Online English Summarizer tool, free and accurate!
طبقات المجتمع المصري القديم، حسب جون ويلسون، تشبه هرمًا، يتربع على قمته فرعون، متبوعًا بوزرائه، حكام الأقاليم، عمد المدن والقرى. اجتماعيًا، كان فرعون فوق النبلاء، الفنانين، التجار، العمال، والفلاحين. دينيًا، كان حلقة الوصل الوحيدة مع الآلهة، فوق الكهنة. لكن هذه الطبقات ليست متميزة تمامًا، فكبار الموظفين، النبلاء، الملاك، والكهنة كانوا في درجة واحدة أسفل فرعون مباشرة. في البداية، كان المجتمع من طبقتين: حاكمة (فرعون، أسرته، حاشيته، كبار موظفي الدولة، أمراء الأقاليم، وكبار الكهنة)، وعاملة (عمال الزراعة، الصناعة، الصيد، الملاحة، الرعي، الخدم، وغيرهم). يشير حكيم الثورة الاجتماعية "ايبو-ور" إلى تغييرات اجتماعية، حيث صعد الفقراء وغدت الطبقات العليا تعاني.
تطورت الأمور في الدولة الوسطى بظهور طبقة وسطى من صغار الموظفين، التجار، وأصحاب الحرف الممتازة. فرعون، رغم قدسيته، لم يكن معزولًا، بل كان مسؤولاً عن الدفاع عن مصر، الاستماع لشكاوى الناس، مراقبة موظفيه، تأمين وسائل الحياة، وحماية المدن من الفيضانات. كان بلاطه من أمراء الجيش وكبار الكهنة، مما يحد من سلطته. بعض النصوص تكشف عن مشاعر إنسانية لدى بعض الفراعين، مثل سنفرو، الذي وصف بأنه ملك محسن، يخاطب شعبه بـ"يا صاحبي" و"يا إخواني". نفريركارع، أيضًا، لم يترفع عن التعامل مع رعاه، ووثقت قصص عن تعاطفه مع وزرائه. كان للملك وضع خاص، لكن الزواج بين أفراد البيت الملكي والشعب يُبهم الحدود بين الطبقات.
الطبقة الحاكمة عاشت حياة ترف، لكنها كانت همزة وصل بين الملك ورعيته. كان لكبار الكهنة مكانة مميزة، وسيطروا على ثروات هائلة، خاصة كهنة آمون، الذين وصلوا لامتلاك ملكية خاصة، حتى سيطروا على الحكم بعد الأسرة العشرين. لم يكن هناك نظام طبقي صارم، فكان ابناء الفلاحين يصبحون فلاحين، لكن التسامح سمح بانتقال الأفراد بين الطبقات. أمثلة كثيرة على ذلك، كـ"ونى" الذي ارتقى من وظيفة صغيرة إلى منصب قيادي، و"نخبو" المهندس المعماري الذي تدرج في المناصب. ظهرت طبقة وسطى من صغار الموظفين، أصحاب الحرف الممتازة، والفنانين، مُقدرين لدورهم في الحضارة المصرية. كان رئيس كهنة منف رئيسًا للفنانين، بسبب دور إله منف "بتاح" كفنان بين الآلهة.
لم تكن حياة الفنانين والصناع بالضرورة ميسورة، لكنهم كانوا حلقة وصل بين الحاكمين والمحكومين. أرسل أولاد الطبقة الوسطى إلى مدارس حكومية ليكونوا كتبة، وكانت مهنة الكاتب تُعتبر راقية، كما يُظهر ذلك في وصية ختى بن دواوف لابنه ببى. لكن ازدهار الجيش في الدولة الحديثة أدى لانصراف الشباب عن الكتابة، فكتب الأدباء قصائد تحذر من الجندية وتُشجع على الكتابة. الطبقة الدنيا تضم التجار، العمال، الفلاحين، وأصحاب الحرف الصغيرة. التجارة الداخلية كانت محدودة، أما العمال فقد عملوا في المناجم، المحاجر، وبناء الأهرامات والمعابد. الدولة كانت تشرف على العمال وتضمن رعايتهم، وقد عُثر على مساكنهم قرب الأهرامات.
رغم جهودهم الضخمة، لم تكن حياة العمال ميسورة، لكنهم كانوا يحصلون على أجر، كما تُظهر النصوص المنقوشة على مقابرهم. تحسنت أحوالهم في الدولة الحديثة، فعمال الجبانة الملكية في طيبة كانوا ذوي مكانة خاصة، ويقسمون إلى فرق مع رؤساء وكتبة. كان العمل طوال السنة، مع عطلات شهرية وأعياد دينية، وكانوا يتقاضون أجوراً، مكافآت، ومخصصات. عمال دير المدينة في عهد رعمسيس الثالث أضربوا بسبب الأزمة الاقتصادية، وعجز الحكومة عن صرف رواتبهم، مما أدى إلى أول إضراب مسجل في التاريخ.
نجح العمال في تحقيق مطالبهم، لكن تكررت الإضرابات لاحقًا. أما الفلاحون، فكانوا أغلبية السكان، ومقسمين إلى ملاك أرضهم وأجراء عند فرعون أو النبلاء. كانوا يُنظر إليهم بازدراء، وكانت حياتهم صعبة، كما يتضح في خطاب يصف معاناة الفلاح من الحشرات، الحيوانات، واللصوص، حتى أنهم قد يُقتلوا أو يُسجنوا.
طبقات المجتمع المصرى القديم
شبه جون ويلسون الدولة والمجتمع المصرى القديم بالمهرم ، ثم وضع في أعلى الهرم ، هرم صغير مستقل ، رأى أنه يمثل الملك الذي يحتم فوق وزرائه ، الذين كانوا بدورهم فوق حكام الاقاليم ، الذين كانوا فوق عمد الميلاد والقرى ، ومن الناحية الاجتماعية كان فرعون فوق النبلاء الذين كانوا بدورهم فوق الفنانين وصغار التجار والعمال والفلاحين ، أما عن التنظيم الديني فكان فرعون هو حلقة الاتصال الوحيدة مع الآلهم ، وكان فوق الكهنة الذين كانوا بدورهم فوق الشعب.
وهذه التشبيهات الهرمية ليست في الحقيقة الا شيئا واحدا . لان كبار الموظفين والنبلاء وكبار الملاك والكهنة انما كانوا في درجة واحدة ، فقد كانوا جميعا يكونون الطبقة التى تلى فرعون مباشرة ، وكان ينيبهم عنه في تأدية المهام الخاصة به (۱) ، وهكذا كان المجتمع المصرى القديم يتكون في أول أمره من طبقتين بينهما فرق واضح ، طبقة عليا وهي الحاكمة . على رأسها فرعون وأسرته وحاشيته ، ومن حولهم كبار موظفي الدولة وأمراء الاقاليم وكبار الكهنة ، ثم طبقة دنيا وهي العاملة الكادحة تتكون من عمال الزراعة والصناعة والصيدين والملاحين والرعاة والخدم وجميع أصحاب الحرف الذين يعملون فى الخدمات العامة والخاصة وتشير آثار الادباء والحكماء وأصحاب التأملات الى هذا النظام الطبقى ، ومنهم حكيم الثورة الاجتماعية الأولى ايبو - ور» الذي حدثنا كيف ساد الوضيع على الرفيع ، وكيف أن الذين لم تكن لهم أسر معروفة قد أصبحوا من أصحاب اليسار ، وكيف أخذت محن الجوع والفقر بأبناء البيوتات من جميع أقطارهم ، يقول الحكيم المصرى انظر : لقد حدث هذا بين الناس : فمن لم يكن في قدرته أن يقيم حجرة أصبحالان يملك فناء مسورا ، انظر : ان النبيلات يرقدن الآن على الفراش الخشن ، والامراء ينامون في المخزن ، ومن لم يكن ميسرا له أن ينام على الجدران ، أصبح الان صاحب فراش وثير ، انظر : ان المرجل المغنى أمى يمضى ليله ظمآن ، ومن كان يستجدى بقية سؤره أصبح يمتلك جعة قوية ، انظر ، ان الذين كانوا يلبسون الملابس الفخمة أصبحوا الآن في خرق بالية )) (۳) ، ولعل هذا انما يشير إلى أن حكيمنا المصرى ربما كان من طبقة ارستقراطية ، ومن ثم فلم يكن من الهين عليه أن تزول المنعمة عنها الى غيرها أقل منها منزلة ومكانة في المجتمع المصرى القديم .
وتقدمت الحياة بالناس الى زمان الدولة الوسطى ، ونشأت بين المطبقتين المذكورتين طبقة ثالثة : هي الطبقة الوسطى ، طبقة حرة قوامها صغار الموظفين والتجار وأصحاب الحرف الممتازة ، واذا كان بعض الباحثين يحاول انكار هذه الطبقة ، فان منطق الحياة قد يحتم وجودها ، ذلك لاننا اذا سلمنا بوجود طبقة الاشراف الحاكمين من أعيان البلاد ووجهاتها وأصحاب الرأى فيها ، وسلمنا بوجود طبقة عاملة من الزراع والعمال الكادحين وأصحاب الحرف المختلفة ، فان منطق الاشياء يقتضينا أن نفترض وجود طبقة وسطى بين أولئك وهؤلاء ، والا فاين مضع صغار الموظفين وصغار رجال الجيش ومن يماثل أولئك وهؤلاء من الناس (1) ، ولنتحدث الآن عن طبقات المجتمع المصرى الثلاث :
الطبقات العليا كان على رأس هذه الطبقة فرعون الذي آمن المصريون القدامي . راغبين أكثر منهم مكرهين ، بأنه الله تكرم وأقام فوق أرض مصر ليحكم الناس بمقتضى الحق الالهى الموروث ، وليدبر أمورهم وفقا لمشيئة الله : غدانوا السلطانه في الدنيا وآمنوا باستئنافه فى الآخرة ، وكانوا يدعوه الاله الطيب في حياته ، والاله العظيم بعد مماته ، فهو الاله الصقر ((حور) الذي تجسم فى هيئة بشريه . ومن ثم فهو ، في نظر نظر رعاياه ، اله حي في شكل انسان ، يتساوى مع غيره من الآلهة فيما لهم من حقوق . فله حق الاتصال بهم ، كما له على شعبه ما لغيره من الالهة من التقديس والمهابة ، وفي الواقع أن هذا أمرا لم تنفرد به مصر بين بلاد العالم . وانما هو شيء كان يسود أمم الدنيا المعروفة في العصور القديمة ، أو یکاد .
على أن فرعون رغم هذه المكانة المقدسة التي كان يحتلها ، لم يعش في برج من عاج ، ولم يعزل نفسه عن شعبه ، بل كان شديد الاتصال به . ذلك أنه على الرغم من الحقوق التي كان يتمتع بها فرعون ، كان عليه عدة واجبات ، فهو المسئول عن الدفاع عن مصر وحماية حدودها من غارات الشعوب المجاورة والطامعة فى خيراتها ، ثم يستمع لشكوى الناس ، ويعنى بشئونهم ، ويهتم بمراقبة موظفيه ورعايتهم ، ويجزل المعطاء لمن أخلص منهم ، فأحسن وأجاد ، ثم هو يعمل على تأمين وسائل الحياة للمصريين بحفر الترع واقامة الجسور التيسير فلاحة الأرض وزراعتها ، كما كان عليه حماية المدن من غائلة الفيضان ، وتشجيع الصناع والفنانين ، فضلا عن القيام بواجبه نحو الآلهة ، فان أهمل ذلك حق للالهة ألا تعترف به كواحد منها ، فأما بلاطه فكان مكونا من حاشية كبيرة من عظماء أمته ، والمقدمين من أمراء جنده ، وكبار كهنته ، يستشيرهم في أمور دولته ، ويستعين بهم على تبرير شئون شعبه ، وهكذا يبدو واضحا أن الملكية ، وان أفاءت على الملك ثوبا من القداسة ، فقد حددت ، في الوقت نفسه ، من سلطانه ، بما فرضت عليه من واجبات ، كما سنشير إلى ذلك فيما بعد بالتفصيل .
