Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الاحتلال الروماني لبلاد المغرب
أولا:- أسباب الاحتلال:
I. الأسباب الاقتصادية:
1- تراجع الإنتاج الزراعي في ايطاليا بسبب :
أ- ازدياد الملكيات الكبرى على حساب أراضي صغار الفلاحين، الذين عجزوا عن منافسة هؤلاء الملاكين الكبار، فاضطروا إلى بيع أراضيهم، وتحولوا إلى يد عاملة أجيرة لدى هؤلاء المزارعين الكبار في مرحلة أولى، قبل الاستغناء عنهم والاعتماد على العبيد الذين كانت تنقصهم الخبرة في خدمة الأرض، مما أدى إلى تراجع الإنتاج( ). ب- كانت للحروب التي خاضتها روما انعكاسات سلبية على الزراعة في ايطاليا، فحروب الوحدة التي قامت بها روما للسيطرة على شبه جزيرة ايطاليا دامت طويلا، وأضرت الزراع إضافة إلى الحروب الأهلية ثم الحروب البونيفية، ج- تطلبت الحروب التي كانت تخوضها روما في بقاع مختلفة من العالم القديم، المزيد من التجنيد، وكان استدعاء الفلاحين للخدمة العسكرية سببا أيضا في تناقص عددهم، وهجر مزارعهم التي اضطروا إما إلى رهنها لإعالة أسرهم خلال الحروب، أو يجبرون على التخلي عن الزراعة، بعد أن تثقل كاهلهم الديون المترتبة عن الضرائب، فيتم طردهم من أملاكهم) ( التي يستولي عليها جيرانهم من الملاكين الكبار ( )(CONTINUARI AGROS.بل كان هؤلاء الملّاكون من أصحاب الضِيع الكبرى، يلجأون إلى الاستيلاء على أراضي صغار الفلاحين في غيابهم باستخدام شتى الحيل( ).د- تراجع الإنتاج في ايطاليا في الوقت الذي تزايدت الحاجة إلى الحبوب و"القمح " خاصة، الذي كانت تحصل عليه في شكل ضريبة عينية (vectigales)، أو بأسعار رمزية، مادام لم يكن في وسع الصقيليين تسويق حبوبهم إلى سوق بلدان أخرى غير أسواق روما وايطاليا( ). وكانت روما بعد اقتطاع التموين الضروري للجيش، كانت تبيع الفائض بأسعار منخفضة( )، فوجه أصحاب المزارع الكبرى جهودهم لتربية المواشي) (، التي تتماشى والمساحات الكبرى، وغرس الزيتون والكروم( ).ه- إذا كان تشكيل الضيع الكبرى (La tifurdia)، قد غير بشكل عميق درجة الزراعة الرومانية، التي يعود لها الفضل في رخاء الشعب، نظرا لمساهمة صغار الفلاحين بنصيب وافر من الإنتاج، فإن سبب تدمير "طبقة الفلاحين"، هو اللجوء إلى استخدام العبيد في استغلال الأرض، عوضا عن صغار الفلاحين، الذين توجهوا نحو المدن خاصة "روما" ( ).II.توجه الفلاحون أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، الذين فقدوا أراضيهم ومناصب عملهم إلى المدن، خاصة روما، التي تزايد بها عدد العاطلين عن العمل، إلى جانب قدامى المحاربين المسرحين، وما يثيرونه من شغب ومشاكل اجتماعية وآفات، فلم تجد روما بدا من توفير الحبوب لهم إما بأسعار رمزية في البداية قبل أن تصبح مجانا ( )، فكان إلى جانب تزويد هؤلاء المواطنين بالحبوب، على روما أن تقوم بتموين الجيوش التي تتزايد أعدادها مع تزايد توسعاتها في العالم القديم، فكان لابد لها من مصادر تموين جديدة، فكانت بلاد المغرب معروفة منذ عهود غابرة بإنتاجها للحبوب خاصة القمح الذي امتاز بالكثرة وبنوعيته الجيدة( ). كانت روما تسعى أيضا إلى التخلص من هؤلاء العاطلين عن العمل، تجنبا لما يثيرونه من أحداث شغب، وكذا توطين النازحين من الأرياف الايطالية، الذين فقدوا أراضيهم والجنود المسرحين من الخدمة، وهكذا يقدم التوسع خارج ايطاليا حلولا للمعضلة الاجتماعية، التي كان خطرها يتفاقم مع الوقت( ). وقد رأى آخرون أيضا أن لروما مهمة تهذيبية سامية، تعمل على استمالة الناس لمثل المدنية الرومانية، الذي مهمته إشاعة الطمأنينة في الداخل والأمن في الخارج( )، لكن إحدى مقومات هذا السلم وركائزه الأساسية هي "الجيش" والقوة هي أساسه.اتسم التوسع الروماني في بلاد المغرب بالبطء والتدرج، إذ نلاحظ أن روما وضعت أقدامها في شمال إفريقيا في سنة 146 ق.م بعد تدمير قرطاجة، وتحويل أراضيها إلى مقاطعة رومانية باسم "مقاطعة إفريقياة" (Provincia-Africa)( )، أحاطها سكيبيو بالخندق الملكي ((Fossa-Regia) ( ، ولم تنه عملية الاحتلال حتى سنة 40 م، بعد اغتيال "بطليموس" ابن يوبا الثاني ملك موريتانيا وثورة ايديمون التي انتهت بإلحاق موريتانيا بالممتلكات الرومانية في عهد الإمبراطور كلاوديوس سنة 42 م ( )، مقسما إياها إلى مقاطعتين :
- موريتانيا القيصرية: مقرها يول / قيصرية. وهكذا نلاحظ انقضاء ما يقارب القرنين من الزمن بين احتلال أراضي قرطاجة، وإلحاق موريطانيا، بينما مر قرن من الزمن بين احتلال قرطاجة وإنشاء مقاطعة "افريقية- الجديدة" على أنقاض مملكة نوميديا سنة 46 ق. كانت مقاطعة إفريقيا تمتد على شمال شرق تونس الحالية من طبرقة في الشمال إلى هنشير طينة (Thanae) عند خليج قابس في الجنوب الشرقي.إلى الغرب من امساقا (الوادي الكبير)، كانت تمتد مملكة موريطانيا، التي حكمها يوخوس الكبير (118- 80 ق.م)،م، حيث حصل على المنطقة الممتدة من وادي الملوية إلى وادي الساحل (الصومام)، جزاء مساعدته لروما في القبض على يوغرطة( ).