Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (40%)

أولاً: الأمن القومى العربى وصراعات الإقليمية والعالمية
فى الوقت الذى أخذ فيه النظام الدولى يشهد تطورات مهمة فى هيكليته منذ سقوط
فقط على عضوية الدول إلى نظام عالمى يجمع بين عضويتة الدول من ناحية، المنظمات والهيئات ذات التأثير القوى فى السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية
بعد إلى نظام أشبه بـ "اللا قطبية"، أمًلا فى أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، مهمًا لدور الأقاليم على حسابقيادة النظام العالمى وأيضًا حساب دور الدولة الوطنية، تتفوق على علاقتها بقيادة
النظام العالمى ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). هذا الإتجاه إلى تدعيم دور الأقاليم من ناحية، وسياسات التعاون والإعتماد الإقتصادى
المتبادل والتكامل الإقليمى من ناحية أخرى الذى أصبح أحد أهم معالم النظام العالمى
لم يكن له أى وجود فعلى فى إقليم الشرق الأوسط، وليس إلى الإعتماد المتبادل والتكامل
الإقتصادى بين دوله. يكاد يكون الإقليم الوحيد فى العالم الذى يشهد أعلى درجات العسكرة، • الأمن القومى العربى وصراعات الإقليمية والعالمية
• العرب وإيران وخريطة الصراعات والتحالفات الإقليمية
• العرب والموقفمن إيرانكمصدر للتهديد
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
ومعظم القواعد العسكرية ابتداءًا من حرب الخليج الأولى التى امتدت ثمانى
وتحركات القطع العسكرية التى تخص دول الإقليم والدول الحليفة لها، والاعتماد المتزايد على
التحالفات الإقليمية والدولية فى الإقليم. لما يجرى من مناورات عسكرية على أرض الإقليم كافية للكشف عن أبرز
فإذا كانت إيران تتفرد عن غيرها من دول الإقليم باعتمادها على الذات فى
فإن هذا الاعتماد على الذات والمناورات الانفرادية دون مشاركة
أى أطراف أخرى إقليمية أو دولية، إيران لحصار أمريكى منذ العام 1981 ، وهو الحصار الذى فرض عليها اللجوء الإضطرارى إلى
سياسة الاعتماد على الذات اقتصاديًا وعسكريًا، وحال دون انخراط إيران فى تجمعات إقليمية
أما دول مجلس التعاون الخليجى التى تعتمد بدرجة كبيرة على الدعم العسكرى الأمريكى
يجعلها على مستوى التفاعلات السياسية والعسكرية أكثر "عولمة" أو "دولنة" من كونها
والأكثر من ذلك أن الحروب التى تدور على أرض دول هذا الإقليم الشرق أوسطى أضحت
هذا يعنى أن إقليم الشرق الأوسط، وفى القلب منه النظام العربى وخاصة جزئه الخليجى، دون غيره من الأقاليم فى العالم، وتجرى عولمته على حساب تحويله إلى كتلة أو جماعة اقتصادية ـ سياسة قادرة على التفاعل
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
الإيجابى مع المجتمع الدولى من المنطلق ذاته الذى أخذ يتعامل به النظام العالمى أى
ابتداءًا من هذا التشخيص يجدر التساؤل عن تأثير هاتين الخاصيتين على الأمن القومى العربى
وعلى أنماط التفاعل بين دول الإقليم وبالذات علاقات العرب بإيران، إقليمية داخل إقليم الشرق الأوسط تقتصر على الدول أعضائه، ربما تكشف حالة النظام العربى، مجرد قضية ذات أولوية طاغية على غيرها من القضايا
على تجميع
وجاءت حرب الخليج الثانية وتداعياتها، العربية ـ الإسرائيلية، الذى أضحى مبعثرًا مع غزو العراق واحتلاله، ومن بعده الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف
الإقليمى الأوسع (نظام الشرق الأوسط)، حال التجمعات الفرعية
فمجلس
أفق لنظام أمن جماعى خليجى، بل أمنمنفرد لكل دولة خليجية على حدة. الناتو)، وسلطنة عمان، ودون أفق لأمن خليجى عربى، أما
أما القلب العربى، ودمشق، فى وقت أضحى فيه العراق
غارقًا تحت الإحتلال والتنافس بين أمراء الحرب الذىيكاد يحوله إلى أفغانستان أخرىمع اقتراب
ففى وقت تتجه فيه القاهرة
إلى مزيد من التطبيع مع الدولة الصهيونية، أضحت
ثانيًا: العرب وإيران وخريطة الصراعات والتحالفات الإقليمية
هذا الوضع الانقسامى للنظام العربى المقترن بافتقاد الفعالية سواء على مستوى القيام
ظل بروز خريطة صراعات وتحالفات إقليمية جديدة وحدوث استقطاب حاد لقلب النظام وتركزه
فى ثلاثة قوى إقليمية أساسية هى: إسرائيل وإيران وتركيا، وتحول العرب إلى مجرد طرف
بدليل كل ذلك الفشل الذى منيت به "القمة العربية الاستثنائية"
التى عقدت فى مدينة سرت الليبية 9 أكتوبر 2010 الذى عجز فيها القادة العرب عن التوصل
كما عجزوا فيه عن
إقرار مشروع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الخاص ببلورة إطار تفاعلى عصرى
وكما تعبر عنها خريطة توزيع القوة بين الفواعل الأساسية
للنظام تقول أن هذا النظام يتجه إلى هيكلية قيادة ثلاثية متصارعة؛ أن تفرض نفسها كقوة إقليمية عظمىمسيطرة، تبدو أنها راضية بدور الموازن الإقليمى Balancer Regional فإنها أيضًا حريصة على أن تكون
قوة منافسة على الزعامة الإقليمية وإن كانت تعطى الأولوية لعناصر القوة الناعمة دون
نجاح كلمن هذه القوى الثلاثة فى تحقيق أهدافه من ناحية أخرى. فخريطة توازن القوى الإقليمية كما هى واضحة ومؤكدة تعبر عن حالة اشتباك بين مشروعات
والمشروع التركى الذى مازال محكومًا بتفاعلات شديدة الخصوصية بين ما هو "أتاتوركى" وما
بأبعادها الحضارية والتاريخية. العربية تعقيدًا، بعضه ناتج من خصوصيات المشروع الإيرانى وبعضه الآخر ناتج من تفاعلات
حيث يظهر التنافس قويًا
الإقليمية. هذا التنافس الإيرانى - الإسرائيلى على كسب تركيا كحليف إقليمى يزيد من تعقيد خريطة
التفاعلات الإقليمية أمام العرب الذينيراهن بعضهم على تركيا كموازن إقليمى لإيران ويراهن
وفى ظل
من التراجع الأمريكى للربط بين المفاوضات المباشرة وتجميد سياسة الاستيطان الإسرائيلى. ضمن هذا التعقيد تفرض خصوصية نظام الجمهورية الإسلامية نفسها على الإدراك السياسى
التحالفات والصراعات الإقليمية، فنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن وصفه بأنه "نظام ثورى" يسعى إلى التغيير
كما يمكن وصفه بأنه "نظام أيديولوجى
الذى يعنى التبرؤ من الظلم والاستكبار
العالم، كما أن هذا النظام يوصف أخيرًا بأنه "نظام طائفى - مذهبى" حيث تنص المادة رقم 13 من
الدستور على أن "الدين الرسمى لإيران هو الإسلام والمذهب هو الجعفرى الاثنى عشرى"، ويحمل
إسلام طائفى شيعى، بمعنى آخر هل الجمهورية الإسلامية مشروع إسلامى عالمى أم هى
مشروع شيعى طائفى؟ على المستوى الرسمى هناك نفى قاطع لأى اتهامات لمشروع
النصف الآخر. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتكز فى الواقع على دعامتين على نحو ما ينص
الاسم: الجمهورية (أى المصلحة) والإسلامية أى الأيديولوجيا. ومن الإسلامكأيديولوجية. aspx 7/15
وهذا هو جديد الجمهورية
لكن
المذهبية الشيعية تضيف أعباًء والتزامات أخرى علىكاهل هذه الجمهورية. هذا يعنى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست كلها إسلام وأدوار والتزامات إسلامية أو
حتى طائفية شيعية لكنها أولاً دولة إيران بمجتمعها وأصوله الاجتماعية التعددية التى تتكون
منقوميات وأديان وطوائفمتعددة وبمصالحها القومية ومتطلبات الأمن القومى الإيرانى. ورغم ذلك استفادت
من مصادرها واكتسب قدرات مادية وعلمية وعسكرية ومكانة سياسية فى العالم العربى
وفى الأقاليم المجاورة وفى العالم، وهى تعيش حزمة من علاقات التعاون وعلاقات الصراع
وهى لذلك تعيش معضلة الإدراك الملتبس
لدى العالم العربى بين من يراها مصدرًا للتهديد ومن يراها حليفًا محتمًلا ومن يراها شريكًا
استراتيجيًا بسبب سياساتها التى تخلط بين البراجماتية السياسية التى تعبر عن مصالح وطنية
صراعات سياسية وطائفية مع نظام حكم طالبان فى أفغانستان وصراعات سياسية وعسكرية
دامية امتدت ثمانية أعواممريرة من الحربمع نظام صدام حسينفى العراق. إيران لم تؤكد انحيازها للغزو الأمريكى للعراق فقط بل انحازت إلى السياسات الأمريكية فى
العراق على الأقل فى الفترة من 2003 - 2005 بسبب المكاسب التى حققتها هذه السياسات
الأمريكية فى العراق لإيران من منظور المصلحة ومن منظور مكونات المشروع الإيرانى فى
العراق وعلى الأخص منع قيام نظام عدو لإيران فى بغداد، حساب السنة، الشيعة سياسيًا فى الدول المجاورة، وبسبب هذا الخليط أيضًا انحازت إيران إلى مشروع المقاومة فى لبنان وفلسطين بدافع من
aspx 8/15
وبوعى ثانيًا بأهمية هذا الدور من أجل كسب مصداقية وشرعية
للمشروع السياسى الإيرانىفى المنطقة الذىيهدف إلى توسيعمناطق النفوذ وخلق قوى
وهو صراع يعكس
قدرًا لا بأس به من الصراع على الزعامة الإقليمية. لكن الحصار والاحتواء تحول إلى سياسة مواجهة وتهديد عسكرى
عسكرى وبسبب الدور الإيرانى المناهض لمشروع السلام الإسرائيلى - الأمريكى (فرض
بعد عام 2005. وبسبب هذا الخليط أيضًا تقع إيران فى ازدواجية المبادئ بين الحرص على تأكيد دورها فى
الدفاع عن استقلالية وحريات الشعوب والتواصل مع القوى العالمية المناهضة للإمبريالية
وبين تورطها فى ممارسات من إرث الإمبراطورية
الإيرانية الشاهنشاهية التى لا تخلو من ممارسة الاستكبار التى تزعم محاربته على نحو
والتلويح بين حين وأخرى بتبعية البحرين للأرض الإيرانية، وبسبب كل هذه الممارسات فإن إيران أضحت متهمة بأنها "دولة مارقة" من جانب الأمريكيين
