.
تأثر عبد القاهر الجرجاني بكتاب الآمدي "الموازنة":
لقد القى القاضي الجرجاني الكثير من الأضواء على ما يراد بشرف المعنى حيث بين ان المقصود بذلك ليس تناول الفضائل الإنسانية والمثل الأخلاقية دون سواها فالدين والأخلاق شيء والشعر شيء مختلف عنهما وله قوانينه التي يحتكم اليها في
حسنه او قبحه ، يقول القاضي الجرجاني: " فلوكانت الديانة عاًرا على الشعر وكان سوء الاعتقاد سببًا لتأخر الشاعر لوجب
أن يمحى اسم أبو نواس من الدواوين ويحذف ذكره اذا عدت الطبقات ولكان اولاهم بذلك اهل الجاهلية ومن تشهد الامة عليه بالكفر ولوجب ان يكونكعب بن زهير وابن الزعبري واضرابها ممن تناول رسول الله  وعاب من أصحابه بكما
خرسا وبكاء مفحمين ولكن الامرين متباينان والدين بمعزل من الشعر ".1 1 الوساطة، مرجع سابق، ص64.
10

ويذكر القاضي الجرجاني امثلة لما اخطأ فيد قدامى الشعراء، لكن هذه الأمثلة تأتي أحيانا عن عدم المام الشاعر بصفات الموضوع الذي يتناوله او عدم معرفته لأحواله كأن يصف الضفادع بأنها تخاف الماء او يطلق على الجمل صفة الناقة او يزعم
خروج اللؤلؤ من النهر وهو لا يخرج من غير الملح.1 ولم يقف النقاد القدامى "بعمود الشعر" عندكل من اللفظ والمعنى بمعزل عن
الآخر فلا يوجد معنى دون وجود لفظ يشير اليه ويدل عليهكما لا يوجد لفظ لا يعبر عن معنى أياكان هذا المعنى ولهذا عادوا الى هذين الشقين ونظروا اليهما معا وقالوا ان عمود الشعر لا يستقيم ما لم يتم الائتلاف بين اللفظ والمعنى . وكانت هذه النقطة جديرة بالنظر من النقاد لأنها تنظر الى هذين العنصرين دون تمييز بينهما فهي لا تبحث أي العنصرين افضل من الاخر ومن ثم ينظر الى الفن من ناحيته
بل ترىكل منهما يكمل الآخر. وقد وجد النقاد أنكل معنى له لفظ يليق به وهو احق بالتعبير عنه وذلك ما
نجده في صحيفة بشر بن المعتمر الذي يرى انه من حق المعنى الشريف أن يكون له اللفظ الشريف وقد سبقت الإشارة الى المراد بالشرفكما ان القاضي الجرجاني يرى أن أنواع الشعركلها لا تجري مجرى واحدا. فلكل منها مذهب وطريق ولهذا يرى: "أن تقسم الالفاظ على رتب المعاني فلا يكون غزلككافتخارك ، ولا مديحك كوعيدك ، ولا هجاؤككاستبطائك ، ولا هزلك بمنزلة جدك ، ولا تعريضك مثل تصريحك . بل ترتبكلا مرتبته وتوفيه حقه ، فلتطف اذا تغزلت ، وتفخم اذا افتخرت ، وتتصرف للمديح تصرف مواقعه . فان المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف ووصف الحرب والسلاح ليسكوصف الجلس والمدام
1 الوساطة، مرجع سابق، ص10 وما بعدها.
11

فلكل واحد من الامرين نهج هو املك به وطريق لا يشاركه الاخر فيه، والقاضي الجرجاني لا يخص الشعر بهذا القول بل يطلب تحققه في الكتابة أي ًضا. 1
جهود عبد القاهر الجرجاني في مقاييس عمود الشعر:
لقد اتخذ القاضي الجرجاني من الشاعر محورا للدراسة التي يمكن القول بأنها شملت ً
ما سبقت من شعر الشعراء الآخرين ومثل هذه الدراسةكان ضروريا ليستطيع الناقد الكشف عن شاعرية ابي الطيب ومدى اجادته في فنه او اخفاقه فيه وهذاكله لابد ان يكون من خلال مقاييس موضوعية يحتكم إليها وان هذه المقاييس سوف تكون متطورة عن المقاييس التيكانت سائدة قبله. ومن هنا وجد القاضي الجرجاني من المهم أن يبين المقاييس التيكان العرب يحتكمون اليها ويفضلون بها هذا الشاعر على ذاك او ينزلون بها هذا الشاعر عن غيره من معاصريه. أما تلك المقاييس فهي التي يقول فيها:" وكانت العرب انما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحس بشرف المعنى وصحته وجزاله اللفظ واستقامته وتسلم السبق لمن وصف فأصاب وشيه فقارب، وبده فأغزر ، ولمنكثرت سوائر امثاله وشوارد ابياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة،
ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض".2
فمن الواضح أنكلمة "عمود الشعر" تأتي في ختام هذه العبارة التي اخذناها عن صاحب الوساطة وهي من غير شككانت محصلة آراء النقاد الذين سبقوا القاضي الجرجاني أياكانت المدرسة الفكرية والفنية التيكان ينتمي اليها هؤلاء النقاد.
1 الوساطة، ص24. 2 الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص33 ، ص 34، ط4 البجاوي.
12

وبعد محاولة القاضي الجرجاني التي أشار فيها الى ما يطلق عليه "عمود الشعر" جاء المرزوقي شارح ديوان الحماسة الذي جمعه أبو التمام وفي المقدمة التيكتبها المرزوقي تحدث عن عمود الشعر حديثا مفصلا بين من خلاله اسسه والمعايير التي يمكن
العودة اليها في الحكم بالتزامه أو البعد عنه.
المرزوقي واضافة مقاييس جديدة لعمود الشعر:
لقد وجد المرزوقي تحولا في الصناعة الفنية، وجنوحا عن أساليب العرب ورغبة في
ً
احداث الوان طريفة من التعبير فاراد أن يميز بين الاتجاهات المختلفة التي تسير على
ً
طرق العرب وتهتدي بخطى السابقين وتشعر بحسنه وما يضفيه على الفن الشعري من الجدة فتعتمد الى تنميته والاكثار منه.
يقول المرزوقي: "واذاكان الامر على هذا فالواجب أن يتبين ما هو (عمود الشعر) المعروف عند العرب ليتميز تليد الصنعة من الطريف وقديم النظام القريض الحديث ولتعرف مواطئ اقدام المختارين فيما اختاروه ومراسم اقدام المزيفين على ما زيفوه ويعلم أيضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع. فنقول وبالله التوفيق (انهمكانوا يحاولون شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته والاصابة في الوصف ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثةكثرت سوائر الامثال وشوارد الابيات والمقاربة في التشبيه والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيد الوزن ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما فهذه سبعة
أبواب هي عمود الشعر ولكل باب منها معيار".1
1 شرح الحماسة، مرجع سابق، ص6.
13

وحين ننظر في تلك الأبواب السبعة التي حددها المرزوقي تحديًدا دقيًقا بعد أن افاد مما قام به القاضي الجرجاني نجد هذه الأبواب منها ما يتعلق بالمعنى وهو الشرف والصحة ومنها ما يتعلق باللفظ وهو الجزالة والاستقامة ومنها ما يتعلق بهما مًعا وهو المشاكلة بين اللفظ والمعنى ومنها ما يتعلق ببناء الصورة وهو المقاربة في التشبيه ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومنها ما يتعلق ببناء القصيدة واختيار الوزن الملائم لها. وأول المبادئ التي تصادفنا في عمود الشعر والتي اخذت شكلها النهائي مصطلحات نقدية على يد المرزوقي هو ما اطلق عليه شرف المعنى واهتمام نقادنا القدامى بالمعنى واعلائهم من قدره و ارجاع حسن الصنعة إليه في بعض الأحيان – وعند بعض النقاد – يدل على انهم لم يكونوا يقبلون الشعر الفارغ في المعاني أو فارغ المحتوى وابن قتيبة يضع الشعر في مراتب اعلاها ما حسن لفظه ومعناه وادناها ما ساء فيه اللفظ ولم يشتمل على معنى جيد والثاني ما حسن فيه المعنى وقصر اللفظ عن الوفاء أما المرتبة الثالثة فهي التي تعنينا هنا والتي يقال عنها أن لفظها حسن
ولكن اذا فتشتها لم تجد فيهاكثير معنى وقد مثل لهذا النوع من الشعر.
إن هذه الأبواب التي جمعها المرزوقي قد بدأ رصدها منذ بداية التأليف في النقد
العربي، وهى نتيجة لما استنبته النقاد العرب من مفاهيم وتصورات نقدية استقرأوها من الشعر العربي منذ الجاهلية حتى عصورهم التي سجلوا فيها ملاحظاتهم التي اجتمعت في ابواب عمود الشعر ، ولع ّل قضية القديم والجديد في الشعر من أهم القضايا النقدية التي أسهمت فيكشف أبواب عمود الشعر من خلال موازنات النقاد أشعار المتقدمين والمتأخرين من الشعراء المحدثين في العصر العباسي إلى ذلك بعض القضايا النقدية الأخرى التي أسهمت بشكل مباشر ، وغير مباشر في تأسيس بعض القيم الأدبية ، التي اصبحت من أبواب عمود الشعر ،كقضية الطبع والصنعة
14

