Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

فيه: إن السعادة في الحياة تقوم على الحالة النفسية الطيبة (وهي كما أشرنا قضية سبق
أن عدر عنها أفلاطون على لسان سقراط في محاورة الدفاع» كما يرجع إليها أرسطو في
فقرات تالية)' كما أن امتلاك الخيرات الخارجية بغير مبادئ أخلاقية هو الشر بعينه. يُطرّح عما إذا كان ينبغي على الإنسان أن يتفلسف. ويتناول القضية الأساسية الثانية فيبين ضرورة التفلسف وقيمته في الحياة
" فإذا كان أصحاب الصنائع وأرباب المهن اليدوية يكتشفون أفضل
الأدوات عن طريق ملاحظة الطبيعة فيتحتم على السياسي ورجل الدولة أن تكون لديه
معايير يستمدها من الطبيعة ومن الحقيقة. ويحكم بها على كل ما هو عادل وجميل
ولا سبيل لمن لم يهب حياته للفلسفة ولم يعرف الحقيقة أن يتوصل إلى هذه المعايير
المستمدة من المعرفة النظرية بالمبادئ والعلل الأولى, تستغنى عن المعرفة النظرية» فالأشياء الجسمية مجرد أدواتء وعلينا أن نطلب المعرفة
التى تساعدنا على حسن استخدامها. فالأشياء تنشأ عن طريق
من كون إلى نمو إلى تحقيق غاية إلى تحلل ففساد. التي تَطبع بخاتمها مذهب أرسطو كله؛ مظاهر إبداعها جميلة بقدر ما تسير العملية الطبيعية السابقة في طريقها السوي؛ تكون منتجات الفن والصنعة البشرية جميلة بقدر ما تُحاكي الطبيعة وتُكمل ما تركته
فالطبيعة نفسها تقضي بأن يكون
الهدف الأسمى للإنسان هو تحقيق مَلّكة العقل التى نسميها الحكمة أو الفطنة (ب١١-‏
‎)١‏ وبحكم الطبيعة نفسها توجد مستويات مختلفة لَلّكة العقل والقدرة على التفكير, هذه المستويات تُؤلّف سُّلمًا من القيم يتربّع على قمَّته الفكر الذي تتم فاعليته ويُختار كذلك
هل يستعصي على الناس بلوغ هذه الغاية الرفيعة؟ إن أرسطى
يؤكد أن الحياة الفلسفية أو الموقف الفلسفى من الحياة ليس هدفًا مستحيلًا على الإطلاق:
بل إن صعوبة تحصيل الفلسفة تقل في رأيه بكثير عن الفائدة التي تتيحها والفرح الذي
نجنيه منها (ب51)ء وهناك في الواقع علم بالعدل والعدالة كما أن هناك علمًا بالطبيعة
وبكل ما هو موجود على الحقيقة ونحن قادرون على تحصيلهما سواءً بسواء (وهما علم
الأخلاق وعلم الطبيعة بالمعنى الأرسطي)» والمسألة في النهاية مسألة نظر وعلم نظري
بالمبادئ والأصولهذا العلم الخالص يسبق كل علم لاحق بالأشياء والأدوات والأجسامء كما تسق العلّة
فمعرفة الأولي والبسيط في الطبيعة
لآن كل ما عداهما يتكوّن من هذه العناصر ويُبنى
منهاء ثم إن كل ما هو خير فهو كذلك محدد ومنظم. والعوامل والعناصر الأولية؛ أى هو - كما نقول اليوم - معرفة «البنية» الأساسية بحيث
؟). وامتلاك القدرة على التفكير ومَلّكة العقل وفقًا لمبدأ الغاية هو أسمى الخيرات التى
يُتاح للإنسان امتلاكهاء ومن ذا الذي يمكنه أن يُجِسَّد لنا المعيار الدقيق للخير والدليل
الهادي إليه غير البصير الحكيم؟ لا بد للإنسان من التمييز بين ما هى خيرٌ وما هو
ضروريء وحتى لى ثبّت له أن امتلاك الحكمة وملكة العقل والتفكير لا ينفعه في الحياة
فإن
هذا لا يمنع أن التفكير يحمل قيمته في ذاته. وأنه جدير بالاختيار والتفضيل في كل الأحوال
ب55-78)» ويرجع أرسطو في ختام هذا الجزء من كتابه إلى الحجة التي انطلق منها
ب١١)»‏ وهي غائية الطبيعة التي تميل بها إلى تحقيق الأقيم والأجمل والأرفع (ب55). ؟) ومع كل هذه المحاذير فإن النظر العقلي في أصول الأشياء ومبادتها أمر نافع للحياة
العملية؛ الطبيعة ومن الحقيقة» ويستعين بهافي الحكم على ما هو عدل وحق وجمال (ب545-١5), فواقعية أرسطو وخبرته بالعالم والناس تجعله يفلسف
ولهذا يقول صراحةًٌ إن من الواجب تحويل المعايير إلى أفعال. الإنسان الذي يوقف حياته على النظر ويهبها للفلسفة لا يتلقى من الناس أجرًا ولا جزاءً. ولكنها تستولي عليه ويجد سعادته الكبرى في الاشتغال بها والعكوف عليهاويتساءل أرسطو: ما هي مهمة الفلسفة؟ ولماذا كان بلوغ الحكمة هو غايتنا
القصوى؟ ويبدأ في الإجابة على هذا التساؤل بالحديث عن العلاقة بين الجسم والنفس»
التوصل للحقيقة (ب11-77). ونحن نسعى في طلبها عن طريق التأمل الفلسفيء ونبلغ
أسمى درجة في هذا التأمل عندما نطليها لذاتها (ب151-17): ثم يستطرد أرسطو إلى
الصادقء وأجدر شيء بالاختيار عند الإنسان هو التبصر الفلسفي؛ ولهذا يسعى الناس
5) والحياة العقلية بجانب هذا كله حياة غنية بالفرح؛ الأول فرصة مواتية للحديث عن فكرته الرئيسية المعروفة عن القوة والفعل» ويعرضها
عرضًا مبسطًا يتقبله القارئ العادي؛ فيميز بين المستيقظ والنائم» بين المبصر بالفعل
والقادر على الإبيصارء بين العارف بالإمكان ومن يستخدم معرفته ويطبقهاء لينتهي من
ذلك إلى القول بإن الفعل أعلى قيمة من الانفعالء وإن أسمى أفعال النفس هو التفكير, ولهذا تكون الحياة الكاملة من نصيب أصحاب الفعل
أي من نصيب المتفلسفين» وهؤلاء هم الذين يبلغون الغاية؛ لأنهم هم الذين
يقومون بالفعل الفلسفي - على أساس العلم المتناهي في الدقة لا على أي وجه كان! -
من جديد أن التفلسف هو الحياة السعيدة الكاملة أو هو على الأقل أنجح الوسائل المؤدية
1) ويسوق أرسطو حُجة بلاغية جديدة يبدأ بها نغمة سوداء لا تقار بالنغمة السابقة
المتألقة بالبهجة والفرح؛ الأشباحء فالأشياء التي تبدو في أعين الناس عظيمة ليست في حقيقتها إلا ألعاب ظلال. وتقصبل:خاتمة اللحن المكتثب فتقتيس من الحكماء والشعراء القدماء مؤكدة أن حياة
ويلتصق
العضو بالعضوهل أراد امُعَلّم الأول أن ينفرنا من حياتنا العادية المشغولة بالنهم إلى الثروة والغنى
والشهرة وغيرها من الخيرات الظاهرية الخادعة لنحقق العلى فوقها على جناح التفلسف. فليس ثمّة شيء إلهي في الإنسان إلا
حياة تخلى من التأمل لهي حياة تخلو من كل قيمة ولا تليق بإنسان (ب8١١-١١1). متى وضع أرسطو هذا الكتاب؟ أهو من كتابات الشباب «المنشورة» أم من مؤلفات الرجولة
«المستورة»؟ ألدينا أي دليل على زمن التأليف أم لا نملك إلا الترجيح؟ هل كان عند تأليفه
تلميدًا مخلصًا لأفلاطون أم استطاع أن يتحرر من سطوته وبدأ يفكر لنفسه ويُعلي بناء
وهي لا تزال إلى اليوم تتأرجح على حافة الرأي والترجيح والتخمين. وقد سبق له أن
كان الرأي بين معظم الباحثين منذ أُلّف العالم الألماني «ييجر» كتابه المشهور عن أرسطو
وتطوره الفكري سنة +157 - أن أرسطى ظل طوال الفترة التي قضاها طالبًا ومعلمًا
في الأكاديمية الأفلاطونية وقاربت العشرين عامًا - ظل طوال هذه الفترة وحتى موت
وهذه المحاورة التي نتحدث عنها الآن: «بروتريبتيقوس». * وقد زعم
«ييجر» أن الكتاب الأخير كان بمثابة برنامج دراسي للأكاديمية» ودعوة إلى اَل الأعلى الذي
ومع ذلك فإن «البروتريبتيقوس» يسجل
التحول الذي أصاب نفوس الجيل الجديد من شباب الأكاديمية وغيّر من نظرتهم إلى
الحياة العقلية. لقد حرص أفلاطون على تحقيق الَكل الفلسفى الأعلى في الحياة: ولكنه أراد
من نور الُْثل والحقائق الخالدة. أما الجيل الشاب فوجد قيمة الحياة في تأمل الباطن؛ بهجة الرؤية والنظر الخالص: بهذا تحولت مثل الإصلاح السياسي والأخلاقي عند أفلاطون
ولقد أكد «ييجر» أن أرسطى كان يقف في هذا
الكتاب على أرض ميتافيزيقية مختلفة عما نجده في كتاباته التعليمية المتأخرة» وأن الأفكار
وكل هذا يؤكد في رأيه أن
أرسطو ظل في هذا الكتاب وفي سائر محاوراته الضائعة وفيا لأفلاطونء وأنه لم يصبح
إلى كتابات أرسطو ولا إلى التراث القديم من مؤلفات المؤرخين وكُتَّابٍ السير» أضف إلى هذا
والتعليم في الأكاديمية؛ وأن الكتاب نفسه قد وضع حوالي سنة ٠751-765ق. العقليء وفي نفس الوقت الذي كتب فيه أفلاطون رسالته السابعة. إثبات هذا التاريخ بالدليل القاطع؛ والمهم
على كل حال أن الكتاب يعطينا فكرة طيبة عن تفكير أرسطو في هذه المرحلة من حياته
4-7‏ ولقد مضى أكثر من قرن على الفرض السابق الذكر الذي قدمه «بايووتر» مع
تحليل كلماته وأسلوبه ومضمون معانيه وتطابقها مع نظائرها في سائر كتبه البعيدة عن
الشك؛ ولا نريد أن ندخل في دقائق هذه التحليلات اللغوية والنقدية المضنية للأسباب التي
لمحة عن عمق البحث العلمي الذي نكتفي في العالم العربي بالوقوف عند سطحه أو نهب
هذا الكتاب؛ فقد نشر [ ثلاثة أبحاث كبيرة] ‎١"‏ عن الكتاب نفسه وعن أرسطو وعرض تفكيره
وقدّم النص اليوناني وحلل كلماته وأسلويه وقابله بكلمات الكتب الأرسطية
المعتمّدة وأسلويها وأفكارها الأساسية كما قدم معه ترجمة ألمانية للنص المختلّف عليه
والنص الذي قدمه وأعاد بناءه يضم ‎11٠١‏ كلمة وضع فهرسًا لسبعمائة كلمة مختلفة
منها ثَبَتَ له أن اثني عشرة كلمة منها فقط لا وجود لها في كتب أرسطو الأصيلة» وإن
كانت من الكلمات المألوفة عند أفلاطون أو عند كُتَّابٍ العصرء والأهم من هذا أنه قدم
المواضع التي يعمد فيها «يامبليخوس» إلى اختصار النص الأصلي أو التعبير عنه بأسلوبه
إنما تدل جميعها على
وهي الكتب المنشورة أو غير العلمية بالمعنى الدقيق التي كان يقصد بها عامة المثقفين؛ ولهذا
إن يستحيل كما قدمنا أن يُقطع في أمره
' كما أن المحاولات المختلفة لترتيب النص ستظل محاولات لا تختلف
على الحجة والبرهان» وهي كلها دليل متجدد على أن العلم نفسه محاولة؛ وسيبقى محاولة
‏تلك - باختصار - هي محاولة «ديرنج» التي انتهى منها إلى أن الذي أعاد ترتيبه
أ. ه. كروست:ء وج. له وأضاف إليه بعض التعديلات التي لا تستحق الذكرء*! وأما الثاني فقد اكتفى بنشر
هذه الخيوط التقريبية كلها يصل إلى تعريف نهائي أو نتيجة أخيرة تضم شبكة النسيج الفكري كله في
فالمؤلف يعتمد - بجانب النص المأثور عن يامبليخوس - على
ويضم الباحث كل
هذه النصوص إلى نص يامبليخوس وبردية أكسيرنكوس اللذين اعتمد عليهما «ديرنج»
و«فلاشار»؛ وذلك دون أدنى مبرر مقنع يُسوّغْ ضمها إليه أو بالأحرى حشرها فيه؛ ‏ولا شك أن الحكم على مثل هذه المحاولات وترجيح إحداها على الأخرى أمر يستلزم
يدّعيها لنفسه. إن محاولته تقديم هذه الدعوة الملحّة إلى الفلسفة لقارئه العربي ستظل
علمه وجهده. وندرة المراجع التي بين يديه! 1
‏وأخيرًا فلا بد منذ ذكر بعض الملاحظات عن أسلوبي في تعريب النص والتعقيب عليه في
والزيادات التي رأيت إضافتها إلى النص نفسه رغبة في
يتحرك في نفسي الدافع الملحّ لنقله إلى العربية. كنت في البداية أستبعد الفكرة لإشفاقي مما
ستسببه من عناء؛ النص ومشكلاته وأقتصدياته (وكنت قل كانت هذه اللغة قبل عشرين سنة ثم طحنتها
‏مرارة الأيام!) ولكن حبي للنص وإعجابي بعظمة صاحبه لم يتركا لي فرصة للتردد» رحت
أنقله وأراجع كلّ كلمة وكل سطر على الترجمة الألمانية الحديثة المواجهة له في الطبعة التى
بين يدي وإذا كان من حقي أن أقول بأنني استوعبت النص الأصلي - باستثناء عبارات
التي قام بها الأستاذ «ديرنج» ما تأكدت من صحة عبارة واحدة نقلتهاء ولا تجرأت أصلًا
على هذه المحاولة ولهذا يطيب لي أن أسجل شكري وعرفاني بجهود هذا العالم الجليل؛ واستعنت بها على كتابة الهوامش
والتعليقات, ولم أشأ أن أثقل على القارئ العربي بكلمات يونانية لم أجد داعا للإكثار منهاء
فاكتفيت بالإشارة في الهامش لما وجدته ضروريًا لا غنى عنه في التعرف على المصطلحات
ولكني لم أستطع في نفس الوقت أن أهمل حاجة الباحث المتخصص
في الفكر اليوناني عمومًا والفكر الأرسطي يوجه خاصن إلى مزيد من التفاصيل: قأضفت
واعتمدت في جانبها الأكبر على تعليقات الناشر
نفسه. وكان من الممكن الرجوع إلى المصادر المشار
إليها (وخصوصًا محاورات أفلاطون وبالأخص الجمهورية) رغبة في المزيد من التعمق في
جذور الفلسفة الأرسطية والتعرف إلى «الآباء» الذين يَتنحدر منهم نص هذا الكتاب وكثير
ويرتبط
وقد دفعتني الرغبة في الوضوح والتيسير على القارئ أن أضع بين قوسين كلمات
تربط بين عبارات أرسطو المعروفة بالتركيز المرهق والإيجاز الشديد, العلمي الذي وضعه الناشر المحقق لفقرات الكتاب: وهو تقليد مُتَّبع في سائر الطبعات
المعتمدة لأرسطو وغيره من الكُتَّابِ الكلاسيكيين. ويُهمني قبل كل شيء وبعد كل شيء أن
يجد القارئ في هذا الكتاب - بجانب الفائدة العلمية الخالصة - شيفًا من المتعة والبهجة
أن يخرج منه القارئ العربي وهو أقدر على التفلسفء أي على التفكير الكلي الحر الذي
بداية كتاب دعوة للفلسفة
أعلمها عن طريق السماعء وإني لمقتنع (ب١)‏ بأنه ما من أحد يَملك أنسب مما تملك من
ملّكات'” تُعينك على الإقبال على الفلسفة؛ وأنت كذلك تحتل مكانة مرموقة؛ وهم «لا يذهبون إلى هذا الرأي» بغير مبرر؛ أنك صادفت في حياتك حالات أخرى حَدَتْ فيها العكسء وقد يمكنك؛ من معرفتك بالماضي
'”
لقد عرفت رجالا أسرفوا في الثقة بالثروة والحظ والقوة ولهذا قُضي عليهم بالانحدار «إلى
ولما كنا نلمس؟' نَكَد الطالع الذي يُلمّ بهؤلاء الناسء فإن علينا أن نتحاشى مثل
وإنما تعتمد
فلن يصف إنسان أحدًا
بل سيخلع هذه
ولا إنسانًا بالسعادة إلا إذا كان مهذباء ولكننا نمنع هذه الصفة عمَّن يتحلى بمظاهر الزينة
المنحطّين من الناس"" إذا حصلوا على ثروة طائلة أن يُقدَّروا قيمة هذه الثروة تقديرًا يفوق
تقديرهم لخبرات النفسء وهذا هو أحقر شيء (يمكن تصوّره). الغطرسة: وإذا ما اقترن النقص في التربية'” بالقوة والسلطة تولّد عن ذلك الجنونء وأولتك
الأمور ازداد ضمررها على صاحبها عمقًا وتنوتًاء وذلك إن لم تقترن بالتبصر (والحكمة)إن المثل القائل: «لا تعطٍ السكين للطفل» يعني ألا تضع القوة في أيدي الرعاع. إن التيصر الفلسفى"؟” - وهذا ما سوف يوافقنا عليه الجميع - هو ثمرة الجهد الجاد
لهذا يتحتم علينا - دون لجوء إلى
(ب17) لا كنا نتوجّه
فلا بد أن نضيف
وفي هذا الصدد نقول: (ب8) إن ما يقع تحت تصرفنا لتيسير شئون الحياةء كالجسد
واستخدام هذه الأدوات مقرون
ولهذا
أن نصبح فلاسفة إذا أردنا أن نصرّف شئون الدولة بصورة صحيحة: ونشكّل حياتنا
وفيها يكمن الخير
ونا كان هذا النوع الوحيد من المعرفة الذي يتوصل للحكم الصحيح
ويستخدم العقل ويضع الخير في مجموعه نُصب عينيه - ونعني به الفلسفة - هو الذي
يستطيع الانتفاع بسائر أنواع المعرفة وتوجيهها وفق قوانين الطبيعة. *" فإن هذا دليل آخر
(ب١٠)‏ دعنا الآن
الصنعة», إن الطبيعة هى الأصل"” في الحيوانات والنباتات: وكل
(ب؟١)‏ وليس فيما ينشأ عن الصدفة شيء له هدف
أو غاية'؛ أما الأشياء التى تنشأ عن المقدرة البشرية ع الصنعة)
فلها غاية وهدف؛ وهذا
'؛ وأنا أتكلم عن الأشياء التي تكون
الصحة قبل أن يكون علة المرضء وفن البناء هى علة «تشييد» البيت لا علة الهدم؛ "* وهكذا يسوقنا البرهان ضرورة إلى «القول»
(ب5؟) إن فاعلية العقل هي التفكير. '* والتفكير يقوم
على النظر في موضوعات الفكرء '' على نحو ما تكون فاعلية «عضو» الإبصار هي رؤية
المرئيات. هكذا يجعل الفكر والعقل كل شيء جديرًا بأن يسعى إليه بنو الإنسان؛ ‎٠"‏ إذ تكون
بقية الأشياء جديرة بالسعي إليها من أجل النفسء والعقل هو أرفع الأمور قيمةٌ في مجال
حرية كاملة؛ إن كل ما يتم فعله لذاته يفوق دائمًا في قيمته ما
يكون «فعله» وسيلة لشيء آخرء وكذلك يكون الحر أعلى قدرًا من غير الحر. وهى على العموم يُقبل على تلك الأفعال التي يقوم فيها التفكير
العقل) بدور أساسي: ختى لئ استلزم الأمر منه في أغلب أعماله أن يستخدم الجسد
استخدام الأداة. وأقيم من التفكير الذي يكون «مجرد» خادم «يُتوسّل به» لبلوغ شيء آخر. إن التفكير
وحكمة «العقل» هي الشيء الذي يستحق «من الإنسان»
كما أن الفطنة العملية في الحياة*' جديرة بالسعي إليها من أجل
إذ ليس كل تصور بوجه
عام مقرونًا بالشرفء وإنما نتوقع من تفكير المعلم الحكيم وحده'" - عندما يتجه هذا
37
وإذا
(ب5؟) ذلك أن العقلء الذي نتميز به عن سائر الكاثنات الحية: لا
يتحقق بصورة كاملة"" إلا في ذلك الشكل «من أشكال» الحياة الذي لا يعترف بالاتفاق
الفطنة والعقلء غير أنها لا تتمتع بأدنى نصيب من الحكمة النظرية»'" فهذه الحكمة
» إذا سلّمنا بهذا كله تبين لنا أن ملكة العقل بحسب طبيعتها
قد وجدنا”* وفقًا للطبيعة: فقد اتضح أننا نعيش أيضًا لكي نفكر في شيء ولكي نتعلم. عندما سُئل فيثاغورس عن هذا أجاب بقوله: «لكي أتأمل السماء»”* وقد تعوّد أن يصفنفسه بأنه «إنسان» يتأمل السماء وأنه إنما جاء إلى الحياة من أجل هذا الغرض. (ب5١)‏
ويُروى أيضًا عن أنكساجوراس أنه سيْل عن الهدف الذي يمكن أن يبتغيه الإنسان من
* (ب١2)‏ هكذا يكون فيثاغورس قد زعم
ويكفى
وما دامت الغاية ‏ بمقتضى الطبيعة - هي مَلّكة
المرء أن يعلم سائر الأشياء من أجل الخير الكامن في الإنسان نفسه؛ لآأن هذه هي أسمى الأشياء جميعًا. ‏(ب؟5) وتقودنا الفكرة التالية إلى نفس الهدف (وهو أن من يريد أن يكون سعيدًا
فلا بد له أن يتفلسف). بالصدفة؛ تحرص على تحقيق الهدف (أو الغاية) بقدر يفوق كل فن بشري؛ ”*
وكانت النفس أعلى قيمة من الجسدء كما كان الأقل شأنًا يندرج دائمًا تحت الأفضل في
ونحن
وأن الجزء غير العاقل
ونستنتج من هذا أن الجزء غير العاقل يوجد من أجل الجزءما ينشأ عن طريق المقدرة البشرية إنما ينشأ من أجل «تحقيق» هدف معينء وهذه هي
أما ما ينشأ عن طريق الصدفة فلا ينشأ لهدف: ومع ذلك
فقدايتفق أن يتوكد عن الصضدقة بعص الخين. غير أنه لا يكون خَيرًا من خلال الضدقة ومن
(ب١١)‏ إن
ما ينشأ وفقًا للطبيعة إنما ينشأ لأجل هدف بحيث يكون النتاج الطبيعي دائمًا أكثر ملاءمة
للهدف من النتاج الفنى؛ فليست الطبيعة هى التى تُحاكى الصنعة «البشرية»: بل هذه هى
القى حاكن الطبيعة: كما أن اللقدؤة البشرية(عل الصذعة) ‏ قد :وجدت لسائدة الطبيعة
ومن بينها الآخر ما لا تتمكن «من إكماله: إلا
تتفتح دون أدنى «قدر من» الرعاية: أَيّا كانت الأرض التى تسقط عليهاء أما بعضها الآخر
فيحتاج إلى فن الزراعة: وكذلك تستطيع بعض الكائنات الحية أن تنمو بنفسها نموًا كاملا
وهو يحتاج إليها في البداية بعد ولادته مباشرة, بعد ذلك لتغذيته؛ (ب5١)‏ فإذا كانت القدرة البشرية (على الصنعة) تُحاكى الطبيعة» فمن
إن كل ما ينشا نشأة سليمة إنما ينشا من أجل هدف (معين)؛ فكل ما يؤدي إلى شيء
يوافق الطبيعة وهكذا تتم النشأة؛ ب15) ويمكننا أن نتبين هذا «من ملاحظة» كل جزء من أجزاء جسمنا على حدة, فإذاتأملت الجفن مثلّا وجدت أنه لم يتكون «عبثَّاه ولغير هدفء وإنما وجد لحماية العينين
عندما نقول: إن الأشياء الطبيعية قد تكونت”؟ لتحقيق هدف معينء أو عندما نقول: إنالأشياء المصنوعة”؛ البحر يكون الهدف المقصود من بنائها قد قدِّم بالفعل. (ب1١)‏ إن جميع الكائنات الحية
أو (على الأقل) أفضلها وأرفعها قدرًا قد نشأ عن الطبيعة وفي تطابق مع الطبيعة: ولا
معنى للاعتراض على هذا بأن أغلب الحيوانات قد نشأ ضد الطبيعة: أي للإفساد وإلحاق
الأذنى والضرر. إن أسمى الكائنات الحية (التى تعيش على الأرض) هو الإنسان: وهذا يدل
(ب17١)‏ فإذا كان الهدف
ال الماذا»"؟ هي الأفضل على الدوام بل تفوق جميع الأشياء في الفضل): وإذا كان الهدف
الإنسان: ثم يأتى بعده ما يتعلق بالنفسء وإن كمال الأفضل بالنسبة للكون (النشوء) إنما
"" ومن جهة أخرى يتفوق كثير
؟” (ب١؟)‏
والحقيقة أن الحياة العقلية هي «الشيء» الوحيد الذي لا يمكن فصله عن الخيرء ومن
الذي يتبع في حياته «طريق» العقل هو الذي لا يقع ضحية للصدفة؛ غيره من الناس كيف يحرّر نفسه من «كل» ما يخضع لهاء فإذا استطعت أن تهب نفسك
ب١؟)‏ نحن جميعًا نختار ما يكون في نفس الوقت ميسورًا ونافعٌاء*" ومن ثم يجب
الاعتراف بأن الفلسفة" تملك هاتين الصفتين: وأن صعوية تحصيلها أقل من النفع الذي
على اكتساب العلم بما هو عادل ومفيدء كذلك على تحصيل المعرفة بالطبيعة وبالموجودات
"" (ب١؟)‏ إن الأوَيّ والبسيط يكون على الدوام أكثر من الثانوي
” وكذلك يكون الأعلى في سُلم الأولويات الطبيعي معروقًا أكثر من الأدنى؛ تنصرف (إلى الاهتمام» بما هو محدد ومنظم من الناحية المنطقية أكثر مما تهتم بضدهء كما
الإنسان المترفع'” على الإنسان الوضيعء ومثل هذه الأضداد يتحتم أن تحمل نفس
"” فالأوي يحمل طابع العلة أكثر من الثانويء فإذا انتفى ذلك فقد انتفى معه
بانتفاء الخطوط والأجسام بانتفاء السطوحء وكذلك الأمر مع الكلمة عندما ينتفي المقطع, بحسب طبيعتها سى السيظزة)ء وكانت توجد فيما يتعلى بالجس صنعة «يشرية»؟" وعلب
نفرًا من الناس يتقنونهما) فمن الواضح أن الضرورة تقتضي وجود نوع من الرعاية ومن
الصنعة التي تتعلق بالنفس وفضيلتهاء كما تستلزم أن نكون قادرين على تحصيلهما؛ إذ
إننا نملك القدرة على «اكتساب» معرفة بأمور يكون جهلنا بها أكبر كما تكون معرفتنا بها
أمظ اضف أن رضتة هذاه مماقة المتهكة في كل الأحوال أن نعرف أي شيء عن هذه ما لم نعرف تلك. "* إذ كيف يتسنَّى لأحد أن
بالحقيقة** وعلم بفضيلة النفس وعن قدرتنا على تحصيلها. فلذلك ما سيتضح مما سنقوله بعد إننا جميعًا متفقون «في الرأي» على أن أرفع الرجال
ب55) ومَن ذا الذي يمكنه أن يمثل لنا المعيار الدقيق ويكون لنا بمثابة الدليل «الهادي»


Original text

يستهلٌ أرسطو كتابه بالإهداء الذي عرفنا قصته. ثم يعرض أول قضية أساسية
فيه: إن السعادة في الحياة تقوم على الحالة النفسية الطيبة (وهي كما أشرنا قضية سبق
أن عدر عنها أفلاطون على لسان سقراط في محاورة الدفاع» كما يرجع إليها أرسطو في
فقرات تالية)' كما أن امتلاك الخيرات الخارجية بغير مبادئ أخلاقية هو الشر بعينه.


‏(؟) يتحدث أرسطو عن «التفلسف» فيقول إنه يعني أمرين؛ فهو من ناحية سؤال
يُطرّح عما إذا كان ينبغي على الإنسان أن يتفلسف. وهو من ناحية أخرى تكريس الحياة
للفلسفة. ويتناول القضية الأساسية الثانية فيبين ضرورة التفلسف وقيمته في الحياة
السياسية والعملية." فإذا كان أصحاب الصنائع وأرباب المهن اليدوية يكتشفون أفضل
الأدوات عن طريق ملاحظة الطبيعة فيتحتم على السياسي ورجل الدولة أن تكون لديه
معايير يستمدها من الطبيعة ومن الحقيقة. ويحكم بها على كل ما هو عادل وجميل
ونافع.
ولا سبيل لمن لم يهب حياته للفلسفة ولم يعرف الحقيقة أن يتوصل إلى هذه المعايير
المستمدة من المعرفة النظرية بالمبادئ والعلل الأولى, إلا أنها هي التي تسمح لنا بتصريف
جميع أعمالنا.
ويستطرد أرسطو في تقديم الأمثلة من الحياة العملية والمادية ليؤكد أنها جميعًا لا
تستغنى عن المعرفة النظرية» فالأشياء الجسمية مجرد أدواتء وعلينا أن نطلب المعرفة
التى تساعدنا على حسن استخدامها.
وتسير الحُجة التي يسوقها لإثبات هذه القضية في خطوات؛ فالأشياء تنشأ عن طريق
الصنعة والطبيعة أو عن طريق الصدفة والحظء" وعملية النشوء تمضي في خط لا يُعكس
من كون إلى نمو إلى تحقيق غاية إلى تحلل ففساد.؛ وهي عملية تعبّر عن حقيقة «الغائية»
التي تَطبع بخاتمها مذهب أرسطو كله؛ والطبيعة نفسها هي منبع كل خير وجمال؛ وتكون
مظاهر إبداعها جميلة بقدر ما تسير العملية الطبيعية السابقة في طريقها السوي؛ كما
تكون منتجات الفن والصنعة البشرية جميلة بقدر ما تُحاكي الطبيعة وتُكمل ما تركته
ناقصا
ويأتي الحديث عن سُّلم التطور الطبيعي الحي؛ فالطبيعة نفسها تقضي بأن يكون
الهدف الأسمى للإنسان هو تحقيق مَلّكة العقل التى نسميها الحكمة أو الفطنة (ب١١-‏
‎)١‏ وبحكم الطبيعة نفسها توجد مستويات مختلفة لَلّكة العقل والقدرة على التفكير,
هذه المستويات تُؤلّف سُّلمًا من القيم يتربّع على قمَّته الفكر الذي تتم فاعليته ويُختار كذلك
لذاته. والطبيعة يسودها النظام والترتيب وتّراعي الحد ولا تتعداد. فهي عاقلة ولا تعمل
شيكًا بالصدفة (ب75؟-١8.‏ وهى فكرة تمثل نواة الفلسفة الأرسطية وتتردد فى معظمكتابات مُعلم البشرية). هل يستعصي على الناس بلوغ هذه الغاية الرفيعة؟ إن أرسطى
يؤكد أن الحياة الفلسفية أو الموقف الفلسفى من الحياة ليس هدفًا مستحيلًا على الإطلاق:
بل إن صعوبة تحصيل الفلسفة تقل في رأيه بكثير عن الفائدة التي تتيحها والفرح الذي
نجنيه منها (ب51)ء وهناك في الواقع علم بالعدل والعدالة كما أن هناك علمًا بالطبيعة
وبكل ما هو موجود على الحقيقة ونحن قادرون على تحصيلهما سواءً بسواء (وهما علم
الأخلاق وعلم الطبيعة بالمعنى الأرسطي)» والمسألة في النهاية مسألة نظر وعلم نظري
بالمبادئ والأصولهذا العلم الخالص يسبق كل علم لاحق بالأشياء والأدوات والأجسامء كما تسق العلّة
المعلول ويتقدم الشرط على ما يتقدم به ويعتمد عليه. فمعرفة الأولي والبسيط في الطبيعة
أسهل وأبسط من المعرفة بأي شيء آخر؛ لآن كل ما عداهما يتكوّن من هذه العناصر ويُبنى
منهاء ثم إن كل ما هو خير فهو كذلك محدد ومنظم. والمهم بعد كل شيء هو العلم بالأسباب
والعوامل والعناصر الأولية؛ أى هو - كما نقول اليوم - معرفة «البنية» الأساسية بحيث
تكون الأولوية دائمًا للبسيط على الْركّبء وبحيث تسبق المبادئ ما يترتب عليها.
وبجانب فروع العلم الأخرى يوجد علم بفضيلة النفس (أو كفاءتها وصلاحها ب؟55-
؟). وامتلاك القدرة على التفكير ومَلّكة العقل وفقًا لمبدأ الغاية هو أسمى الخيرات التى
يُتاح للإنسان امتلاكهاء ومن ذا الذي يمكنه أن يُجِسَّد لنا المعيار الدقيق للخير والدليل
الهادي إليه غير البصير الحكيم؟ لا بد للإنسان من التمييز بين ما هى خيرٌ وما هو
ضروريء وحتى لى ثبّت له أن امتلاك الحكمة وملكة العقل والتفكير لا ينفعه في الحياة
العملية (بل ريما جنى عليه في معظم الأحيان كما تؤكد لنا تجربة الحياة اليومية)؛ فإن
هذا لا يمنع أن التفكير يحمل قيمته في ذاته. وأنه جدير بالاختيار والتفضيل في كل الأحوال
(ب55-78)» ويرجع أرسطو في ختام هذا الجزء من كتابه إلى الحجة التي انطلق منها
(ب١١)»‏ وهي غائية الطبيعة التي تميل بها إلى تحقيق الأقيم والأجمل والأرفع (ب55).
(؟) ومع كل هذه المحاذير فإن النظر العقلي في أصول الأشياء ومبادتها أمر نافع للحياة
العملية؛* فالسياسي يتحتم عليه كما سبق أن يلمَّ ببعض المعالم والمعايير التي يستمدها من
الطبيعة ومن الحقيقة» ويستعين بهافي الحكم على ما هو عدل وحق وجمال (ب545-١5),‏
غير أن معرفة المعايير لا تكفي؛ فواقعية أرسطو وخبرته بالعالم والناس تجعله يفلسف
للعمل كما يفلسف للنظر؛ ولهذا يقول صراحةًٌ إن من الواجب تحويل المعايير إلى أفعال.
وتجسيد النظر في ثوب العمل؛ فالفلسفة عنده تحصيل للحكمة وتطبيقها (ب57ه-؟5),
والنظر في حقيقته فعل لا مجرد تأمل؛ إنه معرفة منتجة للتحقيق والإنجاز.: صحيح أن
الإنسان الذي يوقف حياته على النظر ويهبها للفلسفة لا يتلقى من الناس أجرًا ولا جزاءً.
ولكنها تستولي عليه ويجد سعادته الكبرى في الاشتغال بها والعكوف عليهاويتساءل أرسطو: ما هي مهمة الفلسفة؟ ولماذا كان بلوغ الحكمة هو غايتنا
القصوى؟ ويبدأ في الإجابة على هذا التساؤل بالحديث عن العلاقة بين الجسم والنفس»
ففي داخل النفس يكون الأعلى هو الجزء الحائز على العقل وملكة التفكيرء هذا الجزء
الصغير (كما يصفه أفلاطون في الجمهورية 57 5ج) هو العقل (نوس)؛ وهو يعبر وحده
أو في المقام الأول عن ذاتنا الحقيقية (ب15-55).: أما عن المهمة الأساسية للفكر فهي
التوصل للحقيقة (ب11-77). ونحن نسعى في طلبها عن طريق التأمل الفلسفيء ونبلغ
أسمى درجة في هذا التأمل عندما نطليها لذاتها (ب151-17): ثم يستطرد أرسطو إلى
الكلام عن العلاقة بين العلم والرأي؛ فالعلم والمعرفة الدقيقة أجدر بالاختيار من الرأي
الصادقء وأجدر شيء بالاختيار عند الإنسان هو التبصر الفلسفي؛ ولهذا يسعى الناس
جميعًا في طلب المعرفة (كما تقول العبارة المشهورة في مقالة الألفا من كتاب الميتافيزيقيا
‎١‏ ٠158١5؟)»‏ ويمتد هذا القسم من الكتاب من الفقرة (ب١٠)‏ إلى الفقرة (ب/الا).


(5) والحياة العقلية بجانب هذا كله حياة غنية بالفرح؛ والعقلاء من الناس ينشدونها
ويجِدُون في طلبها للاستمتاع بالأفراح الحقة والمسرات النبيلة (ب8/١-47)»‏ وهنا يجد الْمُعلّم
الأول فرصة مواتية للحديث عن فكرته الرئيسية المعروفة عن القوة والفعل» ويعرضها
عرضًا مبسطًا يتقبله القارئ العادي؛ فيميز بين المستيقظ والنائم» بين المبصر بالفعل
والقادر على الإبيصارء بين العارف بالإمكان ومن يستخدم معرفته ويطبقهاء لينتهي من
ذلك إلى القول بإن الفعل أعلى قيمة من الانفعالء وإن أسمى أفعال النفس هو التفكير,
وأعلى درجات التفكير هو التفلسف؛ ولهذا تكون الحياة الكاملة من نصيب أصحاب الفعل
الخالص؛ أي من نصيب المتفلسفين» وهؤلاء هم الذين يبلغون الغاية؛ لأنهم هم الذين
يقومون بالفعل الفلسفي - على أساس العلم المتناهي في الدقة لا على أي وجه كان! -
ويجدُون في طلب الحقيقة في حياة النظر والعمل على السواء.من جديد أن التفلسف هو الحياة السعيدة الكاملة أو هو على الأقل أنجح الوسائل المؤدية
إليها (ب5-51١٠).‏


(1) ويسوق أرسطو حُجة بلاغية جديدة يبدأ بها نغمة سوداء لا تقار بالنغمة السابقة
المتألقة بالبهجة والفرح؛ فهو يوازن بين الحياة العاقلة وبين حياة الناس الذين يُقصِرون
همهم على مجرد الحياة وبأي ثمنء وتّفاجئنا نظرة النسر الحزين الذي يطل على وادي
الأشباحء فالأشياء التي تبدو في أعين الناس عظيمة ليست في حقيقتها إلا ألعاب ظلال.


وتقصبل:خاتمة اللحن المكتثب فتقتيس من الحكماء والشعراء القدماء مؤكدة أن حياة
البشر تكفير عن ذنب كبير جنيناهء لتبلغ في النهاية قلب القتامة نفسها وترسم لوحة لا
تُنسى عن المساجين الذي تُقيد جثث الموتى بأجسادهم بحيث يواجه الوجه بالوجه؛ ويلتصق
العضو بالعضوهل أراد امُعَلّم الأول أن ينفرنا من حياتنا العادية المشغولة بالنهم إلى الثروة والغنى
والشهرة وغيرها من الخيرات الظاهرية الخادعة لنحقق العلى فوقها على جناح التفلسف.
أم غلبته تجريته أو قراءاته فانساق إلى هذه الصور الأليمة؟ مهما يكن الجواب فإن الكلمات
الختامية هي أبلغ دفاع يمكن تصوره عن الفلسفة؛ فليس ثمّة شيء إلهي في الإنسان إلا
قوع واحد بيستحق وحددهتاء الجهد: ذلكم العقل والتيم :الحتعيم (أن التفلسقك): إن
حياة تخلى من التأمل لهي حياة تخلو من كل قيمة ولا تليق بإنسان (ب8١١-١١1).‏


متى وضع أرسطو هذا الكتاب؟ أهو من كتابات الشباب «المنشورة» أم من مؤلفات الرجولة
«المستورة»؟ ألدينا أي دليل على زمن التأليف أم لا نملك إلا الترجيح؟ هل كان عند تأليفه
تلميدًا مخلصًا لأفلاطون أم استطاع أن يتحرر من سطوته وبدأ يفكر لنفسه ويُعلي بناء
مذهبه؟ أكان شابًا لا يزال أم رجلا يرفل في إهاب الرجولة الناضجة؟


أسئلة يبدو أننا لن نعثر في شأنها على اليقين: أقصى ما نملكه أن نعرض آراء العلماء
وهي لا تزال إلى اليوم تتأرجح على حافة الرأي والترجيح والتخمين.


" لعلها إشارة إلى عادة كانت لا تزال متبعة في عصره عند بعض الشعوب الأخرىء. وقد سبق له أن
تكلم عن الكلتيين وبعض القبائل المتوحشة على البحر الأسود في الأخلاق النيقوماخية (في المقالتين الثالثة
والسابعة).كان الرأي بين معظم الباحثين منذ أُلّف العالم الألماني «ييجر» كتابه المشهور عن أرسطو
وتطوره الفكري سنة +157 - أن أرسطى ظل طوال الفترة التي قضاها طالبًا ومعلمًا
في الأكاديمية الأفلاطونية وقاربت العشرين عامًا - ظل طوال هذه الفترة وحتى موت
أفلاطون تلميدًا مخلصًا لأستاذه. تأَثَّر به في كل ما كتب في ذلك الحينء وشارك في نشر
أفكاره وتعاليمه ‏ غير أن كل ما كتبه أثناء حياته في الأكاديمية قد ضاع., لم يبقّ من
أشعاره ومحاورات شبابه سوى بضع شذرات متفرقة من أهمها ما بقي من «أويديموس»
و«عن الفلسفة». وهذه المحاورة التي نتحدث عنها الآن: «بروتريبتيقوس».* وقد زعم
«ييجر» أن الكتاب الأخير كان بمثابة برنامج دراسي للأكاديمية» ودعوة إلى اَل الأعلى الذي
بشَّر به أفلاطون وحث على السير على طريقه. ومع ذلك فإن «البروتريبتيقوس» يسجل
التحول الذي أصاب نفوس الجيل الجديد من شباب الأكاديمية وغيّر من نظرتهم إلى
الحياة العقلية. لقد حرص أفلاطون على تحقيق الَكل الفلسفى الأعلى في الحياة: ولكنه أراد
بفلسفته كلها أن يُصلح الواقع ويُّنقذه من الفساد. وينقل إلى ظلام الحياة العملية قبسًا
من نور الُْثل والحقائق الخالدة. أما الجيل الشاب فوجد قيمة الحياة في تأمل الباطن؛ في
بهجة الرؤية والنظر الخالص: بهذا تحولت مثل الإصلاح السياسي والأخلاقي عند أفلاطون
إلى التأمل العقلي المتشرب بالروح الدينية. ولقد أكد «ييجر» أن أرسطى كان يقف في هذا
الكتاب على أرض ميتافيزيقية مختلفة عما نجده في كتاباته التعليمية المتأخرة» وأن الأفكار
الأساسية فيه أفكار أفلاطونية تحمل طابع معلمه الكبير» سواءً في لغتها أو موضوعاتهاء بل
إن الكتاب يُردد في زعمه نظرية الئل ويذكر رأي أفلاطون المتأخر في أنها أعداد: ويقتبس
منهج أفلاطون في عرض الأخلاق على طريقة أصحاب الهندسة. وكل هذا يؤكد في رأيه أن
أرسطو ظل في هذا الكتاب وفي سائر محاوراته الضائعة وفيا لأفلاطونء وأنه لم يصبح
«أرسططاليًا» إلا بعد أن مات أستاذه ومر في حياته بأزمة باطنية حادة.ونشر النص الذي نعتمد عليه وحققه - أن هذه الآراء التي ذهب إليها «ييجر» لا تستند
إلى كتابات أرسطو ولا إلى التراث القديم من مؤلفات المؤرخين وكُتَّابٍ السير» أضف إلى هذا
أن لغة أرسطو ومصطاحاته الأساسية لم تكد تتغير منذ أن كتب «الطوييقا» أو المواضع
الجدلية التي ثبت أنها تسبق الكتاب الذي بين أيدينا بحوالي عشر سنواتء* والأهم من
هذا كله أنهم قدموا الأدلة اللغوية والموضوعية على أن «البروتريبتيقوس» ليس من كتابات
الشباب لأرسطوء وأنه كان قد قضى عند كتابته أكثر من خمسة عشر عامًا في البحث
والتعليم في الأكاديمية؛ وأن الكتاب نفسه قد وضع حوالي سنة ٠751-765ق.م:‏ أي عندما
كان أرسطو في الرابعة والثلاثين أو الخامسة والثلاثين من عمره وفي أوج تفكيره ونشاطه
العقليء وفي نفس الوقت الذي كتب فيه أفلاطون رسالته السابعة.'' وإذا كان من المستحيل
إثبات هذا التاريخ بالدليل القاطع؛ فهو في رأي «ديرنج» أقرب إلى الصواب من غيره؛ والمهم
على كل حال أن الكتاب يعطينا فكرة طيبة عن تفكير أرسطو في هذه المرحلة من حياته
الخصبة الجادة: لا سيما إذا تذكّرنا أنه لم يُعد النظر فيه على عكس ما كان يفعل مع
كتاباته التعليمية الأخرىء وأننا لا نملك كتابًا آخر من كتبه يحمل نفس الدعوة التي يحملها
هذا الكتاب أو يوحي بهاء وأن محاورة «السياسي» التي ين أن «يامبليخوس» قد نقل
عنها أيضًا قد ضاعت ولم تبقّ منها سوى شذرة ضئيلة لا تُثبت شيئا لا يزال العلماء - كما قلت - مختلفين حول تفسير «البروتريبتيقوس» وترتيب
أجزائه, وذلك منذ أن بدأ «ييجر» محاولاتهم المستمرة حتى اليوم: ولكنهم لا يختلفون
في أصل النص الذي وردت أجزاء كبيرة منه عند «يامبليخوس» (في كتاب اختار له نفس
الاسم) والمؤرخ اليوناني «ستوبايوس». وكذلك في إحدى برديات «أوكسيرنكوس» تحت رقم
‎٠٠.4-7‏ ولقد مضى أكثر من قرن على الفرض السابق الذكر الذي قدمه «بايووتر» مع
نصوص الكتاب التي وجدها عند يامبليخوس ورجّح نسبتها لأرسطو. واتصلت المناقشات
حول هذا الفرض طوال هذا الزمن قبل أن يفكر أحد في نقد النص منهجيًا أو يشرع في
تحليل كلماته وأسلوبه ومضمون معانيه وتطابقها مع نظائرها في سائر كتبه البعيدة عن
الشك؛ ولا نريد أن ندخل في دقائق هذه التحليلات اللغوية والنقدية المضنية للأسباب التي
ذكرناها من قبلء ولكننا نكتفي بالإشارة الموجزة إلى أهم هذه المحاولات لعلها تقدم لنا
لمحة عن عمق البحث العلمي الذي نكتفي في العالم العربي بالوقوف عند سطحه أو نهب
زبده ورذاذه!ربما كان الأستاذ السويدي «انجمار ديرنج» هو أهم هؤلاء الباحثين الذين عكفوا على
هذا الكتاب؛ فقد نشر [ ثلاثة أبحاث كبيرة] ‎١"‏ عن الكتاب نفسه وعن أرسطو وعرض تفكيره
وتفسيره. وقدّم النص اليوناني وحلل كلماته وأسلويه وقابله بكلمات الكتب الأرسطية
المعتمّدة وأسلويها وأفكارها الأساسية كما قدم معه ترجمة ألمانية للنص المختلّف عليه
والنص الذي قدمه وأعاد بناءه يضم ‎11٠١‏ كلمة وضع فهرسًا لسبعمائة كلمة مختلفة
منها ثَبَتَ له أن اثني عشرة كلمة منها فقط لا وجود لها في كتب أرسطو الأصيلة» وإن
كانت من الكلمات المألوفة عند أفلاطون أو عند كُتَّابٍ العصرء والأهم من هذا أنه قدم
الأدلة الكافية على أن أسلوب الكتاب في أدق تفاصيله أسلوب أرسطي لا غبار عليه وحتى
المواضع التي يعمد فيها «يامبليخوس» إلى اختصار النص الأصلي أو التعبير عنه بأسلوبه
إلى حد الخروج في بعض الأحيان عن أسلوب الُعلّم الأول وأفكاره؛ إنما تدل جميعها على
أن هذا الأفلاطوني الجديد قد نقل عن أرسطى في معظم الأحوال فقرات طويلة نقلّا حرفيًا
لا شك فيهء سواءٌ من كتابه المذكور أو من بعض كتاباته الأخرى التي تولّ نشرها بنفسه
(وهي الكتب المنشورة أو غير العلمية بالمعنى الدقيق التي كان يقصد بها عامة المثقفين؛
تمييرًا لهم عن الكتب «المستورة» أو الفلسفية البحتة التي كانت تُدرّس في اللوقيون). ولقدرجّح الباحث السويدي أيضًا أن هذا الاختصار والترتيب من جانب يامبليخوس لم يُغرِه
مع ذلك بتزييف النص أو خلطه بنصوص أفلاطونية أو غير أفلاطونية غريبة عليه؛ ولهذا
يبقى احتمال أصالة النص أكبر من عدم احتماله؛ إن يستحيل كما قدمنا أن يُقطع في أمره
على وجه اليقين.' كما أن المحاولات المختلفة لترتيب النص ستظل محاولات لا تختلف
بعضها عن بعض إلا بقدر ما يقدم كل منها من الأدلة العلمية والنقدية؛ ويقدر ما تعتمد
على الحجة والبرهان» وهي كلها دليل متجدد على أن العلم نفسه محاولة؛ وسيبقى محاولة
بشرية لا يفسدها إلا الكذب والتسرع وادعاء اليقين المطلق.


‏تلك - باختصار - هي محاولة «ديرنج» التي انتهى منها إلى أن الذي أعاد ترتيبه
بقي أن نشير إلى محاولتين أخريين في بناء النص وتحقيقه قام بهما الأستاذان
أ. ه. كروست:ء وج. شنفيسء أما الأول فقد تابع «ديرنج» صراحة في تحقيقه للنص وتفسيره
له وأضاف إليه بعض التعديلات التي لا تستحق الذكرء*! وأما الثاني فقد اكتفى بنشر
النص اليوناني كما تراءى له بغير ترجمة حديثة ولا تعليقات» وذلك في رسالة للدكتوراه
قدمها قياسنة 1533 إل جامعة ميوتك."" ويختلف ترتيب القص فق هذا البحث اختلاقًا


يؤيد هذا الرأي أيضًا فلاشار 7135161 .11 في بحث له بعنوان: أفلاطون وأرسطو في «بروتريبتيقوس»
يامبليخوس, المجلة الأميريكية لعلم اللغة, لا ص5-57ل/ا, 15574,


؟' من المعلوم أن أرسطو يبدأ عادةً من فَرضِ أو سؤال ونقطة ينطلق منها ثم يسير في إقامة الحجة
عليها حتى يصل إلى نتيجة؛ ويعود فيبدأ من نقطة ثانية وثالثة ليصل إلى النتائج المترتبة عليهاء ومن
هذه الخيوط التقريبية كلها يصل إلى تعريف نهائي أو نتيجة أخيرة تضم شبكة النسيج الفكري كله في
' وذلك في بحثه الذي نشرثه له مطبعة جامعة نوتردام (ولاية إنديانا الأميريكية) سنة 19518.كبيرًا عن طبعة «ديرنج»؛ فالمؤلف يعتمد - بجانب النص المأثور عن يامبليخوس - على
مواضع مختلفة من نصوص أرسطو المعروفة في كتبه التعليمية (كالأخلاق الأويديمية,
والأخلاق النيقوماخية والسياسة؛ ومقالة الألفا من كتاب الميتافيزيقا)» بل يضيف إليها
نصوصًا أخرى من كتب مؤلفين مختلفين - مثل «بروتريبتيقوس» المنسوب لإيزوقراطيس
(المعاصر لأرسطو) والمهدى إلى دومينيقوس - بجانب نصوص من كتابات سترابو٠‏
وجالينوسء"' وديوجينيس لاثيرتوسء
' وسينزيوسء وستوبايوس. ويضم الباحث كل
هذه النصوص إلى نص يامبليخوس وبردية أكسيرنكوس اللذين اعتمد عليهما «ديرنج»
و«فلاشار»؛ وذلك دون أدنى مبرر مقنع يُسوّغْ ضمها إليه أو بالأحرى حشرها فيه؛ فقد
تكون نصوصًا قريبة من أفكار الكتاب الأصليء ولكن وضعها فيه أمر يثير التساؤل ولا
يساعد على مزيد من الفهم والاقتناع.


‏ولا شك أن الحكم على مثل هذه المحاولات وترجيح إحداها على الأخرى أمر يستلزم
إتقان اللغة الأصلية التي كتب بها أرسطوء والاطلاع الدقيق على تفاصيل مذهبه والمعرفة
الحقيقية بتطور تفكيره. وهي أمور - لا أمر واحد! - لا يستطيع كاتب السطور أن
يدّعيها لنفسه. إن محاولته تقديم هذه الدعوة الملحّة إلى الفلسفة لقارئه العربي ستظل
أضعف هذه المحاولات وأكثرها تواضعًاء وإن كانت هي كل ما استطاع تقديمه في حدود
علمه وجهده. وندرة المراجع التي بين يديه! 1


‏وأخيرًا فلا بد منذ ذكر بعض الملاحظات عن أسلوبي في تعريب النص والتعقيب عليه في
الهوامش والتعليقات الملحقة به. والزيادات التي رأيت إضافتها إلى النص نفسه رغبة في
المزيد من الوضوح.لقد قرأت النص فأذهلتني الكنوز التي ينطوي عليهاء وأعدت قراءته مرات قبل أن
يتحرك في نفسي الدافع الملحّ لنقله إلى العربية. كنت في البداية أستبعد الفكرة لإشفاقي مما
ستسببه من عناء؛ ولعلمي بأن معرفتي المتواضعة باللغة اليونانية لا تسمح لي بمواجهة
النص ومشكلاته وأقتصدياته (وكنت قل كانت هذه اللغة قبل عشرين سنة ثم طحنتها
‏مرارة الأيام!) ولكن حبي للنص وإعجابي بعظمة صاحبه لم يتركا لي فرصة للتردد» رحت
أنقله وأراجع كلّ كلمة وكل سطر على الترجمة الألمانية الحديثة المواجهة له في الطبعة التى
بين يدي وإذا كان من حقي أن أقول بأنني استوعبت النص الأصلي - باستثناء عبارات
قليلة أشرتٌ إليها في الهامش - فإن من واحب الأمانة أن اعترف بأنه لولا الترجمة الألمانية
التي قام بها الأستاذ «ديرنج» ما تأكدت من صحة عبارة واحدة نقلتهاء ولا تجرأت أصلًا
على هذه المحاولة ولهذا يطيب لي أن أسجل شكري وعرفاني بجهود هذا العالم الجليل؛
ففضله علي وعلى هذا الكتاب الذي بين يديك لا يُمكن أن يجد الكلمات التي تفيه حقه.
وقد اعتمدت على شروح محقّق النص وناشره, واستعنت بها على كتابة الهوامش
والتعليقات, ولم أشأ أن أثقل على القارئ العربي بكلمات يونانية لم أجد داعا للإكثار منهاء
فاكتفيت بالإشارة في الهامش لما وجدته ضروريًا لا غنى عنه في التعرف على المصطلحات
الآرسطية الأساسية؛ ولكني لم أستطع في نفس الوقت أن أهمل حاجة الباحث المتخصص
في الفكر اليوناني عمومًا والفكر الأرسطي يوجه خاصن إلى مزيد من التفاصيل: قأضفت
التعليقات التي تجدها ملحقة بالنص, واعتمدت في جانبها الأكبر على تعليقات الناشر
نفسه. مع إضافات يسيرة لا تقلل - بل تزيد - من امتناني له وعرفاني بفضله. وقد
كان الإغراء بالمزيد من التفصيلات كبيرًا. وكان من الممكن الرجوع إلى المصادر المشار
إليها (وخصوصًا محاورات أفلاطون وبالأخص الجمهورية) رغبة في المزيد من التعمق في
جذور الفلسفة الأرسطية والتعرف إلى «الآباء» الذين يَتنحدر منهم نص هذا الكتاب وكثير
من عباراتهء ولكنني اقتصرت على التوسع - المحدود - في بعض الجوانب الهامة عن
فلسفة أرسطوء حتى ايخرج القارئ بتصون مجمل. عن جذون شجرته وثمارها؛ ويرتبط
هذا الكتاب في ذهنه بقدر الإمكان بالسياق العام لتفكير العَلّم الأول وتطوره.


وقد دفعتني الرغبة في الوضوح والتيسير على القارئ أن أضع بين قوسين كلمات
تربط بين عبارات أرسطو المعروفة بالتركيز المرهق والإيجاز الشديد, كما التزمت بالترقيم
العلمي الذي وضعه الناشر المحقق لفقرات الكتاب: وهو تقليد مُتَّبع في سائر الطبعات
المعتمدة لأرسطو وغيره من الكُتَّابِ الكلاسيكيين. ويُهمني قبل كل شيء وبعد كل شيء أن
يجد القارئ في هذا الكتاب - بجانب الفائدة العلمية الخالصة - شيفًا من المتعة والبهجة
العقلية التي أشاد بها امُعلّم الأول وأوشك أن يجعلها غاية الحياة على هذه الأرض وأمَلي
أن يخرج منه القارئ العربي وهو أقدر على التفلسفء أي على التفكير الكلي الحر الذي
اشتدت حاجتنا إليه مع توالي المحن والآلام.بداية كتاب دعوة للفلسفة


إن تطلعك للمعرفةء أي عزيزي ثيميسونء:” وسعيك إلى الرفعة والحياة السعيدة أمور
أعلمها عن طريق السماعء وإني لمقتنع (ب١)‏ بأنه ما من أحد يَملك أنسب مما تملك من
ملّكات'” تُعينك على الإقبال على الفلسفة؛ فأنت غني بحيث يمكنك أن تُنفق على تعلّمهاء؟”
وأنت كذلك تحتل مكانة مرموقة؛ ويعتقد معظم الناس أن الحياة السعيدة تعتمد على
امتلاك الخيرات الخارجية؛ وهم «لا يذهبون إلى هذا الرأي» بغير مبرر؛ فنحن نلاحظ أن
بعض الناس يوفقون في جميع شتئونهم ويبلغون النجاح على الرغم من حُمقهم: ولا شك
أنك صادفت في حياتك حالات أخرى حَدَتْ فيها العكسء وقد يمكنك؛ من معرفتك بالماضي
أى من تجربتك الخاصة: أن تتذكر عددًا من الوقائع التي كان فيها الغرور سببًا للسقوط. '”
لقد عرفت رجالا أسرفوا في الثقة بالثروة والحظ والقوة ولهذا قُضي عليهم بالانحدار «إلى
هاوية» الشقاءء وعلى قدر تفوقهم السابق في النجاح يشتد عمق إحساسهم بالإخفاق وسوء
الحظء ويشعرون بالخجل من أن وضعهم الحاضر (ب؟) لا يحفزهم على النهوض بما
يرونه واجِبًا (مفروضًا) عليهم.ولما كنا نلمس؟' نَكَد الطالع الذي يُلمّ بهؤلاء الناسء فإن علينا أن نتحاشى مثل
هذا القَدّر ونعلم أن السعادة في الحياة لا تقوم على امتلاك الثروة الكبيرة. وإنما تعتمد
على الحالة النفسية الطيبة." وكذلك الأمر فيما يتعلق بالجسم؛ فلن يصف إنسان أحدًا
من الناس بأنه «مبارك الحظ من الآلهة» لمجرد أنه يرتدي ثيابًا فخمة؛ بل سيخلع هذه
الصفة على من وهب الصحة وتمتع بالمزاج الصحيح؛ حتى ولو لم يكن له أدنى نصيب منالزخرف الخارجى.'” وبالمثل لا يصف المرء نَفسًا بأنها سعيدة إلا إذا كانت نَفسًا مثقفة,
ولا إنسانًا بالسعادة إلا إذا كان مهذباء ولكننا نمنع هذه الصفة عمَّن يتحلى بمظاهر الزينة
الفخمة دون أن يكون له أية قيمة في ذاته. ويصدق هذا أيضًا على الحصان؛ فمهما يكن
من لجامه الذهبي وحلاه الثمينة فلن تُضفي عليه أي قيمة ما دام لا يصلح لشيء غير
ذلك. وستفصّل عليه حصانًا آخر «نتوسّم فيد الصفات الطيبة."" (ب؟) ثم إن من عادة
المنحطّين من الناس"" إذا حصلوا على ثروة طائلة أن يُقدَّروا قيمة هذه الثروة تقديرًا يفوق
تقديرهم لخبرات النفسء وهذا هو أحقر شيء (يمكن تصوّره). ولو ظهر سيد في مظهر من
هو أقل شأنًا من خَدَمه لأصبح عُرضة للسخرية والاستهزاء؛ وكذلك يتحّم علينا أن تحشر
في زمرة التعساء
" أولتك الذين يجعلون لاكتساب الثروة أهمية تفوق «العناية» بطباعهم
وأخلاقهم. (ب5) والواقع أن هذه هي الحقيقة؛ فالتخمة - كما يقول المثل السائر - تلد
الغطرسة: وإذا ما اقترن النقص في التربية'” بالقوة والسلطة تولّد عن ذلك الجنونء وأولتك
الذين ساءت نفوسهم لن ينفعهم الثراء ولا القوة ولا الجمال شيئًاء بل كلما توافرت هذه
الأمور ازداد ضمررها على صاحبها عمقًا وتنوتًاء وذلك إن لم تقترن بالتبصر (والحكمة)إن المثل القائل: «لا تعطٍ السكين للطفل» يعني ألا تضع القوة في أيدي الرعاع."" (به)
إن التيصر الفلسفى"؟” - وهذا ما سوف يوافقنا عليه الجميع - هو ثمرة الجهد الجاد
والبحث عن الأشياء التي تؤهلنا الفلسفة للبحث عنها؛ لهذا يتحتم علينا - دون لجوء إلى
مماحكات لفظية ل أن نتفلسف.


(ب1) إن كلمة «التفلسف» تدل من ناحية على السؤال عمّا إذا كان من واجب الإنسان
أن يتفلسف, كما تدل من ناحية أخرى على أنْ نهب أنفسنا للفلسفة. (ب17) لا كنا نتوجّه
بحديثنا إلى أناس من البشر لا إلى أولتك الذين لهم حياة ذات طبيعة إلهية؛ فلا بد أن نضيف
إلى تلك التنبيهات؟' (السابقة) تنبيهات أخرى نافعة في الحياة الاجتماعية والعلمية.


وفي هذا الصدد نقول: (ب8) إن ما يقع تحت تصرفنا لتيسير شئون الحياةء كالجسد
وما يخدم الجسدء إنما يقع تحت تصرفنا كنوع من الأداة. واستخدام هذه الأدوات مقرون
بالخطر؛ فهي تؤدي إلى عكس نتيجتها «على يد» أولئك الذين لا يُحسنون استعمالها؛ ولهذا
يجب علينا ان نسعى الى معرفة تعيننا على استخدام كل هذه الادوات على الوجه الصحيح.
كما يجب علينا أن نسعى إلى تحصيل هذه المعرفة وتطبيقها بطريقة ملائمة» يجب علينا
أن نصبح فلاسفة إذا أردنا أن نصرّف شئون الدولة بصورة صحيحة: ونشكّل حياتنا
الخاصة بطريقة نافعة. (ب1) بَيْد أن المعرفة على أنواع مختلفة: فهناك المعرفة التي تُنتج
خيرات الحياة بوهتاك:1لعرقة الف الاسكتكرمهاء:وكمة تقسوم ألقرة فيقاك أخواع المعرقة الت
تخدم وتطيع؛ وهناك الأنواع التي تأمرء والأنواع الأخيرة أعلى درجة. وفيها يكمن الخير
بمعناه الحقيقي. ونا كان هذا النوع الوحيد من المعرفة الذي يتوصل للحكم الصحيح
ويستخدم العقل ويضع الخير في مجموعه نُصب عينيه - ونعني به الفلسفة - هو الذي
يستطيع الانتفاع بسائر أنواع المعرفة وتوجيهها وفق قوانين الطبيعة.*" فإن هذا دليل آخر
على ضرورة التفلسف.ذلك أن الفلسفة وحدها تنطوي على الحكم الصحيح والتبِضّر المعصوم (من الخطأ) ”
الذي يملك القدرة على تحديد ما ينبغي علينا أن نأتي من الأفعال وأن ندع. (ب١٠)‏ دعنا الآن
نتعمق سؤالنا ونتأمله من وجهات النظر الغائية لكي نصل إلى نفس التنبيه (السابق).'”


(ب١١)‏ من بين الأشياء التي تنشأ «وتّكوّن» ما يُدين «وجود» بعضه للتدبير «العقلي»
والمقدرة «البشرية على الصنعة»” - كما هو الحال في البيت والسفينة اللذين يشترطان
المقدرة والتدبير - في حين أن بعضها الآخر لا ينشأ عن طريق المقدرة البشرية «على
الصنعة», بل بواسطة الطبيعة؛ إن الطبيعة هى الأصل"” في الحيوانات والنباتات: وكل
نشوء من هذا النوع يتم وفقًا للطبيعة: ولكن هناك أيضًا أشياء تنشأ عن طريق الصدفة,
ونحن نقول عن معظم الأشياء التي لا تنشأ عن طريق الصنعة ولا الطبيعة ولا الضرورة
(نقول): إنها تنشأ عن طريق الصدفة؛ (ب؟١)‏ وليس فيما ينشأ عن الصدفة شيء له هدف
أو غاية'؛ (من كونه ونشوتئه). أما الأشياء التى تنشأ عن المقدرة البشرية ع الصنعة)
فلها غاية وهدف؛ «لأن من يملك المقدرة سَيِّيين لك دائمًا لماذا كتب ولأي هدف». وهذا
الهدف (نفسه) أفضل من الشيء الذي نشأ من أجله.'؛ وأنا أتكلم عن الأشياء التي تكون
العلة فيها هي المقدرة في ذاتها لا بطريقة عَرَضية فحسبء فإن الشفاء هى بالتأكيد علة
الصحة قبل أن يكون علة المرضء وفن البناء هى علة «تشييد» البيت لا علة الهدم؛؟
فكل العاقل؛ والجزء العاقل يحتوي على العقل,"* وهكذا يسوقنا البرهان ضرورة إلى «القول»
بأن كل شيء يوجد من أجل العقل. (ب5؟) إن فاعلية العقل هي التفكير.'* والتفكير يقوم
على النظر في موضوعات الفكرء '' على نحو ما تكون فاعلية «عضو» الإبصار هي رؤية
المرئيات. هكذا يجعل الفكر والعقل كل شيء جديرًا بأن يسعى إليه بنو الإنسان؛ ‎٠"‏ إذ تكون
بقية الأشياء جديرة بالسعي إليها من أجل النفسء والعقل هو أرفع الأمور قيمةٌ في مجال
النفسء ومن أجله (وحده) يكون كل شيء آخرء (ب50؟) وتكون بعض الأفعال العقلية حرة
حرية كاملة؛ وهى الأفعال التى تتحقق لذاتهاء"" أما الأفعال العقلية التى تُنْتِجٍ المعارف
لأجل أي شيء آخر فهي تُشبه الخدم. إن كل ما يتم فعله لذاته يفوق دائمًا في قيمته ما
يكون «فعله» وسيلة لشيء آخرء وكذلك يكون الحر أعلى قدرًا من غير الحر.


(ب1؟) ونحن عندما نستعين في سلوكنا بالتفكير"" فإنما نهتدي بهديه حتى ولو
وضع المتفكر مصلحته الخاصة نُضْبٍ عينيه وحدد أسلوب فعله وسلوكه من خلال وجهة
النظر هذهء إنه ليستخدم جسده (عندئذ) كما يستخدم الخادمء بل إنه ليضطر إلى إفساح
مجال كبير للصدفة؛ وهى على العموم يُقبل على تلك الأفعال التي يقوم فيها التفكير
(العقل) بدور أساسي: ختى لئ استلزم الأمر منه في أغلب أعماله أن يستخدم الجسد
استخدام الأداة.؟ (ب7؟) وهكذا نرى أن التفكير المحض الخالص من الهدف أشرف
وأقيم من التفكير الذي يكون «مجرد» خادم «يُتوسّل به» لبلوغ شيء آخر. إن التفكير
الخالص يستمد شرفه من ذاته. وحكمة «العقل» هي الشيء الذي يستحق «من الإنسان»
أن يسعى لطلبه منه. كما أن الفطنة العملية في الحياة*' جديرة بالسعي إليها من أجل
الفعل (أو السلوك): وإِذَّن فالخير والشرف ملازمان للتفكير الفلسفي قبل كل شيء آخرء
وإن لم يلازما بطبيعة الحال أي نوع من هذا التفكير كيفما اتفق؛ إذ ليس كل تصور بوجه
عام مقرونًا بالشرفء وإنما نتوقع من تفكير المعلم الحكيم وحده'" - عندما يتجه هذا
التفكير إلى المبدأ السائد في الكون - أن يكون قريبًا من الحكمة وأن يكون حكمة بالمعنى
الحقيقى.37


‏(ب8؟) إن الإنسان إذا حُرم الإدراك الحسي والعقل فقد صار شبيهًا بالنبات, وإذا
حُرم العقل وحده تحوّل إلى حيوان» أما إذا تحرر من غير المعقول وتمسّك بالعقل فقد
صار شبيهًا بالإله؛ (ب5؟) ذلك أن العقلء الذي نتميز به عن سائر الكاثنات الحية: لا
يتحقق بصورة كاملة"" إلا في ذلك الشكل «من أشكال» الحياة الذي لا يعترف بالاتفاق
(والصدفة) '" ولا بما هو عديم القيمة. صحيح أن لدى الحيوانات ومضات ضئيلة من
الفطنة والعقلء غير أنها لا تتمتع بأدنى نصيب من الحكمة النظرية»'" فهذه الحكمة
عن الجسم "* وأن آخر ما ينشأ من «مَلَكَاتَ» النفس هو ملكة العقل؛'" «إذ إننا نلاحظ أن
هذه الملكة هي بطبيعتها آخر ما يتكون عند الإنسان؛ ولهذا كانت هي الخير الوحيد الذي
تطمح الشيخوخة إلى امتلاكه.» إذا سلّمنا بهذا كله تبين لنا أن ملكة العقل بحسب طبيعتها
هي هدقناء وأن استخدامها هو الغاية الأخيرة التي من أجلها نشأناء وإذا صح القول بأننا
قد وجدنا”* وفقًا للطبيعة: فقد اتضح أننا نعيش أيضًا لكي نفكر في شيء ولكي نتعلم.
(ب18) دعنا نسأل الآن لأي موضوع من موضوعات الفكر (القائمة) قد أوجدنا ال؟
عندما سُئل فيثاغورس عن هذا أجاب بقوله: «لكي أتأمل السماء»”* وقد تعوّد أن يصفنفسه بأنه «إنسان» يتأمل السماء وأنه إنما جاء إلى الحياة من أجل هذا الغرض. (ب5١)‏
ويُروى أيضًا عن أنكساجوراس أنه سيْل عن الهدف الذي يمكن أن يبتغيه الإنسان من
مولده وحياته فأجاب, بقوله: لكى يتأمل السماء والنجوم «الطالعة» فيها والقمر والشمسء,
وكأن كل ما عدا ذلك لا يستحق عناء الجهد.؛* (ب١2)‏ هكذا يكون فيثاغورس قد زعم
بحق”* أن كل إنسان قد أوجده الإله لكي يعرف وينظر ويتأملء وسواءً أكان موضوع هذه
المعرفة هى «نظام» الكون أم أي ليوحة: أخومة: فذلك أمر قد نفحصه فيما بعد. ويكفى
الآن ما قلناه ليكون أساسًا نعتمد عليه. وما دامت الغاية ‏ بمقتضى الطبيعة - هي مَلّكة
التعفّلء فإن أفضل الأشياء هو استخدامها «في التدبّر والتفكيره؛ (ب١2)‏ لهذا يجب على
المرء أن يعلم سائر الأشياء من أجل الخير الكامن في الإنسان نفسه؛ ومن «مجموع» هذا
الخير «يقوم» بالأمور الجسيمة من أجل «الأمور» النفسية: «وَيُوْثْرِ» الفضيلة من أجل مَلّكة
التعقل؛ لآأن هذه هي أسمى الأشياء جميعًا.


‏(ب؟5) وتقودنا الفكرة التالية إلى نفس الهدف (وهو أن من يريد أن يكون سعيدًا
فلا بد له أن يتفلسف). (ب؟؟) لَّا كان النظام يسود الطبيعة كلهاء فإنها لا تفعل شينًا
بالصدفة؛ وإنما توجّه كل شيء نحو هدف محددء وهي حين تستبعد الصدفة (والاتفاق) 7*
تحرص على تحقيق الهدف (أو الغاية) بقدر يفوق كل فن بشري؛ إذ إن الصنعة البشرية,”*
كما نعلمء محاكاة للطبيعة. ونا كان الإنسان يتألف بحسب طبيعته من نَفْس وجسد.
وكانت النفس أعلى قيمة من الجسدء كما كان الأقل شأنًا يندرج دائمًا تحت الأفضل في
سبيل تحقيق هدف معينء فإن وجود الجسد إنما يكون من أجل وجود النفس؛ ونحن
نعلم أن النفس تكون في جزء منها عاقلة وفي جزء آخر غير عاقلة, وأن الجزء غير العاقل
منها أقل قيمة (من العاقل). ونستنتج من هذا أن الجزء غير العاقل يوجد من أجل الجزءما ينشأ عن طريق المقدرة البشرية إنما ينشأ من أجل «تحقيق» هدف معينء وهذه هي
غايته وأفضل شيء «بالنسبة له». أما ما ينشأ عن طريق الصدفة فلا ينشأ لهدف: ومع ذلك
فقدايتفق أن يتوكد عن الصضدقة بعص الخين. غير أنه لا يكون خَيرًا من خلال الضدقة ومن
حيث نشأته عن طريق الصدفة؛ لأن ما ينشأ عن طريقها يكون دائمًا غير محدد. (ب١١)‏ إن
ما ينشأ وفقًا للطبيعة إنما ينشأ لأجل هدف بحيث يكون النتاج الطبيعي دائمًا أكثر ملاءمة
للهدف من النتاج الفنى؛ فليست الطبيعة هى التى تُحاكى الصنعة «البشرية»: بل هذه هى
القى حاكن الطبيعة: كما أن اللقدؤة البشرية(عل الصذعة) ‏ قد :وجدت لسائدة الطبيعة
وإكمال :ما تركته ذاقصًا؟* ذلك لأن من بين الموجودات ماييدى أن الطبيعة وحدها قادرة
على إتمامه بنفسها دون حاجة إلى مساعدة, ومن بينها الآخر ما لا تتمكن «من إكماله: إلا
بالجهد أو تعجز عنه عجرًا تامّاه ويتضح هذا لدى نشوء الكائنات الحية؛ فبعض البذور
تتفتح دون أدنى «قدر من» الرعاية: أَيّا كانت الأرض التى تسقط عليهاء أما بعضها الآخر
فيحتاج إلى فن الزراعة: وكذلك تستطيع بعض الكائنات الحية أن تنمو بنفسها نموًا كاملا
وأن تبلغ النضجء على العكس من الإنسان الذي يحتاج إلى عدد كبير من المهارات الضرورية
للمحافظة «على حياته», وهو يحتاج إليها في البداية بعد ولادته مباشرة, ثم يحتاج إليها
بعد ذلك لتغذيته؛ (ب5١)‏ فإذا كانت القدرة البشرية (على الصنعة) تُحاكى الطبيعة» فمن
الواضح أن غائية منتجات القدرة البشرية أمر يعتمد على الطبيعة: ويصح لنا أن نقول:
إن كل ما ينشا نشأة سليمة إنما ينشا من أجل هدف (معين)؛ فكل ما يؤدي إلى شيء
جميل قد نشأ نشأة صحيحة:؛ وكل ما ينشأ أو قد تم نُشؤه بالفعل يُنتج شينًا جميلًا
حتى تتم العملية الطبيعية بصورة سوية: أما ما يشدٌ عن الطبيعة فهو رديء ومضاد لما
يوافق الطبيعة وهكذا تتم النشأة؛؛ السوية المطابقة للطبيعة لأجل تحقيق هدف معين
(ب15) ويمكننا أن نتبين هذا «من ملاحظة» كل جزء من أجزاء جسمنا على حدة, فإذاتأملت الجفن مثلّا وجدت أنه لم يتكون «عبثَّاه ولغير هدفء وإنما وجد لحماية العينين
وتوفير الراحة لهما والحيلولة دون نفاذ شيء من الخارج إليهماء ونحن نقصد نفس الشيء
عندما نقول: إن الأشياء الطبيعية قد تكونت”؟ لتحقيق هدف معينء أو عندما نقول: إنالأشياء المصنوعة”؛ قد أنتجت لغرض ماء فعندما يتم بناء سفينة لنقل البضائع عن طريق
البحر يكون الهدف المقصود من بنائها قد قدِّم بالفعل. (ب1١)‏ إن جميع الكائنات الحية
أو (على الأقل) أفضلها وأرفعها قدرًا قد نشأ عن الطبيعة وفي تطابق مع الطبيعة: ولا
معنى للاعتراض على هذا بأن أغلب الحيوانات قد نشأ ضد الطبيعة: أي للإفساد وإلحاق
الأذنى والضرر. إن أسمى الكائنات الحية (التى تعيش على الأرض) هو الإنسان: وهذا يدل
بوضوح على أنه قد نشأ نشأَةً طبيعيةٌ وفي تطايّق مع الطبيعة؛ (ب17١)‏ فإذا كان الهدف
دائمًا أفضل من الشيء (إذ إن كل شيء يكون - أو ينشأ - من أجل الهدف. كما أن
ال الماذا»"؟ هي الأفضل على الدوام بل تفوق جميع الأشياء في الفضل): وإذا كان الهدف
المطابق للطبيعة هو آخر ما يتوصل إليه في مجرى الكون الطبيعي"** عندما يسير هذا سيرًا
متصلًا نحو الكمالء*؟ وإذا سلّمنا إلى جانب هذا بأن الجسد هو أول ما يبلغ الكمال عند
الإنسان: ثم يأتى بعده ما يتعلق بالنفسء وإن كمال الأفضل بالنسبة للكون (النشوء) إنما
تأتي على نحو من الانحاء دائم فيما بعد.لا يُوصف بها غير الآلهة ولا تّنسَّب إلا للعقل الإنساني."" ومن جهة أخرى يتفوق كثير
من الحيوان تفوقًا بعيدًا على الإنسان في حدة الإحساس وفي الغرائز الطبيعية.؟” (ب١؟)‏
والحقيقة أن الحياة العقلية هي «الشيء» الوحيد الذي لا يمكن فصله عن الخيرء ومن
المعترف به بوجه عام أنها متضمنة في تصور الخيرء ذلك أن الرجل «النابه» الرفيع القدر
الذي يتبع في حياته «طريق» العقل هو الذي لا يقع ضحية للصدفة؛ بل يعرف أكثر من
غيره من الناس كيف يحرّر نفسه من «كل» ما يخضع لهاء فإذا استطعت أن تهب نفسك
دائمًا لهذه الحياة؛" عن اقتناع كامل أمكنك أن تحيا حياة آمنة مطمئنة.


(ب١؟)‏ نحن جميعًا نختار ما يكون في نفس الوقت ميسورًا ونافعٌاء*" ومن ثم يجب
الاعتراف بأن الفلسفة" تملك هاتين الصفتين: وأن صعوية تحصيلها أقل من النفع الذي
تتيحه؛ ذلك أننا جميعًا نهتمٌ بأسهل «الأمور» وأيسرهاء (ب7؟) ومن السهل إثبات قدرتنا
على اكتساب العلم بما هو عادل ومفيدء كذلك على تحصيل المعرفة بالطبيعة وبالموجودات
الحقيقية الأخرى."" (ب١؟)‏ إن الأوَيّ والبسيط يكون على الدوام أكثر من الثانوي
والمركّب؛” وكذلك يكون الأعلى في سُلم الأولويات الطبيعي معروقًا أكثر من الأدنى؛ والمعرفة
تنصرف (إلى الاهتمام» بما هو محدد ومنظم من الناحية المنطقية أكثر مما تهتم بضدهء كما
تنصرف إلى «العلل» والمكونات الأساسية أكثر مما يترتب على هذه «العلل أو المكونات». والأشياء الطيبة تتفوق في تحددها وتنظيمها على الأشياء السيئة”* على نحو ما يتفوق
الإنسان المترفع'” على الإنسان الوضيعء ومثل هذه الأضداد يتحتم أن تحمل نفس
الصفات؛"” فالأوي يحمل طابع العلة أكثر من الثانويء فإذا انتفى ذلك فقد انتفى معه
ما تلقَّى عنه وجوده. وهكذا تنتفي الخطوط عندما تنتفي الأعداد. كما تنتفي السطوح
بانتفاء الخطوط والأجسام بانتفاء السطوحء وكذلك الأمر مع الكلمة عندما ينتفي المقطع,
ومع المقطع عتدما نتتقى الحزك: (ب14؟) وكاكاكك“ التق أعل:قيمة من الحسه (لأنها
بحسب طبيعتها سى السيظزة)ء وكانت توجد فيما يتعلى بالجس صنعة «يشرية»؟" وعلب
كالطب والرياضة البدنية (اللدّين نصفهما بأنهما فرعان من فروع المعرفة ونؤكد أن هناك
نفرًا من الناس يتقنونهما) فمن الواضح أن الضرورة تقتضي وجود نوع من الرعاية ومن
الصنعة التي تتعلق بالنفس وفضيلتهاء كما تستلزم أن نكون قادرين على تحصيلهما؛ إذ
إننا نملك القدرة على «اكتساب» معرفة بأمور يكون جهلنا بها أكبر كما تكون معرفتنا بها
أمظ اضف أن رضتة هذاه مماقة المتهكة في كل الأحوال أن نعرف أي شيء عن هذه ما لم نعرف تلك."* إذ كيف يتسنَّى لأحد أن
يفهم الكلمات المنطوقة إذا كان لا يعرف المقاطع؛ أو كيف يمكنه أن يفهم المقاطع إذا
كان لا يعرف شيئًا عن الحروف؟ (ب11) ليكن هذا هو «صفوة» القول عن وجود علم
بالحقيقة** وعلم بفضيلة النفس وعن قدرتنا على تحصيلها.


‏(ب8) أما أن هذا «التبمّر بالمبادئ» هو أعظم الخيرات وأنه أنفع من كل ما عداد.
فلذلك ما سيتضح مما سنقوله بعد إننا جميعًا متفقون «في الرأي» على أن أرفع الرجال
خلقًا وأشدهم بطبيعته قوة هو الذي ينبغي أن يتولى الحكم؛'* كما أننا متفقون على أن
القانون وحده هو الحاكم والسيدء ذلك القانون الذي يُعبّر منطوقه عن حكمة وبصيرة.
(ب55) ومَن ذا الذي يمكنه أن يمثل لنا المعيار الدقيق ويكون لنا بمثابة الدليل «الهادي»
إلى الخير غير الإنسان الحكيم '* (في خُلّقه وسلوكه). إن الأمر الذي يختاره. حين يتم اختياره
على أساس من الروية والعلم هو الخير, أما الضد (المخالف له) فهو الشر. (ب+ 5) إن جميع
الناس يميلون إلى اختيار ما يلائم طباعهم؛ فالعادل يختار الحياة العادلة» والشجاع حياة
الشجاعة؛ والبصير العاقل حياة التبِضّر والعقل؛ ومن هذا يتضح كذلك أن الإنسان الذيوهب ملكة العقل'* سيختار الفلسفة؛ لأن التفلسف هو مهمة هذه اللّكة. ومن هذا الحكم
الصادر بأقصى درجة من اليقين يتبين أن ملكة التعقل"؟ هي أسمى الخيرات جميعًاء


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الجمال رحلة تبد...

الجمال رحلة تبدأ من الداخل وتنعكس على الخارج. كلاريتي بيوتي: ملاذكِ لتعزيز جمالكِ الطبيعي، ونقطة ان...

مراحل الاحتلال ...

مراحل الاحتلال الروماني لبلاد المغرب القديم : الإطار الجغرافي و التاريخي : تعتبر أفريقيا من الأراضي ...

1. The market c...

1. The market consists of a single seller; 2. The seller sells a product for which there are no clos...

. هذا هو الحال ...

. هذا هو الحال بالنسبة لعملية توسيع وتعميق الاحتجاج السياسي في إسرائيل. ولكن هناك أيضًا جانب آخر للع...

اشترى ألين وجيم...

اشترى ألين وجيم وستيف ثلاثة بلونات مملوءة بالهيليوم ودفعوا ثمن البالونات الثلاثة دولارين. بعد ذلك قر...

In the fast-pac...

In the fast-paced world of academia, success isn't just about studying hard – it's also about eating...

The technique o...

The technique of testing without having any knowledge of the interior workings of the application is...

مرّةً أخرى، غاص...

مرّةً أخرى، غاصتْ أسماك التونة،والتونة هو الاسم اّلذي يطلقه الصَّيادون على الأسماك جميعها من ذلك الن...

Most photosynth...

Most photosynthetic autotrophs are plants, which use solar energy to create a significant amount of ...

فتح القسمين الأ...

فتح القسمين الأوسط والشمالي من إيطالية أما القسم الأوسط من إيطالية فقد بدأت رومه خطواها نحو أخضاع...

٤ - المهارات ال...

٤ - المهارات المستقبلية : Future skills تظهر الحاجة الملحة لإتقان معلمة الطفولة المبكرة للعديد من ال...

ة مبدئيا يمكن ا...

ة مبدئيا يمكن القول أن أساس ومبرر وجود المنازعة اإلدارية يكمن في وجود أي نزاع مهما كانت طبيعته، أي ض...