يبدو أن بوخوس قد استمر في الحكم حتى سنة 80 ق. إذ يذكر لأخر مرة أثناء فرار هيرباص ملك نوميديا أمام بومبيوس، واعتراض "بوغود"ابن الملك بوخوس طريقه بناء على ما يذكره باولوس اوروسيوس( ). إذا كنا نجد سترابون يتحدث عن ملك يدعى بوغوط (B.G.T) أو بوغود، يحكم موريطانيا في أوائل القرن الأول قبل الميلاد( )،م، وبالتالي يكون بوغود هذا قد خلف والده( )، بعد أن شاركه الحكم، لكننا نجد بلوتارخوس يتحدث بدوره عن أمير سماه اسكاليس (Ascalis) ابن افتاس (Iphthas)، قدم سيرطوريوس (Sertorius) من اسبانيا لمساعدته لاستعادة "ملك موريطانيا"، ثم انضم إلى خصومه( )، ونجد أيضا إشارة عند سالوستيوس( ) الذي يتحدث عن لبتاستا (Leptasta)، الذي يحكم موريطانيا، الذي نجده أيضا في النقوش الليبية والبونيقية بالصيغ التالية: يفتان(Ieptan) يبتا (Iepta) ابتن(YPTN) افتن(IFTN) ويفتا (Ieptha) ( ) وبالتالي يكون افتاس(Iphthas) ووالده اسكاليس (Ascalis) أميرين تربطهما علاقة قرابة بالملك بوخوس الكبير، يكون قد حكما بعده موريطانيا الغربية في الوقت الذي حكم فيه ابنه بوغود موريطانيا الشرقية، إلى الشرق من وادي الملوية الفاصل بين المملكتين) (.م، في بداية الحرب الأهلية بين قيصر وبومبيوس مقسمة إلى مملكتين يفصلها وادي الملوية) (: موريتانيا الشرقية تحت حكم بوخوس الثاني (49-33 ق.م) وموريتانيا الغربية تحت حكم بوغود (49-38 ق. هذا الأخير الذي ناصر انطونيو في الصراع الذي شبّ بينه وبين اكتافيوس، وكانت هزيمته إيذانا بنهايته، حيث ألقي عليه القبض وقتله اقريبا AGRIPPA في مينونيا بميسينا سنة 39 ق.م( )،م حتى تاريخ وفاته سنة 33 ق. مما أعطى فرصة لاكتافيوس لضم "موريطانيا" إلى الممتلكات الرومانية، لكن انشغالاته( ) جعلته يكتفي بتعيين واليين رومانيين لإدارتها حتى سنة 25 ق. في الوقت الذي أدمجت فيه نوميديا بمقاطعة إفريقيا، وتشكلت بقاطعة البروقنصلية. على اثر وفاة "يوبا الثاني" سنة 23 م، خلفه ابنه بطليموس (Ptolemaeus)، اغتاله في ليون سنة 40 م( )، ووضع بذلك حدا لمملكة موريطانيا، التي قسمها الإمبراطور كلاوديوس (41-45 م)، بطنجة كمقر، وموريتانيا القيصرية (يول- قيصرية)، وبذلك أصبحت بلاد المغرب تحت السيطرة الرومانية حتى القرن الخامس.الإدارة الرومانية في بلاد المغرب
أولا: إدارة المقاطعات
1) في العصر الجمهوري: رأينا سابقا أن الأراضي القرطاجية حولت إلى مقاطعة رومانية (مقاطعة إفريقية/ Provincia- Africa) بمجرد هزيمة قرطاجة وتدميرها، وقد أسندت إدارتها لأحد القضاة السنويين (برايتور-Praetor)، ثم برويتور (Pro-praetor)، وقسمت إلى ثلاث دوائر إدارية، استغلت كقاعدة في توزيع الأسس الضريبية، وتطابق أيضا - ربما – مقاطعات إدارية وقضائية، تحولت – فيما بعد- إلى أربع دوقيات بعد ضم نوميديا في مطلع العصر الإمبراطوري وهي: دوقية قرطاجة (Dioecisis carthaginiensis)، دوقية بنزرت(Dioecisis Hipponiensis)، دوقية حضرموت (Dioecisis Hadramitina)، دوقية نوميديا (Dioecisis Numidica) ، وكان يدير كل دوقية مفوض (Legatus) تابع للبروقنصل، إذ اصبحت "مقاطعة إفريقية" بمقاطعة سيناتورية منذ عهد أغسطس، وبالتالي تدار من طرف البروقنصلية منذ سنة 25 ق.م.، وكان المفوضون (Legati) يقاسمونه إدارة البلاد.2) في العصر الإمبراطوري: قام النظام الإداري على مبدأ تقسيم السلطة بين الإمبراطور والشعب الممثل في مجلس الشيوخ وعلى هذا الأساس، قسم اكتافيوس أغسطس العالم الروماني إلى نوعين من المقاطعات: مقاطعات سناتورية (إدارة مدنية)، على رأس كل منها "بروقنصل" يعين من طرف مجلس الشيوخ، ومداخليها تذهب إلى الخزينة العامة. ومقاطعات إمبراطوريتها تسيّر من طرف البروبريتور أو البروكيراتور (وكيل الإمبراطور) الذي يعينه الإمبراطور، هكذا نجد في العصر الإمبراطوري الأول بإفريقيا أربع مقاطعات هي:
- إفريقيا البروقنصلية.- مقاطعة نوميديا: التي انفصلت عن البروقنصلية وأصبحت تشكل مقاطعة بداية من عهد الإمبراطور سبتميوس سواريوس سنة 204م، تدار من طرف مفوض (Legatus) يحمل لقب بروبرينور حتى سنة 260 وربما حتى عصر اوريليانوس 270-275، حيث أصبحت الإدارة المدنية في يد البرايسوس (Praeses). مقرها يول-قيصرية، تحت حكم وكيل الإمبراطور (البروكيراتور)، يجمع السلطات المدنية والعسكرية.- مقاطعة بريطانيا الطنجية: تمتد من وادي الملوية شرقا إلى المحيط غربا وأعمدة هرقل شمالا، كان يحكمها بدورها وكيل الإمبراطور يقيم في طنجة، ويحدث في بعض الأحيان جمع الموريطانيين تحت وكيل إمبراطوري واحد، ظل هذا التقسيم قائما طيلة العهد الإمبراطوري الأول، وفي العهد الإمبراطوري الثاني (285-395م) وفي إطار العمل الإصلاحي الذي قام به الإمبراطور ديوقليسيانوس (285-305م)، الذي يهدف إلى مراقبة أفضل للإمبراطورية، وعهد بكامل البلاد - باستثناء موريطانيا الطنجية التي ألحقت باسبانيا – لوكيل افريقية (Vicaire d’Afrique) ، وكان مقره قرطاجة،1. إفريقية البروقنصلية أو زغوان (Zeugitana)، تضم دوقية هيبو-دياريتوس ودوقية قرطاجة، دوقية حضرموت، وضعت تحت حاكم من طبقة مجلس الشيوخ.3. طرابلس (Tripolitana)، بتكابت (قابس) كمقر، يديرها برايسوس يقيم في لبدة.4. نوميديا، بقرطن كمقر، تحت إدارة برا يسوس لكن بعد ذلك، يفصل بينهما وادي فليتون.ثانيا: المدن والتنظيمات البلدية:
من المتفق عليه أن الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية للاستقرار والتمدن، لم تنتظر الرومان، لتنمو وتتطور في المنطقة المغاربية، ثاجوراء، وإن لم نأخذ غير أراضي نوميديا في القرن الثاني ق.م.، وتمّ التأكد منها بالبحث الأثري.نضيف إلى كل هذه المدن، التي أنشأها الرومان - كمعسكرات ثم تطورت إلى مدن- مما يفسر لنا الحركة العمرانية، التي يتحدث عنها القدامى، وهو التباين المرتبط بموقف هذه المدن من الاحتلال الروماني، فالمدن، التي تم إخضاعها بحد السلاح، دمر وسكانها يباعون كعبيد أو يقتلون( )، وتضم أراضيهم إلى أملاك الدولة الرومانية، وهذا كان حال قرطاجة. أما المدن التي أخذت موقفا محايدا، أو لم تدفع الحرب إلى نهايتها، فإن كان هذا الخضوع يضمن للسكان وعائلاتهم احترام حرياتهم الشخصية وممتلكاتهم، وللمدينة حق الحفاظ على أراضيها وقوانينها وبالمقابل، كانت الأراضي التابعة سواء للخواص أو المدينة، تخضع كلها سواء لضريبة عينية(Vectigal) أو للغرامة (Tribatum, Stipendium). هذه البلديات التي تشكل طائفة المدن الدافعة للضريبة العينية أو الجزية (Vectigales ou Stipendiarae)، خارج هذه الطائفة، نجد عددا قليلا من المدن التي تتمتع ببعض المزايا وهي:
المدن التي حافظت على حريتها بفضل معاهدة سابقة أو جزاء الإخلاص والمساندة لروما. المدن التي أنشاها الرومان أنفسهم سواء كمستوطنات (Colonie) أو مستلحقات رومانية ( ).Municipia)
هكذا يمكننا أن نميز ثلاثة أصناف أساسية من المدن الواقعة في المقاطعات:
وبموجب قانون أو قرار مشيخي على مزية الحرية التي تبقى مرتبطة في أجلها بإرادة مجلس الشيوخ والشعب الروماني،- الإعفاء من وجود حاميات رومانية بها.- حق ملكية الأرض والإعفاء من الضريبة العقارية.- حق صك العملة، التي بفضلها، تعد هذه المدن مستقلة عن المقاطعة.ونجد ضمن هذا الصنف من المدن، سبع مدن في شمال إفريقيا، ساندت روما في حربها ضد قرطاجة وهي: أوتيكا، حضرموت (سوسة)، تابسوس (رأس الديماس)، لمطة، اشولا (يوطرية)، اوزاليس (Usalis) وتيوداليس. ورغم أنها تابعة وخاضعة، فهي تدار بواسطة حكامها القدامى ومجالسها وقوانينها ومقاضاة مواطنيها وإدارة المصالح المحلية وحتى توزيع الضرائب، أو بقرار من الحاكم الذي له سلطة المراقبة، فهو الذي يصادق على الميزانية العادية وعلى كل النفقات الإضافية لكل مدينة في المقاطعة، ومراجعة حسابات المدينة، الإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ والمراقبين (Censeurs) وحتى التسريح أو منع التجمعات( ). 3- المدن الرومانية: تنظيم البلديات الرومانية أي المستوطنات (Colonies)، المستلحقات (Municipes) ومدن ذات ذات الحق اللاتيني (Juris latini)، كان الهدف منه هو تعويد سكان المقاطعات على الثقافة والمؤسسات الرومانية، التي تساهم في الرومنة. كان تنظيم المستوطنات والمستلحقات والمدن اللاتينية في المقاطعات لا يختلف عنه في مدن ايطاليا إلاّ في نقطتين:
‌أ. "الأرض" في المقاطعة، خاضعة للضريبة،‌ب. كانت مدن ايطاليا معفية من مراقبة الحاكم على الأقل في المراحل الأولى( ). وهكذا نلاحظ في مقاطعات إفريقيا المدن موزعة في أربع مستويات هي:
أو مدن استقبلت مجموعة من السكان يتمتعون بحقوق المواطنة الرومانية، ويعد بالتالي سكانها مواطنين رومان سواء بالأصل أو القانون، ويتمتعون بذلك بقوانين منسوخة عن قوانين روما، وتطبق بها القوانين الرومانية وتتمتع بالاستقلال الإداري( ).بالمقابل باستثناء حالة الحصول على إمتياز الإعفاء (Imminitas)، تبقى المستوطنة خاضعة لضريبة عقارية، خاصة بأرض المقاطعة المقامة عليها،إضافة إلى هذه المستوطنات، التي تستجيب لوظائف إستراتيجية، يجب إضافة عدد أخر من المدن التي رقيت إلى مصاف المستوطنات، ففي هذا الإطار منح هدريانوس حق المستوطنة لاوتيكا، بولا،البعض يميز مستوطنات المواطنين والمستوطنات العسكرية، يبدو من الاسم أنهما مختلفتان من حيث نوعية "المستوطنين"، والواقع أن مستوطنات المواطنين كانت لها مهام عسكرية تؤديها، وكان يستفيد منها أيضا الجنود المسرحون الذين يقضون بها باقي حياتهم ، والمستوطنات العسكرية بدورها، لا تستقبل فقط كمواطنين الجنود المسرحين، والفرق بينهما يكمن في طريقة الإنشاء، إذ تنشا الأولى بواسطة تصويت شعبي باقتراح القنصل أو نقيب العامة أو بقرار مشيخي يحدد عدد المستوطنين وتحصيص الأراضي، وانتخاب اللجنة المكلفة بالتسيير، كانت تنظم من طرف الإمبراطور وتسييرها يتم لا بواسطة لجنة منتخبة، ولكن بواسطة مفوض إمبراطوري ( (Legatus imperial) .2. المستلحقات الرومانية: تطور بعض المداشر إلى قرى صغيرة (Pagi) أو كبيرة (Vici)
حيث استقر قدامى المحاربين، وأخرى استهوت التجار الذين أقاموا فيها وشكلوا الخلايا الأولى للرومنة، المستلحقات الرومانية (Municipia Civium Romanorum): سكانها من المواطنين الرومان بالأصل أو القانون، لها أن تختار القانون الروماني، أو تحتفظ بقوانينها القديمة، أراضيها باستثناء حالة الحصول على الإعفاء (immunitas)،
تزود بالقانون اللاتيني فقط، ونميز منح حق المدينة اللاتينية للمدينة (دون أن تصبح مستلحقة) ومنح نظام المستلحقة اللاتينية للمدينة، والقانون اللاتيني يتفرع بدوره إلى فرعين:
- الحقوق اللاتينية العظمى (Latium maius): الذي يمنح حق المواطنة الرومانية لكل أعضاء المجلس البلدي (Les Decurions) للمدينة ولعائلاتهم.- الحقوق اللاتينية الصغرى (Latium minus): التي تمنح حق المواطنة لحاكم إحدى المدن وعائلته فقط ( ).


Original text

الاحتلال الروماني لبلاد المغرب
أسبابه ومراحله:
أولا:- أسباب الاحتلال:
I. الأسباب الاقتصادية:
1- تراجع الإنتاج الزراعي في ايطاليا بسبب :
أ- ازدياد الملكيات الكبرى على حساب أراضي صغار الفلاحين، الذين عجزوا عن منافسة هؤلاء الملاكين الكبار، فاضطروا إلى بيع أراضيهم، وتحولوا إلى يد عاملة أجيرة لدى هؤلاء المزارعين الكبار في مرحلة أولى، قبل الاستغناء عنهم والاعتماد على العبيد الذين كانت تنقصهم الخبرة في خدمة الأرض، مما أدى إلى تراجع الإنتاج( ).
ب- كانت للحروب التي خاضتها روما انعكاسات سلبية على الزراعة في ايطاليا، فحروب الوحدة التي قامت بها روما للسيطرة على شبه جزيرة ايطاليا دامت طويلا، وأضرت الزراع إضافة إلى الحروب الأهلية ثم الحروب البونيفية، مما دفع الكثير من الفلاحين إلى النزوح نحو المدن( ).
ج- تطلبت الحروب التي كانت تخوضها روما في بقاع مختلفة من العالم القديم، المزيد من التجنيد، وكان استدعاء الفلاحين للخدمة العسكرية سببا أيضا في تناقص عددهم، وهجر مزارعهم التي اضطروا إما إلى رهنها لإعالة أسرهم خلال الحروب، أو يجبرون على التخلي عن الزراعة، بعد أن تثقل كاهلهم الديون المترتبة عن الضرائب، فيتم طردهم من أملاكهم) ( التي يستولي عليها جيرانهم من الملاكين الكبار ( )(CONTINUARI AGROS.
بل كان هؤلاء الملّاكون من أصحاب الضِيع الكبرى، يلجأون إلى الاستيلاء على أراضي صغار الفلاحين في غيابهم باستخدام شتى الحيل( ).
د- تراجع الإنتاج في ايطاليا في الوقت الذي تزايدت الحاجة إلى الحبوب و"القمح " خاصة، دفع روما إلى الاعتماد على قمح المقاطعات مثل صقلية وسيردينيا، الذي كانت تحصل عليه في شكل ضريبة عينية (vectigales)، أو بأسعار رمزية، مادام لم يكن في وسع الصقيليين تسويق حبوبهم إلى سوق بلدان أخرى غير أسواق روما وايطاليا( ). وكانت روما بعد اقتطاع التموين الضروري للجيش، كانت تبيع الفائض بأسعار منخفضة( )، وأمام هذا الاستيراد المفرط لم تعد زراعة الحبوب في ايطاليا مجزية، فوجه أصحاب المزارع الكبرى جهودهم لتربية المواشي) (، التي تتماشى والمساحات الكبرى، وغرس الزيتون والكروم( ).
ه- إذا كان تشكيل الضيع الكبرى (La tifurdia)، قد غير بشكل عميق درجة الزراعة الرومانية، التي يعود لها الفضل في رخاء الشعب، نظرا لمساهمة صغار الفلاحين بنصيب وافر من الإنتاج، فإن سبب تدمير "طبقة الفلاحين"، هو اللجوء إلى استخدام العبيد في استغلال الأرض، عوضا عن صغار الفلاحين، الذين توجهوا نحو المدن خاصة "روما" ( ).
II. الأسباب الاجتماعية:
توجه الفلاحون أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، الذين فقدوا أراضيهم ومناصب عملهم إلى المدن، خاصة روما، التي تزايد بها عدد العاطلين عن العمل، إلى جانب قدامى المحاربين المسرحين، وما يثيرونه من شغب ومشاكل اجتماعية وآفات، فلم تجد روما بدا من توفير الحبوب لهم إما بأسعار رمزية في البداية قبل أن تصبح مجانا ( )، فكان إلى جانب تزويد هؤلاء المواطنين بالحبوب، على روما أن تقوم بتموين الجيوش التي تتزايد أعدادها مع تزايد توسعاتها في العالم القديم، فكان لابد لها من مصادر تموين جديدة، فكانت بلاد المغرب معروفة منذ عهود غابرة بإنتاجها للحبوب خاصة القمح الذي امتاز بالكثرة وبنوعيته الجيدة( ).
كانت روما تسعى أيضا إلى التخلص من هؤلاء العاطلين عن العمل، تجنبا لما يثيرونه من أحداث شغب، وكذا توطين النازحين من الأرياف الايطالية، الذين فقدوا أراضيهم والجنود المسرحين من الخدمة، وهكذا يقدم التوسع خارج ايطاليا حلولا للمعضلة الاجتماعية، التي كان خطرها يتفاقم مع الوقت( ).
وقد رأى آخرون أيضا أن لروما مهمة تهذيبية سامية، تعمل على استمالة الناس لمثل المدنية الرومانية، بتطبيق سياسة الاستيطان و السلم الروماني، الذي مهمته إشاعة الطمأنينة في الداخل والأمن في الخارج( )، لكن إحدى مقومات هذا السلم وركائزه الأساسية هي "الجيش" والقوة هي أساسه.
ثانيا: مراحل الاحتلال
اتسم التوسع الروماني في بلاد المغرب بالبطء والتدرج، إذ نلاحظ أن روما وضعت أقدامها في شمال إفريقيا في سنة 146 ق.م بعد تدمير قرطاجة، وتحويل أراضيها إلى مقاطعة رومانية باسم "مقاطعة إفريقياة" (Provincia-Africa)( )، أحاطها سكيبيو بالخندق الملكي ((Fossa-Regia) ( ، ولم تنه عملية الاحتلال حتى سنة 40 م، بعد اغتيال "بطليموس" ابن يوبا الثاني ملك موريتانيا وثورة ايديمون التي انتهت بإلحاق موريتانيا بالممتلكات الرومانية في عهد الإمبراطور كلاوديوس سنة 42 م ( )، مقسما إياها إلى مقاطعتين :



  • موريتانيا الطنجية : مقرها طنجة.

  • موريتانيا القيصرية: مقرها يول / قيصرية.
    وهكذا نلاحظ انقضاء ما يقارب القرنين من الزمن بين احتلال أراضي قرطاجة، وإلحاق موريطانيا، بينما مر قرن من الزمن بين احتلال قرطاجة وإنشاء مقاطعة "افريقية- الجديدة" على أنقاض مملكة نوميديا سنة 46 ق.م، على اثر هزيمة يوبا الأول في معركة تابسوس أمام يوليوس قيصر.
    كانت مقاطعة إفريقيا تمتد على شمال شرق تونس الحالية من طبرقة في الشمال إلى هنشير طينة (Thanae) عند خليج قابس في الجنوب الشرقي.
    إلى الغرب من امساقا (الوادي الكبير)، كانت تمتد مملكة موريطانيا، التي حكمها يوخوس الكبير (118- 80 ق.م)، والذي توسع على حساب نوميديا على اثر هزيمة يوغرطة سنة 105 ق.م، حيث حصل على المنطقة الممتدة من وادي الملوية إلى وادي الساحل (الصومام)، جزاء مساعدته لروما في القبض على يوغرطة( ).
    يبدو أن بوخوس قد استمر في الحكم حتى سنة 80 ق.م( )، إذ يذكر لأخر مرة أثناء فرار هيرباص ملك نوميديا أمام بومبيوس، واعتراض "بوغود"ابن الملك بوخوس طريقه بناء على ما يذكره باولوس اوروسيوس( ). إذا كنا نجد سترابون يتحدث عن ملك يدعى بوغوط (B.G.T) أو بوغود، يحكم موريطانيا في أوائل القرن الأول قبل الميلاد( )، فإن قزال يفترض أن ذلك يكون قد وقع بعد سنة 91ق.م، وبالتالي يكون بوغود هذا قد خلف والده( )، بعد أن شاركه الحكم، لكننا نجد بلوتارخوس يتحدث بدوره عن أمير سماه اسكاليس (Ascalis) ابن افتاس (Iphthas)، يحكم طنجة، قدم سيرطوريوس (Sertorius) من اسبانيا لمساعدته لاستعادة "ملك موريطانيا"، ثم انضم إلى خصومه( )، ونجد أيضا إشارة عند سالوستيوس( ) الذي يتحدث عن لبتاستا (Leptasta)، الذي يحكم موريطانيا، مما جعل قزال( ) يفترض خلطا عند سالوستيوس مع اسم افتاس (Iphthas)، الذي نجده أيضا في النقوش الليبية والبونيقية بالصيغ التالية: يفتان(Ieptan) يبتا (Iepta) ابتن(YPTN) افتن(IFTN) ويفتا (Ieptha) ( ) وبالتالي يكون افتاس(Iphthas) ووالده اسكاليس (Ascalis) أميرين تربطهما علاقة قرابة بالملك بوخوس الكبير، يكون قد حكما بعده موريطانيا الغربية في الوقت الذي حكم فيه ابنه بوغود موريطانيا الشرقية، إلى الشرق من وادي الملوية الفاصل بين المملكتين) (.
    كانت موريطانيا سنة 49 ق.م، في بداية الحرب الأهلية بين قيصر وبومبيوس مقسمة إلى مملكتين يفصلها وادي الملوية) (: موريتانيا الشرقية تحت حكم بوخوس الثاني (49-33 ق.م) وموريتانيا الغربية تحت حكم بوغود (49-38 ق.م). هذا الأخير الذي ناصر انطونيو في الصراع الذي شبّ بينه وبين اكتافيوس، وكانت هزيمته إيذانا بنهايته، إذ لم يشفع له فراره إلى الشرق لاجئا عند انطونيو، حيث ألقي عليه القبض وقتله اقريبا AGRIPPA في مينونيا بميسينا سنة 39 ق.م( )، بينما تمكن بوخوس الثاني من إعادة الوحدة السياسية لموريطانيا سنة 38 ق.م حتى تاريخ وفاته سنة 33 ق.م، دون أن يترك وريثا( )، مما أعطى فرصة لاكتافيوس لضم "موريطانيا" إلى الممتلكات الرومانية، لكن انشغالاته( ) جعلته يكتفي بتعيين واليين رومانيين لإدارتها حتى سنة 25 ق.م، تاريخ تسليمها ليوبا الثاني، في الوقت الذي أدمجت فيه نوميديا بمقاطعة إفريقيا، وتشكلت بقاطعة البروقنصلية.
    على اثر وفاة "يوبا الثاني" سنة 23 م، خلفه ابنه بطليموس (Ptolemaeus)، لكن الإمبراطور كاليقولا(Caligulla)، اغتاله في ليون سنة 40 م( )، ووضع بذلك حدا لمملكة موريطانيا، التي قسمها الإمبراطور كلاوديوس (41-45 م)، بعد إنهائه لحرب المور بقيادة ايديمون(Aedemon) سلابيوس (Salabius) إلى مقاطعتين( ): موريتانيا الطنجية، بطنجة كمقر، وموريتانيا القيصرية (يول- قيصرية)، وبذلك أصبحت بلاد المغرب تحت السيطرة الرومانية حتى القرن الخامس.


الإدارة الرومانية في بلاد المغرب
أولا: إدارة المقاطعات




  1. في العصر الجمهوري: رأينا سابقا أن الأراضي القرطاجية حولت إلى مقاطعة رومانية (مقاطعة إفريقية/ Provincia- Africa) بمجرد هزيمة قرطاجة وتدميرها، وقد أسندت إدارتها لأحد القضاة السنويين (برايتور-Praetor)، ثم برويتور (Pro-praetor)، وقسمت إلى ثلاث دوائر إدارية، استغلت كقاعدة في توزيع الأسس الضريبية، وتطابق أيضا - ربما – مقاطعات إدارية وقضائية، تحولت – فيما بعد- إلى أربع دوقيات بعد ضم نوميديا في مطلع العصر الإمبراطوري وهي: دوقية قرطاجة (Dioecisis carthaginiensis)، دوقية بنزرت(Dioecisis Hipponiensis)، دوقية حضرموت (Dioecisis Hadramitina)، دوقية نوميديا (Dioecisis Numidica) ، وكان يدير كل دوقية مفوض (Legatus) تابع للبروقنصل، إذ اصبحت "مقاطعة إفريقية" بمقاطعة سيناتورية منذ عهد أغسطس، وبالتالي تدار من طرف البروقنصلية منذ سنة 25 ق.م.، وكان المفوضون (Legati) يقاسمونه إدارة البلاد.




  2. في العصر الإمبراطوري: قام النظام الإداري على مبدأ تقسيم السلطة بين الإمبراطور والشعب الممثل في مجلس الشيوخ وعلى هذا الأساس، قسم اكتافيوس أغسطس العالم الروماني إلى نوعين من المقاطعات: مقاطعات سناتورية (إدارة مدنية)، على رأس كل منها "بروقنصل" يعين من طرف مجلس الشيوخ، ومداخليها تذهب إلى الخزينة العامة. ومقاطعات إمبراطوريتها تسيّر من طرف البروبريتور أو البروكيراتور (وكيل الإمبراطور) الذي يعينه الإمبراطور، ومداخيلها تذهب إلى خزينته الخاصة.
    هكذا نجد في العصر الإمبراطوري الأول بإفريقيا أربع مقاطعات هي:





  • إفريقيا البروقنصلية.

  • مقاطعة نوميديا: التي انفصلت عن البروقنصلية وأصبحت تشكل مقاطعة بداية من عهد الإمبراطور سبتميوس سواريوس سنة 204م، تدار من طرف مفوض (Legatus) يحمل لقب بروبرينور حتى سنة 260 وربما حتى عصر اوريليانوس 270-275، حيث أصبحت الإدارة المدنية في يد البرايسوس (Praeses).

  • مقاطعة موريتانيا القيصرية: تمتد بين الواد الكبير إلى وادي الملوية، مقرها يول-قيصرية، تحت حكم وكيل الإمبراطور (البروكيراتور)، يجمع السلطات المدنية والعسكرية.

  • مقاطعة بريطانيا الطنجية: تمتد من وادي الملوية شرقا إلى المحيط غربا وأعمدة هرقل شمالا، كان يحكمها بدورها وكيل الإمبراطور يقيم في طنجة، ويحدث في بعض الأحيان جمع الموريطانيين تحت وكيل إمبراطوري واحد، للضرورات الدفاعية.
    ظل هذا التقسيم قائما طيلة العهد الإمبراطوري الأول، وفي العهد الإمبراطوري الثاني (285-395م) وفي إطار العمل الإصلاحي الذي قام به الإمبراطور ديوقليسيانوس (285-305م)، الذي يهدف إلى مراقبة أفضل للإمبراطورية، باستحداث أقسام جديدة، وعهد بكامل البلاد - باستثناء موريطانيا الطنجية التي ألحقت باسبانيا – لوكيل افريقية (Vicaire d’Afrique) ، الذي أصبح الرئيس الأعلى لكل حكام المقاطعات باستثناء البروقنصل، وكان مقره قرطاجة، وقسمت بلاد المغرب إلى الأقسام التالية:



  1. إفريقية البروقنصلية أو زغوان (Zeugitana)، تضم دوقية هيبو-دياريتوس ودوقية قرطاجة، بقرطاجة كمقر.

  2. المزاق (Byzaciun)، دوقية حضرموت، وضعت تحت حاكم من طبقة مجلس الشيوخ.

  3. طرابلس (Tripolitana)، بتكابت (قابس) كمقر، يديرها برايسوس يقيم في لبدة.

  4. نوميديا، بقرطن كمقر، تحت إدارة برا يسوس لكن بعد ذلك، اسندت لحاكم من مرتبة الشيوخ باسم (Consularis Numidiae).

  5. موريطانيا: تم إلحاق موريطانيا الطنجية باسبانيا، بينما قسمت موريطانيا القيصرية إلى مقاطعتين: موريتانيا القيصرية وموريطانيا السطايفية، يفصل بينهما وادي فليتون.

    ظلت القيادة العسكرية في يد البرايسوس، أما الإدارة المالية فكانت موريتانيا تابعة لنوميديا.
    ثانيا: المدن والتنظيمات البلدية:
    من المتفق عليه أن الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية للاستقرار والتمدن، لم تنتظر الرومان، لتنمو وتتطور في المنطقة المغاربية، بل على العكس من ذلك، كثير من التجمعات الرومانية تبسة، تيديس، قرطن، ثاجوراء، تاموسيدا وغيرها قامت على مواقع مدن أهلية قديمة، وإن لم نأخذ غير أراضي نوميديا في القرن الثاني ق.م.، الممتدة من حدود قرطاجة شرقا حتى وادي الملوية غربا، نجد بها حوالي خمسين (50) مدينة مذكورة في نصوص المؤلفين القدامى، وتمّ التأكد منها بالبحث الأثري.( )
    نضيف إلى كل هذه المدن، مدن موريطانيا والمدن، التي أنشأها الرومان - كمعسكرات ثم تطورت إلى مدن- مما يفسر لنا الحركة العمرانية، التي يتحدث عنها القدامى، لكن هذه المدن وزعت في تنظيمات متباينة الأوضاع، وهو التباين المرتبط بموقف هذه المدن من الاحتلال الروماني، فالمدن، التي تم إخضاعها بحد السلاح، دمر وسكانها يباعون كعبيد أو يقتلون( )، وتأخذ أملاكهم كغنائم، وتضم أراضيهم إلى أملاك الدولة الرومانية، وهذا كان حال قرطاجة.( )
    أما المدن التي أخذت موقفا محايدا، أو لم تدفع الحرب إلى نهايتها، وأعلنت خضوعها، فإن كان هذا الخضوع يضمن للسكان وعائلاتهم احترام حرياتهم الشخصية وممتلكاتهم، وللمدينة حق الحفاظ على أراضيها وقوانينها وبالمقابل، كانت الأراضي التابعة سواء للخواص أو المدينة، تخضع كلها سواء لضريبة عينية(Vectigal) أو للغرامة (Tribatum, Stipendium).
    هذه البلديات التي تشكل طائفة المدن الدافعة للضريبة العينية أو الجزية (Vectigales ou Stipendiarae)، هي التي تدخل ضمنها نظم مدن المقاطعات. خارج هذه الطائفة، نجد عددا قليلا من المدن التي تتمتع ببعض المزايا وهي:
    ‌أ. المدن التي حافظت على حريتها بفضل معاهدة سابقة أو جزاء الإخلاص والمساندة لروما.
    ‌ب. المدن التي أنشاها الرومان أنفسهم سواء كمستوطنات (Colonie) أو مستلحقات رومانية ( ).(Municipia)
    هكذا يمكننا أن نميز ثلاثة أصناف أساسية من المدن الواقعة في المقاطعات:
    • المدن الحرة والمعفاة (Civitates immunes et Liberae).
    • المدن الخاضعة(Civitates Stipendiarae) .
    • المدن ذات التنظيمات الرومانية.
    1- المدن الحرة والمعفاة: هي المدن التي ساندت روما، وحصلت نتيجة ذلك، وبموجب قانون أو قرار مشيخي على مزية الحرية التي تبقى مرتبطة في أجلها بإرادة مجلس الشيوخ والشعب الروماني، إذ بإمكان روما نزعها عنها متى شاءت.
    ومن مزايا هذه الحرية والإعفاء:




  • حق مقاضاة سواء مواطني المدينة أو الرومان المقيمين بها.




  • استقلال الإدارة المالية.




  • الإعفاء من وجود حاميات رومانية بها.




  • حق ملكية الأرض والإعفاء من الضريبة العقارية.




  • إمكانية تحصيل على أراضيها الحقوق الجمركية البرية والبحرية مع إعفاء الرومان.




  • حق صك العملة، التي بفضلها، تعد هذه المدن مستقلة عن المقاطعة.
    ونجد ضمن هذا الصنف من المدن، سبع مدن في شمال إفريقيا، ساندت روما في حربها ضد قرطاجة وهي: أوتيكا، حضرموت (سوسة)، تابسوس (رأس الديماس)، لمطة، اشولا (يوطرية)، اوزاليس (Usalis) وتيوداليس.
    2- المدن الخاضعة (Civitates Stipendiarae): هي المدن التي وقفت على الحياد أو دخلت الحرب ضد روما ثم تراجعت وأعلنت الخضوع، ورغم أنها تابعة وخاضعة، كانت تتمتع بنوع من الاستقلال الإداري تحت سلطة الحاكم الروماني، فهي تدار بواسطة حكامها القدامى ومجالسها وقوانينها ومقاضاة مواطنيها وإدارة المصالح المحلية وحتى توزيع الضرائب، لكن هذه الحقوق لم تضمن بقانون أو قرار مشيخي وإنما من طرف لجنة مكلفة بتنظيم المقاطعة، أو بقرار من الحاكم الذي له سلطة المراقبة، فهو الذي يصادق على الميزانية العادية وعلى كل النفقات الإضافية لكل مدينة في المقاطعة، والسهر على تسديد الديون وتوزيع الضرائب على السكان، ومراجعة حسابات المدينة، الإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ والمراقبين (Censeurs) وحتى التسريح أو منع التجمعات( ).
    3- المدن الرومانية: تنظيم البلديات الرومانية أي المستوطنات (Colonies)، المستلحقات (Municipes) ومدن ذات ذات الحق اللاتيني (Juris latini)، كان الهدف منه هو تعويد سكان المقاطعات على الثقافة والمؤسسات الرومانية، التي تساهم في الرومنة.
    كان تنظيم المستوطنات والمستلحقات والمدن اللاتينية في المقاطعات لا يختلف عنه في مدن ايطاليا إلاّ في نقطتين:
    ‌أ. "الأرض" في المقاطعة، وحتى هي ملك مواطن روماني، خاضعة للضريبة، بينما سكان ايطاليا معفيين من كل ضريبة عقارية (منذ سنة 167) وحتى من المساهمات الحربية للمواطنين الرومان( ) (Tribatum)، بينما المستوطنات والمستلحقات والمدن اللاتينية في المقاطعات عليها دفع كل ضرائب المقاطعة( ).
    ‌ب. كانت مدن ايطاليا معفية من مراقبة الحاكم على الأقل في المراحل الأولى( ).


    وهكذا نلاحظ في مقاطعات إفريقيا المدن موزعة في أربع مستويات هي:






  1. المستوطنات الرومانية: وهي المدن التي أسسها الرومان، أو مدن استقبلت مجموعة من السكان يتمتعون بحقوق المواطنة الرومانية، ويعد بالتالي سكانها مواطنين رومان سواء بالأصل أو القانون، ويتمتعون بذلك بقوانين منسوخة عن قوانين روما، وتطبق بها القوانين الرومانية وتتمتع بالاستقلال الإداري( ).
    بالمقابل باستثناء حالة الحصول على إمتياز الإعفاء (Imminitas)، تبقى المستوطنة خاضعة لضريبة عقارية، خاصة بأرض المقاطعة المقامة عليها، وهذا مهما كان الوضع القانوني للمواطنين الذين يمتلكون (Possesores) هذه الأرض( ).
    إضافة إلى هذه المستوطنات، التي تستجيب لوظائف إستراتيجية، يجب إضافة عدد أخر من المدن التي رقيت إلى مصاف المستوطنات، إما لكونها عواصم قديمة أو بسبب رومنة متقدمة أو لأهميتها الاقتصادية، ففي هذا الإطار منح هدريانوس حق المستوطنة لاوتيكا، بولا، ريجيا هنشير طينة.
    البعض يميز مستوطنات المواطنين والمستوطنات العسكرية، يبدو من الاسم أنهما مختلفتان من حيث نوعية "المستوطنين"، والواقع أن مستوطنات المواطنين كانت لها مهام عسكرية تؤديها، وكان يستفيد منها أيضا الجنود المسرحون الذين يقضون بها باقي حياتهم ، والمستوطنات العسكرية بدورها، لا تستقبل فقط كمواطنين الجنود المسرحين، لكن كانت أيضا ملاجئ للعامة. والفرق بينهما يكمن في طريقة الإنشاء، إذ تنشا الأولى بواسطة تصويت شعبي باقتراح القنصل أو نقيب العامة أو بقرار مشيخي يحدد عدد المستوطنين وتحصيص الأراضي، وانتخاب اللجنة المكلفة بالتسيير، بينما المستوطنات العسكرية، كانت تنظم من طرف الإمبراطور وتسييرها يتم لا بواسطة لجنة منتخبة، ولكن بواسطة مفوض إمبراطوري ( (Legatus imperial) .




  2. المستلحقات الرومانية: تطور بعض المداشر إلى قرى صغيرة (Pagi) أو كبيرة (Vici)
    حيث استقر قدامى المحاربين، وأخرى استهوت التجار الذين أقاموا فيها وشكلوا الخلايا الأولى للرومنة، الكثير من المدن الإفريقية حصلت على نظام المستلحقات وهو على نوعين: المستلحقات الرومانية والمستلحقات اللاتينية.


    المستلحقات الرومانية (Municipia Civium Romanorum): سكانها من المواطنين الرومان بالأصل أو القانون، لها أن تختار القانون الروماني، أو تحتفظ بقوانينها القديمة، أراضيها باستثناء حالة الحصول على الإعفاء (immunitas)، تظل أراضي مقاطعة وخاضعة للضريبة( ).


    المستلحقات اللاتينية (Municipia Latinae): سكانها أقل اندماجا ورومنة، تزود بالقانون اللاتيني فقط، ونميز منح حق المدينة اللاتينية للمدينة (دون أن تصبح مستلحقة) ومنح نظام المستلحقة اللاتينية للمدينة، والقانون اللاتيني يتفرع بدوره إلى فرعين:





  • الحقوق اللاتينية العظمى (Latium maius): الذي يمنح حق المواطنة الرومانية لكل أعضاء المجلس البلدي (Les Decurions) للمدينة ولعائلاتهم.

  • الحقوق اللاتينية الصغرى (Latium minus): التي تمنح حق المواطنة لحاكم إحدى المدن وعائلته فقط ( ).


ولا يحصل على حق المدينة الرومانية فيها غير البورجوازية المحلية القادرة على الدخول في مجلس الشيوخ للمدينة( ).


مستلحقات الغرباء: يتكون معظم سكانها من الأهالي وهي تأخذ أشكالا، أحيانا، كانت روما تكتفي بالاعتراف وتكريس سلطة رئيس القبيلة على قبيلته، مع الاحتفاظ بالمؤسسات والقوانين العرفية، وأخرى تنشئ بها مجلسا، يمكن أن يتحول فيما بعد إلى مجلس بلدي من النوع اللاتيني أو الروماني( ).
في كل البلديات أيّ كان نوعها، يوجد أيضا اختلاف قانوني بين سكان المركز المدني عندما يوحد والذين يعيشون في مناطق أو دور متفرقة في حدود البلدية( ).
لكن هذه الوضعيات لم تكن قارة، وكان يلازمها "مبدأ إدماجي"، يسمح لمختلف الشعوب بالارتقاء، فبلدية الغرباء يمكن أن ترتقي إلى المستلحقة اللاتينية، والأخيرة يمكن أن ترتقي إلى المستلحقة الرومانية، وهذا تبعا لعمق الرومنة أو المصالح التي تقدمها لروما( ).


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Greet customers...

Greet customers with a friendly smile and avoid sitting on the chair when they arrive. Respond to ca...

اثنيا- دور األس...

اثنيا- دور األسرة يف وقاية الطفل من املخدرات: و سرم مرحلا اووفووا، وهي اشرحلا األوىل من حيا اإلنسران...

اول المفاهيم تق...

اول المفاهيم تقييس العلاقات بين متغيرين هو تجريد ذهني وتصور لما تعنيه الكلمه بالنسبه لفكره ما في ذهن...

بالتأكيد، إليك ...

بالتأكيد، إليك استخلاص مهام كل وظيفة من الوظائف التي ذكرتها في النص: مهام الوظائف في الدستور الرومان...

مساء الخير يا أ...

مساء الخير يا أستاذ "فوزي"! - جاي منين إكدة؟ - جاي من الـ"سوبر ماركت". مش جايب كوكة الشوفان بتاعة كل...

/Users/danah/Do...

/Users/danah/Downloads/1-المحاضرة الأولى- نظام العمل-.pdf/Users/danah/Downloads/2- المحاضرة الثانية-...

شرح الهيكل التن...

شرح الهيكل التنظيمي لمديرية المجاهدين : الطابق العلوي: مكتب المدير: الدور: يمثل أعلى سلطة تنفيذية ...

: طرق القياس: ...

: طرق القياس: - الطريقة التجريبية المباشرة (كالوري ميتر) - الطرق غير المباشرة (معادلات تقريبية) ...

ممارسة الحرية ف...

ممارسة الحرية في المجتمعات المتنوعة: نحو تحقيق المساواة تعتبر الحرية حقًا أساسيًا لكل فرد في المجتمع...

فالطابع المميز ...

فالطابع المميز لقانون التجارة الدولي أنه أحد فروع القانون الخاص، إنه يحكم علاقات هي من نوع علاقات ال...

الفصل الأول: ال...

الفصل الأول: العلاقات العامة المفهوم المبادئ الأهداف الأهمية الوظائف، والخصائص تمهيد احتلت العلاقات ...

2 تميز السهيلي ...

2 تميز السهيلي الفكري داخل إطار المذهب الأشعري كان الإمام السهيلي من كبار أئمة المذهب الأشعري مجته...