Online English Summarizer tool, free and accurate!
وَالْخَيْرَ لَنْ يَكُونَ بِلَا مُقَابِلٍ، وَالشَّرَّ لَنْ يَمُرَّ بِلَا رَادِعٍ، وَالْجَرِيمَةَ لَنْ تُفْلِتَ بِلَا قِصَاصٍ. يَعْنِي أَنَّ الْكَرَمَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ الْوُجُودَ وَلَيْسَ الْبُخْلَ، وَلَيْسَ مِنْ طَبْعِ الْكَرِيمِ أَنْ يَسْلُبَ مَا يُعْطِيهِ. فَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُبَهَا بِالْمَوْتِ. بَلْ هُوَ انْتِقَالٌ بِهَا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْعَذَابِ حِكْمَةٌ، فَنَحْنُ أَمَامَ لَوْحَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لِأَعْظَمِ الْمُبْدِعِينَ. يَعْنِي أَنْ يَتَدَفَّقَ الْقَلْبُ بِالْمَشَاعِرِ، وَتَحْتَفِلَ الْأَحَاسِيسُ بِكُلِّ لَحْظَةٍ، يَعْنِي أَنْ تَذُوبَ هُمُومُنَا فِي كَنَفِ رَحْمَةِ الرَّحِيمِ، فَأَيُّ بُشْرَى أَبْلَغُ لِلِاطْمِئْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْبُشْرَى؟) وَلَنْ نَتَشَتَّتَ بَيْنَ وَلَاءٍ لِلْيَمِينِ وَوَلَاءٍ لِلْيَسَارِ، وَتَوَسُّلٍ لِلْأَغْنِيَاءِ وَارْتِمَاءٍ عَلَى أَعْتَابِ الْأَقْوِيَاءِ. وَتِلْكَ هِيَ أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَتِلْكَ هِيَ الصَّيْدَلِيَّةُ الَّتِي تُدَاوِي كُلَّ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ، وَتُبْرِئُ كُلَّ أَدْوَاءِ الْقُلُوبِ. التَّرْكِيبَةُ النَّفْسِيَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَتَمَيَّزُ بِالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّسَامُحِ وَالْحَيَاءِ، يَسِيرُونَ عَلَى الْأَرْضِ بِهُدُوءٍ، وَعِنْدَمَا يُخَاطِبُهُمُ الْجَاهِلُونَ يَقُولُونَ سَلَامًا. يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُونَ بِطُولِ صَمْتِهِمْ وَاسْتِمْرَارِيَّةِ تَفْكِيرِهِمْ وَخَفْضِ أَصْوَاتِهِمْ وَابْتِعَادِهِمْ عَنِ الضَّوْضَاءِ وَالصَّخَبِ. يُعْرَفُونَ أَيْضًا بِالتُّؤَدَةِ وَالْإِتْقَانِ وَالْإِحْسَانِ فِي الْأَعْمَالِ الْمُوَكَلَةِ إِلَيْهِمْ، وَبِالدَّمَاثَةِ وَلِينِ الطَّبْعِ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَالِاعْتِدَالِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ. فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسُودَ مَمْلَكَتَهُ الدَّاخِلِيَّةَ وَيَحْكُمَهَا بِانْسِجَامٍ. السَّكِينَةُ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّوَافُقِ بَيْنَ مُتَنَاقِضَاتِ النَّفْسِ وَخُضُوعِهَا بِسَلَاسَةٍ لِصَاحِبِهَا، تَقْرَأُ هَذِهِ السَّكِينَةَ فِي هُدُوءِ وَجْهِ الْمُؤْمِنِ، لَيْسَ هُدُوءَ الْفَرَاغِ أَوِ الْبَلَادَةِ، كَأَنَّمَا الْإِنْسَانُ الَّذِي تَرَاهُ أَمَامَكَ يَحْتَوِي الْبَحْرَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ، هَذَا الْهُدُوءُ الْمُشِعُّ هُوَ غِنَى الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَجْعَلُ عَلَاقَتَهُ بِمَا حَوْلَهُ مُتَمَيِّزَةً وَمُخْتَلِفَةً، عَلَاقَتَهُ بِالْأَمْسِ وَالْغَدِ وَالْمَوْتِ وَالنَّاسِ وَعَمَلِهِ وَنَظْرَتِهِ لِلْأَخْلَاقِ. الْأَخْلَاقُ بِالْمَعْنَى الْمَادِّيِّ هِيَ إِشْبَاعُ الرَّغَبَاتِ دُونَ التَّعَارُضِ مَعَ حُقُوقِ الْآخَرِينَ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاقُ بِالْمَعْنَى الدِّينِيِّ هِيَ قَمْعُ الرَّغَبَاتِ وَتَحَكُّمُ النَّفْسِ لِتَحْقِيقِ الْكَمَالِ كَخَلِيفَةٍ. وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ فَهِيَ تَأْتِي بِالتَّبَعِيَّةِ. الْمُجْتَمَعُ الْمُكَوَّنُ مِنْ أَفْرَادٍ كَهَؤُلَاءِ سَيَسُودُهُ الْوِئَامُ وَالسَّلَامُ وَالْمَحَبَّةُ. الْأَخْلَاقُ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ عُبُودِيَّةِ النَّفْسِ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى، مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَادِّيِّ إِلَى الرَّغْبَةِ فِي حَضْرَةِ الْإِلَهِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ إِلَّا إِذَا تَمَّ تَصْحِيحُ بَصَرِ الْعَيْنِ لِتَرَى كُلَّ شَيْءٍ بِحَقِيقَةِ حَجْمِهِ. فُرُويدُ يَرَى أَنَّ عُلَمَاءَ النَّفْسِ فِي الْغَرْبِ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّفْسِ مِنْ خِلَالِ عُيُوبِهَا وَأَمْرَاضِهَا، وَيُفَسِّرُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَى عُقْدَةِ أُودِيبَ وَعُقْدَةِ إِلِكْتِرَا، وَهُمَا تَعْبِيرَانِ عَنْ رَغْبَةِ الطِّفْلِ فِي الِاتِّحَادِ الْجِنْسِيِّ مَعَ الْأُمِّ وَرَغْبَةِ الْبِنْتِ فِي الِاتِّحَادِ مَعَ الْأَبِ. يَعْتَبِرُ فُرُويدُ الشُّعُورَ بِالذَّنْبِ مَرَضًا، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ قَمْعَ الشَّهَوَاتِ لَهُ عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ. يَقِفُ الدِّينُ عَلَى النَّقِيضِ مِنْ هَذِهِ النَّظْرَةِ، مُعْتَبِرًا قَمْعَ الشَّهَوَاتِ دَلِيلًا عَلَى سَلَامَةِ النَّفْسِ وَاقْتِدَارِهَا، يَرَى الدِّينُ أَنَّ النَّفْسَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ رَغْبَةٍ وَفُجُورٍ، يَتَوَسَّعُ فُرُويدُ فِي تَفْسِيرِ الْجِنْسِ وَالطَّاقَةِ الْجِنْسِيَّةِ وَاللَّذَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَيَدْمُجُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْحُبِّ فِي الْحَلْقَةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَحُبَّ الْأَبِ عُقْدَةَ إِلِكْتِرَا، وَيَصِفُ الدِّينُ النَّفْسَ بِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفُجُورِ وَالتَّقْوَى، مِمَّا يُتِيحُ لِلْإِنْسَانِ الِاخْتِيَارَ بَيْنَ الِارْتِقَاءِ نَحْوَ اللهِ أَوِ الِانْحِدَارِ فِي دَرْكِ الشَّهَوَاتِ. يَعْلَمُ الْقُرْآنُ أَنَّ هُنَاكَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْأَحْلَامِ: نَوْعٌ يُطْلَقُ عَلَيْهِ "أَضْغَاثُ الْأَحْلَامِ" وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِشَهَوَاتِهَا وَرَغَبَاتِهَا أَوْ حَدِيثُ الشَّيَاطِينِ إِلَى تِلْكَ النَّفْسِ أَثْنَاءَ النَّوْمِ، وَهُوَ مَا اشْتَغَلَ فُرُويدُ بِتَفْسِيرِهِ. ثُمَّ هُنَاكَ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْأَحْلَامِ هُوَ الرُّؤَى، الرُّؤَى الَّتِي تَأْتِي إِلَى النَّفْسِ مِنَ الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَتَكُونُ حَدِيثًا مِنَ اللهِ إِلَى نَفْسٍ نَائِمَةٍ أَوْ حَدِيثًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى تِلْكَ النَّفْسِ. وَمِثَالُ ذَلِكَ الرُّؤَى الصَّادِقَةُ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِدِقَّةٍ فِي وَقْتِهَا وَنَصِّهَا، وَلَا مَكَانَ لِهَذِهِ الرُّؤَى عِنْدَ فُرُويدَ وَنَظَرِيَّتُهُ تَعْجَزُ تَمَامًا عَنْ تَفْسِيرِهَا، كَمَا أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ هِيَ مَسْأَلَةٌ تَهْدِمُ الْفِكْرَ الْمَادِّيَّ مِنْ أَسَاسِهِ، سَوَاءٌ الْفِرُويْدِيَّ مِنْهُ أَوِ الْمَارْكِسِيَّ، وَيُمَيِّزُ الْقُرْآنُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْأَحْلَامِ وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ: "يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ" (يُوسُفُ: الْآيَةُ 43)، قَالُوا: "أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ" (يُوسُفُ: الْآيَةُ 44). فَهُنَاكَ إِذًا أَضْغَاثٌ وَرُؤًى، وَلَكِنَّ فِرُويْدَ لَا يَرَى مِنَ الْأَحْلَامِ إِلَّا تِلْكَ الْأَضْغَاثَ وَالْهَلْوَسَةَ الشَّهْوَانِيَّةَ، بَيْنَمَا يَرَى الدِّينُ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي مُخَالَفَتِهَا وَقَمْعِهَا وَالتَّحَكُّمِ فِيهَا وَالتَّسَلُّقِ عَلَيْهَا عَوْدًا إِلَى الْوَطَنِ الْأَوَّلِ إِلَى اللهِ الَّذِي مِنْهُ جَاءَتْ كُلُّ النُّفُوسِ وَإِلَيْهِ تَعُودُ. أَمَّا الْحُزْنُ عِنْدَ فِرُويْدَ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ نَتِيجَةُ حُبِّ الدُّنْيَا وَالْحِرْمَانِ مِنْهَا. وَيَنْظُرُ عِلْمُ النَّفْسِ الْحَدِيثُ إِلَى النِّسْيَانِ بِاعْتِبَارِهِ مَرَضًا يَنْتُجُ مِنْ عَدَمِ الِاهْتِمَامِ أَوِ الِاهْتِمَامِ الزَّائِدِ أَوْ كَوْنِ الْمَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ تَذَكُّرُهُ مَوْضُوعًا مُؤْلِمًا أَوْ بِسَبَبِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ أَوْ كَبْتِ الْخِبْرَةِ الْمَنْسِيَّةِ فِي اللَّاشُعُورِ. وَالطَّبِيبُ النَّفْسِيُّ يُحَاوِلُ أَنْ يَصِلَ إِلَى هَذِهِ الْخِبْرَةِ الْمَنْسِيَّةِ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّنْوِيمِ الْمِغْنَاطِيسِيِّ أَوْ بِمُلَاحَظَةِ الْمَرِيضِ فِي أَثْنَاءِ تَدَاعِي خَوَاطِرِهِ. وَلَكِنَّ الدِّينَ يَنْظُرُ إِلَى الْمَوْضُوعِ فِي إِطَارٍ أَوْسَعَ وَأَشْمَلَ، هُوَ إِطَارُ الْعَلَاقَةِ بِاللهِ. فَمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَبِّهِ ذَاكِرًا لَهُ عَلَى الدَّوَامِ، لَا يَنْسَى شَيْئًا وَلَا يَغِيبُ عَنْ بَالِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ فِي دَائِرَةِ النُّورِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَظْرَةِ عِلْمِ النَّفْسِ وَنَظْرَةِ الدِّينِ هُوَ افْتِقَادُ عِلْمِ النَّفْسِ لِلشُّمُولِ وَالنَّظْرَةِ الْكُلِّيَّةِ.
سَيِّدَاتِي وَسَادَتِي، هَلْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَعْنِي أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ؟ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ مَوْجُودٌ، وَالرَّحْمَةَ مَوْجُودَةٌ، وَالْمَغْفِرَةَ مَوْجُودَةٌ. يَعْنِي أَنْ يَطْمَئِنَّ الْقَلْبُ، وَتَرْتَاحَ النَّفْسُ، وَيَسْكُنَ الْفُؤَادُ، وَيَزُولَ الْقَلَقُ. فَالْحَقُّ لَابُدَّ وَأَنْ يَصِلَ لِأَصْحَابِهِ. يَعْنِي أَنَّ الدُّمُوعَ لَنْ تَذْهَبَ سُدًى، وَالصَّبْرَ لَنْ يَمْضِيَ بِلَا ثَمَرَةٍ، وَالْخَيْرَ لَنْ يَكُونَ بِلَا مُقَابِلٍ، وَالشَّرَّ لَنْ يَمُرَّ بِلَا رَادِعٍ، وَالْجَرِيمَةَ لَنْ تُفْلِتَ بِلَا قِصَاصٍ. يَعْنِي أَنَّ الْكَرَمَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ الْوُجُودَ وَلَيْسَ الْبُخْلَ، وَلَيْسَ مِنْ طَبْعِ الْكَرِيمِ أَنْ يَسْلُبَ مَا يُعْطِيهِ. فَإِذَا كَانَ اللهُ مَنَحَنَا الْحَيَاةَ، فَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُبَهَا بِالْمَوْتِ. فَالْمَوْتُ لَيْسَ سَلْبًا لِلْحَيَاةِ، بَلْ هُوَ انْتِقَالٌ بِهَا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ حَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْبَعْثِ، ثُمَّ عُرُوجٍ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ.)
(يَعْنِي أَنْ لَا عَبَثَ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا حِكْمَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَحِكْمَةٌ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ شَيْءٍ، وَحِكْمَةٌ فِي خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ. فِي الْأَلَمِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْمَرَضِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْعَذَابِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْمُعَانَاةِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْقُبْحِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْفَشَلِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْعَجْزِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْقُدْرَةِ حِكْمَةٌ. يَعْنِي أَلَّا يَكُفَّ الْإِعْجَابُ، وَأَنْ لَا تَمُوتَ الدَّهْشَةُ، وَأَنْ لَا يَفْتُرَ الِانْبِهَارُ، وَأَنْ لَا يَتَوَقَّفَ الْجَلَالُ. فَنَحْنُ أَمَامَ لَوْحَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لِأَعْظَمِ الْمُبْدِعِينَ. يَعْنِي أَنْ تُسَبِّحَ الْعَيْنُ، وَتُكَبِّرَ الْأُذُنُ، وَيَحْمَدَ اللِّسَانُ، وَيَتِيهَ الْوِجْدَانُ، وَيَبْهَتَ الْجَنَانُ. يَعْنِي أَنْ يَتَدَفَّقَ الْقَلْبُ بِالْمَشَاعِرِ، وَتَحْتَفِلَ الْأَحَاسِيسُ بِكُلِّ لَحْظَةٍ، وَتُزَفَّ الرُّوحُ كُلَّ يَوْمٍ جَدِيدٍ كَأَنَّهُ عُرْسٌ جَدِيدٌ. يَعْنِي أَلَّا نَعْرِفَ الْيَأْسَ، وَلَا نَذُوقَ الْقُنُوطَ. يَعْنِي أَنْ تَذُوبَ هُمُومُنَا فِي كَنَفِ رَحْمَةِ الرَّحِيمِ، وَمَغْفِرَةِ الْغَفَّارِ. أَلَا يَقُولُ لَنَا رَبُّنَا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَأَنَّ الضِّيقَ يَأْتِي فِي طَيَّاتِهِ الْفَرَجُ. فَأَيُّ بُشْرَى أَبْلَغُ لِلِاطْمِئْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْبُشْرَى؟)
(وَلِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ، فَلَنْ يُوجَدَ فِي الْوُجُودِ إِلَهٌ آخَرُ يَنْقُضُ وَعْدَهُ، وَلَنْ نَنْقَسِمَ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَلَنْ تَتَوَزَّعَ الْجِهَاتُ، وَلَنْ نَتَشَتَّتَ بَيْنَ وَلَاءٍ لِلْيَمِينِ وَوَلَاءٍ لِلْيَسَارِ، وَتَزَلُّفٍ لِلشَّرْقِ وَتَزَلُّفٍ لِلْغَرْبِ، وَتَوَسُّلٍ لِلْأَغْنِيَاءِ وَارْتِمَاءٍ عَلَى أَعْتَابِ الْأَقْوِيَاءِ. فَكُلُّ الْقُوَّةِ عِنْدَهُ، وَكُلُّ الْغِنَى عِنْدَهُ، وَكُلُّ الْعِلْمِ عِنْدَهُ، وَكُلُّ مَا نَطْمَحُ إِلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَالْهَرَبُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ إِلَيْهِ. فَهُوَ الْوَطَنُ، وَالْحِمَى، وَالْمَلْجَأُ، وَالْمُسْتَنَدُ، وَالرَّصِيدُ، وَالْبَابُ، وَالرِّحَابُ. وَذَلِكَ الْإِحْسَاسُ يَعْنِي السُّكُونَ، وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَرَاحَةَ الْبَالِ، وَالتَّفَاؤُلَ، وَالْهِمَّةَ، وَالْإِقْبَالَ، وَالنَّشَاطَ، وَالْعَمَلَ بِلَا مَلَلٍ، وَبِلَا فُتُورٍ، وَبِلَا كَسَلٍ. وَتِلْكَ ثَمَرَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي نَفْسِ قَائِلِهَا، الَّذِي يَشْعُرُ بِهَا، وَيَتَمَثَّلُهَا، وَيُؤْمِنُ بِهَا، وَيَعِيشُهَا. وَتِلْكَ هِيَ أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَتِلْكَ هِيَ الصَّيْدَلِيَّةُ الَّتِي تُدَاوِي كُلَّ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ، وَتَشْفِي كُلَّ عِلَلِ الْعُقُولِ، وَتُبْرِئُ كُلَّ أَدْوَاءِ الْقُلُوبِ. وَتِلْكَ هِيَ صَيْحَةُ التَّحْرِيرِ الَّتِي تُحَطِّمُ أَغْلَالَ الْأَيْدِي.)
(التَّرْكِيبَةُ النَّفْسِيَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَتَمَيَّزُ بِالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّسَامُحِ وَالْحَيَاءِ، يَسِيرُونَ عَلَى الْأَرْضِ بِهُدُوءٍ، وَعِنْدَمَا يُخَاطِبُهُمُ الْجَاهِلُونَ يَقُولُونَ سَلَامًا. يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُونَ بِطُولِ صَمْتِهِمْ وَاسْتِمْرَارِيَّةِ تَفْكِيرِهِمْ وَخَفْضِ أَصْوَاتِهِمْ وَابْتِعَادِهِمْ عَنِ الضَّوْضَاءِ وَالصَّخَبِ. يُعْرَفُونَ أَيْضًا بِالتُّؤَدَةِ وَالْإِتْقَانِ وَالْإِحْسَانِ فِي الْأَعْمَالِ الْمُوَكَلَةِ إِلَيْهِمْ، وَبِالدَّمَاثَةِ وَلِينِ الطَّبْعِ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَالِاعْتِدَالِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ. إِذَا كَانَ لَابُدَّ مِنِ اخْتِيَارِ صِفَةٍ وَاحِدَةٍ تَجْمَعُ طَابِعَ الْمُؤْمِنِ، فَسَأَقُولُ إِنَّهَا السَّكِينَةُ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسُودَ مَمْلَكَتَهُ الدَّاخِلِيَّةَ وَيَحْكُمَهَا بِانْسِجَامٍ. السَّكِينَةُ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّوَافُقِ بَيْنَ مُتَنَاقِضَاتِ النَّفْسِ وَخُضُوعِهَا بِسَلَاسَةٍ لِصَاحِبِهَا، وَهِيَ لَا تُوهَبُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ.)
(تَقْرَأُ هَذِهِ السَّكِينَةَ فِي هُدُوءِ وَجْهِ الْمُؤْمِنِ، وَهُوَ هُدُوءٌ يَعْكِسُ الْعُمْقَ وَالْبَاطِنَ، لَيْسَ هُدُوءَ الْفَرَاغِ أَوِ الْبَلَادَةِ، بَلْ هُدُوءُ التَّرْكِيزِ وَالصَّفَاءِ وَتَوَحُّدِ الْهِمَّةِ وَوُضُوحِ الرُّؤْيَةِ. كَأَنَّمَا الْإِنْسَانُ الَّذِي تَرَاهُ أَمَامَكَ يَحْتَوِي الْبَحْرَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ، بَحْرٌ هَادِئٌ وَلَكِنَّهُ مُتَدَفِّقٌ يَطْرَحُ اللَّآلِئَ وَالْأَصْدَافَ مِنْ أَعْمَاقِهِ. هَذَا الْهُدُوءُ الْمُشِعُّ هُوَ غِنَى الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَجْعَلُ عَلَاقَتَهُ بِمَا حَوْلَهُ مُتَمَيِّزَةً وَمُخْتَلِفَةً، عَلَاقَتَهُ بِالْأَمْسِ وَالْغَدِ وَالْمَوْتِ وَالنَّاسِ وَعَمَلِهِ وَنَظْرَتِهِ لِلْأَخْلَاقِ. الْأَخْلَاقُ بِالْمَعْنَى الْمَادِّيِّ هِيَ إِشْبَاعُ الرَّغَبَاتِ دُونَ التَّعَارُضِ مَعَ حُقُوقِ الْآخَرِينَ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاقُ بِالْمَعْنَى الدِّينِيِّ هِيَ قَمْعُ الرَّغَبَاتِ وَتَحَكُّمُ النَّفْسِ لِتَحْقِيقِ الْكَمَالِ كَخَلِيفَةٍ. الْأَخْلَاقُ هُنَا فَرْدِيَّةٌ وَهَدَفُهَا بُلُوغُ الْفَرْدِ دَرَجَةَ كَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ فَهِيَ تَأْتِي بِالتَّبَعِيَّةِ.)
(الْمُجْتَمَعُ الْمُكَوَّنُ مِنْ أَفْرَادٍ كَهَؤُلَاءِ سَيَسُودُهُ الْوِئَامُ وَالسَّلَامُ وَالْمَحَبَّةُ. الْأَخْلَاقُ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ عُبُودِيَّةِ النَّفْسِ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى، الْجَمْعِيَّةُ مَعَ الرَّبِّ، مِنَ الْجُزْءِ إِلَى الْكُلِّ، مِنَ النِّسْبِيِّ إِلَى الْمُطْلَقِ، مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَادِّيِّ إِلَى الرَّغْبَةِ فِي حَضْرَةِ الْإِلَهِ، حَيْثُ يَجِبُ أَنْ تَتَطَلَّعَ كُلُّ الْعُيُونِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ إِلَّا إِذَا تَمَّ تَصْحِيحُ بَصَرِ الْعَيْنِ لِتَرَى كُلَّ شَيْءٍ بِحَقِيقَةِ حَجْمِهِ.
فُرُويدُ يَرَى أَنَّ عُلَمَاءَ النَّفْسِ فِي الْغَرْبِ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّفْسِ مِنْ خِلَالِ عُيُوبِهَا وَأَمْرَاضِهَا، مُرَكِّزِينَ عَلَى الِانْحِرَافَاتِ وَالتَّشَوُّهَاتِ. يَعْتَبِرُ أَنَّ الْمُحَرِّكَ الْأَسَاسِيَّ لِلسُّلُوكِ هُوَ إِشْبَاعُ الشَّهْوَةِ، وَيُفَسِّرُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَى عُقْدَةِ أُودِيبَ وَعُقْدَةِ إِلِكْتِرَا، وَهُمَا تَعْبِيرَانِ عَنْ رَغْبَةِ الطِّفْلِ فِي الِاتِّحَادِ الْجِنْسِيِّ مَعَ الْأُمِّ وَرَغْبَةِ الْبِنْتِ فِي الِاتِّحَادِ مَعَ الْأَبِ.
(يَعْتَبِرُ فُرُويدُ الشُّعُورَ بِالذَّنْبِ مَرَضًا، وَالتَّوْبَةَ نُكُوصًا، وَالنَّدَمَ تَعْقِيدًا، وَالصَّبْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ بُرُودًا، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ قَمْعَ الشَّهَوَاتِ لَهُ عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ. فِي الْمُقَابِلِ، يَقِفُ الدِّينُ عَلَى النَّقِيضِ مِنْ هَذِهِ النَّظْرَةِ، مُعْتَبِرًا قَمْعَ الشَّهَوَاتِ دَلِيلًا عَلَى سَلَامَةِ النَّفْسِ وَاقْتِدَارِهَا، وَالشُّعُورَ بِالذَّنْبِ عَلَامَةَ صِحَّةٍ، وَمَوْقِفَ الْإِدْرَاكِ وَالنَّدَمِ مَوْقِفَ عِلْمٍ. يَرَى الدِّينُ أَنَّ النَّفْسَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ رَغْبَةٍ وَفُجُورٍ، بَلْ هِيَ قَابِلَةٌ لِلْفُجُورِ وَالتَّقْوَى، وَأَنَّ اللهَ أَلْهَمَهَا كِلَيْهِمَا، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَرْتَقِيَ نَحْوَ اللهِ أَوْ يَنْحَدِرَ فِي دَرْكِ الشَّهَوَاتِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. يَتَوَسَّعُ فُرُويدُ فِي تَفْسِيرِ الْجِنْسِ وَالطَّاقَةِ الْجِنْسِيَّةِ وَاللَّذَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، مُتَصَوِّرًا أَنَّ الرَّضِيعَ يَمْتَصُّ حَلِيبَ أُمِّهِ بِلَذَّةٍ جِنْسِيَّةٍ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَحْبِسُ الْبِرَازَ فِي شَرْجِهِ لِلَذَّةٍ جِنْسِيَّةٍ، وَيَعْتَبِرُ كُلَّ مَا هُوَ مُسْتَدِيرٌ فِي الْحُلْمِ رَمْزًا لِعُضْوِ الْمَرْأَةِ التَّنَاسُلِيِّ، وَكُلَّ مَا هُوَ مُسْتَطِيلٌ رَمْزًا لِقَضِيبِ الرَّجُلِ، وَيَدْمُجُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْحُبِّ فِي الْحَلْقَةِ الْجِنْسِيَّةِ، مُعْتَبِرًا حُبَّ الْأُمِّ عُقْدَةَ أُودِيبَ، وَحُبَّ الْأَبِ عُقْدَةَ إِلِكْتِرَا، وَحُبَّ النَّفْسِ نَرْجِسِيَّةً.)
(وَيَصِفُ الدِّينُ النَّفْسَ بِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفُجُورِ وَالتَّقْوَى، وَأَنَّ اللهَ أَلْهَمَهَا كِلَيْهِمَا، مِمَّا يُتِيحُ لِلْإِنْسَانِ الِاخْتِيَارَ بَيْنَ الِارْتِقَاءِ نَحْوَ اللهِ أَوِ الِانْحِدَارِ فِي دَرْكِ الشَّهَوَاتِ.
يَعْلَمُ الْقُرْآنُ أَنَّ هُنَاكَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْأَحْلَامِ: نَوْعٌ يُطْلَقُ عَلَيْهِ "أَضْغَاثُ الْأَحْلَامِ" وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِشَهَوَاتِهَا وَرَغَبَاتِهَا أَوْ حَدِيثُ الشَّيَاطِينِ إِلَى تِلْكَ النَّفْسِ أَثْنَاءَ النَّوْمِ، وَهُوَ مَا اشْتَغَلَ فُرُويدُ بِتَفْسِيرِهِ. ثُمَّ هُنَاكَ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْأَحْلَامِ هُوَ الرُّؤَى، الرُّؤَى الَّتِي تَأْتِي إِلَى النَّفْسِ مِنَ الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَتَكُونُ حَدِيثًا مِنَ اللهِ إِلَى نَفْسٍ نَائِمَةٍ أَوْ حَدِيثًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى تِلْكَ النَّفْسِ. وَمِثَالُ ذَلِكَ الرُّؤَى الصَّادِقَةُ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِدِقَّةٍ فِي وَقْتِهَا وَنَصِّهَا، وَلَا مَكَانَ لِهَذِهِ الرُّؤَى عِنْدَ فُرُويدَ وَنَظَرِيَّتُهُ تَعْجَزُ تَمَامًا عَنْ تَفْسِيرِهَا، مَعَ أَنَّهَا تَجْرِبَةٌ عَادِيَّةٌ عَاشَهَا كُلٌّ مِنَّا وَجَرَّبَ جُزْءًا مِنْهَا.)
كَمَا أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ هِيَ مَسْأَلَةٌ تَهْدِمُ الْفِكْرَ الْمَادِّيَّ مِنْ أَسَاسِهِ، سَوَاءٌ الْفِرُويْدِيَّ مِنْهُ أَوِ الْمَارْكِسِيَّ، لِأَنَّهَا إِثْبَاتٌ صَرِيحٌ يُؤَكِّدُ سَبْقَ الْفِكْرِ عَلَى الْوَاقِعِ وَسَبْقَ الْغَيْبِ عَلَى الْوَاقِعِ. وَيُمَيِّزُ الْقُرْآنُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْأَحْلَامِ وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ: "يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ" (يُوسُفُ: الْآيَةُ 43)، قَالُوا: "أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ" (يُوسُفُ: الْآيَةُ 44). فَهُنَاكَ إِذًا أَضْغَاثٌ وَرُؤًى، وَلَكِنَّ فِرُويْدَ لَا يَرَى مِنَ الْأَحْلَامِ إِلَّا تِلْكَ الْأَضْغَاثَ وَالْهَلْوَسَةَ الشَّهْوَانِيَّةَ، وَلِهَذَا يَرَى أَنَّ السَّعَادَةَ وَالرَّاحَةَ فِي إِشْبَاعِ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ، بَيْنَمَا يَرَى الدِّينُ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي مُخَالَفَتِهَا وَقَمْعِهَا وَالتَّحَكُّمِ فِيهَا وَالتَّسَلُّقِ عَلَيْهَا عَوْدًا إِلَى الْوَطَنِ الْأَوَّلِ إِلَى اللهِ الَّذِي مِنْهُ جَاءَتْ كُلُّ النُّفُوسِ وَإِلَيْهِ تَعُودُ. وَالْحُزْنُ الْحَقُّ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ نَتِيجَةُ فِرَاقِ هَذَا الْوَطَنِ الْإِلَهِيِّ وَالِانْغِمَاسِ فِي ظُلُمَاتِ الدُّنْيَا، أَمَّا الْحُزْنُ عِنْدَ فِرُويْدَ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ نَتِيجَةُ حُبِّ الدُّنْيَا وَالْحِرْمَانِ مِنْهَا. وَيَنْظُرُ عِلْمُ النَّفْسِ الْحَدِيثُ إِلَى النِّسْيَانِ بِاعْتِبَارِهِ مَرَضًا يَنْتُجُ مِنْ عَدَمِ الِاهْتِمَامِ أَوِ الِاهْتِمَامِ الزَّائِدِ أَوْ كَوْنِ الْمَوْضُوعِ الْمَطْلُوبِ تَذَكُّرُهُ مَوْضُوعًا مُؤْلِمًا أَوْ بِسَبَبِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ أَوْ كَبْتِ الْخِبْرَةِ الْمَنْسِيَّةِ فِي اللَّاشُعُورِ. وَالطَّبِيبُ النَّفْسِيُّ يُحَاوِلُ أَنْ يَصِلَ إِلَى هَذِهِ الْخِبْرَةِ الْمَنْسِيَّةِ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّنْوِيمِ الْمِغْنَاطِيسِيِّ أَوْ بِمُلَاحَظَةِ الْمَرِيضِ فِي أَثْنَاءِ تَدَاعِي خَوَاطِرِهِ. وَلَكِنَّ الدِّينَ يَنْظُرُ إِلَى الْمَوْضُوعِ فِي إِطَارٍ أَوْسَعَ وَأَشْمَلَ، هُوَ إِطَارُ الْعَلَاقَةِ بِاللهِ. فَمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَبِّهِ ذَاكِرًا لَهُ عَلَى الدَّوَامِ، كَانَتْ قُدْرَتُهُ دَائِمًا مُكْتَمِلَةً وَحَاضِرَةً وَجَاهِزَةً، لَا يَنْسَى شَيْئًا وَلَا يَغِيبُ عَنْ بَالِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ فِي دَائِرَةِ النُّورِ. أَمَّا الْبُعْدُ عَنِ اللهِ فَيُدْخِلُ صَاحِبَهُ فِي دَائِرَةِ الظُّلْمَةِ وَيَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ "نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ" (الْحَشْرُ: الْآيَةُ 19)، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَتَخَبَّطُونَ فِي مَتَاهَاتِ النِّسْيَانِ وَالْحَيْرَةِ وَالضَّيَاعِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَظْرَةِ عِلْمِ النَّفْسِ وَنَظْرَةِ الدِّينِ هُوَ افْتِقَادُ عِلْمِ النَّفْسِ لِلشُّمُولِ وَالنَّظْرَةِ الْكُلِّيَّةِ.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
- عمل الإستعمار الفرنسي على إلغاء الزراعات التقليدية و إستغلالها و إدخال الإستعمار الكولونيالي ما يع...
3. تخفيف إجهاد الملح من خلال استراتيجيات مختلفة في النباتات طورت النباتات أنظمة مرنة للتعامل مع إجها...
لقد واجهت الباحث عدة صعوبات نذكر منها أن طبيعة الظاهرة السياسية على مستوى ديناميتها وتشابكها وتداخله...
2.موقف الفلاسفة من مسألة "علم الله بالجزئيات" و( أي هل يعلم الله التفاصيل الدقيقة للأشياء أم الكليا...
، وهو من النوافذ السورية الهامة على تركيا وأوروبا، حيث تبعد قرية "أوردو التركية عن المعبر الحدودي مس...
أول أسبوع من إجازة الصيف ,, يوم الأربعاء ,, فـ قاعه من قاعات الخبـر كان زواج صاحب أباء أبطال روايتنا...
تشكلت دول المدن اليونانية القديمة، مثل أثينا وإسبرطة وكورنث، تجارب سياسية متنوعة أثرت في الفكر السيا...
العنف كل ماذكر الأنانية ، العنف والعدوانية ،الانسحاب الاجتماعي العنف -الانتصار - البطولة -المكسب - ...
جراءات التعامل مع الديون المشكوك في تحصيلها: 1. تكوين مخصص بنسبة 50% من قيمة القرض إذا: o كان هناك أ...
تُعد المياه عنصرًا أساسيًا في حياتنا اليومية، ويتجاوز دورها إرواء العطش إلى دعم وظائف الجسم الحيوية....
يهدف البحث إلى التعرف على تأثير تمرينات تاهيلية باستخدام السلسلة الحركية المغلقة تحسين المصابين الذي...
المقطع الخامس : التجربة الجزائرية في مكافحة الفساد مقدمة المقطع : تعتبر مكافحة الفساد الإداري من أب...