Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (40%)

ّ لا شك أن الإنسان اجتماعي بالفطرة وهي ضرورة لحياته،غرسها المـولى عـز وجـل فيـه حينمـا خلقـه، ولمـا هـبط آدم إلـى الأرض لـم
يهـبط وحـده بـل مـع زوجـه، قـال تعـالى: ﴿ۋٱۋٱۅٱٱۅۉ﴾ ]طـه:
،[١٢٣وقـــــال تعـــــالى: ﴿ٱٱٻٱٻٱٻٻ﴾ ]البقـــــرة: ،مقتضيات اجتماع البشر أن يتأثر بعضهم بأفكار بعض وسلوكهم،الحجـر علـى الفكـر أو التحـرز مـن تـأثير الأفكـار؛ وذلـك لأنهـا ليسـت مـادة
يمكن السيطرة عليها ومنعها عـن النـاس، وقـد حـاول البشـر ذلـك فلـم ولـن
ولقد طرأ على المجتمعات الإسلامية في عصور التأخر والتـخلف كثيـر
ً من الأفكار والمذاهب التي نشأت في المجتمعـات الغربيـة المتطـورة ماديـا؛٢٢٤
ً ممـا سـوغ كثيـرا مـن تلـك الأفكـار حتـى زعـم الـبعض أن سـر تطـور تلـك
وسعوا
جاهدين في تطبيق تلـك الأفكـار في المجتمعـات الإسـلامية ضـاربين عـرض
الحــائط بمــا لــدى المجتمعــات الإســلامية مــن نظــم وتشــريعات ســماوية
لكـنهم
كانوا في اندفاع لا يفسره إلا ما ذكره ابن خلدون في مقدمتـه مـن أن المغلـوب
ً مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسـائر أحوالـه وعوائـده،ً وذكر أن السبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقـد الكمـال فـيمن غلبهـا وانقـادت
إليه: إما لنظره بالكمال بما وقـر عنـدها مـن تعظـيم، أو لمـا تغـالط بـه مـن أن
انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالـب،١
ولأجل ذلك فإنـه لا يسـتغرب موقـف كثيـر مـن أبنـاء المسـلمين الـذين
حتـى أصـبح
ً كل ما جاءهم من قبل الغرب من الأفكار والمبادئ والنظريات مدعما ببأس
ً الحديد معززا بقوة الحجاج وشواهد ً العلم، أنزلـه
ذوو العقول الفاترة والعقليات المغلوبة -هؤلاء- منزلة الحقائق التي يجـب
الإيمان بها واسـتقر في سـويداء قلـوبهم - مـن حيـث لا يشـعرون- أن كـل مـا
يأتي من الغرب هو الحق وهو المقياس للصحة والصواب.هذا على الرغم من وجود كثير من التناقضات التي يبوء بها كاهل مـنهج
المواقف، وتناقض بين الأقوال والأعمال، الأمر الذي أربـك دعـاة التغريـب
في المجتمعــات الإســلامية - ً لاحقــا- لاســيما بعــد ظهــور زيــف كثيــر مــن
المبادئ والأفكار الغربية التي كان أولئك يدعون إليها ويبشـرون بهـا بصـورة
لأفغانستان، ٍّ ثم العراق بعـد ذلـك في تجـل واضـح ومصـادمة جليـة للمبـادئ
ومما تجدر الإشارة إليه هنا؛ موقـف أولئـك الـذين خـذلهم الغـرب مـن
خلال الممارسات التـي جـاءت مخالفـة لمـا كـان يبشـر بـه دعاتـه في العـالم؛لاسيما البلاد الإسلامية إذ تنوعت ردود أفعالهم على ثلاثة أشكال:
- فريق رجع عن تلك الأفكار وإن بقي معه شيء من لوثتها.العلمانية التي ترتدي ثوب الإيمان.الغربيين أنفسهم.ولعـل مــن أبــرز وأهـم التيـارات والمـذاهب الفكريـة المعاصــرة التـي
دخلت على المجتمعات الإسلامية وكان لها أثر بالغ فيها ما يلي:
بقولهـــا: تـــأتي كلمـــة علمانيـــة مـــن الكلمـــة الإنجليزيـــة Secularism٢٢٦
الحيـاة) ،١ويـذهب آخـرون إلـى أن العلمانيـة هـي الترجمـة العربيـة لكلمـة
Secwaritaفي اللغــات الأوروبيــة حيــث يقصــد بهــا:
ً إقامـة الحيـاة بعيـدا عـن الـدين أو الفصـل الكامـل بـين الـدين والحيـاة،تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية بأنهـا: حركـة اجتماعيـة تهـدف إلـى
صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها).٢
من خلال ما سبق يتضح ضعف التعبير الشائع عن العلمانية بأنهـا فصـل
والصواب أن يقال: فصل الدين عن الحيـاة،إقامة الحياة على غير الـدين، ولكنهـا تكـاد تلغيه؛كعلمانيـة
ـــ علمانيــة متطرفــة محاربــة للــدين، كعلمانيــة الشــيوعية والعلمانيــة
الإلحادية في العصر الحاضر.ولكن على الرغم مما بذله دعـاة المـنهج العلمـاني في العـالم الإسـلامي
إلا أنه واجه حملة كشفت حقيقته في العالم الإسلامي مما جعله غيـر مقبـول
عند عموم الشـعوب الإسـلامية لمعـرفتهم بحقيقتـه؛ً العلمانية إلى الخروج ببدعة جديدة وهي إعطـاء العلمانيـة زخمـا ً دينيـا لكـي
