Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

لتاسعة والنصف مساء في عيادتي وقد فرغت من معايناتي
كان قد زارني مرضى معتادون في ذلك اليوم، وأنصحالذينيشتكون من مرض السكر، وارتفاع لتاسعة والنصف مساء في عيادتي وقد فرغت من معايناتي
كان قد زارني مرضى معتادون في ذلك اليوم، وأنصحالذينيشتكون من مرض السكر، وتضع واحًدامنالعطورالزيتيةالتيلاأعرفلماذايستخدمهاالناس، لم تكن المرة الأولى التي تزورني فيها سماسم، بل في الواقع كانت المرة العشرينأوالثلاثينمنذافتتحتعيادتي، وكانت علبة من حلوى (الماكنتوش) الإنجليزية الصنع، وكانت في ذلك الوقت تر ًفا
لا تجده إلا عند الأثرياء. لقدكانتسماسممصيبةأخرىمنالمصائبالتيجَّرتها العيادة، فقد خطبتني لنفسها منذ شاهدتني أول مرة، وتسعى للزواج مني بصبر، إخوتها- وكان نشا ًلا محتر ًفا، ومسج ًلا لدى دوائر الشرطة، يدخل السجن ويخرج بلا توقف- قد زارني في أحد الأيام بلا مرض، وذلك الوشم على شكل ذبابة، وطالبنيأنأطرقالبابرسمًيابدًلامناللعب بعواطف بنات الناس، وأضاف وهو يخبط على طاولتي، بأنه يعرف الأطباءومنهمعلىشاكلتهممنحامليالألقابجيًدا، ويعرف حيلهم في استدراج النساء الساذجات إلى شباكهم، وتركهن بعد ذلك بلا وازع من ضمير. حاول ُت إخباره أنني لا أعرف شي ًئا عن أختهأكثرمنكونهامريضةتتعالجعندي، ولالعبُتبعواطف أحد منذ عرفت معنى العواطف، ولا أفكر في الزواج على الإطلاق وأناماأزالفيبدايةحياتيالعملية، خبط على الطاولة مرة أخرى قبل أن ينصرف، وهو يصيح بصوت سمعه المرضى الجالسون في الصالة: نحن ننتظر قدومك برفقة أهلك . ثم أعقب كلامه بإشارة تهديدية من إصبعه
بعد ذلك طالب ُت تلك السماسم المهووسة في أول فرصة رأيتها فيها، أن تكف عن المجيء إلى عيادتي بلا مرض، وتعود في ذلك اليوم بالذات، وتحمل علبة من حلوى (الماكنتوش) الغالية. أصبت بالذعر حين رأيتها تفتح باب الغرفة وتدخل بتلك المشية المعوجة، ووضعتإحدىيديهاعلى خاصرتها اليمنى وأخذت تصيح كممغوص حقيقي: آخ وجع الكلى
وفي دفتر عز الدين يوجد اسمها، وأمامه مبلغ العشرة جنيهات الذي دفعته أجرة للكشف بلا تردد. أن تقبل بمعاينة نصابوتدريتماًماأنهنصاب، ويموت في ذلك اليوم بالذات من مرض حقيقي، وأعرف قصة محمود عموشالذيكانشاًبافيأواخرالعشرينات، يعملمحصًلاللنقود في إحدى حافلات النقل العام، ويتردد على المستشفى باستمرار، وتتممعاينتهبدقةوعملالأشعةوالتحاليل المخبرية له ولا يعثر الأطباء على شيء، فيوقعون على أوراق خروجه، يذهب مباشرة إلى عنبر المرضى الداخليين، يرقد على أي سريرخاليجدهويتوجع، وآخر فلم هندي عرضته السينما، ويتجاوزونه إلى مرضى آخرين، الأطباء لم يلتفت إليه أحد منهم. أرقدتسهلة-سماسم-علىطاولةالكشفالقديمةالتيهَّزها إدريس وقال: إنها بلا حيل، وتحتاج إلى استبدالها. لم يكن ثمة شيء إيجابي بالطبع، لا ثمة حقنة ستؤخذ أو دواء سيكتببالرغممنتلّويهاوصراخها، وتفتح علبة الحلوى الإنجليزية، فتأخذ منها واحدة بطعم الفستق، وأغاني الأعراس، وعدد الرجال الذين طرقوا بابها بعد أن تحررت من زوجها القديم، أخاطبها باسمها الحقيقي، اسمها المسجل على شهادة ميلادها، وقسيمة زواجها وطلاقها، ولا تبتعد، أنا ولّيةأمرنفسيحسبالشرع، ألستمطلقة؟وأنهضمعلًناأن وقتزيارتهاقدانتهىوعليهاأنتخرج، وتنهض بعد تردد، تاركة علبة الحلوى في مكانها وترفض بشدة أخذها. وأفكر أن تلك الحلوى ستسعد عيالعزالدينبلاشك، وأراهمدائًمايتصارعونمنأجلحلوى (الكرميل) الرخيصة . مضت إلى الباب تمشي بتكسر مجنون، لكَّنالعربةلمتكنموجودة. ولا نملك غيرها وأكاد أجن. 29
شرًكايشغلنيبهمدةمنالوقتوسرقالعربة؟لكَّنه-حسبعلمي - نشال محترف للجيوب، يصطادها في الحافلات وحافلات النقل العام، وفي طوابير السينما والاستاد الرياضي والسوق، ولا يعرف حتى كيف يقود عربة. كنا نتلفت في الظلام أنا وعز الدين، وفيتلكاللحظةتقدممّناشابطويل، يحمل على كتفه حقيبة صغيرة، سأل:
هل رأيتها؟
ـ نعم. ـ كّلالتأكيد. قال، ومضى من دون أن يدلي بمعلومات أخرى . وأصاب بالحيرة من تلك المعلومة الخطيرة، يوجد مركز صغير للشرطة، به عسكر يان في كل وردية، وقد أنشئ لفض المنازعاتالقبلية، أوالمشاجراتالبسيطةالتيتحدثأحياًنابين الجيرانبسببأمورتافهة، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، أحدهما شاب في مقتبل العمر، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالهاعملالشرطةإلانادًرا، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه- نو ًعا من الزينة التقليدية- على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية، سَّجلالبلاغعلىدفترهالذيكانمنورقأصفروبلا غلاف، وسألنيإنكنتأتهمأحًدابالذاتبتلكالسرقة، والنشال شقيق المجنونة سماسم، ولا أملك دلي ًلا على أحد. فانشغل الشرطي بفتل شاربه قلي ًلا ثم نهض مرد ًدا . ـ تفضلا معي لو سمحتما. ولا عن لونها وماركتها وأرقام تسجيلها، ولا سأل عز الدين، 31
الخصر، وقد تأرجح أحد أشرطته العسكرية على كتفه اليمنى، بسبب تمزق الخيوط. زميله البقاء بالقسم حتى يعود، ـ لاتخرجياتولابمنمكانكحتىلووقعانقلابعسكري. هل تفهم؟
لم تكن بالمركز سيارة مخصصة لتنقل العسكريين، عبرت أمامنا- بالتوقف، وركبنا كلّنا، والدخول إلى أزقة ملتوية، لاتسمححتىبمرورقطة، كانتمضاءةبالفوانيس، وممتلئةبالناسوبقاياالأكل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، وكانتالمفاجأةأنالعربةبكاملزينتهاالموَّردة
هناك. مسجلهاالعتيقمازاليعمل، ووّلاعتهاتعملأيًضا، ولا جديد سوى عدة كيلومترات أضيفت إلى عداد السرعة الذي أحتفظ في ذهني بقراءتهدائًما. لاستجواب سريع، على شخص اسمه إدريس، وصفه لنا، فكان هو صاحب قلم زينب نفسه، ومجِّمعفوضىالمرغنيةالذييرتديزيجنودالصاعقة المرَّقع وينكش شعره، وقد عرف إدريس بأمر العرس المقرر إقامته في ذلك اليوم، وعرض أنيؤجرلهمعربةجيدةبسعررخيصحتىتقودالزفة، بد ًلا من حشرهما في حافلة ممتلئة بالمدعوين، بسبب عدم الإمكانات، إنه سيعود لاستردادها في التاسعة والنصف، لك َّنه لم يحضر. ولم نكن نعرف أنها عربة الدكتور، العربات تتشابه جنابك. كانأحدأقاربالعريسيتحدثبهدوءواثق، وبعضهمينقرعلىزجاجها، 33
وقَّوسأصابعهعلىهيئةمسدسصوبهللحاضرينوهو يصيح: (هاند أب). وقد أعجبته كلمة جنابك التي رددها الرجل مرتين، بلا شك، لكَّنهاكمايبدوكانتالمحركالوحيدلرفع المعنويات في مهنة شاقة تؤدى بلا عدة ولا عتاد، وبراتب شهري، ـ صمغ؟
رددالعريسالذيكانيبدوقلًقاومتلهًفالإنهاءتلكالمعضلة، وتكملة مراسم زواجه بلا مشاكل إضافية، أيا ًما طو يلة بعد ذلك. ـ نعم صمغ . احضروا صم ًغا لو سمحتم. أو خارج المدينة، كما هي العادة في تلك الأحياء الشعبية، 34
إصبعه بلعابه، ودهن موضع الشريط المنفلت على كتفه، وألصقه، كدت أضحك برغم تلك الظروف كلها، تلك الحياة في حي يضج حياة. ـ اسمع. كان الشرطي يخاطب العريس الذي كان ما يزال يتلفت باستمرار، ولا تستقر عيناه على جهة معينة، لكننيلستكريًما. قلي ًلا عن استلام المال المسروق. انتهى. وقد استرددتعربةالعائلةسليمةبلانقص، وأسمع
وسنقبض عليه في أقرب وقت. كنانركبالعربةمبتعدين، وترديد أغنية (الشحم واللحم) التي انقطعت عند مجيئنا، رأيت العريس يمسك بيد امرأة مزينة خرجت من أحد البيوت المفتوحة، لا بد أنها كانت عروسه، وجبران صاحب عربة (الكارو) التي أوصلتنا إلى مكان العرسوالسرقةينحشروسطالفوضى، غير عابئ بالصبية الذين انتهكوا صفائح الماء على ظهر عربته (الكارو)، أراقوها كلها على الأرض، وقفز بعضهم على ظهر الحمار في شقاوة خطرة، ومطاردة الكلاب التي تركض خلفالعربة، فقد نام بعمق في رحلة لم تستغرق سوى دقائق معدودة. بينما زميله الشاب، وذهًبا حقيقًيامنقوًشابفن، ولا كانت رائحتها في نظري، سوى نشاز يضايق الشم، بل في الواقع كانت المرة العشرينأوالثلاثينمنذافتتحتعيادتي، وكانت علبة من حلوى (الماكنتوش) الإنجليزية الصنع، لا أدري كيف حصلت عليها، وكانت في ذلك الوقت تر ًفا
لا تجده إلا عند الأثرياء. لقدكانتسماسممصيبةأخرىمنالمصائبالتيجَّرتها العيادة، لدرجة أن أحد
26
إخوتها- وكان نشا ًلا محتر ًفا، يدخل السجن ويخرج بلا توقف- قد زارني في أحد الأيام بلا مرض، وذلك الوشم على شكل ذبابة، المنحوت فيذراعهالعارية، وطالبنيأنأطرقالبابرسمًيابدًلامناللعب بعواطف بنات الناس، وأضاف وهو يخبط على طاولتي، بأنه يعرف الأطباءومنهمعلىشاكلتهممنحامليالألقابجيًدا، ويعرف حيلهم في استدراج النساء الساذجات إلى شباكهم، وتركهن بعد ذلك بلا وازع من ضمير. حاول ُت إخباره أنني لا أعرف شي ًئا عن أختهأكثرمنكونهامريضةتتعالجعندي، لكَّنهلميفهم، أوأرادألا يفهم، وهو يصيح بصوت سمعه المرضى الجالسون في الصالة: نحن ننتظر قدومك برفقة أهلك . ثم أعقب كلامه بإشارة تهديدية من إصبعه
رفعها في وجهي. ولاتدعنيأتصرفبحمق، وتعود في ذلك اليوم بالذات، معطَّرة بالزيوت الخانقة
طلبت منها المغادرة فوًرا، آخ. لم يكن ثمة بد من معاينتها حتى لو كانت كاذبة، وأمامه مبلغ العشرة جنيهات الذي دفعته أجرة للكشف بلا تردد. أن تقبل بمعاينة نصابوتدريتماًماأنهنصاب، أوترفضمعاينةنصاب، ويموت في ذلك اليوم بالذات من مرض حقيقي، وأعرف قصة محمود عموشالذيكانشاًبافيأواخرالعشرينات، ويتردد على المستشفى باستمرار، شاكًيامنمغصفيبطنه، فيوقعون على أوراق خروجه، يذهب مباشرة إلى عنبر المرضى الداخليين، ويسألونه عن أخبار العمل، ومباريات كرة القدم، إلى أنماتيوًمابانفجارفيالزائدةالدودية، وقدمّرأمامهسربمن
الأطباء لم يلتفت إليه أحد منهم. أرقدتسهلة-سماسم-علىطاولةالكشفالقديمةالتيهَّزها إدريس وقال: إنها بلا حيل، وتحتاج إلى استبدالها. تمضغ العلكة بفن، وتنفخها و(تطرقعها)، أمامي، وتتحدث عن العوالم الشاعرية، توافقانها. ـ أرجوك يا سهلة. أخاطبها باسمها الحقيقي، وعلى دفتر عز الدين، أذكرها بصعلكة أخيها وتهديده، وتقول: لا تهتم . ألستمطلقة؟وأنهضمعلًناأن وقتزيارتهاقدانتهىوعليهاأنتخرج، لأنعدًدامنالمرضىما زالوا ينتظرون في الخارج، وتنهض بعد تردد، تاركة علبة الحلوى في مكانها وترفض بشدة أخذها. وأفكر أن تلك الحلوى ستسعد عيالعزالدينبلاشك، التاسعةوالنصفمساء، لكَّنالعربةلمتكنموجودة. ولا نملك غيرها وأكاد أجن. كيف ُس ِرقت من أمام باب يدخل منه الناس ويخرجون بلا توقف؟ وكيف أن عز الدين لم يلحظ ذلك أو لم يسمع صوت محركها حين دار؟ هل يكون شقيق الطائشة سماسم قد أرسلها
29
شرًكايشغلنيبهمدةمنالوقتوسرقالعربة؟لكَّنه-حسبعلمي - نشال محترف للجيوب، يصطادها في الحافلات وحافلات النقل العام، وفي طوابير السينما والاستاد الرياضي والسوق، كٌّليدليبإفادةمختلفة، أويسألأسئلةبلامعنى، ويشبه طلاب المدارس الثانوية، ـ هل تبحثون عن العربة (الكورولا) البيضاء التي تقف كل يوم هنا؟
هل رأيتها؟
وتحمل عروسين في زفة. ـ هل أنت متأكد أنها هي؟
ـ كّلالتأكيد. قال، فيحيالنورقريًبامنالعيادة، علىبعدعدةشوارع، يوجد مركز صغير للشرطة، به عسكر يان في كل وردية، وأيًضالتلقيالشكاوىفيحالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا إلى المركز أنا وعز الدين نتصبب عرًقا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالهاعملالشرطةإلانادًرا، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه- نو ًعا من الزينة التقليدية- على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية، وسألنيإنكنتأتهمأحًدابالذاتبتلكالسرقة، والنشال شقيق المجنونة سماسم، ولا أملك دلي ًلا على أحد. قلت: لا أعرف
ـ تفضلا معي لو سمحتما. لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو باسم شخص آخر، كانظهرهمنحنًياإلىالأمامقليًلاوهويمشي، وجرابهالمدلىمن
الخصر، مفتو ًحا وبلا سلاح، في اللحظة نفسها التي رأيتهفيهايلتقطعًصاضخمةمنأحدأركانالغرفة، زميله البقاء بالقسم حتى يعود، وكان يصيح:
ـ لاتخرجياتولابمنمكانكحتىلووقعانقلابعسكري. ولا حتى دراجة نار ية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل علىعربة(كارو)يقودهاحمار-وتحملعدًدامنصفائحالماء، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب (الكارو) واسمه جبران قد زارني مرة في العيادة يشكو من ألم ركبتيه بار ًعا في تخطي الحفر والشوارع الموحلة، وقادنامباشرةبعدأنعرفبأمرالعربة المسروقة إلى بيت متهالك من الخشب، يطل على أرض خلاء، وممتلئةبالناسوبقاياالأكل، يعزف على آلة العود، ويردد أغنية محلية اسمها (الشحم واللحم) كن ُت قد سمعتها من قبل ُتردد في العديد من الأعراس بالرغم من رداءة كلماتهاولحنها، 32
شيء، ووّلاعتهاتعملأيًضا، وجيء بالعريس ونفر من أهله من وسط الساحة، اتضح منه ما حدث. كانالعريسقدتعَّرفمنذفترةوجيزةفيسوقالحي، على شخص اسمه إدريس، وصفه لنا، فكان هو صاحب قلم زينب نفسه، وقد عرف إدريس بأمر العرس المقرر إقامته في ذلك اليوم، وعرض أنيؤجرلهمعربةجيدةبسعررخيصحتىتقودالزفة، وتشّرف العروسين، وجاءهم بالعربة في أول المساء، قائ ًلا
لك َّنه لم يحضر. ـ نحن مستأجرون ولسنا لصو ًصا جنابك، ولم نكن نعرف أنها عربة الدكتور، وتجمعوا حول العربة، ومّد أحد الصبية يده، 33
وقَّوسأصابعهعلىهيئةمسدسصوبهللحاضرينوهو يصيح: (هاند أب). ابتسم الشرطي العجوز، بلا شك، وما كانت هيئته تغري بإطلاق تلك الكلمةالفخمةعليه، أقل كثي ًرا من إيراد يومي لمتسول في الطرق. ـ هل عندكم صمغ؟ سمعت الشرطي يسأل. ـ صمغ؟
وربما في المدينة
كلها، أيا ًما طو يلة بعد ذلك. في اللحظات التالية كان عدد من المتطوعين قد اقتحموا بيت العرس والبيوت المجاورة له، والتي كانت مفتوحة لإيواء الضيوف القادمين من أحياء أخرى، داخلها صمغ متجلط، بلل الشرطي
إصبعه بلعابه، وضعه على الصمغ المتجلط، وألصقه، لكنني كتمتضحكتي، وألمحعزالدينيقفواجًماكأنهاعتادعلى
تلك الحياة في حي يضج حياة. ـ اسمع. ـسيكونالدكتوركريًماجًدابعدأناستردعربته، أكملزواجكوشهر عسلك، وتعال لمقابلتي في مركز الشرطة بعد ذلك لنتحدث
وما كن ُت أرغب حقيقة في مقاضاة أحد، وأيًضامغسولةومزينة بالورد، الشرطي يخاطبني:
ـ هيا إلى القسم لتحرر بلا ًغا ضد المدعو إدريس، كنانركبالعربةمبتعدين، وترديد أغنية (الشحم واللحم) التي انقطعت عند مجيئنا، 35
لا بد أنها كانت عروسه، وجبران صاحب عربة (الكارو) التي أوصلتنا إلى مكان العرسوالسرقةينحشروسطالفوضى، بعدأنالتقطصحًنابه بقايا أكل، غير عابئ بالصبية الذين انتهكوا صفائح الماء على ظهر عربته (الكارو)، وقفز بعضهم على ظهر الحمار في شقاوة خطرة، ومطاردة الكلاب التي تركض خلفالعربة، ـ عربة مريحة.


Original text

لتاسعة والنصف مساء في عيادتي وقد فرغت من معايناتي
وأستعد للرحيل.
كان قد زارني مرضى معتادون في ذلك اليوم، قضيت معهم مساءعادًيا،أفحصهموأصفلهمالدواء،وأنصحالذينيشتكون من مرض السكر، وارتفاع لتاسعة والنصف مساء في عيادتي وقد فرغت من معايناتي
وأستعد للرحيل.
كان قد زارني مرضى معتادون في ذلك اليوم، قضيت معهم مساءعادًيا،أفحصهموأصفلهمالدواء،وأنصحالذينيشتكون من مرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وانتفاخ المصران الغليظ، بتغيير عاداتهم الغذائية، وممارسة الرياضة بانتظام، في مجتمع أعرفتماًماأنهلنيستجيب.وجاءتنيامرأةمطلَّقةفينحو الثلاثين، كان اسمها الرسمي سهلة، وتسمي نفسها سماسم في وسط معارفها،ترتديثوًباملَّوًنافوققميصهاالأخضراللون،وذهًبا حقيقًيامنقوًشابفن،ومتكدًساحولمعصميهاالممتلئين،وتضع واحًدامنالعطورالزيتيةالتيلاأعرفلماذايستخدمهاالناس، ولا كانت رائحتها في نظري، سوى نشاز يضايق الشم، لم تكن المرة الأولى التي تزورني فيها سماسم، بل في الواقع كانت المرة العشرينأوالثلاثينمنذافتتحتعيادتي،لكَّنهاالمرةالأولىالتي تأتي فيها بهدية، وكانت علبة من حلوى (الماكنتوش) الإنجليزية الصنع، لا أدري كيف حصلت عليها، وكانت في ذلك الوقت تر ًفا
لا تجده إلا عند الأثرياء.
لقدكانتسماسممصيبةأخرىمنالمصائبالتيجَّرتها العيادة، فقد خطبتني لنفسها منذ شاهدتني أول مرة، وتسعى للزواج مني بصبر، وأشاعت في الحي أمر تلك الخطبة، لدرجة أن أحد
26
إخوتها- وكان نشا ًلا محتر ًفا، ومسج ًلا لدى دوائر الشرطة، يدخل السجن ويخرج بلا توقف- قد زارني في أحد الأيام بلا مرض، وأرعبني بصوته الكبير، وذلك الوشم على شكل ذبابة، المنحوت فيذراعهالعارية،وطالبنيأنأطرقالبابرسمًيابدًلامناللعب بعواطف بنات الناس، وأضاف وهو يخبط على طاولتي، بأنه يعرف الأطباءومنهمعلىشاكلتهممنحامليالألقابجيًدا،ويعرف حيلهم في استدراج النساء الساذجات إلى شباكهم، وتركهن بعد ذلك بلا وازع من ضمير. حاول ُت إخباره أنني لا أعرف شي ًئا عن أختهأكثرمنكونهامريضةتتعالجعندي،ولالعبُتبعواطف أحد منذ عرفت معنى العواطف، ولا أفكر في الزواج على الإطلاق وأناماأزالفيبدايةحياتيالعملية،لكَّنهلميفهم،أوأرادألا يفهم، خبط على الطاولة مرة أخرى قبل أن ينصرف، وهو يصيح بصوت سمعه المرضى الجالسون في الصالة: نحن ننتظر قدومك برفقة أهلك .. لا تتأخر. ثم أعقب كلامه بإشارة تهديدية من إصبعه
رفعها في وجهي.
بعد ذلك طالب ُت تلك السماسم المهووسة في أول فرصة رأيتها فيها، أن تكف عن المجيء إلى عيادتي بلا مرض، وأن تبتعد عن طريقي،ولاتدعنيأتصرفبحمق،لكَّنهاابتعدتنحوشهرلم تأت فيه، وتعود في ذلك اليوم بالذات، معطَّرة بالزيوت الخانقة
وتحمل علبة من حلوى (الماكنتوش) الغالية.
أصبت بالذعر حين رأيتها تفتح باب الغرفة وتدخل بتلك المشية المعوجة، والابتسامة التي تسع الوجه كله، طلبت منها المغادرة فوًرا،لكَّنهامحتابتسامتهابسرعة،ووضعتإحدىيديهاعلى خاصرتها اليمنى وأخذت تصيح كممغوص حقيقي: آخ وجع الكلى
27
.. آخ .. آخ.
لم يكن ثمة بد من معاينتها حتى لو كانت كاذبة، وفي دفتر عز الدين يوجد اسمها، وأمامه مبلغ العشرة جنيهات الذي دفعته أجرة للكشف بلا تردد. إنها إحدى معضلات مهنة الطب، أن تقبل بمعاينة نصابوتدريتماًماأنهنصاب،أوترفضمعاينةنصاب،ويموت في ذلك اليوم بالذات من مرض حقيقي، وأعرف قصة محمود عموشالذيكانشاًبافيأواخرالعشرينات،يعملمحصًلاللنقود في إحدى حافلات النقل العام، ويتردد على المستشفى باستمرار، شاكًيامنمغصفيبطنه،وتتممعاينتهبدقةوعملالأشعةوالتحاليل المخبرية له ولا يعثر الأطباء على شيء، فيوقعون على أوراق خروجه، ولدرجة أنه كان في الأشهر الأخيرة، يذهب مباشرة إلى عنبر المرضى الداخليين، من دون أوراق للدخول، يرقد على أي سريرخاليجدهويتوجع،يطالعهالأطباءأثناءالمرور،ويحّيونه بمعرفة، ويسألونه عن أخبار العمل، ومباريات كرة القدم، وآخر فلم هندي عرضته السينما، ويتجاوزونه إلى مرضى آخرين، إلى أنماتيوًمابانفجارفيالزائدةالدودية،وقدمّرأمامهسربمن
الأطباء لم يلتفت إليه أحد منهم.
أرقدتسهلة-سماسم-علىطاولةالكشفالقديمةالتيهَّزها إدريس وقال: إنها بلا حيل، وتحتاج إلى استبدالها.
لم يكن ثمة شيء إيجابي بالطبع، لا ثمة حقنة ستؤخذ أو دواء سيكتببالرغممنتلّويهاوصراخها،والمريضةجلستفي مواجهتي، تمضغ العلكة بفن، وتنفخها و(تطرقعها)، وتفتح علبة الحلوى الإنجليزية، فتأخذ منها واحدة بطعم الفستق، وتضعها
28
أمامي، وتتحدث عن العوالم الشاعرية، وأغاني الأعراس، وعدد الرجال الذين طرقوا بابها بعد أن تحررت من زوجها القديم، وكان فيهم مهندسون معماريون وضباط جيش ومحامون، وعدد بمهن براقةأخرى،لكَّنهالاتفكرفيأحد..تقولذلك،لكنعينيهالا
توافقانها.
ـ أرجوك يا سهلة.
أخاطبها باسمها الحقيقي، اسمها المسجل على شهادة ميلادها، وقسيمة زواجها وطلاقها، وعلى دفتر عز الدين، إمعانا في إبعادها، ولا تبتعد، أذكرها بصعلكة أخيها وتهديده، وتقول: لا تهتم .. أنا ولّيةأمرنفسيحسبالشرع،ألستمطلقة؟وأنهضمعلًناأن وقتزيارتهاقدانتهىوعليهاأنتخرج،لأنعدًدامنالمرضىما زالوا ينتظرون في الخارج، وتنهض بعد تردد، تاركة علبة الحلوى في مكانها وترفض بشدة أخذها.. وأفكر أن تلك الحلوى ستسعد عيالعزالدينبلاشك،وأراهمدائًمايتصارعونمنأجلحلوى (الكرميل) الرخيصة .. مضت إلى الباب تمشي بتكسر مجنون، وكان صندلها أسود اللون وذا كعب عال، يساهم في تكسر مشيتها
أكثر.
التاسعةوالنصفمساء،أخرجإلىالطريقلأمضيإلىمروري الروتينيفيالمستشفى،لكَّنالعربةلمتكنموجودة.ُسِرقت عربة والدي التي تستخدمها العائلة كلها، ولا نملك غيرها وأكاد أجن. كيف ُس ِرقت من أمام باب يدخل منه الناس ويخرجون بلا توقف؟ وكيف أن عز الدين لم يلحظ ذلك أو لم يسمع صوت محركها حين دار؟ هل يكون شقيق الطائشة سماسم قد أرسلها
29
شرًكايشغلنيبهمدةمنالوقتوسرقالعربة؟لكَّنه-حسبعلمي - نشال محترف للجيوب، يصطادها في الحافلات وحافلات النقل العام، وفي طوابير السينما والاستاد الرياضي والسوق، ولا يعرف حتى كيف يقود عربة. كنا نتلفت في الظلام أنا وعز الدين، وعدد منالعابرينسمعوابالخبروتجمهروا،كٌّليدليبإفادةمختلفة، أويسألأسئلةبلامعنى،وفيتلكاللحظةتقدممّناشابطويل، يحمل على كتفه حقيبة صغيرة، ويشبه طلاب المدارس الثانوية،
أو الجامعات، سأل:
ـ هل تبحثون عن العربة (الكورولا) البيضاء التي تقف كل يوم هنا؟
ـ نعم .. هل رأيتها؟
قلنا أنا وعز الدين في صوت واحد.
ـ نعم..رأيتها منذ ساعتين في الشارع العام المؤدي إلى البحر، وكانت مز َّينة بالورد، وتحمل عروسين في زفة.
ـ هل أنت متأكد أنها هي؟
ـ كّلالتأكيد.
قال، ومضى من دون أن يدلي بمعلومات أخرى .وأصاب بالحيرة من تلك المعلومة الخطيرة، أن تتقدم عربة العائلة زفة في حي غريب، ولا نعرف من تزوج ومن ُز َّف في ذلك اليوم؟ وكيف ُتسرق عربة لتنفضح في زفة؟ ومن سرقها ليستخدمها ذلك
الاستخدام غير المألوف؟
30
فيحيالنورقريًبامنالعيادة،علىبعدعدةشوارع،يوجد مركز صغير للشرطة، به عسكر يان في كل وردية، وقد أنشئ لفض المنازعاتالقبلية،أوالمشاجراتالبسيطةالتيتحدثأحياًنابين الجيرانبسببأمورتافهة،وأيًضالتلقيالشكاوىفيحالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا إلى المركز أنا وعز الدين نتصبب عرًقا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، أحدهما شاب في مقتبل العمر، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالهاعملالشرطةإلانادًرا،والآخريبدوقديًماوعلىوشك التقاعد، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه- نو ًعا من الزينة التقليدية- على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، في البلاد. حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية،سَّجلالبلاغعلىدفترهالذيكانمنورقأصفروبلا غلاف،وسألنيإنكنتأتهمأحًدابالذاتبتلكالسرقة،وخطر ببالي أن أتهم المحتال (إدريس علي)، والنشال شقيق المجنونة سماسم، لكنني لم أجرؤ، ولا أملك دلي ًلا على أحد. قلت: لا أعرف
.. فانشغل الشرطي بفتل شاربه قلي ًلا ثم نهض مرد ًدا ..
ـ تفضلا معي لو سمحتما.
لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو باسم شخص آخر، ولا عن لونها وماركتها وأرقام تسجيلها، ولا سأل عز الدين، إنكانقدسمعشيًئاأملا؟كماكانيفترضفيتلكالحالات، كانظهرهمنحنًياإلىالأمامقليًلاوهويمشي،وجرابهالمدلىمن
31
الخصر، مفتو ًحا وبلا سلاح، وقد تأرجح أحد أشرطته العسكرية على كتفه اليمنى، بسبب تمزق الخيوط. وقد خطر لي أن أسأله عن سلاحه الذي ربما يحتاج إليه في مهمته، في اللحظة نفسها التي رأيتهفيهايلتقطعًصاضخمةمنأحدأركانالغرفة،ويطلبمن
زميله البقاء بالقسم حتى يعود، وكان يصيح:
ـ لاتخرجياتولابمنمكانكحتىلووقعانقلابعسكري.. هل تفهم؟
لم تكن بالمركز سيارة مخصصة لتنقل العسكريين، ولا حتى دراجة نار ية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل علىعربة(كارو)يقودهاحمار-وتحملعدًدامنصفائحالماء، عبرت أمامنا- بالتوقف، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب (الكارو) واسمه جبران قد زارني مرة في العيادة يشكو من ألم ركبتيه بار ًعا في تخطي الحفر والشوارع الموحلة، والدخول إلى أزقة ملتوية، لاتسمححتىبمرورقطة،وقادنامباشرةبعدأنعرفبأمرالعربة المسروقة إلى بيت متهالك من الخشب، يطل على أرض خلاء، كانتمضاءةبالفوانيس،وممتلئةبالناسوبقاياالأكل،وثمة ُمغٍّن لم أره من قبل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، يعزف على آلة العود، ويردد أغنية محلية اسمها (الشحم واللحم) كن ُت قد سمعتها من قبل ُتردد في العديد من الأعراس بالرغم من رداءة كلماتهاولحنها،وكانتالمفاجأةأنالعربةبكاملزينتهاالموَّردة
هناك.
نزل ُت من عربة (الكارو) مسر ًعا قبل الشرطي، وأسرعت أتفقد عربتي من الخارج والداخل في قلق، وكانت كما هي، لم يفقد منها
32
شيء،مسجلهاالعتيقمازاليعمل،ووّلاعتهاتعملأيًضا،وكساء الجلد الذي كسوت به مقاعدها موجود في مكانه،ولا جديد سوى عدة كيلومترات أضيفت إلى عداد السرعة الذي أحتفظ في ذهني بقراءتهدائًما.توقفالغناءوالرقصبأمرمنالشرطيالعجوز، وجيء بالعريس ونفر من أهله من وسط الساحة، وخضعوا
لاستجواب سريع، اتضح منه ما حدث.
كانالعريسقدتعَّرفمنذفترةوجيزةفيسوقالحي،على شخص اسمه إدريس، وصفه لنا، فكان هو صاحب قلم زينب نفسه،ومجِّمعفوضىالمرغنيةالذييرتديزيجنودالصاعقة المرَّقع وينكش شعره، وقد عرف إدريس بأمر العرس المقرر إقامته في ذلك اليوم، بعد تلقيه دعوة لحضوره من العر يس، وعرض أنيؤجرلهمعربةجيدةبسعررخيصحتىتقودالزفة،وتشّرف العروسين، بد ًلا من حشرهما في حافلة ممتلئة بالمدعوين، بسبب عدم الإمكانات، ووافق العريس الذي كان يعمل حلا ًقا بسيطًا في سوق حي النور الشعبي على عرضه بلا تردد، وسلَّمه مبلغ الإيجار كام ًلا، ووصف له البيت، وجاءهم بالعربة في أول المساء، قائ ًلا
إنه سيعود لاستردادها في التاسعة والنصف، لك َّنه لم يحضر.
ـ نحن مستأجرون ولسنا لصو ًصا جنابك، ولم نكن نعرف أنها عربة الدكتور، العربات تتشابه جنابك.
كانأحدأقاربالعريسيتحدثبهدوءواثق،وقدتركعدٌد من المدعو ين بمن فيهم نساء وأطفال ساحة الغناء، وتجمعوا حول العربة،بعضهميجلسعليها،وبعضهمينقرعلىزجاجها،ومّد أحد الصبية يده، وتحسس بها الجراب الخالي المدلى على خصر
33
الشرطي،وقَّوسأصابعهعلىهيئةمسدسصوبهللحاضرينوهو يصيح: (هاند أب).
ابتسم الشرطي العجوز، وقد أعجبته كلمة جنابك التي رددها الرجل مرتين، بلا شك، وما كانت هيئته تغري بإطلاق تلك الكلمةالفخمةعليه،لكَّنهاكمايبدوكانتالمحركالوحيدلرفع المعنويات في مهنة شاقة تؤدى بلا عدة ولا عتاد، وبراتب شهري،
أقل كثي ًرا من إيراد يومي لمتسول في الطرق. ـ هل عندكم صمغ؟ سمعت الشرطي يسأل. ـ صمغ؟
رددالعريسالذيكانيبدوقلًقاومتلهًفالإنهاءتلكالمعضلة، وتكملة مراسم زواجه بلا مشاكل إضافية، ولا بد أنه يفكر في تلك الزفةالمسروقةالتيابتهجفيهاساعتين،وحتًماستكونحديث الناس في حي النور وأحياء أخرى مشابهة، وربما في المدينة
كلها، أيا ًما طو يلة بعد ذلك.
ـ نعم صمغ .. احضروا صم ًغا لو سمحتم.
في اللحظات التالية كان عدد من المتطوعين قد اقتحموا بيت العرس والبيوت المجاورة له، والتي كانت مفتوحة لإيواء الضيوف القادمين من أحياء أخرى، أو خارج المدينة، كما هي العادة في تلك الأحياء الشعبية، وجاء أحدهم بعد دقائق من الانتظار، بعلبة صغيرة صفراء مفتوحة، داخلها صمغ متجلط، بلل الشرطي
34
إصبعه بلعابه، وضعه على الصمغ المتجلط، ودهن موضع الشريط المنفلت على كتفه، وألصقه، ثم وضع العلبة في جيبه من دون أن يطالبه أحد بردها. كدت أضحك برغم تلك الظروف كلها، لكنني كتمتضحكتي،وألمحعزالدينيقفواجًماكأنهاعتادعلى
تلك الحياة في حي يضج حياة. ـ اسمع.
كان الشرطي يخاطب العريس الذي كان ما يزال يتلفت باستمرار، ولا تستقر عيناه على جهة معينة، وعدد من الرجال المعممين، يلتفون حوله بملامح متحفزة:
ـسيكونالدكتوركريًماجًدابعدأناستردعربته،ولن يقاضيكم،لكننيلستكريًما..أكملزواجكوشهر عسلك، وتعال لمقابلتي في مركز الشرطة بعد ذلك لنتحدث
قلي ًلا عن استلام المال المسروق.. انتهى.
بالطبع صادر رأيي في تلك المعضلة من دون أن يستشيرني، وما كن ُت أرغب حقيقة في مقاضاة أحد، أو إفساد فرحة لأحد، وقد استرددتعربةالعائلةسليمةبلانقص،وأيًضامغسولةومزينة بالورد، لكن بالطبع لم تحل معضلة إدريس حتى الآن، وأسمع
الشرطي يخاطبني:
ـ هيا إلى القسم لتحرر بلا ًغا ضد المدعو إدريس، وسنقبض عليه في أقرب وقت.
كنانركبالعربةمبتعدين،وقدعادالمغنيالمغمورإلىعزف عوده، وترديد أغنية (الشحم واللحم) التي انقطعت عند مجيئنا،
35
رأيت العريس يمسك بيد امرأة مزينة خرجت من أحد البيوت المفتوحة، لا بد أنها كانت عروسه، يدخل بها إلى وسط الساحة الممتلئة، وجبران صاحب عربة (الكارو) التي أوصلتنا إلى مكان العرسوالسرقةينحشروسطالفوضى،بعدأنالتقطصحًنابه بقايا أكل، غير عابئ بالصبية الذين انتهكوا صفائح الماء على ظهر عربته (الكارو)، أراقوها كلها على الأرض، وقفز بعضهم على ظهر الحمار في شقاوة خطرة، وحين وصلنا إلى قسم الشرطة بعد صراع مرير مع الأزقة والحفر، ومطاردة الكلاب التي تركض خلفالعربة،كانعلّيأنأوقظالشرطيالعجوزالجالسبجانبي،
فقد نام بعمق في رحلة لم تستغرق سوى دقائق معدودة.
ـ عربة مريحة.
كان يردد بصوت خامد وهو ينزل من العربة، بينما زميله الشاب، ذو الكتف الخالية من الأشرطة، يخرج من القسم مسر ًعا، يقفمتصلًباأمامالباب،ويرفعيدهبتحيةعسكريةكادت
تضحكني. ضغط الدم، وانتفاخ المصران الغليظ، بتغيير عاداتهم الغذائية، وممارسة الرياضة بانتظام، في مجتمع أعرفتماًماأنهلنيستجيب.وجاءتنيامرأةمطلَّقةفينحو الثلاثين، كان اسمها الرسمي سهلة، وتسمي نفسها سماسم في وسط معارفها،ترتديثوًباملَّوًنافوققميصهاالأخضراللون،وذهًبا حقيقًيامنقوًشابفن،ومتكدًساحولمعصميهاالممتلئين،وتضع واحًدامنالعطورالزيتيةالتيلاأعرفلماذايستخدمهاالناس، ولا كانت رائحتها في نظري، سوى نشاز يضايق الشم، لم تكن المرة الأولى التي تزورني فيها سماسم، بل في الواقع كانت المرة العشرينأوالثلاثينمنذافتتحتعيادتي،لكَّنهاالمرةالأولىالتي تأتي فيها بهدية، وكانت علبة من حلوى (الماكنتوش) الإنجليزية الصنع، لا أدري كيف حصلت عليها، وكانت في ذلك الوقت تر ًفا
لا تجده إلا عند الأثرياء.
لقدكانتسماسممصيبةأخرىمنالمصائبالتيجَّرتها العيادة، فقد خطبتني لنفسها منذ شاهدتني أول مرة، وتسعى للزواج مني بصبر، وأشاعت في الحي أمر تلك الخطبة، لدرجة أن أحد
26
إخوتها- وكان نشا ًلا محتر ًفا، ومسج ًلا لدى دوائر الشرطة، يدخل السجن ويخرج بلا توقف- قد زارني في أحد الأيام بلا مرض، وأرعبني بصوته الكبير، وذلك الوشم على شكل ذبابة، المنحوت فيذراعهالعارية،وطالبنيأنأطرقالبابرسمًيابدًلامناللعب بعواطف بنات الناس، وأضاف وهو يخبط على طاولتي، بأنه يعرف الأطباءومنهمعلىشاكلتهممنحامليالألقابجيًدا،ويعرف حيلهم في استدراج النساء الساذجات إلى شباكهم، وتركهن بعد ذلك بلا وازع من ضمير. حاول ُت إخباره أنني لا أعرف شي ًئا عن أختهأكثرمنكونهامريضةتتعالجعندي،ولالعبُتبعواطف أحد منذ عرفت معنى العواطف، ولا أفكر في الزواج على الإطلاق وأناماأزالفيبدايةحياتيالعملية،لكَّنهلميفهم،أوأرادألا يفهم، خبط على الطاولة مرة أخرى قبل أن ينصرف، وهو يصيح بصوت سمعه المرضى الجالسون في الصالة: نحن ننتظر قدومك برفقة أهلك .. لا تتأخر. ثم أعقب كلامه بإشارة تهديدية من إصبعه
رفعها في وجهي.
بعد ذلك طالب ُت تلك السماسم المهووسة في أول فرصة رأيتها فيها، أن تكف عن المجيء إلى عيادتي بلا مرض، وأن تبتعد عن طريقي،ولاتدعنيأتصرفبحمق،لكَّنهاابتعدتنحوشهرلم تأت فيه، وتعود في ذلك اليوم بالذات، معطَّرة بالزيوت الخانقة
وتحمل علبة من حلوى (الماكنتوش) الغالية.
أصبت بالذعر حين رأيتها تفتح باب الغرفة وتدخل بتلك المشية المعوجة، والابتسامة التي تسع الوجه كله، طلبت منها المغادرة فوًرا،لكَّنهامحتابتسامتهابسرعة،ووضعتإحدىيديهاعلى خاصرتها اليمنى وأخذت تصيح كممغوص حقيقي: آخ وجع الكلى
27
.. آخ .. آخ.
لم يكن ثمة بد من معاينتها حتى لو كانت كاذبة، وفي دفتر عز الدين يوجد اسمها، وأمامه مبلغ العشرة جنيهات الذي دفعته أجرة للكشف بلا تردد. إنها إحدى معضلات مهنة الطب، أن تقبل بمعاينة نصابوتدريتماًماأنهنصاب،أوترفضمعاينةنصاب،ويموت في ذلك اليوم بالذات من مرض حقيقي، وأعرف قصة محمود عموشالذيكانشاًبافيأواخرالعشرينات،يعملمحصًلاللنقود في إحدى حافلات النقل العام، ويتردد على المستشفى باستمرار، شاكًيامنمغصفيبطنه،وتتممعاينتهبدقةوعملالأشعةوالتحاليل المخبرية له ولا يعثر الأطباء على شيء، فيوقعون على أوراق خروجه، ولدرجة أنه كان في الأشهر الأخيرة، يذهب مباشرة إلى عنبر المرضى الداخليين، من دون أوراق للدخول، يرقد على أي سريرخاليجدهويتوجع،يطالعهالأطباءأثناءالمرور،ويحّيونه بمعرفة، ويسألونه عن أخبار العمل، ومباريات كرة القدم، وآخر فلم هندي عرضته السينما، ويتجاوزونه إلى مرضى آخرين، إلى أنماتيوًمابانفجارفيالزائدةالدودية،وقدمّرأمامهسربمن
الأطباء لم يلتفت إليه أحد منهم.
أرقدتسهلة-سماسم-علىطاولةالكشفالقديمةالتيهَّزها إدريس وقال: إنها بلا حيل، وتحتاج إلى استبدالها.
لم يكن ثمة شيء إيجابي بالطبع، لا ثمة حقنة ستؤخذ أو دواء سيكتببالرغممنتلّويهاوصراخها،والمريضةجلستفي مواجهتي، تمضغ العلكة بفن، وتنفخها و(تطرقعها)، وتفتح علبة الحلوى الإنجليزية، فتأخذ منها واحدة بطعم الفستق، وتضعها
28
أمامي، وتتحدث عن العوالم الشاعرية، وأغاني الأعراس، وعدد الرجال الذين طرقوا بابها بعد أن تحررت من زوجها القديم، وكان فيهم مهندسون معماريون وضباط جيش ومحامون، وعدد بمهن براقةأخرى،لكَّنهالاتفكرفيأحد..تقولذلك،لكنعينيهالا
توافقانها.
ـ أرجوك يا سهلة.
أخاطبها باسمها الحقيقي، اسمها المسجل على شهادة ميلادها، وقسيمة زواجها وطلاقها، وعلى دفتر عز الدين، إمعانا في إبعادها، ولا تبتعد، أذكرها بصعلكة أخيها وتهديده، وتقول: لا تهتم .. أنا ولّيةأمرنفسيحسبالشرع،ألستمطلقة؟وأنهضمعلًناأن وقتزيارتهاقدانتهىوعليهاأنتخرج،لأنعدًدامنالمرضىما زالوا ينتظرون في الخارج، وتنهض بعد تردد، تاركة علبة الحلوى في مكانها وترفض بشدة أخذها.. وأفكر أن تلك الحلوى ستسعد عيالعزالدينبلاشك،وأراهمدائًمايتصارعونمنأجلحلوى (الكرميل) الرخيصة .. مضت إلى الباب تمشي بتكسر مجنون، وكان صندلها أسود اللون وذا كعب عال، يساهم في تكسر مشيتها
أكثر.
التاسعةوالنصفمساء،أخرجإلىالطريقلأمضيإلىمروري الروتينيفيالمستشفى،لكَّنالعربةلمتكنموجودة.ُسِرقت عربة والدي التي تستخدمها العائلة كلها، ولا نملك غيرها وأكاد أجن. كيف ُس ِرقت من أمام باب يدخل منه الناس ويخرجون بلا توقف؟ وكيف أن عز الدين لم يلحظ ذلك أو لم يسمع صوت محركها حين دار؟ هل يكون شقيق الطائشة سماسم قد أرسلها
29
شرًكايشغلنيبهمدةمنالوقتوسرقالعربة؟لكَّنه-حسبعلمي - نشال محترف للجيوب، يصطادها في الحافلات وحافلات النقل العام، وفي طوابير السينما والاستاد الرياضي والسوق، ولا يعرف حتى كيف يقود عربة. كنا نتلفت في الظلام أنا وعز الدين، وعدد منالعابرينسمعوابالخبروتجمهروا،كٌّليدليبإفادةمختلفة، أويسألأسئلةبلامعنى،وفيتلكاللحظةتقدممّناشابطويل، يحمل على كتفه حقيبة صغيرة، ويشبه طلاب المدارس الثانوية،
أو الجامعات، سأل:
ـ هل تبحثون عن العربة (الكورولا) البيضاء التي تقف كل يوم هنا؟
ـ نعم .. هل رأيتها؟
قلنا أنا وعز الدين في صوت واحد.
ـ نعم..رأيتها منذ ساعتين في الشارع العام المؤدي إلى البحر، وكانت مز َّينة بالورد، وتحمل عروسين في زفة.
ـ هل أنت متأكد أنها هي؟
ـ كّلالتأكيد.
قال، ومضى من دون أن يدلي بمعلومات أخرى .وأصاب بالحيرة من تلك المعلومة الخطيرة، أن تتقدم عربة العائلة زفة في حي غريب، ولا نعرف من تزوج ومن ُز َّف في ذلك اليوم؟ وكيف ُتسرق عربة لتنفضح في زفة؟ ومن سرقها ليستخدمها ذلك
الاستخدام غير المألوف؟
30
فيحيالنورقريًبامنالعيادة،علىبعدعدةشوارع،يوجد مركز صغير للشرطة، به عسكر يان في كل وردية، وقد أنشئ لفض المنازعاتالقبلية،أوالمشاجراتالبسيطةالتيتحدثأحياًنابين الجيرانبسببأمورتافهة،وأيًضالتلقيالشكاوىفيحالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا إلى المركز أنا وعز الدين نتصبب عرًقا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، أحدهما شاب في مقتبل العمر، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالهاعملالشرطةإلانادًرا،والآخريبدوقديًماوعلىوشك التقاعد، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه- نو ًعا من الزينة التقليدية- على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، في البلاد. حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية،سَّجلالبلاغعلىدفترهالذيكانمنورقأصفروبلا غلاف،وسألنيإنكنتأتهمأحًدابالذاتبتلكالسرقة،وخطر ببالي أن أتهم المحتال (إدريس علي)، والنشال شقيق المجنونة سماسم، لكنني لم أجرؤ، ولا أملك دلي ًلا على أحد. قلت: لا أعرف
.. فانشغل الشرطي بفتل شاربه قلي ًلا ثم نهض مرد ًدا ..
ـ تفضلا معي لو سمحتما.
لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو باسم شخص آخر، ولا عن لونها وماركتها وأرقام تسجيلها، ولا سأل عز الدين، إنكانقدسمعشيًئاأملا؟كماكانيفترضفيتلكالحالات، كانظهرهمنحنًياإلىالأمامقليًلاوهويمشي،وجرابهالمدلىمن
31
الخصر، مفتو ًحا وبلا سلاح، وقد تأرجح أحد أشرطته العسكرية على كتفه اليمنى، بسبب تمزق الخيوط. وقد خطر لي أن أسأله عن سلاحه الذي ربما يحتاج إليه في مهمته، في اللحظة نفسها التي رأيتهفيهايلتقطعًصاضخمةمنأحدأركانالغرفة،ويطلبمن
زميله البقاء بالقسم حتى يعود، وكان يصيح:
ـ لاتخرجياتولابمنمكانكحتىلووقعانقلابعسكري.. هل تفهم؟
لم تكن بالمركز سيارة مخصصة لتنقل العسكريين، ولا حتى دراجة نار ية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل علىعربة(كارو)يقودهاحمار-وتحملعدًدامنصفائحالماء، عبرت أمامنا- بالتوقف، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب (الكارو) واسمه جبران قد زارني مرة في العيادة يشكو من ألم ركبتيه بار ًعا في تخطي الحفر والشوارع الموحلة، والدخول إلى أزقة ملتوية، لاتسمححتىبمرورقطة،وقادنامباشرةبعدأنعرفبأمرالعربة المسروقة إلى بيت متهالك من الخشب، يطل على أرض خلاء، كانتمضاءةبالفوانيس،وممتلئةبالناسوبقاياالأكل،وثمة ُمغٍّن لم أره من قبل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، يعزف على آلة العود، ويردد أغنية محلية اسمها (الشحم واللحم) كن ُت قد سمعتها من قبل ُتردد في العديد من الأعراس بالرغم من رداءة كلماتهاولحنها،وكانتالمفاجأةأنالعربةبكاملزينتهاالموَّردة
هناك.
نزل ُت من عربة (الكارو) مسر ًعا قبل الشرطي، وأسرعت أتفقد عربتي من الخارج والداخل في قلق، وكانت كما هي، لم يفقد منها
32
شيء،مسجلهاالعتيقمازاليعمل،ووّلاعتهاتعملأيًضا،وكساء الجلد الذي كسوت به مقاعدها موجود في مكانه،ولا جديد سوى عدة كيلومترات أضيفت إلى عداد السرعة الذي أحتفظ في ذهني بقراءتهدائًما.توقفالغناءوالرقصبأمرمنالشرطيالعجوز، وجيء بالعريس ونفر من أهله من وسط الساحة، وخضعوا
لاستجواب سريع، اتضح منه ما حدث.
كانالعريسقدتعَّرفمنذفترةوجيزةفيسوقالحي،على شخص اسمه إدريس، وصفه لنا، فكان هو صاحب قلم زينب نفسه،ومجِّمعفوضىالمرغنيةالذييرتديزيجنودالصاعقة المرَّقع وينكش شعره، وقد عرف إدريس بأمر العرس المقرر إقامته في ذلك اليوم، بعد تلقيه دعوة لحضوره من العر يس، وعرض أنيؤجرلهمعربةجيدةبسعررخيصحتىتقودالزفة،وتشّرف العروسين، بد ًلا من حشرهما في حافلة ممتلئة بالمدعوين، بسبب عدم الإمكانات، ووافق العريس الذي كان يعمل حلا ًقا بسيطًا في سوق حي النور الشعبي على عرضه بلا تردد، وسلَّمه مبلغ الإيجار كام ًلا، ووصف له البيت، وجاءهم بالعربة في أول المساء، قائ ًلا
إنه سيعود لاستردادها في التاسعة والنصف، لك َّنه لم يحضر.
ـ نحن مستأجرون ولسنا لصو ًصا جنابك، ولم نكن نعرف أنها عربة الدكتور، العربات تتشابه جنابك.
كانأحدأقاربالعريسيتحدثبهدوءواثق،وقدتركعدٌد من المدعو ين بمن فيهم نساء وأطفال ساحة الغناء، وتجمعوا حول العربة،بعضهميجلسعليها،وبعضهمينقرعلىزجاجها،ومّد أحد الصبية يده، وتحسس بها الجراب الخالي المدلى على خصر
33
الشرطي،وقَّوسأصابعهعلىهيئةمسدسصوبهللحاضرينوهو يصيح: (هاند أب).
ابتسم الشرطي العجوز، وقد أعجبته كلمة جنابك التي رددها الرجل مرتين، بلا شك، وما كانت هيئته تغري بإطلاق تلك الكلمةالفخمةعليه،لكَّنهاكمايبدوكانتالمحركالوحيدلرفع المعنويات في مهنة شاقة تؤدى بلا عدة ولا عتاد، وبراتب شهري،
أقل كثي ًرا من إيراد يومي لمتسول في الطرق. ـ هل عندكم صمغ؟ سمعت الشرطي يسأل. ـ صمغ؟
رددالعريسالذيكانيبدوقلًقاومتلهًفالإنهاءتلكالمعضلة، وتكملة مراسم زواجه بلا مشاكل إضافية، ولا بد أنه يفكر في تلك الزفةالمسروقةالتيابتهجفيهاساعتين،وحتًماستكونحديث الناس في حي النور وأحياء أخرى مشابهة، وربما في المدينة
كلها، أيا ًما طو يلة بعد ذلك.
ـ نعم صمغ .. احضروا صم ًغا لو سمحتم.
في اللحظات التالية كان عدد من المتطوعين قد اقتحموا بيت العرس والبيوت المجاورة له، والتي كانت مفتوحة لإيواء الضيوف القادمين من أحياء أخرى، أو خارج المدينة، كما هي العادة في تلك الأحياء الشعبية، وجاء أحدهم بعد دقائق من الانتظار، بعلبة صغيرة صفراء مفتوحة، داخلها صمغ متجلط، بلل الشرطي
34
إصبعه بلعابه، وضعه على الصمغ المتجلط، ودهن موضع الشريط المنفلت على كتفه، وألصقه، ثم وضع العلبة في جيبه من دون أن يطالبه أحد بردها. كدت أضحك برغم تلك الظروف كلها، لكنني كتمتضحكتي،وألمحعزالدينيقفواجًماكأنهاعتادعلى
تلك الحياة في حي يضج حياة. ـ اسمع.
كان الشرطي يخاطب العريس الذي كان ما يزال يتلفت باستمرار، ولا تستقر عيناه على جهة معينة، وعدد من الرجال المعممين، يلتفون حوله بملامح متحفزة:
ـسيكونالدكتوركريًماجًدابعدأناستردعربته،ولن يقاضيكم،لكننيلستكريًما..أكملزواجكوشهر عسلك، وتعال لمقابلتي في مركز الشرطة بعد ذلك لنتحدث
قلي ًلا عن استلام المال المسروق.. انتهى.
بالطبع صادر رأيي في تلك المعضلة من دون أن يستشيرني، وما كن ُت أرغب حقيقة في مقاضاة أحد، أو إفساد فرحة لأحد، وقد استرددتعربةالعائلةسليمةبلانقص،وأيًضامغسولةومزينة بالورد، لكن بالطبع لم تحل معضلة إدريس حتى الآن، وأسمع
الشرطي يخاطبني:
ـ هيا إلى القسم لتحرر بلا ًغا ضد المدعو إدريس، وسنقبض عليه في أقرب وقت.
كنانركبالعربةمبتعدين،وقدعادالمغنيالمغمورإلىعزف عوده، وترديد أغنية (الشحم واللحم) التي انقطعت عند مجيئنا،
35
رأيت العريس يمسك بيد امرأة مزينة خرجت من أحد البيوت المفتوحة، لا بد أنها كانت عروسه، يدخل بها إلى وسط الساحة الممتلئة، وجبران صاحب عربة (الكارو) التي أوصلتنا إلى مكان العرسوالسرقةينحشروسطالفوضى،بعدأنالتقطصحًنابه بقايا أكل، غير عابئ بالصبية الذين انتهكوا صفائح الماء على ظهر عربته (الكارو)، أراقوها كلها على الأرض، وقفز بعضهم على ظهر الحمار في شقاوة خطرة، وحين وصلنا إلى قسم الشرطة بعد صراع مرير مع الأزقة والحفر، ومطاردة الكلاب التي تركض خلفالعربة،كانعلّيأنأوقظالشرطيالعجوزالجالسبجانبي،
فقد نام بعمق في رحلة لم تستغرق سوى دقائق معدودة.
ـ عربة مريحة.
كان يردد بصوت خامد وهو ينزل من العربة، بينما زميله الشاب، ذو الكتف الخالية من الأشرطة، يخرج من القسم مسر ًعا، يقفمتصلًباأمامالباب،ويرفعيدهبتحيةعسكريةكادت
تضحكني.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الآخرين. اذ ان ...

الآخرين. اذ ان الاستعمار يساهم في تشكيل الذوات ورؤاهم وادراكاتهم للعالم والآخرين، في مقاله يتحدث حسي...

: إنَّ الحمدَ...

: إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ...

Description de ...

Description de la Villa Moderne La photo montre une vue en plan 3D d'une villa moderne, comprenant p...

حيث لا يمكن الف...

حيث لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، النهضة الأخلاقية، النهضة الاقتصادية، النهضة العسكرية والاجتما...

يبحث المقال في ...

يبحث المقال في الاختلافات وإمكانيات الوصول والمساواة في التعليم في جهاز التربية والتعليم، المقال مقس...

تقع ماليزيا في ...

تقع ماليزيا في جنوب شرقي آسيا وتتكون من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية؛ حيث تبلغ مساحتها أكثر من 330...

تحليل أهداف الع...

تحليل أهداف العمل والقيود تعمل هذه الفصول كمقدمة لبقية الكتاب من خالل وصف تصميم الشبكات بأسلوب متكا...

الانسداد والتأخ...

الانسداد والتأخر في السداد نص الرسالة: بعد الانتهاء من الخدمة بأكملها تقريبًا الخاضعة للنفقات رقم ، ...

StepS (results)...

StepS (results): 1-Amniotic cavity expansion leads to primitive umbilical ring formation by ventral ...

With a degree i...

With a degree in Human Resources and specialized training from the Ministry of Human Resource and So...

رداً على هذا ال...

رداً على هذا السوال فيوجد عدة اسباب حيث تتكون مهام الهيئة من ستة مهام رئاسية وهم: اولاً: العمل على ب...

أثارت لحظات بكا...

أثارت لحظات بكاء أطفال يسمعون للمرة الأولى في حياتهم، مشاعر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ...