Lakhasly

[5:35 pm, 26/04/2024] ~Fatima: رابعاً : العلوم الطبيعية :

( ١١٤

115 of 198

وتنقسم في تلك الفترة إلى ثلاثة أقسام هي:

أ- علم الكيمياء ب علم الطب ج علم الهندسة المعمارية.

أ- علم الكيمياء :

لقد عرف القنوجي (1) علم الكيمياء بأنه: «علم يُعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية، وجلب خاصية جديدة إليها وإفادتها خواصاً لم تكن لها والاعتماد فيه عن أن الفلزات كلها مشتركة في النوعية، والاختلاف الظاهر بينها، إنما هو باعتبار أمور عرضية يجوز انتقالها.

كان علم الكيمياء والطب في تلك الفترة توأمين، فالكيميائي كان يمثل صاحب أدوية (صيدلي) لأنه كان يحضر للطبيب أنواع العقاقير التي يحتاجها الطبيب، وبذلك حدث التشابه الكبير بينهما. فعلماء ذلك العصر اعتبروهما فرعين تفرعا من أصل واحد وهو العلم الطبيعي. ومما يؤكد ذلك أن أغلب المصادر ذكرت خالد بن يزيد بن معاوية بأنه كان له معرفة بعلم الصنعة ( الكيمياء، الطب). ويروي ابن النديم (۲) عن خالد فيقول: اصطفن القديم (۲) نقل لخالد بن يزيد بن معاوية كتب الصنعة وغيرها، ويروى أيضاً عنه بأنه كان له معرفة بالطب والكيمياء (1) .

من خلال ما ذكر في مختلف المصادر الإسلامية عن معرفة خالد بن يزيد بالصنعة آنذاك. يتضح بأن خالد بن يزيد بن معاوية كان السابق الأول في إدخال هذا العلم إلى دار الإسلام.

لقد كان إبعاد خالد بن يزيد بن معاوية عن الخلافة أهم الأسباب التي جعلته يصر إصراراً كبيراً على ضرورة تعلمه وإتقانه لهذه العلوم الطبيعية لكي يعوض عما فقده، وقد نادى بذلك علانية. فيذكر أنه قيل له: «لقد فعلت أكثر شغلك في طلب الصنعة، فقال خالد: ما أطلب بذاك إلا أن أبلغ آخر هذه الصناعة (). فكما يذكر بأنه صح له عمل الصناعة، وله في ذلك عدة كتب ورسائل، كما أن له شعراً كثيراً عن هذا العلم، ومن كتبه كتاب الحرارات، وكتاب الصحيفة الكبير والصغير، وكتاب
وصيته إلى ابنه في الصنعة (1) .
لقد أخذ خالد بن يزيد هذا العلم عن راهب رومي (١) ، ومما يؤكد ذلك ما ذكرناه سلفاً عن معرفة الروم في تلك الفترة بهذا العلم، كما يذكر ابن خلكان (۲) بأن خالد بن يزيد كان من علماء قريش في مختلف العلوم، بل إنه كان يجيد صنعة الكيمياء وكذلك الطب، وكان متقناً لهما.

لكن ابن النديم (1) يوضح بأن خالد بن يزيد أمر بإحضار جماعة من الفلاسفة اليونانيين ممن كانوا ينزلون مدينة مصر لا سيما ممن تفصحوا باللغة العربية، والذين تلقوا أوامر خالد بن يزيد بضرورة نقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، فاعتبر ذلك النقل أول نقل في الإسلام من لغة إلى لغة أخرى، وهذا يؤكد معرفة خالد بن يزيد بتلك العلوم، وإلا فما فائدة النقل والترجمة من لغة إلى لغة، والذي جعله خالد من أهم أولوياته أثناء إدخاله لتلك العلوم إلى دار

الإسلام لا سيما وأن خالد بن يزيد كان موصوفاً بالعلم والدين والعقل (1).

