Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (19%)

يَحمِلُ شِباكَهُ عَلى ظَهرِهِ مُتَظاهِرًا بِاللامُبالاةِ، كانَت ثَنيَةُ تَوَدُّ أُختَها ميرَةَ زَوجَةَ ابنِ زاهِرٍ، في كُلّ مَساءٍ بَعدَ صَلاةِ المَغْرِبِ، وَكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابَها عَبدَ اللَّهِ ذا الأَعوامِ الثَّمانيةِ ليلعَبَ مَعَ وَلَديْ خالتهِ سَلِيمَةَ التِّي تَكَبُّرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، رَيثَما تَذهَبُ الأُختانِ إِلى بَيتِ عَمَّتِهِما عوشَةَ؛ حَيثُ يَتَسامَرُ الثَّلاثُ حَتّىّ بَعدَ صَلاةِ العِشاءِ، كَما كانَ يُناديه ابنُ زاهِرٍ، عَدا الأَمسَياتِ القَليلَةِ التّي يَكونُ فيها والِدُهُ قَد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأْتي وَحدَهُ إِلى بَيتِ خالتِهِ ميرَةَ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسِها كانَ القاذِفُ مَلكًا، تَدورُ العُلبَةُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَنتَقِلونَ بِبَسَاطَةٍ شَديدَةٍ مِن مِلكِ إِلى وَزيرٍ إِلى لِصٍ. وَبِالقُربِ مِنهُ تَغْرِزُ عُلبَةَ الصّفيحِ في الرّملِ، وَلَكِنَّ بومَ حُسَين لَم يَصِلْ بَعدُ، وَمَكَثَ الصَّغيرُ مَعَ أَبيهِ خادِمٍ، نَظَرَ إِلى النَّجومِ المُتَلاَلِكَةِ، وَظَلَ يُتابعُ ابنَ زاهِرٍ في صَمتٍ عَميقٍ، وَتَذَرّعَ الصّغيرُ بِالصّبرِ، وَقَد اكتَفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النَّائِمِ، وَسألَ الصّغيرَ الواحِمَ: « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدّ عَلَيه عَبدُ اللّهِ بِتَثاقُلٍ: لَيسَ بَعدُ يا أَبَتاهُ عاوَدتهُ نَوبَةُ الزّقزَقَةِ، لَم يَطب لَهُ الحالُ بَعدَ ذَلِكَ، قُل شحّاذٌ أَو ابنُ بحّارٍ، قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبنيِّ عَلى السِّحتِ. أَو هَكَذا تَراءى لِلصَغيرِ، قالَ ابنُ زاهِرٍ «أُدنُ مِنِّي يا صَغيري». هوَ يَمِلِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحنُ لا نَمِلِكُ ما نَسُدُ بِهِ الرّمَقَ. تَصاعدَ الدّمُ في رأسِ ابنِ زاهِرٍ فأصبَحَ كالمِرجَلِ، وَدَيْنًا عَلى ديْنِهِ وَعِندَما يَمَلُ مِنهُ، كَما فَعَلَ مَعي ها أَنتَ تَراني كالآلَةِ المَعطوبَةِ. كُن بحّارًا - يا وَلَدي - فَنَحنُ كالسَمَكِ يُميتُنا البُعدُ عَن البَحرِ، عَصَرَ رأسَهُ بِكِلتا يَدَيه. لِأَنَّ مَدَّ الحَياةِ انحَسَرَ عَن أَبيهِ خادِمٍ.


Original text

تَضارَبَتِ الآراءُ حينَ أَعلَنَ خادِمُ بنُ زاهِرِ استياءَهُ مِن حُسَينِ صاحِبٍ (البومِ ) قائِلًا: «إِمّا أَن تُعطيَنا حُقوقَنا كامِلَةً، وإمّا أَن نَترُكَ لَكَ بومَكَ ». وانقَسَمَ أَهلُ المُعيريضِ في ذَلِكَ، فَمِنهُم مِن اتَّهَمَهُ بِالجُنونِ؛ لِأَنَّهُ قَطعَ رِزقَهُ وَرِزْقَ عيالِهِ بيدِهِ، وَمِنهُم مِن كَنَّ لَهُ حُبّا عَظيمًا، وَمِنهُم مَن قالَ: «مَن تَدخِّلَ فيما لا يَعنيه نالَ ما لا يُرضيهِ ». مُنذُ تِلكَ اللَّحظَةِ كانَ عَلَيهِ أَن يُؤَمِّنَ لُقمَتَهُ وَلُقمَةَ عيّالِهِ مِن صَيدِ السَّمَكِ. كانَ يَكظِمُ آلامَهُ في نَفسِهِ، حينَ يَرى زُمَلاءَ الماضي، يَتَباعَدونَ عَنهُ كَمَن أَصابَهُ الجَرَبُ، وَهو يَمُرُّ بِهِم، يَحمِلُ شِباكَهُ عَلى ظَهرِهِ مُتَظاهِرًا بِاللامُبالاةِ، وَكَم مَرَّةً شَجَّعَتهُ زَوجَتُهُ لِلهَرَبِ بعيدًا، لِكسرِ حَلقَةِ الفَقرِ التّي اشتَدَّ ضيقُها عَلى أَعناقِهِم؛ إِلّا أَنَّهُ كانَ يَرفُضُ الفِكرَةَ.
كانَت ثَنيَةُ تَوَدُّ أُختَها ميرَةَ زَوجَةَ ابنِ زاهِرٍ، وَتَحرِصُ عَلى زيارَتِها، في كُلّ مَساءٍ بَعدَ صَلاةِ المَغْرِبِ، وَكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابَها عَبدَ اللَّهِ ذا الأَعوامِ الثَّمانيةِ ليلعَبَ مَعَ وَلَديْ خالتهِ سَلِيمَةَ التِّي تَكَبُّرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، وَمُبارَكِ الذي يصغّرُهُ بِعامَينِ، رَيثَما تَذهَبُ الأُختانِ إِلى بَيتِ عَمَّتِهِما عوشَةَ؛ حَيثُ يَتَسامَرُ الثَّلاثُ حَتّىّ بَعدَ صَلاةِ العِشاءِ، ثُمَّ تَعودانِ لِتُجَرحِرَ أُمُّ عَبدِ اللهِ وَلَدَها وَهو في حالَةٍ أَقرَبَ إِلى النّومِ مِنها إِلى اليَقَظَةِ. هَكَذا كانَت تَمضي أُمسياتُ عَبدِ اللهِ الصَّغيرِ، كَما كانَ يُناديه ابنُ زاهِرٍ، عَدا الأَمسَياتِ القَليلَةِ التّي يَكونُ فيها والِدُهُ قَد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأْتي وَحدَهُ إِلى بَيتِ خالتِهِ ميرَةَ، وَغالِبًا ما يَنامُ عِندَهُم.
يَقضي الأَطفالُ لَيلَتَهُم يَلعَبونَ «مَلِكٌ أَو وَزيرٌ» بِأَن يَقذِفَ أَحَدُهُم عُلبَةَ كِبريتٍ في الهَواءِ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسِها كانَ القاذِفُ مَلكًا، وإن سَقَطَت عَلى جَنبِها كانَ وَزيرًا، وإن سَقَطَتْ عَلى ظَهرِها كانَ لِصًّا، فَيحكَمُ عَلَيه المَلِكُ بِالضَّربِ، وَيَقومُ الوَزيرُ بِتَنفيذِ العُقوبَةِ. تَدورُ العُلبَةُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَنتَقِلونَ بِبَسَاطَةٍ شَديدَةٍ مِن مِلكِ إِلى وَزيرٍ إِلى لِصٍ.. وَهُم يَضْحَكونَ.
وَفي الأُمسِياتِ التّي تَزورُهُم فيها الجَدَّةُ الطَّيّبَةُ أُمُ عَبدِ الرّحمَنِ «الكفيفةُ» يَتَحَلّقونَ حَولَها، وَهي تَحكي لَهُم حِكاياتِها المُسَلِّيَةَ الطَّويلَةَ، حَتّى يَغلِبَهُم النّعاسُ، فَتَقومُ بِفُرُشِ مناماتِهِم، وَهي تُحَدِّثُهُم هَل أَعجَبَتكُم (حَروفَةُ ) اللَّيلَةِ؟ يا اللَّهُ يا أَولادي. . هووا.. هووا.. - تَهَدهدُهُم - أَتَمَنَّى لَكُم نومًا هانِئًا.. ثُمَّ تُغادِرُهُم بِسَلامٍ.
