2020 / 2021 من اعداد االستاذ ع تملعاغيت3
تمهــــــــــــيد
يتعين على الباحث االحصائي الوصول الى نتائج دقيقة في تحليل البيانات االحصائية
و هذا من خالل جمع هذه البيانات بطريقة او بأسلوب علمي و صحيح و هي من اهم
المراحل التي يعتمد عليها االحصائي كما يستوجب عليه االلمام بالنقاط التالية
1 ـــ مصادر جمع البيانات االحصائية
هناك مصدرين للحصول على البيانات االحصائية و هما
1 ـــ 1 ــ المصادر االولية لجمع البيانات االحصائية:
المصادر االولية تعتبر المصادر المباشرة لجمع البيانات االحصائية اي ان
الباحث يقوم بنفسه بجمع البيانات في المفردة او الوحدة محل البحث مباشرة
مثال عندما يقوم الباحث بجمع البيانات حول االسرة فانه يقوم بإجراء مقابلة
مباشرة مع رب االسرة للحصول على معلومات مباشرة على االسرة منها
المنطقة التابع ا لها ، الحي ، المسكن ، الجنسية ، المهنة ، الدخل الشهري ،
عدد االوالد ، المستوى التعليمي ، عمل الزوجة
كما يتميز هذا النوع من المصادر بالدقة و الثقة الن الباحث هو بنفسه الذي يقوم
بجمع البيانات من الوحدة محل الدراسة مباشرة و الشيء الذي يعاب عليها انها
تحتاج الى الوقت و جهد كبير كما انها مكلفة من الناحية المادية
1 ـــ 2 ــ مصادر الثانوية لجمع البيانات االحصائية
هي مصادر يأخذ منها الباحث البيانات االحصائية بطريقة غير مباشرة كما يتم
الحصول على البيانات االحصائية عن طريق وساطة اي اشخاص اخرين او هيئات
رسمية او اجهزة متخصصة مثل نشرات وزارية و نشريات مصالح االحصاء
المديريات الوالئية و المنظمات الدولية مثل من منظمة التغذية و الزراعة و من
ميزات هذه المصادر هو توفير الوقت و الجهد و المال إال ان درجة الثقة ليست بنفس
درجة ثقة المصادر االولية
2 ــ اسلوب جمع البيانات االحصائية :
يمكن للباحث االح صائي ان يحدد اسلوب او طريقة جمع البيانات حسب الهدف من
الدراسة مثل حجم المجتمع االحصائي او حجم العينة االحصائية او حجم البيانات
محل البحث و ه ناك اسلوبين لجمع البيانات االحصائية و هما
محاضرة رقم : 02
سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
من الميلاد إلى البعثة
أشرنا –فيما سبق –إلى أن الكتب السماوية قد بشرت بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته ، وهو ما يؤكد وحدة المصدر الديني للعقائد كلها (التوراة والإنجيل والقرآن ).
أولا: الميلاد والنسب والرضاع :
بعد شهرين من حادثة الفيل، أذن الله عزو جل بمولد خير إنسان وجد على الأرض ، في يوم الأثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 571م هو محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للناس -صلى الله عليه وسلم -.
نسبه الشريف ،هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (شيبة) ، ابن هاشم بن عبد مناف (المغيرة ) ، بن قصى ، (زيدًا) ، بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
يقول الإمام ابن القيم " إلى هاهُنَا –يقصد النسب لعدنان –معلوم الصحة مُتفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق " عدنان "مختلف فيه .ولا خلاف بينهم أن "عدنان "من ولد إسماعيل ".
اختاره الله عزوجل من أزكى القبائل و أفضل البطون فقد روى مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "
وعن نسبه قال أبو سفيان لما سأله هرقل ملك الروم : "كيف نسبه فيكم ؟ فقال أبو سفيان "هو فينا ذو نسب ، قال كذلك الرسل تبعث في أنساب أقوامها "
سماه جده محمدا تيمنا بأن يكون محمود الذكر والسيرة، وقد قيل بأنه سمع من النصارى وهو في الشام بأنه سيخرج نبي في جزيرة العرب اسمه محمد فرجي من ذلك فسماه، إذ لم تكن تعرف العرب اسم محمد .
ولأن والده توفي قبل ولادته ،فقد اعتنت به أمه وحرصت على رعايته لما أملت فيه من خير ، وكان أيضا تحت عين جده عبد المطلب .
أرسلته إلى البادية على عادة العرب للرضاعة ، وليشبوا وقد تربوا على حياة الجد والعمل ،مع صفاء بيئتها ونقاء هوائها، وكان من حظ حليمة من قبيلة بني سعد بن بكر ، التي اعترضت في بادئ الأمر على رضاعته وليتمه وفقر أمه ، ولكنها رجعت وأخذته ، فكان بركة عليها منذ أن انطلقت من مكة إلى ديارها ، مما جعلها تتوسل أمنة لترجعه معها بعد انقضاء الأجل المتفق عليه ، فوافقت أمه وعاد إلى البادية .
ثانيا: حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم :
- حدثت له وهو ابن خمس سنين وهو في بادية بني سعد كما في صحيح مسلم .
- ويقول عنها أنس بن مالك رضى الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة .على أنه رأى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم .
وقد رويت هذه بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك فيما رويه مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرجه ، فاستخرج منه علقه فقال هذا حظ الشيطان منك ،ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده إلى مكانه . وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – مرضعته – ينادون: أن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون ،وحكى لهم قصته فرجعا به إلى أمه أمنة التي استغربت إرجاعهما له بعد إلحاحهما على أخذه ،فلما أصرت عليهما قصا عليها القصة فقالت: "والله لن يصيبه مكروه"
ثالثا :وفاة أمه وكفاله جده عبد المطلب ثم عمه أبوطالب :
توفيت أمه أمنة وهو ابن ست سنين .
كفله جده أبو طالب الذي توفى بعدها بسنتين .
ثم كفله عمه أبو طالب وبقي في رعايته ، وحماه إلى السنة العاشرة بعد البعثة .
ظهر متخلقا ، لا يزاحم على طعام ، ولا يلعب لعب الأطفال ، ولا يظهر عليهم طيشهم .
كان يعين عمه في قضاء حوائجه ، مما جعل عمه يصطحبه معه ، بل ويجلسه مجالس القوم ، ويقربه إليه ويفخر به .
رابعا : أول خروج له من مكة مع عمه للتجارة وقصته مع بحيرا الراهب :
- ولما تم له صلى الله عليه وسلم من العمر اثنتا عشرة سنة ، سافر عمه أبو طالب إلى الشام في ركب للتجارة ، فأخذه معه .ولما نزل الركب "بصرى" مرّوا على راهب هناك يقال له "بحيرا" وكان عالما بالإنجيل خبيرا بشئون النصرانية وهناك أبصر بحيرا النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يتأمله ويكلمه ،ثم التفت إلى أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ فقال : ابني ، وكان أبو طالب يدعوه بابنه لشدة محبته له وشفقته عليه فقال له بحيرا ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام حياً ،فقال :هو ابن أخي ،قال :فما هو أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به ،قال بحيرا : صدقت فارجع به بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه هنا ليبلغنه شراء ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ،فأسرع به أبو طالب عائدا إلى مكة .
- وأهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه موجود عندهم في كتبهم بأوصافه الخلقية والخلقية ،إذ روى القرطبي وغيره أنه لما نزل قول الله تعالى (الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وأن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) سأل عمر بن الخطاب عبد الله بن سلام رضي الله عنهما وقد كان كتابيا فأسلم ،أتعرف محمدا كما تعرف ابنك ؟فقال : فقال نعم وأكثر .بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته أما ابني فلا أدري ما الذي قد كان من أمه.
- من بين ما روج له المستشرقون مشككين في أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ تعاليمها من النصارى ، وذهب الكثير منهم إلى أن بحيرا الراهب ولقاؤه معه ، كان من بين المصادر التي أخذ منها رسول الله تعاليمه ،وهذا يدل على حقد دفين للإسلام ، وبحث عن أي شيء يجعلهم يتهمون الإسلام ورسوله ، ولعل أبسط الناس عقولا لا يصدق أن أميا لا يقرأ ولا يكتب يأخذ تعاليم دين كامل في جلسة من دقائق معدودات .
- ثم إن الإسلام لم يكن صورة مستنسخة عن النصرانية بل ناسخة لها لعقائدها مؤسسة لشريعة جديدة مغايرة تماما لما كان عليه النصارى ،بل فاضحة لهم ولليهود كاشفة عن زيفهم و تحريفهم وكفرهم وداعية لهم للدخول في دين الله الحق دين الإسلام .
-كسب الرزق :
- ثم أخذ الرسول يستقبل فترة الشباب من عمره ، فبدأ بالسعي للرزق وراح يشتغل برعي الغنم ، ولقد قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه فيما بعد فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله نبيا إلا رعي الغنم فقال :أصحابه وأنت فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " وهو بهذا يُعَودُ نفسه على تحمل المسؤوليات ، وتحمل أعباء العمل لتحصل لقمة عيش طيبة بدل الاتكال على الغير بحجة اليتم أو غيرها.
-زواجه من خديجة رضي الله عنها .
كانت خديجة ابنة خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه ،فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته وكرم أخلاقه ، بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في ما لها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة ..ولما رجع رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى مكة ، وقد رجع بربح وفير ومع ما قصة عليها ميسرة من جميل أخلاقه ، وحسن تصرفه وتجارته سرت لذلك كثيرا ، وكان سببا في أن تعرض نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج ، فقبل وتم زواجه بها وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا ،وأعظمهم شرفاً ،وأكثرهم مالاً. وقد رزق الرسول منها كل الأولاد سوى إبراهيم الذي كان من أم المؤمنين مارية القبطية وكان أولاده منها : القاسم وبه يكنى ، ثم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، وعبد الله ويلقب بالطيب والطاهر ، ومات بنوه كلهم في صغرهم ، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام ، فأسلمن وهاجرن ، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى فاطمة رضى الله عنها ، فقد تأخرت بعدة أشهر ثم لحقت به رضوان الله عليهن .
ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم على خديجة طوال حياته معها إلى أن وافتها المنية بعد البعثة بعشر سنين ، وكان قد بلغ يوم ذلك خمسين سنة ، وهذا يدل على :
- وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة رضوان الله عليها .
- فارق السن بينهما 15 سنة لم تجعله يقدم على الزواج من غيرها في حياتها .
- تحدث طعون الطاعنين في شخصه الكريم حينما تزوج فيما بعد بتسع نساء ، ولو كان كما يدعون لتزوج وهو في ريعان شبابه من تصغره سنا وليست من تفوته بـ 15 سنة .
- ثم لو كان كذلك أيضا لكانت زوجاته صغيرات السن صاحبات جمال ، ولكن الواقع أن زوجاته عدا عائشة رضى الله عنها كلهن كبيرات في السن و ثيبات .
- ثم إن المنصف المدقق يجد أن لكل واحدة من زوجاته الكريمات ، قصد تقصده النبي صلى الله عليه وسلم يخدم دعوته ، ويقوي فيه وشائج الإخاء بين القبائل، وييشيع في الناس من حوله الرحمة والمحبة ومكارم الأخلاق وأنبل الصفات .
-قصة هدم الكعبة وإعادة بنائها
حينما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخامسة والثلاثين من عمره حدث حادث هام شارك فيه بجهده ورأيه ، وهو حادث هدم الكعبة وإعادة بنائها .
والقصة أن سيل أصاب جدران الكعبة فتشققت ، فاجتمع رأى قريش على هدمها وبنائها من جديد ، غير أنهم تعاهدوا :
ألا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلاطيباً .
ولا يدخلوا فيها مهر بغي ، ولا ربا ولا مظلمة .
وكان أول من بدأ الهدم الوليد بن المغيرة ، لأن الناس خافوا من أن يصيبهم مكروه ، كما حدث لجيش أبرهة تعظيما للكعبة وتشريفا لها ، ولم يبدؤوا ، إلا حينما تأكدوا بأن الوليد لم يصب بأذى .و لما وصلوا إلى موضع الحجر الأسود تخاصموا فيمن يكون له الشرف وضعه في موضعه ، وهو شرف حملهم على إحضار الدم وسل السيوف ، وكادت تحدث الحرب بينهم لولا لطف الله بهم ، فرأوا أن يحكموا أول من يدخل عليهم من باب المسجد ، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، قدر الله عز وجل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من دخل فقالوا :هذا الصادق الأمين قد رضينا به ، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ،فقال صلى الله عليه وسلم : هلموا ثوبا ، فأتوه به ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فيه بيده ،ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوا جميعا ، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بنى عليه ، وكانت هذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،على سائر قريش ، ومما قدمه الله قبل المبعث من الكرامة.
- رأي آخر في اختياره صلى الله عليه وسلم ، يميل إلى أن قريشا في تلك اللحظة العصيبة أرادت أن تجد من يحكم في أمر الحجر ، فلجأوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لمعرفتهم بأمانته ، وحسن أخلاقه وعفته وشرفه ، وقد كان بينهم ومعهم يأتي بالحجر مع عمه العباس رضى الله عنه .
ما يستفاد من هذه المرحلة في حياته صلى الله عليه وسلم.
من خلال هذه الحياة التي دامت ما يقرب من أربعين سنة ، يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعده ربه إعداد لتحمل أعباء الرسالة العظيمة التي اختاره لأجلها ، وإننا لنستنتج عبرا أهمها:
- تقلبه بين حياة اليتم والكفالة ، وبين حياة الفقر والغنى ، وبين مختلف المهن ، عرفه بأحوال الناس و، أهم مشكلاتهم وظروفهم ومشاعرهم ومعاناتهم .
- ممارسته للأغلب مهن قومه :رعي الغنم ، التجارة ، البناء .
- مشاركته في الحرب وتعلم فنون القتال في حرب الفجار .
- مشاركته في مجالس عمه ، وهي مجالس سادة قريش وامتلاكه لقدرة النقاش والحوار.
- اختيار التحكيم في وضع الحجر الأسود ، وهي مهمة تؤهل للقيادة والحكم بين الخصوم وظهر فيها حكمته صلى الله عليه وسلم وذكائه في حل أزمة عصيبة ، كما ظهرت قوة شخصيته ، وقدرته على تحمل تبعة التحكيم ، التي هي امتحان يمكن إن فشل فيه أن تحدث فتنة وتراق دماء .
- زواجه وتحمله المسؤوليات الاجتماعية المنجرة عنه ومعرفة تبعاته ورعاية أهله وأولاده .
- هذا بالإضافة إلى رعاية الله ولطفه به ، وعنايته سبحانه التي كانت تحفه ،فلم يسجد لصنم ، ولم يشرب خمرا ، ولم يلعب قمرا، ولم يتاجر بربا ، ولم يكذب أو يسرق أو يشاركهم نواديهم الفاجرة ولا حفلاتهم اللاهية ، وإنما كان خير وأفضل وأسمى إنسان يعيش في وسط لهو وعبث وفجور ووشية يصعب مجاراتها بالهدى فكيف بدون هدى ولا رسالة معرفة منه للحق .
- عاش أمينا على أمانات الناس ، فعرف بينهم بالأمين ، وعاش صادق الكلمة نظيف اللسان طيب الكلام ، فعرف بينهم بالصادق ، ولهذا وصف ونودي بالصادق الأمين ، وهذا ما أهله لأن يقدم على أشراف مكة وهو ابن 35 سنة ،وقد ورد في وصفه الخلقي ماحكاه ابن اسحاق من "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَّب والله يحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ، ومعانيها لما يزيد به من كرامته ورسالته
وهو على دين قومه ، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقاً ، وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم خلقا ، وأصدقهم حديثاً ، وأعظمهم أمانة ،وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما ..."
حياة العزلة والتأمل
أحب منذ صغره حياة التأمل والتفكير والتدبير، فكان يخلو لنفسه في البيت حينا، ويخرج إلى الخلاء أحيانا ، وكلما زادت به السن ازداد بعدا عن الناس وإمعانا في التفكير .
حببت إليه الخلوة في مكان بعيد عن مكة وضوضائها ، وهو غار حراء وأصبح من عادته الخروج إليه كل عام معه طعامه وشرابه ليقضي فيه بعض أيام شهر رمضان ، متأملا ملكوت الله عزوجل ، متأملا فيخلق الإنسان والحياة والكون ، باحثا عن الحقيقة التي قرب موعد إشرافها .
ولعل سنة تجعل الإنسان يخلو بنفسه في بعض الأحيان، متأملا في ذاته في الخالق سبحانه وفي الحياة من حوله .
ليقوي صلته بربه ويتوب إليه ويجاهد نفسه ليرتقي بها في مدارج السالكين .
وإن التأمل ليفتح للعقل عوالم من الأفكار والتأملات التي تغير القناعات أو تزيد ترسيخها .
كما أن طول التأمل والتفكير يخرجان الإنسان من حياة الإمعة إلى حياة الحق والصواب .
ليصحح أخطاءه ، ويسد عثرات نفسه وزلاتها ، وليصلح حالها ويشحذ همتها ويبعث نشاطها
ليرتب علاقاته ومصالحه واهتماماته ويراجع مشكلاته مع الناس من حوله .
-ومما ظهر له صلى الله عليه وسلم
صدق الرؤية : لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح .
تسليم الحجر والشجر عليه ، وقد قال " إني لا أعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " .
-حاجة البشرية إلى هداية تعيدها للحق .
1 بعد أن شهدت الشرائع السماوية على أيدي أتباعها التحريف والتبديل وإخفاء الحق الذي جاءت به ، وماآل إليه حالهم من فساد وظلم وضلال .
2- ومن خلال الفساد والانحلال والوثنية التي طغت على أحوال البشرية وعم بلاؤها الأرض .
3-ومانتج عن ذلك من نزول الإنسان عن التكريم الإلهي بهوانه وذله وعبادته لشهواته وتعبيده لبني جنسه وظلم ساسته وملوكه .
4-ولضياع الحق الذي جاءت به الشرائع وشبه انعدام لأهل الحق على الأرض من العابدين لله سبحانه والمستغفرين والمسبحين .
5-وإذنا منه سبحانه بنزول الحق من جديد على الأرض ولطفا بالخلق واستجابة لو عده سبحانه بإرسال رسول خاتم بشر من الأنبياء والمرسلون أقوامهم اسمه "أحمد " ليخرج الناس من هذه ظلمات الكفر والوثنية والضلال والظلم والفساد والانحلال والطغيان إلى نور الحق سبحانه إلى الإيمان الحق والعفو والطهارة والعدل والحرية ومكارم الأخلاق والكرامة الإنسانية وسائر حقوق الانسان التي لم تشهد البشرية مثلها إلا في الإسلام .
من أجل هذا كله شهدت البشرية بزوغ فجر رسالة الإسلام التي أعادت الحياة إلى مسارها الصحيح ، وأقامتها على التوحيد الخالص والإيمان الصافي ووجهت الخلق للخالق سبحانه وإقامة شريعته الغراء التي كانت نعمة الله العظمى تكرما منه لخلقه ، وبالرسالة وجد الانسان إنسانيته واسترجع كرامته وعرف ربه والتزم هديه وشريعته ، ولم تمض عقودا قليلة على بعثته عليه السلام، حتى انهارت قوى الشر والطغيان والوثنية ، ودانت الأرض للإسلام في رقعة لم تعرف البشرية قيادة لها، بهذه القوى في الإيمان والعلم والعمل والإعمار ، وبهذه الشساعة التي ترجمها قول الخليفة يخاطب سحابة مرت على أرض لم تمطر :" أمطر حيث شئت فسيأتي خراجك ."
المصادر والمراجع :
الذهبي شمس الدين ، تاريخ الإسلام ، دار الغد العربي ، 1997.
ابن هشام ، السيرة النبوية ، تحقيق مصطفى السقا وآخرين ، مكتبة مصطفى الحلبي ، 1955.
ابن سعد محمد بن سعد ، الطبقات الكبرى ،نشر ،حمزة النشرتي ، وآخرين ،دار التحرير للطبع والنشر ، (د،ت).
ابن كثير أبو الفداء ، البداية والنهاية ، مكتبة المعارف ، بيروت ، 1993.
ابن قيم الجوزية ،شمس الدين الذهبي ، زاد المعاد في هدي خير العباد ، المكتبة القيمة ، القاهرة ، 1989.
المسعودي علي بن الحسين ،مروج الذهب ومعادن الجوهر ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، بيروت ، 1988.
البخاري ، صحيح البخاري .
-الطبري بن جرير ، تاريخ الرسل والملوك، دار المعارف ، القاهرة ، ط3 ، د،ت .
ابن كثير إسماعيل ، الفصول في سيرة الرسول ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت لبنان ، 1993.
أبو بكر جابر الجزائري ، هذا الحبيب يامحمد، دار ابن ابراهيم ، القاهرة ، 2004.
هاشم عبد الراضي محمد عيسى ، صفحات من السيرة النبوية ، دار الهاني للطباعة والنشر ، القاهرة 2013 .
-الشكعة مصطفى ، البيان المحمدي ، دار المصرية اللبنانية ، 1995.
أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ،ج1، ط8 ، مكتبة النهضة المصرية ، 1978.
شكران خربوطلي ، تاريخ الدولة العربية الإسلامية الأولى ( عصر الرسول والخلافة الراشدة ، منشورات جامعة دمشق ، 2007.
صفي الرحمن المباركفوري ، الرحيق المختوم ، دار الوفاء ، السودان ، 2001 .
محاضرة رقم : 02
سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
من الميلاد إلى البعثة
أشرنا –فيما سبق –إلى أن الكتب السماوية قد بشرت بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته ، وهو ما يؤكد وحدة المصدر الديني للعقائد كلها (التوراة والإنجيل والقرآن ).
أولا: الميلاد والنسب والرضاع :
بعد شهرين من حادثة الفيل، أذن الله عزو جل بمولد خير إنسان وجد على الأرض ، في يوم الأثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 571م هو محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للناس -صلى الله عليه وسلم -.
نسبه الشريف ،هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (شيبة) ، ابن هاشم بن عبد مناف (المغيرة ) ، بن قصى ، (زيدًا) ، بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
يقول الإمام ابن القيم " إلى هاهُنَا –يقصد النسب لعدنان –معلوم الصحة مُتفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق " عدنان "مختلف فيه .ولا خلاف بينهم أن "عدنان "من ولد إسماعيل ".
اختاره الله عزوجل من أزكى القبائل و أفضل البطون فقد روى مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "
وعن نسبه قال أبو سفيان لما سأله هرقل ملك الروم : "كيف نسبه فيكم ؟ فقال أبو سفيان "هو فينا ذو نسب ، قال كذلك الرسل تبعث في أنساب أقوامها "
سماه جده محمدا تيمنا بأن يكون محمود الذكر والسيرة، وقد قيل بأنه سمع من النصارى وهو في الشام بأنه سيخرج نبي في جزيرة العرب اسمه محمد فرجي من ذلك فسماه، إذ لم تكن تعرف العرب اسم محمد .
ولأن والده توفي قبل ولادته ،فقد اعتنت به أمه وحرصت على رعايته لما أملت فيه من خير ، وكان أيضا تحت عين جده عبد المطلب .
أرسلته إلى البادية على عادة العرب للرضاعة ، وليشبوا وقد تربوا على حياة الجد والعمل ،مع صفاء بيئتها ونقاء هوائها، وكان من حظ حليمة من قبيلة بني سعد بن بكر ، التي اعترضت في بادئ الأمر على رضاعته وليتمه وفقر أمه ، ولكنها رجعت وأخذته ، فكان بركة عليها منذ أن انطلقت من مكة إلى ديارها ، مما جعلها تتوسل أمنة لترجعه معها بعد انقضاء الأجل المتفق عليه ، فوافقت أمه وعاد إلى البادية .
ثانيا: حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم :
- حدثت له وهو ابن خمس سنين وهو في بادية بني سعد كما في صحيح مسلم .
- ويقول عنها أنس بن مالك رضى الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة .على أنه رأى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم .
وقد رويت هذه بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك فيما رويه مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرجه ، فاستخرج منه علقه فقال هذا حظ الشيطان منك ،ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده إلى مكانه . وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – مرضعته – ينادون: أن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون ،وحكى لهم قصته فرجعا به إلى أمه أمنة التي استغربت إرجاعهما له بعد إلحاحهما على أخذه ،فلما أصرت عليهما قصا عليها القصة فقالت: "والله لن يصيبه مكروه"
ثالثا :وفاة أمه وكفاله جده عبد المطلب ثم عمه أبوطالب :
توفيت أمه أمنة وهو ابن ست سنين .
كفله جده أبو طالب الذي توفى بعدها بسنتين .
ثم كفله عمه أبو طالب وبقي في رعايته ، وحماه إلى السنة العاشرة بعد البعثة .
ظهر متخلقا ، لا يزاحم على طعام ، ولا يلعب لعب الأطفال ، ولا يظهر عليهم طيشهم .
كان يعين عمه في قضاء حوائجه ، مما جعل عمه يصطحبه معه ، بل ويجلسه مجالس القوم ، ويقربه إليه ويفخر به .
رابعا : أول خروج له من مكة مع عمه للتجارة وقصته مع بحيرا الراهب :
- ولما تم له صلى الله عليه وسلم من العمر اثنتا عشرة سنة ، سافر عمه أبو طالب إلى الشام في ركب للتجارة ، فأخذه معه .ولما نزل الركب "بصرى" مرّوا على راهب هناك يقال له "بحيرا" وكان عالما بالإنجيل خبيرا بشئون النصرانية وهناك أبصر بحيرا النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يتأمله ويكلمه ،ثم التفت إلى أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ فقال : ابني ، وكان أبو طالب يدعوه بابنه لشدة محبته له وشفقته عليه فقال له بحيرا ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام حياً ،فقال :هو ابن أخي ،قال :فما هو أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به ،قال بحيرا : صدقت فارجع به بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه هنا ليبلغنه شراء ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ،فأسرع به أبو طالب عائدا إلى مكة .
- وأهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه موجود عندهم في كتبهم بأوصافه الخلقية والخلقية ،إذ روى القرطبي وغيره أنه لما نزل قول الله تعالى (الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وأن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) سأل عمر بن الخطاب عبد الله بن سلام رضي الله عنهما وقد كان كتابيا فأسلم ،أتعرف محمدا كما تعرف ابنك ؟فقال : فقال نعم وأكثر .بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته أما ابني فلا أدري ما الذي قد كان من أمه.
- من بين ما روج له المستشرقون مشككين في أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ تعاليمها من النصارى ، وذهب الكثير منهم إلى أن بحيرا الراهب ولقاؤه معه ، كان من بين المصادر التي أخذ منها رسول الله تعاليمه ،وهذا يدل على حقد دفين للإسلام ، وبحث عن أي شيء يجعلهم يتهمون الإسلام ورسوله ، ولعل أبسط الناس عقولا لا يصدق أن أميا لا يقرأ ولا يكتب يأخذ تعاليم دين كامل في جلسة من دقائق معدودات .
- ثم إن الإسلام لم يكن صورة مستنسخة عن النصرانية بل ناسخة لها لعقائدها مؤسسة لشريعة جديدة مغايرة تماما لما كان عليه النصارى ،بل فاضحة لهم ولليهود كاشفة عن زيفهم و تحريفهم وكفرهم وداعية لهم للدخول في دين الله الحق دين الإسلام .
-كسب الرزق :
- ثم أخذ الرسول يستقبل فترة الشباب من عمره ، فبدأ بالسعي للرزق وراح يشتغل برعي الغنم ، ولقد قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه فيما بعد فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله نبيا إلا رعي الغنم فقال :أصحابه وأنت فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " وهو بهذا يُعَودُ نفسه على تحمل المسؤوليات ، وتحمل أعباء العمل لتحصل لقمة عيش طيبة بدل الاتكال على الغير بحجة اليتم أو غيرها.
-زواجه من خديجة رضي الله عنها .
كانت خديجة ابنة خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه ،فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته وكرم أخلاقه ، بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في ما لها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة ..ولما رجع رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى مكة ، وقد رجع بربح وفير ومع ما قصة عليها ميسرة من جميل أخلاقه ، وحسن تصرفه وتجارته سرت لذلك كثيرا ، وكان سببا في أن تعرض نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج ، فقبل وتم زواجه بها وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا ،وأعظمهم شرفاً ،وأكثرهم مالاً. وقد رزق الرسول منها كل الأولاد سوى إبراهيم الذي كان من أم المؤمنين مارية القبطية وكان أولاده منها : القاسم وبه يكنى ، ثم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، وعبد الله ويلقب بالطيب والطاهر ، ومات بنوه كلهم في صغرهم ، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام ، فأسلمن وهاجرن ، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى فاطمة رضى الله عنها ، فقد تأخرت بعدة أشهر ثم لحقت به رضوان الله عليهن .
ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم على خديجة طوال حياته معها إلى أن وافتها المنية بعد البعثة بعشر سنين ، وكان قد بلغ يوم ذلك خمسين سنة ، وهذا يدل على :
- وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة رضوان الله عليها .
- فارق السن بينهما 15 سنة لم تجعله يقدم على الزواج من غيرها في حياتها .
- تحدث طعون الطاعنين في شخصه الكريم حينما تزوج فيما بعد بتسع نساء ، ولو كان كما يدعون لتزوج وهو في ريعان شبابه من تصغره سنا وليست من تفوته بـ 15 سنة .
- ثم لو كان كذلك أيضا لكانت زوجاته صغيرات السن صاحبات جمال ، ولكن الواقع أن زوجاته عدا عائشة رضى الله عنها كلهن كبيرات في السن و ثيبات .
- ثم إن المنصف المدقق يجد أن لكل واحدة من زوجاته الكريمات ، قصد تقصده النبي صلى الله عليه وسلم يخدم دعوته ، ويقوي فيه وشائج الإخاء بين القبائل، وييشيع في الناس من حوله الرحمة والمحبة ومكارم الأخلاق وأنبل الصفات .
-قصة هدم الكعبة وإعادة بنائها
حينما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخامسة والثلاثين من عمره حدث حادث هام شارك فيه بجهده ورأيه ، وهو حادث هدم الكعبة وإعادة بنائها .
والقصة أن سيل أصاب جدران الكعبة فتشققت ، فاجتمع رأى قريش على هدمها وبنائها من جديد ، غير أنهم تعاهدوا :
ألا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلاطيباً .
ولا يدخلوا فيها مهر بغي ، ولا ربا ولا مظلمة .
وكان أول من بدأ الهدم الوليد بن المغيرة ، لأن الناس خافوا من أن يصيبهم مكروه ، كما حدث لجيش أبرهة تعظيما للكعبة وتشريفا لها ، ولم يبدؤوا ، إلا حينما تأكدوا بأن الوليد لم يصب بأذى .و لما وصلوا إلى موضع الحجر الأسود تخاصموا فيمن يكون له الشرف وضعه في موضعه ، وهو شرف حملهم على إحضار الدم وسل السيوف ، وكادت تحدث الحرب بينهم لولا لطف الله بهم ، فرأوا أن يحكموا أول من يدخل عليهم من باب المسجد ، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، قدر الله عز وجل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من دخل فقالوا :هذا الصادق الأمين قد رضينا به ، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ،فقال صلى الله عليه وسلم : هلموا ثوبا ، فأتوه به ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فيه بيده ،ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوا جميعا ، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بنى عليه ، وكانت هذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،على سائر قريش ، ومما قدمه الله قبل المبعث من الكرامة.
- رأي آخر في اختياره صلى الله عليه وسلم ، يميل إلى أن قريشا في تلك اللحظة العصيبة أرادت أن تجد من يحكم في أمر الحجر ، فلجأوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لمعرفتهم بأمانته ، وحسن أخلاقه وعفته وشرفه ، وقد كان بينهم ومعهم يأتي بالحجر مع عمه العباس رضى الله عنه .
ما يستفاد من هذه المرحلة في حياته صلى الله عليه وسلم.
من خلال هذه الحياة التي دامت ما يقرب من أربعين سنة ، يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعده ربه إعداد لتحمل أعباء الرسالة العظيمة التي اختاره لأجلها ، وإننا لنستنتج عبرا أهمها:
- تقلبه بين حياة اليتم والكفالة ، وبين حياة الفقر والغنى ، وبين مختلف المهن ، عرفه بأحوال الناس و، أهم مشكلاتهم وظروفهم ومشاعرهم ومعاناتهم .
- ممارسته للأغلب مهن قومه :رعي الغنم ، التجارة ، البناء .
- مشاركته في الحرب وتعلم فنون القتال في حرب الفجار .
- مشاركته في مجالس عمه ، وهي مجالس سادة قريش وامتلاكه لقدرة النقاش والحوار.
- اختيار التحكيم في وضع الحجر الأسود ، وهي مهمة تؤهل للقيادة والحكم بين الخصوم وظهر فيها حكمته صلى الله عليه وسلم وذكائه في حل أزمة عصيبة ، كما ظهرت قوة شخصيته ، وقدرته على تحمل تبعة التحكيم ، التي هي امتحان يمكن إن فشل فيه أن تحدث فتنة وتراق دماء .
- زواجه وتحمله المسؤوليات الاجتماعية المنجرة عنه ومعرفة تبعاته ورعاية أهله وأولاده .
- هذا بالإضافة إلى رعاية الله ولطفه به ، وعنايته سبحانه التي كانت تحفه ،فلم يسجد لصنم ، ولم يشرب خمرا ، ولم يلعب قمرا، ولم يتاجر بربا ، ولم يكذب أو يسرق أو يشاركهم نواديهم الفاجرة ولا حفلاتهم اللاهية ، وإنما كان خير وأفضل وأسمى إنسان يعيش في وسط لهو وعبث وفجور ووشية يصعب مجاراتها بالهدى فكيف بدون هدى ولا رسالة معرفة منه للحق .
- عاش أمينا على أمانات الناس ، فعرف بينهم بالأمين ، وعاش صادق الكلمة نظيف اللسان طيب الكلام ، فعرف بينهم بالصادق ، ولهذا وصف ونودي بالصادق الأمين ، وهذا ما أهله لأن يقدم على أشراف مكة وهو ابن 35 سنة ،وقد ورد في وصفه الخلقي ماحكاه ابن اسحاق من "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَّب والله يحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ، ومعانيها لما يزيد به من كرامته ورسالته
وهو على دين قومه ، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقاً ، وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم خلقا ، وأصدقهم حديثاً ، وأعظمهم أمانة ،وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما ..."
حياة العزلة والتأمل
أحب منذ صغره حياة التأمل والتفكير والتدبير، فكان يخلو لنفسه في البيت حينا، ويخرج إلى الخلاء أحيانا ، وكلما زادت به السن ازداد بعدا عن الناس وإمعانا في التفكير .
حببت إليه الخلوة في مكان بعيد عن مكة وضوضائها ، وهو غار حراء وأصبح من عادته الخروج إليه كل عام معه طعامه وشرابه ليقضي فيه بعض أيام شهر رمضان ، متأملا ملكوت الله عزوجل ، متأملا فيخلق الإنسان والحياة والكون ، باحثا عن الحقيقة التي قرب موعد إشرافها .
