Lakhasly

وقد تميّزت أساليب التّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ في الخطاب القرآنيّ لسور فواتح لفظ الحمد بالشّموليّة والتّنوّع، فلم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتمّ احصاؤها وعدّها اعتمادا على البراهين التي يدعمها العقل، وتقبلها الفطرة السّليمة، فكان الخطاب القرآنيّ سببا إلى التأمّل والتّدبّر وإعمال العقل لتنويره، وهدم ما يحجب الحقيقة عنه. من أجل ذلك اخترنا البحث في الآليات الحجاجيّة البلاغيّة في القرآن الكريم بمساعدة من المشرف في حبك عنوان البحث الذي يتعلّق بالتّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ الذي نقصد به التّأثير على آراء المتلقي وسلوكياته، واستمالة النّفوس وتوجيه العقول إلى الاقتناع والإذعان، وبالتّالي تحقّق الغايات بالاعتماد على الاستمالة والتّأثير والإقناع التي توفّر عليها القرآن الكريم مستفيدين من المنهج الوصفيّ المشفوع بالتّحليل المدعوم بالمقاربة التّداولّيّة، من حيث أنّ الحجاج جزء لا يتجزأ من التّداولّيّة، وذلك قصد الكشف عن الآليات الحجاجيّة البلاغيّة التي وظّفها القرآن الكريم للإقناع وعليه جاءت الدّراسة تحت عنوان " التّوجيه الحجاجيّ لبلاغة الخطاب في سور فواتح لفظ الحمد من القرآن الكريم"، فحاولنا دراسته من خلال مدوّنة سور فواتح لفظ الحمد وهي خمس (الفاتحة، الانعام، الكهف، سبأ، فاطر) لبيان علاقة لفظ الحمد بمواضيع هذه السّور، وعلاقته بالتّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ، وكذا لبيان هذا الأخير الذي توفرّه خصوصيّة الإقناع والتأثير واستعانته بالوسائل البلاغيّة الممكنة.
أمّا عن دوافع اختيارنا لهذا الموضوع فقد كانت للاعتبارات التّالية :

• ارتباط موضوع البحث بالقرآن الكريم، وهو أعظم ما يمكن أن نقضي فيه وقتنا وجهدنا، والذي وجدنا فيه متعة مع توخّي الحذر في دراسته.


• ميلنا ورغبتنا إلى الدّراسات الحجاجيّة البلاغيّة، وخاصّة إذا كان الموضوع يخصّ القرآن الكريم.


• الرّغبة في فهم نظريّة الحجاج وآلياته واستثمارها في تحليل سور فواتح لفظ الحمد والكشف عن الجانب الإعجازيّ في استهلال هذه السّور بلفظ الحمد.
  ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع شغلتنا إشكاليّة عامّة تتضمّن عنوان البحث حاولنا الإجابة عنها وهي: ما مدى فعاليّة الآليات البلاغيّة القديمة والجديدة على الإقناع والتأثير، وهل يمكن للآليات الحجاجيّة البلاغيّة أن تدعم طاقة القول الحجاجيّ، وتثبت قدرته الإقناعيّة؟
  وتفرّعت عن هذه الإشكاليّة عدّة تساؤلات فرعيّة منها:


• ما علاقة الحجاج بالبلاغة؟ ما مدى تأثير الوسائل البلاغيّة على الحجاج؟ ما مدى اعتماد سور فواتح لفظ الحمد على آليات الحجاج البلاغيّ، وما هدفه؟ وكيف كان وقع التّوجيه الحجاجيّ لهذه السّور على المتلقّي من حيث التّأثير والاستمالة والإقناع؟
  وأمّا عن أهداف هذا البحث فحدّدناها كما يلي:


• إبراز الأليات البلاغيّة القديمة (البيانيّة والبديعيّة) في سور فواتح لفظ الحمد.


• إبراز الأليات البلاغيّة الجديدة في سور فواتح لفظ الحمد.


• إنجاز دراسة علميّة مفيدة لأهل الاختصاص.


