Lakhasly

بعد الوقوف على ظاهرة المشترك النحويّ وبواعثها في القرآن الكريم بعامة، وتفسير "البحر المحيط" بخاصة، تأتي الباحثة على مجموعة من النتائج التي خلصت إليها، فتوردها في نقاط تجمع من خلالها أشتات الموضوع، وتوضّح أهمّ معالم ما أتت عليه، وما انتهت إليه:
أولها: كان لأبي حيّان منهجه وتفرّده في تفسير آيات القرآن الكريم، وهذا مردّه إلى سعته المعرفيّة الّتي ساعدته على الاجتهاد والاستقلال بالرّأي؛ ممّا شكّل لديه طابعًا نحويًّا خاصًا، إذ كان لا يأخذ بالشّاذ والنّادر الّذي يذهب فيه إلى التأويلات والتّعقيدات، فكان يأخذ الكلم على ظاهره، ويترك ما لا داعي له، ويعلّل ذلك في كل حين بأنّه كلام الله لا يؤخذ إلا على أحسن وجه وأتمه وأقربه.
الثاني: ضرورةُ المعرفة بقواعد النّحو بخاصة، واللغة بعامة، إذ أنَ لذلك أثرًا جليًّا في الوقوف على ظاهرة تعدّد المعاني، لا سيّما إذا كان الأمر متعلّقًا بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ. فالإعراب يفضي إلى معرفة المعنى الّذي يشتمل عليه النصّ؛ فهو المبيّن للمعاني النحوية في أحيان، والمجلّي للّبس فيها، وهو الموضّح لأغراض المتكلم؛ لذا نجد المفسّرين يشيرون إلى الحالات الإعرابيّة المحتملة للآيات القرآنية، والتّي من خلالها يبرز الاختلاف فيما بينهم، لذلك عدّ علم النّحو والإعراب شرطًا أساسيًا للعاملين في تفسير القرآن الكريم؛ فبه تتوضّح المعاني، وتدرك المقاصد، ويسلم من اللّحن.
الثّالث: تأتي هذه الدّراسة على أمثلة جزئيّةٍ تنبني عليها مقولاتٌ كليّةٌ مختارة برزت من خلالها ظاهرة المشترك النحويّ في التنزيل العزيز، ولم تأت على جميعها؛ فقد سعت الباحثة إلى استشراف أجلى المواضع وأوضحها لتمثيل الظاهرة؛ لأنّ الغاية من الدراسة لم تكن إحصاء الظاهرة، بل البحث في تجلّيها في القرآن الشريف من خلال تفسير البحر المحيط فقط.
الرابع: اجتمعت في هذه الدراسة بواعث الاشتراك النحوي الّتي خاضت الباحثة غمارها، الّتي أدّت إلى تخلّق ظاهرة تعدّد المعاني النحوية، وهذه البواعث تلخّصت في تعدد باب القول على موضع المفصل الصوتي، فقد يتمّ الوقف على كلمة دون أخرى، فتتعدد وجوه الإعراب، ويتغيّر القصد، وتتكاثر المعاني النحوية، والأعاريب، أو أن يتم الوصل فيكون إعراب آخر ومعنى آخر. كما أنّ خفاء العلامة الإعرابية في أواخر الكلم يجعلها في الغالب مشتركًا نحويًا في سياق التركيب، ولا يمكن نسيان ما للتّقديم والتأخير من دور في استشراف ظاهرة المشترك النحوي، وكذلك يؤدّي الحذف دورًا آخر في تخلّق الظاهرة، فتقدير عامل أو معمول محذوف يسهم في أن يتعدّد المعنى الإعرابي والسياقي للكلام، كما أنّ إضافة المصدر إلى الاسم لها أثرها في وجود هذه الظاهرة؛ إذ يجعل التّركيب حمّالًا لمعنى الفاعليّة أو المفعوليّة، خالقًا بهذا تعدّدًا دلاليا نحوا ومعنًى.
الخامس: إن تضافر المستويات اللغويّة وتعالقها في السياق التركيبي يعدّ من البواعث الرئيسة في تولّد ظاهرة الاشتراك النحوي، حيث إنّ موضع الباعث الواحد على تخلّق الظاهرة يتداخل؛ فالحديث عن مرجع الضمير، أو صاحب الحال، أو التقديم والتأخير، أو...
كل ذلك من البواعث المؤذنة بنشوء تعدد المعاني عامة، والمشترك النحوي الآتي من التعلّق خاصة.
السادس: بالغ بعض النحاة ومعربي القرآن في التأويلات والتعقيدات في بعض المواضع في القرآن الكريم، اجتهادًا منهم وبحثًا عن التفرّد، لكنّ أبا حيّان كان يردّ كثيرا من تلكم الوجوه، لأنّ الكلام يؤخذ على ظاهره، فهو يأخذ كلام الله على الظاهر؛ يقينًا منه بأن الله لم يأت بكلامه إلا في أحسن صورة وأجلاها.
السابع: تذهب الباحثة إلى أنّ القول بعدم اهتمام علم النّحو بالمعنى، وأنه يهتم بدراسة حركات الإعراب فقط، أمر غير صحيح، بل هو قول مجحف في حقّ العربية والنحويين والمفسرين؛ وقد تأكد من خلال الدراسة أنّ الإعراب له دور بارز في تبيين معاني الكلام ومقاصده في القرآن الكريم، وأنّ من يجهله يقع في اللّحن، وإلباس الكلام بغيره، وبالتّالي تحريف المعاني والمقاصد.
وأختم قولي بأنّ هذه الدّراسة جاءت مجّلّية لظاهرة مهمة في اللغة العربيّة بعامة، وفي القرآن الكريم بخاصّة، وقفت من خلالها على أمثلة دالّة على ظاهرة المشترك النّحوي في تفسير البحر المحيط، فأحمد الله تعالى الّذي وفّقني لإتمامها، فإن قد قصّرت فمن نفسي، وإن أصبت فهو بتوفيق الله تقدس اسمه، وتعالى جده، والحمد لله في بدء وفي ختم.
التّوصيات
من اهمّ التّوصيات الّتي ترى الباحثةُ ضروة الأخذ بها في هذه الدّراسة هي:
• إنّ لارتباط النّحو بالتفسير علاقةٌ وثيقة بتخلّق ظاهرة الاشتراك النحويّ، وأثر ذلك في المعنى.
• لأبي حيّان تفرّدُهُ وطابعه الخاصّ في تفسيره لآيات الذّكر الحكيم.
• أخذ الكلَم على ظاهره في تفسير القرآن الكريم، هو الأفضل والأسلم؛ وذلك لئلّا يُحمَّلَ النّص أكثر من طاقته.
• ليس شرطًا أن يُقبَلُ كلّ رأيٍ أو اجتهاد للنّحاة في إيجاد عدّة احتمالات نحويّة للكلمة أو التّركيب في التّنزيل العزيز.