Online English Summarizer tool, free and accurate!
خرجت برفقة مرشدي (جاي) الذي ينحدر من بلادِ (التِّبت) في زورق يعومُ بنا عند ضفة نهر (نوجيانغ)؛ للقيام بجولة نجمع فيها بعض بيض النَّوارس، جذب مسیر انتباهنا صراخُ قِرَدَةٍ مُفاجئ، قادم من جهةٍ مُنحدرٍ جبلِ القِرَدَةِ الواقع بمحاذاة النّهر، ومثيرًا للذعر إلى حد ما. واستعنت بمنظاري لاستطلاع الأمر. و و المنحدر ومن بينها قرد أسميته (ذا العباءة قد وقف مقابل قردة ذاتِ ذيل بَني اللَّونِ، منه، مطلقةً صوتًا حادًا تَنْشُدُ من خلاله العون، وقريباً منهُما جلس ملكُ القِرَدَةِ فوق حجر ضخم يعلو بمقدار العشرين متراً عن موقع القردين يصرخُ بعنف غضب، ويقطن في الغابات الصنوبرية القريبة من الطّريق الثّلجي لجبل (جاوليجونغ)، وهو بين الحيوانات النادرة في الصين، أو حتى المئات. وقضيت معظم وقتي في مراقبتها، شه السلطة عندها، بسبب وجهه المرقط باللون الأرجواني، وصدره الأبيض والرمادي. أما القردَةُ ذات الذيل البنّي والشَّعرِ اللامع، وقد لقبتُهُ بذلكَ الاسم لشعره الكثيف السميك، ويُعد الملك الثّاني لتنصيب نفسه ملكا عوضًا عنه، وكان شعر رأسه واقفا فبدا تماماً كالتاج الملفت للأنظار، مما يوحي بأنه خلق ليكون ملكًا. رأيت (ذا العباءة لسوداء) قد وجد خلية نحل مُعلَّقةً على أحد أغصان الأشجار. صارَ منَ المعروفِ أَنَّ أَيَّ د يجد عسلاً يتوجب عليه تقديمه إلى الملك أولاً هذا واجب على القردة، وامتياز يحظى به الملك. حتى يختبئ بل أخذه وقفز فوق الشجرة المقابلة للملك عوضا عن ذلك وراح من الطبيعي أن تحمل وكرد غضباً وينتزع العسل لنفسه. وتلاشت ملامح الغضب والهياج، عندما شاهد (ذو العباءة السوداء) هذا بغية تسول بعض العسل منه، مما يدل وتجاهل ما تجنباً لهذا الموقف الذي يفيض بالإذلال، ثمَّ أخفض رأسَهُ وراح يغفو بشكل متقطع، وبدأ جسده يرتجف بشدة مظهراً الأسى العميق الذي تغلغل في قلبه، ه، و(الملك المجدور) كان حكيماً ، لذا لن يُخاطر بفقدان تاجه بسبب بعض العسل التافه. إلا أنَّ ما يحدث الآن لا يُمكن وصفه بإهانة عادية، فما بالك بملك القِرَدَةِ الَّذي يتسم بالأَنْفَةِ والغطرسة؟! وكما هو متوقع، صرح (الملك المجدور) وقفز من على الصخرة مُعلنا بدءً معركة الصراع للحفاظ على عرشه ورد اعتباره. سيموت أحد هذين القردين اليوم دون شك. جميع الدراسات والوثائق تؤكد حتمية هذه الحقيقة. بهدف الاستحواذ على العرش في مجموعة القردة، سيؤدي إلى موت القرد المنافس أو الملك القديم مباشرةً، لا حلَّ لَهُ! ابتعد (ذو العباءة السوداء) عن الأنثى ذات الذيل وجر. احتدم الاشتباك، وملأ الغبار الجو ممزوجاً بالصياح، والشَّعْرِ، والدم، واللحم. وبعد عدة جولات، لم يتحلَّ (الملك المجدور) العجوز بالقوة البدنية التي تُضاهي (ذا العباءة السوداء)، ولكنه يتمتع بشجاعة لا تقل عنه على الإطلاق، لذلك عقد العزم على مجازفة أخيرة وحاسمة بدفع (ذي العباءة السوداء) للتدحرج معه إلى المنحدر وانزلق كلاهما وهما يتعاركان ويتبادلان العض. سقطا من ارتفاع مائة متر على ضفة النهر، وبالنسبة لـ (الملك المجدور) فقد أصيب خصره وساقاه، فانتهز الفرصة للانقضاض على الملك بطريقة عنيفة ومفاجئة. وعجز عن الرد؛ فانسحب من المضمار يذرف دموعاً مثيرة للشفقة. أصبح الأمر جلياً، والانتصار أو الهزيمة أصبحا مسألة وقت، قام (ذو العباءة السوداء) بطرح (الملك المجدور أرضاً مرةً أخرى، ليُطلق صرخةً طويلةً . جلست باقي القِرَدَةِ على الصخور وبدأت جميعها بالصراخ احتفالاً بفوز (ذي العباءة السوداء)، وبلمح البصر، وأحاطت بـ (الملك المجدور . مشهد كهذا يمكن وصفه بالمثل المعروف عندما تسقط الشاةُ تكثر السكاكين من حولها! يجب أن يُسارع (الملك المجدور) بالهرب، فقد تم عزله من قبل رعاياه، وعليه أن ينجو بنفسه من قبضتهم، وبدا كسجين أشعَثِ الشِّعرِ مُحْضَبِ بالدماء ومغطى بالتراب. احتشد عدد من القرَدَة حول (ذي العباءة السوداء) للعق الدّماء التي خلفتها المعركة على جسدهِ، وأمر القردة بمهاجمة (الملك المجدور) وَوَفَقًا للملاحظات التي دونتها خلال نصف شهر، ولا أحد من القردة تجراً سابقاً على تحديه سوى ذي العباءة السوداء. استشاط غيظ جميع القردَةِ باستثناء الأنثى (ذاتِ الذيل البني)، وصرخت غاضبةً وقد مما جعله يهرب مسرعًا. الجميع، فتعرض للضرب بشدة مرةً أخرى. عندما انشغلت الأنثى (ذات التقاط بعض الأنفاس، لكن أحد القردة الذكور (ذا الذيل البني) بتناول الجوز في غابة الصنوبر قفزت وقد أخفض رأسَهُ استعدادا لضربه على صدره بجانب (الملك المجدور. كنتُ أراقبها بمنظاري ورميه من أعلى الصخرة. وقبل ثلاثة أيام من بدء وهي تجلس سعيدةً بمحاذاة (الملك المجدور) العراك، شاهدت القرد (ذا المؤخّرة القُرمزيَّة) وراحت تنظفه من البراغيث وتُمشَطُ شعرَهُ أَغْلقَتْ بمنظاري يحضر طائرًا قد اصطاده للتو ليُقَدِّمَهُ هدية جميع الأبواب في وجه الملك، فمزَّقَ الملك ساق الطائر وألقى ما أن يقفز في النهر السريع التَّدَفْقِ ذي التضاريس تبقى منه على الأرض، سارع القرد (ذو المؤخرة الحادّة، ونفض الغبار عنه، ثم قدمه مَدْفَنُ الملوك! صحيح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء تستطيع لمولاه من جديد. يا له من قرد متملق وصل (الملك السباحة، والجراح التي فجوة فيهِ علَّهُ يتجنب هجوم بقيَّةِ القِرَدَةِ؛ ومن حظه أن القردَةَ ذات الأذن البيضاء شاهدته، وأخبرت لم يعد يستطيع الصمود. وأراد أن يتجه إلى الشاطئ، وما إِنْ شرع بتسلّق الشعب حتى أمر (ذو العباءة السوداء) فأجبروه على العودة إلى الماء مرَّةً أُخرى اقترب (الملك المجدور) من منحدرٍ صخري، وأمسك بحجارة زلقة بكلتا ، راحتيه كان المنحدر شديدا جدا لم تجرؤ القرَدَةُ على الاقتراب منه خوفًا؛ منْ أنْ يشُدَّها معه إلى الموتِ المحتوم، الملك المجدور!) وقد ملأ الحقد الدفين قلوبها تماماً، ربما أرادت أن تُنَفِّسَ عن غضبها المكتوم في العهد القديم، أو ربما أرادت إثبات الولاء لملكها الجديد لتفوز برضاه ولتنالَ حظوَةً عنده سألني (جاي:) ما سبب تسمية هذا المكان بمدفن الملوك!؟ فكني بهذا الاسم المشؤوم. فشاطئ مدفن الملوك يُشير إلى ملوك القردة، فمجموعاتها تمتلك سلوكًا يختلف عن البشر، ويتكفَّلُ باقي أفراد المجموعة بإغراق الملك عاثر الحظ بعد أن تم تتويجه ملكًا عليها في يوم من الأيام، ما زالَ (ذو العباءة السوداء) برفقة أتباعه يُراقب من موقعه مُصمّماً على موت (الملك المجدور)، الأنثى ذات الذيل البني أنثى (الملك المجدور المفضلة، هي الوحيدة بين مئات القردة الصفراء التي لم تشارك في ضربه، وهي تشد شعرها، وتلطم على صدرها، وتَنْطَحُ الصخور برأسها وكأنَّ ألما عظيمًا يأكل قلبها. فجأةً، انقضت سلسلة من الأمواج على (الملك المجدور) وغطّته كُليّا، وبعد مضي بضع دقائق ظهر كان يلتقط الأنفاس بصعوبة بالغة وعيناه مغشي عليهما، التفت القرد المجدور ليلقي نظرةً على القرَدَةِ المُتأهبة والواقفة على صخور فم السمكة. وعجز عن السباحة لمدة أطول، فغاص رأسُهُ في النَّهْرِ وتجرَّعَ بعض المياه، ويتمكَّنُ من العوم مرَّةً أخرى وراح يرمينا بنظراتِهِ البائسة، ثمَّ رفع أحد مخالبه من داخل الماء ليُحيينا. فمن الواضح أن تلويحه لنا بمخالبه ما هو إلا إيماءة لطلب المساعدة. إن لم نتجاهله سنقحم أنفسنا في مشكلة ما . جذبت المجداف من يد (جاي) ومددتُه نحو (الملكِ المجدور)؛ فصارت القرَدَةُ الواقفة على الشعاب تصرخُ بشراسة، وأطلق (ذو العباءة السوداء) صوتًا غاضبًا في الصفراء تشتهر ببعض التصرفات المغالية في التهور، كإصرارها على الانتقام ممن يسيء لها مهما طال الزمن. يُقالُ أنَّ أحد القرويين أمسك بقرد صغير وباعه لحديقة الحيوانات، وسمعت أيضًا أَنْ أَحَدَ وكلما سلك ذلكَ الطَّريقَ تُسحَقُ سَيَّارَتُهُ بحجارة تلقى من الجبل! هل أتركه يغرق؟ والأهم أنني لستُ منْ أنا عالِمُ حَيَوانِ ويتطلّب عملي المراقبة بموضوعية، هممت بسحب المجداف بالفعل ولكن بدا الأمر ثقيلاً جداً على قلبي، المُتحمسين للاحتفال بفوز المنتصر وازدراء الخاسر . وكذلك (الأنثى ذات الذيل البني)، وتكويني البشري يضم مفاهيم الصواب والخطأ، والمعايير الأخلاقية والانفعالات العاطفية، وتقدير معنى الحياة، ولا علي الإقرار بارتكابي لبعض الحماقة عندما مددتُ مجداف القارب لـ (الملك المجدور) ليتشبث به، ولكن التاريخ يمكن إعادة كتابته، وشاطئ مَدْفَنِ الملوك يمكن تغيير اسمه إلى شاطئ نجاة الملوك وفي وسط موجة غضب القِرَدَةِ، انتشلت (الملك المجدور) من سكرات الموت إلى قارب النّجاة، كما كانَ مُتوقعا، عند سفح جبل القِرَدَةِ بالقرب من مصب نهر (نو)، لم تكُن جراح (الملك المجدور) خطيرةً، عندما حلَّ الغروب وابتعدنا عن محطة عملنا بمقدار مئة متر أو مئتين، سمعنا أصوات القِرَدَةِ وصرخاتها فهرعنا عائدين إلى الموقع لنجد المحطة قد سُرِقَتْ بالكامل، والأواني والأحواض وزجاجات الملح وزيت الطعام والخل أتلفت جميع كتبي ووثائقي، ولحاف الفراش في حالة مزرية، ومما زاد الأمر سوءًا بولُ القردة لقد قاسي جميع أنواعِ الإذلال والاعتداء من خصومه المتناثرين في جميع وسط القفص. انتابتني موجة عارمة من الغضب، ومددت يدي وما منعني عن ذلك إلا تصنيفهُ وَفَقًا لقوانين الحماية الوطنية من فأفزع دويها ورائحة البارود المنبعثة ثم انسحب وأتباعه وقد ترامت أصواتهم في جميع الأرجاء. أطلقت سراح (الملك المجدورِ المُتَخَنِ بالكدمات والضرب، شديدة، ا.. كلَّفتني عملية سطو القردة تلك الكثير من النقود للتعويض عن احتياجاتي الضرورية، الشائكة. فتوقفت عن المحاولة ولكنّها لم تتخلَّ عن فكرة الانتقام، السوداني. وذات يوم، ولقد اعتدتُ في مثل هذه الرحلات تعليق حقيبتي على إحدى الأشجار الصغيرة القريبة مني، وفي داخلِ عُشُ النَّسرِ وُضِعَتْ سَحِلِيَّةٌ كطعم، مما يدل على رغبة الأم في حث فراخها الثَّلاثةِ على الاعتماد على أنفُسِها في التقاط الطعام، لقد جذبني المشهد كثيراً فهو ليس بإطعام اعتيادي للصغار بل كنتُ منجذباً تماماً للمشهد، وفجأةً سمعت بعض الأصوات الصادرة من الشجرة الصغيرة قربي، رفعتُ بصري لأرى القرد البغيض الحاقد (ذا العباءة السوداء) قد قفز من إحدى الصخور إلى الشجرة ونزل عبر أغصانها ليأخذ حقيبتي المعلقة هناك. بينما بادر (جاي) برد فعل سريع فقفز محاولاً إيقافه لكن بعد فوات الأوان، فبلمح البصر، تعلّق القردُ بالشَّجرة رأسًا على عقب وخطف الحقيبة في غمضة عين وقام بعدها بوثبة رشيقة عادت به إلى الصخرة ليختفي على الفور داخل الغابة. من المؤسف أن يكون لصا. يوجد آلة تصوير باهظة الثّمن داخل حقيبتي المسروقة، وبعضُ الطّعام وزجاجة من الماء، فخرجت من الخيمة وإذ بـ (ذي العباءة السوداء يقفُ من جديد على بعد عشرين أو ثلاثين متراً عن موقع عملي، ولكن ملامحه لم تُشر إلى الاعتداد أو الاستفزاز ، بل كانت المرارة تعلو وجهه وعيناه تفيضان بالعاطفة، وما إن وقعت عينا (ذي العباءة السوداء) عليه حتّى انتصب شعر رأسه بحدة، وأمسك قدمي بقوة مرتجف الجسد. يا له من قرد ذكي ووضيع! يمكنك إتمام الصفقة معه، الله يعيش طويلاً. والتأمت الجراح التي أثخنت جسده تماما لكنَّ علةَ قلبه لا يمكن شفاؤها. في كلِّ يوم، يُكوِّر نفسه في زاوية الخيمة ساكنًا دونَ حراك، وتلاشى بريقُ عينيه وحياته ماضيةً نحو النهاية، وقد زالت عنه فخاطبت نفسي هل يُطاوعني قلبي على مقايضة (الملك المجدور) بحقيبتي يا تُرى ؟ إن فعلت، العباءة السوداء) وحش مختل بامتياز، ولن أعقد أيَّ وكتعبير عن رفضي الإذعان لإغراء مقايضة (ذى العباءة السوداء) صرخت ورميته بحجر بحجم قبضة اليد، لكنَّهُ كَانَ كَافيًا لإيضاح مقصدي له، وكأنَّ ضربةً قاضيةً قد نالت منه بالفعل. ولكن يتوجب علينا توخّي الحذر عند خروجنا منه. أجابني (جاي) بوجه عبوس وصوت منخفض مُتأملاً السماء الملبدة بالغيوم: أنا لا أخشى ذا العباءة السوداء) ولكني قلق من تورط الفوضى تسود بين مجموعة القردة الصفراء لسوء الحظ لقد كان (جاي) على حق في تلك الليلة، أعتقد بأنَّ نمرًا أو ذئباً مفترسًا قد انقض عليها. استجابة (الملك المجدور) للأصوات قد أثارت دهشتنا بالفعل، فلقد وثب مُصدرًا صوتًا منخفضًا وصار جسده يرتجف منْ شدَّةِ التوتر، يبدو بأنَّهُ مُدرك لما يحدث للقرَدَة وأرادَ أنْ يشرح لي الأمر، عند بزوغ الفجر، نهضنا أنا و(جاي) بسرعة واغتسلنا من جدول المياه، كان نهارًا يتسم بنسمات عليلة وصفاء تام، تمكَّنَّا من ملاحظة حرکات القردة على بُعد خمسين متراً أو ستين دون الحاجة من الواضح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء لم تنمْ طَوالَ اللَّيلِ، حتّى أنَّ الدماء احتقنت في عيونها، وأعصابها متوترةً للغاية، ولاحظت أنَّ بعضها مُصابٌ وقد خُدشت فروةً رأسه، وآخَر اقتلع شعر رقبتِهِ وثالث كان يمشي بصعوبة إثر إصابة بالغة في قدمه، على غير العادة، لم يعد (ذو العباءة السوداء يمتاز بتأييد القردة كملك لها، بل انقسمت إلى مجموعات صغيرة عوضًا عن ذلك وجلست بجانبه (الأنثى ذاتُ الأذن البيضاء)، بالإضافة إلى قرد مسن ذي مكانة مُتدنّية بين القرَدَةِ، مَنَحَني مشهد هؤلاءِ الثلاثة إحساسًا بسقوط الملك بعد أن انفض أطلق (ذو العباءة السّوداء) صوتًا خافتا أشبه بالاستجداء، وتلاشت هيبته وكبرياؤه، بينما واصل البقيَّةُ الاهتمام بشؤونهم الخاصة غير مبالين به. قفز قرد من شجرة صنوبر صغيرة صوبَ الحجر الذي احتله ذو العباءة السوداء) وراح يطلق صوتًا ساخرًا ، إِنَّهُ القرد (ذو المؤخّرة الحمراء!) وعلى الرغم من خبرتي الضئيلة في لغة الجسد الخاصة بالقِرَدَةِ، وقفز من على الحجر وانقض على القرد ذي المؤخرة الحمراء)، فتشابكا والتفا على بعضهما بلمح البصر فتشابكا متعانقين وهما يلهثان بنفَس ثقيل. وفي تلك اللحظة، ثم رفس القرد (ذا) المؤخرة الحمراء) لينضم بعد ذلك سبعةُ قردة أو ثمانية إلى ذلك الصراع. أن لا أحد من هؤلاء الذكور يتبع لـ (ذي العباءة السوداء) أو (ذي المؤخّرةِ الحمراء)، بلْ كان كل منها يُقاتل لفرض وجوده، فتعاضد (ذو العباءة السوداء) و(ذو المؤخرة الحمراء على تهشيم وجه القرد الأصلع ولكن لبعض الوقت. ثم اندلع صراع بين جميع قردة المجموعة. كانت الفوضى عارمةً، خاطبت (جاي) : هل أصيبت تلك القردَةُ بالجنون؟! نشبت مثل هذه الفوضى العارمة بين أفراد المجموعة قبل خمس سنوات. أجاب (جاي) وهو يعود بذاكرته إلى الوراء: لقد قام أحدُ الصَّيَّادِينَ بقتل ملكها في ذلك الوقت. وبعد أن بات منصبه شاغرا رغب كل ذكر منها أن يصبح ملكا ، ونتج عن ذلك قتال عنيف دام لنصف عام مات خلالَهُ العديد من الذكور، وانخفض بذلك عدد أفراد المجموعة إلى حوالي خمسين بعد أن كان يصل لمئة قرد . ومن ثم قام الملك المجدور) بخوض العشرات من المعارك الشرسة، وبانتصاره أصبح ملكا فاستتب الأمن وأخذت المجموعة تستعيد قوتها واستقرارها. ولكنَّ الَّذي صَعْبَ عليَّ فهمهُ : لماذا بدأت الخلافاتُ منذ استيلاء (ذي العباءة السوداء) على العرش دونَ فهناك دورة زمنية لتغيير العرش عند القردة الصفراء تتراوح بين خمس إلى ست سنوات إِنْ لمْ يحدث أمر طارئ بكل تأكيد. فعمرُ القرد الأصفر يصل إلى عشرين عاماً تقريباً، ويتراوح سن البلوغ بين العاشرة والخامسة عَشْرَةَ، أجسادها في ذروتها، وتشتعل الرغبة لديها للاستحواذ على السلطة، ووفقًا لما أدلى به بعض علماء الحيوان، حينها سيبدأ جسده يضعُفُ وطاقته تخبو وسيطمع باقي الذكور بمكانته هناك تفسير قد فقد هيبته، ففقِئَت عين القرد الأصلع من قبل أحد الذكور، ويصرخ ويقفز ويركل بأسى، ربما فأطلق الصغير صوت أنين حاد وهوى منْ جُرف عال وبطنُهُ تُقابلُ السّماءَ لترتطم مؤخرة رأسه بحجر، جحظت عينا أمه ذات السّامة الحمراء بين حاجبيها وانقضت على القرد الأصلع وأمسكت رأسَهُ بمخلَبَيها ونالت أسنانُها من لحمه عضا ومضغا بعد أن أصابها الجنون، وانضمت إليها قردتان أيضا وغرستا مخالبهما في رأس القرد الأصلع، وانهالت الإناث الثلاثة عليه بالرفس والجر بحنق شديد، ففُقِئَتْ عينه الأخرى وانطفأ نور بصره وهرب مترنحا ليسقط من الجرف مطلقًا صرحةً تُمزق الفؤاد تلاها صوت ارتطام بالأرض قد وصل لمسامع الجميع. سارعت كل الإناث للاختباء في الكهوف بينَ الحجارة مُعانقةً صغارها بحرص شديد، وتوقف الذكور عن العراك فجأةً. ربما الموتُ المُباغت قد سبب الصدمة لها، أو أنَّ الإنهاك نال من أجسادها. الفينة والأخرى تُسمع صرخةٌ أو اثنتان. ومن الواضح أنّها سئمت وأصيبت بخيبة الأمل من هذا الجو المضطرب الذي عصف بعائلة القردة، لمَ لَم يحدث مثل هذا الانقسام الخطير سابقا بين مجموعةِ القِرَدَةِ؟ وكيف يُمكنُ لي أنْ أُعيدَ الحياةَ الهادئة والمسالمةَ لهذهِ القِرَدَةِ الثّمينة؟ فأنا عالم حيوان وتقع على عاتقي مسؤولية إيجاد الحل الأمثل لها. اللقاء بـ (الملك المجدور) لاة اعتدتُ أخذ قيلولة في وقت الظهيرة، حتَّى هدرَ جدار السياج الذي أقمتُهُ خارج المُخيم بأصوات متوالية على نحو مفاجئ، رفعت ستار خيمتي فتجلَّى أمامي قرد أصفر نحيل الجسد أسودُ الشَّعرِ ذو ذيل فريد من نوعه يقف إلى جانب السياج: يا إلهي ! إنّها (الأنثى ذات الذيل البني!) كنت متفاجئًا لقدومها إلى هنا في وضح النهار. خسر (الملك المجدور) سلطته منذ مدة طويلة، وصار يعيش الآن في مخيم للبشر بمساعدة مني بعد أنْ فقد أيَّ فرصة لاستعادة ملكه، وما إن يعلمُ (ذو العباءة السوداء) بأمرها لن يتردَّدَ في نفيها خارج المجموعة أو يُنزل بها عقوبة الموت أنا معجب حقا بشجاعتها وإقدامها على مقابلة الملك المجدور) الذي خصته بحنانها ولقد أثر ذلك في قلبي كثيراً. حَرَصَت (الأنثى ذات الذيل البني) على اختيار الأيَّام التي يسوء فيها الطقس للقاء ، وذلك خلال الزيارات الثلاثة الأولى فقط. ففي أول مرة، كانت الأمطار تهطل بغزارة، أما الليلةُ الثانية، وجاءت في الثالثة عندما كانَ الصّبابُ يُغطّي خيوط اعتادت الابتعاد عن السياج خلال هذهِ المواعيد والاختفاء بين الأدغال في مكان آمن يقع خلف موقع عملنا بالتحديد مطلقةً صرختين على نحو غامض، ويُبادر بوثبة مفاجئة يخرجُ فيها من زاوية مخيمي ويركض باتجاه السياج، ولا يُطيقُ صبرًا حتَّى يستكمل الجسر المتحرك دورتَهُ منخفضًا وأكون قد فتحت له السياج، ويقبض على الحبل ويقفز من فوق جدول الحماية. وها هي اليوم قادمة في وَضَحِ النّهار، بل راحت تهز السياج دون مبالاة، كان موقفًا فريدا إلى حد ما، وبقيت و(الملك المجدور) نُحدّقُ بها مذهولين لفترة طويلة ثم قمتُ بفتح السياج وإنزال الجسر المتحرك ولا زال (الملك المجدور) مُتسمرا بجانبي، فَربَتْ على كتفه قائلاً: اذهب يا صديقي العجوز، لا تخذلها. فأفلح تشجيعي له وصرح أخيرا وسار عبر الجسر المتحرك حتى وصل إليها، واندفعا صوب الأدغال واختفيا داخل الغابة الخضراء المشمسة. استنادًا إلى خبرتي السابقة، فلن يعود الملك المجدور) إلا بعد ساعتين، فتحتُ كتابًا مُترجمًا حديثا وَطَفَقْتُ أقرأه وأنا مستلق على السرير، الراقية من تأليف فجذبني أحد أسطر الكتاب ونصه: " في مفهوم القِرَدَةِ الصفراء المقاتلة، " بدأ قلبي يخفق بسرعة عند قراءتي لتلك الكلمات؛ فقد لمع وميض في ذهني لحل تلك الفوضى عند مجموعة القردة.
إنقاذ الملك العجوز
خرجت برفقة مرشدي (جاي) الذي ينحدر من بلادِ (التِّبت) في زورق يعومُ بنا عند ضفة نهر (نوجيانغ)؛ للقيام بجولة نجمع فيها بعض بيض النَّوارس، بُغيةَ تحسين نظامنا الغذائي. أثناء نا بالقارب، جذب مسیر انتباهنا صراخُ قِرَدَةٍ مُفاجئ، قادم من جهةٍ مُنحدرٍ جبلِ القِرَدَةِ الواقع بمحاذاة النّهر، الذي يبدو مُخيفا
ومثيرًا للذعر إلى حد ما.
لدى سماعنا أصواتها العالية، أدركنا أنَّ خطبًا ما قد حدث. طلبت من (جاي) أن يوقف القارب بسرعة، واستعنت بمنظاري لاستطلاع الأمر.
ء
ء
بايت مجموعةً من قِرَدَةِ اليونانِ الصَّفْراءِ الَّتي عضيتُ قُرابة نصف شهر في مراقبتها تجمعت عند
و و
المنحدر ومن بينها قرد أسميته (ذا العباءة
و کیا بید
السوداء)، قد وقف مقابل قردة ذاتِ ذيل بَني اللَّونِ، نعا إياها منَ التَّحرك، وكانت هي تحاول التخلّص
منه، مطلقةً صوتًا حادًا تَنْشُدُ من خلاله العون، وقريباً منهُما جلس ملكُ القِرَدَةِ فوق حجر ضخم يعلو بمقدار العشرين متراً عن موقع القردين يصرخُ بعنف غضب، وانتصب شعره عاليًا مُكشِّرًا عن أنيابه.
عى قرد اليونان الأصفر بالقرد ذي الأنف الأفطس، الفرد الأسود، ويقطن في الغابات الصنوبرية القريبة من الطّريق الثّلجي لجبل (جاوليجونغ)، وهو بين الحيوانات النادرة في الصين، ويعيش على شكل المجموعات قد تصل إلى العشرات، أو حتى المئات.
ركزت في دراستي لسلوك هذه القِرَدَةِ على كشف النقاب عن التركيبة الاجتماعية لحياتها، وقضيت معظم وقتي في مراقبتها، وبالنتيجة حصلت على
الله
دراسة تقريبية عن عاداتها المعيشية، ومفهوم
شه
السلطة عندها، وكبار قادتها.
يحكمها قرد كبير أسميته (الملك المجدور)؛ بسبب وجهه المرقط باللون الأرجواني، وصدره الأبيض
والرمادي.
أما القردَةُ ذات الذيل البنّي والشَّعرِ اللامع، فكانت أُنثى (الملك المجدور.) والقرد الذي كانَ يضايقها هو (ذو العباءة السوداء)، وقد لقبتُهُ بذلكَ الاسم لشعره الكثيف السميك، ويُعد الملك الثّاني
لمجموعة القردة، لكنه خاضع لـ (الملك المجدور.)
