Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الفلاحة هي عملية إنتاج الغذاء، والعلف والألياف والسلع الأخرى عن طريق التربية النظامية للنبات والحيوان. وقد عرف العرب علم فلاحة الأراضي، ويمثله المصطلح اللاتيني Agricultura Agri من الكلمة الاتينية ager أي حقل و cultura تعني "حراثة" بمعنى حراثة التربة أو الأرض للزراعة، وكانت الفلاحة علامة شديدة الأهمية في التطور الحضاري للمجتمعات. قام المزارعون المسلمون خلال عصر الحضارة العربية الإسلامية بتطوير التقانة الزراعية ونشرها، وتتضمن نظم الري المبنية على استخدام الماكينات مثل السواقي، كما قام المسلمون بكتابة كتب إرشادية زراعية يمكن تطبيقها وتعديلها حتى تناسب الأماكن والمناطق كافة. ومحاصيل استوائية مثل الموز الذي جلبوه إلى إسبانيا. فقد حثت العديد من الآيات الكريمة على التفكر في أمور الزراعة، وَفَاكِهَةً وَاباً • مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ، كما جاء في سورة إبراهيم: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ *
وغيرها من الآيات الكريمة، صراحة أو بأسلوب المؤلف، مثلما كتب عبد الغني النابلسي في مطلع كتابه: "الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض، كما يخرج الخلائق يوم العرض. كذلك نص ابن كتان ( ت ۱۱۲۰هـ / ١٧٨٥م) في مطلع كتابه: الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء، يوم العرض"، وتوضح المخطوطات المتعددة أثر الدافع الديني لهم للبحث والتدقيق في أمور الفلاحة. مثل عبد القادر الخلاصي ( ت ۱۲۰۰هـ / ۱۷۸۵م) مؤلف كتاب عمدة الصناعة في علم الزراعة، بدأت تلك المرحلة بترجمة معارف الحضارات القديمة في مجال الفلاحة، وبلاد الرافدين، التي سجلت تقدمها الزراعي في العديد من الكتب، ولعل أهمها وأكثرها انتشارا وتأثيرا هو كتاب "الفلاحة النبطية". يرجع كتاب الفلاحة النبطية إلى عهد الكسدانيين ( الكلدانيين)، نقلا عن مصادر أقدم منه بكثير وضعها صغريت، وبنبوشاد، وقد ترجمه إلى العربية ابن وحشية النبطي عام ٢٩١هـ / ٩٠٤م، كما تضمن أجندة للزرع والغرس، تتضمن مواعيد زراعة كل محصول ومواعيد حصاده، وقد ذكر ابن وحشية هدفه من ترجمته: "ولم يكن قصدنا من هذا الكتاب الا منفعة الناس منه وبه، ١٢٦٥هـ /
ويشير هذا التتابع للنشر إلى أهمية الكتاب وتوالي استخدامه ونسخه لفترة طويلة. وهناك كتب جاءت لتضم خلاصة تلك المؤلفات، مثل كتاب " الدر الملتقط من علم فلاحتي الروم والنبط"، الذي ضم ۲۹ بابا تضمنت خلاصة علوم النبط، وركز على وسائل مقاومة الحشرات وأمراض النبات، وأدوية رعاية النباتات والحيوان، ويبدوا أن النقل والاستناد إلى كتاب الفلاحة النبطية كان سائدا، لهذا حرص مؤلف أحد الكتب على نفي استخدامه لكتاب الفلاحة النبطية، لكنه أشار إلى أن محتوى كتابه من كتب يونانية ومن مناجم حكمة فلاسفة اليونان ، وهو كتاب يضم ما وصل له علماء اليونان والرومان في علوم الفلاحة، وقد جاء في مقدمته: "هذا كتاب قسطوس الفيلسوف الرومي في الزراعة وما يتعلق بها مما لا يستغنى عنه الزارعون، ويشتمل على ۱۲ جزءا ، ترجمه سرجس بن هلبا ١٢. وتطوير العلماء لتلك النوعية المعجمية عن النباتات المختلفة، وقد ظلت المصادر المترجمة مرجعا أساسيا لمدة طويلة للباحثين، ولما وقفت على فلاحة ابن الوحشية وفلاحة الروم وغير ذلك، وزرعت وغرست وجربت واطلعت
على منافع وعجائب وغرائب لا ينبغي لعاقل أن يفرط في مثلها، ثانيا : الخلاصات والملخصات
وبالتالي بدأ العلماء في اختصار العديد من المؤلفات واقتصارها على ما يهتم به الفلاحين في مكان ما وزمان آخر ، ففي المجتمعات الصحراوية يلزمهم البحث عن الماء وحفر الآبار، وهكذا بدأت مرحلة ثانية لإنتاج ملخصات وخلاصات لأجزاء معينة من تلك المصادر الكبيرة. لعل كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية النبطي كان اكثر الكتب اختصارا، بل ان كل مختصر له تتعد النسخ المعروفة منه، ومن المختصرات التي تداولت لفترة طويلة ما كتبه بن كتان ( ت ۱۱۲۰ هـ / ١٧٨٥م)، رسالة البيان والصراحة بتلخيص كتاب الملاحة، فأشار ابن كتان أنه " يتضح من العنوان أنه تلخيص للكتاب الموسوم بجامع فرائد الملاحة في علم الفلاحة، مثال ذلك مختصر لمؤلف مجهول لكتاب "الفلاحة لابن العوام الأندلسي " ، ثالثا : مرحلة الابتكار والإضافة العلمية
حض فيها العلماء على الفلاحة، وشجعوا الاشتغال بها، وعرضوا المسائل الشرعية وتناولوا مواضيع الفلاحة نظريا وعمليا مثل الطنغري ) كان حيا ٤٨٠هـ / ۱۰۸۷م). أما ابن البصال فقد اعتمد على تجاربه الخاصة، وقد قسمها إلى ستة عشر بابا ، وتعددت مجالات البحث والدراسة في علم الفلاحة، وتوجد قائمة بأهم المصادر المخطوطة التي رجعت لها الدراسة في نهاية البحث، وتنوعت مجالات البحث فيها كمايلي. تناول علماء المسلمين أركان الفلاحة بالبحث والدراسة والتأليف وهي : الأرض وخصائصها. - السماد وخدمة الزرع. -٤ أقسام الثمار والنبات. وكيفية التعرف على كل منها، وما يصلح منها للزراعة وما لا يصلح، كما أشار العلماء المسلمين إلى كيفية حرثها وإفلاحها وقلبها وإصلاحها، وما يلائم كل نوع من الزروع، وما لا تحتمله من أنواع النبات ". وتفاوت قيمتها واختلاف قطائعها، وأصناف مزروعاتها وأصناف مزروعاتها ومواعيد كل صنف، هنا ترصد من مطلق تحصيل الخراج على تلك الأراضي". عن أحكام السواقي المشتركة المياه، وأحكام تعطيل المساقي، وأحكام النساقي وعمارتها، وبالتالي يدرس خصوصية المجتمع اليمني الزراعية". ٢ - الماء . وأشاروا إلى أن إصلاح النبات بصلاح الماء"، وكيفية السقي وكميات المياه التي يحتاجها كل محصول من المحاصيل، درست المياه الجوفية، والنباتات التي تبين وجود المياه الجوفية، والأراضي قليلة المياه، كما تذكر الموازين التي اخترعها المؤلف، وحفر الآبار وحفظ القنوات من الخراب، فبحثوا صفات الآبار، وغنباط مياهها وأسمائها والاستسقاء منها، ونوعية المياه المنبطة منها وكثرتها وقلتها وكذا عرش البئر ومقام السقي منها، كذلك أفردت الهندسة الميكانيكية (علم الحيل) فصولا لتقنية رفع الماء ونقله لخدمة الفلاحة، الجزري بعدة أشكال لآلات ميكانيكة لرفع الماء من عدة مستويات من ماء غمرة، وبئر ليست عميقة، ورسم آخر لآلة ترفع الماء نحو عشرين ذراعا بدولاب من الماء، وهكذا كانت تكنولوجيا رفع الماء حافزا لتقدم علم الحيل"، ولم يقتصر الأمر على الجزري، لكن كتب ابن اللبان كتابا مماثلا، وموسى بن شاكر الذي بحث في صناعة الأواني لبدء أو إتمام حركة معينة ذاتية أو أوتوماتيكية، كما رسم محمد بن
كذلك كانت الأنهار موضع اهتمام العلماء المسلمين، والأنهار المتفرعة منه مثل نهر يزيد وثورا، ونهر المزة وباناس وداريا وداعيه"، وحظيت أنهار دمشق بالعديد من المؤلفات ظلت متداولة حتى القرن التاسع عشر ، وحدد العلماء الأنهار التي يمكن الشرب منها وما لا يمكن استخدامها الا لري البساتين فقط، - السماد وخدمة الزرع. وأنواعه مختلفة، فقد شرح ابن حجاج الأدلسي أنواع السماد وخدمة الزرع باختلاف أنواعه ومواسمه ، كما تضمنت كتابات العلماء المسلمين جداول زمنية لخدمة الزرع"، فهي أشبه بأجندة موسمية لكل نوع من أنواع الزروع، أما التجيبي (ت ١١٧٧هـ / ١٧٦٣م) فقد عدد أركان الزراعة بخمسة أركان وهي الارض وردئ الأرض والاستدلال على طبع الأرض وطعمها وتقسيمها، وثانيها هو الماء، وثالثها هو الزبل ) السماد)، ورابعها هو العمل والماء وتقسيمها بأقسام الثمار والنبات، وتقسيم ما يضعه الفلاح في الأرض، والقضبان والأغلال والبقول وأنواع أخرى من التراكيب وخصائص طبية لبعض النباتات واستعمالاتها، أما رضي الدين العامري ( ت (٩٣٥هـ / ١٥٥٨م) ، من كل تركيب عجيب وتعظيم غريب، وتوليد وتشكيل وتحسين وتجميل، وحفر الآبار والأنهار وصفات العمال في جميع الاعمال، ووضع الطلمسات وادخار الفواكه والأقوات وامارات الخصب وعلامات الجنب وغير ذلك من المنافع والفوائد، والنوادر والملح والفوائد وسميته جامع فرائد الملاحة في جامع جوامع فوائد الفلاحة، وبينوا كيفية غرس الأشجار وحددوا قوانين الغرس، وتحسين إنتاجها ". وبالنسبة للحبوب حدد العلماء موعد زرعها وحصادها واختيار التربة المناسبة لها، وزراعة المنابت والبذور المستعملة والبقول ذات الأصول المستعملة، وأنواع الرياحين والأحباق والزهور وغيرها . مثل دراسة مخصصة لحبة البلاذر " وأخرى للقهوة، وغيره من النباتات المخدرة، فذكروا فوائدها ووصفها مثل المشمش والتفاح والإجاص والخوخ والعنب والرمان، كذلك . العلماء المسلمين الأطعمة المناسبة لكل مرض من الأمراض " نخرج منها ما يوافق كل مرض من الأمراض درس
الجزئية والأورام والبثور والزينة وكل مزاج من الأمزجة، كما كتب العلماء المسلمين سلسلة من الدراسات حول الأغذية وحفظ الصحة، ووصفو الغذاء السليم بأنه طب الشفاء. أما أهم كتاب يبحث في مفردات المركبات والأدوية مرتبة على شكل معجم فهو كتاب داود الانطاكي"، ه - أمراض النبات وتحسين إنتاجه. درس العلماء المسلمين أمراض النبات وتحسين إنتاجه، وقدم علاجا للأشجار والخضر لتي ذكرها من الأدواء والأمراض ان نزلت بها مثل التفاح والاجاص والترنج والأترج والليمون والعنب والتينها والتوت والزيتون، كما قدم العلاج للبقول والخضر ووصف ما يطرد النمل ويدفع مضاره. ومواعيد الغرس والنقل وتفادي مشكلات النباتات المختلفة في كتابه أيضا. وقد أفرد العلماء المسلمين فصولا لتحسين النباتات مثل ابن بصال ( عاش قبل ٤٦٧هـ / ١٠٧٤م) الذي كتب فصلا كاملا حول تشمير الثمار ) تشذيب الأشجار)، كما سجل العلماء المسلمين أنواع الأشجار المطعمة، وكيفية غراستها، وقطع القضبان للتركيب والانشاب، والأشجار المؤتلفة بعضها مع بعض، أما ابن العوام فقد أفرد الفصل الثاني والحادي عشر في كتابه " الفلاحة في الأرضين في ذكر الزبول وأنواعها، وتدبيرها، وفيه تسمية الأشجار والخضر وأنواع الأرض التي بها الزيل، كما بحث في صفة العمل بتزبيل الأرض والأشجار المغروسة وغير المغروسة وما يوافق كل نوع منها من الزبول، فقد أفرد ابن العوام أربعة فصول في كتابه للحيوان من خمسة وثلاثين فصلا من فصول كتابه، واختيار الجيد منها، ومدة حملها، وعلاج بعض أدوائها وعللها ومعرفة سياستها، وغير ذلك
من مصالحها. ثم درس حيوانات الركوب وأفرد لها فصلا كاملا متناولا فيه اتخاذ الخيل والبغال والحمير والإبل، والاستعمال في أعمال الفلاحة، وقدر أعمارها، وسقيها بالماء ووقته، وصفة العمل في رياضة أمهارها، واصلاح ما يحدث في أخلاق بعضها من عيوب مثل الحران، وفيه
أما أمراض الحيوان وأدوائها بالأدوية السهلة الموجودة فقد أفرد له ابن العوام فصلا كاملا، شرح فيه
العلاج باليد مثل التوديج والتصدير والتخنج والتكحيل والتنجيد والتغريب وفتح العروق، ويسير من الكي
بالنار، وذكر العلامات الدالة على تلك العلل والأدواء وهو الفن المعروف بالبيطرة. وفي البساتين والضياع
والجبال، مثل الحمام والأوز والبطرك والطواويس والدجاج والنحل المعسل، ومعرفة الجيد منها وسياستها وتدبيرها، وقد اهتم العلماء المسلمين بالنحل، وتربيته، واستخرج العسل وأمراضه وعلاجه وفنونه. أما الكلاب فكان لها فصل خاص، شرح فيه اقتناء الكلاب المباح، وعلاج أدوائها، وقد أفردت بعض الأعمال لتربية الحيوان الأليفة، حيث أقر المؤلف أنه قام بتجميع ما يتعلق بالحيوانات الأليفة من الكتب اليونانية ومن مناجم حكمة فلاسفة اليونان، وأسمه قطعة من كتاب في الفلاحة وتربية الحيوانات الأليفة ، والتوظيف العملي للعلم، حيث يمكن أن يقتنيه من يهتم بالحيوانات الأليفة فقط. تواصل الأجيال
تعاقبت الأجيال في الأسرة الواحدة من علماء الفلاحة فعلي سبيل المثال أشار الملك الأفضل العباس بن علي بن داود بن يوسف عمر بن رسول الغساني ( ت ٧٦٤هـ / ١٣٦٢م) أنه قد اعتمد في تأليفه لكتابه على مؤلف والده المسمى " الإشارة في علم العمارة"، وهو ما يدل على تواصل الأجيال وتطوير كل جيل لمؤلفات أجداده، الخاتمة
اهتم علماء المسلمين بعلم الفلاحة منذ فجر الحضارة العربية الإسلامية،


Original text

الفلاحة هي عملية إنتاج الغذاء، والعلف والألياف والسلع الأخرى عن طريق التربية النظامية للنبات والحيوان. وقد عرف العرب علم فلاحة الأراضي، ويمثله المصطلح اللاتيني Agricultura Agri من الكلمة الاتينية ager أي حقل و cultura تعني "حراثة" بمعنى حراثة التربة أو الأرض للزراعة، وتاريخ الفلاحة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الإنسان والحضارة الانسانية، وكانت الفلاحة علامة شديدة الأهمية في التطور الحضاري للمجتمعات. ورغم أن الحضارة العربية الإسلامية خرجت من البادية إلا أنها اهتمت بالفلاحة، ولعبت دورا هاما في تطور الحضارة العربية الإسلامية.


قام المزارعون المسلمون خلال عصر الحضارة العربية الإسلامية بتطوير التقانة الزراعية ونشرها، وتتضمن نظم الري المبنية على استخدام الماكينات مثل السواقي، وماكينات رفع الماء، والسدود، والخزانات. كما قام المسلمون بكتابة كتب إرشادية زراعية يمكن تطبيقها وتعديلها حتى تناسب الأماكن والمناطق كافة. وكانوا السبب في الانتشار الواسع للمحاصيل مثل قصب السكر والأرز، والموالح والمشمش، والقطن والخرشوف، والزعفران. كذلك جلب المسلمون أيضا اللوز، والتين، ومحاصيل استوائية مثل الموز الذي جلبوه إلى إسبانيا.


ومما يذكر في هذا السياق أن القرآن الكريم قد دفع المسلمين إلى الاهتمام بالزراعة وإنتاج الغذاء، فقد حثت العديد من الآيات الكريمة على التفكر في أمور الزراعة، كما دعت إلى التفكر في قدرة الله عز وجل وآياته، ومنها : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَيْنَا الْمَاءَ صَباً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبَّاً . وعنباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً . وَفَاكِهَةً وَاباً • مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ، كما جاء في سورة إبراهيم: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ *


وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ، وغيرها من الآيات الكريمة، لذلك نجد العديد من كتب الفلاحة تبدأ بالإشارة إلى تلك الآيات الكريمة، صراحة أو بأسلوب المؤلف، مثلما كتب عبد الغني النابلسي في مطلع كتابه: "الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض، وأخرج ثمرات كل شيء بقدرته، كما يخرج الخلائق يوم العرض. كذلك نص ابن كتان ( ت ۱۱۲۰هـ / ١٧٨٥م) في مطلع كتابه: الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء، فأحيا به الأرض والصلاة على سيد الكائنات الشفيع، يوم العرض"، وتوضح المخطوطات المتعددة أثر الدافع الديني لهم للبحث والتدقيق في أمور الفلاحة.