المؤمنة" التي يعرفونها بأنهـا: حريـة المعتقـد علـى الصـعيد الفـردي،ً بممارسة الشعائر الدينيـة جماعيـا لأي كيـان اجتمـاعي،ً متمتع ٍ ا بقدر واف من الاستقلالية عـن سـلطة الدولـة وهـي تعنـي مواطنـة بـلا
دين) ،١والمتأمل لهذا التعريف يجد أنه لا يقـدم أي جديـد،في قسمها الذي لا يحارب الدين، الجديد فقط: الاسم الـذي قـد يسـوغ عنـد
بعض العوام أو أشباه العوام قبول المنهج العلماني لأجل أنه ألحق به مسمى
إن كل من اطلع على فكـرة المـنهج العلمـاني يسـتطيع أن يـدرك أن هـذا
المـنهج مخـالف للإســلام،يصـادم الإسـلام، فالإسـلام ديـن شـمولي لا يقبـل بحـال مـن الأحـوال -في
إذ هم -العلمانيون- يحصـرون دور الـدين في علاقـة العبـد بربـه،ويرفضون أن يتعدى ذلك ليـنظم بـاقي منـاحي الحيـاة. (١جريدة الشرق الأوسط، عدد ،٩٠١٠الأربعاء ١٤٢٤/٥/١هـ،٢٢٨
في الغــرب في القــرن الثــامن عشــر؛هوليواكي وهو بريطاني ملحد؛ وذلـك عـام )١٨٤٦م( ، كمـا ظهـرت فكرتهـا
في الهند وحصلت على دعم كبير من الهندوسـيين، ففكـرة العلمانيـة مرتبطـة
بمحاولة إضعاف دور الدين في الحياة.ً ونظـرا لكـون العلمانيـة فكـرة غربيـة فقـد تبناهـا الغـرب وأصـبحت مـن
القضايا المسلم بها في الفكـر الغربـي السياسـي، ومـن ثـم في الفكـر السياسـي
العالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية،النظام السائد في كل دول العالم.ويمكن أن نخلص مما سبق إلى الأمور التالية:
- ُ العلمانية تعد منهج حياة يهدف إلى فصـل الـدين عـن الـدنيا أو يمكـن
الدين(.-العلمانية حديثة الوجود غربية الأصل، فرض وجودها ظروف عاشـها
العالم الغربـي تحـت ضـغط الكنيسـة التـي وظـف رجالهـا الـدين في الضـغط
على الناس واستعبادهم.فليس هناك رؤية واضحة ولا فكرة متفق عليها عندهم.العولمة في اللغـة: العولمـة تعنـي إكسـاب الشـيء طـابع العالميـة أو أنهـا٢٢٩
ً تصيير المحلي عالميا.أمـا تعريـف العولمـة وتوصـيفها العقلـي العملـي فهـو أمـر مختلـف فيـه
بشكل كبير حيث نجد أن البعض يحصرها في جانب أو جوانب مـن النشـاط
الإنســاني، فتجــد مــن يقصــرها علــى النشــاط الاجتمــاعي أو السياســي أو
والصـحيح هـو أن العولمـة في مـدلولها
ً الأعم الأشمل هو: صيرورة العالم واحدا، وهو ظاهر الدلالـة علـى محاولـة
صبغ العـالم بصـبغة واحـدة مـن خـلال توحيـد الـنظم والـرؤى والمنطلقـات
بحيـث تلغـى قضـايا التفـرد والخصوصـية الثقافيـة والسياسـية والاجتماعيـة
والاقتصادية،العولمة هـي التـداخل الواضـح لأمـور الاقتصـاد والاجتمـاع والسياسـة
والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحـدود السياسـية للـدول ذات السـيادة
أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية
ً فالعولمة ليست تعريف ً ا جامدا لحركة ثقافيـة فحسـب،ذلك بكثير؛المدلولات اللغوية المتصلة بها، بل ً العولمة مفهوم شمولي يذهب عميقـا في
جميـع الاتجاهـات لتوصـيف حركـة التغييـر في سـيرورتها المتصـلة، ولأجـل
ذلك فالأمر المهم في الموضوع هو فهـم كنـه العولمـة ومضـمونها،حركة تغييـر شـاملة مـن نـاحيتين: الناحيـة الأولـى أنهـا شـاملة للجميـع يعنـي
للعـالم كلـه لا منـاص لأي أحـد عنهـا، والناحيـة الأخـرى أنهـا شـاملة لكـل
جوانب الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها٢٣٠
العولمة أنها في حقيقتها إرادة للهيمنة من خلال القمع والقضاء على
إذن العالم ُ الواحد الذي يراد الوصول إليه هو المتمثل في
النموذج الغربي والذي يحقق مصالح الغرب، وهذا أمر ظاهر وواضح غاية
الوضوح وذلك أن العولمة تقتضي توحيد النظم والقيم وغيرها حسب
فالغرب هو الذي سيتولى تحديد معايير القيم ومواصفاتها،وهو الذي يوجه هذه العولمة، فإن هذه العولمة ستكون مصبوغة بالصبغة
ً الغربية فلسفة ونمط حياة،الحقيقة المعلنة التي تظهر في أطروحات مثقفي الغرب وصانعي القرار
فيهم، يقول أحدهم)» :(١يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويج
لقيمها وسعيها لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين،ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم، فإن أمتهم هي
وتحسينها وهي النموذج الأفضل للمستقبل، ويتعين على الأمريكيين أن
ودع غيرك يعيش" يعنيان التنحي،ً النزعة الانفصالية والصدوع الثقافية التي تقوض الاستقرار، ويمثل تهديدا
لصالح الولايات المتحدة وللسلام الإقليمي وللأسواق الأمريكية ولقدرة
الولايات المتحدة على القيادة؟ إن الإجابة هي نعم بالتأكيد، وهي كذلك
( ً ١هو ديفيد روشكويف أستاذ جامعي ومسؤول في حكومة كلنتون سابقا.سوف تكون مفصلة على ما يحقق مصالح تلك القوى ويحفظ لها موقعها
ُ المتفوق وريادتها الحضارية وي ً بقي عالم الضعفاء اتباعا مهمشين منجذبين
من أنفسهم أو بسلطان العولمة نحو التبعية لتلك القوى.عشر وعلى امتداد القرن العشرين من تطورات هائلة في مجـال التكنولوجيـا،الممكن القول: إن العالم أصـبح قريـة واحـدة، مـن خـلال سـهولة التواصـل
العالمي بانتقال الأفكار والمبادئ والقيم فض ًلا عن الأمور الماديـة المتعلقـة
بالاقتصاد وغير ذلك،العولمة من خلالها، والتي من أبرزها:
وهو الجانب الفكري والثقافي، الذي يهدف إلى إعادة بناء المنظومة الفكريـة
ّ والثقافية في العالم بما يتوافق مع فكر معـين،جوانبه ومناشطه الصحفية والكتب والمؤلفـات ومواقـع الإنترنـت والأفـلام
ً وغيرهـا اسـتطاعت أن تحقـق تقـدم ً ا رهيبـا في هـذا البـاب وهـو أمـر مشـاهد
ويكفي أن أشير هنا إلى ما تحققه أفلام هوليود
ً والغربي عموما وجعله النموذج المتميـز الـذي يسـتحق أن يسـار علـى نهجـه
عادت بصورتها الجديدة بعد أحـداث الحـادي عشـر مـن سـبتمبر في محاولـة
لإزالــة كــل مــا يعــترض طريــق العولمــة وتنصــيب مــن يســهم في امتــدادها
ويدعمها.ج - الضغوط الاقتصـادية والسياسـية والتهديـدات العسـكرية، وهـذا لا
إلـى غيـر
ذلك من الوسائل.تسود العالم ثقافة إنسانية تناسب كل الناس وتساعد على تعاونهم وتطورهم
والاسـتفادة مـن خـبرات بعضـهم مـن بعـض، بـل عـادت العولمـة أن تكـون
الأخــرى؛ ولعــل مــن أبرزهــا في الجوانــب
الاقتصادية والثقافية:
كمنظمة " الجات " وبعـدها منظمـة التجـارة العالميـة والمـؤتمرات الدوليـة
التي تعقدها كمؤتمر دافوس وغيـره ممـا كـان علـى نسـقه، وكلهـا تتجـه إلـى
تحريــر الأســواق وخصخصــة المؤسســات وانســحاب الدولــة مــن الــدعم
الاقتصـــادي للمؤسســـات الوطنيـــة، بـــل وانســـحابها حتـــى مـــن وظائفهـــا
وظـاهر في
ً اقتصـاديا علـى مـا سـواها،وتحويل شعوب الأرض سوى الأقوياء إلى مستهلكين فقط يعيشون عالـة -
والأمـر الـذي لا شـك فيـه أن السـبق والغلبـة ثـم الهيمنـة هـي للأقـوى
ً اقتصاديا، والاندحار ومن ث ً م الانهيـار مـن نصـيب الضـعفاء اقتصـاديا،يفسر لنا سبب الإلحاح المستمر من الغـرب، وبالـذات أمريكـا،دول العـالم نحـو الانخــراط في المنظومــة الاقتصــادية الغربيـة تحــت مظلــة
العولمة،والقيم والأفكار والمعايير والرموز والتعبيرات والإبداعات وأنمـاط العـيش
التي تشكل قوام حياة المجتمـع،صياغة ثقافة كونية شـاملة تغطـي مختلـف جوانـب النشـاط الإنسـاني،اتجـاه صـاعد يضـغط في سـبيل صـياغة نسـق ملـزم مـن القواعـد الأخلاقيـة
الكونية، التي تتوافـق بطبيعـة الحـال مـع نسـق الحيـاة والثقافـة الغربيـة حيـث
تســعى القــوى الغربيــة، وعلــى رأســها أمريكــا، إلــى إيهــام الشــعوب علــى
المستوى العـالمي والضـغط علـى الحكومـات بوجـوب الانتمـاء إلـى ثقافـة
وطمس الفروق الحضارية بين المجتمعات، مع الإيمان بـأن
ً الثقافة العالمية يجب أن تستمد مـن الثقافـة المركزيـة الغربيـة المهيمنـة نظـرا
الإدارات الإعلامية وشبكات المعلومات المتقدمة على المستوى العـالمي،في خضم ذلك ستجد الشعوب نفسها سائرة في فلكها دون اختيار.ولعل أبرز المخاطر الثقافية التي تواجهها شعوب الأرض التسلط علـى
هوية الشعوب للعبث بها أو إلغائها؛ ذلك أنه لا يـراد البقـاء إلا لهويـة واحـدة
ولأجل ذلك فقد سـخر العولمـة
لطمس المعـالم الشخصـية التـي تميـز كـل أمـة،بالشخصية الغربية،ومن شعب لشعب، وذلك على مقدار بعدها وقربهـا مـن الأسـس التـي تقـوم
عليها ثقافة الغرب وقيمه وتطلعاته.ً والمتأمل لكثير من المجتمعات الإسـلامية يجـد طمس ً ـا واقعـا في كثيـر مـن