الحظ منذ مدة أنَّ (ذا العباءة السوداء) يطمح لإزاحة الملك المجدور)؛ لتنصيب نفسه ملكا عوضًا عنه، فهو أصغر وأقوى منه، وكان شعر رأسه واقفا فبدا تماماً كالتاج الملفت للأنظار، مما يوحي بأنه خلق ليكون ملكًا. قبل خمسة أيام، وبينما كنتُ أراقب تحركاتها بمنظاري، رأيت (ذا العباءة لسوداء) قد وجد خلية نحل مُعلَّقةً على أحد أغصان الأشجار. وفي عالم القِرَدَةِ، صارَ منَ المعروفِ أَنَّ أَيَّ
د يجد عسلاً يتوجب عليه تقديمه إلى الملك أولاً
هذا واجب على القردة، وامتياز يحظى به الملك. لكنَّ (ذا العباءة السوداء) لم يُقدِّم العسل لمليكه، أو
حتى يختبئ
الرياح عبق العسل الذكي إلى (الملك المجدور)، وكرد
فعل لهذه الغلطة الفادحة يحق للملك أن يستشيط
غضباً وينتزع العسل لنفسه. في اللحظة التي وقعت فيها عين (الملك المجدور) على (ذي العباءة السوداء) أثناء التهامه للعسل ؛ وقف شعر رقبته واستشاط غضباً. لكن ما إن مضت بضع ثوانٍ حتى تبدلت ملامحه تماما،
وانسدل شعره المنتصب، وتلاشت ملامح الغضب والهياج، وظهر العجز في وجهه، وفاضت عيناه بالحزن والكآبة. عندما شاهد (ذو العباءة السوداء) هذا
التخاذل اشتدَّت حدة سلوكه، وأحاط به جمع من القردة الجشعة؛ بغية تسول بعض العسل منه، مما يدل
على تحد صارخ للملك الذي ما كان منه إلا أن التفت
للوراء، وتجاهل ما
حدث؛ تجنباً لهذا الموقف الذي يفيض بالإذلال، ثمَّ أخفض رأسَهُ وراح يغفو بشكل متقطع، وبدأ جسده يرتجف بشدة مظهراً الأسى العميق الذي تغلغل في قلبه، فالشخص الحكيم يرضى بمصيره، ه، و(الملك المجدور) كان حكيماً ، فأيقن في قرارة نفسه كبر سنه وضعفَهُ، لذا لن يُخاطر بفقدان تاجه بسبب بعض العسل التافه. إلا أنَّ ما يحدث الآن لا يُمكن وصفه بإهانة عادية، فتعرض (ذي العباءة السوداء) لأنثاه وأمام عينيهِ ما هوَ
إلا استفزاز دون شك، فكيف لَهُ التملص من الموقف والتظاهر بأنَّ شيئًا لم يحدث هذه المرة؟! إذا فعل ذلكَ
سَيْعَد (الملك المجدور) جبانًا، وفاقدا للثّقة بامتياز. أي قرد يملك القليل من الشجاعة لن يتسامح مع مثلِ هذا الإذلال، فما بالك بملك القِرَدَةِ الَّذي يتسم بالأَنْفَةِ والغطرسة؟!
وكما هو متوقع، صرح (الملك المجدور) وقفز من على الصخرة مُعلنا بدءً معركة الصراع للحفاظ على عرشه ورد اعتباره.
قال (جاي) متنهدا:
سيموت أحد هذين القردين اليوم دون شك. جميع الدراسات والوثائق تؤكد حتمية هذه
الحقيقة.
فإن حدث واشتعل نزاع بين قردین؛ بهدف الاستحواذ على العرش في مجموعة القردة، سيؤدي إلى موت القرد المنافس أو الملك القديم مباشرةً،
فالقوة هي الحياة بالنسبة لها، والصراع لأجل السيطرة شبيه بالصراع بين الماء والنّارِ، لا حلَّ لَهُ! ابتعد (ذو العباءة السوداء) عن الأنثى ذات الذيل
البني، وتقدم لقتال (الملك المجدور) بابتسامة مَقيتة. منَ المُتعارَف عليه، عندما يتصارع قردان لأجل العرش يحتشد باقي أفراد المجموعة حولهما للمشاهدة، إلى أن تميل كفَّةُ الانتصار أو الهزيمة على نحو واضح، فيجوز لهم التحرك حينها.
وقد كان جليّاً لكل من الملك المجدور)، و(ذي العباءة السوداء) بأنَّ هذه المعركة هي صراعُ موت أو حياة. استخدم الخَصمانِ منذ البداية كلَّ ما أُوتيا من مهارات
تعلَّماها سابقا في هذا القتال من مصارعة، وعض،
وركل، وخربشة، وجر.
وبسرعة، احتدم الاشتباك،
وملأ الغبار الجو ممزوجاً بالصياح، والشَّعْرِ، والدم،
واللحم.
وبعد عدة جولات، كان (ذو العباءة السوداء) متفوقًا في القتال؛ بسبب صغر سنه، وقد قام بالضغط على (الملك المجدور) بجسده بعد أن قفز فوقَهُ وفتح فاه الكبير ذا الأسنان البيضاء لاقتلاع الشعر النابت على بطن الملك.
لم يتحلَّ (الملك المجدور) العجوز بالقوة البدنية التي تُضاهي (ذا العباءة السوداء)، ولكنه يتمتع بشجاعة لا تقل عنه على الإطلاق، لذلك عقد العزم على مجازفة أخيرة وحاسمة بدفع (ذي العباءة السوداء) للتدحرج
معه إلى المنحدر
وانزلق كلاهما وهما يتعاركان ويتبادلان العض. سقطا من ارتفاع مائة متر على ضفة النهر، فزعتِ الطيور فى أعشاشها، والأرانب في جحورها، وسقطت الأوراق عن الأشجار، وتناثرت الحجارة والرمال،
وبالنسبة لـ (الملك المجدور) فقد أصيب خصره وساقاه، وباتت حركاته القتالية ضعيفةً وبطيئةً، أما (ذو العباءة السوداء) فقد تضاعفت قوته وشجاعته خلال القتال، فانتهز الفرصة للانقضاض على الملك بطريقة عنيفة ومفاجئة.
أنهكت تلك الحركات الشرسة (الملك المجدور)، وعجز عن الرد؛ فانسحب من المضمار يذرف دموعاً مثيرة للشفقة.
أصبح الأمر جلياً، والانتصار أو الهزيمة أصبحا مسألة وقت، قام (ذو العباءة السوداء) بطرح (الملك المجدور أرضاً مرةً أخرى، ثم التفت نحو المنحدر
ليُطلق صرخةً طويلةً . جلست باقي القِرَدَةِ على الصخور وبدأت جميعها بالصراخ احتفالاً بفوز (ذي العباءة السوداء)، وبلمح البصر، اندفعت إلى أسفل المنحدر للانضمام إليه، وأحاطت بـ (الملك المجدور .) مشهد كهذا يمكن وصفه بالمثل المعروف عندما تسقط الشاةُ تكثر السكاكين من حولها! يجب أن يُسارع (الملك المجدور) بالهرب، فقد تم عزله من قبل رعاياه، وعليه أن ينجو بنفسه من قبضتهم، وبدا كسجين أشعَثِ الشِّعرِ مُحْضَبِ بالدماء ومغطى بالتراب.
احتشد عدد من القرَدَة حول (ذي العباءة السوداء) للعق الدّماء التي خلفتها المعركة على جسدهِ، ثمّ رفع (ذو العباءة السوداء) رأسَهُ شامخًا كالملك، وأمر القردة بمهاجمة (الملك المجدور)
وَوَفَقًا للملاحظات التي دونتها خلال نصف شهر، فإِنَّ (الملك المجدور) حاله كحال جميع ملوك القِرَدَةِ؛ يتفرد بثلاث أو أربع إناث ويحظى بامتياز تناول الطعام قبل الجميع، ولكن تقع على عاتقه مسؤوليّةً تأمين الغذاء والمأوى لرعاياه، وحل النزاعات الداخلية بين أفراد المجموعة، ولا أحد من القردة تجراً سابقاً على تحديه سوى ذي العباءة السوداء. استشاط غيظ جميع القردَةِ باستثناء الأنثى (ذاتِ الذيل البني)، وصرخت غاضبةً وقد
عقدت العزم على قتل (الملك المجدور)، وكأن كراهية
شديدةً وعميقة قد تغلغلت في قلوبها جميعاً، مما
جعله يهرب مسرعًا. الجميع، فتعرض للضرب بشدة مرةً أخرى. أنا أعرفُ وصل (الملك المجدور) إلى صخرة عند النّهر أملاً في هذه القردَةَ جيدا، عندما انشغلت الأنثى (ذات التقاط بعض الأنفاس، لكن أحد القردة الذكور (ذا الذيل البني) بتناول الجوز في غابة الصنوبر قفزت
س کو
المؤخَّرَةِ القُرمزيَّةِ) قَفَرَ لينقض عليهِ ويَعضَهُ بشَدَّةٍ من من شجرة إلى أُخرى مستغلةً غيابها، وجلست فخذه، وقد أخفض رأسَهُ استعدادا لضربه على صدره بجانب (الملك المجدور.) كنتُ أراقبها بمنظاري ورميه من أعلى الصخرة. وقبل ثلاثة أيام من بدء وهي تجلس سعيدةً بمحاذاة (الملك المجدور) العراك، شاهدت القرد (ذا المؤخّرة القُرمزيَّة) وراحت تنظفه من البراغيث وتُمشَطُ شعرَهُ أَغْلقَتْ بمنظاري يحضر طائرًا قد اصطاده للتو ليُقَدِّمَهُ هدية جميع الأبواب في وجه الملك، ولم يعد أمامه سوى ل ( ملكه المجدور)، فمزَّقَ الملك ساق الطائر وألقى ما أن يقفز في النهر السريع التَّدَفْقِ ذي التضاريس تبقى منه على الأرض، سارع القرد (ذو المؤخرة الحادّة، والغريب أنَّ هذا الجزء من النهرِ يُطلَق عليهِ القرمزية) والتقطه، ونفض الغبار عنه، ثم قدمه مَدْفَنُ الملوك! صحيح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء تستطيع لمولاه من جديد. يا له من قرد متملق وصل (الملك السباحة، ولكنها لا تمتلك المهارة الكافية لتمكن المجدور) إلى شعب قريب فحشر نفسهُ مُختبنًا داخلَ (الملك المجدور) من العوم عبر النهر. والجراح التي فجوة فيهِ علَّهُ يتجنب هجوم بقيَّةِ القِرَدَةِ؛ ومن حظه أن القردَةَ ذات الأذن البيضاء شاهدته، وأخبرت
سوء أثخنت جسده
إِثْرَ قتاله مع (ذي العباءة السوداء) بالإضافة لمطاردة تلك القردة له استنفدت كل طاقته، وبعد مضي بضع دقائق من وجودِهِ في النّهر ، لم يعد يستطيع الصمود. وأراد أن يتجه إلى الشاطئ، ولكنَّ القردَةَ المضطربة ظلت تتبعه فوق الصخور المحاذية للنّهر، وما إِنْ شرع بتسلّق الشعب حتى أمر (ذو العباءة السوداء)
بعضه وتمزيقه، فأجبروه على العودة إلى الماء مرَّةً أُخرى اقترب (الملك المجدور) من منحدرٍ صخري، وأمسك بحجارة زلقة بكلتا ،راحتيه كان المنحدر شديدا جدا لم تجرؤ القرَدَةُ على الاقتراب منه خوفًا؛ منْ أنْ يشُدَّها معه إلى الموتِ المحتوم، يبدو أنَّه سينال قسطًا من الراحةِ أخيراً. على نحو غير متوقع، أمسكت سبعةً قِرَدَةٍ أو ثمانية بعضها بعضًا مُشكلةً سُلَّمًا وَدَنوا منَ المُنحدَرِ لمهاجمة
(الملك المجدور!)