، وقضية اللفظ والمعنى ، والدراسات التي تناولت اعجاز القرآن ، وبعض المواقف النقدية التي عالجت بعض الظواهر الاسلوبيةكظاهرتي الوضوح والغموض ، وكذلك بعض القضايا الأخرى، مثل علاقة الخيال بالصدق والكذب والذهنية والمزاجيّة ،
وبيان المؤتلف والمختلف من خصائص الشعر والنثر.1 ويبدو أن الدوافع التي دفعت المرزوقي إلى جمع ابواب عمود الشعر لا تختلف عن
الأسباب التي دفعت ابن المعتز إلى تصنيفكتابه " البديع " إلا في طبيعة الظاهرة الأدبية ، فالمرزوقي يشير إلى أهمية معرفة وظيفة عمود الشعر المعروف عند العرب ، لبيان تليد الصنعة من الطريف ، وعلى هذا فالأبواب التي شرحها المرزوقي قد استقر العرف العربي حولها. أما ابن المعتز الذي ألفكتابه في دائرة البحث البلاغي فقد أشار إلى أن الشعراء المحدثين الذين اتكأوا علي فنون البلاغة في صنعتهم الشعرية ، لم يسبقوا إلى استخدام فن البديع " ولكنهكثر في اشعارهم ، فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم فأعرب عنه ، ود ّل عليه". مؤكداً " أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين
إلى شيء من أبواب البديع".2
حينكتب المرزوقي مقدمة على شرحة لحماسة أبي تمامكانت القضايا التي يود ان يعالجها واضحة تمام الوضوح امام عينيه مثلماكان تمثله للنظريات النقدية التي تصدى لها نقاد القرن الثالث والرابع تمثلا دقيًقا سليًما ولذلككتب في النقد الادبي مقالة
نظيرها تنم عن ذكاء فذ وفكر منظم.3 1 توفيق الفيل، مرجع سابق، ص40.
2 كتاب البديع، ص1-3. 3 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، احسان عباس، دار الثقافة،بيروت،1404هـ-1983م،ص398.
15

لقد رأى المرزوقي ان المشكلات التي تسمح له بالخوض فيها مقدمة موجزة على شرح مجموعة من الشعر لا تتعدى ثلاثاكبرى تتفرع فيكل منها فروع ، الأولى: مشكلة اللفظ والمعنى وانصاركل منها . والثانية: مشكلة الاختيار . والثالثة : مشكلة العلاقة
بين النظم والنثر.
وكان قد اطلع على اراء ابن قتيبة وابن طباطبا وقدامة الجرجاني (وربما الآمدي) ولا استبعد ان يكون قد قرأ الصاحبي لابن فارس ولكنه لم يأخذ من آرائهم الا ما تفرضه حدود موضوعه وتجنبكثيرا من آرائهم القيمة لأنه لا يريد ان يتجاوز ما رسمه لنفسه.
وربما بدأ لأول مره ان المرزوقي عاد يكرر الثنائيات السابقة: من مثل اللفظ والمعنى والصدق والكذب والطبع والتكلف وما اشبه ولكن هذه الثنائياتكانت تقتضيها طبيعة مقدمته أولا، ثم انه لم يمض عنها حيث تركها أصحابها بل أضاف اليها ما اسعفه به فهمه وتصوره .حتى ان مقدمته لتعد نموذجا جيدا في البناء الجديد على
أسس قديمة.
واضعف المشكلات الثلاث في مقدمته هي المشكلة الثالثة لأنها محاولة لتفسير ظاهرة عملية تتفرع في ثلاث فروع: (أ) المفاضلة بين الشعر والنثر (ب) السبب في قلة البلغاء وكثرة المفلقين (جـ) السبب في قلة البلغاء وكثرة الشعراء ، وقد عاد المرزوقي الى تلك الخصومة التي عرضها المتفلسفون من نقاد القرن في المفاضلة بين الشعر
والنثر.1
فذهب إلى أن النثر افضل مستدلا على ذلك بان الخطابةكانت لدى الجاهلين اهم من الشعر وانهمكانوا يأنفون من الاشتهار بالشعر ويعده ملوكهم دناءة (وهي قضية
1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ،ص399.
16

سيتصدى لها ابن رشيد بالرد)كذلك فان الشعراء حطوا من قيمة الشعر بتعرضهم للسرقة حتى قيل "الشعر ادنى مروءة السري واسرى مروءة الدني"(وهو موقف سينقضه ابن رشيق أيضا ) وثالث الأدلة على شرف النثر ان الاعجاز بالقرآن لم يقع بالنظم ولهذه الأسبابكان النثر ارفع شأنا من الشعر ومن ثم تأخرت رتبة الشعراء عن الكتاب وقد شهدنا نظائر لهذه التعديلات عند نقاد القرن الرابع وهي محاولة لتفسير ماكان سائدا في المجتمع من رفعة الكتاب وانخفاض شان الشاعر ولكنها لا تتصل
عند المرزوقي بالفكرة الفلسفية المحرفة عن صدقة المخاطبة وكذب الشعر.
ويعلل المرزوقي قلة المترسلين وقلة المفلقين بالفرق بين مبنى الترسل ومبنى الشعر: وخلاصة رأيه في هذه المسالة الدقيقة ان مبنى الترسل فيه "استرسال" لابد من تحقيقه بحيث تصبح القطة النثرية وحدةكاملة تقبضها الافهام جميعا عن اختلافها وتباينها ام الشعر فانه لا يكلف صاحبه هذا الجهد لأنه يعمل قصيدته بيتًا بيتًا فلا يتسع في التوضيح وانما يكتفي بالإشارة واللمح في بيان المعنى " فكل ما يحمد في الترسل ويختار ويذم في الشعر ويرفض "وهذا أول رد على نظرية ابن طباطبا الذي اقام
القصيدة على نموذج الرسالة.1
وبسبب اختلاف المبنيين اختلفت الإصابة فيهما لتباين طرفيهما واصبح من العصب على المرء ان يكون شاعًراكاتبًا حتى الرجز والقصيد ربما لم يتمكن الواحد ان يحسنهما بالتساوي فكيف بالنثر والشعر وبينهما من التباعد اكثر مما بين الرجز والقصيد.2
1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ،ص399-400. 2 شرح الحماسة، مرجع سابق،ص19.
17

قضى المرزوقي على قول من قد يقول: الشعراء اعرف الناس بنقد الشعر ولم يلتفت الى ما حدث في تاريخ النقد العربي ، لم يلتفت الى ان ابن المعتز وابن طباطبا والآمدي والجرجاني وغيرهمكانوا شعراء.
ولكن ابن فارسكان قد قال من قبل: ان اختيار الشعر موقوف على الشهوات، فيتصدى المرزوقي للرد عليه دون ان يسميه وذلك بلجوئه الى القول بوجود مقاييس نقدية عامة يشترك فيها زيد وعمرو وان من اتقن تلك المقاييس وتدرب على استعمالها " لا ينظر الا بعين البصيرة ولا يسمع الا بأذن النصفة ولا ينتقد الا بيد المعدلة ". ولا بد لهذا الناقد من معرفة الجيد والرديء فأما معرفة الجيد وحده فإنها لا تصنع ناقدا واذا شئت ان تعرف النواحي السلبية فارجع الى ما ذكره قدامة ( دون ان يذكر المرزوقي اسمه ) حول اللفظ الوحشي وقلق القافية وفساد القسمة والتقابل والتفسير والتناقض في المعنى ، وارجع الى ما قالهكل من قدامة والجرجاني ( دون ان يذكر المرزوقي اسميهما ) حول الخروج عن العادة والطبع وحول الحشو وما الى ذلك . نعم ان الناقد الحاذق قد يحيل أحيانا على طبعه فيقول : " فكذا قضية طبعي " ( ويكون ناقداًكالذي وصفه الآمدي والجرجاني) ولكن هذا لا يحدث الا حين نطالبه بالخصائص الإيجابية للشيء المفقود فأما الخصائص السلبية فان التنبيه عليها ممكن وإقامة البرهان فبها مستطاع ، وكأن المرزوقي يرى ان الكشف عن صنوف الرداءة سيبقى في مجال الاستحسانكل ما لم يوصم بشيء من الرداءة فإظهار مساوئ قصيدةكفيل أيضا بالإبانة عما لا مساوئ فيه وهذا يعد في باب الجيد فيقبله الذوق
السليم وان لم يستطع ابراز ما فيه من صفات الإيجابية.1
1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ،ص401-402.
18

ومثل هذه المقاييس المنطقية تمنح العيار جاهزية مسبقة ينظر بها إلى النصوص الأدبية وفق منطقه، مع أنه يفترض في النص أنه هو الذي يستدعي المعيار المناسب لمكوناته البنائية، وهذه المعيارية التي يجد فيها النص فرصة التعامل معها من داخل النص هي المعيارية القادرة على تفعيل النقد تفسيرا ، وتقويما ، لذلك لم تكن المفاهيم النقدية في
ً
عمود الشعر مفاهيم قياسية بقدر ماكانت مفاهيم فنية تهتم بتوصيف الظاهرة
الأدبية، متخذة من الطبع مرتكًزا لتقديراتها المعيارية، ومنتمية في منطلقاتها إلى خصوصية الفكر العربي من حيث القيم المعرفية، وإلى خصوصية اللغة العربية من حيث القيم الصياغية، إذ من الصعوبة بمكان أن تنفصل مهمة عمود الشعر العربي عن سياقها الفكري مادة ولغة ، لأن الفكر وحدة متكاملة تؤثر بنياته التي يتكون منها في بعضها ، والفكر القائم على أسس معرفية صحيحةكالفكر العربي مؤهل لضم بنياته العديدة من صورة التعدد إلى صورة الوحدة التكاملية ،وهذا ما تلمسه في بنيات الفكر العربي الإسلامي الذي لا تستقل بنية من بنياته بمهمتها بمعزل عن البنيات الأخرى ، وهذه النظرة الشمولية لتفعيل الفكر وفق تصورات متجانسة تمنح تلك البنيات الحيوية المستمرة باستمرار حياة الفكر وعطائه، وهذا ما تنفرد به المفاهيم النقدية العربية المنتمية من خصوصية استمرار الحياة في وظائفها، دونما انقطاع يؤثر
على مهمتها أو يجعلها صالحة لمرحلة دون غيرها من مراحل التحولات الإبداعية.1
19
ً
1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ، ص 531.

وهذا ما تحقق في طريقة العرب المتمثلة في قواعد عمود الشعر العربي و متعلقاتها التي أكدت على أهمية جريان لغة الشعر العربي على مجاريكلام العرب، لهذاكانت طريقة العرب في بناء شعرهم جديرة بالاهتمام لاتساعها لكل إضافة جديدة، واحتضانها شعراء العرب المنتمين للفكر العربي جميعهم، الغابرين ، والخالفين دونما انقطاع الأجيال ، حتى وإن خرجت بعض الأشعار على شيء من قيم مفاهيم العمود لأن الإضافات الجديدة ليست مرهونة في نجاح مهمتها بتجاوز القار من المفاهيم النقدية، أو تحطيم تلك المفاهيم ، وليس أدل على ذلك من أن أية قراءة نقدية معاصرة لابد أن تستند في أدواتها الإجرائية الأساس على الكثير من قيم عمود الشعر
العربي ومتعلقاتها.1
20
1 تاريخ النقد الأدبي عند العرب، مرجع سابق ،ص 532.