• تحليل مياه البحر

وكما كان لخالد بن يزيد بن معاوية إسهام فاعل ودور كبير في تطور بعض العلوم الطبيعية كما ذكرنا ذلك سلفاً، فيبقى ذكر دوره في تحليله لمياه البحر، لكي يكون خاتمة الحديث أهم اختراعاته في

علم الكيمياء في العصر الأموي.

يروى أن خالد بن يزيد كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد بن معاوية: «منه من السماء، ومنه ماء يستقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق، فأما ما يكون من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من ماء السماء، وقال: إن شئت أعذبت ماء البحر (0).

وكما ذكر ابن منظور (1) عنه بأنه أمر بقلال من ماء، بغية التعريف والوصف والشرح، بل قام بالتطبيق العملي والذي أوضح فيه طريقته الناجحة وإثباته العلمي في تعذيب ماء البحر.

إن تفرغ خالد بن يزيد لمعرفة هذا العلم والإلمام به لا يعني ذلك بأنه كان ذا مكانة دونية، بل لقد كان يعد من رجالات قريش وعلمائهم وكبرائهم كما ذكرنا ذلك سلفا ، فكان ذا فصاحة، عظيم القدر عند الخلفاء الأمويين مثل عبد الملك بن مروان وغيره ) ، وهذا يؤكد أن سبب ذلك راجع إلى ما اقتناه

وحصل عليه وتفوق فيه، بحيث لم ينافسه أحد في إلمامه وإبداعه في ذلك العلم، سواء من بني أمية خاصة، أم من المسلمين عامة آنذاك، وأكبر شهادة له في ذلك ما قاله عنه الخليفة الوليد بن عبد الملك
[5:38 pm, 26/04/2024] ~Fatima: بعد صلاته عليه: «لتلق بنو أمية الأردية على خالد ، فلن يتحسروا على مثله (۱) ، وقال عنه الخليفة عمر

ابن عبد العزيز رحمه الله: «ما ولدت أمية مثل خالد بن يزيد (٢).

وبالرغم من مثابرته واجتهاده في تحصيله لهذا العلم، كما أوضحت ذلك بعض المصادر (۲) بقولها : «إنّه شغل نفسه بعلم الكيمياء، فضاع زمانه إلا أن هناك مصدراً (1) فريداً في ما نُسب إلى خالد بن يزيد من عدم معرفة خالد بذلك والتشكيك فيه، وذلك لقرب عهد خالد بن يزيد بالبداوة ويوضح ذلك بقوله: وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية، ربيب مروان ابن الحكم.. ومن المعلوم البين أن خالداً من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب، فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة، فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم اللهم إلا أن يكون خالد بن

يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن.

ب علم الطب :

ليس غريباً على البشرية أجمع معرفة علم الطب وأهميته ومدى الاحتياج إليه، فالبشر جميعهم في حاجة ماسة إلى الاحتراز من كل مرض وعلاج مختلف الأضرار التي قد تصيب الإنسان، ويعرف زادة (0) علم الطب وفائدته بقوله: هو علم يبحث فيه عن بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض

لحفظ الصحة وإزالة المرض.

ولذلك فقد اشتهر معظم علماء اليهود والنصارى في معرفتهم بهذا العلم ، حيث كان لهم السبق في ذلك خصوصاً في عصر ازدهار الحضارات الفارسية والرومية أو غيرهما من الحضارات السابقة.

وجاء الإسلام وحث على تعلم هذا العلم، ولم يمنع أحداً من معرفته ودراسته أو من الالتزام أو التمسك بقواعد وفوائد ذلك العلم أو غيره من العلوم التي تهدف في حد ذاتها إلى خدمة ومنفعة البشرية وذلك بما يتلاءم ويتناسب مع مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي، والابتعاد عن غير ذلك والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على ذلك عديدة منها قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) أَرْكُضُ بِرِحْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلُ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (1) ، وقال تعالى: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) ، وقال : مَا أَنْزَلَ اللَّهِ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءٌ ) ().
ويروى عن الإمام علي بن أبي طالب الله أنه قال: «العلوم خمسة: الفقه للأديان، والطب للأبدان والهندسة للبنيان، والنحو للسان، والنجوم للزمان (1) . وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله يقول: «العلم علمان: علم الطب للأبدان، وعلم الفقه للأديان (۲).

إن ما تم ذكره آنفاً يعد في حد ذاته بلاغا لكل إنسان، وعلى وجه الخصوص المسلم المؤمن بقضاء

الله وقدره، والذي يجب عليه معرفة هذا العلم والتزود منه، والتمسك به وبقواعده، فالداء والدواء من الله سبحانه وتعالى، والحياة والموت بيد الله، وما على الإنسان الضعيف إلا العمل بالأسباب للوصول إلى ما قد كتب له من الخير والشر.

إن الطب في العصر النبوي أو في العصر الراشدي يمثل مرحلة من المراحل التي مر بها الطب عند المسلمين، وفي العصر الأموي اهتم معظم الخلفاء الأمويين بالطب والأطباء، فعملوا جاهدين على التعرف إلى خزائن ذلك العلم من المتخصصين فيه، وكذلك تقريبهم إليهم للاستعانة بهم في الأمور

الطبية، كما عملوا على تشجيعهم وإغداق الهبات عليهم لكي يقوموا بتعليم أبناء المسلمين ذلك العلم

نظراً للحاجة الماسة إليه في كل زمان ومكان. فاشتهر العديد من الأطباء في ذلك العصر من العرب أو من غيرهم، من ذلك الحارث بن كلدة الثقفي (۲) الذي كان يُعرف بطبيب العرب في وقته، فكما يروى أن رسول الله ﷺ أمر سعد بن أبي وقاص أن يأتي الحارث بن كلدة ليستوصفه في مرض نزل به (4).

كما يذكر أيضًا - إن صحت الرواية أن الحارث بن كلدة عاش حتى خلافة معاوية بن أبي سفيان، فاستشاره معاوية فقال له: «ما الطب يا حارث؟ فقال: الأزم (0) يا معاوية (1) .

كما اشتهر في الطب أيضا في تلك الفترة (ماسرجويه ) وكان سريانيا يهودي المذهب وهو الَّذِي تولى في أيام مروان في الدولة المروانية تفسير كتاب أهرن القس بن أعين إلى العربية ) ، وكان له من
[5:42 pm, 26/04/2024] ~Fatima: التصانيف كتاب قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها ، وكتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها (۱).

ومنهم أيضاً تياذوق المشهور في الطب في الدولة الأموية، وقد اختص بخدمة الحجاج بن يوسف، كما أن له دوراً إيجابياً كبيراً في تعليم تلاميذه أدى بدوره إلى تقدمهم بعده في هذا العلم (٢).

كما اشتهر في صناعة الطب أيضاً في تلك الفترة أريباسيوس الطبيب الإسكندراني بالديار المصرية، والذي كان له العديد من الكنانيش المشهورة بين أهل هذه الصناعة، فكان يعرف بصاحب الكنانيش (٢). إضافة إلى من سبق ذكرهم ممن اشتهروا في الطب في العصر الأموي نذكر يحيى بن سرافيون والذي كان في صدر الدولة، وكان له العديد من الكتب في هذا العلم ومنها : كتاب كناش يوحنا الكبير، يحتوي على اثنتى عشرة مقالة، وله أيضاً كتاب الكناش الصغير، ويحتوي على سبع مقالات وقد عربهما من السرياني إلى العربي (4).

لقد ظهر في العصر الأموي اه…
[5:44 pm, 26/04/2024] ~Fatima: أبجر كان طبيباً عالماً فكان عمر بن عبد العزيز يبعث إليه بمائه أي ببوله ليحلله. كما قام الخليفة عمر بن عبد العزيز أيضاً بإخراج كتاب أهرن بن أعين القس من خزائن الكتب الذي ترجمه ما سرجويه كما أسلفنا ذلك، فوضعه عمر بن عبد العزيز في مصلاه، واستخار الله في إخراجه للمسلمين للانتفاع به، ولما تم له في ذلك أربعين صباحاً ، أخرجه إلى الناس، وبثه في أيديهم (1). ومما لا شك فيه أن إخراج الكتاب لابد أن يُسلَّم إلى رجال متخصصين. وكان تردد الخليفة في إخراج الكتاب يرجع إلى أن الكتاب من صناعة غير إسلامية فخشي أن يكون فيه ما يغير على المسلمين

حياتهم.

ج- علم الهندسة المعمارية :

عد علم الهندسة في زمن الصحابة والتابعين من أهم علوم تلك الفترة، فيروى أن الإمام علي ابن أبي طالب قال: «العلوم خمسة : الفقه للأديان، والطب للأبدان، والهندسة للبنيان، والنحو للسان

والنجوم للزمان (۲).

إن…
[5:44 pm, 26/04/2024] ~Fatima: فقد روى ابن الزبير عن خالته عائشة زوج الرسول أنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام (۱) ، فلما بلغ ابن الزبير بالهدم إلى القواعد ، أدخل الحجر في البناء حتى رفعها وجعل لها بابين، بابا شرقياً، وبابا غربيا، وصيّر على كل باب مصراعين، وكان على بابها الأول مصراع واحد، وجعل طول البابين أحد عشر ذراعًا ، ولم يرفعها عن الأرض، بل جعلها مستوية مع وجه الأرض ... ولما بلغ البناء إلى موضع الحجر أمر فحفر له على قدره، ووضعه في موضعه، وكان الركن لما أصابه الحريق تصدع بثلاث قطع فشده ابن الزبير بالفضة، ولما فرغ من البناء خلق (۲) داخل الكعبة وخارجها، فكان أول من خلقها

وكساها القباطي (٢) ... (4) .

وأما بناء قبة الصخرة، فقد تم ذلك في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي قام

ببناء القبة على الصخرة، وع…
[5:45 pm, 26/04/2024] ~Fatima: ويروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي، بعد أن فرغ من بناء المدينة، نقل إليها من وجوه أهل الكوفة وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة، وكذلك بمن نقلهم من البصرة أمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة، كما أمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحيالة مما يلي المقصورة (1) ، كما قام بإنزال أصحاب الطعام، والبزازين (۲) ، والصيارفة، والعطارين عن يمين السور، وأنزل البقالين، وأصحاب الفاكهة في قبلة السور، كذلك أنزل الصناع عن يسار السور إلى دجلة، كما جعل لأهل كل تجارة قطعة لا يخالطهم فيها غيرهم، وأمر أن يكون مع أهل كل قطعة صيرفي، واتخذ لهم مقبرة من الجانب الشرقي (٢) ، كما جعل لقصره أربعة أبواب، وعقد الجسر (4).

أما في عصر الخليفة الوليد بن عبد الملك فقد شهدت الهندسة المعمارية في مختلف الأمصار الإسلامية آنذاك اهتماماً كبيراً وتطوراً ملحوظاً في فنها وتشكيلاتها وزخارفها وغيرها ، لم يلحظ مع …
[5:46 pm, 26/04/2024] ~Fatima: إليه، فاستعمل عمر بن عبد العزيز صالح بن كيسان (1) على ذلك العمل (۲).

كما اهتم الوليد بن عبد الملك بحفر الآبار لما لذلك من أهمية كبيرة في حياة الناس، فقد أمر عمر بن عبد العزيز بعمل الفوارة التي كانت عند دار يزيد بن عبد الملك، فعملها عمر وأجرى ماءها ، ولما حج الوليد بن عبد الملك وقف فنظر إليها فأعجبته، وأمر أن يسقى أهل المسجد منها (٢).

ويذكر أيضاً أن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله القسري واليه على مكة حينذاك، بثلاثين ألف دينار، فضربت صفائح و وجعلت على باب الكعبة وعلى الأساطين التي بداخلها، وكذلك على الأركان والميزاب، فقيل: «إنّه أول من ذهب البيت في الإسلام (1).

ثم عمل منجزاً آخر يحسب للوليد بن عبد الملك لم يسبقه غيره من الخلفاء الأمويين، والذي قد سبق أن ذكرناه في فقرة متقدمة من هذا البحث، لكننا سنورد ذكره هنا من جانب آخر وهو البناء المعماري ال…
[5:47 pm, 26/04/2024] ~Fatima: لقد بلغ من تكاليف بناء الجامع الأموي بدمشق وزخرفته وتزويقه، ما جعل أهل دمشق يضجون على ذلك مخافة منهم على نفاد أعطياتهم ، فلقد قيل: إنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبلة

هذا الجامع فكانت سبعين ألف دينار (١).

ووصل إلى الوليد بن عبد الملك بأن أهل دمشق يتحدثون أن الوليد أنفق الأموال في غير حقها أثناء بنائه وتزويقه وزخرفته للجامع الأموي بدمشق، مما جعل الوليد ينادي بضرورة اجتماع الناس في المسجد، فاجتمعوا لذلك، وقام الوليد بن عبد الملك خطيبا فيهم قائلاً: «إنه بلغني حرستي أنكم تقولون إن الوليد أنفق الأموال في غير حقها ، ألا يا عمرو بن مهاجر قم فاحضر ما قبلك من الأموال من بيت المال - وكان عمرو بن مهاجر على بيت مال الوليد بن عبد الملك - قال: فأتيت بالبغال تحمل المال، وتصب في القبلة على الأنطاع، حتى لم يبصر من في الشام من في القبلة، ولا من في القبلة من في الشام، وأنت الموازين فوزنت الأموال، وقال لصاحب الديوان، «احضر من قبلك ممن يأخذ رزقنا فوجدوا ثلاثمئة ألف في جميع الأمصار، وحسبوا نصيبهم فوجد عنده رزق ثلاث سنين، ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله ، وقال: إلى ما تذهب هذه الثلاث سنين، قد أتانا الله بمثله ومثله، ألا وإني إنما رأيتكم يا أهل الشام تفخرون على الناس بأربع خصال فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس، تفخرون على الناس بمائكم ، وهوائكم ، وفاكهتكم، وحماماتكم ، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس، فاحمدوا الله تعالى، فانصرفوا وهم شاكرين داعين (٢).

ويروى عن بعض السلف أنهم قالوا: «ما يجوز أن يكون أحدهم أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدهم (۲).

ويروى أيضاً أن المأمون ( ت۲۱۸ هـ / ۸۳۳م) أحد خلفاء الدولة العباسية، دخله ومعه المعتصم ( تـ ٢٢٧هـ / ٨٤٢م) ويحيى بن أكثم، فقال المأمون لهم: أي شيء يعجبكم من هذا المسجد؟ فقال المعتصم ذهبه (4) فإنا نصنعه فلا تمضي عشرون سنة حتى يتحول، وهذا بحاله كأن الصانع قد فرغ منه الآن، فقال: ما أعجبني هذا ! فقال يحيى بن أكثم الذي أعجبك يا أمير المؤمنين تأليف رخامه فإن فيه عقوداً ما يُرى مثلها ، قال : كلا ، بل أعجبني أنه شيء على غير مثال شوهد (0) .

أما بالنسبة لعدد الأيدي العاملة التي عملت فيه، وكذا المدة الزمنية التي استغرقت في بناء

هذا الجامع، فقد ذكر ذلك بإسهاب خليل داود الزرو ) ، معتمداً في ذلك على ما أورده ابن العماد
[5:48 pm, 26/04/2024] ~Fatima: الحنبلي (١) ، وغيره (۲) ، بقوله: «وفي سنة ٨٧هـ ابتدأ الوليد بن عبد الملك ببناء جامع دمشق ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجد والاجتهاد أكثر من عشرين سنة، وكان فيه اثنا عشر ألف صانع.

