لخّصلي

يعد عام ١٩٧٢ تحديدا المؤشر على بداية عهد الثقافة البيئية أو كما أطلقنا عليه علاقة الفرد بالبيئة حينما عقدت الأمم المتحدة مؤتمرها الأول عن البيئة البشرية في مدينة استوكهولم . و أوصت المنظمة الدولية ومؤتمرها هذا اليونسكو بإنشاء برنامج عالمي للتربية البيئية ، يهدف إلى الإسهام في حماية البيئة من خلال برامج ومناهج التربية والتعليم ، وبهذه التوصية فإن مؤتمر استوكهولم يكون قد وضع المنظمة الدولية في تحد لم يسبق له مثيل ، كما أرسى حقيقة جديدة وهي بدء التفكير الجماعي المنظم الجاد لمجال جديد من مجالات التربية والتعليم ألا وهو " التربية البيئية " Environmental Education . وهذا المجال الجديد في التربية يحتم على المنظمة الدولية وغيرها من المؤسسات التربوية عبر العالم بوضع الأطر العامة للتربية البيئية والطرق والأساليب التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف التربية البيئية ، وهذا يعني بالضرورة إيجاد استراتيجية عامة ، تعمل على تحويل طاقات الأفراد والمؤسسات في الدول الأعضاء باتجاه تطوير وتنمية التربية البيئية لديها . بعد مرور نحو أكثر من ثلاثين عاما على مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية ، أخذت التربية البيئية موقعا متميزا في النظم التربوية العالمية ، كما وبرزت أهميتها في خلق اهتمام خاص بالبيئة البشرية . وذلك لأن القضايا البيئية المعاصرة تتراكم يوما بعد يوم ، فغالبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة تعمل بحرص شديد على أن تربط خططها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببرامج طويلة الأجل للمحافظة على مواردها الطبيعية التي تعتمد عليها خططها التنموية ، وأصبح واضحا الآن بأن حماية البيئة الطبيعية يمكن أن يتحقق في إطار تنمية عقلانية تعمل على تحسين مستويات معيشة المجتمعات ، وهذا بطبيعة الحال يتطلب إعادة النظر بالنظام العالمي ككل بحيث يكون ذلك النظام مبنيا على العلاقات الدولية المتوازنة والتعاون ، والتبادل بشكل عام وفي مجال التربية البيئية بشكل خاص . ونظرا لأنه تأتي أهمية التربية البيئية بسبب اعتمادها على خصائص كل من الإنسان والبيئة . فإنه يمكننا دراسة وتوضيح أهمية التربية البيئية على ضوء المفهومين الآتيين : 1 - نمو العلاقة بين الإنسان والبيئة : وهي : إن نمو علاقة الإنسان بالبيئة جاء على أربعة مراحل هي ميزة عصر ما قبل النهضة 1. كانت حاجات الإنسان في فجر وجوده على الأرض بسيطة لا تتعدى جمع طعامه من ثمار النبات وأوراقه ، وكان تأثيره في البيئة في تلك المرحلة بسيطا لا يتعدى أثر غيره من أكلات العشب .
ثم تحول حاجاته إلى مرحلة اقتناص الحيوانات والنباتات وأصبح أثره البيئي ذلك أكلات اللحوم ، ونتيجة لذلك تعلم الإنسان تقنية الصيد واكتشف متطورا يشبه في النار ، وبها أصبحت له قدرة على التأثير البيئي تزيد بكثير عن قدرته العضلية . u3.pdf - للقراءة فقط 3. ثم توجه في مرحلة لاحقة إلى الاستفادة من الزراعة ليستكمل سيطرته بذلك على مدخرات البيئية ، فها هو يستعمل مياه الأنهار ويضبطها بالسدود والقنوات ، واستحدث آلات الحرث والري والحصاد ، وباختصار فقد أحدث الإنسان في ن تلك المرحلة تغييرات بيئية بارزة المعالم . ولكنه لم ينشئ في عمله مواد كيميائية غريبة عن الأنظمة البيئية ( المبيدات ) . KA KN 4. أما نقطة التحول الحقيقية في استنزاف الموارد الطبيعية وما صاحبها من تلوث يهدد البيئة قد بدأ منذ الثورة الصناعية في أوروبا في القرن السابع عشر ميلادي وما بعده حيث عرف الإنسان فنون الصناعة والعسكرية المتطورة . ويجب i 36 | 41 ] + 10:44 م ألا ننسى أنه لم ينشئ في عمله مواد كيميائية بل اعتمد على الأخشاب المعالجة ( Processed Wood ) والزيوت الحيوانية ( Fat ) للتدفئة والإنارة فهو بذلك استخدم الطاقة كالآتي : VA A. الطاقة البسيطة ) Low Energy ) للتدفئة والطبخ . B. الطاقة العالية ( High Energy ) للإضاءة . هذه المرحلة مخلفات متعددة أسوة بتجربته الزراعية ( Waste ) . ونتجت في وتكمن أهمية التربية البيئية في كونها تعتمد على مميزات كل من الإنسان والبيئة من ناحية وإلى تطورهذه العلاقة من ناحية أخرى ، والتي تتمثل كما في ( الشكل 1 الوحدة الأولى ) بخاصية الاتصال ما بين عناصر البيئة ( Connection ) والتفاعل بين العناصر البيئية ( Interaction ) وما ينتج من التلوث ( Pollution ) . وإذا أردنا التوافق بين البيئة وإعداد أفراد يحافظون عليها لا بد من توعية المجتمع أو الجمهور من خلال التربية البيئية لدى المجتمع العالمي . هذا وقد أصبحت التربية البيئية اليوم أداة من أدوات المحافظة على البيئة ، يتكافل دورها مع التشريعات البيئية والإجراءات التكنولوجية . وتمتد علاقة الإنسان والبيئة عندما استطاع الإنسان ، بسبب التقدم التكنولوجي ، أن يصل إلى الكواكب وإطلاق الأقمار الصناعية ، وثورة المعلومات في أجهزة الحاسب الآلي ، وثورة العلم في الهندسة الوراثية . وغير ذلك الأمرالذي احتاج إلى موقف إنساني غير خاضع للتكنولوجيا ودون تردد بل موقف يعتمد على حسن أداء الإنسان لدوره في حسن التعامل مع البيئة وصياغة قيمه الأخلاقية لدعم الموقف لمواجهة زحام المرور ، السيارات ، وتكاثف دخان المصانع ، وتلوث البيئة بأشكالها المتعددة . تربية البينية :
القيم السابقة جعلت الحياة المدنية أو التمدن ( Urbanization ) تقف على حافة الهاوية مما تدفع التكنولوجيا بالإنسان لحضارة التطفل ( الاستهلاك على حساب الموارد البيئية من ناحية وعلى حساب حق الأجيال القادمة من ناحية أخرى ) ، وهذا علاوة على ماقد يصاحب المدينة الحديثة من التخلي عن القيم الأخلاقية والسلوكيات ، وانتشار الفساد . كل هذه الأمور تشكل تهديدات واضحة للوجود الإنساني . والتربية البيئة في الحقيقة عبارة عن جهد تعليمي موجه ومقصود نحو المعرفة وتكوين الخبرات لفهم العلاقات المعقدة بين الإنسان وبيئته بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيولوجية والفيزيائية حتى يكون واعيا لمشكلاتها ، قادرا على اتخاذ القرار نحو صيانتها ، والإسهام في حل مشكلاتها ، من أجل تحسين نوعية الحياة لنفسه ولأسرته وللمجتمع وللعالم . ۲ - الفرق بين مفهوم التربية البيئية ودراسة البيئة : بعد توضيح العلاقة بين الإنسان و البيئة والعناصر الأساس التي تشملها ، يجب أن تتخذ من البيئة الطبيعية والاجتماعية محورا لتحقيق أهداف الفهم والوصول إلى غاياته . ويتأتى ذلك من الممارسة والكشف والمشاهدة والمسح البيئي والزيارات الحقلية وتحصيل المعرفة من مصادرها ، أي بدراسة المحيط الطبيعي والحيوي والاجتماعي الذي يعيش فيه الكائن موضوع الدراسة والاتصال بغيره من الكائنات ، ومدى تأثره وتأثيره فيهم . فالتربية البيئية في هذا الإطار هي الغاية التي يمكن أن تتحقق نتيجة لدراسة البيئة واكتساب الخبرات منها والسلوك الراشد تجاهها الذي يضمن المحافظة عليها وصيانتها من خلال الفرد . وعلى سبيل المثال : يتمتع الإنسان بمجموعة فريدة من الصفات تختلف عن باقي الكائنات ، فهو يأتي على الفهم العقلاني وما حباه الله من قدرات مميزة بشكل واضح مكنته من ترويض البيئة ومن هنا فهو يستطيع أن يسيطر على تصرفاته ويحدد نوع النشاط الذي يرغب في ممارسته وفقا لنظام غريزي وإنساني منظم . وأنه قد أدخل الكثيرمن التطور العلمي والتقني الذي جعله قادرا على مواجهة ظروف الحياة المتنوعة .
ومن ناحية أخرى فالبيئة محكومة بتفاعلات طبيعية أساسية تنظم العلاقة أي الاتصال بين مكوناتها بعضها ببعض . وهي غير قابلة للتعديل والتغيير ولكنها تقبل التفاعل ( Interaction ) في حدود قدراتها على التجديد وهذه التفاعلات هي : اعتماد الكائنات الحية على بعضها و ثبات الأنظمة البيئية على تنويع مكوناتها وتعقيدها و " أن موارد البيئة الطبيعية محدودة "