وقد اعتبر العرب أن الفلاحة علم من العلوم وأسموا بعض مؤلفاتهم في هذا المجال " علم الزراعة" ، مثل عبد القادر الخلاصي ( ت ۱۲۰۰هـ / ۱۷۸۵م) مؤلف كتاب عمدة الصناعة في علم الزراعة، وقد مر علم الفلاحة عند العرب بعدة مراحل، وأولى تلك المراحل كانت مرحلة الترجمة من اللغات القديمة للعربية، ثم نشر ملخصات وخلاصات تلك الترجمات، وأخيرا توالى الإبداع والبحث والدراسات في المرحلة الثالثة.


أولا : مرحلة الترجمة


بدأت تلك المرحلة بترجمة معارف الحضارات القديمة في مجال الفلاحة، فتُرجمت مؤلفات اليونان، وبلاد الرافدين، والفراعنة وغيرهم من الشعوب الزراعية، التي سجلت تقدمها الزراعي في العديد من الكتب، ولعل أهمها وأكثرها انتشارا وتأثيرا هو كتاب "الفلاحة النبطية".


يرجع كتاب الفلاحة النبطية إلى عهد الكسدانيين ( الكلدانيين)، وكان قد وضعه حكيم بابلي اسمه قوثامي، نقلا عن مصادر أقدم منه بكثير وضعها صغريت، وبنبوشاد، وقد ترجمه إلى العربية ابن وحشية النبطي عام ٢٩١هـ / ٩٠٤م، وأملاه على تلميذه أبو طالب أحمد الزيات عام ٣١٨هـ / ۹۳۰م ، وقد شرح الكتاب النظريات الزراعية القديمة: البابلية والآشورية. كما تضمن أجندة للزرع والغرس، تتضمن مواعيد زراعة كل محصول ومواعيد حصاده، وقد ذكر ابن وحشية هدفه من ترجمته: "ولم يكن قصدنا من هذا الكتاب الا منفعة الناس منه وبه، وكان ذلك عندنا أجل المنافع وأكثر الفوائد، اذ كان يحتوي على إصلاح موات الأرض وتدبيرها وعلاجاتها من أدوائها، وصرف المهالك عن الشجر والكرم"، وتذخر مكتبات العالم بنسخ مخطوطة من تلك المخطوطة، أمكنا حصر ۲۳ نسخة منها في المكتبات الهامة مؤرخة في أعوام:


۱۱۲۰ هـ / ۱۷۰۸م ، ٩٢٢هـ / ١٥١٦م ، ١٠٩٧هـ / ١٦٨٦م ، ١١٨١هـ / ١٧٦٧م ، ١٢٩٧هـ / ١٨٨٠م ، ١٢٦٥هـ /


١٨٤٩م، ويشير هذا التتابع للنشر إلى أهمية الكتاب وتوالي استخدامه ونسخه لفترة طويلة. وقد أصبحت هذه المصادر المترجمة مراجع علمية للباحثين من بعدهم ، فقد أشار الغساني إلى أنه قد رجع في مؤلفه لكتاب الفلاحة النبطية وكتاب الفلاحة الرومية وهو يكتب في القرن الثامن الهجري، وهناك كتب جاءت لتضم خلاصة تلك المؤلفات، مثل كتاب " الدر الملتقط من علم فلاحتي الروم والنبط"، الذي ضم ۲۹ بابا تضمنت خلاصة علوم النبط، وركز على وسائل مقاومة الحشرات وأمراض النبات، وأدوية رعاية النباتات والحيوان، ويبدوا أن النقل والاستناد إلى كتاب الفلاحة النبطية كان سائدا، لهذا حرص مؤلف أحد الكتب على نفي استخدامه لكتاب الفلاحة النبطية، لكنه أشار إلى أن محتوى كتابه من كتب يونانية ومن مناجم حكمة فلاسفة اليونان ، وقد درس ابن العوام نظريات الزراعة القديمة وأضاف عليها ما قام به من تجارب عديدة ليكتب لنا بعدها كتابه الهام " الفلاحة في الأرضين".


أما علم الفلاحة عند اليونان والرومان فقد ترجم سرجس بن هلبا كتاب قسطوس بن لوقا الرومي (البعلبكي) الفلاحة اليونانية، وهو كتاب يضم ما وصل له علماء اليونان والرومان في علوم الفلاحة، وقد جاء في مقدمته: "هذا كتاب قسطوس الفيلسوف الرومي في الزراعة وما يتعلق بها مما لا يستغنى عنه الزارعون، وأكثر سائر الناس من علمه، ويشتمل على ۱۲ جزءا ، ترجمه سرجس بن هلبا ١٢.


كذلك ترجم العلماء المسلمين كتاب ديستوريدس في خصائص الأدوية المفردة من النباتات وأدوية الحيوان والكتاب عبارة عن قاموس بالعربية واليونانية والسريانية ، وقد تلا ذلك شرح ذلك الكتاب، وتطوير العلماء لتلك النوعية المعجمية عن النباتات المختلفة، كما ترجم العرب ما كتبه جالينيوس عن خواص الحشائش ومنافع الحيوان.


وقد ظلت المصادر المترجمة مرجعا أساسيا لمدة طويلة للباحثين، تراجع أولا قبل البدء بالبحث والدراسة فقد كتب طيبغا الجر كلمش التمارتمري ( ت عام (۷۹۷ ع / ١٣٩٤م) " والتعقل الذي وهب الله تعالى لمن يشاء من عباده، ولما وقفت على فلاحة ابن الوحشية وفلاحة الروم وغير ذلك، وزرعت وغرست وجربت واطلعت


على منافع وعجائب وغرائب لا ينبغي لعاقل أن يفرط في مثلها، ورأيت أن أحرر لنفسي ولمن شاء الله مختصرا يحوي على ما يحتاج إليه من رغبة وقد رتبته على مقدمة وأبواب، والله يهدي للصواب.


ثانيا : الخلاصات والملخصات


تعددت اهتمامات المجتمعات الفلاحية المسلمة، وبالتالي بدأ العلماء في اختصار العديد من المؤلفات واقتصارها على ما يهتم به الفلاحين في مكان ما وزمان آخر ، ففي المجتمعات الصحراوية يلزمهم البحث عن الماء وحفر الآبار، ويسعى الأطباء للتعرف على النباتات التي تستخدم كأدوية، وهكذا بدأت مرحلة ثانية لإنتاج ملخصات وخلاصات لأجزاء معينة من تلك المصادر الكبيرة.


لعل كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية النبطي كان اكثر الكتب اختصارا، بل ان كل مختصر له تتعد النسخ المعروفة منه، ويرجع ذلك لأهمية الكتاب ونفعه للفلاحين، ومنها " مختصر كتاب الفلاحة النبطية ونظرا لأهمية الكتاب فقد طبع في بطرسبرج عام ١٨٥٥م.


ومن المختصرات التي تداولت لفترة طويلة ما كتبه بن كتان ( ت ۱۱۲۰ هـ / ١٧٨٥م)، رسالة البيان والصراحة بتلخيص كتاب الملاحة، فأشار ابن كتان أنه " يتضح من العنوان أنه تلخيص للكتاب الموسوم بجامع فرائد الملاحة في علم الفلاحة، لكنه أضاف اليه أبوابا جديدة، وأرخ نهايته بالشهور القبطية في شهر أمشير ، وقد جاءت بعض المختصرات بسبب ضخامة الكتاب الأصلي، مثال ذلك مختصر لمؤلف مجهول لكتاب "الفلاحة لابن العوام الأندلسي " ، وقد تناقل الناس تلك المختصرات على نطاق واسع تثبته كثرة النسخ ۱۷۰ المحفوظة منها في المكتبات للآن.


ثالثا : مرحلة الابتكار والإضافة العلمية


حض فيها العلماء على الفلاحة، وشجعوا الاشتغال بها، وضرورة تعهدها، وعرضوا المسائل الشرعية وتناولوا مواضيع الفلاحة نظريا وعمليا مثل الطنغري ) كان حيا ٤٨٠هـ / ۱۰۸۷م). أما ابن البصال فقد اعتمد على تجاربه الخاصة، وقد قسمها إلى ستة عشر بابا ، وتعددت مجالات البحث والدراسة في علم الفلاحة، وتوجد قائمة بأهم المصادر المخطوطة التي رجعت لها الدراسة في نهاية البحث، والتي تبين تنوع مجالات البحث، من حيث المكان والزمان والموضوع، فقد تنوعت الكتابات جغرافيا، فكتب العديد منها في بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس وغيرها من حواضر الحضارة العربية الإسلامية، وامتدت البحوث العلمية منذ بدأ الحضارة العربية الإسلامية وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وتنوعت مجالات البحث فيها كمايلي.


مجالات البحث عند علماء المسلمين


تناول علماء المسلمين أركان الفلاحة بالبحث والدراسة والتأليف وهي : الأرض وخصائصها.


-۲ الماء.



  • السماد وخدمة الزرع.


-٤ أقسام الثمار والنبات.


أمراض النبات وتحسين إنتاجه.



  • الحيوان والبيطرة


1 - الأرض وخصائصها .


صنف العلماء المسلمين الأراضي إلى أنواع منها الجيد والردئ، وكيفية التعرف على كل منها، وعلاج أمراضها، وما يصلح منها للزراعة وما لا يصلح، وملاءمة كل نوع منها لمختلف أنواع النبات. كما أشار العلماء المسلمين إلى كيفية حرثها وإفلاحها وقلبها وإصلاحها، وكيفية تسميدها وأنواع السماد، وما يلائم كل نوع من الزروع، وما لا تحتمله من أنواع النبات ".


وقد رصدت بعض المصادر تصانيف للأراضي وأحكامها لأهداف إدارية، مثل كتاب قوانين الدواوين، الذي رصد أحكام أراضي مصر، وتفاوت قيمتها واختلاف قطائعها، وأصناف مزروعاتها وأصناف مزروعاتها ومواعيد كل صنف، وما يحتاجه من عمال وحيوانات وسواقي وغيرها، هنا ترصد من مطلق تحصيل الخراج على تلك الأراضي".


وقد جاءت بعض الدراسات الجهوية متوافقة مع مجتمعات محددة، ففي اليمن حيث توجد أعراف تختلف عن وادي النيل وبلاد الرافدين كتب "الأهدل"، عن أحكام السواقي المشتركة المياه، وأحكام تعطيل المساقي، وأحكام الأراضي المشتركة، وأحكام النساقي وعمارتها، واستحقاق المجاري ملك الغير، وتصحيح نقد الإجارة


والمزارعة والمخابرة، وبالتالي يدرس خصوصية المجتمع اليمني الزراعية".


٢ - الماء .


بحث العلماء المسلمين في معرفة أماكن المياه الجوفية والوصول إليها، وأشاروا إلى أن إصلاح النبات بصلاح الماء"، وشرحوا كيفية حفر الآبار والأفلاج، وكيفية السقي وكميات المياه التي يحتاجها كل محصول من المحاصيل، ومعرفة المحاصيل التي تسقى بماء المطر أو ماء النهر، ومعرفة كميات الأمطار ومواعيد سقوطها".


وقد أفرد علماء المسلمين كتب متخصصة للمياه، درست المياه الجوفية، بعنوان " أنباط المياه الخفية ووصف الأراضي المحتوية عليها، والنباتات التي تبين وجود المياه الجوفية، والأراضي قليلة المياه، وأنواع المياه واختلاف طعمها، والأشياء المانعة لحفر الآبار، وذكر الموازين التي توزن بها الأراضين، كما تذكر الموازين التي اخترعها المؤلف، وحفر الآبار وحفظ القنوات من الخراب، وفتح المياه المسدودة. كما أفرد العلماء المسلمون كتبا لدراسة الآبار، فبحثوا صفات الآبار، وطبيعة الأرض المحفورة فيها، وحفرها وتسمية أجزائها كالجوانب، وغنباط مياهها وأسمائها والاستسقاء منها، ونوعية المياه المنبطة منها وكثرتها وقلتها وكذا عرش البئر ومقام السقي منها، وحبال أدلائها". كذلك أفردت الهندسة الميكانيكية (علم الحيل) فصولا لتقنية رفع الماء ونقله لخدمة الفلاحة، فقد أمدنا


الجزري بعدة أشكال لآلات ميكانيكة لرفع الماء من عدة مستويات من ماء غمرة، وبئر ليست عميقة، ونهر جار، وتضمن رسما لخمسة أنواع هي: رسم لآلة ترفع الماء من غمرة الى مكان مرتفع بدابة تدير سهما وأخرى بدون سهم، وأخرى ترفع الماء قرابة عشرة أمتار، وأخرى ترفع الماء من بئر، ورسم آخر لآلة ترفع الماء نحو عشرين ذراعا بدولاب من الماء، وهكذا كانت تكنولوجيا رفع الماء حافزا لتقدم علم الحيل"، ولم يقتصر الأمر على الجزري، لكن كتب ابن اللبان كتابا مماثلا، وموسى بن شاكر الذي بحث في صناعة الأواني لبدء أو إتمام حركة معينة ذاتية أو أوتوماتيكية، ورسم ما يقرب من مائة آلة، كما رسم محمد بن


منكلي سبعة عشر شكلا لدواليب رفع الماء".


كذلك كانت الأنهار موضع اهتمام العلماء المسلمين، فدرسوا أنهار دمشق وعلى الأخص نهر بردى، متتبعين أصله ومنبعه، والأنهار المتفرعة منه مثل نهر يزيد وثورا، ونهر المزة وباناس وداريا وداعيه"، وحظيت أنهار دمشق بالعديد من المؤلفات ظلت متداولة حتى القرن التاسع عشر ، وحدد العلماء الأنهار التي يمكن الشرب منها وما لا يمكن استخدامها الا لري البساتين فقط، بعد دراسة مياه كل نهر منها. كما أسهم علماء الدين في الكتابة عن الماء إلى جوار باقي العلماء فكتب العالم الموسوعي السيوطي كتابا في أهمية الماء.



  • السماد وخدمة الزرع.


وأشار العلماء المسلمون إلى أنواع السماد، وأنواعه مختلفة، فقد شرح ابن حجاج الأدلسي أنواع السماد وخدمة الزرع باختلاف أنواعه ومواسمه ، كما تضمنت كتابات العلماء المسلمين جداول زمنية لخدمة الزرع"، تتضمن التوقيت، وعمليات الخدمة التي يقوم بها الزارع والمواد التي يستخدمها، فهي أشبه بأجندة موسمية لكل نوع من أنواع الزروع، وكافة الأعمال التي ينبغي القيام بها دوريا، أما التجيبي (ت ١١٧٧هـ / ١٧٦٣م) فقد عدد أركان الزراعة بخمسة أركان وهي الارض وردئ الأرض والاستدلال على طبع الأرض وطعمها وتقسيمها، وثانيها هو الماء، وثالثها هو الزبل ) السماد)، ورابعها هو العمل والماء وتقسيمها بأقسام الثمار والنبات، وخامس أركانها هو حرث الأرض، وتقسيم ما يضعه الفلاح في الأرض، وما تنبته الأرض من النواحي والملوخ والتكبير في أعلى الثمر، والقضبان والأغلال والبقول وأنواع أخرى من التراكيب وخصائص طبية لبعض النباتات واستعمالاتها، وهكذا يتتبع ما أسماه "حقيقة الفلاحة".


أما رضي الدين العامري ( ت (٩٣٥هـ / ١٥٥٨م) ، فقد وصف كتابه بانه " اشتمل على بديع شؤون الملاحة في صنع فنون الفلاحة، من كل تركيب عجيب وتعظيم غريب، وتوليد وتشكيل وتحسين وتجميل، وعلاج علل الأمراض والنبات ونفع سائر الآفات، ووضع كل ما يغرس ويزرع في إبانه بالنسبة إلى زمانه ومكانه ومعرفة التلقيح والتذكير والكسح والتشمير، وحرث الأرض وقلبهل وكيفية زرعها ونصبها وتعميرها بما يناسب من الأزبال والأرمدة والاتبان وترتيب السقي في سائر الأحيان، وما تسقي بالأمطار، وحفر الآبار والأنهار وصفات العمال في جميع الاعمال، ووضع الطلمسات وادخار الفواكه والأقوات وامارات الخصب وعلامات الجنب وغير ذلك من المنافع والفوائد، والنوادر والملح والفوائد وسميته جامع فرائد الملاحة في جامع جوامع فوائد الفلاحة، وأسأل الله أن ينفع به العباد، فإنه البر الجواد".



  • أقسام الثمار والنبات.


قسمها العلماء العرب إلى أشجار ومحاصيل، وبينوا كيفية غرس الأشجار وحددوا قوانين الغرس، وتقليم الأشجار، وكسحها، وتشميرها، وتحسين إنتاجها ".


وبالنسبة للحبوب حدد العلماء موعد زرعها وحصادها واختيار التربة المناسبة لها، وزراعة المنابت والبذور المستعملة والبقول ذات الأصول المستعملة، وأنواع الرياحين والأحباق والزهور وغيرها .


كما أفرد العلماء دراسات لأصناف معينة من النباتات، مثل دراسة مخصصة لحبة البلاذر " وأخرى للقهوة، وحذروا من النباتات الضارة مثل القات، وغيره من النباتات المخدرة، وأخرى عن شتى أنواع الفواكه، فذكروا فوائدها ووصفها مثل المشمش والتفاح والإجاص والخوخ والعنب والرمان، كذلك . العلماء المسلمين الأطعمة المناسبة لكل مرض من الأمراض " نخرج منها ما يوافق كل مرض من الأمراض درس


الجزئية والأورام والبثور والزينة وكل مزاج من الأمزجة، وحال من حالات البدن ، كما كتب العلماء المسلمين سلسلة من الدراسات حول الأغذية وحفظ الصحة، ووصفو الغذاء السليم بأنه طب الشفاء.


وقد أولى العلماء المسلمين اهتماما كبيرا للنباتات المستخدمة في العلاج بوصفها أدوية، وتحفل المكتبات بقائمة طويلة من المخطوطات التي درست الفوائد الطبية للعديد من النباتات. كذلك رتب العلماء المسلمين تلك النباتات أبجديا في أبواب كل باب في قسمين قسم في الكلام عن النباتات المستخدمة كدواء وفوائدها، وقسم آخر في شرح أسمائها والموجود منها ، أما أهم كتاب يبحث في مفردات المركبات والأدوية مرتبة على شكل معجم فهو كتاب داود الانطاكي"، الذي ظل مستخدما حتى وقت قريب بمعرفة العشابين والعطارين وعرف عند العامة بتذكرة داود، وهو ما يفسر العدد الهائل من مخطوطاته التي تحفل بها المكتبات العامة.


ه - أمراض النبات وتحسين إنتاجه.


درس العلماء المسلمين أمراض النبات وتحسين إنتاجه، ففي كتاب النباتات لأبو سعيد بن قريب ( ت ٢١٦هـ / ٨٣١م) درس كل أمراض النباتات المعروفة وقته، وقدم علاجا لكل منها "، كما قدم وسائل تحسين الإنتاج بالتلقيح الصناعي وغيرها من الوسائل الكفيلة بزيادة الإنتاج، وقدم علاجا للأشجار والخضر لتي ذكرها من الأدواء والأمراض ان نزلت بها مثل التفاح والاجاص والترنج والأترج والليمون والعنب والتينها والتوت والزيتون، فحدد الأمراض التي تصيب كل منها، وعلاجه، وكيفية تجنبه، كما قدم العلاج للبقول والخضر ووصف ما يطرد النمل ويدفع مضاره. كما قدم أبو حنيفة الدينوري ( ت ٢٨٢هـ / ٨٩٥م) قائمة بأمراض النبات وكيفية مقاومتها، ومواعيد العلاج، ومواعيد الغرس والنقل وتفادي مشكلات النباتات المختلفة في كتابه أيضا. وقد أفرد العلماء المسلمين فصولا لتحسين النباتات مثل ابن بصال ( عاش قبل ٤٦٧هـ / ١٠٧٤م) الذي كتب فصلا كاملا حول تشمير الثمار ) تشذيب الأشجار)، وفصل حول تركيب الثمار بعضها من بعض (التلقيح) ، جمع فيه كل قواعد التلقيح، وأسراره الغريبة، وغرائب أعماله على حد وصفه. كما سجل العلماء المسلمين أنواع الأشجار المطعمة، وكيفية غراستها، وتجاربهم في غراستها، وأوقات زرعها وغراستها، وقطع القضبان للتركيب والانشاب، والأشجار المؤتلفة بعضها مع بعض، وكيفية تركيبها، وأوقات التركيب وصيانته وبري الأقلام وأشكال التركيب ".


أما ابن العوام فقد أفرد الفصل الثاني والحادي عشر في كتابه " الفلاحة في الأرضين في ذكر الزبول وأنواعها، وتدبيرها، ومنافعها للأرض، والشجر وسائر المنابت، ووجه استعمالها، وما يصلح منها بكل نوع من المغروسات والمزروعات منها، وفيه تسمية الأشجار والخضر وأنواع الأرض التي بها الزيل، وتسمية ما لا يحتمله منها وما لا يصلح، كما بحث في صفة العمل بتزبيل الأرض والأشجار المغروسة وغير المغروسة وما يوافق كل نوع منها من الزبول، وقدر الزبل ووقته وكيفية تزبيل الأشجار بحسب حالها، وحال الأرض التي هي مغروسة فيها .



  • الحيوان والبيطرة.


كذلك أفرد العلماء المسلمون فصولا للحيوان، فقد أفرد ابن العوام أربعة فصول في كتابه للحيوان من خمسة وثلاثين فصلا من فصول كتابه، فوصف فصله الحادي والثلاثون ب فلاحة الحيوان وتناول فيه فلاحة البقر والضأن والماعز ، ذكرانها وإناثها، واختيار الجيد منها، ومعرفة إنزاء فحولها عليها، ومدة حملها، وقدر أعمارها، وما يصلح لها من العلف والماء، وعلاج بعض أدوائها وعللها ومعرفة سياستها، وغير ذلك


من مصالحها.


ثم درس حيوانات الركوب وأفرد لها فصلا كاملا متناولا فيه اتخاذ الخيل والبغال والحمير والإبل، ذكرانها وإناثها، للقنية والركوب، والاستعمال في أعمال الفلاحة، واختيار الجيد منها، ووقت إنزاء فحولها، وقدر أعمارها، وما يصلح للعلف وقدره، وسقيها بالماء ووقته، وتسمينها، وتضمير الخيل منها بعد ذلك للسباق عليها، وصفة العمل في رياضة أمهارها، واصلاح ما يحدث في أخلاق بعضها من عيوب مثل الحران، وفيه


نكت من أصول الركوب وأعمال الفروسية. أما أمراض الحيوان وأدوائها بالأدوية السهلة الموجودة فقد أفرد له ابن العوام فصلا كاملا، شرح فيه


العلاج باليد مثل التوديج والتصدير والتخنج والتكحيل والتنجيد والتغريب وفتح العروق، ويسير من الكي


بالنار، وذكر العلامات الدالة على تلك العلل والأدواء وهو الفن المعروف بالبيطرة.


أما الطيور فقد خصص لها فصل آخر شرح فيه اقتناء الطيور في المنازل، وفي البساتين والضياع


والجبال، مثل الحمام والأوز والبطرك والطواويس والدجاج والنحل المعسل، ومعرفة الجيد منها وسياستها وتدبيرها، وذكر عللها وعلاج بعض أدوائها. وقد اهتم العلماء المسلمين بالنحل، وتربيته، واستخرج العسل وأمراضه وعلاجه وفنونه.


أما الكلاب فكان لها فصل خاص، شرح فيه اقتناء الكلاب المباح، واتخاذها للصيد والزرع والماشية ومعرفة جيدها وسياستها، وعلاج أدوائها، وذكر ما يصلح به أحوالها .


وقد أفردت بعض الأعمال لتربية الحيوان الأليفة، حيث أقر المؤلف أنه قام بتجميع ما يتعلق بالحيوانات الأليفة من الكتب اليونانية ومن مناجم حكمة فلاسفة اليونان، وأسمه قطعة من كتاب في الفلاحة وتربية الحيوانات الأليفة ، وهو ما يدل على اهتمام المسلمين بتلك الحيوانات، والتوظيف العملي للعلم، حيث يمكن أن يقتنيه من يهتم بالحيوانات الأليفة فقط.


تواصل الأجيال


تعاقبت الأجيال في الأسرة الواحدة من علماء الفلاحة فعلي سبيل المثال أشار الملك الأفضل العباس بن علي بن داود بن يوسف عمر بن رسول الغساني ( ت ٧٦٤هـ / ١٣٦٢م) أنه قد اعتمد في تأليفه لكتابه على مؤلف والده المسمى " الإشارة في علم العمارة"، وكذلك على مؤلف جده المسمى" ملح الملاحة في معرفة الفلاحة، وهو ما يدل على تواصل الأجيال وتطوير كل جيل لمؤلفات أجداده، وأن كل جيل تابع الإبداع الذي بدأه اجداده ، وهكذا تطور علم الفلاحة عند المسلمين جيلا بعد جيل.


الخاتمة


اهتم علماء المسلمين بعلم الفلاحة منذ فجر الحضارة العربية الإسلامية، ونظرا لروح التسامح التي يتمتع بها الإسلام والمسلمين فلم يحرموا مؤلفات مخالفيهم في العقيدة والدين، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في تلك الفترة، فقد حرمت قراءة منجزات مخالفيهم في العقيدة، أما المسلمون فترجموا علوم سابقيهم للعربية دون خجل أو تردد، وقد نقلوا مؤلفات الكلدانيين واليونانيين والرومان للعربية وأصبحت هي الأساس الأول لعلوم الفلاحة. وفي المرحلة الثانية استخدم العرب منهجا تجريبيا في البحث الزراعي، فأجروا التجارب العملية بالزرع والحصد والمراقبة والتسجيل فطوروا علم الفلاحة وكتبوا في جميع مجالاته.


وظلت مؤلفات الفلاحة العربية تنسخ وتتداول مخطوطة حتى منتصف القرن التاسع عشر، فلم يتوقف المجتمع عن تداول تلك المؤلفات لأهميتها النفعية للمجتمع الفلاحي المسلم، وقد ترجمت بعض هذه المؤلفات ونشرت في سان بطرس برج في منتصف القرن التاسع عشر، أي أنها كانت الأساس الأول لعلوم الفلاحة عند الغربيين حتى منتصف القرن التاسع عشر، وقد برز علماء الفلاحة في جميع حواضر العالم الإسلامي من الهند وحتى الأندلس، وتبين قائمة المؤلفات الذكورة أدناه كيف غطت تلك المؤلفات العالم الإسلامي واستمرت متداولة حتى منتصف القرن التاسع عشر حين بدأت تحقق وتنشر بالوسائل الحديثة.


وقد درس العلماء المسلمون أنواع الأراضي الزراعية والمحاصيل المناسبة لكل نوع من الأراضي والتوقيت المناسب لكل محصول، وكيفية علاج أمراضه، ومواعيد الغرس والحصاد، وأنواع المياه والاستدلال عليها، والحيوان وتربيته وبيطرته، والدواجن والطيور المنزلية وكيفية تربيتها والعناية بها. والخلاصة لم يقل علم الفلاحة في تطوره عن تطور باقي العلوم عند العرب، بل إنه كان أساس علوم الفلاحة المعاصرة في الغرب في بدايات القرن العشرين.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

أنا وجهي غير كل...

أنا وجهي غير كل الوجوه، قلبي.. دبيب الدم في عروقي .. هكذا أشعر، وأنا أقف عند الشاطئ، عيني ترقب ساعد ...

فالعقيدة الإسلا...

فالعقيدة الإسلامية ليست غريبة عن الفطرة ولا مناقضة لها، بل هي منطبقة عليها تمام الانطباق ويتجلى وصف ...

لتنفيذ استراتيج...

لتنفيذ استراتيجية تسويق منظمة لدعم الجمهور السعودي على الجانب الواقعي، يجب على شركة IBM مراعاة ما يل...

تمثل التربة أحد...

تمثل التربة أحد عناصر البيئة المهمة ففيها تنمو جميع المحاصيل التي تعد المصدر الرئيس تضم في حبيباتها...

اولا : المدرسة/...

اولا : المدرسة/المدخل التقليدي عتبر هذا المدخل الأقدم بين المداخل الخمسة لكنه لا يزال شائعا بين الح...

They don't know...

They don't know if your products will work that's mean they are not sure this decision will succeed...

كانت الساحة الأ...

كانت الساحة الأدبية في الضفة والقطاع قد شهدت في السنتين الأولى والثانية من الاحتلال فراغا أدبيا وثقا...

The time rate o...

The time rate of change in an object's temperature is proportional to the difference between the tem...

L'impression 3D...

L'impression 3D, également connue sous le nom de fabrication additive (AM), a été introduite pour la...

تفسير النص وبا...

تفسير النص وبانتهاء المؤرخ من نقد الأصول، على الوجه الذي تقدم شرحه في الباب الثالث من هذا الكتاب ين...

A professional ...

A professional nurse who holds a nursing certificate from the School of Nursing in Lattakia in 2017 ...

1. البلاغة الرق...

1. البلاغة الرقميّة: يشير التوجه الحديث في مجال البلاغة نحو التصوير إلى التركيز المتزايد على دراس...