Lakhasly

المحاضرة الرابعة : الشعر في صدر الإسلام

شعر الفتوحات الإسلامية

لم يتصف موقف الإسلام من الشعر والشعراء بالعداء؛ فالآيات القرآنية التي نزلت

بخصوص الشعراء، كانت تتعلق بالشعراء المشركين الذين حاربوا الدعوة الإسلامية، أو

وصفوا القرآن بالقول الشعري، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم - شاعر؛ فلقد اتخذ

الإسلام من الشعر مواقف تنسجم وطبيعة المرحلة التي شهدتها الدعوة والمواقف الإسلامية

تلك كانت منبثقة من ظروف الدعوة نفسها. فنجد أن الدين قد ذم الشعر والشعراء، وهون من

أقدارهم في الفترة الأولى فترة البدء بنشر الدعوة، حين كان الشعر يهاجم الدين وينتقص

منه، ويرمي المرجمون الرسول بانه شاعر، وقوله الشعر، فهو سلاح من أسلحة الشرك، ثم

يكون الإسلام مشجعا وموجها للشعر والشعراء، وذلك حين أتيح للمسلمين أن يتخذوا الشعر

سلاحا من أسلحة الحرب، يقاتلون به أعدائهم المشركين الذين شهروا بوجوههم السلاح

ذاته » ، فقد ميز الإسلام بين قيمة الشعراء المسلمين وأعدائهم المشركين الذين كانوا

يهاجمون الدين والرسول - صلى الله عليه وسلم - بأشعارهم وأفعالهم.

1- أثر الإسلام على الشعر والشعراء

لقد كان أثر الإسلام على الشعر والشعراء بالغ الأهمية؛ فقد جاء الإسلام بتغيير في الفكر ونمط الحياة، وتعاليم جديدة، فتغيرت معاني الشعر، وأصبغت بدلالات دينية، وصار وسيلة فعالة للدفاع عن الدين من خلال رد الشعراء المسلمين على الشعراء المشركين والدفاع عن الدين والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد ساهم الإسلام في تطور الشعر
العربي؛ حيث « ظل مزدهرا في صدر الإسلام، وليس بصحيح أنه توقف أو ضعف كما 1 ظن ابن خلدون وتابعه فيه بعض المعاصرين ، وتمثلت مظاهر تأثير الإسلام في الشعر والشعراء في صدر الإسلام من خلال اتجاهين هما

1-1 من حيث المعاني

لقد حافظ الإسلام على العديد من الأغراض الشعرية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي، لكنه هذبها كالفخر والحماسة ؛ « فلم يعد الشاعر يفخر بإعلاء كلمة القبيلة أو رفع شأنها، ولا بكسب المغنم أو سبي الأعداء. بل صار يفخر بنيل الشهادة في سبيل الله، وبتأييد الملائكة لجند الله، وبانتصار المؤمنين الصادقين ، في حين صار المدح مواكبا للقيم الأخلاقية والاجتماعية الاسلامية؛ فانصرف الشعراء إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وصفاته الحميدة، ومدح رسالة الدين الإسلامي، والتي هدفها هداية البشرة، وقد اختلفت مضامين الهجاء عما كان عليه في العصر الجاهلي ؛ « إذ لم يكن تسرعا بالشعر إلى أعراض الناس، ولا قذفا بألوان الشتائم والمساوئ، وإنما كان هجاء لمن ضل عن طريق الحق وتنكب سبيل الهداية » ، أما الرثاء فقد حافظ الشعراء المسلمون على خصائصه لكن « تبدلت الشمائل التي يعددها الشعراء في مراثيهم، إذ أخضعوها للمقاييس الإسلامية الجديدة، فتحدثوا بسيرة لم تكن تعرفها الجاهلية، فيها المجد والتقوى والإيمان، وفيها الخير

والبر والوفاء وفيها الرحمة والهداية والنقاء » ، كما ظهرت أغراض جديدة منها :
أ- الشعر الديني

تحدث الشعراء المسلمون من خلال هذا الغرض عن تعاليم الدين الإسلامي ومبادئه وقيمه، وعن « وحدانية الله، وعن الوحي والنبوة، وعن عقيدة الخلق والحياة، وعن الموت والبعث والحساب، وعن الثواب والعقاب الجنة والنار، والحلال والحرام ..

ب الوعظ والإرشاد

لقد « احتاجت أوامر الدين ونواهيه إلى الحث على الالتزام بها وتنفيذها، فنشأ لون جديد من الشعر هو شعر الوعظ والإرشاد، وقد حاول شعراء صدر الإسلام الإفادة من فنهم 2 الشعري لتحقيق هذه الغاية النبيلة التي دعا إليها القرآن » ، فقد دعا هذا الغرض إلى اتباع

مبادئ الإسلام و أوامره .

ج الوصايا :

تعد الوصايا من شعر الوعظ والإرشاد والذي تطور في صدر الإسلام والعصر الأموي؛ حيث يقوم الشعراء بنصح أبنائهم وأهلهم، ويخبرونهم خلاصة تجاربهم الحياتية، وقد ظهرت الوصايا في العصر الجاهلي، لكن مضامينه تختلف بين العصرين بسبب مبادئ

الإسلام وتعاليمه التي هذبت المفاهيم وقيم الإنسان.

د الزهد :

عبر الشعراء في صدر الإسلام عن الزهد الذي دعا إليه الإسلام؛ بالابتعاد عن ملذات الحياة ومتاعها، دون الانقطاع التام عن الدنيا، وقد كثر الوعاظ والزهاد في صدر الإسلام
والذين يدعون إلى الزهد، فكان لهم بالغ الأثر في نفوس الشعراء، وتجلى ذلك في نصوصهم

الشعرية، فنظم العديد من الشعراء أشعارا كثيرة في غرض الزهد .

هـ - شعر الفتوحات الإسلامية :

وصف الشعراء في هذا الشعر المعارك التي خاضها المسلمون أثناء الفتوحات الإسلامية، وتصوير بطولاتهم، وشجاعتهم وثباتهم في الجهاد لنصر الدين الإسلامي ونشر تعاليمه، إعلاء لصوت الحق ورسالته ، وقد « ترددت المعاني الإسلامية الجديدة في أشعار أولئك المجاهدين المنطلقين في سبيل الله، وهم يحملون في صدورهم تعاليم الإسلام ويحدوهم الهدف النبيل الذي خرجوا من أجله، وهو النصر لإعلاء كلمة الله، أو الشهادة

ودخول الجنة . 2.

و - شعر الشكوى

يتضمن هذا الشعر شكوى الشعراء ضد الولاة الذين استغلوا مناصبهم، في نهب أموال

المسلمين، وتقديم تلك الشكوى إلى الخلفاء، كي ينظرون في أمرهم.

2-1- من حيث الأسلوب

أ - الألفاظ:

قام الاسلام بتوسيع دلالة ألفاظ عديدة كانت متداولة قبل انتشاره، كما ظهرت ألفاظ

أخرى ذات دلالات إسلامية ؛ كمفردات الإيمان، الكفر، النبوة، الرسالة الجنة التقوى

الجهاد القيامة المسجد القرآن وغيرها.
ب بناء القصيدة وتقاليدها :

تخلى الشعراء المسلمون عن الإلتزام بتقاليد شعرية كثيرة كانت سائدة في الشعر

الجاهلي، مثل مخاطبة الاثنين، ورحلة الشاعر، الناقة، المقدمة الطللية.

ج الاقتباس من القرآن والحديث الشريف

حاول الشعراء تقليد أسلوب القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف؛ فاقتبسوا منهما المعاني الإسلامية والألفاظ الدالة عليها، وكذلك الآيات القرآنية، مع تغيير في تراكيب الجمل وترتيبها، كما أخذوا من الحديث الشريف بلاغة لغته وأسلوبه فيقتبسون نص الحديث الشريف، غير أنهم غيروا بعض ألفاظه وتراكيبه.

2 مضامين شعر الفتوحات الإسلامية

واكب ظهور شعر الفتوح حركة الفتوحات الإسلامية التي ساهمت في نشر الإسلام ولا ينحصر مفهوم الفتوح على «الانتصار العسكري فحسب، بل يتعداه إلى الانتصار في مختلف الميادين العسكرية والأدبية والأخلاقية، والتي سببت مجتمعة دخول الأقوام في البلاد المفتوحة عسكريا في دين الإسلام بقناعة و رضا، مما سبب انتصار عقيدة التوحيد على الشرك في تلك البلدان ، ، وقد نظم العديد من الشعراء شعرا يعج بالروح الدينية، ويروي أحداث المعارك والحروب التي خاضها المسلمون لنشر الدعوة الإسلامية؛ حيث خرج العرب من جزيرتهم بعد حروب الردة يجاهدون في سبيل الله دولتي الفرس والروم فقضوا على الأولى، واستولوا على أهم ولايتين للثانية، وهما الشام ومصر. وكانوا في أثناء هذا
الجهاد ينظمون أناشيد حماسية مدوية، يتغنون فيها بانتصاراتهم ويتمدحون بشجاعتهم وما يؤدون الله ودينه ، كما احتوى شعر الفتوحات على مضامين أخرى، ومن بينها :

-أ- توثيق وقائع الحروب والمعارك التي خاضها المسلمون:

لقد بث الإسلام في نفوس المسلمين الرغبة في رفع راية الإسلام ودين الحق والجهاد في سبيل تحقيق هذا الهدف، وحفزهم لمواجهة أعداء الله بكل عزيمة، دون تردد ، عازمين على الظفر بنصرة الله، حتى ولو كلفهم ذلك حياتهم، فكان شعر الفتوح الذي يروي وقائع المعارك والحروب التي خاضها المسلمون ضد الكفار بمثابة وثيقة تاريخية، سجلت الأحداث بصدق، وقدمت صورة حية عنها ، ومن بين تلك الوقائع التاريخية معركة القاديسية ضد الفرس، ومن شعرائها عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهو شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم ، وقد كانت له « آثار مشهورة في القادسية واليرموك ونهاوند » ، يقول في

معركة القادسية واصفا حسن بلانه هو وقومه فيها:

والقَادِسِيَّةُ حِينَ زَاحَمَ رُسْتَمُ

الضارِبِينَ بِكُلِّ أَبْيَضَ مِخْدَمٍ

كُنَّا الحُمَاةَ بِهِنَّ كَالْأَسْطَانِ وَالطَّاعِنِينَ مَجَامِعَ الْأَضْغَانِ

ب المراثي

لم تقتصر مضامين شعر الفتوح الإسلامية على المعاني الحماسية، والمعارك؛ بل تعدت ذلك إلى التعبير عن أثر فقدان من شاركوا بتلك المعارك؛ حيث يقوم الشعراء برثائهم معبرين عن حنينهم إليهم، من ذلك رثاء كثير بن الغريزة لمن فقدوا في معارك الطالقان

وجوزجان في عهد عمر بن الخطاب
سقى مُزْنُ السَّحَابِ إِذَا اسْتَهَلَّتْ ومَا بِي أَنْ أَكُونَ جَزِعْتُ إِلَّا وَرُبَّ أَخٍ أَصَابَ المَوْتُ قَبْلِي

3- خصائص شعر الفتوحات الإسلامية

مصارع فِتْيَةٍ بِالجوزجان حَنِينَ القَلْبِ لِلْبَرْقِ اليَمَانِي بَكَيْتُ وَلَوْ نُعِيتُ لَهُ بَكَانِي

اتسم شعر الفتوحات الإسلامية بعدة خصائص فنية، من أهمها:

أ- الإيجاز والقصر : لقد اتصف شعر الفتوحات الإسلامية بالإيجاز و القصر؛ حيث كان

أغلبه عبارة عن مقطعات شعرية؛ فقد تخلى شعر الفتوحات عن بعض التقاليد الفنية للقصيدة

العربية، كما أن تلك المقطعات الشعرية القصيرة لم تكن تتضمن إلا على غرض واحد.

• ب - تميزت الألفاظ والأفكار بالسهولة والوضوح، وبعدها عن التعقيد والغرابة.

-ج- الابتعاد عن التكلف والصنعة.

لقد واكب الشعر العربي في صدر الإسلام الأحداث التاريخية والدينية التي عاشها العرب والمتعلقة بنشر الدين الإسلامي، وما صاحبها من غزوات ومعارك حربية وشعرية

لنصرة الإسلام، وقد ساير الشعراء التغيرات التي طرأت على حياة العرب المسلمين؛ إذ انصرفوا عن المضامين الشعرية التي تتنافي مع قيم الإسلام، وحلت مكانها مضامين تمثل مبادئ وقيم الدين الإسلامي، والتي توضح تأثر الشعراء بالإسلام، ولعل ذلك يتجلى من خلال حماسة الشعراء في وصف معارك المسلمين ضد المشركين خلال الفتوحات الإسلامية، ومدحهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهجائهم للمشركين... وغيرها .