هذا وقد كان للملك وضع خاص بين رعاياه ، ربما يبعده عن وضع الطبقات التي كان يتكون منها المجتمع المصرى ، فقد كان القوم يعتقدون أنه اله ، وليس بشرا ، ورغم ذلك فهناك نصوص ، وأن كانت نادرة ، الا أنها تكشف في ومضات قصيرة عما كانت تنطوى عليه نفس هذا الاله من مشاعر نبيلة ولمسات انسانية نحو رعاياه ، تبدو في بعض المناسبات فتومض كالبرق الخاطف وسط تكاليف الحياة الرسمية الصارمة ، فهناك نبوءة نفرتي» والتي تتحدث عن الملك سنفرو على أنه كان ملكا محسنا ، وأنه حين يخاطب أحد رجال رعيته يقول له (( يا صاحبي ) ، وحين يوجه حديثه إلى أحد رجال بلاطه مخاطبا اياهم بقوله «يا اخوانی» ثم حين يتنزل من عليائه الالهية ليقوم بعمل كاتب ، فيمد يده الى صندوق مواد الكتابة ويأخذ قرطاسا وقلما ومدادا ، ثم يدون ما تحدث به الكاهن المرتل «باست)) (٥) ، كل ذلك يجعل هذا الفرعون فريدا بين أقرانه .
وربما أراد نفرتى بذلك الدعاية لملك قادم يأمل القوم أن يكون على هذه الصفات ، وأن نفرتى قد ذكرها لتكون هديا للملك القادم في معاملة رعاياه ، قد يكون ذلك ، وقد لا يكون . ولكنها مع ذلك تشير ولو بطريق الاساطير الشعبية ، أن هناك من الفراعين من يعاملون رعاياهم بالمود والحنان ، ولعل هذا يفسر لنا أسباب تلك المكانة التي كان يحتلها سنفرو)) في نفوس رعاياه ، حتى استمرت عبادته في أكثر من مدينة مصرية حتى عصر البطالمة ، وقد احتفظوا له بذكرى طيبة ، ومن ثم فقد صورته آدابهم الشعبية متواضعا ، يميل الى المعرفة ويكرم العلماء ويحن الاستماع اليهم ، ويكتب بنفسه ، كما وصفوه بأنه « ملك . )1( )) فاضل
وهناك ما يروى عن ( نفر اير كارع ( ثالث ملوك الاسرة الخامسة من أنه لم يترفع عن أن يترضى أحد رجاله (رع ور) عندما لطمت عصا المفرعون ساقه عن غير قصد ، بل انه يأمر بأن ينقش ذلك على حجر يوضع في قبر ( رع ور ) وهناك قصة أخرى تبين مدى حزن الفرعون نفسه على مدى ما أصاب وزيره ) واش بتاح » الذي وافته منيته فجأة عندما كان فرعون يتفقد وربما يفتتح أحد المنشآت الملكية ، وأن الملك حول اسعانه ولكنه فشل ، ثم عاد الى حجرته يدعو ربه رع أن يشمل وزيره برحمته ، ثم سمح لمولده أن يسجل ذلك كله على قبره الذي منحه اياه (۷) ، وهناك كذلك فراعين كانوا يراسلون وزراءهم ويردون على رسائلهم بخط أيديهم ، ومن ذلك ما كتبه الملك « جد كارع ) ( اسيسي ) الى وزيره « شيسرع ) حيث يقول : « الحق أن رع أكرمني بأن وهبني اياك ) ، وإن رأى ( فيكتنيف ( في حدوث واقعتى « رع ور » و « واش بتاح » في عهد ملك واحد ) نفر اير كارع ) ما يدل على أن الفرعون مصلحة فيهما ، وأنه كان يود أن يتخلص من الرجلين ، فنخس أحدهما بعصاه التي ربما كانت مسمومة ، وسم الآخر بطريقة ما ، ثم أظهر حزنه عليه ، وان كنت أميل الى أن الحادثين لا يستحقان كل هذه موظفيه المعاملين والمقربين اليه بعد وفاتهم . التخمينات التي ذهب اليها ( فيكتنيف » ، وليس بدعا أن يكرم الفرعون
وأيا ما كان الامر ، فلقد كانت الطبقة الحاكمة ترتبط بالملك بروابط كثيرة ، ففى النصف الأول من الدولة القديمة كان الامراء يعينون في مناصب الوزارة ، وأكثرهم من أبناء الملك أو من ذوى قرباه ، كما حدثت مصاهرات بين أفراد البيت المالك وبين أفراد من الشعب ، كما حدث في زواج « بتاح شبس () من ( خع ماعة ( ابنة « شبسكاف ) (4) ، وزواج « ببي الأول » من ابنة أمير أبيدوس ، وهكذا فان وجود أبناء الملك وأقاربه يجعل الخط الفاصل بين الملك والطبقات الأخرى غير واضحالمعالم ، ولكن من ناحية أخرى ، فقد كانت الطبقة الحاكمة بمثابة همزة الوصل بين الملك ورعيته ، وأنها تمكنت من احتلال المناصب الكبيرة ، ثم الحصول على امتيازات كانت من قبل وقفا على الملوك دون سواهم (١٠) .
وكان هؤلاء الحكام ومن حولهم حاشيتهم من كبار الموظفين يعيشون عيشة ترف ورفاهية ، فيسكنون المدور الفخمة ، ويقتنون الضياع الواسعة ويقيمون الولائم المترفة ، ويتنقلون في محفات تحمل على أكتاف الرجال ، حتى اذا ما كانت أيام الدولة الحديثة (١١) . وعرفت مصر الخيل و العجلات استبدلوا بها المحفات وباتوا ينتقلون عليها ، ويمارسون فوقها ألوان المفروسية والصيد والرياضة ، ويستروحون عليها بين المزارع والحقول وعلى شواطىء النهر . وكان لكبار الكهنة مركزا ممتازا لدى الشعب ، وهيئة كبيرة ، وكانوا يبرعون كثيرا في اخضاع سلطان الدين لكثير من التأويل والتعقيد . ويحتفظون بأسرار تعاليمهم الدينية ، ويزعمون القدرة على استخدام السحر ، كما كانوا متبحرين فى العلم والمعرفة مما يسر أمورهم وسهل سيطرتهم على الشعب ، وزاد في هيبتهم وسلطانهم ، كما بلغوا جانب كبيرا من الثراء (۱۲) ، وبخاصة كهانة آمون التي تضخمت ثرواتها ، وبمرور الزمن تكونت فى مصر ملكية خاصة بالاله آمون ، منفصلة عن أملاك فرعون ، بل أنها لم تكن مقصورة على مصر وحدها وانما امتدت الى النوبة المتى كاد أن يصبح ذهبها وقفا على الاله آمون .
واستغل كهان آمون ذلك كله في توطيد سلطانهم ومضاعفة ثرواتهم، حتى بلغوا من ذلك ما لم يبلغه أمثالهم فى العالم المعروف وقت ذاك ، فنالوا نصيبا من الكنوز التي سلبت من العدو ، ومعابد بأوقافها من الاراضي في الاقاليم المستولى عليها ، هذا فضلا عن فرق من الأسرى لاعمال السخرة ، ومبان ملكية حول المعبد ، وطعت شهرة آمون فعمت البلاد ، بحيث لم يعد لارباب الاقليم شيء من قوة ، الا في بلاطه وتحت راینه (۱۳) ، حتى انتهى الأمر بكهانة آمون الى القبض على زمام الحكم في البلاد بقيام دولة الكهنة في أعقاب الاسرة العشرين (١٤) ، وان كانت هناك آراء تذهب الى غير ذلك (١٥) .
(۲) الطبقة الوسطى :
لم يكن هناك نظام طبقات صريح يظل فيه النبلاء والصناع و الفلاحون مرتبطين بطبقة معينة جيلا بعد جيل ، فكان المجتمع ينظم على تماس استمرار الاشياء الموروثة ، فيستمر ابن الفلاح ليكون فلاحا ، وتتوقع منه أن ينجب أبناء يعملون فلاحين ، والأمر كذلك في طبقة النبلاء. ولكن المصريين كانوا عمليين متسامحين ، ومن ثم فلم يجبروا شخصا على أن يظل أبد الدهر في طبقته التي توارثها اذا واتته الفرصة أو الضرورة تغيير ، ففى العصور التي نمت فيها الدولة وتقدمت كانت البلاد في حاجة تي خدمات الرجال ذوى المقدرة الذين يعتمد عليهم ، ففى مثل تلك تعصور يمكن أن يوجد الصناع بين الفلاحين ويصبح خدم المنازل عمالا حمن زمرة الارستقراطيين (١٦) . مهرة ، ثم يكافأون بالممتلكات والوظائف والمميزات ، ومن ثم يصبحون
وهناك أمثلة انتقل فيها بعض المواطنين من أشخاص عاديين الى طبقة خبار الموظفين في الدولة ، فهناك مثلا ( وني » الذي يفهم من نصه مشهور الذي تركه لنا على لوحة بقبره في أبيدوس (١٧) أنه نشأ نشأة مواضعة ، ثم استطاع أن يرتفع الى أحد المراكز المرموقة في البلاد ، ذلك أنه بعد أن خدم كموظف صغير في عهد ( تتى » مؤسس الاسرة السادسة ، ارتفع فى عهد « ببى الأول ( الى أن يصبح سميرا ، أو رجل بلاط مقرب ، وقد صحب هذا التشريف تعيينه في مركز كهنوتي في مدينة هرمه ، وسرعان ما كسب ثقة الملك الذي عينه عقب ذلك قاضيا ، وقد برز في هذا العمل فظهرت قدرته كمساعد للوزير ، ليستمع الى قضايا مؤامرة أفرخت في الحريم الملكى والمستة بيوت الكبرى (قضية الملكة ايمتس)، وحين أنهى هذا الواجب الهام أصبح القائد العام لخمس حملات جريئة أرسلها الملك الى آسيا ، واحدة منها كانت برية وبحرية معا ، حصر فيها عدود بين فكي الكماشة ، وقد كتب له فيها جميعا نجحا بعيد المدى في تاديب العصاة من سكان الرمال ، ثم أصبح فى عهد ( مرى أن رع ) حاكم الصعيد ، وأنهى حياته مؤدبا لابناء الملك ، ورفيقا في مخدعه (۱۸)
وهناك مثل آخر من حياة المهندس المعماري « نخبو » الذي يرون أن فرعون وجد فيه بناء جادا ، ثم رقاه الى وظيفة مفتش بنائين ثم مشرفا على طائفته ، ثم رفعه جلالته الى مصمم وبناء للملك ، ثم مصمم وبناء ملكى تحت اشراف الملك ثم رقاه جلالته الى وظائف الرفيق الوحيد ومصمم وبناء الملك في البيتين . لان جلالته كان يعطف عليه كثيرا (١٩) .
وسواء تمت هذه الترقيات بعطف من الملك ، كما يذكر نخبو ، أو بجدارة كل منهما ، أو حتى بالميراث ، وهذا ما لا ينطبق على « وني » على الاقل فان ذلك يدل على أن الوظائف انما كانت متاحة لكل من تتوفر فيه الصفات اللازمة لشغل هذه الوظائف ، مما أدى آخر الامر الى أن يرتفع بعض أبناء الطبقة الدنيا الى طبقة أعلى ، وفي عهد الدولة الحديثة نرى الكثير من نصوص الأسرة الثامنة عشرة يفاخر أصحابها بعصاميتهم. وبأن الواحد منهم انما قد بدأ وظيفته ( دونما تأثير من أقاربه » أو أنه من أسرة غير ميسر عليها في الرزق كما أنه لم يكن من أصحاب الجاه في مدينته )) .
وهكذا ظهرت طبقة وسطى قوامها الطبقة الوسطى من المواطنين ، فضلا عن صغار ملاك الأراضى الزراعية وأصحاب الحرف الممتازة وهؤلاء انما كانوا من الفنانين والصناع ، ولعل السبب انما يرجع الى حرفتهم نفسها وأهميتها بالنسبة للحضارة المصرية ، تلك الحضارة التي كانت فى أخص صفاتها حضارة فنية راقية ، وفنونها وصناعاتها هي أجل ما امتازت به ، حتى لا يعادلها ، فيما يرى البعض ، شيء من عقائدها و آدابها وعلومها ، ولو لم يكن الفنان والصانع موضع تقدير المجتمع وتشجيعه لكان من المستحيل أن يبلغا ذروة الابداع مع كثرة الانتاج ، كثرة لا يدانيها انتاج أية أمة أخرى ، وليس أدل على قيمة الفن والفنان من أن رئيس كهنة منف كان يعد في عهد الدولة القديمة رئيسا أعلى للفنانين ، ويحمل لقب المشرف العام على الفنانين ، ويبدو أنه كان فعلا يزاول هذه المهنة (۲۰) والسبب الذي جعل هذا الكاهن العظيم يشرف على رجال الفن أن الاله ( بتاح ( اله منف انما كان يعتبر بمثابة الفنان بين الالهة المصرية ، ومن ثم فقد تحتم على كبير كهنة هذا الاله أن يكون أكبر فنان فى مصر ، كما تحتم على كهنة آلهة الحق والعدالة أن يكونوا المشرفين على أعمال القضاء ، وقد استمر اشراف بتاح رب منف (۲۹) . كبير كهنة بتاح على أهل الفن فى مصر طوال العصور التي بقى فيها
كان المرجو أن تكون حياة الصناع والفنانين ميسرة ، جزاء لما أنتجوا من فن رائع ، ولكن ليس هناك من دليل على أنهم كانوا من أهل اليسار، وان لم يكونوا في معيشة ضنكا ، كبقية الطبقة العاملة ، وقد وضعهم جیمس هنری برستد ( الذى قسم المجتمع الى أمراء وعبيد ، بين هاتين المطبقتين ، ودعاهم بالطبقة الوسطى التي احتكرت الصناعات والفنون الجميلة وبرعت فيها كثيرا (۲۲) ، وقد كانت هذه الطبقة بمثابة حلقة اتصال بين الحاكمين والمحكومين ، فهي أصلا من المحكومين ، ولكنها تحتك كثيرا بالحاكمين بسبب طبيعة عملها ، فهى تحس بآلام المحكومين وما يلاقونه من شظف العيش وعنت الحياة ، وترى بأعينها ما ينعم به الثراة من القوم من متع الحياة وزخرفها ، وانني لاميل كثيرا الى أنها غالبا ، كغيرها من أبناء الطبقة الوسطى ، لم تفسد عن انغماس في الشهوات ، وهى فى نفس الوقت لم تذل عن فقر واطلاق ، ومن ثم فان الطبقة الوسطى فى كل الشعوب انما هي في الغالب تحمل سمات المجتمع وما فيه من نقائص وعيوب ، وكذا بما فيه من حسنات وأفضال .
هذا وقد دأب أهل المطبقة الوسطى على ارسال أولادهم في سن مبكرة الى المدارس التابعة لمصالح الحكومة وغيرها من مدارس اعداد الموظفين لتأهيل أنفسهم لمهنة الكاتب ، والحياة التي تقتضيها ظروف وظيفته ، وكان صغار الموظفين والكتبة الذين يعملون في الحكومة المركزية أو الادارات المحلية أو الضياع الكبيرة من أسعد أفراد الطبقة الوسطى حالا ، فهم أهل المعرفة والخبرة ، وأصحاب العلم والثقافة ، وبين أيدينا طائفة من التعاليم التي كان يوجهها الاباء الى الابناء ، يوضحون لهم فيها أن مهنة الكاتب مهنة راقية تفوق جميع المهن الأخرى ، ومنها وصية ختى بن دواوف ( الى ولده ببى» بثها اياه حسين صاحبه ليلحقه بالمدرسة ، فبين له فيها قيمة التعليم ، وما يمكن أن يكون له من نتائج
خطيرة في حياة الناس ، فهو يغريه بما ينتظره من مستقبل عظيم . وينبئه أن التعليم يؤهله لان يكون رئيسا لمجلس الاعيان ( مجلس الثلاثين ، والذي خلف مجلس عشرة الصعيد العظام ) ثم يصور له قبحالجهل ، ويغريه بالعلم ويحببه الى نفسه ، ويوصيه بأن « يضع قلبه وراء الكتب ( وأن ( يحبها كما يحب أمه » لأن مهنة الكاتب تفوق كل مهنة في هذه الدنيا ، مقدرا له أنه اذا بلغها فسوف يصبح من سعداء الدارين ، شارحا له أن المتعلم لن تستطيع الدولة أن تسخره في عمل شاق ، وانما يعفى من ذلك كله لانه متعلم ، ثم أخذ الرجل بعد ذلك يقبح لولده المهن الأخرى كصناعة النحاس والنجارة والتجارة والبستنة والفلاحة والدباغة وضرب الطوب وصيد الطيور وغسل الملابس وغيرها من الصناعات وفي تراث المصريين كثير من أمثال تلك الوصية ، وبخاصة في عهد الدولة الحديثة التي ازدادت فيها الحاجة الى الموظفين ، نظرا لاتساع الدولة في الداخل والخارج وتضخم أعبائها ، وحسين الهبت قصص البطولة نفوس الشباب بين أيدى الجنود العائدين من آسيا ، ودفعتهم الى الانخراط في صفوف الجيش ، انزعج أدباء العصر وأصحاب المعرفة والثقافة من اقبال الشباب على الجندية ، وانصرافهم عن صناعة الكتابة ، وأخذوا يسطرون القصار والطوال من المقطوعات الادبية ، يصورون فبيها الحياة الخشنة التي يحياها الجندي ، ويحذرون الشباب من الاندفاع في هذا السبيل ، ويرغبونهم في الوظائف الكتابية ، ومن ذلك ما جاء في بردية ( أنسطاسي » حين اخذ الكاتب يقبح كافة المهن ويعدد مساوئها ، ثم يختم حديثه بقوله ( بيد أن الكاتب هو الذي يرأس أعمال جميع الناس ، وهو معفى من الضريبة ، لانه يؤديها عملا عن طريق معرفته ولن يكون مستحقا عليه شيء ، وعليك أيها الكاتب أن تفطن الى ذلك وتنزع من فكرك أن الجندى أحسن حالا من الكاتب».
ويقول آخر لولده وهو يعظه ( أنظر ليست هناك طبقة غير محكومة أما الكاتب فقط فهو الذى يحكم نفسه ويقول آخر لولده كذلك وطن نفسك على أن تكون كاتبا حتى تستطيع أن تدبر أمور العالم كله » ،
وأخيرا ينصح شيخ ولده قائلا كن كاتبا لتعفى من السخرة ، وتحمى نفسك من كل عمل شاق ، فالكاتب يتخلص من العزق بالفأس ، ويكون في غنى عن حمل السلال ، أن مهنة الكاتب تخلصك من تحريك المجداف ولا تسبب لك هما ولا نكدا ، ولا يكون لك فيها رؤساء كثيرون ، واعلم أن مهنة الكاتب تكسب صاحبها غنى ومالا ، فالمتعلم يصبح عن طريق عمله ، ومهنته عظيما ، بل ان زينة صاحبها من أدوات وقراطيس انما تخلق البهجة والسرور ) الطبقة الدنيا :
وتشمل التجار والعمال والفلاحين وأصحاب الحرف الصغيرة كالنجار والحلاق والبستاني وصانع السهام وطواف البريد والدباغ والاسكافي وغيرهم ، أما طبقة التجار ، فالمقصود بهم هنا أولئك الذين كانوا يعملون فى التجارة الداخلية ، والتي كانت محدودة الى حد كبير، ولذا فان النصوص لا تتحدث عن التجار مما يدل على أن التجارة الداخلية في مصر القديمة ابان تلك الفترة لم تكن ذات أهمية ، اذ أنها لا تعدو المعاملات المحدودة والتي تجرى فى الاسواق المحية ، وقد رأينا حكيما ينصح ولده بألا يكون تاجرا يجوب الوادي متنقلا بين أقاليمه ومدائنه وقراه ، معرضا نفسه لاخطار الطريق وما يلقى في ذلك من أذى اليوام والحشرات ، في سبيل الحصول على ربح تافه يكاد لا يسم ولا يعني من جوع .
وأما طبقة العمال ، فهم الذين كانوا يعملون في المناجم والمحاجر وغيرها ، وفى بناء الاهرامات والمقابر والمعابد ، وكانت الدولة هي التي تحتكر استغلال ، المناجم والمحاجر ، وهي التي تشرف على العمال بطريقة تضمن العناية بهم والسهر على مصلحتهم ، فكانت تجند طوائف من العمال المختصين تحت اشراف رؤساء للعمال ومفتشين ، وتعمل على نقلهم تحت حماية جندها الى مقر أعمالهم فى الصحراوات المصرية ، وقد كان العمال يقسمون إلى فرق ثم الى زمر ، وكانت كل فرقة تحمل اسما معينا ، وكان هناك كاتب يسجل أسماء كل فرقة ، كما يسجل عملها وتاريخ انجازه ، هذا الى جانب مفتشين يمرون يوميا أو أسبوعيا، وقد عثر في منطقة الاهرام على مساكن للعمال الذين بنوا هذه الشوامخ وهي قاعات ضيقة طويلة يبلغ عددها قرابة المائة ، يتسع كل منها لنحو خمسين عامل (٢٥) ، وقد أسهمت طبقة العمال بنصيب واخر في بناء هذه الشوامخ من الاهرامات الخالدة والمعابد والمقابر البديعة ، مما يثبت تلك الانتصارات المادية التي لم يسبق لها مثيل ، ذلك لانه لم يوجد شعب آخر في بقاع العالم القديم نال من السيطرة على عالم المادة بحالة واضحة للعيان تنطق بها آثاره ، مثل ما ناله المصريون القدامي في وادي الليل ، فقد بنى القوم بنشاطهم الجم صرحا من المدنية المادية ظهر أن الزمن يعجز عن محره تماما (٢٦) .
غير أنه رغم هذا الجهد العظيم ، فان طبقة العمال لم تعش حياة تتفق والمجد الذي حققته للمدنية المصرية ، ربما كان النظام الدقيق الذي اتبع مع العمال قد أعطاهم بعض حقهم ، وضمن لهم ماكلا ومليسا ، وربما كانوا أحسن حالا من الفلاحين ، حتى أن حكيم الثورة الاجتماعية ( ايبو - ور ) عندما أراد أن يبين أن الصناعة قد تعطلت ، وأن الفنون قد أفسدها أعداء البلاد . انما يقول « حقا قد أصبح بناة الاهرام فلاحين ) (۲۷) ، وربما كان هذا دليلا على أن المشتغلين في بناء الاهرام من العمال أفضل حالا من المشتغلين بالفلاحة ، كما أنهم كانوا يأخذون أجرا في مقابل عملهم ، فهناك نصوص كثيرة نقشت على مقابر القوم تدل عباراتها على أن العامل أنما كان يعمل دائما بأجر ، ولا يجبره أحد على عمل يكرهه ، من ذلك ما نقرؤه على قاعدة تمثال جنزى لقد طلبت إلى المثال أن ينحت لى هذه التماثيل ، وكان راضيا عن الاجر الذي دفعته له ) .
ويقول مدير ضيعة يدعى ((منى)) من الاسرة الرابعة «أن كل رجل عمل في تشييد قبرى هذا ، سواء أكان صانعا أو حجارا فلقد أرضيته عن عمله )) ، مما يشير الى أن كلا من هذين الرجلين انما اراد أن يعلن أنه قد حصل على معداته الجنزية من طريق شريف ، وأن كل من عمل في اعدادها قد أخذ أجره ، كاملا غير منقوص ، ومنها ما نقرؤه جميع من عملوا في هذه المقبرة قد نالوا أجرهم كاملا ، من خبز وجعة وثياب وزيت وقمح ، وبكميات وافرة ، كما أنى لم أكره أحدا على العمل ، ، هذا فضلا عن أن الملك (منكاورع) كان قد أمر بناء مقبرة لأحد رجال بلاطه ، وقد عمل فيها خمسون عاملا ، وقد جاء في النص الذي يروى هذا الحادث أن فرعون أمر ألا يسخر أحد في هذا العمل فضلا عن عدم اكراه العمال في أي عمل) (۲۸) .
وهناك ما يشير الى أن أحوال طبقة العمال انما قد تحسنت كثيرا في الدولة الحديثة ، فقد كان عمال الجبانة الملكية في طيبة الغربية يتكونون من مجموعات خاصة من الرجال الذين عاشوا ، وكذا أسلافهم من قبل ، لعدة أجيال مضت فى نفس القرية بجبانة طيبة يعملون في نحت وزخرفة مقابر الفراعين ، الذين كانوا يعتبرون عملهم هذا في منتهى الاهمية ، فقد كان من أهم الأهداف التي كان القوم يعيشون من أجلها، اعداد حياة الفرعون الخاصة بعد الموت ، بصفته (( الآله الطيب » بين الآلهة العظام ، ومن هنا فقد كان هؤلاء الرجال الذين يؤدون هذه المهمة العظيمة أبعد ما يكونوا أقل رعايا الفرعون حظا ، بل أن من المشرفين على بناء المقابر الملكية من وصل الى مركز هام في الدولة (٢٩) .
وعلى أى حال ، فلقد كان هؤلاء العمال يقسمون الى فرق ، كل فرقة تنقسم الى قسمين، على رأس كل منهما مقدم عمال ، كان يلقب كبير الفرقة أو الجانب ) ، وكان لكل مقدم وكيل يعاونه في مهمته ، كما كان هناك كاتب يحتفظ بسجل يسجل فيه ما أنجز من العمل ، فضلا عن أسماء العمال الذين تخلفوا وأسباب تخلفهم ، وكان الكثير منهم مثال الجد والاجتهاد ، يكاد الواحد منهم لا يتخلف يوما طوال أيام السنة ، على حين جانب البعض التوفيق ، فانقطعوا أكثر من نصف شهر ، وكانت أعذار التخلف كثيرة كالمرض ولدغة العقرب ، وان كنا نجد في القليل النادر الكسل قد ذكر أمام بعض الاسماء ، وهناك عدد من العمال كانوا أتقياء ورعين ، ومن ثم فقد تغيبوا بسبب تقديم القرابين للالهة ، كما كان انحراف مزاج الزوجة أو الابنة سببا كافيا ، وأن يكن غريبا ، يسوغ أحيانا التخلف عن العمل .
هذا وقد كان من المتبع أن يستمر العمل طوال أيام السنة ، ويمنحالعمال في كل شهر ثلاثة أيام كعطلة ، كانت تقع في اليوم العاشر والعشرين والثلاثين من كل شهر ، كما كان العمال يمنحون أجازات في المناسبات الخاصة بالاعياد الكبرى للالهة الرئيسية ، كانت كثيرا ما تصل الى أيام متتالية ، وكان العمال يأخذون أجرهم على عملهم حبوبا ، من قمح أو شعير ، فضلا عما كانوا يتقاضونه من تعينات منتظمة ، فقد كانو يمنحون من وقت لاخر ، وفى مناسبات خاصة مكافآت من فرعون ، وتشمل النبيذ والملح والنترون ( وكان يستخدم بدلا من الصابون ) ، وجعة آسيوية مستوردة ولحوم ، فضلا عن بعض الكماليات الأخرى المتشابهة (٣٠) .
وهكذا يمكن القول أن هؤلاء العمال لم يكونوا مسخرين في العمل في المقابر الملكية ، وانما كانوا يعملون لقاء أجر ، ويمنحون المكافآت في المناسبات الرسمية ، كما كان البعض منهم يتخل لاسباب مختلفة ، بل اننا نرى الفراعين يفخرون بمعاملتهم برفق وسخاء ، فها هو (( سيتي الأول ) من الأسرة التاسعة عشرة يحدثنا عن بعض عماله ، من أن كلا منهم انما كان يتقاضى أربعة أرطال خبز ، وحزمتين من الخضروات ، وقطعة من اللحم المشوى كل يوم ، وثوبا من الكتان النظيف مرتين كل شهر (۳۱) : وفى المواقع ان كان ما يقوله ( سيتى الأول ) صحيها ، لكان عماله يعيشون فى مستوى قد لا يقل كثيرا عن مستوى العمال في العصر الحديث .
ولعل من الأهمية بمكان الاشارة الى أن الوثائق لم تحدثنا عن شكيات من التعيينات أو تأخر الرواتب قبل أخريات عهد رعمسيس الثالث ، وربما كان ذلك بسبب الازمة الاقتصاديية التي كانت تعانيها الميلاد، وربما بسبب عدم أمانة الموظفين ، وربما بسبب تلك المنازعات السياسية التي بدأت تظهر فى أخريات أيام رعمسيس الثالث (۳۲) ، وان ذهب البعض الى أن السبب انما كان وباء عاما اجتاح البلاد ، مما جعل الحكومة تفشل في أن تمد عمال دير المدينه بطيبة العربية بمخصصاتهم (۳۲) ، الأمر الذي جعلهم يقومون باول اضراب وصلتا أخباره في التاريخ ، ذلك أنه فى اليوم العاشر من الفصل الثاني من الشهر الثاني من العام التاسع والعشرين من عهد رعمسيس الثالث اخترق فريق من العمال فى الجبانة الاسوار الخمسة صالحين نحن جياع ، وتجمهروا خف معبد تحوتمس الثالث الجنازي ، ولم يعودوا الى منازلهم الا عندما حل الليل ، رغم الوعود بأن أمرا من المفرعون قد صدر باجابة مطالبهم ، وفى اليوم التالى تقدموا حتى بوابة الحدود الشمالية لمعبد الرمسيوم ، ولكنهم فى اليوم الثالث وصلوا الى المعبد نفسه وقضوا الليل في فوضى عند بوابته ثم دخلوا المعبد نفسه .
وعندئذ تطور الموقف فأخذ مظهرا خطيرا مهددا ، فقد كان العمال المضربون مصممين على موقفهم ، لكنهم لم يخرجوا على النظام ، وكان هجومهم على المكان المقدس ذا أثر فعال ، واضطرت السلطات المسئولة الى تهدئتهم ، فأرسلت اليهم ضابطين من الشرطة ، كما عمل كهنة الرمسيوم على تهدئة الأمور ، واجابهم المضربون «لقد أتينا الى هنا بسبب الجوع والعطش ، حيث لا يوجد لدينا ملابس أو دهان أو سمك أو خضروات ، ألا فلترسلوا الى فرعون سيدنا الطيب بذلك ، واكتبوا الى الوزير الذي يشرف علينا ، افعلوا ذلك لنعيش ) ، ثم صرفت لهم مخصصات الشهر السابق في ذلك اليوم (٣٤) .
وهكذا نجح العمال في تحقيق أهدافهم ، وعلمتهم التجربة ألا تثنيهم الترضية الجزئية عن وصولهم الى حقهم كاملا ، وطالبوا بأن تدفع لهم مخصصاتهم عن الشهر الحالي ، الأمر الذى تم في اليوم الثامن من الاضراب ، وتهدأ الاحوال الى حين ، حتى اذا ما أتى الشهر التالي ، ورأى العمال أن أجورهم لم تصرف لهم ، أضربوا عن العمل واخترقوا الجدران وجلسوا فى الجبانة ، وحاول الموظفون اعادتهم ، ولكن الصانع موسى بن عاعخت ( أقسم بآمون وبالفرعون ألا يعود ، فاضطر الموظفون الى ضربه، ذلك أنه تجرأ فحلف باسم الفرعون هنا ، وأدى ذلك الى ثورة العمال ، ودفع بهم غضبهم الى تهديدهم لرؤسائهم واتهامهم بعش الملك (٣٥) ، وتهدأ الاحوال قرابة الشهرين ، وعاد العمال الى الثورة من جديد ، واخترقوا الاسوار ، وبينما كانوا متجمهرين خلف معبد با آن رع مری آمون» (معبد مرنبتاح الجنزي) من عمدة طيبة الغربية فشكوا اليه حالهم ، فأمر بأن تصرف لهم خصين غرارة من الحبوب ، حتى يصرف لهم فرعون مخصصاتهم ، غير أن كبير كهنة آمون سرعان ما اتهم العمدة بأنه أخذ قرابين معبد رعمسيس الثاني ليطعم المضربين ، ثم وصف عمله هذا بأنه الجريمة كبرى وأما طبقة الفلاحين التي أريد لها أن توضع في القاع من هرم المجتمع المصرى القديم ، هذه الطبقة كان المرجو لها في بلد يعتمد ، أول ما يعتمد ، فى موارده الاقتصادية فى الزراعة . أن تحتل مكانة لا يتطول اليها صاحب حرفة أخرى ، غير أن الفلاح هو الذي لم يتطاول إلى مكانة غيره من أصحاب الحرف الاخرى ، كان حظه في الحياة أقل من حظ غيره ، وكانت الفرص المتاحة له أقل بكثير من الفرص المتاحة للصانع أو حتى خادم المنزل أو العبد الخاص بالنبيل ، ومع ذلك فقد كان هو العنصر الاساسي في اقتصاد البلاد .
فيه عن وكانت نظرة المجتمع اليه على أنه انسان بائس لا يستحق سوى المرتاء ، فهناك خطاب سجله أحد الكتاب الى تلميذ له متحدثا نصيب الفلاح من الحياة ، جاء فيه لقد سرق الدود نصف الحبوب .
ثم أكل فرس النهر النصف الآخر ، هناك عدد لا يحصى من الفيران تسعى فوق الحقول ، كما هبطت جحافل الجراد . أما الماشية فهي تأكل ، والعصافير تسرق ، ولكن واحسرتاه على الفلاح فمما بقى له من حبوب على أرض الجرن قد سرقها اللصوص ، كما نفقت ثيرانه من الدرس والمحرث ، ثم وصل الكاتب بسفينته الى الشاطىء وهدفه أن يتسلم المحصول ، وقد حمل موظفوه عصيهم ، في حين أمك الزنوج بمقارعهم ، وكلهم يقولون له : اعطنا الحبوب ، فاذا لم تكن هنك حبوب ضربوه وقيدوه وقذفوا به فى القناة فيغرق ، أما امرأته فهى تقيد أيضا أمامه ، أما أولاده فيربطون ويتركهم جيرانهم ويولون الادبار، ويسرعون لكي يحافظوا على حبوبهم)) (۳۷) .
وهكذا كان الفلاحون ، كما هم الان ، يؤلفون الغالبية العظمى من الشعب ، وقد كانوا فريقين ، الواحد يمتلك أرضه وحقله ، والآخر أجير عند فرعون ، بادىء ذي بدء ، ثم عند النبيل أو حاكم الاقليم ، حين شارك هؤلاء سيدهم فى الغنيمة ، أما الفريق الأول فهم يملكون أرضهم
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
يتفق الباحثون بشكل عام على أن تنمية مهارات إدارة المعرفة تتطلب التفاعل المشترك بين الأفراد واستخدام ...
بما أن الفلسفة والعلم حقلان معرفيان مختلفان، ولكل منهما خصائص تختلف عن الآخر، فقد برزت الدعوة الى ا...
1-بذلت أنا والأم جهود لا تقدر بثمن لتلبية احتياجات أبنائنا الاثنين عبدالله واليازية وبالإضافة إلى ت...
With such sadness occupying her thoughts,Erika, a poor single mother of two, struggles to sleep at n...
1. طوير برامج متكاملة: ينبغي تصميم وتصميم برامج تأهيل متكاملة تشمل التعليم والتدريب المهني والفنون، ...
تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الدول في العالم العربي والإسلامي، حيث تحتل موقعًا جغراف...
This study explores university students' experiences and perceptions of using artificial intelligenc...
1 تجارب تهدف الى اكتشاف الظواهر الجديدة 2 تجارب التحقق تهدف لاثبات او دحض الفرضيات وتقدير دقتها 3 ال...
علق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، على صورته المتداولة والتي أثارت الجدل برفقة نظيره الإثيوبي آبي...
تعاني المدرسة من مجموعة واسعة من المخاطر التي تهدد سلامة الطلاب والطاقم التعليمي وتعوق العملية التعل...
يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...
تعريف الرعاية التلطيفية وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...