Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

واقع الأمر أن لكل خلق إيقاعه ،
الإيقاع بالسلب أو الإيجاب ،
بالتفعيل أو التحصيل ،
ذلك الإيقاع الكوني من السكون إلي الحركة ،
عليه من نسق طبيعي للتواصل بينها وبين المخلوقات والمؤثرات
إبداعية شعورية ولا شعورية
وحينما ترقب الجبال " تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " ،
بإيقاع كوني منتظم وكأنما هي الأرض التي تدور حول نفسها ثم
حول الشمس فيتعاقب الزمن في إيقاع منتظم لينشأ الليل والنهار
فالأيام فالشهور فالسنون ،
فينتظم بها علم خالص هو علم الفلك الذي وضع أصوله المصري
القديم ثم عرفه العربي في صحرائه خلاصاً إلى الاهتداء في
مسيره ليلا ثم اهتدي به الإنسان في بره وبحره وجوه ،
الانتظام الإيقاعي العجيب في فطرة الخلق لما استقام لبني آدم
عمار الأرض أو السعى فيها والمشى في مناكبها ليأكلوا من رزق
الله وليشهدوا منافع لهم بما بلغه العلم من سياحة في الكون وكشف
الهندسة الكونية إذن تعتمد أصلاً جوهرياً لفلسفة الخلق تحتمل
إيقاعاً رتيباً للإحساس بالأشياء ثم هي تبلغ حظها في الرقي بالذهن
الإنساني ،
وسياحته الفكرية التجريدية ،
العلوم الطبيعية ،
هكذا نشأت ،
أصلا جوهريا يدخل دائرة الحصر والتقنين ،
الدائرة الفكرية الكونية ؛
الذاتية الإبداعية ؟! هل هي الفطرة والجبلة التي جبل الله الناس
إن الطفل يولد معتمداً البكاء أصلا إبداعيا ذاتيا أول ،
لغة بينه وبين الآخرين سوى البكاء أو الضحك ،
عرض بينما البكاء جوهر ،
لغة إشارية كحال اللغة المنطوقة غير أنها هنا تصبح أكثر اعتماداً
على الانفعالات شأنها شأن (الكلام) لا شأن التصور الذهني
المصاحب للغة المنطوقة ،
لكل صيحة بكاء من الطفل كصوت دال ،
هو القاسم المشترك بين الصورة العينية والصورة الذهنية للتصور
، وبما أن الاعتباطية المنوط بها التحول الدلالي تقع بين الصوت
الدال والصورة العينية ،
ذلك الإيقاع الذي تتفاوت حدته وفق درجات الانفعال ،
تدخل لإعمال الذاكرة الحافظة للصورة الذهنية للفظ ،
للتغاير أو التحول الدلالي لانعدام فعالية الصورة العينية ،
يصبح الإيقاع غريزة فطرية في النفس البشرية ،
الأولى للتعبير عن انفعالاتها إزاء الإحساس .
ولما كان القانون الرابع من قوانين الترقي البشري ينتقل في مجال
النشاط الذهني من الإحساس إلي التصور الذهني (١) ؛
الذي هو لغة الإنسان الأولي للتعبير لا يعتمد سوي الإيقاع
المصاحب لإحساس الانفعال كإشارة ظاهرة ،
هو الذي سوف يظل مصاحبا لارتقاء الإشارات الأخرى ،
تصل إلى قمتها حال التعبير من خلال التصور الذهني ،
كان أكثر تقنينا وإحكاما فيما عرف بـ (الوزن) في لغة التصور
الذهني الإشارية المصاحبة لفن (الشعر) ،
إيقاعه في خطوة تالية للإبداع الأول الذي وقع منتظماً في إبداع
الإنسان على الفطرة للتعبير عن انفعالاته وذاته وكيانه
هناك فرق إذن بين الوزن Meter والإيقاع Rhythm
وللوقوف على ذلك الفرق يجدر التفريق أولاً بين الصوت باعتباره
وحدة نوعية مستقلة ،
(فتحة) ،
ضمة ،
كسرة ) ،
والسياقية درجته علواً وانخفاضا ،
مداه طولاً وقصراً ،
وذلك ما يقودنا بدوره إلى الفصل قبلا بين مصطلحين آخرين هما
(النبر) و (التنغيم) ،
النطق بالضغط على صوت أو مقطع خاص من كلمة معينة ليجعله
بارزا عما عداه من أصوات أو مقاطع (۳) ،
بأنه " وضوح نسبي لصوت أو مقطع ،
والمقاطع في الكلام " (٤) ،
والنبر موجود في العربية ،
حالة الإدغام الحرفي مثل شدَّ ،
ردَّ ،
بعد القلب كما في " عم يتساءلون " والواقعة عن الأصل ) عن ما
في حالة الوقف في مثل " إلى ربِّك يومئذ المستقر" "(٦) ،
تقع في اللغة العامة ،
معيارية النبر " إذ إن الوحدة العروضية فيه التفعيلة أو القدم Foot
التي تتألف من مقطع منبور بجانبه مقطع أو مقطعان غير منبورين "
؛ فإن اللغة الفنية فى العربية هي الأخرى على ما هي عليه من
درجة احتفالها بهذه الظاهرة تأتي مساهمتها بشكل فعال في الإيقاع
العام أيا ما كان شعرياً أو نثرياً ،
الإدغام وبدون النبر (شدَدَ ) /// ،
إن النبر ظاهرة صوتية يساهم مساهمة ملموسة في اللغة
المنطوقة والمكتوبة في آن واحد ،
على إطلاق عموميتها وعلى انحسار خصوصيتها .
يصبح مقصوراً على المشافهة على اعتباره درجة رفع الصوت
وخفضه أثناء الكلام إشارة إلى دلالات شفاهية معينة ،
) لا يا شيخ ( للنفي ،
أو التهكم ،
أو الاستفهام (۱) ،
يا) ولد) للنداء ،
أو الإعجاب والإطراء ،
أو الزجر والنهي ،
وليس ثمة فصل في الدلالة إلا بالمشافهة حسبما تقع نغمة الصوت،
اللغة المكتوبة فلا تتحقق نغمة الكلمة المنغمة إلا بوقعها
في سياق الحوار القصصي أو المسرحي حيث يراعـــــي ســـــاق
الموقف Context of situation ،
والزجل الذي يراعي فيه أيضاً سياق المشافهة ولهجة النطق
وفضلا عن (النبر) و (التنغيم) ،
الأصوات العربية من حيث الجهر والهمس ،
والشدة والرخاوة ،
وأن الإيقاع العروضي لم يكن ليفصل بينها إلا من خلال ظاهرة
التردد الزمني وحسب ،
أصوات الكلمة والجملة ،
الجناس بأنواعه .
وغيرها،
السمات الجمالية الصوتية تجاوزت مسألة التقنين العروضي
وصارت ظواهر صوتية مؤثرة تشترك فيها هذه اللغة على
عموميتها ثم حال اصطفائها لغة فنية
إن اللغة العربية القادرة على أن تقوم بذاتها لإحداث جماليات
صوتية من خلال الكلمة أو الجملة تتجاوب بقدر أو بآخر مع
الحس الجمالي للنفس البشرية على سجيتها وسمتها الفطري متمثلة
بذلك ظواهر : النبر ،
والتنغيم ،
حيث الجهر والهمس أو الشدة والرخاوة ،
تجلى من خلاله ظواهر الجناس بأنواعه ،
والموازنة والترصيع .
إلخ وفق ما تراءى لعلم البديع
وهذه الخصائص التقنية في اللغة حينما يشرع في إعمالها لتجسيد
الأسلوب على مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة ؛
الصمت - على مسافات زمنية متساوية أو متقابلة (۲) ،
مجموع الترددات على صورة بذاتها يكون ما نطلق عليه (الوزن)
، ليصبح الوزن هو إحدى صور الإيقاع الخاصة ،
الإيقاع المقنن بعد ما كان في الأصل إيقاعاً عاماً تواءم في حدوثه
وميلاده مع انفعالات وأحاسيس الشاعر الذي اصطفاه في خطابه
فالخليل بن أحمد لم يكن مخترعاً لعلم العروض ؛
وضع أصوله وكشف أسرار صناعته ومعاييره بعد ما كانت قد
وقعت بالفطرة والسليقة لدي الشعراء العرب الأوائل ،
ضياع الكثير من شعر هؤلاء ،
للكثير من الشعر الذي لم يتسق مع معياريته ،
من ينتصر لما انهزم لديه فيزدهر (المتدارك) ويقع عليه الشعراء
المعاصرون وقوع الأكلة على قصعتها ،
٥٠% من كتابات صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي
حجازي وأمل دنقل في الوقت الذي كان فيه الخليل يرفض النظم
الشعراء العرب الأوائل ،
يرق له بعض ما راق لأستاذه ،
وكأنا بالعروض إزاء أعواض ،
بينما يبقي الإيقاع جوهراً ومنهلا أكثر مرونة ومطاوعة ،
وللخبب ثورة تفجرت في كيان التفعيلة بعد ما تحول الشعر من
الشطرين والقافية إلى التفعيلة والسطر ،
البحور المختلطة إلى الصافية إلي التفعيلة التي بدورها أصبحت
الوحدة الإيقاعية الكبرى ،
(المتدارك) ليصبح أكثر الأوزان العروضية شيوعاً في الشعر
البحث والتنقيب من جديد ،
المعاصر نحو تشكيل عروضي جديد فيبحر في بحر الخبب ،
ليهجر بحور الخليل جميعاً ،
التفعيلة إلي شعر السبب وعلى الرغم من ذلك فإن الحس الجمالي لم ينفر من ذلك التشكيل
الإيقاعي الجديد ،
بل ربما كان أكثر ملاءمة لإيقاع العصر ،
وأكثر طواعية لتشكيل لغته واحتواء ثقافته ،
براعة الانطلاق من الأصل والجوهر لارتياد عوالم شتي لا تحدها
حدود ولا تعرقلها عوائق ،
بذاته ،
ويبقي حقا مشروعاً للمبدع ،
تأشيرة الدخول للمغامرة الكبرى ما دام له هذا الحق على إطلاقه ،
وما على النقد إلا أن ينتظر ويقنن ما أفضي إليه الإبداع ،
حدث مع المقنن الأول لأشكال الإيقاع العروضية
وليس من الإنصاف بأي حال من الأحوال أن يتوقف بنا قطار
الإبداع عند محطة (الخليل) بالرغم من أهميتها بما ارتكزت عليه
عصره فأينع (المتدارك) وأثمر (الخبب) وأزهرت كل البحور
الصافية الإيقاع مرة أخرى يمثل الملمح الجوهري للغة الشعر ،
يهيئ ذهن المتلقي وإحساسه للاستجابة ،
بنزوعه التلقائي ،
وتشكيلاته الفنية التي لا تنبت عن إثارة الدهشة ،
والتشويق ،
على سياق العصر الناهضة على البحث عن المثير ،
والعجيب ،
جديدة بدأت تنثرها في فلك المجرد معطيات العلم الحديث
والقول بغياب مصطلح (الإيقاع) في النقد العربي القديم (۱) ،
أو القول بأنه حديث نسبي (۲) ،
يفتقد بعض الحسم ،
علمنا أن الكلمة (Rhythm) مشتقة أصلا من اليونانية كما
يقول (وهبة) لتعني عنده الجريان أو التدفق ،
عامة التواتر المتتابع بين حالتي الصوت والصمت أو النور
والظلام أو الحركة والسكون أو القوة والضعف أو الضغط واللين
أو القصر والطول أو الإسراع والإبطاء أو التوتر والاسترخاء
، ويكون ذلك في قالب متحرك ومنتظم في الأسلوب الأدبي أو في
واضحة في الموسيقي والشعر والنثر الفني والرقص "(٣) .
هكذا وكأن الإيقاع أحد أصول الفنون جميعاً ،
يجعله بعيداً عن متناول العرب ،
(الشفاء) بما لا يدع مجالاً للشك إلى وعي النقد القديم به كما وقع
في الأصل اليوناني ،
وكما نعرفه نحن الآن ،
الإيقاع من حيث هو إيقاع هو تقدير ما لزمان النقرات فإن اتفق
أن كانت النقرات منغمة كان الإيقاع لحنياً وإن اتفق أن كانت
النقرات محدثة للحروف المنتظم منها الكلام كان الإيقاع شعريا "
ثم يعقب (الهاشمي) على النص مؤكداً تمييز ابن سينا) بين الإيقاع
اللحني والإيقاع الشعري ليكتمل التصور وفق ما وضعه (وهبة)
ليصبح الانتظام هو القاعدة المشتركة التي يقوم عليها الإيقاع في
مختلف الفنون (۳) ،
يكون معيارياً إلا مع الموسيقي ومع عروض الخليل التي أجمع
عليها الجمهور واختلفوا قليلا على بعضها ،
رج بعضهم عليها كلية أخيراً بقصيدة النثر .
حري بنا قبل أن نخوض في ساحة الخليل وعروضه أن نعرض
لبعض الظواهر الإيقاعية الصوتية التى تكتمل بها تلك المساحة
الخصبة من المعرفة التقنية بجماليات اللغة وإيقاعاتها وتواؤمها مع
المشاعر والأحاسيس ،
بتجلي هذه القيم الإيقاعية في النص .
أولاً : موسيقي الحرف
تجمع اللغة عدداً من أصواتها توشك أن تستقر على خمسة
(Consonants) وسبعة أصوات صائتة (Vowels)
والمجموعة الأولي تنطق بوضوح كحروف صحيحة واضحة ويتم
ترتيبها وفق أقرب مخارجها إلى أبعدها على النحو التالي (١) ،
ف ث ذ ظ ت د ض ط ل ن ر ز
س ص ج ش ی خ غ ك و ق ع ح ء هـ
أما المجموعة الثانية فهي للأصوات التي لا يمكن النطق بها
منفردة لأنها مجرد لواحق للأصوات الصامتة ،
- ثلاثة للحركة القصيرة : الضمة والكسرة و الفتحة كما في [علِمَ ]
- ثلاثة للحركة الطويلة : وهي حروف العلة أو المد أو
اللين : الواو ،
والياء ،
والألف .
مع الصوامت والصوائت كما في [ وجود يفيض ] ،
- صوت واحد لعدم الحركة : وهو السكون الظاهر والمقدر {٥}
كما في [ل]،
(٢) لمْ ،
وعلى هذا الأساس يمكن أن تنطلق الأصوات ،
الأصوات إلى إشارات مقننة تلتقي مع الميزان العروضي كما
هذه الأحرف ويكون لها تأثيرها في البر والتنغيم ،
المخرج ورونقه ،
وفخامته ولينه ،
وجهارته و همسه ،
الشعر إلا أنها لم تخرج عن تأثيرها الجمالي في موسيقي الإيقاع
[١] الصوت الجهور : وهو عند سيبويه " حرف أشبع
الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي
الاعتماد عليه ويجري الصوت " ،
ويقتربان حتى تضيق فتحة المزمار ،
حسب عدد الذبذبات في الثانية الواحدة
والأصوات المجهورة عند إبراهيم أنيس هي ثلاثة عشر
ب، ج،
د،
ر،
ز،
ض،
ظ،
ع ،
غ ،
ل ،
م ،
[٢] الصوت المهموس : وهو صوت أضعف الاعتماد في
موضعه حتى جري النفس معه دون اهتزاز الوترين الصوتيين فلا
تسمع له رنينا حين النطق به ،
ث ،
ت ،
ح،
خ،
س ،
ش ،
ص ،
ط ،
ف،
ق ،
ك ،
[۳] الصوت الشديد : حين تلتقي الشفتان التقاء محكماً ،
فينحبس عندهما مجري النفس المندفع مع الرئتين لحظة ثم تنفصل
الشفتان بعدها فجأة ،
فيحدث صوتاً انفجاريا ،
ث، ت،
ح،
خ،
س،
ش،
ص،
ط ،
ف،
ق ،
ك ،
[٤] الصوت الرخو : عند النطق به لا ينحبس الهواء انحباسا
س،ز،
ص،ف،
ش، ذ،
ث ،
هـ ،
خ ،
وهكذا يمكن أن تتشكل موسيقي الحرف وفق إيقاع خاص متزامن
أو بآخر على جماليات بعينها في انسجام الحروف أو تنافرها ،
فضلاً عن أن تكرار حرف بذاته أو مجموعة أحرف تنتمي إلي
صوت معين فإنها سوف تكون لها دلالتها داخل النص ،
الإيقاع الصوتي لا تقف عند حدود الشكل أو الوعاء ؛
ما لها من فعالية للحصول على تركيبة صوتية معينة تكون تيمة
الإيقاع حسبما ترمي الدلالة وحسبما يشدو الأثر فتتجلى عاطفة
أو الحزن أو الإنشاد .
إلخ ،
الفرح الشعر القديم حيث يختلف الإيقاع الصوتي للأحرف في لغة
الرثاء عن الفخر على الرغم من انتمائهما إلي بحر عروضي
واحد ولعل ذلك ما أفصح عنه النقد القديم برد الأمر إلى الألفاظ
كلية دون الالتفات إلي التركيب الصوتي لها في حين أن الأمر
يجب أن يتعدي اللفظ إلى الجملة والتركيب لا أحرف لفظ بعينه
وحسب وعلى سبيل المثال سوف نقتطع جملتين من قصيدتين ،
الأولي سيطرت عليها عاطفة العشق والقناعة الوجدانية والاتزان
العاطفي في طرح التجربة ،
فلولا تفتح الأعناب جنتها
والتقطيع الصوتي لها كالآتي :
مهموس ،
جهور ،
صائت ،
جهور ،
صائت ،
مهموس ،
مهموس ،
مهموس ،
جهور ،
مهموس ،
جهور ،
جهور ،
صائت ،
جهور ،
جهور ،
جهور ،
مهموس ،
مهموس ،
أما الثانية فهي كانت في رثاء أبي ومنها :
وموج البحر قهار وقبض الموت إعصار
والتقطيع الصوتي لها كالآتي :
صائت ،
جهور ،
صائت ،
جهور ،
جهور ،
جهور ،
مهموس ،
جهور ،
مهموس ،
مهموس ،
صائت ،
جهور ،
مهموس ،
مهموس ،
صائت ،
جهور ،
جهور ،
صائت ،
مهموس ،
جهور ،
جهور ،
جهور ،
صائت ،
مهموس ،
مهموس ،
مهموس ،
صائت ،
جهور ،
وذلك من حيث الجهر والهمس وحسب .
ويلاحظ : في الجملة الأولي ۹ مهموس + ۸ مجهور + ٣ صائت
في الجملة الثانية ١٥ مجهور + ۱۰ مهموس + ۳ صائت
وهذا يدل على اعتدال الإيقاع في الجملة الأولي بما يفضي إليه
اعتدال المدخل واتزان التجربة على المستوي الوجداني والصوتي
على أن اختلاف ذلك المستوي فيما يليها سوف يكون نتيجة
طبيعية لشدة الانفعال بالتدرج : انظر : السابق .
٥ مجهور + ۳ مهموس + ۲ صائت
من معصرات القلب والزمن الحليب
۱۳ مجهور + ٤
وهذه نتيجة طبيعية لأن الجملة نهاية مقطع ،
الانفعال على المستوي الصوتي من الهمس إلي الجهر كسمة
أسلوبية اتكأ عليها الشاعر ضمن شفرات التواصل مع المتلقي
وفي الجملة الثانية التي تم اقتطاعها من المقطع الأخير من
القصيدة ارتفعت نسبة المجهور موازية لحدة الانفعال عن
المهموس الذي لم يتوال في أكثر من صوتين بينما وصلت نسبة
التوالى في المجهور إلي أربعة أصوات ،
الجهر وقهر البحر وقبض الموت فتفضي الدلالة على المستوي
الصوتي بما تحوى في المستوي التصوري ،
مباشرة وتكتمل بها الدفقة فهي :
وسيف النور لا يجني سوي الأقمار
۸ مجهور + ٨ صائت + ٥ مهموس
وهي تقريبا نفس النسبة التي اتسقت عليها الجملة السابقة بين
الجهر والهمس وكأنهما طرفا معادلة صوتية تتوازى مع موج
البحر ،
قبض الموت ،
سيف النور في ناحية ،
قهار ،
إعصار .
الأقمار في الناحية الأخرى فتتابع المستوي الصوتي على المنوال
الاستسلام والدعة إلي حالة السكون التي يفضي إليها الموت بعد
إحكام قبضته القوية الجهورة على زمام القول
إنها إذن إحدي مغامرات القراءة الإبداعية التي تزداد خصوبة مع
غزارة الأدوات والوسائل التي يتم اقتحام معاقل النص بها ،
توظيف الإيقاع الصوتي على هذا الأساس له مشروعيته التي
تتجاوب مع مصداقية الدلالة أو تنسلخ عنها فتكشف بذلك عن
إننا حينما نقرأ قوله تعالى " كن فيكون " ندرك أن الأمر) من
حرفين،
الأول مهموس ،
، وحينما يكون مهموساً فإنه بلقائه مع (النون) المجهور يحدث
وقعاً نغميا بالتقاء الرقة والعذوبة والبساطة مع القوة والفخامة ،
ولما كانت هذه القوة الجهورية ساكنة فإنها تمثل حد المنع الذي
يحتضن الهمس الذي هو من أيسر المخارج الصوتية ،
فعالية الدلالة على سبيل المجاز ،
تستوجب أن تتحقق لفظاً بالنطق ،
المخرج يستوجب تبعية السكون الخامد الخاشع المستكين ،
يعظم الحدث الجليل فتستغرق (كن) في (يكون) ،
الأمر بصوتيه هو المضارع المتحقق باستسلامه للمضارعة ،
وخشوعه في علته بحرف الواو الصائت)
إن المستوي الصوتي قد أصبح في الدراسات الأسلوبية الحديثة
حقلاً خصباً ورافداً فياضاً لإغداق الدلالة ،
مساهمته الفعالة في مجريات الموسيقي بالنبر أو التنغيم أو الإيقاع
عموماً ولا غرو إذا قلنا إن ذلك المستوي ينهض مجرداً على
دلالات صوتية في موسيقي الحرف لتتشكل به بعد ذلك مستويات
أخري في موسيقي الكلمة فموسيقي الجملة فموسيقي النسق ثم
ثانياً : موسيقي الكلمة :
مازلت الصلة وثيقة بما لا يدع مجالاً للشك بين موسيقي الحرف
يرتقي بموسيقي كلماتها فيبث الحياة فيما سهل واستقام وحافظ على
طاقته الإيحائية في الآن ذاته ،
حملا ثقيلا على النطق أو جانب الذوق والحضور ،
اللغة ضمن حضارات العرب الأخرى والتى اتكأ جلها على اللغة
وقد بلغ تميز موسيقي الكلمة في العربية درجة الفصل بين الحركة
وحرف العلة على خلاف ما يقع في اللغات غير السامية ،
تستوي على نسق طبيعي في بناء المشتقات على الأوزان ليختلف
معني الكلمة باختلاف الصيغة التي تبني عليها كما يقول (العقاد)
، ولما كان ذلك النهج نابعاً من الجذور فإن أية محاولات
لاستحداث ألفاظ جديدة لا تأتي عبثاً بينما ترد إلي نهج ثابت محكم
يعتمد الاشتقاق في المقام الأول ،
ثم القياس ،
الترجمة ،
ثم التعريب ،
يعتمد مبدأ أساسيا يحجب عن التواطؤ والشيوع كل ما يصقل على
اللسان أولا يتسق مع طبيعته الإيقاعية في النطق ،
الطريق ألفاظ ،
وتنهض على الاستعلاء والحياة ألفاظ أخرى ،
فتحسب أن سهولة النطق وموسيقي الكلمة معيار محكم للحفاظ
على اللغة الموروثة واستيعاب ما استحدث منها أو عليها ،
هذه السمة أيضا يمكن أن تلتقى مع خصوصية المشافهة في الثقافة
خرق أصول اللغة بالمساهمة في شيوع الخطأ ،
ألا يشيع ،
حفاظاً على الذوق اللغوي الحضاري ،
المختصين حمل أمانته قبل أن ينحدر ويتفشى في العامة ،
المجتمع إلي جهاد المختصين أو آذانهم في مالطة ؛
الذوق اللغوي العام ،
عليه الذات العربية ومازالت ،
موسيقي الكلمة وقوة تأثيرها في معيارية المتقفين ،
والدلائل الموسيقية للكلمة قد بلغت من اهتمام العرب ما أجلـ
حرصهم على حصرها (۲) ،
[١] حرص الذوق العربي على تقارب حروف الألفاظ متي
على الكافرين تؤزهم أزا " و" تؤزهم أزا " بمعني تزعجهم وتقلقهم
وهذا هو معني تهزهم هذا ،
والهمزة أخت الهاء ،
المعني بالهمزة لأنها أقوي وتتسق مع الدلالة بشكل أوثق في سياق
الآية لخصوصية (الأز) بالإحساس والشعور ،
على ما لا حس أو عقل له ،
العربي كثيراً ما يوقع التبادل بينهما في لهجاته المختلفة ،
تجانس حروف المترادفات والأضداد ،
الفرح والطرح،
السر والجهر ،
الهم والغم ،
وغيرها .
[٢] العلاقة الإيجابية بين الصيغ الصرفية واللفظية بالمـ
ويقول في ذلك (سيبويه) " إن المصادر على وزن (فعلان)
لاضطراب والحركة مثل (فوران) ،
المصادر الرباعية تأتي للتكرار والزعزعة ،
(الصلصلة) ،
(الزلزلة) ،
(المثال) دليل تكرار الفعل مثل (كسر ،
قطع) ،
والسين والتاء في اللغة تدل على الطلب (۳) ،
وهكذا ،
أقوي الروابط بين الصوت الموسيقي للكلمة ودلالتها حسبما تقع
[۳] مقابلة التصورات بما يشكل أصواتها : شأن بعض الأصوات
حيث تنحدر درجة الاعتباط في اللغة إلى الصفر ،
العصافير ،
وقد فرق العرب بين الخضم والقضم ،
لأكل الرطب والثانى لأكل الجاف ،
القاف وصلابتها ،
ومنه أيضاً النضح للماء الخفيف ،
للماء المنفور بشدة وبالرغم من همس الصوتين الحاء والخاء إلا
أن الأخيرة لها من الرخاوة ما يفسح المضمار لقوة النضخ
فالرخاوة صفير أقوى من الهمس وكأنها نسبة تدفق الماء برفق أو
دلالة (سوسير) المعنية باعتباطية اللفظ ،
محدودة في اللغة وليست هكذا اللغة دائماً وأبداً .
[٤] اختلاف الدلالة باختلاف المترادفات وذلك هو حال شد ،
فالشين مهموس ،
حرف أول ،
ضعيف ،
المجهورة الشديدة والمنبورة ،
الشد واستحكام العقد ثم الجذب أي استجماع القوي كلها وفق
الجر مشقة على خلاف الشد ،
أيضاً تكرارا وتتابعاً للمشقة التي تصاحب عملية الجر ،
العملية التي تستلزم التكرار المستمر لهذه القوي .
في العربية أكثر التصاقا بدلالة المنطوق دون حسم الدلالة إلا من
خلال السياق ،
لأنه ليس ثمة دلالة للفظ مفرد ،
عنها هكذا لتوافق الصوت والمعني من قبيل المجاز الدلالي فـ
الوضع حيث إن اللغة منوط بها التواصل في المقام الأول في
اللغة العادية ثم تقع في اللغة الفنية على الانحراف Deviation
الذي تصبح فيه الدلالة الصوتية أكثر مصداقية لمرجعية اللغة
العامة وأكثر معيارية ضمن شواهد الأثر .
[0] تتمتع اللغة بمجموعة من الضوابط التي تحافظ على إيقاعاتها
الصوتية دونما صعوبة مخارجها أو تحشرجها أو تنافرها ،
هنا لم يحدث في اللغة أن التقت اللام والراء والنون لقرب
مخارجهم ،
وكذلك الميم والفاء والباء ،
الأصوات الرخوة ،
وكذلك أحرف الإطباق : الصاد والضاد ،
أقصي الحلق مثل ق ،
ك ،
ج القاهرية ،
ثالثاً : موسيقى الجملة والتركيب *
تأتي على تواصلها مع موسيقي الحرف ثم موسيقى الكلمة فيما لا
يندرج تحت الإيقاع العروضى ؛
، غير أن الجانب الأهم في تركيب الجملة ثم الجمل هو ما يخص
النطق للكلمات مفردة أو مجتمعة مثلما يتجلي الأمر في علاقة
الوصل والقطع على المستوي الصوتي في القرآن الكريم
والجملة الشعرية في انسجامها مع النسق تؤكد فعالية تلاقـ
أصوات نهاية الكلمات مع البدايات التي تليها في غير تنافر
صعوبة في المخرج لتضفي على الكلام طلاوته وحلاوته ،
تراعي أيضاً ظواهر النبر ،
والتنغيم ،
والجناس ،
جعله ابن قدامه من نعوت الوزن ،
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكي قصر منها ولا طول
على غرار قول أبيه :
كبداء مقبلة وركاء مقبلة قوداء فيها إذا استعرضتها خضع
فالترصيع في البيت الأول في : هيفاء وعجزاء ،
وهنا تتألق الظاهرة الصوتية محدثة فعالية نسق يستوجب الوقف
أثناء النطق على كل وحدة صوتية من وحدات الترصيع على حدة
حتى يفضي السياق إلي خصوصيته الصوتية ثم الدلالية ،
المستوي الصوتي للإيقاع العروضي
وعلى شاكلتها تأتي ظاهرة التصريع وهي عبارة عن إلحاق
العروض بالضرب وزناً وتقفية سواء بزيادة أو بنقصان ،
والاتساق في الوزن ينصرف إلى الإيقاع العروضي أما الاتساق
في التقفية فهو فضل الزيادة الذي غالباً ما يرتبط بالتمهيد النفسـ
والوجداني لتجليات القافية ،
الجاهلي استحساناً من الشعراء والنقاد ،
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل
وترتبط هذه الظاهرة عموماً بالشعر العمودي لارتباطها بالعروض
للقافية التي تتسم هي الأخري بخصوصية ترقي لأن تنفصل بذاتها
عن الإيقاع العروضي للبحر المشكل للوزن ،
الظاهرة أحقية إفساح المجال لدراستها عقب دراسة تشكيلات
الإيقاع لأبحر الخليل وعلم العروض
للموسيقي في النفس إيقاع السحر ،
والانتظام على وتيرة واحدة .
هو حال نبض القلب الحي المعافى ،
بالارتياح إذا ما صاحبته عملية التنغيم بتنويعاتها المختلفة ،
كانت الأساطير والعبادات القديمة في الأديان الوضعية تعتمد في
المقام الأول على أسجاع الكهان ،
الإيقاع أملا في استجلاب المشاعر والأحاسيس لما لوقع إيقاع
الكلام على النفس ،
وما للموسيقي من تأثير فعال ،
تعالي نبيه (داود) بالترانيم حتى صارت خصوصية إعجازية تؤكد
ما للإيقاع والأنغام من قدرة نافذة على اختراق الذات الإنسانية
من هنا كان للخليل ما كان من سياحة في هذه الأجواء المعمورة
حتى أنه أسس ضمن ما أسس لعلمي العروض واللحن والغناء
على حدٍ سواء ،
والأمر ذاته ما فعله (إخوان الصفا) في إحدى.
رسائلهم ،
حتى أنك حينما تتأمل الأصول تكاد تراها واحدة .
وباعتمادنا عروض الخليل إنما نعني بفضل جمالي ليس بالهين
تأثيره في نفوس المتلقين ،
أصبحت ذاكرة أمة بجذورها وتاريخها الطويل ،
التراث الرائع الجميل أن تتناقله الأجيال على احتفاء وإعزاز
في الشعر بمثابة علم النحو في اللغة ،
تتحصل المعني في اللغة دون إدراك مواقعها بالتمييز بين الفعل
والفاعل والمفعول .
إلخ ،
تحصيل المعرفة الذهنية والجمالية دون اللجوء إلى الضبط على
ميزان محكم يقي شر التصحيف والخطأ ،
الحصن الحصين من احتمالات التحريف أو الخطأ في النقل أو
بها علوم التفسير والنحو واللغة ولولا أن كان الوزن ما بلغت هذه
الشواهد من قوة الحجة والبرهان ما جعلها المرأة للباحث ومسوغاً
مرجعياً مقنعاً في ابتغاء الحقيقة العلمية .
لقد انبنت علوم اللغة ووضعت أصولها على حجج بينة انتقلت بها
إلي آفاق رحبة عن قناعة إزاء اتكائها على أصول دامغة كان في
مقدمتها القرآن الكريم ،
ثم الحديث النبوي الشريف ،
الشعر على إحكامه واستقائه من المنبع بما أهله إلي مرتبة عليا
من القداسة العلمية التي ارتقت به إلي اعتباره مصدراً أساسياً من
مصادر التشريع اللغوي والنحوي والجمالي والمعرفي ،
بعد ذلك علوم البديع والبيان والبلاغة جانباً غير محسور على
تقنية العروض والموسيقي بحثاً عن الجمال المطلق على أساس
فلسفي يؤكد مشروعية (علم الجمال) في بحثه عن ذلك السر
الكامن في تقنيات الخطاب ،
لقد وصل الشعر العربي بموسيقاه وعروضه وضروبه وقوافيه
إلي خصوصية ثقافية ،
العبث قرابة قرن ونصف قدمت خلالها إلى الثقافة العالمية - على
الرغم من هذه الخصوصية - إبداعات أصحاب المعلقات من
الشعراء الجاهليين بتقنية إبداعية راقية ربما تفوقوا فيها على
شعراء اليونان الأوائل أمثال أرسطو،
وهوراس ،
وكوينتليان ،
ولونجنجوس ] فقط لأنهم انطلقوا من أصول فنية لا تشي عن
إرهاصات أولي بل تتمخض عن بلوغ غاية راشدة ،
استواء هذه الغاية حتى خلفت عنها سلسلة من الإبداعات المتوالية
الغربية حينما خفت إيقاع الشعر بعد اليونانيين الأوائل ،
صوت أسجاع الكهان والرهبان في سلطوية الكنيسة على مقدرات
الانبعاث فكانت الردة إلى النموذج الأمثل في الشعر اليوناني ،
وذلك في الوقت الذي كان فيه ملء السمع والبصر ذلك الانسجام
الرائع بين روح العصر والشعر في العصر العباس وكأنه
الحراك التقني وبلوغ مستويات أرقي للخطاب الشعري ،
سما النص إلى منزلة حياتية أهلته لتلك الفعالية فيما يزيد عن
أربعة عشر قرنا في الثقافة العربية ،
في الذوات العربية المبدعة على اختلاف مآربها ومناهلها ،
فالمسألة إذن ليس لها علاقة بذكاء جنسي فطري ،
سلالي خوضاً في الشعوبية ؛
إن الإيقاع العروضي الشعري في الثقافة العربية قد ساهم بنصيب
أوفر لعله الذي جعل الشعر سيدا على كل فنون الإبداع ،
تيسر للإنسان الغربي هذا الحظ الموفور للإنسان العربي ما تألق
لديه مثلا فن الرواية ،
ثقافتها باعتمادها على المشافهة ردحاً طويلاً كقناة للتواصل ،
ردا إلى طبيعتها الجغرافية والسياسية ،
أوروبا القرون الوسطي هو ما دفع بها إلي إبداع الملحمة ،
طبيعة الأشياء هي التي تخص كل أمة من الأمم بخصوصية
من الإيقاع الذي يساعد الذاكرة على التسجيل ،
العربي هو ذاكرة الأمة بخصوصيته الإيقاعية ،
لسان حال الشعوب التي توارثتها وتناقلتها الأجيال أيضا بشكل
حدٍ سواء في الأدب اليوناني خاصة والغربي عامة ،
الملاحم لسان حال الجنود في غزواتهم ورواحهم ،
في ملحمة (السيد) مثلاً .
للإيقاع إذن سطوته ،
ولطبيعة كل ثقافة خصوصيتها ،
أخص الخصوصيات في الثقافة العربية بما لا يدع مجالاً للشـ
ذلك العلم الفريد الذي وضع أصوله الخليل ابن أحمد الفراهيدي
على رأس المائة الثانية من الهجرة وهو (علم العروض) ،
بلغ هذا العلم من الدقة والتميز ما وضعه في موقع متفرد وسط
علوم العربية وتهافت عليه العلماء والشعراء على حدٍ سواء ،
وكأنه السلاح الذي يجب أن تواجه به المعرفة لا الشعر وحسب ،
إنه السلاح الذي يجب أن يتسلح به النقاد والشعراء والعلماء ،
على الرغم من صعوبة الدربة والمران والإيغال فيه ،
يروى - والعقدة على الرواي - أن (الأصمعي) وهو أحد جهابزة
اللغة وعلمائها الأخيار ،
العروض ،
فمكث لديه فترة غير وجيزة ،
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
فذهب الأصمعي ولم يرجع ،
وعلى الرغم من كون ذلك العلم علماً نظرياً إلا أنه لا يمكن أن
يستقيم بأي حال من الأحوال إلا بالدربة والمران مع ملاحظة


Original text

الفصل الأول
بين الإيقاع والعروض
المبحث الأول
في البدء كان الإيقاع
واقع الأمر أن لكل خلق إيقاعه ، وأن لكل إيقاع ظاهرا عيانا أو
خافتاً بياناً ، ومازال الإنسان هو بؤرة الكون ومركز فعالية ذلك
الإيقاع بالسلب أو الإيجاب ، بالتفعيل أو التحصيل ، ويمتد تأثير
ذلك الإيقاع الكوني من السكون إلي الحركة ، ومن الكمون إلي
الحياة ، مجليا أصلا كامنا في طبيعة النفس البشرية وما جبلت
عليه من نسق طبيعي للتواصل بينها وبين المخلوقات والمؤثرات
الخارجة عنها ، وكذلك بينها وما تتمخض عنه من منتجات
إبداعية شعورية ولا شعورية
وحينما ترقب الجبال " تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " ،
بإيقاع كوني منتظم وكأنما هي الأرض التي تدور حول نفسها ثم
حول الشمس فيتعاقب الزمن في إيقاع منتظم لينشأ الليل والنهار
فالأيام فالشهور فالسنون ، صنع الله الذي يعظم لديه القسم بمواقع
النجوم ، حينما تتراتب فى حركتها وتنتظم فى ظهورها وخفوتها
فينتظم بها علم خالص هو علم الفلك الذي وضع أصوله المصري
القديم ثم عرفه العربي في صحرائه خلاصاً إلى الاهتداء في
مسيره ليلا ثم اهتدي به الإنسان في بره وبحره وجوه ، ولولا هذا
الانتظام الإيقاعي العجيب في فطرة الخلق لما استقام لبني آدم
عمار الأرض أو السعى فيها والمشى في مناكبها ليأكلوا من رزق
الله وليشهدوا منافع لهم بما بلغه العلم من سياحة في الكون وكشف
كنوزه المعرفية .
الهندسة الكونية إذن تعتمد أصلاً جوهرياً لفلسفة الخلق تحتمل
إيقاعاً رتيباً للإحساس بالأشياء ثم هي تبلغ حظها في الرقي بالذهن
الإنساني ، وسياحته الفكرية التجريدية ، لتنتمي في الواقع إلـ
العلوم الطبيعية ، هكذا نشأت ، غير أنها ما لبثت باعتمادها الإيقاع
أصلا جوهريا يدخل دائرة الحصر والتقنين ، ويتواصل بذاته مع
الدائرة الفكرية الكونية ؛ أن تجلت فعاليتها في العلوم الرياضية
التجريدية ، فما الذي عانقها إذن بالذات الإنسانية لتدخل معترك
الذاتية الإبداعية ؟! هل هي الفطرة والجبلة التي جبل الله الناس
عليها ؟
إن الطفل يولد معتمداً البكاء أصلا إبداعيا ذاتيا أول ، وليس ثمة
لغة بينه وبين الآخرين سوى البكاء أو الضحك ، غير أن الضحك
عرض بينما البكاء جوهر ، ينتصب لديه محور الذاتية ويصير
لغة إشارية كحال اللغة المنطوقة غير أنها هنا تصبح أكثر اعتماداً
على الانفعالات شأنها شأن (الكلام) لا شأن التصور الذهني
المصاحب للغة المنطوقة ، ومن هنا تأتي فعالية الإيقاع المصاحب
لكل صيحة بكاء من الطفل كصوت دال ، وبما أن الصوت الدال
هو القاسم المشترك بين الصورة العينية والصورة الذهنية للتصور
، وبما أن الاعتباطية المنوط بها التحول الدلالي تقع بين الصوت
الدال والصورة العينية ، ولما غابت هذه الصورة في لغة بكاء
الطفل ؛ فإن هذه اللغة لا تعتمد أصلا جوهريا في إشاريتها سوي
ذلك الإيقاع الذي تتفاوت حدته وفق درجات الانفعال ، ودون أدني
تدخل لإعمال الذاكرة الحافظة للصورة الذهنية للفظ ، أو تمثل
للتغاير أو التحول الدلالي لانعدام فعالية الصورة العينية ، ومن ثم
يصبح الإيقاع غريزة فطرية في النفس البشرية ، ويغدو مرآتها
الأولى للتعبير عن انفعالاتها إزاء الإحساس .
ولما كان القانون الرابع من قوانين الترقي البشري ينتقل في مجال
النشاط الذهني من الإحساس إلي التصور الذهني (١) ؛ فإن البكاء
الذي هو لغة الإنسان الأولي للتعبير لا يعتمد سوي الإيقاع
المصاحب لإحساس الانفعال كإشارة ظاهرة ، ثم إن ذلك الإيقاع
هو الذي سوف يظل مصاحبا لارتقاء الإشارات الأخرى ، التـ
تصل إلى قمتها حال التعبير من خلال التصور الذهني ، ومن هنا
كان أكثر تقنينا وإحكاما فيما عرف بـ (الوزن) في لغة التصور
الذهني الإشارية المصاحبة لفن (الشعر) ، ذلك ما جاء تقنين
إيقاعه في خطوة تالية للإبداع الأول الذي وقع منتظماً في إبداع
الإنسان على الفطرة للتعبير عن انفعالاته وذاته وكيانه
هناك فرق إذن بين الوزن Meter والإيقاع Rhythm
وللوقوف على ذلك الفرق يجدر التفريق أولاً بين الصوت باعتباره
وحدة نوعية مستقلة ، ثم باعتباره حدثاً ينطقه المتكلم بطريقة
خاصة ، ففي الحالة الأولي ننظر إلي الصوت من حيث طبيعته
(فتحة) ، ضمة ، كسرة ) ، وفي الثانية ننظر إلي خصائصه النسبية
والسياقية درجته علواً وانخفاضا ، مداه طولاً وقصراً ، نبره قوة
وضعفا ، تردده قلة وكثرة )
وذلك ما يقودنا بدوره إلى الفصل قبلا بين مصطلحين آخرين هما
(النبر) و (التنغيم) ، فالأول أو النبر Stress يخضع إلي قصد
النطق بالضغط على صوت أو مقطع خاص من كلمة معينة ليجعله
بارزا عما عداه من أصوات أو مقاطع (۳) ، ويعرفه تمام حسان
بأنه " وضوح نسبي لصوت أو مقطع ، إذا قورن ببقية الأصوات
والمقاطع في الكلام " (٤) ، والنبر موجود في العربية ، خاصة فــــــي
حالة الإدغام الحرفي مثل شدَّ ، ردَّ ، وكذلك إدغام حرف في مقاربة
بعد القلب كما في " عم يتساءلون " والواقعة عن الأصل ) عن ما
يتساءلون ((٥) ، ولا يكون النبر في العربية على المقطع الأخير إلا
في حالة الوقف في مثل " إلى ربِّك يومئذ المستقر" "(٦) ، وهذه ظاهرة
تقع في اللغة العامة ، وإذا كان الإيقاع في الشعر الإنجليزي قائما على
معيارية النبر " إذ إن الوحدة العروضية فيه التفعيلة أو القدم Foot
التي تتألف من مقطع منبور بجانبه مقطع أو مقطعان غير منبورين "
؛ فإن اللغة الفنية فى العربية هي الأخرى على ما هي عليه من
درجة احتفالها بهذه الظاهرة تأتي مساهمتها بشكل فعال في الإيقاع
العام أيا ما كان شعرياً أو نثرياً ، فالكلمة (شدَّ) يصبح إيقاعها قبل
الإدغام وبدون النبر (شدَدَ ) /// ، أما بعد الإدغام وإعمال النبر تصبح
(شدَّ) /٥/ ، وهكذا
إن النبر ظاهرة صوتية يساهم مساهمة ملموسة في اللغة
المنطوقة والمكتوبة في آن واحد ، ثم يصبح سمتاً وطبيعة للغة
على إطلاق عموميتها وعلى انحسار خصوصيتها . بينما (التنغيم)
يصبح مقصوراً على المشافهة على اعتباره درجة رفع الصوت
وخفضه أثناء الكلام إشارة إلى دلالات شفاهية معينة ، كحال قولنا
) لا يا شيخ ( للنفي ، أو التهكم ، أو الاستفهام (۱) ، وكذلك قولنا
يا) ولد) للنداء ، أو الإعجاب والإطراء ، أو الزجر والنهي ،
وليس ثمة فصل في الدلالة إلا بالمشافهة حسبما تقع نغمة الصوت، أما في
اللغة المكتوبة فلا تتحقق نغمة الكلمة المنغمة إلا بوقعها
في سياق الحوار القصصي أو المسرحي حيث يراعـــــي ســـــاق
الموقف Context of situation ، وكذلــك الشـعـر العـــامي
والزجل الذي يراعي فيه أيضاً سياق المشافهة ولهجة النطق
وفضلا عن (النبر) و (التنغيم) ، فإن علماء اللغة قد فصلوا بين
الأصوات العربية من حيث الجهر والهمس ، والشدة والرخاوة ،
وأن الإيقاع العروضي لم يكن ليفصل بينها إلا من خلال ظاهرة
التردد الزمني وحسب ، وذلك خلاف ظاهرة التنافر والتواؤم بين
أصوات الكلمة والجملة ، وكذلك الظواهر البديعية المردودة إلي
الجناس بأنواعه .. وغيرها، لتجتمع لدي اللغة مجموعة من
السمات الجمالية الصوتية تجاوزت مسألة التقنين العروضي
وصارت ظواهر صوتية مؤثرة تشترك فيها هذه اللغة على
عموميتها ثم حال اصطفائها لغة فنية
إن اللغة العربية القادرة على أن تقوم بذاتها لإحداث جماليات
صوتية من خلال الكلمة أو الجملة تتجاوب بقدر أو بآخر مع
الحس الجمالي للنفس البشرية على سجيتها وسمتها الفطري متمثلة
بذلك ظواهر : النبر ، والتنغيم ، وتناسق مخارج الأصوات من
حيث الجهر والهمس أو الشدة والرخاوة ، وتواؤم الأصوات أو
تنافرها ، فضلاً عما أحرزته البلاغة القديمة من تقنين معياري
تجلى من خلاله ظواهر الجناس بأنواعه ، والموازنة والترصيع ..
إلخ وفق ما تراءى لعلم البديع
وهذه الخصائص التقنية في اللغة حينما يشرع في إعمالها لتجسيد
الانفعال الإبداعي ؛ فإنها لابد وأن تخضع بالضرورة إلى نسق
معين ، حينما نراعي فيه الخصائص الصوتية التي تتردد في
الأسلوب على مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة ؛ فإننا نتحصل
بذلك على الإيقاع ، فالإيقاع هو تردد ظاهرة صوتية بما في ذلك
الصمت - على مسافات زمنية متساوية أو متقابلة (۲) ، بينما
مجموع الترددات على صورة بذاتها يكون ما نطلق عليه (الوزن)
، ليصبح الوزن هو إحدى صور الإيقاع الخاصة ، أو هو
الإيقاع المقنن بعد ما كان في الأصل إيقاعاً عاماً تواءم في حدوثه
وميلاده مع انفعالات وأحاسيس الشاعر الذي اصطفاه في خطابه
الشعري الأول .
فالخليل بن أحمد لم يكن مخترعاً لعلم العروض ؛ بينما هو من
وضع أصوله وكشف أسرار صناعته ومعاييره بعد ما كانت قد
وقعت بالفطرة والسليقة لدي الشعراء العرب الأوائل ، والثابت
ضياع الكثير من شعر هؤلاء ، والثابت أيضا إهمال (الخليل)
للكثير من الشعر الذي لم يتسق مع معياريته ، ثم يأتي من بعده
من ينتصر لما انهزم لديه فيزدهر (المتدارك) ويقع عليه الشعراء
المعاصرون وقوع الأكلة على قصعتها ، وتمثل نسبته أكثر من
٥٠% من كتابات صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي
حجازي وأمل دنقل في الوقت الذي كان فيه الخليل يرفض النظم
على هذا البحر ، ربما لندرة ما توافر لديه منه في كتابات
الشعراء العرب الأوائل ، ثم يأتي من بعده تلميذه (الأخفش) فلم
يرق له بعض ما راق لأستاذه ، وكأنا بالعروض إزاء أعواض ،
بينما يبقي الإيقاع جوهراً ومنهلا أكثر مرونة ومطاوعة ، وإلا لما
كان المتدارك (المحدث) ، وما شاع الخبب لدي الشعراء
المعاصرين
وللخبب ثورة تفجرت في كيان التفعيلة بعد ما تحول الشعر من
الشطرين والقافية إلى التفعيلة والسطر ، وكأنما هي الرحلة من
البحور المختلطة إلى الصافية إلي التفعيلة التي بدورها أصبحت
الوحدة الإيقاعية الكبرى ، فيتمركز الشاعر المعاصر في بحر
(المتدارك) ليصبح أكثر الأوزان العروضية شيوعاً في الشعر
المعاصر على الإطلاق ، وعند بلوغ الذروة تكون العودة إلي
البحث والتنقيب من جديد ، وتعظم أصول الأمور فينحو الشاعر
المعاصر نحو تشكيل عروضي جديد فيبحر في بحر الخبب ،
ليهجر بحور الخليل جميعاً ، ويتحول بهذه الثورة الخببية من شعر
التفعيلة إلي شعر السبب وعلى الرغم من ذلك فإن الحس الجمالي لم ينفر من ذلك التشكيل
الإيقاعي الجديد ، بل ربما كان أكثر ملاءمة لإيقاع العصر ،
وأكثر طواعية لتشكيل لغته واحتواء ثقافته ، ليتأكد لنا مرة أخري
براعة الانطلاق من الأصل والجوهر لارتياد عوالم شتي لا تحدها
حدود ولا تعرقلها عوائق ، ليصبح الإيقاع مسوغاً شرعيا للقيام
بذاته ، ويبقي حقا مشروعاً للمبدع ، والمبدع وحده هو صاحب
تأشيرة الدخول للمغامرة الكبرى ما دام له هذا الحق على إطلاقه ،
وما على النقد إلا أن ينتظر ويقنن ما أفضي إليه الإبداع ، شأن ما
حدث مع المقنن الأول لأشكال الإيقاع العروضية
وليس من الإنصاف بأي حال من الأحوال أن يتوقف بنا قطار
الإبداع عند محطة (الخليل) بالرغم من أهميتها بما ارتكزت عليه
من أصول وأحكام ، ولعل ذلك ما تمثل به الشاعر المعاصر روح
عصره فأينع (المتدارك) وأثمر (الخبب) وأزهرت كل البحور
الصافية الإيقاع مرة أخرى يمثل الملمح الجوهري للغة الشعر ، حسبما
يهيئ ذهن المتلقي وإحساسه للاستجابة ، بنزوعه التلقائي ،
وتشكيلاته الفنية التي لا تنبت عن إثارة الدهشة ، والتشويق ،
وتفجر الإحساس ، وفق آلية التواصل التي تتكئ في المقام الأول
على سياق العصر الناهضة على البحث عن المثير ، والعجيب ،
والمدهش ، ومحاولة الإعلاء من سحر البيان بمدركات ومفاهيم
جديدة بدأت تنثرها في فلك المجرد معطيات العلم الحديث
والقول بغياب مصطلح (الإيقاع) في النقد العربي القديم (۱) ،
أو القول بأنه حديث نسبي (۲) ، يفتقد بعض الحسم ، خاصة إذا
علمنا أن الكلمة (Rhythm) مشتقة أصلا من اليونانية كما
يقول (وهبة) لتعني عنده الجريان أو التدفق ، والمقصود به
عامة التواتر المتتابع بين حالتي الصوت والصمت أو النور
والظلام أو الحركة والسكون أو القوة والضعف أو الضغط واللين
أو القصر والطول أو الإسراع والإبطاء أو التوتر والاسترخاء
، ويكون ذلك في قالب متحرك ومنتظم في الأسلوب الأدبي أو في
الشكل الفني . والإيقاع صفة مشتركة بين الفنون جميعا تبدو
واضحة في الموسيقي والشعر والنثر الفني والرقص "(٣) .
هكذا وكأن الإيقاع أحد أصول الفنون جميعاً ، الأمر الذي لم
يجعله بعيداً عن متناول العرب ، حتى أن الخليل بن أحمد له كتاب
عنوانه الإيقاع ، ويذكر صاحب اللسان أنه وقع في إيقاع اللحن
والغناء (۱) ، ثم يأتي حديث ابن سينا) عن الإيقاع في كتابه
(الشفاء) بما لا يدع مجالاً للشك إلى وعي النقد القديم به كما وقع
في الأصل اليوناني ، وكما نعرفه نحن الآن ، يقول ابن سينا)
الإيقاع من حيث هو إيقاع هو تقدير ما لزمان النقرات فإن اتفق
أن كانت النقرات منغمة كان الإيقاع لحنياً وإن اتفق أن كانت
النقرات محدثة للحروف المنتظم منها الكلام كان الإيقاع شعريا "
ثم يعقب (الهاشمي) على النص مؤكداً تمييز ابن سينا) بين الإيقاع
اللحني والإيقاع الشعري ليكتمل التصور وفق ما وضعه (وهبة)
ليصبح الانتظام هو القاعدة المشتركة التي يقوم عليها الإيقاع في
مختلف الفنون (۳) ، ولكن هذا الانتظام لم يقل أحد بضرورة أن
يكون معيارياً إلا مع الموسيقي ومع عروض الخليل التي أجمع
عليها الجمهور واختلفوا قليلا على بعضها ، ثم
رج بعضهم عليها كلية أخيراً بقصيدة النثر .
المبحث الثاني
القيم الإيقاعية غير العروضية
حري بنا قبل أن نخوض في ساحة الخليل وعروضه أن نعرض
لبعض الظواهر الإيقاعية الصوتية التى تكتمل بها تلك المساحة
الخصبة من المعرفة التقنية بجماليات اللغة وإيقاعاتها وتواؤمها مع
المشاعر والأحاسيس ، بتجلي هذه القيم الإيقاعية في النص .
أولاً : موسيقي الحرف
تجمع اللغة عدداً من أصواتها توشك أن تستقر على خمسة
وثلاثين صوتا ، منها ثمانية وعشرون صوتا صامتاً
(Consonants) وسبعة أصوات صائتة (Vowels)
والمجموعة الأولي تنطق بوضوح كحروف صحيحة واضحة ويتم
ترتيبها وفق أقرب مخارجها إلى أبعدها على النحو التالي (١) ،
ف ث ذ ظ ت د ض ط ل ن ر ز
س ص ج ش ی خ غ ك و ق ع ح ء هـ
أما المجموعة الثانية فهي للأصوات التي لا يمكن النطق بها
منفردة لأنها مجرد لواحق للأصوات الصامتة ، وهي سبعة على
النحو التالي :



  • ثلاثة للحركة القصيرة : الضمة والكسرة و الفتحة كما في [علِمَ ]

  • ثلاثة للحركة الطويلة : وهي حروف العلة أو المد أو
    اللين : الواو ، والياء ، والألف . ويشترك الصوتان الأولان
    مع الصوامت والصوائت كما في [ وجود يفيض ] ، أما الثالث
    فهو خالص من الصوائت

  • صوت واحد لعدم الحركة : وهو السكون الظاهر والمقدر {٥}
    ، كما في [ل]، (٢) لمْ ،[لا]
    وعلى هذا الأساس يمكن أن تنطلق الأصوات ، ويمكن ترجمة هذه
    الأصوات إلى إشارات مقننة تلتقي مع الميزان العروضي كما
    سيأتي بعد قليل ، غير أن هناك دلائل صوتية أخري تتمتع بها
    هذه الأحرف ويكون لها تأثيرها في البر والتنغيم ، وسهولة
    المخرج ورونقه ، وفخامته ولينه ، وجهارته و همسه ، وقوته
    ورخاوته ، على أن كل هذه الظواهر وإن خرجت عن عروض
    الشعر إلا أنها لم تخرج عن تأثيرها الجمالي في موسيقي الإيقاع
    ككل ، وتتنوع هذه الأصوات على النحو التالي :
    [١] الصوت الجهور : وهو عند سيبويه " حرف أشبع
    الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي
    الاعتماد عليه ويجري الصوت " ، ويهتز الوتران الصوتيان
    ويقتربان حتى تضيق فتحة المزمار ، وتختلف درجة الصوت
    حسب عدد الذبذبات في الثانية الواحدة
    والأصوات المجهورة عند إبراهيم أنيس هي ثلاثة عشر
    ب، ج، د، ر، ز، ض، ظ، ع ، غ ، ل ، م ، ن
    [٢] الصوت المهموس : وهو صوت أضعف الاعتماد في
    موضعه حتى جري النفس معه دون اهتزاز الوترين الصوتيين فلا
    تسمع له رنينا حين النطق به ، ومنه اثنا عشر حرفا :
    ث ، ت ، ح، خ، س ، ش ، ص ، ط ، ف، ق ، ك ، هـ
    [۳] الصوت الشديد : حين تلتقي الشفتان التقاء محكماً ،
    فينحبس عندهما مجري النفس المندفع مع الرئتين لحظة ثم تنفصل
    الشفتان بعدها فجأة ، فيحدث صوتاً انفجاريا ، كما في أحرف :
    ث، ت، ح، خ، س، ش، ص، ط ، ف، ق ، ك ، هـ
    [٤] الصوت الرخو : عند النطق به لا ينحبس الهواء انحباسا
    محكماً ، وإنما يكون مجراه ضيقاً جداً فيحدث نوعاً من الصفير أو
    الحفيف ، كما في أحرف :
    س،ز،ص،ف،ش، ذ، ث ، هـ ، خ ، ع
    وهكذا يمكن أن تتشكل موسيقي الحرف وفق إيقاع خاص متزامن
    أو غير متزامن ، غير أنها في كل الأحوال سوف تنعكس بشكل
    أو بآخر على جماليات بعينها في انسجام الحروف أو تنافرها ،
    فضلاً عن أن تكرار حرف بذاته أو مجموعة أحرف تنتمي إلي
    صوت معين فإنها سوف تكون لها دلالتها داخل النص ، فأهمية
    الإيقاع الصوتي لا تقف عند حدود الشكل أو الوعاء ؛ بل إن لها
    ما لها من فعالية للحصول على تركيبة صوتية معينة تكون تيمة
    الإيقاع حسبما ترمي الدلالة وحسبما يشدو الأثر فتتجلى عاطفة
    أو الحزن أو الإنشاد .. إلخ ، شأن ما يقع في أغراض
    الفرح الشعر القديم حيث يختلف الإيقاع الصوتي للأحرف في لغة
    الرثاء عن الفخر على الرغم من انتمائهما إلي بحر عروضي
    واحد ولعل ذلك ما أفصح عنه النقد القديم برد الأمر إلى الألفاظ
    كلية دون الالتفات إلي التركيب الصوتي لها في حين أن الأمر
    يجب أن يتعدي اللفظ إلى الجملة والتركيب لا أحرف لفظ بعينه
    وحسب وعلى سبيل المثال سوف نقتطع جملتين من قصيدتين ،
    الأولي سيطرت عليها عاطفة العشق والقناعة الوجدانية والاتزان
    العاطفي في طرح التجربة ، والمثال لي من قصيدة على أبواب
    عينيها والجملة :
    فلولا تفتح الأعناب جنتها
    والتقطيع الصوتي لها كالآتي :
    مهموس ، جهور ، صائت ، جهور ، صائت ، مهموس ، مهموس
    ، مهموس ، مهموس ، جهور ، مهموس ، جهور ، جهور ،
    صائت ، جهور ، جهور ، جهور ، مهموس ، مهموس ، صائت
    أما الثانية فهي كانت في رثاء أبي ومنها :
    وموج البحر قهار وقبض الموت إعصار
    والتقطيع الصوتي لها كالآتي :
    صائت ، جهور ، صائت ، جهور ، جهور ، جهور ، مهموس ،
    جهور ، مهموس ، مهموس ، صائت ، جهور ، مهموس ،
    مهموس ، صائت ، جهور ، جهور ، صائت ، مهموس ، جهور
    ، جهور ، جهور ، جهور ، صائت ، مهموس ، مهموس ، جهور
    ، مهموس ، صائت ، جهور ، جهور
    وذلك من حيث الجهر والهمس وحسب .
    ويلاحظ : في الجملة الأولي ۹ مهموس + ۸ مجهور + ٣ صائت
    في الجملة الثانية ١٥ مجهور + ۱۰ مهموس + ۳ صائت
    وهذا يدل على اعتدال الإيقاع في الجملة الأولي بما يفضي إليه
    اعتدال المدخل واتزان التجربة على المستوي الوجداني والصوتي
    على أن اختلاف ذلك المستوي فيما يليها سوف يكون نتيجة
    طبيعية لشدة الانفعال بالتدرج : انظر : السابق .
    سلاماً سائلاً
    ٥ مجهور + ۳ مهموس + ۲ صائت
    من معصرات القلب والزمن الحليب
    ۱۳ مجهور + ٤
    مهموس



  • ۲ صائت.
    وهذه نتيجة طبيعية لأن الجملة نهاية مقطع ، ليتدرج
    الانفعال على المستوي الصوتي من الهمس إلي الجهر كسمة
    أسلوبية اتكأ عليها الشاعر ضمن شفرات التواصل مع المتلقي
    وفي الجملة الثانية التي تم اقتطاعها من المقطع الأخير من
    القصيدة ارتفعت نسبة المجهور موازية لحدة الانفعال عن
    المهموس الذي لم يتوال في أكثر من صوتين بينما وصلت نسبة
    التوالى في المجهور إلي أربعة أصوات ، فيتأكد الاتساق بين
    الجهر وقهر البحر وقبض الموت فتفضي الدلالة على المستوي
    الصوتي بما تحوى في المستوي التصوري ، أما الجملة التي تليها
    مباشرة وتكتمل بها الدفقة فهي :
    وسيف النور لا يجني سوي الأقمار
    ۸ مجهور + ٨ صائت + ٥ مهموس
    وهي تقريبا نفس النسبة التي اتسقت عليها الجملة السابقة بين
    الجهر والهمس وكأنهما طرفا معادلة صوتية تتوازى مع موج
    البحر ، قبض الموت ، سيف النور في ناحية ، قهار ، إعصار .
    الأقمار في الناحية الأخرى فتتابع المستوي الصوتي على المنوال
    ذاته ، بينما ارتفاع نسبة الصوائت في الجملة الأخيرة يوحي بقمة
    الاستسلام والدعة إلي حالة السكون التي يفضي إليها الموت بعد
    إحكام قبضته القوية الجهورة على زمام القول
    إنها إذن إحدي مغامرات القراءة الإبداعية التي تزداد خصوبة مع
    غزارة الأدوات والوسائل التي يتم اقتحام معاقل النص بها ، ولعل
    توظيف الإيقاع الصوتي على هذا الأساس له مشروعيته التي
    تتجاوب مع مصداقية الدلالة أو تنسلخ عنها فتكشف بذلك عن
    تصدع النص
    إننا حينما نقرأ قوله تعالى " كن فيكون " ندرك أن الأمر) من
    حرفين، الأول مهموس ، وله قابلية الوقوع في دائرة الشدة أيضاً
    ، وحينما يكون مهموساً فإنه بلقائه مع (النون) المجهور يحدث
    وقعاً نغميا بالتقاء الرقة والعذوبة والبساطة مع القوة والفخامة ،
    ولما كانت هذه القوة الجهورية ساكنة فإنها تمثل حد المنع الذي
    يحتضن الهمس الذي هو من أيسر المخارج الصوتية ، لتتأكد
    فعالية الدلالة على سبيل المجاز ، لأن إرادة الله بالأمر لا
    تستوجب أن تتحقق لفظاً بالنطق ، وإذا ما تحققت فإن يسر
    المخرج يستوجب تبعية السكون الخامد الخاشع المستكين ، وهنا
    يعظم الحدث الجليل فتستغرق (كن) في (يكون) ، فكأن الفعل
    الأمر بصوتيه هو المضارع المتحقق باستسلامه للمضارعة ،
    وخشوعه في علته بحرف الواو الصائت)
    إن المستوي الصوتي قد أصبح في الدراسات الأسلوبية الحديثة
    حقلاً خصباً ورافداً فياضاً لإغداق الدلالة ، وذلك فضلا عن
    مساهمته الفعالة في مجريات الموسيقي بالنبر أو التنغيم أو الإيقاع
    عموماً ولا غرو إذا قلنا إن ذلك المستوي ينهض مجرداً على
    دلالات صوتية في موسيقي الحرف لتتشكل به بعد ذلك مستويات
    أخري في موسيقي الكلمة فموسيقي الجملة فموسيقي النسق ثم
    موسيقي النظم .
    ثانياً : موسيقي الكلمة :
    مازلت الصلة وثيقة بما لا يدع مجالاً للشك بين موسيقي الحرف
    وموسيقي الكلمة ، وقد نهضت اللغة العربية على حس إيقاعي
    وصوتي راق ، واستطاع اللسان العربي على مر العصور أن
    يرتقي بموسيقي كلماتها فيبث الحياة فيما سهل واستقام وحافظ على
    طاقته الإيحائية في الآن ذاته ، ثم يلفظ ما صعب أو تقعر أو صار
    حملا ثقيلا على النطق أو جانب الذوق والحضور ، لتتأكد حضارة
    اللغة ضمن حضارات العرب الأخرى والتى اتكأ جلها على اللغة
    أيضاً .
    وقد بلغ تميز موسيقي الكلمة في العربية درجة الفصل بين الحركة
    وحرف العلة على خلاف ما يقع في اللغات غير السامية ، ثم هي
    تستوي على نسق طبيعي في بناء المشتقات على الأوزان ليختلف
    معني الكلمة باختلاف الصيغة التي تبني عليها كما يقول (العقاد)
    ، ولما كان ذلك النهج نابعاً من الجذور فإن أية محاولات
    لاستحداث ألفاظ جديدة لا تأتي عبثاً بينما ترد إلي نهج ثابت محكم
    ، يعتمد الاشتقاق في المقام الأول ، ثم القياس ، ومع الدخيل تلتي
    الترجمة ، ثم التعريب ، غير أن الأمر على إطلاقه في النهاية
    يعتمد مبدأ أساسيا يحجب عن التواطؤ والشيوع كل ما يصقل على
    اللسان أولا يتسق مع طبيعته الإيقاعية في النطق ، فيسقط في
    الطريق ألفاظ ، وتنهض على الاستعلاء والحياة ألفاظ أخرى ،
    فتحسب أن سهولة النطق وموسيقي الكلمة معيار محكم للحفاظ
    على اللغة الموروثة واستيعاب ما استحدث منها أو عليها ، ولعل
    هذه السمة أيضا يمكن أن تلتقى مع خصوصية المشافهة في الثقافة
    العربية ، والتي على أساسها لعبت موسيقي اللغة دورا حيويا في
    تفردها ، وللأصل ذاته يمكن أن نرد خطورة أجهزة الإعلام في
    خرق أصول اللغة بالمساهمة في شيوع الخطأ ، وما لا يستوجب
    ألا يشيع ، حفاظاً على الذوق اللغوي الحضاري ، والذي يقع على
    المختصين حمل أمانته قبل أن ينحدر ويتفشى في العامة ، فينشق
    المجتمع إلي جهاد المختصين أو آذانهم في مالطة ؛ وتردي
    الذوق اللغوي العام ، فينهدم بذلك أصل حضاري لطالما اتكات
    عليه الذات العربية ومازالت ، وكل ذلك مرجعه إلى خصوصية
    موسيقي الكلمة وقوة تأثيرها في معيارية المتقفين ، وضلال العامة
    من خلال التواطؤ والشيع
    والدلائل الموسيقية للكلمة قد بلغت من اهتمام العرب ما أجلـ
    حرصهم على حصرها (۲) ، فتري في اللغة :
    [١] حرص الذوق العربي على تقارب حروف الألفاظ متي
    تقاربت المعاني ، بما تؤكده الآية الكريمة " إنا أرسلنا الشياطين
    على الكافرين تؤزهم أزا " و" تؤزهم أزا " بمعني تزعجهم وتقلقهم
    ، وهذا هو معني تهزهم هذا ، والهمزة أخت الهاء ، فخصوا
    المعني بالهمزة لأنها أقوي وتتسق مع الدلالة بشكل أوثق في سياق
    الآية لخصوصية (الأز) بالإحساس والشعور ، واعتماد (الهز)
    على ما لا حس أو عقل له ، الأمثلة على ذلك كثيرة منها أيضاً
    الجرح والقرح ، فالجيم والقاف من الأصوات الشديدة واللسان
    العربي كثيراً ما يوقع التبادل بينهما في لهجاته المختلفة ، وكذلك
    تجانس حروف المترادفات والأضداد ، كما في :
    الفرح والطرح، السر والجهر ، الهم والغم ، وغيرها ..
    المعنـي
    [٢] العلاقة الإيجابية بين الصيغ الصرفية واللفظية بالمـ
    ويقول في ذلك (سيبويه) " إن المصادر على وزن (فعلان)
    لاضطراب والحركة مثل (فوران) ، وأشار (ابن جني) إلي أن
    المصادر الرباعية تأتي للتكرار والزعزعة ، كما في (القلقلة)
    (الصلصلة) ، (الزلزلة) ، وفي اللغة أيضاً تكرار العين في
    (المثال) دليل تكرار الفعل مثل (كسر ، قطع) ، وزيادة الألف
    والسين والتاء في اللغة تدل على الطلب (۳) ، وهكذا ، وذلك من
    أقوي الروابط بين الصوت الموسيقي للكلمة ودلالتها حسبما تقع
    في السياق
    [۳] مقابلة التصورات بما يشكل أصواتها : شأن بعض الأصوات
    حيث تنحدر درجة الاعتباط في اللغة إلى الصفر ، مثل شقشقة
    العصافير ، وقد فرق العرب بين الخضم والقضم ، برد الأول
    لأكل الرطب والثانى لأكل الجاف ، اتكاء على رخاوة الخاء وشدة
    القاف وصلابتها ، ومنه أيضاً النضح للماء الخفيف ، والنضخ
    للماء المنفور بشدة وبالرغم من همس الصوتين الحاء والخاء إلا
    أن الأخيرة لها من الرخاوة ما يفسح المضمار لقوة النضخ
    فالرخاوة صفير أقوى من الهمس وكأنها نسبة تدفق الماء برفق أو
    بشدة ، لينتقل الصوت من الدلالة الصوتية في الوضع إلي دلالة
    مناظرة في التلقي ، ثم يرتقي إلي دلالة مطلقة تختلف بالتأكيد عن
    دلالة (سوسير) المعنية باعتباطية اللفظ ، وهي بالقطع نسبة
    محدودة في اللغة وليست هكذا اللغة دائماً وأبداً .
    [٤] اختلاف الدلالة باختلاف المترادفات وذلك هو حال شد ، جــر
    ، فالشين مهموس ، حرف أول ، ضعيف ، لا يقوي إلا بالدال
    المجهورة الشديدة والمنبورة ، وكأنها المسافة الزمنية بين ابتداء
    الشد واستحكام العقد ثم الجذب أي استجماع القوي كلها وفق
    تراتبها ، أما في (جر) فإن الجيم المجهورة الشديدة توحي بأن أول
    الجر مشقة على خلاف الشد ، ثم تعقبها الراء المنبورة والمجهورة
    أيضاً تكرارا وتتابعاً للمشقة التي تصاحب عملية الجر ، تلك
    العملية التي تستلزم التكرار المستمر لهذه القوي . ليصبح الصوت
    في العربية أكثر التصاقا بدلالة المنطوق دون حسم الدلالة إلا من
    خلال السياق ، لأنه ليس ثمة دلالة للفظ مفرد ، ويصبح تعبيرن
    عنها هكذا لتوافق الصوت والمعني من قبيل المجاز الدلالي فـ
    الوضع حيث إن اللغة منوط بها التواصل في المقام الأول في
    اللغة العادية ثم تقع في اللغة الفنية على الانحراف Deviation
    الذي تصبح فيه الدلالة الصوتية أكثر مصداقية لمرجعية اللغة
    العامة وأكثر معيارية ضمن شواهد الأثر .
    [0] تتمتع اللغة بمجموعة من الضوابط التي تحافظ على إيقاعاتها
    الصوتية دونما صعوبة مخارجها أو تحشرجها أو تنافرها ، ومن
    هنا لم يحدث في اللغة أن التقت اللام والراء والنون لقرب
    مخارجهم ، وكذلك الميم والفاء والباء ، ويندر في اللغة التقاء
    الأصوات الرخوة ، وكذلك أحرف الإطباق : الصاد والضاد ،
    والطاء والظاء ، ذلك بالإضافة أيضاً إلى ندرة تلاقى أصوات
    أقصي الحلق مثل ق ، ك ، ج القاهرية ، أو وسط اللسان مثل ج
    المعطشة ، والشين
    ثالثاً : موسيقى الجملة والتركيب *
    تأتي على تواصلها مع موسيقي الحرف ثم موسيقى الكلمة فيما لا
    يندرج تحت الإيقاع العروضى ؛ مؤكدة حضور النسق حضورا
    خاصاً ، وتدخل فيها أولوية التقديم والتأخير في الحضور الصوتي
    ، غير أن الجانب الأهم في تركيب الجملة ثم الجمل هو ما يخص
    النطق للكلمات مفردة أو مجتمعة مثلما يتجلي الأمر في علاقة
    الوصل والقطع على المستوي الصوتي في القرآن الكريم
    بالمستوي الدلالي.
    والجملة الشعرية في انسجامها مع النسق تؤكد فعالية تلاقـ
    أصوات نهاية الكلمات مع البدايات التي تليها في غير تنافر
    صعوبة في المخرج لتضفي على الكلام طلاوته وحلاوته ، ثم هي
    تراعي أيضاً ظواهر النبر ، والتنغيم ، والجناس ، والترصيع الذي
    جعله ابن قدامه من نعوت الوزن ، كما يتجلي في قول (كعب
    بن زهير
    هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكي قصر منها ولا طول
    على غرار قول أبيه :
    كبداء مقبلة وركاء مقبلة قوداء فيها إذا استعرضتها خضع
    فالترصيع في البيت الأول في : هيفاء وعجزاء ، مقبلة ومدبرة
    وهنا تتألق الظاهرة الصوتية محدثة فعالية نسق يستوجب الوقف
    أثناء النطق على كل وحدة صوتية من وحدات الترصيع على حدة
    ، حتى يفضي السياق إلي خصوصيته الصوتية ثم الدلالية ، دون
    المستوي الصوتي للإيقاع العروضي
    وعلى شاكلتها تأتي ظاهرة التصريع وهي عبارة عن إلحاق
    العروض بالضرب وزناً وتقفية سواء بزيادة أو بنقصان ،
    والاتساق في الوزن ينصرف إلى الإيقاع العروضي أما الاتساق
    ي
    في التقفية فهو فضل الزيادة الذي غالباً ما يرتبط بالتمهيد النفسـ
    والوجداني لتجليات القافية ، وقد لاقي ذلك الفضل في العصر
    الجاهلي استحساناً من الشعراء والنقاد ، ومنه قول امرئ القيس
    في مطلع معلقته :
    قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل
    وترتبط هذه الظاهرة عموماً بالشعر العمودي لارتباطها بالعروض
    والضرب ، وتنتمي فعاليتها في المقام الأول إلى الدلالة الصوتية
    للقافية التي تتسم هي الأخري بخصوصية ترقي لأن تنفصل بذاتها
    عن الإيقاع العروضي للبحر المشكل للوزن ، لذا كانت لهذه
    الظاهرة أحقية إفساح المجال لدراستها عقب دراسة تشكيلات
    الإيقاع لأبحر الخليل وعلم العروض
    المبحث الثالث
    جدوى علم العروض
    للموسيقي في النفس إيقاع السحر ، والانتظام على وتيرة واحدة .
    هو حال نبض القلب الحي المعافى ، والتكرار يخلق جوا مفعما
    بالارتياح إذا ما صاحبته عملية التنغيم بتنويعاتها المختلفة ، وقد
    كانت الأساطير والعبادات القديمة في الأديان الوضعية تعتمد في
    المقام الأول على أسجاع الكهان ، وعلى درجة كبيرة من انتظام
    الإيقاع أملا في استجلاب المشاعر والأحاسيس لما لوقع إيقاع
    الكلام على النفس ، وما للموسيقي من تأثير فعال ، وخص الله
    تعالي نبيه (داود) بالترانيم حتى صارت خصوصية إعجازية تؤكد
    ما للإيقاع والأنغام من قدرة نافذة على اختراق الذات الإنسانية
    والهيمنة عليها
    من هنا كان للخليل ما كان من سياحة في هذه الأجواء المعمورة
    حتى أنه أسس ضمن ما أسس لعلمي العروض واللحن والغناء
    على حدٍ سواء ، والأمر ذاته ما فعله (إخوان الصفا) في إحدى.
    رسائلهم ، حتى أنك حينما تتأمل الأصول تكاد تراها واحدة .
    وباعتمادنا عروض الخليل إنما نعني بفضل جمالي ليس بالهين
    تأثيره في نفوس المتلقين ، وذلك فضلا عن كون هذه العروض
    أصبحت ذاكرة أمة بجذورها وتاريخها الطويل ، وقدر لهذا
    التراث الرائع الجميل أن تتناقله الأجيال على احتفاء وإعزاز
    وإكبار ، ولما كان الشعر هو ديوان العرب أصبح علم العروض
    في الشعر بمثابة علم النحو في اللغة ، ولأنك لا تستطيع أن
    تتحصل المعني في اللغة دون إدراك مواقعها بالتمييز بين الفعل
    والفاعل والمفعول .. إلخ ، فإنك أيضاً في الشعر لا تستطيع
    تحصيل المعرفة الذهنية والجمالية دون اللجوء إلى الضبط على
    ميزان محكم يقي شر التصحيف والخطأ ، حيث يصبح الوزن هو
    الحصن الحصين من احتمالات التحريف أو الخطأ في النقل أو
    التداول ، وذلك ما حدث مع جل الشواهد الشعرية التي استعانت
    بها علوم التفسير والنحو واللغة ولولا أن كان الوزن ما بلغت هذه
    الشواهد من قوة الحجة والبرهان ما جعلها المرأة للباحث ومسوغاً
    مرجعياً مقنعاً في ابتغاء الحقيقة العلمية .
    لقد انبنت علوم اللغة ووضعت أصولها على حجج بينة انتقلت بها
    إلي آفاق رحبة عن قناعة إزاء اتكائها على أصول دامغة كان في
    مقدمتها القرآن الكريم ، ثم الحديث النبوي الشريف ، ثم كان
    الشعر على إحكامه واستقائه من المنبع بما أهله إلي مرتبة عليا
    من القداسة العلمية التي ارتقت به إلي اعتباره مصدراً أساسياً من
    مصادر التشريع اللغوي والنحوي والجمالي والمعرفي ، ثم أقامت
    بعد ذلك علوم البديع والبيان والبلاغة جانباً غير محسور على
    تقنية العروض والموسيقي بحثاً عن الجمال المطلق على أساس
    فلسفي يؤكد مشروعية (علم الجمال) في بحثه عن ذلك السر
    الكامن في تقنيات الخطاب ، والذي يسمو بالنفس ويرتقي بالحس
    والوجدان .
    لقد وصل الشعر العربي بموسيقاه وعروضه وضروبه وقوافيه
    إلي خصوصية ثقافية ، وفرادة أمة استطاعت أن تحفظ هويتها من
    العبث قرابة قرن ونصف قدمت خلالها إلى الثقافة العالمية - على
    الرغم من هذه الخصوصية - إبداعات أصحاب المعلقات من
    الشعراء الجاهليين بتقنية إبداعية راقية ربما تفوقوا فيها على
    شعراء اليونان الأوائل أمثال أرسطو، وهوراس ، وكوينتليان ،
    ولونجنجوس ] فقط لأنهم انطلقوا من أصول فنية لا تشي عن
    إرهاصات أولي بل تتمخض عن بلوغ غاية راشدة ، ثم كان لهم
    استواء هذه الغاية حتى خلفت عنها سلسلة من الإبداعات المتوالية
    على مر العصور ، حتى أصبح الشعر سيد الثقافة والمعرفة
    والإبداع العربي ، وذلك على خلاف ما وقع في المجتمعات
    الغربية حينما خفت إيقاع الشعر بعد اليونانيين الأوائل ، وعلا
    صوت أسجاع الكهان والرهبان في سلطوية الكنيسة على مقدرات
    الثقافة والحياة ، إلى أن تفجرت ثورة الكلاسية الأولي في عصر
    الانبعاث فكانت الردة إلى النموذج الأمثل في الشعر اليوناني ،
    وذلك في الوقت الذي كان فيه ملء السمع والبصر ذلك الانسجام
    الرائع بين روح العصر والشعر في العصر العباس وكأنه
    الحراك التقني وبلوغ مستويات أرقي للخطاب الشعري ، حتى
    سما النص إلى منزلة حياتية أهلته لتلك الفعالية فيما يزيد عن
    أربعة عشر قرنا في الثقافة العربية ، ثم هو يصبح الآن مفجرا قويا
    في الذوات العربية المبدعة على اختلاف مآربها ومناهلها ،
    فالمسألة إذن ليس لها علاقة بذكاء جنسي فطري ، أو تمايز
    سلالي خوضاً في الشعوبية ؛ بينما هي طبيعة حياة وروح عصر
    إن الإيقاع العروضي الشعري في الثقافة العربية قد ساهم بنصيب
    أوفر لعله الذي جعل الشعر سيدا على كل فنون الإبداع ، ولو
    تيسر للإنسان الغربي هذا الحظ الموفور للإنسان العربي ما تألق
    لديه مثلا فن الرواية ، إن الإيقاع في الثقافة العربية كان محور
    ثقافتها باعتمادها على المشافهة ردحاً طويلاً كقناة للتواصل ، ربما
    ردا إلى طبيعتها الجغرافية والسياسية ، ولعله الأمر ذاته في
    أوروبا القرون الوسطي هو ما دفع بها إلي إبداع الملحمة ، وكأنها
    طبيعة الأشياء هي التي تخص كل أمة من الأمم بخصوصية
    إبداعاتها ، إن النقل والتواتر يستلزم في النص الشفاهي قدراً كبيراً
    من الإيقاع الذي يساعد الذاكرة على التسجيل ، لذا كان الشعر
    العربي هو ذاكرة الأمة بخصوصيته الإيقاعية ، كما كانت السيرة
    لسان حال الشعوب التي توارثتها وتناقلتها الأجيال أيضا بشكل
    شفاهي محض ، وهي العلة ذاتها التي خرجت بها الملاحم على
    حدٍ سواء في الأدب اليوناني خاصة والغربي عامة ، لتصبح هذه
    الملاحم لسان حال الجنود في غزواتهم ورواحهم ، كما هو الحال
    في ملحمة (السيد) مثلاً .
    للإيقاع إذن سطوته ، ولطبيعة كل ثقافة خصوصيتها ، ومن
    أخص الخصوصيات في الثقافة العربية بما لا يدع مجالاً للشـ
    ذلك العلم الفريد الذي وضع أصوله الخليل ابن أحمد الفراهيدي
    على رأس المائة الثانية من الهجرة وهو (علم العروض) ، وقد
    بلغ هذا العلم من الدقة والتميز ما وضعه في موقع متفرد وسط
    علوم العربية وتهافت عليه العلماء والشعراء على حدٍ سواء ،
    وكأنه السلاح الذي يجب أن تواجه به المعرفة لا الشعر وحسب ،
    إنه السلاح الذي يجب أن يتسلح به النقاد والشعراء والعلماء ،
    على الرغم من صعوبة الدربة والمران والإيغال فيه ، حتى أنه
    يروى - والعقدة على الرواي - أن (الأصمعي) وهو أحد جهابزة
    اللغة وعلمائها الأخيار ، كان قد ذهب إلي (الخليل) طالبا لعل
    العروض ، فمكث لديه فترة غير وجيزة ، حتى بلغ الخليل منه
    اليأس في فلاحه ، فقال له متلطفا : قطع هذا البيت :-
    إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
    فذهب الأصمعي ولم يرجع ، فعجب الخليل من فطنته (۱)
    وعلى الرغم من كون ذلك العلم علماً نظرياً إلا أنه لا يمكن أن
    يستقيم بأي حال من الأحوال إلا بالدربة والمران مع ملاحظة


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

مجال الافاق لقد...

مجال الافاق لقد وجهتنا الايات المتعددة في كتاب الله عزوجل، والأحاديث النبوية الشريفة إلى إجالة الفكر...

طؿومؼعرفمعومورا...

طؿومؼعرفمعوموراءماٌعرصيمبلغهمععرصيماظػردمبوظعؿؾقوتماٌعرصقيماظتيمؼلؿكدعفوم ,م بولإضوصيمإيدم تـظقمموتؼ...

I. Production a...

I. Production animale et végétale (élevage, transformation, production…) Introduction L'homme élève...

تهدف هذه الدراس...

تهدف هذه الدراسة البحث في وصايا عمر بن الخطاب وتحليل مضامينها وتسليط الضوء على الخصائص الفنية التي ت...

"Examination Da...

"Examination Day" by Henry Slesar is a dystopian science fiction short story that explores a society...

رابعا: المزيج ا...

رابعا: المزيج االبداعي وبالحديث عن المزيج اإلبداعي فيذكر روس موني Mooney Ross أن هناك أربعة نواحي ر...

1. Harvard Medi...

1. Harvard Medical School - Consistently ranked as one of the top medical schools globally - H...

تع يف التنمية: ...

تع يف التنمية: اب التنميبة والمقباولبة و عبداد الث ل لفهم العالقبة بىلي ، ابد من تع يف للتنميبة .لق...

لا سزال الغموض ...

لا سزال الغموض الشديد يلف المرحلة الأساسية أفلتت فيها إفريقيا من التأثير الاتيني ومن المسيحية الغربي...

• الفرع الأول :...

• الفرع الأول : الوالي المنتدب ممثلا للولاية المنتدبة ( المقاطعة الإدارية ) طبقا لنص المادتين 04 و 0...

For thousands o...

For thousands of years, people living in the countries around the Mediterranean have eaten a 'poor' ...

ىوتحم ميلست ناي...

ىوتحم ميلست نايب–ةيلوؤسملا نايبو ناونعلا Communication skillsCourse Title BLSA102Course code Busines...