اقتَرَبَت الشّمسُ مِن البَحرِ تأهّبتْ ميرَةُ لإِنجازِ أَعمالِها. كَعادَةِ أَهلِ البَلَدِ، في أَيّامِ الرّبيعِ، وَقَبلَ الرّحيلِ إِلى مَنازِلِ الصّيفِ. تَنتَظِرُ دُنو الأَصيلِ، لِتَفتَرِشَ الحَصيرَ في صَحنِ البَيتِ، وَترَتّبَ عَلى أَحَدِ أَطرافِهِ طَيّاتِ فِراشِ النّومِ، وَتُنَظَفَ شيشَةَ ( الفنَر )، ثُمّ تُشعِلُ فَتيلَتَهُ، وَتَضَعُهُ فَوقَ الصُندوقِ الخَشَبِيِّ المُخَصّصِلِذَلِكَ. وَبِالقُربِ مِنهُ تَغْرِزُ عُلبَةَ الصّفيحِ في الرّملِ، كَقاعِدَةٍ تُثْبتُ فَوقَها ( يَحلَةُ ) الماء البارِدِ والمُعَطِّرِ بِالبُخورِ. وَما تَنسى أَن تَضَعَ بَينَ طَيّاتِ الفِراشِ المِذياعَ الّذي ابتاعَهُ زَوجُها مِن الكوَيتِ حَتّى لا تَصِلَ إِلَيه أَجسادُ الصّبيةِ وَهُم يَتَعارَ كونَ في أَثْناءِ غيابِها.
أَحْضَرَ خادِمُ حِبالا اشتَراها مِن مُرادَ البَقَالِ. فَكّ جَدائِلَ فَتِيلَةٍ اِحتياطيّةٍ لِلفَنَرِ، وانكَبّ عَلَيها يَتْفَحْصُها، وَهو يُهمهِمُ سأصنعُ واحِدَةً مِثلَها بِهَذِهِ الحِبالِ، سأَغمِسُها في الشّحمِ وسأضعُها في شُروخِ البومِ وَتَشَقُّقاتِهِ سَيَندَمُ.. رَمَقَتهُ زَوجَتُهُ «أَنتَ تَضيّعُ وَقتَكَ. قُم واصطَدْ لَنا بَعضًا مِن السَّمَكِ. - اتَّفَقَت مَعَ يوسُفَ عَلى ذَلِكَ، سَتريْنَ حينَ تَستَعِرُ النّارُ، يوسُفُ مُتَبَرّئٌ مِن أَهلِهِ، يَهيمُ في الطُّرُقاتِ، يَقولُ كَلامًا غَيرَ مَفهومٍ، - نَحنُ نَفهَمُهُ-. لا تَخافي عَلى وَلَدَيْكِ، سَيَكبُرانِ يَومًا ما. - ما أَبرَدَكَ». - «هَه.... ».
نَظَرَ إِلَيها شَزرًا، وَظَلَّ يُتابِعُ ما بَداهُ. في تِلكَ اللَّيلَةِ، وَصَلَ عَبدُ اللَّهِ مَعَ والِدَتِهِ متأخّرًا، كانَ يَتأمّلُ عَودَةَ والِدِهِ مِن السَّفَرِ، وَلَكِنَّ بومَ حُسَين لَم يَصِلْ بَعدُ، وَكانَ مُبارَكٌ قَد رافَقَ أُختَهُ لِعيادَةِ صَديقَتِها هِدايَةَ، غادَرَت المَرأَتانِ إِلى عَمَّتِهِما، وَمَكَثَ الصَّغيرُ مَعَ أَبيهِ خادِمٍ، كانَت العَباءَةُ الأَزَليَّةُ، تُطرّزُ نَفسَها بِنُجومِ فِضّيَّةٍ، وَهي تَلحَفُ الأَرضَ بِصَبرٍ جَميلٍ، والفَنَرُ عَلى عَرشِهِ الخَشَبيِّ، يُجهِدُ نَفسَهُ ليشَكّلَ بُقعَةً صَفراءَ، في قَلبِ الحوشِ الواسِعِ، وَقَد خَضَعَ ( الفريجُ ) لِصَمتتٍ مُتعِبٍ، تَغَلَّبَ عَلَيهِ حِوارُ الرَّجُلِ والطَّفلِ.
وَيَصدُرُ مِن عاداتِ ابنِ زاهِرٍ عِندَما يَسرَحُ بِفِكرِهِ، أَن يَدخُلَ عودًا مِن الثّقابِ بَينَ أَسنانِهِ، صَوتًا يُشبِهُ زَقرَقَةَ العَصافيرِ. نَظَرَ إِلى النَّجومِ المُتَلاَلِكَةِ، وَقالَ كَلامًا في سِرِّهِ، تَعلّمَهُ مِن أَحَدِهِم في البَحرَينِ:
«المَجدُ لِلفُقَراءِ». واستَمَرَّ يُصدرُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ وَهو يَشفِطُ ما تَبَقّى مِن سَمَكِ العِشاءِ بَينَ أَسنانِهِ، ثُمَّ يَقذِفُها إِلى الأَرضِ البَراحِ مَدَّ ساقَيهِ وأخَذَ يَفرِشُ ما تَغضّنَ مِن إِزارِهِ داخِلَ حِضنِهِ عَلَيهما. كانا كَسيخيْنِ مِنَ الحَديدِ يَكسوهما شعرٌ مُجَعَدٌ كَثيفٌ، ثُمَّ عرّاهما بَعدَ هُنَيهَةٍ. فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحرّ الخَفيفِ الّذي بَدا يُغَلِّفُ الجَوَّ، وَظَلَّ الصَّغيرُ يُصغي لِثُغاءِ الماعِزِ والخِرفانِ في طَرَفِ الحوشِ.
كانَت بَقيَةٌ مِن نُعاسٍ تُداعِبُ الصّغيرَ وَبَقيّةٌ مِن هُمومِ طَفَحَت عَلى صَدرِ الكَبيرِ، وَبَقيَةٌ مِن ضَجَرِ تَلُفّهُما مَعًا، أَرادَ أَن يَنسى، فأخرَجَ المِذياعَ مِن مَخبَتِهِ وأدارَهُ كانَتْ أُمّ كُلثومِ تُغلّي. أخَذَ يَسعُلُ تَحتَ الضّياءِ الواهِنِ بَينَما ظَلّ الصّغيرُ يُراقِبُ تَصَرُفاتِهِ استَلقى عَلى ظَهرِهِ، وَتَجشّأ بِصَوتِ مَسموعٍ، ثُمّ قالَ:
تأخّرَ الوَلدانِ».
لَم يَكَتَرِث الصَّبيُّ لِما حَدَثَ، وَظَلَ يُتابعُ ابنَ زاهِرٍ في صَمتٍ عَميقٍ، وَقَد أَسنَدَ ذَقَنَهُ الصَّغيرَ إِلى رُكبَتِهِ وَكأنَّهُ أَسلَمَ نَفْسَهُ لِلتَّخَيّلاتِ.أَخَذَتِ النّشوَةُ ابنَ زاهِرٍ، فانقَلَبَ مُنكَبًا عَلى بَطَنِهِ، وأخَذَ يُدَندِنُ مَعَ الأُغنِيّةِ كَيفَ ذاكَ الحُبُ أَمسى خَبَرًا... ». كانَ الصّغيرُ يَقلِبُ لِسانَهُ في بُطءِ شَديدٍ، مُحاوِلًا تَرديدَ بَعضِ الكَلِماتِ، إِلَّ أَنّ خادِمَ لَم يَحْلُ لَهُ الوَضعُ، فَظَلّ يَتلوّنُ إمّا جالِسًا، أَو مُنبَطِحًا عَلى بَطَنِهِ، أَو مُستَلقيًا عَلى ظَهرِهِ، أَو نائِمًا عَلى جَنِبِهِ، رافِعًا رأسَهُ عَلى راحَتِهِ، وَمُستَنِدًا بِمِرفَقِهِ إِلى الأَرضِ، حَتّى أَخَذَتهُ سِنَةٌ مِنَ النّومِ. وَتَذَرّعَ الصّغيرُ بِالصّبرِ، وَقَد اكتَفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النَّائِمِ، مِنَ الفَراغِ الذي يَفصِلُ بَينَ رُكبَتَيْهِ. مَرّت فَترَةٌ مِن الزّمَنِ، كانَ كُلُ شَيءٍ فيها كَما كانَ، إِلى أَنْ قَفَزَ خادِمُ فَجأَةً، وَسألَ الصّغيرَ الواحِمَ: « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدّ عَلَيه عَبدُ اللّهِ بِتَثاقُلٍ: لَيسَ بَعدُ يا أَبَتاهُ عاوَدتهُ نَوبَةُ الزّقزَقَةِ، دونَ أَن يُدخِلَ عودَ ثِقابِ بَينَ أَسنانِهِ هَذِهِ المَرّةِ، وَنَظَرَ إِلى السّماءِ، ثُمّ سألَ عَبدَ اللّهِ مُشيرًا بيدِهِ إِلى المِذياعِ ألم تَنْتَهِ هَذِهِ ( اللّغايَةُ ) وَرَدّ الصِّغيرُ في شِبهِ استِنكار «لَيسَ بَعدُ ».
«أَنا أَعرِفُها، لا تَخلُص بِسُرعَةٍ. - وَما عَلَيكَ يا أَبَتاهُ! أَبِي يَقولُ عَنها مُمتازَةٌ». - أَعرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنّي أَفضّلُ حَمدانَ الوَطَنيّ. - اسمَحْ لي، لا تَعرِفُ شَيئًا».



  • كانَت غَلطَةٌ مِن الصِّغيرِ لا يَعرِفُ كَيفَ فَلَتَتْ مِنْهُ فَصَرَخَ ابنُ زاهِرٍ في وَجهِهِ: «ما تَقولُ يا جاهِلُ؟».
    لا شَيءَ يا أَبي خادِم، كانَت غَلطَةً». اعتَدَلَ الرّجُلُ في جِلسَتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا عميقًا إلى أن هدأتْ حالتُهُ ونسيَ، وَكأنّ شَيئًا لَم يَكُن إِلّا أَنّ الصَّغيرَ، لَم يَطب لَهُ الحالُ بَعدَ ذَلِكَ، فأخَذَ يَتَلَقّتُ ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ اليَسارِ، كَمَن فَقَدَ شَيئًا، وَقالَ: لَقَد تأخرا كَثيرًا لَم نَلعَبِ اللّيلَةَ «مَلِكْ أَو وَزيرٌ» . ضَحِكَ الرّجُلُ وَقالَ: «أَعطِني اليَحلَةَ لِأَشرَبَ.. مَلِكٌ أَو وَزيرٌ، قُل شحّاذٌ أَو ابنُ بحّارٍ، هَذا يَكفي، لَم يُحاوِلِ الصِّغيرُ فَهمَ أَيّ شَيءٍ مِمّا قالَهُ. سَلّمَهُ اليَحلَةَ وَجَلَسَ. وَعادَ خادِمُ يُكمِلُ طَريقَ السُخريَةِ في صمتٍ «هَهُ..
    مَلِكٌ أَو وَزيرٌ، قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبنيِّ عَلى السِّحتِ.. أَندُبُ حَظي عَلى الشَّاطِئِ وَما زِلْتَ بِصُحبَتِي.. تَرَكَنِي الكَلبُ أَكابِدُ الحُزنَ بَعدَ أَن غَمَرَني بِالدُّيونِ». صاحَت أُمُ كُلثومٍ في غَفوَةِ الكَلامِ أَعطِني حُرّيتي أَطلقْ يَدي..... فَقالَ ابنُ زاهِرِ وَقَد ظَهَرَ الغَضَبُ عَلى وَجهِهِ: أعطِني حُرّيتي، أَطلق يَدي هَذا الكَلامُ الرّينُ» ... « آه مِن قَيدِكَ أَدمى مِعصَمي... ». - ا شَيءَ... ٧ شَيءَ. لا مجرّد وَجَعٍ. - «وَجَعٌ! ». - أَي بُنَي، لَكِنَّهُ لَيسَ كَوَجَعِ الدّاءِ، إِنّهُ أَشَدُ». بِالطّبعِ لَم يَفهَم الصّغيرُ، لَكِنَهُ أَحَسّ بوخْزاتٍ مِن الألمِ وَظَلّ الاثنانِ في صَمتٍ وَخُشوعِ حَتّى أَنهَت اللّغايَةُ أُغنيَتَها! ! وَقالَ المُذيعُ:
    تُصبِحونَ عَلى خَيرٍ»، بَعدَ أَن أفرَغَ هُمومَ العالَمِ في آذانِهِما.
    فتأوهَ ابنُ زاهِرٍ وَقالَ: « آهٍ مِن القَيدِ أَيُّها الرِّجالُ»، وَكانَ الصّبيِّ يُنصِتُ في غَرابَةٍ، ثُمّ نَطَقَ ما بِكَ ياأُبوي خادِم؟ ! » خشخشَ المِذياع، وَتَضارَبَت الإِذاعاتُ، لِاحتِلالِ مَكانِ الإِذاعَةِ التّي انتَهَت مُبَكِّرًا، مَدّ خادِمُ يَدَهُ فأسكَتَ الحّشخَشَةَ، فَصَفَنَ الوُجودُ كُلُهُ، أَو هَكَذا تَراءى لِلصَغيرِ، ثُمّ نَطَقَ الوُجودُ كُلُهُ..
    ما يَدرِي اقتَرَبَ الطِفلُ. كانَ اللّيلُ يَتَوَغَّلُ بِخُطواتِهِ الصّامِتَةِ، قالَ ابنُ زاهِرٍ «أُدنُ مِنِّي يا صَغيري». ثمّ قالَ: أَتَعَرِفُ الظُلمَ يا وَلَدي؟»، فأجاب الطِّفلُ «أَسمَعُ عَنهُ، ما الظُلمُ يا أَبَتِ؟ »، فَقالَ الرّجُلُ وَهو يُحاوِلُ أَن يُحَفِّفَ مِن تَجاعيدِ وَجهِهِ: «الظُلمُ هوَ أَن يوجَدَ فينا واحِدٌ مِثلُ حُسَينِ، هوَ يَمِلِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحنُ لا نَمِلِكُ ما نَسُدُ بِهِ الرّمَقَ. تَصاعدَ الدّمُ في رأسِ ابنِ زاهِرٍ فأصبَحَ كالمِرجَلِ، وأردَفَ وَهو يُشيرُ إِلى الصّبيِّ بِسبّابَتِهِ: «اسمَع مِنّي يا وَلَدي، ها هوَ أَبوكَ يَدورُ كالثّورِ المَربوطِ في ( المَنيورِ ) مِن الهِندِ إِلى إِفريقيا إِلى المَملَكَةِ، يَصُبُّ الخَيرَ في جُعبَةِ حُسَينٍ وَيَزِدادُ أَبوكَ فَقرًا عَلى فَقرِهِ، وَدَيْنًا عَلى ديْنِهِ وَعِندَما يَمَلُ مِنهُ، سَيَقذِفُ بِهِ في البَحرِ، كَما فَعَلَ مَعي ها أَنتَ تَراني كالآلَةِ المَعطوبَةِ.. كُن بحّارًا - يا وَلَدي - فَنَحنُ كالسَمَكِ يُميتُنا البُعدُ عَن البَحرِ، وَلَكِن لا تَكُن ثَورًا يَدورُ لِصالحِ أَحَدٍ فالثِّيرانُ يَجِبُ أَن تَتّحِدَ لِصالِحِها المُشتَرَكِ».
    كانَت الثّواني تَحيكُ حَبائِلَها، فَها هوَ الثّورُ المَجدورُ يَتَفَجَّرُ كالحِمَمِ، عَصَرَ رأسَهُ بِكِلتا يَدَيه.. أَحَسَّ بِدَوَارٍ شَديدٍ... مادَت بِهِ الأَرضُ.. ارتَفَعَ الفَنَرُ إِلى السَّماءِ، سَقَطَت السَّماءُ بِفِضّيّاتِها عَلى الأَرضِ..
    ارتَفَعَ ثَغاءُ الجِداءِ يَدُقُّ في رأسِهِ المَعطوبِ كَناقوسِ ضَخمِ تصَدّعَ رأسُهُ، واحتَقَنَ وَجهُهُ تَوَرّمَتِ شَفَتاهُ، وتَهَدَّلَت الشَّفَةُ السُّفلى.. صَرَخَ بِأَعلى صَوتِهِ: «آخ الصُّداعِ... لَم يَفعَل الصَّبيُّ شَيئًا ساعَتَها؛ لِأَنَّ مَدَّ الحَياةِ انحَسَرَ عَن أَبيهِ خادِمٍ.
    حَضَرَ الجِنازَةَ خمّاسُ الأَعوَرُ، وَعيسى الأَعرَجُ، وَمُرادُ البَقَالُ، وَسَيفُ (المُطَوّعُ)، وَلَم يَحضُر حُسَينُ صاحِبُ اليَومِ، وَكَذَلِكَ عَبدُ اللهِ الصَّغيرِ، فَقَد كانَ واقِفًا عَلى الشّاطِئِ يَرُقُبُ عَودَةَ أَبيهِ، وَيُفَكِّرُ في قَضيّةِ مَقتَلِ ابنِ زاهِرٍ .





Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

. مدخل عرض تطور...

. مدخل عرض تطور الزخرفة من النقاط والخطوط البدائية إلى التعبيرات الرمزية والهندسية. الزخرفة نشأت من ...

Saudi Arabia ho...

Saudi Arabia hosting the 2034 World Cup gives an ideal impression of the ambition and vision of the ...

Table 1 gives d...

Table 1 gives details on the three hundred PAU nursing students included in the research. Accordin...

فإن مسألة صيغ ا...

فإن مسألة صيغ المصادر ودلالتها، سواء المصادر السماعية أو القياسية، تُعد من القضايا المحورية في علم ا...

خطط الإعداد للب...

خطط الإعداد للبطولات الرياضية مقدمة إن خطط الإعداد للبطولات الرياضية تتمثل في تخطيط التدريب الرياضي ...

وفقاً لنتائج اس...

وفقاً لنتائج استطلاع آراء المديرين ومساعدي المديرين في الفنادق الخمس نجوم فقد ذكر: 1. تستخدم الفنادق...

المقدمة: ثمّةَ ...

المقدمة: ثمّةَ عوامل جعلت من المفكِّرِ الكبيرِ عالمِ الاجتماعِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ خلدون(1332 – 1406م...

في السنوات الأخ...

في السنوات الأخيرة، أصبح التسويق الرقمي عنصرًا أساسيًا لنجاح الشركات على مستوى العالم، خاصةً مع تزاي...

[18/04, 21:56] ...

[18/04, 21:56] Ghizlan Sadik: يقولون الحب أعمى.. وهو يقول أصابني العمى حين أحببت.. ولكن ماذا يفعل......

: خصائص كل من ا...

: خصائص كل من المسؤولية الجزائية والمسؤولية التأديبية. ين الل عذا الماللب سيتم التالاق إل ضرك ن المس...

لماذا قدمت لهما...

لماذا قدمت لهما جائزة (نوبل) بهذه السرعة؟ لقد أجاب على هذا السؤال رئيس لجنة اختيار الفائزين بجائزة ن...

Data standardiz...

Data standardization and augmentation Prior to feeding the data to the neural network for training, ...