معالم الشخصية الإسلامية، ولعـل مـن أبـرز ذلـك مـا يظهـر مـن الـزي واللبـاس
ثـم
ولا
شك أن ذلك، ً وإن كان يبدو أمـورا شـكلية، إلا ً أن التغييـر غالبـا مـا يبـدأ كـذلك؛والأمر الذي لا بد أن يتنبه له هو أن مخاطر العولمة على الهوية إنمـا هـي مقدمـة
لمخاطر أعظم على الدولة والوطن والثقافة والأمة؛ ً إذ هي تعني بلا شـك مزيـدا
ومـن
خـالف ذلـك أو لـم يسـتجب لـه فإنـه يجلـد بسـياط حقـوق الإنسـان، وحقـوق
المباشر للمتبنين للعولمة والتبعية المطلقة والضغط على الحكومات لأجلهم.من ليبر ) (Liberوتعني الحر، وهي تطلق الآن ويـراد بهـا حركـة أو مـذهب
والسبب في ذلك يرجع إلى عدم الثبات الذي يعاني منـه هـذا المـذهب،أمر يعترف به أربابه والدارسون له.ّ لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين، وجاء في
الموسوعة الحرة )ويكيبيديا(: »الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين، وكل
وتاريخ الليبرالية المشحون بالتجارب الليبرالية
المتنوعة والنتاج الثقافي المتمحور حول قيم الليبرالية كلها مراجع ليبرالية
ً لكن أي ً ا منها ليس مرجع ً ا ملزما، ومتى ألزم أو حاول الإلزام سقط من سجل
ٌ ولأجل ذلك نجد أن تحديد مفهـوم دقيـق لهـذا المصـطلح أمـر في غايـة
الصعوبة.ولو أردنا العودة لتاريخ هذا المذهب لعلنـا مـن معرفـة تاريخـه نسـتطيع
العظمى نحو ثلثي القرن التاسـع عشـر -القـرن الـذي بـرزت فيـه الليبراليـة -
Laissez Faire
ً موجهة أكثر رسـوخا مـن مجـرد حريـة العمـل،الاقتصادي على الرغم من النزعة الاجتماعية التي طرأت عليهـا؛ إذ تفـترض
١
أمـا مـن الناحيـة السياسـية -وكـذا الاجتماعيـة- فنظـرة الليبراليـة كانـت
وتنفـر مـن سـيطرة الـدين وأهلـه علـى نـواحي النشـاط الاجتمـاعي والتعلـيم
والسياسة.حيث إنها تعطي جملة من الحريـات السياسـية مثـل حريـة الترشـيح، وحريـة
التفكير والتعبير، وحرية الاجتماع،الضمانات المانعة من الاعتداء على الأفـراد وحريـاتهم مثـل ضـمان الاتهـام،ّ وعلـى الـرغم مـن صــعوبة تحديـد مفهـوم دقيـق لليبراليـة إلا أن هنـاك
»وقد دأب الليبراليون منذ لوك وفولتير على القول بـأن تقيـيم رأي اجتمـاعي
أو نظــام سياســي لا يتطلــب أكثــر مــن استرشــاد بمصــالح الإنســان ومهامــه
وميوله في الحياة الدنيا«).كما ترى الليبرالية مبدأ أولويـة الفـرد علـى الجماعـة، ويعـد هـذا الخـط
(١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل،٣٧ ، (٢أزمة الإنسان الحديث،الــرئيس للفكــر الليبرالـي الأمـر الـذي دفــع بعــض الليبراليـين إلــى تعريـف
المجتمـع باعتبـاره »مجموعـة مـن الأفـراد يسـعى كـل واحـد مـنهم لتحقيـق
ويطلـق علـى هـذا الـرأي المـذهب "الـذري" حيـث
ينظر للأفراد كذرات متنافرة بداخل المجتمع، وهذا التفكير يؤدي إلى فكـرة
يمكن لأحد أن يقف في طريقه، والنتيجة صراع لا نهاية له.-٢تنظر الليبرالية إلى العقائد الدينية والفلسفية على أنها أمـور شخصـية
قد تكون لها أهمية قصوى في خلاص الفرد وفهمه معنى الحياة،أن يكون لها أي قيمة سياسية في حد ذاتها.-٣ترى أن النزاع على السلطة هـو الحقيقـة الثابتـة في الحيـاة السياسـية، إلى )ج. ك. غولبريت" وتنطلق الفكـرة
من اعتقادهم أن المصدر الأكبر للظلم الاجتماعي هو احتكار السـلطة في يـد
جماعة واحدة سياسية أو اجتماعيـة أو دينيـة،لاتقاء قيام الظلم الاجتماعي هو أن توازن القوة بالقوة). (١الجوهر الليبرالي: فردانية القيم والتصورات، هبة رؤوف عـزت: )مقـال( )موقـع إسـلام
www. net أون لاين
تشارلز فرنكل: ص).-٤لا تعـترف الليبراليـة بمرجعيـة مقدسـة إذ تـرى أنهـا لـو قدسـت أحـد
رموزها إلى درجـة أن يتحـدث بلسـانها، أو قدسـت أحـد كتبـه إلـى درجـة أن
ً تعده المعبر الوحيد أو الأسـاس عنهـا لـم تصـبح ليبراليـة ولأصـبحت مـذهبا
ً منغلقا على نفسه.ما سبق يعطي الملامح الأوضح لهذا الفكـر المسـمى الليبراليـة،ً المطلع عليه وعلى أطروحات أربابه يلاحظ أمورا أهمها:
-١أن الفكر الليبرالي ينطلـق في بنيتـه الأساسـية مـن السـعي الحثيـث في
خلال قراءت ً ه قراءة نقدية؛١ولـذلك
حسنها الذي شهد به الأعداء وكثرتها وتعدد مجالاتها؛-٢الفكر الليبرالـي مـن اسـمه يلاحـظ أنـه منـتج غربـي كـان نتـاج واقـع
وهذا الفكر قد يكون أثمر في ذلـك
المجتمع وأدى نتائج مقبولة فهو متميز بالنسبة للمستفيدين منه، ولكن قد لا
(١انظر: هل للفكر العربي الحديث من فلسـفة، ماجـد صـالح السـامرائي، ) .awu-dam
orgمجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العـرب بدمشـق )عـدد ،٢١السـنة ،٨شـتاء
م٢٠٠٥٢٣٩
يكون كذلك لدى مجتمعات لم تستفد منه، بل لا تحتاج إليه أصـ ًلا، وهنـا لا
بد أن نشير إلى أن الفكر الليبرالي لـم يقـرأ قـراءة نقديـة ممـن أعجـب بـه مـن
الليبراليين العرب، بل أخذهم الإعجاب بالحضارة المادية الغربية فاعتقـدوا
القوم فركبوا موجة هذا الفكر دون وعي بمضامين -لـدى الـبعض- وحـاول
كمـا أن فئامـا ً مـنهم قـد ضـاقوا ذرعـا بمكانـة
فـرأوا أن وجـود مثـل هـذا
الفكر الذي يدعو إلى الحرية سبيل لتهمـيش الـدين ومـن ينتمـون أو يـدعون
ولـو أنهـم قـرؤوا هـذا الفكـر قـراءة نقديـة
لوجدوه ً خاليا من المقومات الأساسـية للـنظم الحقـة التـي تحمـل في طياتهـا
أبرز أسس البقاء والتي على رأسها الثبات والتوازن؛ لأن كـلا ً منهمـا
مسؤول عن ليبراليته وليس عـن ليبراليـة الآخـرين، كمـا أن تيـارات الليبراليـة
ً متنوعة فمنها ما ينحو منحى إيمانيا يكاد أن يعم جميع أفراد التيـار، ومنهـا مـا
ينحو علـى الضـد مـن ذلـك«) ، ً (١فهـل مبـدأ كهـذا يحمـل في مضـامينه نظامـا
أمـا التـوازن فظـاهر الشـطط في هـذا الفكـر الـذي يقـدس الفـرد ويجعلـه
ً المحور الذي يدور عليه مهمش ً ا المجتمع بل موجدا للعـداوة بـين المجتمـع
(١الموسوعة الحرة )ويكيبيديا .http: //ar. wikipedia. org٢٤٠
ً والفرد، فالليبرالية كانت دائما في الجانب الذي يدعو إلى التحرر مـن القيـود
ً التي تربط الناس ربط ً ا وثيقا بأي فئات اجتماعية، بمعنى أنهـم يسـعون لإلغـاء
أي سلطة يمكن أن تسيطر على الفرد) ،إذ لا ي ً ستقر المجتمـع بمثـل هـذه النزعـة الفرديـة ولا بضـدها، بـل بهمـا معـا،وسبق بيان شيء من ذلك.فبينمـا لا يقبـل الكثيـر مـن الليبراليـين بالحريـة المطلقـة،ستيوارت ميل إلى أن المسوغ الوحيد لممارسة القوة،أي عضو في المجتمع المتحضر والتي تكون ضد إرادته، ثـم نجـده يـذهب في رأي آخـر إلـى
أو
ويساويهما تماما بالرقابة التي تمنـع
الأفـراد مـن القـراءة أو الاسـتماع إلـى رأي مـا، بـل ويـدافع أصـحاب الفكـر
٢
ولا شك أن هذا من التضارب الذي يدل على وجود خلل في المنهجيـة التـي
يعتمد عليها أرباب هذا الفكر؛ (١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل: ص). (٢الجــوهر الليبرالــي، هبــة رؤوف عــزت: )مقــال( )موقــع إســلام أون لايــن .www
islamonline. net٢٤١
والحفاظ على ذاته.في المقابل ظهر في بلاد المسلمين بعـض التيـارات الفكريـة الغاليـة التـي هـي
امتداد لظاهرة الغلـو عنـد الفـرق القديمـة كـالخوارج، والجماعـات الحديثـة
الغاليــة كجماعــة التكفيــر والهجــرة، وقــد اخترقــت مــن قبــل المشــبوهين
قليلي الثقافـة
ً والتحصين الذين عندهم نزعة تدين وحب للخير حتى جيشوهم جنودا لهـم
المسلمين.ً والغلو هو مجاوزة الحد المشروع إفراط ً ا أو تفريطا.والتنطع في العبادة ومن ذلك:
٧٧فهذا التحذير وإن خوطب به أهل الكتاب إلا أن
من سبقهم من الأمم).١
وهذه الاستقامة ليست بحسب الأهواء أو اجتهادات البشر بل حددها
ثم أكد ذلك بالتحذير
ً إفراط ً ا أو تفريطا. -٤ومــن الأحاديــث مــا جــاء َع ْ ــن َأبِ ْ ــي ال َعالِ َي ِ ــة َق َ ــال َ : ق َ ــال ابْ ُ ــن َع َّب ٍ ــاس
لِ َ ي. ف َل َق ْط ُت َل ُه َح َص َي ٍ ات ُه َّ ـن َح َص ْ ـى ال َخ ْ ـذ ِف َ ، ف َل َّم َ ـا و َض ْ ـع ُت ُه َّن فِ َ ـي ي ِ ـد ِه َق َ ـال:
َوإِ َّي ُ اك ْم َو ْ ال ُغ ُل َّو فِ ِّ ي الد ِ ين َفإِ َّن َم َ ا أ ْه َل َك َم ْن َك َ ان َق ْب َل ُك ْم ْ ال ُغ ُل ُّ ـو فِـي
٢قـال ابـن تيميـة رحمـه االله: »وهـذا عـام في جميـع أنـواع الغلـو في
الاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيـه،مثل الرمي بالحجـارة الكبـار بنـاء علـى أنهـا أبلـغ مـن الصـغار، ثـم عللـه بمـا
٣٤/٦
(٢رواه أحمـــد قــي المســند ح: ،١٨٥١و النســائي ح: ،٣٠٠٧وابـــن ماجــة ح: ، وصـححه الألبـاني في حجـة النبـي صلى الله عليه وسلم ،٨١)٢٤٣
ً يقتضي مجانبة هديهم، أي هدي من كان قبلنا إبعادا عن الوقوع فيمـا هلكـوا
به، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك«). و َل ْ ـن
و َق ِ ـار ُب َ وا، و َأ ْب ِش ُ ـر َ وا، و ْ اس َ ـت ِعينُوا بِ ْ ال َغ ْ ـد َو ِة،َو َّ الر ْو َح ِة َ ، و َش ْي ٍء ِم ْن ُّ الد ْل َج ِ ـة)َ ،٤وقـد رأينـا ورأى النـاس
وعـدم الثبـات علـى الحـق، وهـذه
َ -٦ع ْن الأَ ْحنَ ِف َ بن ق ْي ٍس َع ْ ـن عبـد االلهِ بـن مسـعود ؓ،َر ُس ُ ــول االلهِ صلى الله عليه وسلم: ) َه َل َ ــك الْ ُم َتنَ ِّط ُع َ ــون، َق َ ال َه َ ــا ث ً لاثــا() ،٥قــال الإمــام النــووي:
»المتنطعـــون: المتعمقـــون،وأفعالهم«).فمـن خـلال هـذه الأدلـة القرآنيـة،المطهرة يتبـين بصـورة قاطعـة النهـي الصـريح عـن مجـاوزة الحـد،على َّ ما شرع االله جل وعلا، فكما أن التفريط فيما شـرع االله انحـراف، كـذلك
الزيادة عليه انحراف وخطر،دون إفراط أو تفريط. إضافة إلى ما تقدم من كونها ردة فعـل
كما تقدم الجهل بعقيدة أهل السنة والجماعـة
ـــ والجهــل بمقاصــد الشــريعة والســنة الربانيــة ومراتــب الأحكــام ومنــاهج
-٢الإعراض عن العلماء وعدم التلقي مـنهم والاسـتهانة بهـم والطعـن
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. -٣الغلو والتشدد والتعصب للـرأي والإعجـاب بـه، والاسـتعلاء علـى
الآخرين واحتقارهم والشعور بالكمـال والأفضـلية علـيهم،من القاعـدين الـذين رضـوا بـأن يكونـوا مـع الخوالـف. الـخ ممـا أدى إلـى
-٤الاضطراب النفسي والسلوكي وعدم التوازن والتركيـز علـى بعـض
وعــدم النظــر في عواقــب التصــرفات
ومآلاتهـا،حولها. والإحباط والبطالـة والفـراغ، مـع ثـورة الشـباب
غير المنضبطة والجنوح إلى العنف والقوة.والتساهل في الالتزام بأحكام الشريعة، مع ضـعف التربيـة والتحصـين، وقلـة
المحاضـن التربويـة المـؤثرة،الإعلام وغيره والمثيرة لغيرة الشباب الدينية وحماسته.إضافة إلى ما ترتـب علـى ذلـك مـن إزهـاق لـلأرواح، وتـدمير للممتلكـات،وإثــارة للفوضــى والخلافــات، وتشــويه لحقــائق الــدين وشــعائره العظيمــة
كالجهاد والتدين، وتعطيل كثير من المصالح الشـرعية والدنيويـة والطاقـات
البشرية، وتأخير عجلة التنميـة وخـدمات المجتمـع،ومـن المؤكـد أن هـذه الظـاهرة،الأمـة في الغـرب أو الشـرق، فممـا لا شـك فيـه أنهـم يسـتثمرونها ويوظفـون
المســلمين ليكونــوا عالــة علــيهم في حمايــة أمــنهم والرضــوخ لمطــالبهم
فهـل يعـي شـبابنا ذلـك فيحـذرون مكائـد الأعـداء ويكونـون
لبنات صالحة في مجتمعاتهم وأوطانهم يلتفون حول علمائهم وقادتهم وأهـل
مـا سـلف مـن الاتجاهـات والمـذاهب الفكريـة لا شـك أن لهـا ً وجـودا
وينتمي إلى ذلك الفكر بعض المسلمين، ومـنهم
ومعلــوم مــا تشــتمل عليــه تلــك الاتجاهــات
فهل يصح إطلاق الكفر على كل من انتسب لـذلك الفكـر سـواء أعلـن ذلـك
أم لم يعلنه؟ وهل يجوز تصنيف الناس لمجرد رأي أبـداه أو فكـرة طرحهـا؟
الجواب على ذلك في أمور:
ً أولا: مسألة تكفير المعين من المسائل الخطيرة التي لا يجوز للمـرء أن
يتكلم فيها إلا عن علم ّ وبصيرة ووفق ضوابط وقيود لا بد من مراعاتهـا،سبق الحديث عن ذلك في النقطة السابقة،الإيمان والكفر،لـو فعـل ممـا يشـرك أو يكفـر أو يلعـن فاعلـه لأن الحكـم بـذلك لـه أسـباب
إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبـق علـى الأشـخاص إلا
ثانيًا: ً قد يطرح البعض آراء أو أفكارا توافق بعض ما لدى العلمـانيين أو
الليبراليين أو غيرهم من رؤى وأفكار فلا يعني هذا أنـه ينتسـب إلـيهم، أو أن
يصنف معهم، أو يتبين مـن صـاحب المقـال، ولا يجـوز لـه بحـال مـن الأحـوال أن٢٤٧
٤٠١–
ً يشتغل بتصنيف الناس على الظن والهوى حتى لو كان بناء على دافع عقدي
ّ في حسبانه، بل لا بـد لـه أن يرجـع إلـى العلمـاء الموثـوقين فيمـا يشـكل عليـه
ليعرف وجه الحـق في المسـائل ّ وقائليهـا،


Original text

ّ لا شك أن الإنسان اجتماعي بالفطرة وهي ضرورة لحياته، وهذه طبيعة
غرسها المـولى عـز وجـل فيـه حينمـا خلقـه، ولمـا هـبط آدم إلـى الأرض لـم
يهـبط وحـده بـل مـع زوجـه، قـال تعـالى: ﴿ۋٱۋٱۅٱٱۅۉ﴾ ]طـه:
،[١٢٣وقـــــال تعـــــالى: ﴿ٱٱٻٱٻٱٻٻ﴾ ]البقـــــرة: ،[٣٨ومـــــن
مقتضيات اجتماع البشر أن يتأثر بعضهم بأفكار بعض وسلوكهم، فلا يمكـن
الحجـر علـى الفكـر أو التحـرز مـن تـأثير الأفكـار؛ وذلـك لأنهـا ليسـت مـادة
يمكن السيطرة عليها ومنعها عـن النـاس، وقـد حـاول البشـر ذلـك فلـم ولـن
ينجحوا.
ولقد طرأ على المجتمعات الإسلامية في عصور التأخر والتـخلف كثيـر
ً من الأفكار والمذاهب التي نشأت في المجتمعـات الغربيـة المتطـورة ماديـا؛٢٢٤


ً ممـا سـوغ كثيـرا مـن تلـك الأفكـار حتـى زعـم الـبعض أن سـر تطـور تلـك
المجتمعات المادي يرجع إلى ما يطبقونه من أفكار ونظم اجتماعية، وسعوا
جاهدين في تطبيق تلـك الأفكـار في المجتمعـات الإسـلامية ضـاربين عـرض
الحــائط بمــا لــدى المجتمعــات الإســلامية مــن نظــم وتشــريعات ســماوية
متكاملة تشمل جميـع منـاحي الحيـاة؛ لاسـيما الجانـب الاجتمـاعي، لكـنهم
كانوا في اندفاع لا يفسره إلا ما ذكره ابن خلدون في مقدمتـه مـن أن المغلـوب
ً مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسـائر أحوالـه وعوائـده،
ً وذكر أن السبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقـد الكمـال فـيمن غلبهـا وانقـادت
إليه: إما لنظره بالكمال بما وقـر عنـدها مـن تعظـيم، أو لمـا تغـالط بـه مـن أن
انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالـب، فـإذا كـان ذلـك انتحلـت
جميع مذاهب الغالب وتشبهت به).(١
ولأجل ذلك فإنـه لا يسـتغرب موقـف كثيـر مـن أبنـاء المسـلمين الـذين
أصيبوا بالهزيمة النفسية أمام التقـدم المـادي المـذهل للغـرب، حتـى أصـبح
ً كل ما جاءهم من قبل الغرب من الأفكار والمبادئ والنظريات مدعما ببأس
ً الحديد معززا بقوة الحجاج وشواهد ً العلم، ومزخرفـا بفـاتن الألـوان؛ أنزلـه
ذوو العقول الفاترة والعقليات المغلوبة -هؤلاء- منزلة الحقائق التي يجـب
الإيمان بها واسـتقر في سـويداء قلـوبهم - مـن حيـث لا يشـعرون- أن كـل مـا
يأتي من الغرب هو الحق وهو المقياس للصحة والصواب.
هذا على الرغم من وجود كثير من التناقضات التي يبوء بها كاهل مـنهج
الحضارة الغربيـة حيـث تنـاقض في الأفكـار، وتنـاقض في القـيم، وتنـاقض في
المواقف، وتناقض بين الأقوال والأعمال، الأمر الذي أربـك دعـاة التغريـب
في المجتمعــات الإســلامية - ً لاحقــا- لاســيما بعــد ظهــور زيــف كثيــر مــن
المبادئ والأفكار الغربية التي كان أولئك يدعون إليها ويبشـرون بهـا بصـورة
جليــة بعــد أحــداث الحــادي عشــر مــن ســبتمبر ومــا أعقبهــا مــن تــدمير
لأفغانستان، ٍّ ثم العراق بعـد ذلـك في تجـل واضـح ومصـادمة جليـة للمبـادئ
التي كان يدعو إليها ويبشر بها.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا؛ موقـف أولئـك الـذين خـذلهم الغـرب مـن
خلال الممارسات التـي جـاءت مخالفـة لمـا كـان يبشـر بـه دعاتـه في العـالم؛
لاسيما البلاد الإسلامية إذ تنوعت ردود أفعالهم على ثلاثة أشكال:



  • فريق رجع عن تلك الأفكار وإن بقي معه شيء من لوثتها.

  • وفريق حاول أن يؤسلم جملـة مـن تلـك الأفكـار والمبـادئ فظهـرت
    العلمانية التي ترتدي ثوب الإيمان.

  • ً وفريق استمر على غيه بل غلا وزاد فأصبح غربيـا في أفكـاره أكثـر مـن
    الغربيين أنفسهم.
    ولعـل مــن أبــرز وأهـم التيـارات والمـذاهب الفكريـة المعاصــرة التـي
    دخلت على المجتمعات الإسلامية وكان لها أثر بالغ فيها ما يلي:


تعرف "الموسوعة الحرة" على الشبكة العالميـة للمعلومـات العلمانيـة
بقولهـــا: تـــأتي كلمـــة علمانيـــة مـــن الكلمـــة الإنجليزيـــة Secularism٢٢٦


)ســـيكيولاريزم( وتعنـــى إقصـــاء الـــدين والمعتقــدات الدينيـــة عـــن أمـــور
الحيـاة) ،(١ويـذهب آخـرون إلـى أن العلمانيـة هـي الترجمـة العربيـة لكلمـة
] [Secularism, Secwaritaفي اللغــات الأوروبيــة حيــث يقصــد بهــا:
ً إقامـة الحيـاة بعيـدا عـن الـدين أو الفصـل الكامـل بـين الـدين والحيـاة، كمـا
تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية بأنهـا: حركـة اجتماعيـة تهـدف إلـى
صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها).(٢
من خلال ما سبق يتضح ضعف التعبير الشائع عن العلمانية بأنهـا فصـل
الـــدين عــن الدولــة إذ لا يعطــي المــدلول الكامــل والحقيقـــي للعلمانيــة
والصواب أن يقال: فصل الدين عن الحيـاة، فالعلمانيـة باختصـار تـدعو إلـى
إقامة الحياة على غير الـدين، وهـي تنقسـم في الواقـع التطبيقـي بعـد ظهورهـا
إلى قسمين:
ـ علمانية غير معادية للدين ولا قامعـة لـه، ولكنهـا تكـاد تلغيه؛كعلمانيـة
العالم الغربي.
ـــ علمانيــة متطرفــة محاربــة للــدين، كعلمانيــة الشــيوعية والعلمانيــة
الإلحادية في العصر الحاضر.
ولكن على الرغم مما بذله دعـاة المـنهج العلمـاني في العـالم الإسـلامي