ولعل سنة تجعل الإنسان يخلو بنفسه في بعض الأحيان، متأملا في ذاته في الخالق سبحانه وفي الحياة من حوله .
ليقوي صلته بربه ويتوب إليه ويجاهد نفسه ليرتقي بها في مدارج السالكين .
وإن التأمل ليفتح للعقل عوالم من الأفكار والتأملات التي تغير القناعات أو تزيد ترسيخها .
كما أن طول التأمل والتفكير يخرجان الإنسان من حياة الإمعة إلى حياة الحق والصواب .
ليصحح أخطاءه ، ويسد عثرات نفسه وزلاتها ، وليصلح حالها ويشحذ همتها ويبعث نشاطها
ليرتب علاقاته ومصالحه واهتماماته ويراجع مشكلاته مع الناس من حوله .
-ومما ظهر له صلى الله عليه وسلم
صدق الرؤية : لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح .
تسليم الحجر والشجر عليه ، وقد قال " إني لا أعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " .
-حاجة البشرية إلى هداية تعيدها للحق .
1 بعد أن شهدت الشرائع السماوية على أيدي أتباعها التحريف والتبديل وإخفاء الحق الذي جاءت به ، وماآل إليه حالهم من فساد وظلم وضلال .
2- ومن خلال الفساد والانحلال والوثنية التي طغت على أحوال البشرية وعم بلاؤها الأرض .
3-ومانتج عن ذلك من نزول الإنسان عن التكريم الإلهي بهوانه وذله وعبادته لشهواته وتعبيده لبني جنسه وظلم ساسته وملوكه .
4-ولضياع الحق الذي جاءت به الشرائع وشبه انعدام لأهل الحق على الأرض من العابدين لله سبحانه والمستغفرين والمسبحين .
5-وإذنا منه سبحانه بنزول الحق من جديد على الأرض ولطفا بالخلق واستجابة لو عده سبحانه بإرسال رسول خاتم بشر من الأنبياء والمرسلون أقوامهم اسمه "أحمد " ليخرج الناس من هذه ظلمات الكفر والوثنية والضلال والظلم والفساد والانحلال والطغيان إلى نور الحق سبحانه إلى الإيمان الحق والعفو والطهارة والعدل والحرية ومكارم الأخلاق والكرامة الإنسانية وسائر حقوق الانسان التي لم تشهد البشرية مثلها إلا في الإسلام .
من أجل هذا كله شهدت البشرية بزوغ فجر رسالة الإسلام التي أعادت الحياة إلى مسارها الصحيح ، وأقامتها على التوحيد الخالص والإيمان الصافي ووجهت الخلق للخالق سبحانه وإقامة شريعته الغراء التي كانت نعمة الله العظمى تكرما منه لخلقه ، وبالرسالة وجد الانسان إنسانيته واسترجع كرامته وعرف ربه والتزم هديه وشريعته ، ولم تمض عقودا قليلة على بعثته عليه السلام، حتى انهارت قوى الشر والطغيان والوثنية ، ودانت الأرض للإسلام في رقعة لم تعرف البشرية قيادة لها، بهذه القوى في الإيمان والعلم والعمل والإعمار ، وبهذه الشساعة التي ترجمها قول الخليفة يخاطب سحابة مرت على أرض لم تمطر :" أمطر حيث شئت فسيأتي خراجك ."
المصادر والمراجع :
الذهبي شمس الدين ، تاريخ الإسلام ، دار الغد العربي ، 1997.
ابن هشام ، السيرة النبوية ، تحقيق مصطفى السقا وآخرين ، مكتبة مصطفى الحلبي ، 1955.
ابن سعد محمد بن سعد ، الطبقات الكبرى ،نشر ،حمزة النشرتي ، وآخرين ،دار التحرير للطبع والنشر ، (د،ت).
ابن كثير أبو الفداء ، البداية والنهاية ، مكتبة المعارف ، بيروت ، 1993.
ابن قيم الجوزية ،شمس الدين الذهبي ، زاد المعاد في هدي خير العباد ، المكتبة القيمة ، القاهرة ، 1989.
المسعودي علي بن الحسين ،مروج الذهب ومعادن الجوهر ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، بيروت ، 1988.
البخاري ، صحيح البخاري .
-الطبري بن جرير ، تاريخ الرسل والملوك، دار المعارف ، القاهرة ، ط3 ، د،ت .
ابن كثير إسماعيل ، الفصول في سيرة الرسول ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت لبنان ، 1993.
أبو بكر جابر الجزائري ، هذا الحبيب يامحمد، دار ابن ابراهيم ، القاهرة ، 2004.
هاشم عبد الراضي محمد عيسى ، صفحات من السيرة النبوية ، دار الهاني للطباعة والنشر ، القاهرة 2013 .
-الشكعة مصطفى ، البيان المحمدي ، دار المصرية اللبنانية ، 1995.
أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ،ج1، ط8 ، مكتبة النهضة المصرية ، 1978.
شكران خربوطلي ، تاريخ الدولة العربية الإسلامية الأولى ( عصر الرسول والخلافة الراشدة ، منشورات جامعة دمشق ، 2007.
صفي الرحمن المباركفوري ، الرحيق المختوم ، دار الوفاء ، السودان ، 2001 .