• إبراز الجوانب الحجاجيّة المستندة على الوسائل الجماليّة في الخطاب القرآنيّ .
  أمّا عن جدّة وحداثة هذا الموضوع فلم نقف – في حدود علمنا – على دراسات سابقة تمزج بين التّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ وسور فواتح لفظ الحمد، وإن وجدت دراسة لنفس المدوّنة لكن مجال البحث مختلف. وجدنا دراستين الأولى موسومة ب"مناسبة فواتح سور الحمد ومقاصدها" لأحمد عطا محمّد عمر، جامعة أمّ القرى مكّة المكرّمة. والثّانية موسومة ب"مقاصد سور الحمد في القرآن الكريم" لأحمد عبد الرّحمن فقيه، السّودان. كما يوجد دراسة ثالثة لنفس مجال البحث لكن المدوّنة مختلفة تحت عنوان "التّوجيه الحجاجيّ في الخطبة الفدكيّة للسّيّدة الزّهراء" لعبد الإله عبد الوهّاب هادي العرداويّ، جامعة الكوفة، واستثني منه الجانب البلاغيّ.
  ولدراسة هذا الموضوع اعتمدنا على المنهج الوصفيّ مستندا على الإجراء التّحليليّ المدعوم بالمقاربة التّداولّيّة، هذا المنهج الذي يعتبر مناسبا لطبيعة الموضوع، ويساهم في وصف وتشخيص ظاهرة البحث، وبغرض فهم الجزء النظريّ، وفي جمع المادّة البلاغيّة الحجاجيّة من خلال إبراز قوّة وتأثير التّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ في القرآن الكريم.
  وقد سيّرنا بحثنا وفق خطّة بحث مُحكمة تهدف إلى التّحكّم الجيّد في مادّة البحث بحيث استهلّت بمقدّمة يليها ثلاثة فصول، الفصل الأوّل بمثابة الفصل النّظريّ، بينما الفصلان الثّاني والثّالث بمثابة التّطبيقيّ، وتندرج تحت الفصول الثلاثة عناصر خادمة لكلّ فصل.
  أمّا الفصل الأوّل جاء تحت عنوان "البلاغة والحجاج تكامل وتوجيه" تناولنا فيه المفاهيم العامّة للبلاغة والحجاج لغة واصطلاحا، والعلاقة بين الحجاج والبلاغة.
  أمّا الفصل الثّاني الموسوم ب "التّوجيه الحجاجيّ للبلاغة القديمة في سور فواتح لفظ الحمد" بدأناه بتعريف الحمد، وسور الحمد وبيان فضلها وعلاقة استهلالها بالحمد وتسمّيّتها وسبب نزولها وموضوعها، ثمّ بيّنا التّوجيه الحجاجيّ للبلاغة القديمة وتطبيقاتها في سور فواتح لفظ الحمد الذي ضمّ عنصر البيان الذي تفرّع عنه الاستعارة والتّمثيل والكناية ثمّ عنصر البديع تفرّع عنه الطّباق والجناس والمقابلة.
  وأمّا الفصل الثّالث الموسوم ب " التّوجيه الحجاجيّ للبلاغة الجديدة وتطبيقاتها في فواتح سور لفظ الحمد" فقد تتضمن حجج الوصل وحجج الفصل، ومن عناصر حجج الوصل، "وصل الحجج المؤسّسة على بنية الواقع" ويتفرّع عنها نوعان الأوّل "نوع الاتصال التّتابعيّ" الذي يضمّ: السّببيّ، التّبذير، الاتجاه، النّوع الثّاني "نوع الاتصال التّواجديّ" يضمّ: الشّخصّ وعمله، والشّخصّ والسّلطة.
  ثمّ "وصل الحجج المؤسّسة لبنية الواقع" ويندرج تحتها تقنياتها في الاستدلال بواسطة الحالات الخاصّة التي تضمّ تحتها: الشّاهد والمثال والقدوة، والعنصر الثّاني بواسطة التّمثيل، ثمّ تطرّقنا إلى حجج الفصل.
  وختمنا البحث بخاتمة ذكرنا فيها أهمّ النّتائج التي توصّلنا إليها خلال البحث وحاولنا فيه على الإجابة عن إشكاليّة هذا البحث.
  وقد اعتمدنا في إنجاز هذا البحث على مجموعة من المصادر والمراجع نذكر منها: القرآن الكريم برواية ورش عن نافع، وكتب التّفسير خاصّة صفوة التّفاسير لمحمّد علي الصّابوني، وتفسير البغويّ لابن الفرّاء، وتفسير السّعديّ لعبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ، ولسان العرب لابن منظور، والتّعريفات لعبد القاهر الجرجانيّ، والبيان و التّبيين للجاحظ، واللغة والحجاج لأبي بكر العزّاويّ، الحجاج في البلاغة المعاصرة لمحمّد سالم الأمين طلبة، الحجاج عند أرسطو لهشام الرّيفيّ، الحجاج أطره ومنطلقاته لعبد الله صولة، اللسان و الميزان لطه عبد الرّحمن، وكان أكثر مرجع نهلنا منه مادّتنا كتاب الأستاذ الدّكتور لزهر كرشو" تقانة التّحليل الحجاجيّ للخطاب".
  وككلّ بحث لابدّ له من صعوبات نذكر منها:


• قلّة الدّراسات في مجال بحثنا فيما تعلّق بالتّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ في القرآن الكريم، وذلك بسبب جدّة هذا الموضوع في الدّراسات العربيّة.


• صعوبة البحث في الدّراسات القرآنيّة فلا مجال إلا للعلم المستند على الأدلّة، والقول الذي يتحرّى أقصى درجات الصّواب، فلجأنا إلى كتب التّفسير للوصول إلى الفهم الصّحيح.


• صعوبة الإلمام بكامل الموضوع لتشعب محالات البحث فيه، والإيجاز والتّقديم فيه بحذر.


• في دراستنا التّطبيقيّة على النّصّ القرآنيّ وجدنا صعوبة في اكتشاف الحجّة والنّتيجة والتّوجيه الحجاجيّ فاعتمدنا على التّفاسير لاكتشاف التّوجيه الحجاجيّ للآيات القرآنيّة لتحرّي الدّقة والصّواب.
  ورغم هذه الصّعوبات فإنّنا وجدنا متعة في البحث عن الشّواهد الدّالّة على التّوجيه الحجاجيّ البلاغيّ ومقارنتها بالتّفسير واكتشاف وجودها.
  وفي الختام وجب أن نحمد الله عزّ وجلّ ونشكره على توفيقه لنا في إنجاز هذا العمل المتواضع، كما وجب علينا أن نقدّم عظيم شكرنا وتقديرنا للأستاذ الدّكتور الفاضل لزهر كرشو الذي تولّى هذا البحث بإشرافه وتوجيهه عندما كان فكرة، حيث قام بمساعدتنا في صياغة عنوان البحث، واعتنى بقراءته رغم مشاغله، ومنحنا من وقته دون صدّ أوردّ، وقد استفدنا من توجيهاته، ودقيق ملاحظاته الكثير، فجزاه الله عنّا كلّ خير. ونشكر كلّ من ساعدنا من قريب أو بعيد في إنجاز هذا البحث.
  نأمل أن يتحقّق في هذا البحث ما كنّا نصبو إليه، ونتمنى أن يكون فيه نفع وإفادة وإضافة في مجال الدّراسات الحجاجيّة.