الخاتمة:
مرجعية الفكر العربي الإسلامي هي مرجعية المعرفة الإلهية التي لا تعرف الانقطاع ،
لأنها تحتضن في جوهرها ، ومقوماتها مرونة التعامل معكل ما يطرأ على حياة الناس، من تحولات فكرية وإبداعية جديدة، قادرة على الإضافة والتجدد والاستمرار ، فيما يخص المنتج البشري المنتمي إلى هذه المرجعية الربانية، وما دار حولها من حركة فكرية استمدت عطاءاتها من هذه المرجعية التي تمثل المعرفة الحقيقية لقضايا الكون والحياة والناس، لذلك يفترض في المفاهيم النقدية العربية الفاعلة أن تكون مرنة في اتساع حدودها الوظيفية باتساع طاقات المرجعية المعرفية التي تنتمي إليها، لتكتسب من هذا الانتماء القرب من صفات الاتصال والتحصن ضد أسباب الانقطاع مما يجعل المفاهيم النقدية العربية المنتمية قابلة للتطور والتوسع والإضافة، إذكلما نبتت المعيارية النقدية من طبيعة الفكر الذي يتحرك في دائرته المعيار ،كان ذلك من اسباب انفتاح المعيار علىكل منتج أدبي تتوافر فيه مقومات الانتماء إلى ذلك الفكر وهذا الذي يمنح العيار النقدي العربي مشروعية الإضافة والاستمرار والفاعلية ، لهذا لم يكن المعيار النقدي الفاعل قانوًنا إلزاميًا يضبط النشاط الإبداعي ويفرض سلطته القانونية على طرائق الأدباء، وفق قواعده وحدوده، ومنطقه خارج خصوصية الفكر ، مادة ولغة ، لأن الأمر لوكانكذلك لقام النموذج الأدبي المثالي ، الذي توافرت في بنائه قوانين الصنعة وأصبح ذلك النموذج مثال الاحتذاء الذي يقيس عليه المتأخرون من الأدباء
نتاجهم ، لمعرفة مدى القرب أو البعد عن ذلك النموذج.
21

من هنا قامت هذه الدراسة على توسيع النظرة حول طريقة العرب في بناء شعرهم نشأة ومفهوما من خلال أبواب عمود الشعر العربي ومتعلقاتها، لما أرتأيناه من حاجة هذه الأبواب إلى استنبات مفرداتها، وملامحها الأولية من مظانها في حركة النقد العربي، مستعينين على ذلك برصد بعض تلك المفردات من دوائر خارج دائرة الحركة النقدية، وذلك ما تيسر لنا من بنية الشعر العربي في بعض صفاته الاستحسانية أو في ما ضاد ذلك، وفي بيئة علماء اللغة ، وبيئة الكتاب ، وقدكشفت هذه المرحلة الأولى من مراحل النشأة التي أطلقت عليها مرحلة استنبات الملامح بعض العناصر والمفاهيم النقدية الوصفية، التي تمحورت مهماتها النظرية حول معيارية الحد ، والتعريف، وتحديد بعض المهمات الأدائية ، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من مراحل النشأة، وهى مرحلة تكوين العناصر، التي بدأت منذ بداية التأليف المنظم الذي تناول مادة علمية محددة ، وكانكتاب البديع لا بن المعتز قمينا بأن يكون بداية هذه المرحلة التي تكونت فيها العناصر عند عدد من النقاد
والبلاغيين.
وتناولت المرحلة الأخيرة مفاهيم عمود الشعر ومتعلقاتها عند الآمدي والقاضي الجرجاني، والمرزوقي، الذين عالجوا مفاهيم العمود من منطلق الموازنة بين طريقة العرب في الشعر، وما تصوروه من خروج على هذه الطريقة في أساليب بعض الشعراء المجددين في العصر العباسي. وكان هدف الآمدي اخراج أبي تمام من دائرة طريقة العرب في الشعر، واهتم القاضي الجرجانيبالدفاععنالمتنبيتمهيًدالإدخالشعرفيدائرةمجاريكلامالعربوعلىطريقتهم، ثم ادخال الشعراء المحدثين جميعهم في طريقة العرب بينما انصبت جهود المرزوقي حول التفريق بين تليد الصنعة وجديدها في الشعر وكشف مقومات المفاضلة في اختيار الشعر
ونقده ، وتمثل أبواب عمود الشعر في نظر خصائص تليد الصنعة.
22

المراجع



  1. اسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: ريتر، استانبول، 1٩54م، ص 361. 2. الأغاني، الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد، أبو فرج ، تحقيق: إبراهيم الإيباري،
    مصر،13٩8هـ-1٩6٩م، ج12،ص4203. 3.البيان والتبيين، الجاحظ، عمرو بن بحر الكناني، دار ومكتبة الهلال، بيروت،
    1423هـ، ج1،ص44. 4. تاريخ النقد الأدبي عند العر ب، احسان عباس، دار الثقافة، بيروت،1404هـ-
    1٩83م، ص3٩8. 5. ثلاث رسائل في اعجاز القرآن، الرماني، الخطابي، الجرجاني، تحقيق: محمد خلف الله،
    محمد زغلول سلام، دار المعارف، مصر،1387هـ- 1٩86م،ص2٩. 6. جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، أبو زيد القرشي، تحقيق ، على محمد
    البجاوي، مصر ،1387هـ- 1٩67م، ج1، ص347. 7. الحارثي، محمد مريسي، عمد الشعر العربي-النشأة والمفهوم، مكتبة الملك فهد
    الوطنية،ط1، 1417هـ- 1٩٩6م، ص40. 8. ديوان الأعشى، بيروت،1404هـ- ۱۹۸۳م،ص87. ٩. ديوان الخنساء، بيروت، بدون تاريخ، ص33. 10. ديوان أبو تمام، تحقيق: محمد عبده عزام، مصر،1٩64م،ج1، ص413. 11. عمود الشعر-دراسة في المصطلح النقدي، توفيق الفيل، أستاذ البلاغة
    المساعد بقسم اللغة العربيةكلية الانسانيات، جامعة قطر،ص127. 12. قواعد الشعر، أبي العباس، أحمد بن يحيى ثعلب، تحقيق: محمد عبدالمنعم
    خفاجي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر،1367هـ- 1٩48م، ص7٩.
    23
    

  2. لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الأفريقي، بيروت، 1414هـ، مادة عمد، ج3، ص305.

  3. شرح ديوان الحماسة، المرزوقي، تحقيق: أحمد أمين، وعبد السلام محمد هارون، مصر، 1387هـ - 1٩67م، ج ۱، ص ۸ – ۹.

  4. الوساطة بين المتنبي وخصومه ،الجرجاني، أبو الحسن علي بن عبدالعزيز، تحقيق: علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي،1368هـ- 1٩66م، ص 33-34.

  5. الموازنة بين أبي تمام والبحتري، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي، دار المعارف، القاهرة، 1٩٩4م، ص20.

  6. الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني،دار الكتب العلمية، بيروت،1٩٩5م، ص465 ، 466.
    24
    


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

أساس الحكم على ...

أساس الحكم على كلمة ما بالخطأ أو الصواب : تنقسم مادة اللغة العربية قسمين : 1 نوع يخضع لقاعدة عامة تج...

Problem in Capa...

Problem in Capacity Planning The company has also faced problem in the capacity planning in terms of...

المطلب الثالث: ...

المطلب الثالث: الخلاف الفقهي في المسؤولية الجنائية الدولية لقد اختلف فقه القانون الدولي الجنائي حول...

قضايا نق دية في...

قضايا نق دية في النثر (1) التكثيف في القصة الأدبي حفل القرن العشرين بمتغيرات وثورات عدة على المستوى ...

إليك النسخة الم...

إليك النسخة المعدلة من النص بعد إزالة التكرار المطلوب: يا منجد، أعترف لك بكلام، ويشهد الله أن كل حر...

أولا- تعريف اله...

أولا- تعريف الهجرة تعرف على أنها ظاهرة اجتماعية تعني انتقال الفرد من مكان إقامته الأصلي إلى مكان آخر...

في الوقت الحاضر...

في الوقت الحاضر، تحتاج المؤسّسات إلى التعلّم أكثر من أي وقتٍ مضى، لتتمكّن من مواجهة المواقف الصعبة، ...

مقدمة : في اطار...

مقدمة : في اطار تطوير الادارة الرقمية وتحسين الخدمات الموجهة لفئة المجاهدين وذوي الحقوق , تم اعتماد ...

تابعت كما تابع ...

تابعت كما تابع غيرى العملية الأخيرة لحركة حماس، وكان انطباعي الأول على رؤية المشاهد المتتابعة عبر ال...

The document “T...

The document “Training Evaluation: Its Role, Methods and Impact in Organizations” offers insights on...

الخواف (الفوبيا...

الخواف (الفوبيا) تعريف الخواف : يقصد بالخواف أو الرهاب أو الفونيا "المخاوف المرضية" وهي المخاوف غير ...

تعتبر دراسة موض...

تعتبر دراسة موضوع القيد في السجل التجاري ذات أهمية بالغة في إطار القانون التجاري ، بحيث تشكل الأساس ...