ولا أدري كيف تناسى خليل داود الزرو وأغفل مدة خلافة الوليد بن عبد الملك والتي لا تتجاوز العشر السنين (٨٦ - ٩٦ هـ ) ، مع العلم بأن الوليد هو الذي بنى جامع دمشق منذ البداية وحتى النهاية، وبحسب معرفتي واطلاعي على معظم المصادر الإسلامية والتي ذكرت ذلك الحدث، فلم أجد في أي مصدر ذكر أي إشارة من قريب أو بعيد تفيد بأن هناك خليفة أمويا ممن أتوا على عرش الخلافة الأموية بعد الوليد استكملوا بناء هذا الجامع أو شاركوا في بنائه، الأمر الذي يجعلنا نرى أن مدة بنائه والتي تم ذكرها آنفاً وتقديرها بأكثر من عشرين سنة، فيها مبالغة إلى حد كبير، إذا ما تم مقارنتها بفترة خلافة الوليد والتي لا تتجاوز العشر السنين، الأمر الذي يجعلنا نشك أيضا في عدد العمال الذين بلغوا اثنى عشر ألف صانع بحسب الرواية السابقة، فقد يكون ذلك العدد مبالغا فيه، لا سيما إذا كان ذلك العدد يقصد بحضوره في وقت واحد لأنه يستصعب العمل والحركة أثناء حضور هذا العدد، إلا أن يكون المقصود به كل من عمل في هذا الجامع منذ البداية وحتى النهاية، وفي فترات مختلفة بينهما أثناء العمل، فقد يجوز ذلك مع بقاء الشك في صدق الرواية، خصوصاً وأن هناك رواية أخرى يقبلها العقل أكثر من غيرها، كونها أقرب إلى الحقيقة وهي ما ذهب إليه ابن الجوزي (٢) بقوله:

وعمل هذا الجامع في تسع سنين».

إن هذا الاهتمام الكبير من الوليد ببناء المساجد في مختلف أمصار الدولة الإسلامية حينذاك راجع إلى إيمانه القوي وحبه لعمل الخير بمختلف أنواعه وأشكاله، كما أن الوضع الاقتصادي المتحسن في مختلف أقطار الخلافة الأموية آنذاك، كان له دور كبير في جعل الوليد بن عبد الملك يصدر توجيهاته

إلى عماله وولاته في كل مصر من أمصار خلافته بضرورة بناء المساجد (4).

وهناك الكثير من الأعمال التي قام بها الوليد بن عبد الملك في مجال البناء المعماري لا نستطيع ذكرها في هذا البحث، لكننا اكتفينا بذكر أهم أعماله وأشهرها ، والتي ما زالت آثار البعض منها إلى يومنا هذا، وليس غريبا على أحد أن كل ما قام به الوليد في عصره ناتج عن وازعه الديني الذي كان دائماً ملازماً له ودافعاً له، لعمل الخيرات داخل بلدان خلافته، دون ظلمه لأحد في ذلك (٥) ، فلقد كان

الوليد أفضل خلفائهم، وأكثرهم فتوحاً، وأعظمهم نفقة في سبيل الله (1) .ونختتم الحديث عن الهندسة المعمارية في العصر الأموي بالقول بأن لكل خليفة أموي ممن تقدموا الوليد أو لحقوه (۱) في الخلافة نصيباً في البناء المعماري سواء أكان ذلك في بناء المساجد أم القصور أم المدن أم حفر الآبار وغيرها ، لكننا نستثني القول بأنه لا مجال للمقارنة بين ما عمله الوليد في خلافته في مجال البناء والهندسة المعمارية، وبين ما قام به غيره من الخلفاء الأمويين في هذا المجال. ونستند في هذا الحكم على ما أوردته مختلف المصادر الإسلامية التي أوضحت دور الوليد بن عبد الملك في ذلك المجال، ونكتفي بذكر ما أورده البلاذري (1) في كلمته الموجزة عن ذلك فقال: وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع