Lakhasly

حصلت أن على الصيف الطيب الذي صبت إليه واستمتعت به إلى ذروته. وقضت هي وديانا معظم أوقات لهوهما خارج حدود الجدران ترتعان في كل تلك المسرات التي أتاحها لهما الدرب وتبع خرير الحورية وتخوم الصفصاف وجزيرة فكتوريا. ولم تبد ماريلا أي اعتراض على تسكع آن خارج البيت، إذ حدث في ذات أمسية من أمسيات أوائل أيام العطلة أن التقت أن في منزل أحد المعارف المرضى بطبيب سبنسر فيل الذي جاء ليلة أصيبت ميني ماي بالخناق، ولما رأها الطبيب أمعن النظر إليها، لوى شفتيه هز رأسه، ثم أرسل رسالة شفوية إلى ماريلا

مع أحد الأشخاص.

تقول الرسالة

دعي تلك البنت الحمراء الشعر التي ترتينها ترتع في الهواء الطلق طيلة فصل الصيف. ولا تسمحي لها بقراءة الكتب قبل أن تستعيد

طاقتها الحيوية.

أفزعت الرسالة ماريلا على صحة أن، ورأت فيها مذكرة موتها بالسل

إلا إذا نفذت بحذافيرها. وهكذا أتيحت الفرصة لأن كي تتمرغ في نعيم

تلك العطلة الذهبية المنشودة، فمرحت وانطلقت بقدر ما سمح لها

المرح والانطلاق مشت قطفت الثمار، وحلمت حتى الانتشاء. وما كاد

يُقبل شهر أيلول إلا وكانت قد استعادت بريق عينيها وطاقتها، وامتلاًقلبها من جديد بالطموح والاندفاع وعمتها الحيوية التي كانت دون

شك ستقنع طبيب سبنسرفيل.

أشعر أني مستعدة لمباشرة الدراسة بكل ما لدي من عزم وطاقة. أعلنت أن بعد أن أنزلت كتبها من العلية باللأصدقاء القدامي الأعزاء، كم تسعدني رؤية وجوهكم المخلصة من جديد نعم، بما فيهم أنت ياكتاب الهندسة. لقد كانت هذه العطلة رائعة باماريلا، وأنا الآن مفعمة بالنشاط كرجل قوي يستعد لخوض السباق، كما قال السيد ألن يوم الأحد الماضي. أليست مواعظ السيد الن عظيمة

يا ماريلا؟ تقول السيدة ليند إنه يتطور باستمرار.

«ماريلا» قالت أن، وقد اعترتها رغبة فجائية بالمصارحة أرغب في استشارتك بموضوع يقلقني كثيرًا كلما فكرت به في أمسيات العطلة التي أخصصها عادة للتفكير بهذه المواضيع. أنا يا ماريلا أرغب صادقة في أن أكون بنتا صالحة، وعندما أكون معك أو مع السيدة الن أو الأنسة ستيسي أطمح لهذا أكثر من أي شيء آخر، وأحب دائما القيام بما يرضيكن لكني عندما أكون مع السيدة ليند تعتريني رغبة عارمة في مشاكستها، وأشعر كما لو أني أريد ارتكاب جميع الأشياء التي تنهاني عنها، ويبدو لي هذا الإغراء مستعصيا على المقاومة. فما هو السبب

يا ماريلا ؟ أتعتقدين أنه عائد لكوني طائشة وسيئة فعلا؟

لاحت معالم الالتباس على ماريلا لبرهة، ثم ضحكت

إذا كنت كذلك، فلا بد أني مثلك أنا أيضا يا أن لأن ريتشيل غالباًا تترك في نفسي مثل هذا الانطباع. وفي كثير من الأحيان أعتقد أن قدرتها على توجيه الناس نحو الخير ستكون أكثر فعالية إذا كنت عن مناكدة الناس ليتبعوا الطريق القويم وأرى أنه لا بد من اشتراع نص يحظر المناكدة، ولكن ها أنا أقول كلاما لا يجدر بي قوله، فريتشيل إمرأة مؤمنة وصالحة وصافية النية، ولا يوجد في أفونليا روح أطيب من

روحها، وهي لا تتهرب أبدًا من واجباتها والتزاماتها»

يسعدني أنك تشعرين بما أشعر به . قالت أن بارتياح. هذا يشجعني كثيرا. ولا شك أنه سيجعل قلقي أخف وطأة مع ذلك أخشى أنه ستكون لدي أشياء أخرى لأقلق بشأنها. فالأشياء المريكة لا تكف عن الظهور في حياة الإنسان كما تعلمين وكلما عالج مسألة وانتهى منها واجهته مسألة أخرى على الفور كثيرة هي تلك المسائل التي تعترض المرء عندما يتدرج في النمو وكلها تحتاج إلى التبصر والتفكر وهي عادة تشغل معظم وقتي ما بين مناقشتها والتوصل إلى حلول سليمة لها. أليس النضوج مسألة جدية وخطيرة باماريلا؟ مع ذلك. أعتقدني قادرة على النضوج من غير أن تعترضني العراقيل ما دمت أنعم بوجود رفاق طيبين حولي مثلك ومثل ماثيو والسيدة الن والآنسة ستيسي. وعندما أفشل لا ريب أن الخطأ في هذه الحالة سيكون خطني وحدي. أشعر يا ماريلا أن النضوج مسؤولية كبيرة لأني لا أملك في هذه الحياة إلا فرصة واحدة. وإذا لم أحسن استغلالها فلن أستطيع العودة إلى الطفولة لأبدأ من جديد لقد ازداد طولي في هذه الصيف بمعدل

إنشين با ماريلا عرفت هذا لأن السيد فيليز قاس طولي في حفلة روبي.

وكم سرني أنك فصلت لي فساتيني الجديدة أطول من السابق وذلك
.
الفستان الأخضر جميل جدا يا ماريلا، وكان لطيفا منك أن تضعي له الحواشي على أطرافه. أعرف طبعا أنها لم تكن ضرورية. لكن الحواشي على أطراف الفساتين أصبحت دارجة هذا الخريف وجميع فساتين جوزي باي يوجد عليها حواشي وأنا متأكدة أني سأقبل على الدراسة أكثر بسبب حواشي فستاني لأنها ستشيع في أعماقي شعورا مريحًا

جداء

إذن. لا شك أن هذه الحواشي تستحق عناء إضافتها، أقرت

ماريلا

عادت الآنسة ستيسي إلى مدرسة أفونليا لتجد جميع تلاميذها على أهبة الاستعداد للعمل من جديد خصوصا تلاميذ صف كوين الذين شمروا عن سواعدهم من أجل خوض المعركة، لأن نهاية السنة القادمة التي بدأت أطيافها الباهتة تظهر على دربهم منذ الآن. كانت تلوح لهم منذرة إياهم باقتراب موعد ذلك الحدث المصيري المعروف باسم امتحان الدخول. وكان مجرد تفكيرهم به يجعل قلوبهم تغوص

إلى أخامص أقدامهم.

ماذا لو لم ينجحوا !

لاحقت هذه الفكرة أن خلال جميع ساعات صحوها في الشتاء.

وكثيرا ما طغت حتى على معظم تساؤلاتها الأخلاقية الاستثنائية

وكانت إذا حلمت أحلاما مزعجة رأت نفسها تتفرس بتعاسة في قائمة

الناجحين بالامتحان التي يتصدرها اسم غيلبرت بلايت بينما لا يوجد
.
لاسمها أي أثر.

مع ذلك، كان ذلك الشتاء على وجه الإجمال شتاء مرحا حافلا بالعمل وسريعًا في انقضائه. كانت الدراسة مشوّقة، والمنافسة قائمة على أشدها كما في السابق. وتفتحت أمام عيني أن المتلهفتين أفاق جديدة من عوالم الفكر والمشاعر والطموحات، وحقول مدهشة من

المعارف الغامضة.

انبثقت تلال فوق التلال وقمم جبال جديدة فوق قمم الجبال.

وكان معظم هذا الفضل يعود إلى الآنسة ستيسي وتوجيهاتها اللبقة الحصيفة الواسعة المدارك إذ بذلت ما لديها من طاقات لترشد تلامذتها نحو درب التفكير والاستكشاف والاكتشاف وشجعتهم على تخطي مسالك التعلم القديمة المستهلكة إلى المسالك الجديدة. مسالك صدمت السيدة ليند والقيمين على المدرسة الذين عاينوا

التجديد في الطرق القديمة بعين الشك والحذر.

بمعزل عن الدراسة توسعت أن على الصعيد الاجتماعي، لأن ماريلا

التي لم تنس مقولة طبيب سبنسرفيل ما عادت تحظر عليها الخروج

العرضي من البيت. وفي تلك الأثناء ازدهر نادي المناظرات وأقام

العديد من الحفلات وكادت واحدة أو اثنتين من حفلاته أن تكون

بمستوى الأداءات التي ينظمها الراشدون بالإضافة إلى ذلك استمتعت

أن بالنزهات في مركبات الثلج وبالرياضات الشتوية المختلفة مثل

التزلج وغيره.
.
تدرجت أن في النمومع مرور الوقت، وكان طولها يزداد بسرعة، حتى ذهلت ماريلا ذات يوم بينما كانت أن واقفة إلى جانها عندما رأت أنها

غدت أطول منها.

رناه، كم كبرت یا آن قالت وهي لا تكاد تصدق عينها تلك الطفلة التي تعلمت كيف تحبها، وحلت محلها هذه الصبية الهيفاء ابنة الخمسة عشر ربيعا ذات العينين الوديعتين والجبين المفكر والرأس الصغير الشامخ باعتزاز كانت ماريلا تحب الصبية بقدر ما تحب الطفلة، لكنها رغم ذلك وقعت أسيرة إحساس غريب بلوعة الفقد. وفي تلك الليلة، عندما ذهبت أن مع ديانا جلست ماريلا وحدها في ظل الغروب الشتوي واستسلمت للبكاء. ولما دخل ماثيو حاملا بيده فانوسا، ضبطها وهي تبكي، فوقف في مكانه وحملق بها، حتى أرغمت على الضحك رغم دموعها المنهمرة.

كنت أفكر بأن أوضحت لقد غدت صبية يافعة، وأظنها ستكون بعيدة عنا في الشتاء المقبل، ولا شك أني سأفتقدها كثيرا.

ستتمكن من المجيء إلى البيت في كثير من المناسبات» قال ماثيو محاولا التخفيف عن ماريلا كانت أن بالنسبة إلى ماثيو ما زالت وستبقى دائما تلك الطفلة الصغيرة النابضة بالحياة التي أحضرها إلى البيت من بلدة برايت ريفر في إحدى أمسيات شهر حزيران قبل أربع سنوات عندما يحين ذلك الوقت سيكون قد تم تشييد سكة الحديد

الجديدة إلى كارموديلن يكون ذلك مماثلا لوجودها الدائم بيننا أجابت ماريلا وهي تتنهد بحزن عازمة على المضي في التمرغ بأحضان تلك المرارة الوافرة التي اجتاحتها. ولكن ما يدريك أنت. إن الرجال لا يستطيعون فهم

هذه الأموراء

كانت هناك تغيرات أخرى في أن وأهمها على الإطلاق أنها أصبحت أكثر صمنا. ربما كانت تفكر أكثر من ذي قبل، وربما كانت تحلم بنفس الغزارة التي اعتادت عليها، لكن لا شك أن كلامها أصبح أقل من

السابق. لاحظت ماريلا هذا التطور، وعلقت عليه أيضًا:

أصبحت دردشتك لا تتجاوز نصف ما كانت عليه في الماضي يا أن. كما أنك توقفت عن استعمال العبارات الطنانة في أحاديثك، فما

الذي غير حالك ياترى ؟

تضرج وجه أن بالحمرة، وأطلقت ضحكة قصيرة، ثم نخت كتابها جانبًا، وتأملت العالم من خلال النافذة حيث كانت البراعم الكبيرة

المنتفخة قد تفتحت في العرائش تجاوبا مع إغواء أشعة الشمس

الربيعية.

«لا أعرف، لا أشعر بالرغبة في الكلام. أجابت وهي تضغط بسبابتها

على ذقنها متفكرة. أصبحت أرى أنه من الأفضل لي أن أحفظ في قلبي

ما يخطر ببالي من أفكار جميلة، وأن أصونها فيه كما تصان الكنوز

الغالية. فأنا ما عدت أستسيغ استهزاء الناس بهذه الأفكار أو اندهاشهم

منها. وعلى نحو ما فقدت رغبتي في استعمال العبارات الكبيرة. أليس
.
هذا بالأمر المحزن قليلا؟ الآن بعد أن كبرت بما يكفي لأستعمل تلك العبارات كما يحلولي. لا شك أن للنضوج رونقه المميز، لكنه يا ماريلا ليس ذلك النوع من الرونق الذي كنت أتوقعه أمامي الآن الكثير مما يجب أن أتعلمه، وأنجزه، وأفكر به، وليس هناك متسع من الوقت لاستعمال العبارات الطنانة. كما أن الآنسة ستيمي تقول إن التعابير السهلة أقوى وأفضل، وهي تجعلنا نكتب مقالاتنا بأبسط لغة ممكنة. كان هذا صعبًا في البداية، لأني كنت معتادة على حشو كتاباتي بجميع الكلمات الكبيرة الرنانة التي تخطر ببالي، ولكني الآن تأقلمت بل

وأصبحت أرى أن هذا أحسن بكثير.

وماذا حل بنادي القصة؟ لم أسمعك تتحدثين عنه منذ وقت

طويل.

لم يعد لنادي القصة أي وجود ليس لدينا وقت له، وفي جميع الأحوال أظننا ستمناه في بعض الأحيان تطلب منا الأنسة ستيمي كتابة قصة لتقوية أساليبنا الإنشائية، ولكنها لا تدعنا نكتب أي شيء. بل فقط ما يمكن أن يحدث في أفونليا وفي حياتنا نحن. وهي تنتقد أعمالنا بقسوة، وتطلب منا أيضًا أن ننتقد أعمالنا. ما كنت أعرف يا ماريلاكم كانت مواضيعي مليئة بالأخطاء إلا عندما بدأت أبحث عنها بنفسي. وكاد خجلي يحرّضني على الاستسلام لكن الآنسة ستيمي

أخبرتني أني قادرة على إجادة فن الكتابة إذا دزيت نفسي لأكون أنا أكثر

نقاد أعمالي قسوة، وها أنا أحاول الآن.

لم يبق لديك الآن سوى شهرين قبل حلول الامتحان قالت
.
ماريلا أتشعرين أنك مستعدة له؟»

ارتعشت أن

«لا أعرف في بعض الأحيان يُخيل لي أني سأكون على ما يرام، ثم أصاب بذعر مباغت مخيف. لقد عملنا بجد، وقامت الآنسة ستيمي بتدريبنا تدريبا مكثفا، لكننا قد نفشل رغم ذلك لكل منا حجر عثرة يعترض طريقه. أنا أعاني من الهندسة طبعًا، وتعاني جين من اللاتينية وروبي وتشارلي من الجبر، وجوزي من الحساب. ويقول مودي سبرجيون إن هاجس رسوبه في مادة التاريخ الإنجليزي ينخر في عظامه. ستجري لنا الآنسة ستيسي امتحانا تجريبيا في شهر حزيران، وستجعله بصعوبة امتحان الدخول، وستصححه بقسوة بالغة. وبذلك نستطيع تكوين فكرة عن الامتحان الحقيقي رباه أتمنى لو ينتهي كل شيء بأسرع ما يمكن يا ماريلا. إن هاجس هذا الامتحان يلاحقني باستمرار، وفي بعض الأحيان أستيقظ في الليل وأتساءل عما سأفعله إذا لم أنجح

لا أهمية لهذا، يمكنك العودة إلى المدرسة في السنة القادمة

والمحاولة من جديد قالت ماريلا بلهجة مطمئنة.

لا أظنني أملك الجرأة على ذلك سيكون رسوبي مذلا، خصوصاً

إذا نجح غيل... بقية التلامذة ولا شيء يوترني أكثر من الامتحانات إلى

حد أنها تجعلني عُرضة لارتكاب الأخطاء. أتمنى لو كانت أعصابي مثل

أعصاب جين، فلا شيء يثيرها على الإطلاق

تنهدت آن وجرجرت عينيها بعيدًا عن سحر دنيا الربيع المضمخة بالنسيم والزرقة والنباتات الخضراء المشرئبة في الحديقة، ودفنت

رأسها في كتابها بجلد ومثابرة.

لا شك أنها ستنعم فيما بعد بأكثر من ربيع غير هذا الربيع، لكنها إذا رسبت في امتحان الدخول، فلن تتعافي أبدًا بالقدر الذي سيتيح لها فرصة الاستمتاع بأي ربيع