لم أستطع تفسير السبب الذي يدعو هذه القِرَدَةَ للهجوم عليه بكل هذه الضراوة، وقد
ملأ الحقد الدفين قلوبها تماماً، ربما أرادت أن تُنَفِّسَ عن غضبها المكتوم في العهد القديم، أو ربما أرادت إثبات الولاء لملكها الجديد لتفوز برضاه ولتنالَ حظوَةً عنده
لم يعد باستطاعة الملك المجدور الاقتراب من الشاطئ، أو مواصلة السّباحة لعبور النهر، لقد مضى على وجوده في الماء أكثر من نصف ساعة ولن
يصمد أكثر .
سألني (جاي:)
ما سبب تسمية هذا المكان بمدفن الملوك!؟
فأجبته:
ربَّما لقي بعض الملوك حتفهم عند هذا المكان شديد الانحدار؛ فكني بهذا الاسم المشؤوم. فشاطئ مدفن الملوك يُشير إلى ملوك القردة، فمجموعاتها تمتلك سلوكًا يختلف عن البشر، وذلك باستبدال الملك المُسنِّ بأحد القردة الشَّابة والقوية، ويتكفَّلُ باقي أفراد المجموعة بإغراق الملك عاثر الحظ بعد أن تم تتويجه ملكًا عليها في يوم من الأيام، وهكذا جاءت تلك التسمية. غاص قلبي في صدري إذا هذا
المشهد إعادة لما حصل في الماضي
ما زالَ (ذو العباءة السوداء) برفقة أتباعه يُراقب من
موقعه
عند ضفة النهر ، مُصمّماً على موت (الملك المجدور)، وهو قرار حازم لا رجعة فيه. الأنثى ذات الذيل البني
أنثى (الملك المجدور المفضلة، هي الوحيدة بين مئات القردة الصفراء التي لم تشارك في ضربه، واكتفت بالوقوف وحيدةً على شِعْبِ النَّهْرِ ، وهي تشد شعرها، وتلطم على صدرها، وتضرب قدميها بالأرض، وتَنْطَحُ الصخور برأسها وكأنَّ ألما عظيمًا يأكل قلبها.
فجأةً، انقضت سلسلة من الأمواج على (الملك المجدور) وغطّته كُليّا، وبعد مضي بضع دقائق ظهر
رأسه خارج سطح الماء في مكان ليس بالبعيد عن زورقنا، كان يلتقط الأنفاس بصعوبة بالغة
ومخالبُهُ تضربُ الماءَ بشدة، وعيناه مغشي عليهما، منجرفًا إلى خلف الشعاب المُسماة بفم السمكة، عندها لمح زورقنا على نحو مفاجئ وكنا نبعد عنهُ حوالي خمسين متراً. التفت القرد المجدور ليلقي نظرةً على القرَدَةِ المُتأهبة والواقفة على صخور فم
السمكة.
ثم تابع السباحة بإصرارٍ مُتَّجها صوبَنا معَ التَّيَارِ. وعندما وصلت المسافةُ الّتي تفصله عنَّا لثلاثة أو أربعة أمتار خارت قواه تماما، وعجز عن السباحة لمدة أطول، فغاص رأسُهُ في النَّهْرِ وتجرَّعَ بعض المياه، ثم بذل قصارى جهده علَّهُ يتماسك قليلاً، ويتمكَّنُ من العوم مرَّةً أخرى وراح يرمينا بنظراتِهِ البائسة، ثمَّ رفع أحد مخالبه من داخل الماء ليُحيينا.
إنَّ لغةَ جسد البشر لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تستخدمها القردَةُ، فمن الواضح أن تلويحه لنا بمخالبه ما هو إلا إيماءة لطلب المساعدة.
قال (جاي) بحزم
إن لم نتجاهله سنقحم أنفسنا في مشكلة ما . ولكن لا يُمكننا تركه على هذه الحال.
جذبت المجداف من يد (جاي) ومددتُه نحو (الملكِ المجدور)؛ فصارت القرَدَةُ الواقفة على الشعاب تصرخُ بشراسة، وأطلق (ذو العباءة السوداء) صوتًا
غاضبًا في
وجهي وكأنه يهددني. لا يُمكنُ التشكيك في ما أخبرني به الصَّيَّادونَ المحليونَ بِأَنَّ قِرَدَةَ اليونانِ
!
الصفراء تشتهر ببعض التصرفات المغالية في التهور، كإصرارها على الانتقام ممن يسيء لها مهما طال الزمن. يُقالُ أنَّ أحد القرويين أمسك بقرد صغير وباعه لحديقة الحيوانات، وفي كل عام عندما يحين موعد حصاد الحنطة في حقله تُقبلُ القِرَدَةُ وتخرِّبُ محصوله بالكامل. وسمعت أيضًا أَنْ أَحَدَ
الغطّاسين فقأ عين إحدى إناث القردة بأداة لرصد
الطيور، وكلما سلك ذلكَ الطَّريقَ تُسحَقُ سَيَّارَتُهُ بحجارة تلقى من الجبل! هل أتركه يغرق؟
هو ليس إنسانًا بلْ مُجرَّدَ قرد، والأهم أنني لستُ منْ
يعتزم قتله بل خصومُهُ مِنْ يَسعَوْنَ لذلكَ.
أنا عالِمُ حَيَوانِ ويتطلّب عملي المراقبة بموضوعية، ودراسة نمط حياة الحيوانات البريَّة دونَ التَّدخل بأسلوب بقائها، والابتعاد عن لعب دور القاضي، وكلُّ ما عليَّ فعله الآنَ هوَ اتِّخاذ قرار صائب بجذبِ المجداف إليَّ فيغرقُ القرد في الماء ونتخلّص من
تلك الورطة.
و
هممت بسحب المجداف بالفعل ولكن بدا الأمر ثقيلاً جداً على قلبي، فاستفزاز (ذي العباءة السوداء) لـ (الملك المجدورِ) فعل دنيء جدا وغير أخلاقي، بالإضافة إلى لؤم (القرد ذي المؤخّرة (القرمزية
و(الأنثى ذات الأذن البيضاء)،
المُتحمسين للاحتفال بفوز المنتصر وازدراء الخاسر .
وكذلك (الأنثى ذات الذيل البني)، التي
ملأ الأسفُ والحُزنُ قلبها على ما الا إليه حال ذَكَرها (الملك المجدورِ)، كلُّ ذلك جعلني أفكر أكثر. صحيح أني عالم حَيَوانِ، لكني إنسان أولاً، وتكويني البشري يضم مفاهيم الصواب والخطأ، والمعايير الأخلاقية والانفعالات العاطفية، وتقدير معنى الحياة، ولا
يمكن حذف هذه القيم بسهولة.
علي الإقرار بارتكابي لبعض الحماقة عندما مددتُ مجداف القارب لـ (الملك المجدور) ليتشبث به، فتمكَّن من رفع رأسه خارج سطح الماء، ولكن التاريخ يمكن إعادة كتابته،
والقوانينُ وُضِعَتْ ليتم تعديلها إن اقتضت الحاجةُ لذلك، وشاطئ مَدْفَنِ الملوك يمكن تغيير اسمه إلى شاطئ نجاة الملوك وفي وسط موجة غضب القِرَدَةِ،
انتشلت (الملك المجدور) من سكرات الموت إلى قارب النّجاة، وانطلقتُ مُجدِّفًا بالقارب نحو مصبٌ النَّهْرِ وَسُطَ وابل منَ الشتائم والوعيد الّذي أمطرتْني
به
انتقام (ذي العباءة السوداء)
كما كانَ مُتوقعا، قرر (ذو العباءة السوداء) الانتقام
منا بشراسة.
عند سفح جبل القِرَدَةِ بالقرب من مصب نهر (نو)، نصبتُ خيمةً لتكون موقعا لدراستي الميدانية. لم تكُن جراح (الملك المجدور) خطيرةً، وما إن تناول بعض حساء الأرز الساخن وأدفأت النار جسده حتّى شعر بالتحسن في صبيحة اليوم التالي، قررتُ و (جاي) التوجه نحو القمة الرئيسة لجبال (جاوليجونغ)؛ بُغيةَ مُراقبة أحد أنواع النسور والمُلقَّب بـ (الحدأة السوداء ذات الأذن.
قمت بوضع (الملك المجدور) داخل قفص حديدي وأقفلت عليه وذلك قبل شروعنا بالرحيل لحمايته. عندما حلَّ الغروب وابتعدنا عن محطة عملنا بمقدار مئة متر أو مئتين، سمعنا أصوات القِرَدَةِ وصرخاتها فهرعنا عائدين إلى الموقع لنجد المحطة قد سُرِقَتْ بالكامل، وقلبت الخيمةُ رأسًا على عقب، والأواني والأحواض وزجاجات الملح وزيت الطعام والخل
تحطّمت كلُّها.
أتلفت جميع كتبي ووثائقي، ولحاف الفراش في حالة مزرية، ومما زاد الأمر سوءًا بولُ القردة
وغائطها الذي خلفته عليه.
وطوق (ذو العباءة السوداء) وأتباعه القفص، وشرعوا يضربونه باستمرار بمد مخالبهم من خلال الفجوات بين القضبان، وقام القرد (ذو المؤخّرة الحمراء) بوكز
(الملك المجدور) بعيدان الأغصان
مسكين (الملك المجدور)؛ لقد قاسي جميع أنواعِ
الإذلال والاعتداء من خصومه المتناثرين في جميع
ة
الجهات من حوله، ولم يملك من الأمر سوى إمساك رأسه بمخالبه، وتكوير جسده منكفئًا على نفسه
وسط القفص.
انتابتني موجة عارمة من الغضب، ومددت يدي
لاستلال مُسدسي وإطلاق النار دون تردد، لقد كنتُ متلهفا لإرداء (ذي العباءة السوداء) قتيلاً، وما منعني عن ذلك إلا تصنيفهُ وَفَقًا لقوانين الحماية الوطنية من
حيوانات الفئة الأولى، لكني أطلقت رصاصتين نحو الأعلى، فأفزع دويها ورائحة البارود المنبعثة
من سلاحي (ذا العباءة السوداء)، الذي رمقني بنظرات مخيفة، ثم انسحب وأتباعه وقد ترامت أصواتهم في جميع الأرجاء.
أطلقت سراح (الملك المجدورِ المُتَخَنِ بالكدمات والضرب، وبخاصة ظهره المُشبع بلكمات دامية
شديدة، كان من الصعب النّظر إليه.
:
ا...
كلَّفتني عملية سطو القردة تلك الكثير من النقود للتعويض عن احتياجاتي الضرورية، فاستأجرت عددًا من المزارعين لحفر خندق عميق حول خيمتي ونصبتُ أمامَهُ سياجًا متينا من الأسلاك الشائكة. زارت القرَدَةُ موقع عملي مرات عدةً في الأيام التالية، ولكنّها في كلِّ مرة كانت تتأذى من الأسلاك
الشائكة.
أدركت القرَدَةً أنّها لن تستطيع اجتياز الأسلاك لتصل إلى الملك المجدور)، فتوقفت عن المحاولة
هنا
ولكنّها لم تتخلَّ عن فكرة الانتقام، فحين انطلقتُ و (جاي) نحو الجبال لغاية العمل رمثنا القرَدَةُ المُختفيةُ بين الأشجار بوابل من الأغصان والفول
السوداني.
فكان الوضع أشبه بهطول الأمطار بغزارة على رؤوسنا، وأصابَنا نصيب أيضًا من غائطها وبولها.
كنت و(جاي) مستلقين على جبل
وذات يوم، (جاوليجونغ) لمراقبة أنثى نسر بواسطة المنظار وهي تُطعم صغارها، ولقد اعتدتُ في مثل هذه الرحلات تعليق حقيبتي على إحدى الأشجار الصغيرة القريبة مني، وفي داخلِ عُشُ النَّسرِ وُضِعَتْ سَحِلِيَّةٌ كطعم، مما يدل على رغبة الأم في حث فراخها الثَّلاثةِ على الاعتماد على أنفُسِها في التقاط الطعام، لقد جذبني المشهد كثيراً فهو ليس بإطعام اعتيادي للصغار بل
نوع من التدريب.
كنتُ منجذباً تماماً للمشهد، وفجأةً سمعت بعض الأصوات الصادرة من الشجرة الصغيرة قربي، رفعتُ
بصري لأرى القرد البغيض الحاقد (ذا العباءة السوداء) قد قفز من إحدى الصخور إلى الشجرة ونزل عبر أغصانها ليأخذ حقيبتي المعلقة هناك. أصبت بالذهول، بينما بادر (جاي) برد فعل سريع فقفز محاولاً إيقافه لكن بعد فوات الأوان، فبلمح البصر، تعلّق القردُ بالشَّجرة رأسًا على عقب وخطف الحقيبة في غمضة عين وقام بعدها بوثبة رشيقة عادت به إلى الصخرة ليختفي على الفور
داخل الغابة.
يا له من قرد ماهر ذي مواهب متعددة. من المؤسف أن يكون لصا.
يوجد آلة تصوير باهظة الثّمن داخل حقيبتي المسروقة، وبعضُ الطّعام وزجاجة من الماء، والأهم مُفكِّرتي التي سجلت عليها حصيلة جهود مضنية من المُراقبة الحثيثة، شعرتُ بمرارة لاذعة لكني عاجز عن القيام بأي شيء. وما إن أنهيت عشائي عند مغيب الشمس حتى بدأ ضجيجُ القِرَدَةِ يُخالج مسامعي، فخرجت من الخيمة وإذ بـ (ذي العباءة السوداء يقفُ من جديد على بعد عشرين أو ثلاثين
متراً عن موقع عملي، يقفز فوق العشب مُعلِّقًا حقيبتي في عنقه، ظننتُ في البدايةِ أَنَّهُ يُثيرُ عرضًا من التباهي، ولكن ملامحه لم تُشر إلى الاعتداد أو الاستفزاز ، بل كانت المرارة تعلو وجهه وعيناه تفيضان بالعاطفة، وراحَ يُحدقُ إليَّ على نحو مباشر وكأنَّهُ يتضرَّعُ . خرجَ (الملك المجدور) من الخيمة لرؤية ما يجري بعد سماعه تلك الأصوات.
وما إن وقعت عينا (ذي العباءة السوداء) عليه حتّى انتصب شعر رأسه بحدة، ثم خلع الحقيبة ورفعها في الهواء وراحَ يُلوح بها أمامي وحرك شفتيه وكأنهُ يقولُ شيئًا ما ، وبدا أشبه ببائع يُحاول الترويج
لبضاعته.
عندما شاهد (الملك المجدور) حركاته تلك ارتكي
و
وأمسك قدمي بقوة مرتجف الجسد.
يبدو أنَّ (ذا العباءة السوداء) يُقايض حقيبتي بـ (الملك المجدور)، يا له من قرد ذكي ووضيع!
حدثت نفسي قائلاً:
يمكنك إتمام الصفقة معه، فـ (الملك المجدور) عجوز
الله
وستوافيه المنيَّة عما قريب على أي حال.
أنا أعلمُ في قرارة نفسي أن (الملك المجدور) لن
يعيش طويلاً.
لقد مر أسبوعان على إنقاذي له من نهر (نو)، والتأمت الجراح التي أثخنت جسده تماما لكنَّ علةَ
قلبه لا يمكن شفاؤها.
في كلِّ يوم، يُكوِّر نفسه في زاوية الخيمة ساكنًا دونَ حراك، وتعلو وجهَهُ تعابير الحزن والكآبة، وقد قل أكله كثيرًا حتَّى بات شديد النّحول، وتلاشى بريقُ عينيه وحياته ماضيةً نحو النهاية، وقد زالت عنه
هالة الملك الرفيعة تماماً.
أما الآن، فما هو إلا قرد عاجز مسن يدنو منهُ الموتُ يوماً بعد يوم، فخاطبت نفسي
هل يُطاوعني قلبي على مقايضة (الملك المجدور) بحقيبتي يا تُرى ؟ إن فعلت، لن أكون سوى جبان
مذعن لابتزاز (ذي العباءة السوداء)، ولن يحظى قلبي
بالسكينة والسلام
على الرغم من أنَّ مَنْ أتعامل معها ليست سوى مجموعة من القردة أصبحت أمقت (ذا العباءة
السوداء من أعماق قلبي.
لماذا يبذل كل هذه الجهود الحثيثة لقتل (الملك المجدور)؟ رغبت بأن تغدو ملكًا للقِرَدَةِ وَوصلت إلى مُبتغاك، فما الذي يمنعك من التحلي بكرم العفو
عنه!؟
أغبى القرَدَة يُمكن أن يلحظ الآنَ بأنَّ (الملك المجدور) قد انهار جسديًا وعقليا، ومن المحال أن يُفكّر باستعادة العرش من جديد، ويبدو أنَّ (ذا
العباءة السوداء) وحش مختل بامتياز، ولن أعقد أيَّ
صفقة معه مطلقًا على الرَّغْمِ من توقي الشَّديدِ لاستعادة آلة التصوير ومُفكِّرتي اللَّتين في الحقيبة. وكتعبير عن رفضي الإذعان لإغراء مقايضة (ذى العباءة السوداء) صرخت ورميته بحجر بحجم قبضة اليد، وعلى الرغم من أنَّهُ لم يمسه، لكنَّهُ كَانَ كَافيًا
لإيضاح مقصدي له، فأطلق (ذو العباءة السوداء) صرخة ذعر غريبةً وانكمش جسده، وعَلَّقَ الحقيبة على عنقه من جديد ثم سار بخطوات ثقيلة، وكأنَّ
ضربةً قاضيةً قد نالت منه بالفعل.
:
خاطبني (جاي) قلقلاً:
كلُّ ما أخشاه هو حدوث خطب ما في أحد الأيام. لا حاجة للقلق، فموقعنا محمي كالحصن المنيع، ولكن يتوجب علينا توخّي الحذر عند خروجنا منه. أجابني (جاي) بوجه عبوس وصوت منخفض مُتأملاً
السماء الملبدة بالغيوم:
أنا لا أخشى ذا العباءة السوداء) ولكني قلق من تورط
تلك القردة بالمتاعب.
الفوضى تسود بين مجموعة القردة الصفراء
لسوء الحظ لقد كان (جاي) على حق في تلك الليلة، تعالت أصوات قادمةً من الغابة لنحيب القِرَدَةِ الصفراء، مما أفزع النّاس، واستمرت صرخاتها الرهيبة القويَّةُ طوال الليل فجافانا النوم بسببها .
خاطبت (جاي) أصارحه مفترضاً:
ربّما تناقش الطريقة التي ستتعامل من خلالها معنا. أعتقد بأنَّ نمرًا أو ذئباً مفترسًا قد انقض عليها. استجابة (الملك المجدور) للأصوات قد أثارت دهشتنا بالفعل، فلقد وثب مُصدرًا صوتًا منخفضًا وصار جسده يرتجف منْ شدَّةِ التوتر، ثمَّ ومضت عيناه وركض وبدأ يهز ساقيه ويصرخُ مُحاولاً أن يُفهمنا شيئًا ما . يبدو بأنَّهُ مُدرك لما يحدث للقرَدَة
وأرادَ أنْ يشرح لي الأمر، لكني لم أفهم ما يريد.
عند بزوغ الفجر، نهضنا أنا و(جاي) بسرعة واغتسلنا من جدول المياه، ثمَّ تحرَّكنا باتِّجَاهِ جبلِ القِرَدَةِ. كان نهارًا يتسم بنسمات عليلة وصفاء تام، أثناء مسيرنا الهادئ في الغابة، تمكَّنَّا من ملاحظة حرکات القردة على بُعد خمسين متراً أو ستين دون الحاجة
للمنظار.
من الواضح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء لم تنمْ طَوالَ اللَّيلِ، حتّى أنَّ الدماء احتقنت في عيونها، وأعصابها متوترةً للغاية، ولاحظت أنَّ بعضها مُصابٌ وقد خُدشت فروةً
رأسه، وآخَر اقتلع شعر رقبتِهِ وثالث كان يمشي بصعوبة إثر إصابة بالغة في قدمه، ولا شك أنَّ قتالاً ضاريًا قد نشب هنا. على غير العادة، لم يعد (ذو العباءة السوداء يمتاز بتأييد القردة كملك لها، بل انقسمت إلى مجموعات صغيرة عوضًا عن ذلك
:
ولكنه ما زال يحتل الحجر الصّحْمَ الَّذِي يُشبهُ الضّفدع ويرمز لسلطة الملك، وجلست بجانبه (الأنثى ذاتُ الأذن البيضاء)، بالإضافة إلى قرد مسن ذي مكانة مُتدنّية بين القرَدَةِ، مَنَحَني مشهد هؤلاءِ الثلاثة إحساسًا بسقوط الملك بعد أن انفض
المؤيدون من حوله. بدأت القِرَدَةُ بنثرِ الرِّمالِ من حولها معلنةً فرض قوانينها الخاصة، وراحت ترمي الشتائم وتصرخُ على بعضها وكل جاهَدَ على إجبار
الآخر بالخضوع له.
أطلق (ذو العباءة السّوداء) صوتًا خافتا أشبه بالاستجداء، وتلاشت هيبته وكبرياؤه، بينما واصل البقيَّةُ الاهتمام بشؤونهم الخاصة غير مبالين به.
فجأةً، قفز قرد من شجرة صنوبر صغيرة صوبَ الحجر الذي احتله ذو العباءة السوداء) وراح يطلق صوتًا ساخرًا ، ثمَّ التفَّ مُسرعًا ليُوجه مؤخّرتَهُ الحمراء نحو باقي القِرَدَةِ، وشرع بهر جسده أمام (ذي العباءة السوداء) الذي كان واقفا على الحجر.
أووه ، إِنَّهُ القرد (ذو المؤخّرة الحمراء!) وعلى الرغم من خبرتي الضئيلة في لغة الجسد الخاصة بالقِرَدَةِ، إلا أنَّني أدركتُ أَنَّ تصرفهُ السَّاخِرَ يعبر عن التحقير والازدراء لـ (ذي العباءة السوداء) الذي ثارت ثائرتُهُ بعدَ أَنْ ذَاقَ الْأَمَرِّينِ مِنْ وَابِلِ الإهانات التي لا تُطاقُ، وقفز من على الحجر وانقض على القرد ذي المؤخرة الحمراء)، فتشابكا والتفا
على بعضهما بلمح البصر
ويبدو أنَّ العراك قد استمر طوال الليلة الماضية، وبان عليهما الإنهاك التام ولم يكونا قادرين على مواصلة القتال، فتشابكا متعانقين وهما يلهثان بنفَس ثقيل.
وفي تلك اللحظة، هاجمهما قرد قبيح أصلع، فخدش ذا العباءة السوداء) بمخالبه أولاً، ثم رفس القرد (ذا) المؤخرة الحمراء) لينضم بعد ذلك سبعةُ قردة أو ثمانية إلى ذلك الصراع.
ومما يُثير العجب، أن لا أحد من هؤلاء الذكور يتبع لـ (ذي العباءة السوداء) أو (ذي المؤخّرةِ الحمراء)، بلْ
كان كل منها يُقاتل لفرض وجوده، فتعاضد (ذو العباءة السوداء) و(ذو المؤخرة الحمراء على تهشيم وجه القرد الأصلع ولكن لبعض الوقت.
ثم انضم (ذو المؤخرة الحمراء) إلى الأصلع للحاق بـ (ذي العباءة السوداء سعياً إلى قتله بعد مضي دقيقة واحدة، ثم اندلع صراع بين جميع قردة المجموعة. كانت الفوضى عارمةً، فلا قوانين أو قواعد تحكم
هذه المجموعة!
خاطبت (جاي) :
هل أصيبت تلك القردَةُ بالجنون؟!
نشبت مثل هذه الفوضى العارمة بين أفراد
المجموعة قبل خمس سنوات.
أجاب (جاي) وهو يعود بذاكرته إلى الوراء: لقد قام أحدُ الصَّيَّادِينَ بقتل ملكها في ذلك الوقت.
وبعد أن بات منصبه شاغرا رغب كل ذكر منها أن يصبح ملكا ، ونتج عن ذلك قتال عنيف دام لنصف عام مات خلالَهُ العديد من الذكور، وهجرت الإناث
القطيع مع صغارها، وانخفض بذلك عدد أفراد المجموعة إلى حوالي خمسين بعد أن كان يصل لمئة قرد . ومن ثم قام الملك المجدور) بخوض العشرات من المعارك الشرسة، وكانت النتيجة إلحاق الهزيمة
بباقي ذكور المجموعة، وبانتصاره أصبح ملكا فاستتب الأمن وأخذت المجموعة تستعيد قوتها
واستقرارها.
توصَّلَ عُلماءُ الحَيَوانِ إلى استنتاج شهير؛ بأن جميع ذكور الثّدييات التي تمتاز بالوعي الاجتماعي تتوقُ للحصول على منزلة رفيعة. كلمات حكيمة جدا!
ولكنَّ الَّذي صَعْبَ عليَّ فهمهُ : لماذا بدأت الخلافاتُ منذ استيلاء (ذي العباءة السوداء) على العرش دونَ
سبب واضح!؟
فهناك دورة زمنية لتغيير العرش عند القردة الصفراء تتراوح بين خمس إلى ست سنوات إِنْ لمْ يحدث أمر طارئ بكل تأكيد.
تتوافق هذه الحقبة الزمنية مع مدة حياتها، فعمرُ القرد الأصفر يصل إلى عشرين عاماً تقريباً، ويتراوح سن البلوغ بين العاشرة والخامسة عَشْرَةَ، فيكتسب الذكور خلاله خبرةً غنية وطاقة هائلة وتغدو قوَّةً غنيَّةً
أجسادها في ذروتها، وتشتعل الرغبة لديها للاستحواذ على السلطة، ويُمكن القول بأنَّها قد
وصلت حينها إلى مُقتبل العمر.
ووفقًا لما أدلى به بعض علماء الحيوان، غالباً ما تبسط جميع ملوك القِرَدَةِ الصفراء سيطرتها على المنطقة في عمر العاشرة، ولن يتجرأ أي من على تحدي هيبة الملك الجديد؛ نظراً لقوة جسده ولعظمة سلطانه وسيحافظ على مكانته إلى أن
الذكور
يبلغ الخامسةَ عَشْرَةَ، حينها سيبدأ جسده يضعُفُ
وطاقته تخبو وسيطمع باقي الذكور بمكانته
وتشتعل الفوضى ويتلاشى الاستقرار وينتهي الحال بتدهور مجتمع القِرَدَةِ. وبناءً على ذلك، هناك تفسير
واحد لتلك الفوضى التي عمت القِرَدَةَ اليوم، فبالرغم منْ أنَّه لم يمر سوى بضعة أيام على تسلّم الملك (ذي العباءة السوداء) الحكم إلا أنه ولسبب ما
قد فقد هيبته، فتنامت المطامع من حوله.
زادت الفوضى سوءًا، ففقِئَت عين القرد الأصلع من قبل أحد الذكور، وبدأ ينزف مما جعله يتألم بشدة
ويصرخ ويقفز ويركل بأسى، ربما
ـلأ الدم عينَهُ أو أنَّ الألم الشديد جعله يحرك يدَهُ ويضرب بقوة أحد صغار القِرَدَةِ بجانبه والبالغ من العمر نصف عام، فأطلق الصغير صوت أنين حاد وهوى منْ جُرف عال وبطنُهُ تُقابلُ السّماءَ لترتطم مؤخرة رأسه بحجر، ولسوء الحظ مات فوراً.
جحظت عينا أمه ذات السّامة الحمراء بين حاجبيها وانقضت على القرد الأصلع وأمسكت رأسَهُ بمخلَبَيها ونالت أسنانُها من لحمه عضا ومضغا بعد أن أصابها الجنون، وانضمت إليها قردتان أيضا وغرستا مخالبهما في رأس القرد الأصلع، وانهالت الإناث الثلاثة عليه بالرفس والجر بحنق شديد، ففُقِئَتْ عينه الأخرى وانطفأ نور بصره وهرب مترنحا ليسقط من الجرف مطلقًا صرحةً تُمزق الفؤاد تلاها صوت ارتطام بالأرض قد وصل لمسامع الجميع. سارعت كل الإناث للاختباء في الكهوف بينَ الحجارة مُعانقةً صغارها بحرص شديد، وتوقف
و
الذكور عن العراك فجأةً.
ربما الموتُ المُباغت قد سبب الصدمة لها، أو أنَّ
الإنهاك نال من أجسادها.
شكل كلٌّ منها مجموعته الخاصة ونأى بها عن الباقين. ويُمكن للمرء أنْ يُدرك الغضب والبُغْضَ بينها من خلال نظراتها صوب بعضها البعض، وبين
الفينة والأخرى تُسمع صرخةٌ أو اثنتان. أيقنت أنَّ ذاك الهدوء ما هوَ إِلَّا هُدنةٌ مؤقتةً وستستمر الفوضى لا محالة، وسيسود الانقسام
مجتمع القردَة كَوَباء فتّاك.
قفزت القردَةُ ذَاتُ السَّامَةَ إِلى أَسفلِ المُنحدر واحتضنت جثة صغيرها الهامدة.
ورمقت باقي القِرَدَةِ بنظرة فاترة، ثمَّ اتَّجهت صوبَ الغابة البعيدة، ومن الواضح أنّها سئمت وأصيبت بخيبة الأمل من هذا الجو المضطرب الذي عصف بعائلة القردة، ففضلت حياةَ الوحدة والتشرد، وستحذو باقي الإناث حذوها دون شك إن استمرَّ الوضع على هذه الحال.
لمَ لَم يحدث مثل هذا الانقسام الخطير سابقا بين مجموعةِ القِرَدَةِ؟ وكيف يُمكنُ لي أنْ أُعيدَ الحياةَ الهادئة والمسالمةَ لهذهِ القِرَدَةِ الثّمينة؟ فأنا عالم حيوان وتقع على عاتقي مسؤولية إيجاد الحل الأمثل
لها.
(الأنثى ذات الذيل البنّي تُعرض نفسها لخطرِ
اللقاء بـ (الملك المجدور)
لاة
مثل
اعتدتُ أخذ قيلولة في وقت الظهيرة، وما إِنِ اتَّجهتُ لملازمة سريري عند ظهيرةِ أحدِ الأَيَّامِ؛ حتَّى هدرَ جدار السياج الذي أقمتُهُ خارج المُخيم بأصوات متوالية على نحو مفاجئ، رفعت ستار خيمتي فتجلَّى أمامي قرد أصفر نحيل الجسد أسودُ الشَّعرِ ذو ذيل فريد من نوعه يقف إلى جانب السياج:
يا إلهي ! إنّها (الأنثى ذات الذيل البني!) كنت متفاجئًا لقدومها إلى هنا في وضح النهار. خسر (الملك المجدور) سلطته منذ مدة طويلة، وصار يعيش الآن في مخيم للبشر بمساعدة مني بعد أنْ فقد أيَّ فرصة لاستعادة ملكه، فلقد تغير كلُّ شيء ވަ في عالمه بما في ذلك منزلتُه وقوته، باستثناء إخلاص (الأنثى ذات الذيل البنّي له، وهذه هي الزيارة الرابعة لها إلى موقع عملنا خلال النصف
الأول من هذا الشهر.
ولكن على الرغم من كلِّ شيء، فإنَّ تصرُّفَها هذا ينم عن مخاطرة كبيرة، وما إن يعلمُ (ذو العباءة السوداء) بأمرها لن يتردَّدَ في نفيها خارج المجموعة أو يُنزل بها عقوبة الموت أنا معجب حقا بشجاعتها وإقدامها على مقابلة الملك المجدور) الذي خصته بحنانها ولقد أثر ذلك في قلبي كثيراً. حَرَصَت (الأنثى ذات الذيل البني) على اختيار الأيَّام التي يسوء فيها الطقس للقاء ، وذلك خلال الزيارات
الثلاثة الأولى فقط.
ففي أول مرة، كانت الأمطار تهطل بغزارة، أما الليلةُ الثانية، فكانت حالكة السواد لا قمر فيها ولا نجوم، وجاءت في الثالثة عندما كانَ الصّبابُ يُغطّي خيوط
الفجر . اعتادت الابتعاد عن السياج خلال هذهِ المواعيد والاختفاء بين الأدغال في مكان آمن يقع خلف موقع عملنا بالتحديد مطلقةً صرختين على نحو غامض، وما إن يسمعها (الملك المجدور) حتّى تدب الحياةُ في أوصاله وينفض ملامح الموتِ الّتي
ارتسمت على وجهه، ويُبادر بوثبة مفاجئة يخرجُ فيها من زاوية مخيمي ويركض باتجاه السياج، ولا يُطيقُ صبرًا حتَّى يستكمل الجسر المتحرك دورتَهُ منخفضًا وأكون قد فتحت له السياج، ويقبض على
الحبل ويقفز من فوق جدول الحماية.
وها هي اليوم قادمة في وَضَحِ النّهار، ولم تكتف بالظهور علانية فحسب، بل راحت تهز السياج دون مبالاة، كان موقفًا فريدا إلى حد ما، وبقيت و(الملك المجدور) نُحدّقُ بها مذهولين لفترة طويلة ثم قمتُ بفتح السياج وإنزال الجسر المتحرك ولا زال (الملك المجدور) مُتسمرا بجانبي، فَربَتْ على كتفه قائلاً:
اذهب يا صديقي العجوز، لا تخذلها.
فأفلح تشجيعي له وصرح أخيرا وسار عبر الجسر المتحرك حتى وصل إليها، واندفعا صوب الأدغال
واختفيا داخل الغابة الخضراء المشمسة. استنادًا إلى خبرتي السابقة، فلن يعود الملك المجدور) إلا بعد ساعتين، وهي فترة كافية لأريح خلالها بدني بنوم عميق ومن ثم أستفيق. فتحتُ كتابًا مُترجمًا حديثا وَطَفَقْتُ أقرأه وأنا مستلق على السرير، يحمل عنوان (دستور الحيوانات
الراقية من تأليف
عالم حيوان أمريكي، فجذبني أحد أسطر الكتاب ونصه: " في مفهوم القِرَدَةِ الصفراء المقاتلة، فإنَّ التاج لا يُستحق إلا إذا خُضْبَ بالدم، وإنْ تمَّ اكتسابه بطرق أخرى فسوف يتلاشى في نهاية الأمر . " بدأ قلبي يخفق بسرعة عند قراءتي لتلك الكلمات؛ فقد
لمع وميض في ذهني لحل تلك الفوضى عند مجموعة
القردة.
في تلك الأثناء، سمعت صوت (الملك المجدور) ينبعث من خلف السياج، فخرجت على الفور ووجدتُه يلوح لي طالبًا الدخول، فكان أمرًا آخر مثيرًا للاستغراب أيضًا،
فلم يمض سوى عشر دقائق منذ خروجه أنزلتُ السياح محملقًا بالأدغال، وإذْ بـ (الأنثى ذات الذيل البني) تقف هناك على العشب، وقد أمعنت النظر بـ (الملك المجدور) دون أن يرف لها جَفْن، لم يسبق أن حدث مثل هذا السلوك فى الزيارات الماضية. فعندما يحين موعد الوداع، يسير (الملك المجدور) معها إلى
هضبة تبعد مئتي متر عن موقعنا، ويتأمل
رحيلها حتّى تختفي تماما عن ناظره ثم يرجع إلينا. لاحظت أن (الملك المجدور) كان ناكس الرأس حزينًا وعيناه الحمراوان تفيضان بالدموع وكتفاه تهران أثناء خوضه في جدول الحماية ومن ثم بلوغه الجدار، وقفز مجتازا قدمي عندما وصل إليَّ وأسرع إلى داخلِ المُخيم دونَ أنْ يلتفت نحوي.
هل تشاجر مع أنثاه ؟! أو ربما حدث شيء ما آخر! لازم (الملك المجدور) الزاوية ساكنا طوال فترة الظهيرةِ دونَ أنْ يتناول أي شيء، وما إِنْ حلَّ المساء حتى بدأت صرخات القردة ومشاحناتُها تنبعث ثانيةً قرب النهر من داخل الغابة.
أنصت الملك المجدور) للأصوات بعناية، واندفع في بعض الأحيان متأثراً بصيحات ناجمة عن لطمات مُباغتة قويَّة أَشبَهَ بآهات أو أنين، وصارَ جسده
يرتجف بشدة وكأنَّهُ قد وقع ضحيَّةً لنوبة ملاريا
حادة.
اعتقدتُ بأنَّهُ مريض بالفعل وفكرتُ في أخذه إلى
الطبيب البيطري عند بزوغ الفجر.
جافاني و(جاي) النّومُ طَوالَ اللَّيلِ بسبب نشيجِهِ الحزين في صبيحة اليوم التالي استيقظنا باكراً وتناولنا إفطارًا سريعًا ووضعنا سلكًا نُحاسياً رقيقاً حولَ عُنقه استعدادًا لزيارة عيادة الطبيب البيطري في البلدة، حيث إن طريقها كانَ مُعاكسا تماما لاتجاه
متر
جبلِ القِرَدَةِ، وتوجب علينا المسير بمقدار مئة عن موقع عملي. لكنَّ (الملك المجدور) فاجأنا بتشبثه بإحدى الأشجار القريبة رافضًا الذهاب معنا.
اعتقدتُ بأنَّ المرضَ منعه من المشي وقررتُ حملَهُ لكنَّه تمسك بالشجرة وشدَّ السَّلكَ الَّذِي يُطوقُ عُنقَهُ فتأذًى بشدة، وحين أدرك استحالة قطع السلك بدأ يعض عليه بأسنانه فاملاً فمه بالدماء.
القرد المجنون... سيُعذب نفسه حتى الموت!
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
بدايات سورة الحج تتحدث عن من يصد عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبح...
أفادت مصادر طبية بمقتل 78 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم بينهم 38 من منتظري المساعدا...
الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للمدن الذكية شهدت المدن تطورا تاريخيا كبيرا بدأ منذ نشأتها كمدن كلاسيك...
1. قانون منع سوء معاملة الأطفال ومعالجته (CAPTA) – 1974: يوفر إطارًا لفحص وإبلاغ ومتابعة حالات إساءة...
ان تعاطي المخدرات من التحديات الاجتماعية و الصحية الواسعة التي ينظر إلي من زاوية أخلاقية أو قانونية...
دشن وكيل محافظة حضرموت لشئون مديريات الوادي والصحراء الاستاذ عامر سعيد العامري اليوم الحميس الموافق ...
دراسة ظاهرة المقاومة المكتسبة فى الفطريات نتيجة استخدام المبيدات الفطرية دراسة تأثير نظم الرى المختل...
(٥) المعرفة الكمالية ثبت مما تقدم أن المعارف العلمية والاختبارية والخاصة لازمة للإنسان كل اللزوم؛ لأ...
Morocco has recently been making huge preparations to host the African Cup of Nations in 2025 and th...
The Romantic movement, which emerged in the late 18th and early 19th centuries, transformed literatu...
تتركز رؤية القسم على تطوير تقنيات متقدمة للتشخيص المبكر والدقيق للأمراض البكتيرية النباتية، بالاستفا...
نفذ صباح امس الأربعاء موظفي وموظفات مؤسسة موانئ خليج عدن وقفتهم الاحتجاجية الرابعة امام محكمة استئنا...