ولذلك وضعت على رأسمجموعة دول "محور الشر" فى
و"محور للاعتدال"
المشروع الإيرانى المحاصر أمريكيًا وإسرائيليًا والمختلف حوله عربيًايعانى داخليًا وإقليميًا لكن
رغم هذه المعاناة فإنه يتقدم ويحقق نجاحات تحسب له فى العراق ولبنان وعلى صعيد
البرنامج النووى وعلى صعيد تحالفاته الإقليمية خاصة مع سوريا وتركيا ومنظمات المقاومة
مهمة فى هذا النظام الذى لميتشكل بعد. ثالثًا: العرب والموقف من إيران كمصدر للتهديد
تشكل إيران إشكالية شديدة التعقيد فى الإدراك السياسى العربى لأنها بقدر ما يمكن التعامل
ويبقى الاستثناء محدودًا فى الإدراك السياسى الذى
يتعلق بخصوصية مسألة إدراك
والعامل الثانى، فبالنسبة للعامل الأول الخاص بالتعقيدات الشديدة التى تحيط بعملية إدراك التهديد يمكن
إرجاعه إلى الدور شديد الأهمية الذىيلعبه التهديد أو بمعنى أصح إدراك التهديد فى تحديد
أنماط التفاعل بين الدول، هل هى أنماط تفاعل تعاونية أم صراعية أم هى تفاعلات تقع على
وبناًء على هذا الإدراك تتحدد رؤية دولة لدولة أخرى
وللعلاقاتمعها هل هى صداقة أم عداوة أم تنافس؟. والاقتصادية لهؤلاء القادة، للأوضاع السياسية داخل الدولة من ناحية الاستقرار أو عدم الاستقرار، المختلفة، الدولة المعنية المعرضة للتهديد، وعلى ميل
للدولة المعنية، عدائية مباشرة وممارسة أنشطة عدائية صريحة. وتكتسب
التهديدات أولوياتها حسب تدرجها فى نوع ومستوى الخطر الذى توحى به: هل هى تهديدات
عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية، ديمقراطيًا أم شموليًا، لشرعيته دورًا مهمًا فى الاستجابة أو عدم الاستجابة، المختلفة من التهديدات. وعلى الرغم من كل هذه العوامل الداخلية والإقليمية التى تتحكم فى عملية إدراك التهديد
aspx 10/15
وعلى الرغم من كل هذه العوامل الداخلية والإقليمية التى تتحكم فى عملية إدراك التهديد
أو ما
يسمى بدور القوى الخارجية يلعب دورًا أساسيًا ومؤثرًا جدًا فى إدراك دولة ما للتهديد من
أعضاء النظام، بإدراك أو عدم إدراك التهديد. وبالنسبة للعامل الثانى الخاص بإيران فإن سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية التى ترتكز
الإمبراطورى وأفق من التطلع للقيام بدور الدولة الإقليمية المهيمنة تجعل من الصعب
بسياسة الموالاة للمستضعفين والعداء للمستكبرين (مبدأ التبرى والتولى) يدفع إيران كما
سبق وأشرنا إلى التورط فى سياسات ومواقف عدائية أحيانًا ويجعلها أيضًا حريصة على مد
جسور المودة والتعاون فى الوقت نفسه، الأمر الذى يحدث قدرًا لا بأس به من الإرباك فى
التطلع للتمدد والهيمنة، حليفًا محتمًلا لهذه الأطراف ضمن صفقة تاريخية يدفع ثمنها العرب). إدراكات ليست
تحدث عنه كلمنكانتورى وشبيجل ووصفاه بـ"طيف العلاقات" Relations of Spectrum The. هذه الإدراكات العربية المتعددة والمتباينة لإيران لا تقتصر فقط على مستوى إدراك الدول
ففى الوقت الذى ترى فيه
حكومات عربية أن إيران مصدر للتهديد، الأكثر من ذلك
أن التعدد فى الإدراكات يأخذ أحيانًا تنوعًا فى الإدراك الواحد، بمعنى أن دولة عربية قد ترى أن
سياسة إيرانية ما تعتبر تهديدًا فى حين لا ترىفى سياسة إيرانية أخرى تهديدًا. فعلى سبيل المثال قد ترى دولة عربية أن استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث تهديد
كذلك ينقسم الإدراك
لكن من يرفض الدور الإيرانى فى العراق قد
ولعل فى دراسة مستقلة
aspx 11/15
التعقيد الذى يتعلق بهذا الإدراك خصوصًا إذا أخذت مثل هذه الدراسة بتحليل مقارن لهذا
ومستوى الرأى العام. فمثل هذه الدراسة ستقدم لنا خليطًا متنوعًا من الإدراكات التى قد تبدو شديدة الغرابة بسبب
من هذه المستويات. هذا التعدد والتنوع فى الإدراك العربى لإيران الذى يمتد بين أقصى عداوة وأقصى صداقة
أو كأمر واقع لأسباب أخرى كثيرة منها:
1 -أن واقع التقسيم والتجزئة للوطن العربى الذى فرض وجود 22 دولة عربية تحظى بعضوية
النظام العربى ومنظمته الإقليمية (جامعة الدول العربية) حال دون وجود إدراك عربى واحد
وتعدد وتباين
التحالفات والعلاقات بين هذه الدول وإيران، تتشابك فى صراعاتمع إيران. 2 -هذا الانقسام الذى حال دون وجود إدراك عربى واحد للأمن القومى العربى ومصادر تهديد
فقد كشفت دراسة حديثة
بعنوان "تهديدات الأمن القومى العربى" أن الوطن العربى ينقسم إلى خمسة أقاليم فرعية
لكل منها بيئتها الجيوستراتيجية الخاصة التى تؤثر بقوة على رؤيتها الأمنية وإدراكاتها
وإقليم القرن الأفريقى، أفرز تنوعًا وتباينًا فى إدراك مصادر التهديد لكل نظام فرعى من هذه الأنظمة الخمسة. ومن
تباين إدراكات كل نظام أمنى فرعى عربى لإيران
كمصدر للتهديد. فإيران تحتل المرتبة الثالثة كمصدر للتهديد فى إقليم المشرق العربى بعد
وتهديد الاختراق الإمبريالى المتمثل بالوجود الأمريكى الاحتلالى فى
العراق، ثم التهديد البيئى وأخيرًا
وبعدها التهديد
غياب إسرائيل
كمصدر للتهديد بالنسبة لإقليم الخليج. ثم التهديد الإسرائيلى، aspx 12/15
كما غابت إسرائيل هى الأخرى
محدد بعينه لإيران وتفرض الالتباس فى الإمساك بمثل هذا الإدراك حيث تفرض إيران نفسها
أحيانًا كمصدر للتهديد (فى العراق والخليج) وحيث تفرض نفسها أحيانًا كدولة صديقة بل
الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006 ، ثم لقائها
فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع وزراء خارجية دول
هذا الاستقطاب الذى أرادته واشنطن كشف الرئيس الأمريكى جورج بوش عن قاعدة الفرز
بوش طالب الدول العربية
أخرى فى مايو 2008 على هامش مشاركته فى ما سمى بـ "العيد الستينى لتأسيس دولة
حيث ركز على وصف إيران بأنها المصدر الأساسى للإرهاب ولدعم الإرهاب فى
الله وحماس". السفير اليبروتية نشرها كاملة فى 26 فبراير 2008. واستخلص منها المحللون الأمريكيون أنهم يواجهون
خطرين أحدهما يهدد استمرار الهيمنة الأمريكية على النفط العراقى، فى العالم العربى، وتم الانتهاء منها فى أواخر عام
إنها بحر من
التغييرات"، لكن أهم ما فى هذه الاستراتيجية هو تلك الإدراكات الأمريكية الجديدة لإيران
كمصدر للتهديد كما نقلها هيرش وما قاله بأن دولاً عربية ليست فقط على اتفاق كامل مع
يفوق مايمثله المتطرفونمن أهل السنة الذين هم
ويقول ثانيًا أن مواجهة هذا الانبعاث أو "الخطر الشيعى" وما أخذ يعرف بـ "الهلال الشيعى"
تسيبى ليفنى أنها تسعى للتحالف مع "الدول السنية" أو "الحلف السنى" فى المنطقة
مجمل هذه التوجهات الأمريكية - الإسرائيلية بمشاركة أطراف عربية أخذت تدفع بفرض حالة
جديدة من الاستقطاب الإقليمى بين محورى"الاعتدال" و"الشر" أو "الممانعة" حيث أضحت إيران
هى المعنية بالشر بصفة أساسية وهى المقصودة بالعداء. بينما أكدت
وهى الأطراف المتهمة بعضوية محور الشر مع إيران خاصة
سوريا وحزب الله وحركة حماس. عربية فى المشروع الأمريكى الجديد فى الوطن العربى، لإدراكات الدول العربية لإيران بين موقف يرى إيران مصدرًا للتهديد وموقف آخر يراها حليفًا
فهو
وهذا هو
الأهم القاسم المشترك لكل المواقف العربية، org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7. فهى متحركة بين محورى "العداوة - الصداقة"، وأن القضايا
الخلافية والمتنازع عليها هى العامل الحاسم، أى أن الإدراك يتعلق بسياسات إيران إزاء قضايا
معينة أكثر منكونه إدراكًا لإيران نفسها التى تحظى بمكانة مهمة فى الإدراك العربىممتدة
فى أعماق التاريخ العربى الإسلامى. وهكذا نستطيع أن نقول أن إيران ستظل تمثل إشكالية فى الوعى السياسى العربى وفى
الإدراك السياسى العربى إذا بقيت الأمور على ما هى عليه، وإذا استمر
الصدام الإيرانى - الأمريكى، حرصها علىفرض نفوذها داخل العراق والانحياز لطرف عراقى دون الآخر. باعتبارها، فإيران تبقى مع تركيا أهم ركائز تنمية الحضارة العربية الإسلامية، لقد قامت هذه الحضارة
ويبقى التطلع إلى مستقبل حضارى واعد
فالنظام الإقليمى للشرق الأوسط يضم الآن ثلاثة قوى
إقليمية أساسية هى: إسرائيل وتركيا وإيران، فى ظل غيبة عربية مفزعة. ولذلك فإنه إذا كان العرب مطالبين بالتحول إلى قوة قادرة علىموازنة القوى الثلاث الكبرى
للمشروع الأمريكى"، هذان الخياران هما أبرز تفاعلات ما نسميه بـ "مستطيل صراعات الهيمنة"
التى تتركز فى الأنماط التفاعلية التالية:
1 - تفاعلات التعاون بين إيران وتركيا والعرب (مثلث النهوض الحضارى). أنماط التفاعلات الثالث والرابع مستبعدان فى ظل تباعد المصالح بين أطرافهما وبالذات من
واقعية وليس أمام العرب سوى حسم خياراتهم، org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7. وبين خيارات دول وخيارات شعوب، النظم الحاكمة فى بعض الدول العربية للعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، تبدو الشعوب
فى هذه الدول أكثر ميًلا للتقاربمع إيران. فى حين يبقى الموقف العربى من تركيا غامضًا ومترددًا، وفى حاجة إلى حسم لن نقدر عليه
إلا بإعادة إحياء تلك الكتلة التاريخية التى منها يجب أن ينطلق العمل العربى الجاد لتحقيق
المصالح والحفاظ على الأمن، عبر امتلاك مشروعه
النهضوى، على أن يفرض نفسه كقوة فاعلة فى إدارة شؤون الإقليم الأوسع عبر علاقة
شراكة وتحالف مع المشروعين الإيرانى والتركى، شراكة تقوم على أجندة مصالح مشتركة


Original text

أولاً: الأمن القومى العربى وصراعات الإقليمية والعالمية
فى الوقت الذى أخذ فيه النظام الدولى يشهد تطورات مهمة فى هيكليته منذ سقوط
النظام ثنائى القطبية، بدخول فواعل جدد Actors فى عضويته، حولته من نظام دولى يقتصر
فقط على عضوية الدول إلى نظام عالمى يجمع بين عضويتة الدول من ناحية، والعديد من
المنظمات والهيئات ذات التأثير القوى فى السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية
والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين من ناحية أخرى،
فإن النظام العالمى الجديد الذى مال مؤقتًا ناحية أخذ طابع القطبية الأحادية، ثم تحول فيما
بعد إلى نظام أشبه بـ "اللا قطبية"، أمًلا فى أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزًا
مهمًا لدور الأقاليم على حسابقيادة النظام العالمى وأيضًا حساب دور الدولة الوطنية، بحيث
أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحيانًا، تتفوق على علاقتها بقيادة
النظام العالمى ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة).
هذا الإتجاه إلى تدعيم دور الأقاليم من ناحية، وسياسات التعاون والإعتماد الإقتصادى
المتبادل والتكامل الإقليمى من ناحية أخرى الذى أصبح أحد أهم معالم النظام العالمى
الجديد، لم يكن له أى وجود فعلى فى إقليم الشرق الأوسط، الذى كاد ينفرد على معظم،
وربما كل، أقاليم العالم، فى أنه يتجه نحو "العسكرة"، وليس إلى الإعتماد المتبادل والتكامل
الإقتصادى بين دوله.
فإقليم الشرق الأوسط الذى يمتد من أفغانستان وباكستان شرقًا إلى المملكة المغربية
وموريتانيا غربًا، ومن تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى شمالاً حتى القرن الأفريقى ومنابع نهر
النيل جنوبًا، يكاد يكون الإقليم الوحيد فى العالم الذى يشهد أعلى درجات العسكرة، وأخطر
• الأمن القومى العربى وصراعات الإقليمية والعالمية
• العرب وإيران وخريطة الصراعات والتحالفات الإقليمية
• العرب والموقفمن إيرانكمصدر للتهديد
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 3/15
أنواع الحروب، ومعظم القواعد العسكرية ابتداءًا من حرب الخليج الأولى التى امتدت ثمانى
سنوات بين إيران والعراق، ثم حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) العام 1991 ،ووضع
العراق تحت السيطرة العسكرية الأميركية ـ البريطانية منذ ذلك العام وحتى غزوه واحتلاله
العام 2003 ،وقبل ذلك الغزو الأمريكى لأفغانستان، واستمرار مسلسل العنف وإراقة الدماء
فى العراق، وعلى الحدود العراقية ـ التركية، وفى الصومال والقرن الأفريقى، وحروب
إسرائيل ضد لبنان العام 2006 ،وضد قطاع غزة (ديسمبر 2008 إلى يناير 2009 ،(ناهيك عن
القواعد العسكرية، وتحركات القطع العسكرية التى تخص دول الإقليم والدول الحليفة لها،
والإنفاق العسكرى الهائل وغير المسبوق، كلها شواهد تؤكد أن إقليم الشرق الأوسط يتطور
فى اتجاه معاكس لتطور معظم الأقاليمفى العالم.
الوجه الآخر لهذا التطور الدامى فى الشرق الأوسط هو عدم الإستقرار السياسى، وسيطرة
النظم الإستبدادية، وغياب الحريات، وانتشار الفقر والتخلف والتبعية، والاعتماد المتزايد على
المعونات الخارجية، لكن هناك تطور جديد له أهميته، وهو أن تلك الأنماط التفاعلية التى
تعتمد بدرجة مكثفة على العسكرة، أخذت تلعب دور المحدد الأساسى فى تشكيل خرائط
التحالفات الإقليمية والدولية فى الإقليم.
إن نظرة، ولو سريعة، لما يجرى من مناورات عسكرية على أرض الإقليم كافية للكشف عن أبرز
هذه التحالفات. فإذا كانت إيران تتفرد عن غيرها من دول الإقليم باعتمادها على الذات فى
إجراء مناوراتها العسكرية، فإن هذا الاعتماد على الذات والمناورات الانفرادية دون مشاركة
أى أطراف أخرى إقليمية أو دولية، يكشف عن أحد أهم معالم السياسة الإيرانية، حيث تخضع
إيران لحصار أمريكى منذ العام 1981 ،وهو الحصار الذى فرض عليها اللجوء الإضطرارى إلى
سياسة الاعتماد على الذات اقتصاديًا وعسكريًا، وحال دون انخراط إيران فى تجمعات إقليمية
ذات صفة عسكرية.
أما دول مجلس التعاون الخليجى التى تعتمد بدرجة كبيرة على الدعم العسكرى الأمريكى
والدولى عبر العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية، فإنها تشترك مع هذه الدول الصديقة
فى مناورات عسكرية دورية وغير دورية، وتحتفظ بقواعد عسكرية لبعض هذه الدول، ما
يجعلها على مستوى التفاعلات السياسية والعسكرية أكثر "عولمة" أو "دولنة" من كونها
تفاعلات إقليمية، فالأمن الخليجى، بفضل هذه التفاعلات، أضحى أمنًا "مدولنًا" أو "فوق
إقليمى" على أقل التقديرات.
والأكثر من ذلك أن الحروب التى تدور على أرض دول هذا الإقليم الشرق أوسطى أضحت
معظمهما حروبًا معولمة أو مدولنة تشارك فيها عشرات الدول من خارج الإقليم. حرب الخليج
الثانية العام 1991 ،والغزو الأمريكى للعراق واحتلاله العام 2003 ،وقبله الغزو الأمريكى
لأفغانستان العام 2002 ،كلها حروب أدارها تحالف دولى من خارج الإقليم، حتى الحرب
المحتملة ضد إيران فإنها، على الأغلب، لن تكونفى حال حدوثها حربًا إقليمية تدور فى حدود
دول الإقليم، بل إنها ستكون بمشاركة أطراف أخرى خارجية مع بعض دول الإقليم.
هذا يعنى أن إقليم الشرق الأوسط، وفى القلب منه النظام العربى وخاصة جزئه الخليجى،
دون غيره من الأقاليم فى العالم، تجرى عسكرته على حساب تفاعلاته التنمويه والتكامليه،
وتجرى عولمته على حساب تحويله إلى كتلة أو جماعة اقتصادية ـ سياسة قادرة على التفاعل
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 4/15
الإيجابى مع المجتمع الدولى من المنطلق ذاته الذى أخذ يتعامل به النظام العالمى أى
منطلق الأقاليم أو النظم الإقليمية.
ابتداءًا من هذا التشخيص يجدر التساؤل عن تأثير هاتين الخاصيتين على الأمن القومى العربى
وعلى أنماط التفاعل بين دول الإقليم وبالذات علاقات العرب بإيران، وهل توجد تحالفات
إقليمية داخل إقليم الشرق الأوسط تقتصر على الدول أعضائه، أم أن تأثير هاتين الخاصيتين
أضحىفاعًلا، وباتت تحالفات الإقليم هى الأخرى تحالفاتمتجهة نحو الخارج.
ربما تكشف حالة النظام العربى، باعتباره نظامًا فرعيًا من النظام الإقليمى للشرق الأوسط، إن
التحالف مع خارج النظام هو الأكثر رواجًا. فالنظام العربى جرى تفكيكه فعليًا منذ توقيع مصر
معاهدة السلام مع إسرائيل، حيث تراجعت مكانة القضية الفلسطينية كقضية مركزية لهذا
النظام.
فهذه القضية لم تكن، كمايتصور البعض، مجرد قضية ذات أولوية طاغية على غيرها من القضايا
العربية الأخرى الأولى بالاهتمام مثل قضايا التطور الديمقراطى والتقدم الاقتصادى
والاندماج السياسى، بل كانت أيضًا "قضية جمعية" أى قضية قادرة، دون غيرها، على تجميع
أشتات العرب فى أداء وعمل استراتيجى موحد، وعندما تراجعت مكانة هذه القضية انفرط
العقد العربى تمامًا، وجاءت حرب الخليج الثانية وتداعياتها، وخاصة التوجه نحو تطبيع العلاقات
العربية ـ الإسرائيلية، والاختراق الأمريكى القوى للنظام العربى ليكمل انفراط هذا العقد
الذى أضحى مبعثرًا مع غزو العراق واحتلاله، ومن بعده الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف
2006 والحرب الإسرائيلية علىقطاع غزة (ديسمبر 2008 ويناير 2009.(
وبين هذا الإنفراط وذاك كان النظام العربى يتفكك ويخترق من الخارج ابتداءًا من النظام
الإقليمى الأوسع (نظام الشرق الأوسط)، وانتهاًء بالنظام العالمى. حال التجمعات الفرعية
العربية خاصة مجلس التعاون الخليجى والاتحاد المغاربى الآن أكبر دليل على ذلك. فمجلس
التعاون الخليجى أقام نظريته الأمنية على أساس الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة دون
أفق لنظام أمن جماعى خليجى، بل أمنمنفرد لكل دولة خليجية على حدة.
وبعدها وقعت أربعة دول من أعضائه على "وثيقة اسطنبول" مع حلف شمال الأطلسى
(الناتو)، هى الإمارات والكويت وقطر والبحرين دون مشاركة المملكة العربية السعودية
وسلطنة عمان، ودون أفق لأمن خليجى عربى، أى أمن خليجى مرتبط بأمن قومى عربى، أما
مسيرة التكامل والاندماج فمازالت هى الأخرى عند حدها الأدنى، ومازالت الأولوية الوطنية
طاغية على الأولوية الجماعية، ولعل الخلاف الأخير حول البنك الخليجى والعملة الخليجية
الموحدة يكشفمدى هشاشة البنية الإندماجية داخل المجلس.
أما حال الإتحاد المغاربى ليس أفضل بأى حال من الأحوال من حال مجلس التعاون الخليجى،
فمسيرة الاندماج معطلة بالكامل، والأمن الجماعى غائب، والتوجه البارز هو الارتباط بالأفق
المتوسطى. أما القلب العربى، ونقصد به المشرق العربى فهو ممزق بين خلافات القاهرة
ودمشق، والانقسام حول عملية السلام والتحالفات الإقليمية، فى وقت أضحى فيه العراق
غارقًا تحت الإحتلال والتنافس بين أمراء الحرب الذىيكاد يحوله إلى أفغانستان أخرىمع اقتراب
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 5/15
موعد الانسحاب العسكرى الأميركى الكامل أو حتى شبه الكامل. ففى وقت تتجه فيه القاهرة
إلى مزيد من التطبيع مع الدولة الصهيونية، وتكثيف العلاقات مع الولايات المتحدة، أضحت
سورية أقرب إلى إيران وتركيا.
ثانيًا: العرب وإيران وخريطة الصراعات والتحالفات الإقليمية
هذا الوضع الانقسامى للنظام العربى المقترن بافتقاد الفعالية سواء على مستوى القيام
بالوظائف المنوطة به أو علىمستوىمواجهة التحديات التى تواجه الأمة تتفاقمكارثيته فى
ظل بروز خريطة صراعات وتحالفات إقليمية جديدة وحدوث استقطاب حاد لقلب النظام وتركزه
فى ثلاثة قوى إقليمية أساسية هى: إسرائيل وإيران وتركيا، وتحول العرب إلى مجرد طرف
فى تفاعلات النظام الشرق أوسطى الأوسع الذىيكاد يبتلع النظام العربى داخل أسوأ أطوار
تفككه وصراعاته الداخلية، بدليل كل ذلك الفشل الذى منيت به "القمة العربية الاستثنائية"
التى عقدت فى مدينة سرت الليبية 9 أكتوبر 2010 الذى عجز فيها القادة العرب عن التوصل
إلى رؤية مشتركة لتطوير جامعة الدول العربية وتحويلها إلى اتحاد عربى، كما عجزوا فيه عن
إقرار مشروع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الخاص ببلورة إطار تفاعلى عصرى
مع دول الجوار الإقليمى تحت اسم "رابطة الجوار الإقليمى".
فجوهر التفاعلات الإقليمية الآن، وكما تعبر عنها خريطة توزيع القوة بين الفواعل الأساسية
للنظام تقول أن هذا النظام يتجه إلى هيكلية قيادة ثلاثية متصارعة؛ حيث تسعى إسرائيل إلى
أن تفرض نفسها كقوة إقليمية عظمىمسيطرة، فى حين ترفض إيران ذلك وتقوم بدور القوة
المناوئة والساعية إلىفرض نفسها كزعامة مهيمنة إقليمية بديلة، فى حين أن تركيا وإنكانت
تبدو أنها راضية بدور الموازن الإقليمى Balancer Regional فإنها أيضًا حريصة على أن تكون
قوة منافسة على الزعامة الإقليمية وإن كانت تعطى الأولوية لعناصر القوة الناعمة دون
الخشنة عكسالقوتين الإسرائيلية والإيرانية.
هذه التوجهات قد لا تعبر بدقة عن واقع خريطة توازن القوى الفعلىمن ناحية، وحدود فرص
نجاح كلمن هذه القوى الثلاثة فى تحقيق أهدافه من ناحية أخرى.
فخريطة توازن القوى الإقليمية كما هى واضحة ومؤكدة تعبر عن حالة اشتباك بين مشروعات
إقليمية ثلاثة هى: المشروع الصهيونى - الإسرائيلى، والمشروع الإيرانى - الإسلامى،
والمشروع التركى الذى مازال محكومًا بتفاعلات شديدة الخصوصية بين ما هو "أتاتوركى" وما
هو "عثمانى جديد" دون استقرار على صيغة لمشروع واضح ومحدد المعالم يحقق لتركيا
طموحاتها فى الاندماج بالاتحاد الأوروبى من ناحية ويحقق لها أيضًا نوازعها الشرقية
بأبعادها الحضارية والتاريخية.
التفاعل بين هذه المشروعات الثلاثة يؤثر بقوة على الأمن القومى العربى ويزيد الخيارات
العربية تعقيدًا، وبالذات بالنسبة للعلاقة مع إيران التى تثير انقسامًا واضحًا فى الإدراك
السياسى العربى، بعضه ناتج من خصوصيات المشروع الإيرانى وبعضه الآخر ناتج من تفاعلات
هذا المشروع الإيرانى مع كل من المشروعين الإسرائيلى والتركى، حيث يظهر التنافس قويًا
بين إيران وإسرائيل على كسب تركيا ضمن الصراع الأهم بينهما على فرض السيطرة والهيمنة
الإقليمية.
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 6/15
هذا التنافس الإيرانى - الإسرائيلى على كسب تركيا كحليف إقليمى يزيد من تعقيد خريطة
التفاعلات الإقليمية أمام العرب الذينيراهن بعضهم على تركيا كموازن إقليمى لإيران ويراهن
آخرون منهم على دور تركيا كوسيط لإنقاذ مشروع تسوية الصراع العربى - الإسرائيلى من
الفشل، الذى أضحى مؤكدًا فى ظل العجز العربى عن إدارة الصراع مع إسرائيل، وفى ظل
التوجه الإسرائيلى نحو المزيد من التشدد لفرض مشروع السلام الإسرائيلى الذى أخذ يتمحور
الآن حول مشروع "الدولة اليهودية" والتوسع الاستيطانى، وتسويف مشروع "حل الدولتين"
وطرح مشروع "الوطن البديل" للفلسطينيين فى الأردن أو طرح مشروع الدول الثلاث، وفى ظل
الانحياز والدعم الأمريكى المطلق لكل ما له علاقة بأمن ومستقبل إسرائيل، على نحو ما تأكد
من التراجع الأمريكى للربط بين المفاوضات المباشرة وتجميد سياسة الاستيطان الإسرائيلى.
ضمن هذا التعقيد تفرض خصوصية نظام الجمهورية الإسلامية نفسها على الإدراك السياسى
العربى وبالذات التوجهات الاستراتيجية لنظام الجمهورية الإسلامية نحو العرب ونحو خريطة
التحالفات والصراعات الإقليمية، ومنه يتبلور الإدراك العربى لإيران كمصدر لتهديد الأمن
القومى العربى، أو كحليف استراتيجىمحتمل.
فنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن وصفه بأنه "نظام ثورى" يسعى إلى التغيير
وتصدير الثورة لفرض نموذجه على الجوار الإقليمى، كما يمكن وصفه بأنه "نظام أيديولوجى
إسلامى راديكالى" يطرح الرسالة العالمية للإسلام ويرفع شعارات تدفعه حتمًا إلى الصدام
مع دول الجوار أبرزها شعار "البراءة والموالاة"، الذى يعنى التبرؤ من الظلم والاستكبار
ومعاداتهما بل ومواجهتهما من ناحية وموالاة المستضعفين ودعمهم فى كل مكان فى
العالم، الأمر الذى يعنى حتمية التورط فى سياسات تدخل فى الشؤون الداخلية للدول،
والتغلغل إلى داخلها والتحالف مع قوى سياسية داخلية، والدخول فى صدامات مع أطراف
دولية وإقليمية أخرى.
كما أن هذا النظام يوصف أخيرًا بأنه "نظام طائفى - مذهبى" حيث تنص المادة رقم 13 من
الدستور على أن "الدين الرسمى لإيران هو الإسلام والمذهب هو الجعفرى الاثنى عشرى"،
كما تنص المادة 76 من الدستور الخاصة برئيسالجمهورية على "أنيكون إيرانى الأصل، ويحمل
الجنسية الإيرانية مؤمنًا ومعتقدًا بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمى للبلاد".
وبسبب هذين النصين ومسائل أخرى مهمة واجهت الجمهورية الإسلامية السؤال الصعب: هل
هذه التجربة تعبير عنمايسمى بـ"العالمية الإسلامية" و"الوحدة الإسلامية"، أم هى تعبير عن
إسلام طائفى شيعى، بمعنى آخر هل الجمهورية الإسلامية مشروع إسلامى عالمى أم هى
مشروع شيعى طائفى؟ على المستوى الرسمى هناك نفى قاطع لأى اتهامات لمشروع
الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنه مشروع شيعى طائفى، لكن الممارسات العملية تكشف عن
دور مهم للمحدد الطائفىفى صنع السياسة الإيرانية داخليًا وخارجيًا.
الوقوف عند السؤال السابق أو الاكتفاء به يؤدى إلى طمس نصف الحقيقة مع التشكيك فى
النصف الآخر. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتكز فى الواقع على دعامتين على نحو ما ينص
الاسم: الجمهورية (أى المصلحة) والإسلامية أى الأيديولوجيا. وهى مزيج أو خليط من الدولة
والمجتمع الإيرانى بتاريخه الطويل والعميق والممتد وتجاربه الإمبراطورية والدور التاريخى
للشعب الإيرانىفى الثقافة والحضارة العالمية ثم الإسلامية، ومن الإسلامكأيديولوجية.
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 7/15
الجمهورية الإسلامية الإيرانية هى مصالح إيران أولاً الدولة والمجتمع والحضارة والتاريخ
والدور بغض النظر عن كونها إسلامية أم غير إسلامية، وهى، وهذا هو جديد الجمهورية
الإسلامية كونها ملتزمة بمشروع إسلامى عالمى له التزاماته بغض النظر عنكونه مذهبيًا، لكن
المذهبية الشيعية تضيف أعباًء والتزامات أخرى علىكاهل هذه الجمهورية.
هذا يعنى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست كلها إسلام وأدوار والتزامات إسلامية أو
حتى طائفية شيعية لكنها أولاً دولة إيران بمجتمعها وأصوله الاجتماعية التعددية التى تتكون
منقوميات وأديان وطوائفمتعددة وبمصالحها القومية ومتطلبات الأمن القومى الإيرانى.
الخليط بين المصالح القومية والاعتبارات الإسلامية قد تختلف من تيار سياسى إيرانى إلى آخر
(محافظ تقليدى، محافظ أصولى ثورى، إصلاحىمعتدل أم إصلاحىمتطرف) ومن زعيم إيرانى
إلى آخر، لدرجة نستطيع أن نقولمعها أنفى إيرانكل ألوان الطيف الممتدة من أقصى حماس
للمصالح الوطنية دون اعتبار للإسلام وأقصى حماس للإسلام دون اعتبار للمصالح القومية.
وبين هذين المحورين الافتراضيين تتعدد القوى والتيارات السياسية وتتباين وتتوافق حول
الرؤى والسياسات والبرامج الوطنية.
لكن بشكل عام نحن أمام تجربة سياسية جديدة محاصرة بسبب خصوصيتها، ورغم ذلك استفادت
من مصادرها واكتسب قدرات مادية وعلمية وعسكرية ومكانة سياسية فى العالم العربى
وفى الأقاليم المجاورة وفى العالم، وهى تعيش حزمة من علاقات التعاون وعلاقات الصراع
مع دول العالم العربى والشرق الأوسط والعالم، وهى لذلك تعيش معضلة الإدراك الملتبس
لدى العالم العربى بين من يراها مصدرًا للتهديد ومن يراها حليفًا محتمًلا ومن يراها شريكًا
استراتيجيًا بسبب سياساتها التى تخلط بين البراجماتية السياسية التى تعبر عن مصالح وطنية
إيرانية بحتة والالتزامات الإسلامية التى تعطى القضايا الإسلامية وعلى رأسها القضية
الفلسطينية والمقدسات الإسلامية أولوية معتبرة فى سياساتها.
وبسبب هذا الخليط انحازت إيران إلى الغزو الأمريكى لكل من أفغانستان والعراق بسبب
صراعات سياسية وطائفية مع نظام حكم طالبان فى أفغانستان وصراعات سياسية وعسكرية
دامية امتدت ثمانية أعواممريرة من الحربمع نظام صدام حسينفى العراق.
إيران لم تؤكد انحيازها للغزو الأمريكى للعراق فقط بل انحازت إلى السياسات الأمريكية فى
العراق على الأقل فى الفترة من 2003 - 2005 بسبب المكاسب التى حققتها هذه السياسات
الأمريكية فى العراق لإيران من منظور المصلحة ومن منظور مكونات المشروع الإيرانى فى
العراق وعلى الأخص منع قيام نظام عدو لإيران فى بغداد، وفرض حلفاء إيران على رأس
السلطة فى العراق، لكن الخلاف ثم الصدام أخذ يظهر بين إيران وأمريكا فى العراق بسبب
تنامى التناقض فى المصالح، بعد أن أدركت واشنطن خطورة انحيازها المطلق للشيعة على
حساب السنة، مما أدى أولاً إلى تنامى ظاهرة التشيع السياسى فى المنطقة وصعود دور
الشيعة سياسيًا فى الدول المجاورة، وأدى ثانيًا إلى تحول السنة فى العراق إلى مؤيد
وداعم وحامى للمقاومة، وتحول السنة خارج العراق إلى معارضين للاحتلال الأمريكى
وللمشروع الأمريكىفى العراق.
وبسبب هذا الخليط أيضًا انحازت إيران إلى مشروع المقاومة فى لبنان وفلسطين بدافع من
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 8/15
وبسبب هذا الخليط أيضًا انحازت إيران إلى مشروع المقاومة فى لبنان وفلسطين بدافع من
التزامات إسلامية أولاً، وبوعى ثانيًا بأهمية هذا الدور من أجل كسب مصداقية وشرعية
للمشروع السياسى الإيرانىفى المنطقة الذىيهدف إلى توسيعمناطق النفوذ وخلق قوى
حليفة وموالية لإيران فى صراعها مع الولايات المتحدة والكيان الصهيونى، وهو صراع يعكس
قدرًا لا بأس به من الصراع على الزعامة الإقليمية.
المشروع الإيرانى تورط بسبب هذه السياسة فى صدام مع الأمريكيين منذ ولادة الجمهورية
الإسلامية التى رفعت شعار العداء للأمريكيين (الموت لأمريكا) وأطلقت اسم "الشيطان الأكبر"
على الولايات المتحدة. لكن الحصار والاحتواء تحول إلى سياسة مواجهة وتهديد عسكرى
أمريكى وإسرائيلى بسبب مشروع إيران النووى المتهم بأنه يسعى إلى التحول إلى مشروع
عسكرى وبسبب الدور الإيرانى المناهض لمشروع السلام الإسرائيلى - الأمريكى (فرض
الاستسلام على العرب والفلسطينيين) والدور الإيرانى المناهض للأمريكيين فى العراق خاصة
بعد عام 2005.
وبسبب هذا الخليط أيضًا تقع إيران فى ازدواجية المبادئ بين الحرص على تأكيد دورها فى
الدفاع عن استقلالية وحريات الشعوب والتواصل مع القوى العالمية المناهضة للإمبريالية
وفى مقدمتها دول اليسار اللاتينى الجديد، وبين تورطها فى ممارسات من إرث الإمبراطورية
الإيرانية الشاهنشاهية التى لا تخلو من ممارسة الاستكبار التى تزعم محاربته على نحو
إصرارها على الاستمرار فى احتلال جزر الإمارات الثلاث، والتعنت فى رفض القبول بالتحكيم
الدولى لحل النزاع حول هذه الجزر، والتلويح بين حين وأخرى بتبعية البحرين للأرض الإيرانية،
ناهيك عن إدارة أزمة ملفها النووى بمعزل كامل عن التنسيق مع دول الجوار الإقليمى
والخليجى بصفة خاصة، الأمر الذى رجح إدراك بعض هذه الدول لإيرنكمصدر للتهديد.
وبسبب كل هذه الممارسات فإن إيران أضحت متهمة بأنها "دولة مارقة" من جانب الأمريكيين
والإسرائيليين ومتهمة بدعم الإرهاب، ولذلك وضعت على رأسمجموعة دول "محور الشر" فى
المنطقة ضمن سياسة الاستقطاب الأمريكية الرامية إلى تمزيق النظام العربى إلى "محور
للشر" يضم الدول والقوى الرافضة للمشروعين الأمريكى والإسرائيلى، و"محور للاعتدال"
يضم الدول الصديقة لأمريكا والمستعدة للتعامل مع إسرائيل وإنجاح مشروع عربى للسلام
يرضى عنه الأمريكيون والإسرائيليون.
المشروع الإيرانى المحاصر أمريكيًا وإسرائيليًا والمختلف حوله عربيًايعانى داخليًا وإقليميًا لكن
رغم هذه المعاناة فإنه يتقدم ويحقق نجاحات تحسب له فى العراق ولبنان وعلى صعيد
البرنامج النووى وعلى صعيد تحالفاته الإقليمية خاصة مع سوريا وتركيا ومنظمات المقاومة
التى يرى ريتشارد هاس فى دراسة بعنوان "الشرق الأوسط الجديد" أنها سوف تلعب أدوارًا
مهمة فى هذا النظام الذى لميتشكل بعد.
ثالثًا: العرب والموقف من إيران كمصدر للتهديد
تشكل إيران إشكالية شديدة التعقيد فى الإدراك السياسى العربى لأنها بقدر ما يمكن التعامل
معها على أنها مصدر أكيد أو محتمل للتهديد بالنسبة للعرب، فإنها أيضًا تبقى شريكًا إن لم
تكن حليفًا ثقافيًا وسياسيًا بل وحضاريًا، ويبقى الاستثناء محدودًا فى الإدراك السياسى الذى
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 9/15
يرى أن إيران مصدر كامل للتهديد ولا يمكن أن تكون حليفًا أو الذىيرى إيران حليف بالمطلق ولا
يمكن أن تكونمصدرًا للتهديد.
سبب هذه الإشكالية يرتكز فى عاملين رئيسيين: العامل الأول، يتعلق بخصوصية مسألة إدراك
التهديد وتعقد العوامل التى يمكن أن ينشأ معها الوعى أو الإدراك للتهديد. والعامل الثانى،
يخص السياسة الإيرانية التى تميل إلى المزج بين ما يمكن اعتباره تهديدًا وما يمكن النظر إليه
على أنه سياسات تعاونية.
فبالنسبة للعامل الأول الخاص بالتعقيدات الشديدة التى تحيط بعملية إدراك التهديد يمكن
إرجاعه إلى الدور شديد الأهمية الذىيلعبه التهديد أو بمعنى أصح إدراك التهديد فى تحديد
أنماط التفاعل بين الدول، هل هى أنماط تفاعل تعاونية أم صراعية أم هى تفاعلات تقع على
مسافات متباينة بين التعاون والصراع، وبناًء على هذا الإدراك تتحدد رؤية دولة لدولة أخرى
وللعلاقاتمعها هل هى صداقة أم عداوة أم تنافس؟.
ويتوقف إدراك دولة ما للتهديد من دولة أخرى على عواملكثيرة بعضهايخص الدولة المعنية
ذاتها منها نوع وثقافة القيادات المسؤولة عن قرارات السياسة الخارجية والأمن الوطنى،
وخبراتها السابقة بسلوك الدولة الأخرى مصدر التهديد. كما تلعب الأصول الاجتماعية
والاقتصادية لهؤلاء القادة، والطريقة التى وصلوا بها إلى السلطة، وديمقراطية أو شمولية
نظام الحكم، وبالتحديد ما يتعلق بمدى شرعية الحكم وتداول السلطة، والحالة العامة
للأوضاع السياسية داخل الدولة من ناحية الاستقرار أو عدم الاستقرار، أدوارًا كبيرة فى
مستوى وكيفية إدراك التهديد.
كما تتوقف عملية إدراك التهديد أيضًا على عوامل كثيرة بالدولة مصدر التهديد وأنشطتها
المختلفة، منها نوع الحكم فى تلك الدولة ومدى تجانسه أو تعارضه مع نظام الحكم فى
الدولة المعنية المعرضة للتهديد، ومدى قوة هذه الدولة وأنواع القوة التى تمتلكها
عسكرية أم اقتصادية أم ثقافية، وكيفية إدارتها لهذه القوة، هل اعتادت توظيفها بشكل
عدائى أم تعاونى، كما تتوقف أيضًا على مدى وجود نزاعات حدودية أو تاريخية، وعلى ميل
الدولة مصدر التهديد إلى تشكيل تحالفات عسكرية مع دولة أو دول أخرى صديقة أو معادية
للدولة المعنية، ويتوقف أيضًا على لجوء أو عدم لجوء قيادات تلك الدولة إلى إطلاق تصريحات
عدائية مباشرة وممارسة أنشطة عدائية صريحة.
كذلك يتوقف إدراك التهديد وكيفية ووسائل وأدوات الرد عليه على نوع هذا التهديد، وتكتسب
التهديدات أولوياتها حسب تدرجها فى نوع ومستوى الخطر الذى توحى به: هل هى تهديدات
عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية، أم هى خليط متنوع من بعض أو كل
هذه الأنواع من التهديد.
وهنا تلعب خصوصية نظام الحكم فى الدولة المعنية أى المعرضة للتهديد، من ناحية كونه
ديمقراطيًا أم شموليًا، وحالة الاستقرار أو عدم الاستقرار السياسى، ومستوى إدراك النظام
لشرعيته دورًا مهمًا فى الاستجابة أو عدم الاستجابة، وفى إدراك أو عدم إدراك تلك الأنواع
المختلفة من التهديدات.
وعلى الرغم من كل هذه العوامل الداخلية والإقليمية التى تتحكم فى عملية إدراك التهديد
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 10/15
وعلى الرغم من كل هذه العوامل الداخلية والإقليمية التى تتحكم فى عملية إدراك التهديد
بالنسبة لدولة من الدول فى علاقاتها مع دولة أو دول أخرى، فإن العامل الخارجى، أو ما
يسمى بدور القوى الخارجية يلعب دورًا أساسيًا ومؤثرًا جدًا فى إدراك دولة ما للتهديد من
دولة أخرىفى الإقليم الذى تنتمى إليه أو من خارجه.
فكما هو معروف فإن شؤون النظم الإقليمية وتفاعلاتها ليست حكرًا على الدول ذات العضوية
المباشرة بها، فهناك دول من خارج الإقليم لها نفوذ وتأثير قد يفوق نفوذ وتأثير أى دولة من
أعضاء النظام، على نحو ما يحدث بكثافة فى تفاعلات النظام العربى ومن ثم تشكيل الوعى
بإدراك أو عدم إدراك التهديد.
وبالنسبة للعامل الثانى الخاص بإيران فإن سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية التى ترتكز
على ركيزتى المصلحة الوطنية والأيديولوجية الإسلامية ضمن إطار من الإرث التاريخى
الإمبراطورى وأفق من التطلع للقيام بدور الدولة الإقليمية المهيمنة تجعل من الصعب
التعاملمع إيران كمصدر للتهديد بالمطلق أو النظر إليها كحليف بالمطلق نظرًا لأن التزام إيران
بسياسة الموالاة للمستضعفين والعداء للمستكبرين (مبدأ التبرى والتولى) يدفع إيران كما
سبق وأشرنا إلى التورط فى سياسات ومواقف عدائية أحيانًا ويجعلها أيضًا حريصة على مد
جسور المودة والتعاون فى الوقت نفسه، الأمر الذى يحدث قدرًا لا بأس به من الإرباك فى
الإدراك السياسى العربى (إيران هل هى قوة إسلامية مضافة أم هى قوة طائفية تعبر عن
التطلع للتمدد والهيمنة، هى هل قوة معادية للغرب والصهيونية، أم أنها يمكن أن تكون
حليفًا محتمًلا لهذه الأطراف ضمن صفقة تاريخية يدفع ثمنها العرب).
لكل هذه الأسباب بات مستبعدًا الحديث عن إدراك عربى واحد لإيران وما تمثله بالنسبة للعرب
والنظام العربى، بل أضحى ضروريًا الحديث عن إدراكات عربية متعددة لإيران، إدراكات ليست
فقط متعددة بل ومتباينة وأحيانًا متناقضة تمتد بين ما هو أقصى عداوة وتمتد إلى ما هو
أقصى صداقة وفقًا للنموذج الذى صاغه بارى بوزان Buzan Barry الذى تحدث فيه عن محور
"العداوة - الصداقة" Axis Aamuty - Emites فيما يشبه تدرج ألوان الطيف على النحو الذى
تحدث عنه كلمنكانتورى وشبيجل ووصفاه بـ"طيف العلاقات" Relations of Spectrum The.
هذه الإدراكات العربية المتعددة والمتباينة لإيران لا تقتصر فقط على مستوى إدراك الدول
العربية بل تمتد إلى إدراك النخب العربية وإدراك الرأى العام. ففى الوقت الذى ترى فيه
حكومات عربية أن إيران مصدر للتهديد، ترى فيه نخب عربية أن إيران على العكس هى دولة
صديقة بل وشقيقة للعرب، وقد تتنوع مواقف الرأى العام بين هذين الإدراكين. الأكثر من ذلك
أن التعدد فى الإدراكات يأخذ أحيانًا تنوعًا فى الإدراك الواحد، بمعنى أن دولة عربية قد ترى أن
سياسة إيرانية ما تعتبر تهديدًا فى حين لا ترىفى سياسة إيرانية أخرى تهديدًا.
فعلى سبيل المثال قد ترى دولة عربية أن استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث تهديد
فى حين لا ترى أن المسعى الإيرانى لامتلاك برنامج نووى يعتبر تهديدًا. كذلك ينقسم الإدراك
العربى للدور الإيرانى فى العراق وفى لبنان، لكن من يرفض الدور الإيرانى فى العراق قد
يؤيد الدور الإيرانى فى لبنان، وهناك من يرفض إيران بالمطلق، ولعل فى دراسة مستقلة
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 11/15
للإدراك العراقى واللبنانى والفلسطينى لإيران يمكن أن نقدم نموذجًا مهمًا لمستوى
التعقيد الذى يتعلق بهذا الإدراك خصوصًا إذا أخذت مثل هذه الدراسة بتحليل مقارن لهذا
الإدراك علىمستوى النخب الحاكمة، ومستوى النخب المثقفة، ومستوى الرأى العام.
فمثل هذه الدراسة ستقدم لنا خليطًا متنوعًا من الإدراكات التى قد تبدو شديدة الغرابة بسبب
التباين الشديد فى الرؤى ليسفقط بين المستويات التحليلية الثلاث بل وأيضًا داخلكلمستوى
من هذه المستويات.
هذا التعدد والتنوع فى الإدراك العربى لإيران الذى يمتد بين أقصى عداوة وأقصى صداقة
يفرض نفسه فى الوقت الراهن كواقع، أو كأمر واقع لأسباب أخرى كثيرة منها:
1 -أن واقع التقسيم والتجزئة للوطن العربى الذى فرض وجود 22 دولة عربية تحظى بعضوية
النظام العربى ومنظمته الإقليمية (جامعة الدول العربية) حال دون وجود إدراك عربى واحد
لإيرانفى ظل تنوع المصالح بين الدول العربية إلى درجة التباين وأحيانًا التناقض، وتعدد وتباين
التحالفات والعلاقات بين هذه الدول وإيران، وبين هذه الدول والقوى الدولية والإقليمية التى
تتشابك فى صراعاتمع إيران.
2 -هذا الانقسام الذى حال دون وجود إدراك عربى واحد للأمن القومى العربى ومصادر تهديد
هذا الأمن قام بدور مهم فى تباين إدراك الدول العربية لإيران، فقد كشفت دراسة حديثة
بعنوان "تهديدات الأمن القومى العربى" أن الوطن العربى ينقسم إلى خمسة أقاليم فرعية
لكل منها بيئتها الجيوستراتيجية الخاصة التى تؤثر بقوة على رؤيتها الأمنية وإدراكاتها
لمصادر التهديد هى: إقليم المشرق العربى، وإقليم الخليج، وإقليم البحر الأحمر ووادى
النيل، وإقليم القرن الأفريقى، وإقليم شمال أفريقيا.
كما كشفت هذه الدراسة أن تنوع وتباين البيئة الجيوستراتيجية لكل نظام أمنى فرعى عربى
أفرز تنوعًا وتباينًا فى إدراك مصادر التهديد لكل نظام فرعى من هذه الأنظمة الخمسة. ومن
بين هذه الإدراكات المتنوعة لمصادر التهديد، تباين إدراكات كل نظام أمنى فرعى عربى لإيران
كمصدر للتهديد. فإيران تحتل المرتبة الثالثة كمصدر للتهديد فى إقليم المشرق العربى بعد
الإرهاب وأدواته، وتهديد الاختراق الإمبريالى المتمثل بالوجود الأمريكى الاحتلالى فى
العراق، والحضور الأمنى فى الخليج، وبعد إيران تأتى إسرائيل، ثم التهديد البيئى وأخيرًا
التهديدات الداخلية.
وفى إقليم الخليج جاءت إيران فى المرتبة الأولى وخاصة برنامجها النووى، وبعدها التهديد
الناجم عن تفاقم الوضع فى العراق، ثم الإرهاب فى المرتبة الثالثة، وبعده، التهديد الناجم
عن الوجود العسكرى الأمريكى وعن الصراع الأمريكى - الإيرانى على النفوذ فى الخليج، وأخيرًا
التهديد الناجم عن الهجرة الأجنبية فى الخليج. وهنا نلحظ، حسب الدراسة، غياب إسرائيل
كمصدر للتهديد بالنسبة لإقليم الخليج.
أما إقليم وادى النيل والبحر الأحمر فإن إيران لم ترد كمصدر للتهديد حيث ضمت مصادر التهديد
لهذا الإقليم أربعة مصادر هى على الترتيب: التهديد الذىيعانىمنه السلم الأهلى والوحدة
الوطنية (السودان والصومال نموذجان)، ثم التهديد الناجم عن التدخل الخارجى فى الخيارات
الوطنية (الأمريكى على وجه التحديد)، ثم التهديد الإسرائيلى، وأخيرًا طموحات أثيوبيا المثيرة
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 12/15
للقلق. أما مصادر التهديد لإقليم شمال أفريقيا فتتركز فى التهديد الإرهابى والتهديد الموجه
للسلم الأهلى. وهنا نلاحظ غياب إدراك إيران كمصدر للتهديد، كما غابت إسرائيل هى الأخرى
كمصدر للتهديد.
3 -اشتباك إيران مع العرب بحزمة متنوعة من القضايا الخلافية التى تحول دون وجود إدراك
محدد بعينه لإيران وتفرض الالتباس فى الإمساك بمثل هذا الإدراك حيث تفرض إيران نفسها
أحيانًا كمصدر للتهديد (فى العراق والخليج) وحيث تفرض نفسها أحيانًا كدولة صديقة بل
وحليفة (العلاقة الإيرانية مع حزب الله والعداء الإيرانى لإسرائيل).
4 -تفاقم حالة الاستقطاب العربى بسبب حالة التبعية العربية غير المسبوقة للولايات المتحدة
فى وقت تخوض فيه الولايات المتحدة صراعًا مريرًا ضد إيران وتدفع الدول العربية للدخول
كطرف أساسى فيه. فالمشروع الأمريكى للشرق الأوسط الجديد الذى كشفت عنه وزيرة
الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006 ،ثم لقائها
فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع وزراء خارجية دول
مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن، كان بداية لفرض استقطاب إقليمى جديد بين محور
للاعتدال يضم الدول العربية الست الصديقة للولايات المتحدة وبالتحديد (دول مجموعة 6+2،(
ومحور آخر للشر يضم إيران وسوريا وحزب الله اللبنانى وحركتى حماسوالجهاد الإسلامىفى
فلسطين.
هذا الاستقطاب الذى أرادته واشنطن كشف الرئيس الأمريكى جورج بوش عن قاعدة الفرز
الأساسية فيه وهى: التحالف أو الشراكة مع إسرائيل والعداء لإيران. بوش طالب الدول العربية
الالتزام بهذا التوجه أثناء زيارته للمنطقة فىيناير 2008 وجدد هذا الطلب فى زيارته لها مرة
أخرى فى مايو 2008 على هامش مشاركته فى ما سمى بـ "العيد الستينى لتأسيس دولة
إسرائيل"، حيث ركز على وصف إيران بأنها المصدر الأساسى للإرهاب ولدعم الإرهاب فى
العالم. فقد وصف بوشإيران بأنها"أكبر دولة راعية للإرهابفى العالم" وقال أن "السماح لها
باكتساب أكثر أسلحة العالمفتكًا سيكون خيانة للأجيالفى المستقبل لا يمكن غفرانها".
وذكرت مصادر فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، حسب إذاعة الجيش الإسرائيلى، أن زيارة
بوشلإسرائيل (مايو 2008 (أفضت إلى"نتيجة محورية" تتمثلفى"التوافق على ضرورة القيام
بعمل ملموس" ضد إيران، وأن بوش قال أنه "يتوجب معالجة جذرية لمشكلة إيران وأن يكون
لهذه المعالجة انعكاسات إيجابية على المنطقة برمتها وتؤدى إلى تغير فى نمط أداء حزب
الله وحماس".
خلفيات هذا التوجه الأمريكى كشف عنها "سيمور هيرش" الصحفى الأمريكى المرموق الذى
سبق أن كشف حقيقة التورط الأمريكى فى الحرب التى شنتها إسرائيل على لبنان فى صيف
2006 .هيرش كشف هذه الخلفيات فى محاضرة مهمة له فى القاهرة بدعوة من مؤسسة
محمد حسنين هيكل، ثم عاد ونشر ما قاله فى دراسة مهمة بمجلة نيويوركر، أعادت صحيفة
السفير اليبروتية نشرها كاملة فى 26 فبراير 2008.
جوهر هذا التوجه أن الولايات المتحدة وضعت استراتيجية جديدة للمنطقة انطلقت من إعادة
تقييمها للتطورات التى شهدتها، واستخلص منها المحللون الأمريكيون أنهم يواجهون
خطرين أحدهما يهدد استمرار الهيمنة الأمريكية على النفط العراقى، كما يؤثر على نفوذها
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 13/15
فى العالم العربى، والثانىيهدد الحسابات الإسرائيلية ويخل بتوازن القوىفى المنطقة.
واعتبر أولئك المحللون أن إيران هى المصدر الأساسى للخطرين، وبالتالى فإن هدف السياسة
الجديدة هو توجيه ضربة لها تستهدف إضعافها وتركيعها من خلال الاستراتيجية التى أطلق
عليها اسم "إعادة التوجه"، أو "إعادة النظر فى الأهداف"، وتم الانتهاء منها فى أواخر عام
2006 ،ووصفها مستشار حكومى أمريكى له علاقات وثيقة مع إسرائيل بأنها، أى هذه
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة "تعتبر تحولاً رئيسيًا فى السياسة الأمريكية.. إنها بحر من
التغييرات"، لكن أهم ما فى هذه الاستراتيجية هو تلك الإدراكات الأمريكية الجديدة لإيران
كمصدر للتهديد كما نقلها هيرش وما قاله بأن دولاً عربية ليست فقط على اتفاق كامل مع
الأمريكيينفى هذا الإدراك بل إنها تدفع به وتغذيه.
هذا الإدراك يقول أولاً أن إيران أصبحت أشد خطرًا على المنطقة من إسرائيل وأن التهديد
الإيرانى، بما قد يصحبه من انبعاث شيعى،يفوق مايمثله المتطرفونمن أهل السنة الذين هم
الأعداء الأقل شأنًا (تنظيم القاعدة). هذا يعنى أن الإرهاب والحرب الدائرة ضده لم تعد
بالأساس ضد تنظيم القاعدة وحلفائه بل ضد إيران والانبعاث الشيعى.
ويقول ثانيًا أن مواجهة هذا الانبعاث أو "الخطر الشيعى" وما أخذ يعرف بـ "الهلال الشيعى"
يجب أن يواجه بتأسيس "هلال سنى" يتسع لضم دولاً عربية إقليمية سنية مثل تركيا وباكستان
إلى جانب دول "مجموعة 6+2 "العربية أى دولمجلسالتعاون الخليجى الست ومصر والأردن.
الملفت للانتباه هنا، أن إسرائيل دخلت على الخط وأعلنت على لسان وزيرة خارجيتها (السابقة)
تسيبى ليفنى أنها تسعى للتحالف مع "الدول السنية" أو "الحلف السنى" فى المنطقة
لمواجهة الخطر الإيرانى و"الهلال الشيعى".
مجمل هذه التوجهات الأمريكية - الإسرائيلية بمشاركة أطراف عربية أخذت تدفع بفرض حالة
جديدة من الاستقطاب الإقليمى بين محورى"الاعتدال" و"الشر" أو "الممانعة" حيث أضحت إيران
هى المعنية بالشر بصفة أساسية وهى المقصودة بالعداء.
لقد انخرطت دول عربية فى هذه التوجهات التى أخذت تتحول إلى سياسات ولكن بدرجات
مختلفة فى حين حرصت دول أخرى على أن تبقى متوازنة فى علاقاتها مع إيران، بينما أكدت
أطراف ثالثة تحالفها مع إيران، وهى الأطراف المتهمة بعضوية محور الشر مع إيران خاصة
سوريا وحزب الله وحركة حماس.
هذه المواقف الثلاث من تلك التوجهات الأمريكية الجديدة هى أولاً تعبير عن درجة انخراط دول
عربية فى المشروع الأمريكى الجديد فى الوطن العربى، وهى ثانيًا تقدم تصنيفًا دقيقًا
لإدراكات الدول العربية لإيران بين موقف يرى إيران مصدرًا للتهديد وموقف آخر يراها حليفًا
استراتيجيًا، أو على الأقل صديق يعتمد عليه، وموقف ثالث متوازن بين إدراك إيران كعدو أو
كمصدر للتهديد، وإدراكها كحليف أو صديق.
ونستطيع أن نقول أن هذا الموقف الثالث يكاد يكون الموقف الأصدق فى إدراكه لإيران، فهو
يمثل القطاع الشعبى العريض أولاً، ويمثل مواقف دول عربية ومؤسسات، لكنه، وهذا هو
الأهم القاسم المشترك لكل المواقف العربية، بمعنى أن الدول العربية التى تدرك أن إيران
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 14/15
مصدر للتهديد لا تلجأ فى العادة إلى تعميم هذا الإدراك لكنها ترى أن إيران مصدر للتهديد
فىقضايا معينة، وأنها طرف صديق أو محايد على الأقلفىقضايا أخرى.
بمعنى أن الإدراكات غير ثابتة، فهى متحركة بين محورى "العداوة - الصداقة"، وأن القضايا
الخلافية والمتنازع عليها هى العامل الحاسم، أى أن الإدراك يتعلق بسياسات إيران إزاء قضايا
معينة أكثر منكونه إدراكًا لإيران نفسها التى تحظى بمكانة مهمة فى الإدراك العربىممتدة
فى أعماق التاريخ العربى الإسلامى.
وهكذا نستطيع أن نقول أن إيران ستظل تمثل إشكالية فى الوعى السياسى العربى وفى
الإدراك السياسى العربى إذا بقيت الأمور على ما هى عليه، أى إذا ما ظل الموقف العربى
منقسمًا داخليًا وخاضعًا لضغوط فرض الاستقطاب التى تقوم بها الولايات المتحدة، وإذا استمر
الصدام الإيرانى - الأمريكى، وإذا بقيت إيران مترددة فى توظيف تفوقها فى القوة بشكل
تكافلى فى إدارة علاقاتها الإقليمية وخاصة مع الدول العربية الخليجية، وإذا ما استمرت فى
حرصها علىفرض نفوذها داخل العراق والانحياز لطرف عراقى دون الآخر. ولكن بشكل عامفإن
المسؤولية تفرض الالتزام بثوابت حضارية واستراتيجية فى التعامل العربى مع إيران
باعتبارها، مع تركيا،"الجوار الحضارى" للأمة العربية.
فإيران تبقى مع تركيا أهم ركائز تنمية الحضارة العربية الإسلامية، لقد قامت هذه الحضارة
على تلك الركائز الثلاث: العرب والفرس والأتراك، ويبقى التطلع إلى مستقبل حضارى واعد
مرهونًا بتحقيق ذلك التعاون بين تلك المرتكزات الثلاث. ولنيتحقق ذلك فى ظل الغياب العربى
عن إدارة موازين القوى الإقليمية، فالنظام الإقليمى للشرق الأوسط يضم الآن ثلاثة قوى
إقليمية أساسية هى: إسرائيل وتركيا وإيران، فى ظل غيبة عربية مفزعة.
ولذلك فإنه إذا كان العرب مطالبين بالتحول إلى قوة قادرة علىموازنة القوى الثلاث الكبرى
فى إقليم الشرق الأوسط وفرض معادلة الأمن القومى العربى على هذه القوى الثلاث
فإنهم مطالبون أيضًا بإدارة علاقاتهم الإقليمية مع هذه القوى بما يحقق المصالح القومية
العربية العليا، ومن هذا الإدراك فإن العربيبقى أمامهم خيارين أساسيين:
الأول: إما تطوير مشروع تفاعلات يضم إيران وتركيا والعرب ضمن ما يعرف بـ "مثلث النهوض
الحضارى الإسلامى".
الثانى: أو تطوير مشروع تفاعلات يضم إسرائيل وتركيا والعرب ضمن ما يعرف بـ "مثلث التبعية
للمشروع الأمريكى"، هذان الخياران هما أبرز تفاعلات ما نسميه بـ "مستطيل صراعات الهيمنة"
التى تتركز فى الأنماط التفاعلية التالية:
1 - تفاعلات التعاون بين إيران وتركيا والعرب (مثلث النهوض الحضارى).
2 - تفاعلات التعاون بين إسرائيل وتركيا والعرب (مثلث التبعية للمشروع الأمريكى).
3 - تفاعلات التعاون بين إيران وتركيا وإسرائيل (مثلث الهيمنة على العرب).
4 - تفاعلات التعاون بين إيران والعرب وإسرائيل (مثلث المستحيل الحضارى).
أنماط التفاعلات الثالث والرابع مستبعدان فى ظل تباعد المصالح بين أطرافهما وبالذات من
جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولذلك فإن نمطى التفاعل الأول والثانى هما الأكثر
واقعية وليس أمام العرب سوى حسم خياراتهم، وهنا تبدو الإشكالية الأكثر صعوبة وهى
إیران والأمن القومى العربى 2019/11/3
https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx 15/15
الانقسام العربى على الخيارات والمصالح بين دول تفضل التعاون مع إيران وأخرى متورطة
بتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، وبين خيارات دول وخيارات شعوب، ففى حين تنحاز
النظم الحاكمة فى بعض الدول العربية للعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، تبدو الشعوب
فى هذه الدول أكثر ميًلا للتقاربمع إيران.
فى حين يبقى الموقف العربى من تركيا غامضًا ومترددًا، وفى حاجة إلى حسم لن نقدر عليه
إلا بإعادة إحياء تلك الكتلة التاريخية التى منها يجب أن ينطلق العمل العربى الجاد لتحقيق
المصالح والحفاظ على الأمن، فهى وحدها التى تستطيع أن تحسم توجهات الخيارات
الاستراتيجية العربية وأن تعيد تفعيل النظام العربى بحيث يصبح قادرًا، عبر امتلاك مشروعه
النهضوى، على أن يفرض نفسه كقوة فاعلة فى إدارة شؤون الإقليم الأوسع عبر علاقة
شراكة وتحالف مع المشروعين الإيرانى والتركى، شراكة تقوم على أجندة مصالح مشتركة
يمكنمعها أن تعيد إحياء الحضارة العربية الإسلامية التى توارت وانزوتمع انزواء العرب كقوة
حضارية قادرة على الفعل والتأثير والقيادة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

إن آليه الجمع ب...

إن آليه الجمع بين الوعي النسوي الجديد والمبادئ الإسلامية) وُجدت إرهاصاته التاريخية الأولى على يد ثلة...

يطلق مصطلح العص...

يطلق مصطلح العصب Nerve على مجموعة من المحاور العصبية المتواجدة خارج الجهاز العصبي المركزي لكن عندما ...

The folktale of...

The folktale of Pecos Bill weaves together adventure and legend, captivating readers with its rugged...

تعتبر الصحة الا...

تعتبر الصحة الانجابية للشباب جزءًا لا يتجزأ من الصحة العامة، وتتضمن مجموعة متنوعة من الجوانب الفيسيو...

إن العاملين في ...

إن العاملين في مجال الاستراتيجية والمهتمين بها، يعرفون أن مجال الاستراتيجية لا زال بكراً، ولا زالت ا...

1- pollution de...

1- pollution des eaux par les métaux : 1.1 Définition : L’étude de la contamination de l’environnem...

مرحلة الكساد De...

مرحلة الكساد Depression: وقد أطلق عليها مصطلح القاع Trough وهي الجزء الأسفل من النشاط الاقتصادي الذي...

الدليل الأول: ا...

الدليل الأول: القرآن الكريم 1- الاعتقاديات: فيما يخص الله سبحانه وتعالى, الكتب والرسل واليوم الآخر و...

التخلف العقلي، ...

التخلف العقلي، ضعف الجهاز العصبي، ضعف أو عجز في أجهزة الكالم والنطق، الخوف، عدم الثقة بالنفس ... ال...

المطلب األول: ا...

المطلب األول: الديوان في العهد العثماني في العهد العثماني، كان الديوان هو المكتب اإلداري الرئيسي في ...

تُعتبر حرب القر...

تُعتبر حرب القرم جزءاً من الحروب الروسية-العثمانية، التي كانت سلسلة من الحروب التي نشبت بين الدولة ا...

التعريـــــــــ...

التعريــــــــــف بعلـــــــــــم العـــقــــــــــــــــاب وصلته بالعلوم الجنائية الأخرى ليس هناك...