إلا أنه واجه حملة كشفت حقيقته في العالم الإسلامي مما جعله غيـر مقبـول
عند عموم الشـعوب الإسـلامية لمعـرفتهم بحقيقتـه؛ الأمـر الـذي ألجـأ دعـاة
ً العلمانية إلى الخروج ببدعة جديدة وهي إعطـاء العلمانيـة زخمـا ً دينيـا لكـي
ً يمنحهـا قبـولا في المجتمعـات الإسـلامية فـأطلقوا مـا يسـمى بــ "العلمانيـة
المؤمنة" التي يعرفونها بأنهـا: حريـة المعتقـد علـى الصـعيد الفـردي، تسـمح
ً بممارسة الشعائر الدينيـة جماعيـا لأي كيـان اجتمـاعي، مهمـا صـغر أو كـبر،
ً متمتع ٍ ا بقدر واف من الاستقلالية عـن سـلطة الدولـة وهـي تعنـي مواطنـة بـلا
دين) ،(١والمتأمل لهذا التعريف يجد أنه لا يقـدم أي جديـد، فهـذه العلمانيـة
في قسمها الذي لا يحارب الدين، الجديد فقط: الاسم الـذي قـد يسـوغ عنـد
بعض العوام أو أشباه العوام قبول المنهج العلماني لأجل أنه ألحق به مسمى
)المؤمنة(.
إن كل من اطلع على فكـرة المـنهج العلمـاني يسـتطيع أن يـدرك أن هـذا
المـنهج مخـالف للإســلام، جملــة وتفصــي ًلا مهمــا حــاولوا إظهـاره بأنــه لا
يصـادم الإسـلام، فالإسـلام ديـن شـمولي لا يقبـل بحـال مـن الأحـوال -في
أصــوله وجــذوره ومرتكزاتــه- ذلــك الفصــل الــذي يمثــل العمــود الفقــري
للعلمانية؛ إذ هم -العلمانيون- يحصـرون دور الـدين في علاقـة العبـد بربـه،
ويرفضون أن يتعدى ذلك ليـنظم بـاقي منـاحي الحيـاة. وهـذا يخـالف مـنهج
الإسلام، وهو أمر يدركه مـن كـان لـه أدنـى بصـيرة ومعرفـة بحقيقـة الإسـلام
ً كدين جاء ليكون حاكما على الحياة في مختلف مناحيها وجوانبها.
) (١جريدة الشرق الأوسط، عدد ،٩٠١٠الأربعاء ١٤٢٤/٥/١هـ، غانم جواد.٢٢٨


ويكفي أن نعلم أن العلمانية ترتبط في ظهورها بعصر الثورة علـى الـدين
في الغــرب في القــرن الثــامن عشــر؛ وذلــك علــى يــد رجــل يعــرف بجــورج
هوليواكي وهو بريطاني ملحد؛ وذلـك عـام )١٨٤٦م( ، كمـا ظهـرت فكرتهـا
في الهند وحصلت على دعم كبير من الهندوسـيين، ففكـرة العلمانيـة مرتبطـة
بمحاولة إضعاف دور الدين في الحياة.
ً ونظـرا لكـون العلمانيـة فكـرة غربيـة فقـد تبناهـا الغـرب وأصـبحت مـن
القضايا المسلم بها في الفكـر الغربـي السياسـي، ومـن ثـم في الفكـر السياسـي
العالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية، ً وأصبح الضغط منصبا على جعلهـا
النظام السائد في كل دول العالم.
ويمكن أن نخلص مما سبق إلى الأمور التالية:



  • ُ العلمانية تعد منهج حياة يهدف إلى فصـل الـدين عـن الـدنيا أو يمكـن
    أن يقال عنها: إنها )إيديولوجيا-عقيدة- تشجع المدنيـة والمواطنـة وتـرفض
    الدين(.
    -العلمانية حديثة الوجود غربية الأصل، فرض وجودها ظروف عاشـها
    العالم الغربـي تحـت ضـغط الكنيسـة التـي وظـف رجالهـا الـدين في الضـغط
    على الناس واستعبادهم.
    -اضطراب تطبيقات العلمانية لدى المتبنين لها مـن العـالم الإسـلامي،
    فليس هناك رؤية واضحة ولا فكرة متفق عليها عندهم.


العولمة في اللغـة: العولمـة تعنـي إكسـاب الشـيء طـابع العالميـة أو أنهـا٢٢٩


ً تصيير المحلي عالميا.
أمـا تعريـف العولمـة وتوصـيفها العقلـي العملـي فهـو أمـر مختلـف فيـه
بشكل كبير حيث نجد أن البعض يحصرها في جانب أو جوانب مـن النشـاط
الإنســاني، فتجــد مــن يقصــرها علــى النشــاط الاجتمــاعي أو السياســي أو
الاقتصـادي أو التجـاري أو الثقـافي، والصـحيح هـو أن العولمـة في مـدلولها
ً الأعم الأشمل هو: صيرورة العالم واحدا، وهو ظاهر الدلالـة علـى محاولـة
صبغ العـالم بصـبغة واحـدة مـن خـلال توحيـد الـنظم والـرؤى والمنطلقـات
بحيـث تلغـى قضـايا التفـرد والخصوصـية الثقافيـة والسياسـية والاجتماعيـة
والاقتصادية، ً ويصبح العالم بمختلف تقسيماته عالم ً ا واحدا.
العولمة هـي التـداخل الواضـح لأمـور الاقتصـاد والاجتمـاع والسياسـة
والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحـدود السياسـية للـدول ذات السـيادة
أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية
ً فالعولمة ليست تعريف ً ا جامدا لحركة ثقافيـة فحسـب، بـل هـي أكـبر مـن
ذلك بكثير؛ ً فهي ليست مصطلح ً ا لغوي ً ا قاموسي ً ا جامدا يسهل تفسـيره بشـرح
المدلولات اللغوية المتصلة بها، بل ً العولمة مفهوم شمولي يذهب عميقـا في
جميـع الاتجاهـات لتوصـيف حركـة التغييـر في سـيرورتها المتصـلة، ولأجـل
ذلك فالأمر المهم في الموضوع هو فهـم كنـه العولمـة ومضـمونها، إذن فهـي
حركة تغييـر شـاملة مـن نـاحيتين: الناحيـة الأولـى أنهـا شـاملة للجميـع يعنـي
للعـالم كلـه لا منـاص لأي أحـد عنهـا، والناحيـة الأخـرى أنهـا شـاملة لكـل
جوانب الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها٢٣٠


هذا المفهوم وصل إليه جموع من المثقفين الغربيين وغيرهم ورأوا في
العولمة أنها في حقيقتها إرادة للهيمنة من خلال القمع والقضاء على
الخصوصي، إذن العالم ُ الواحد الذي يراد الوصول إليه هو المتمثل في
النموذج الغربي والذي يحقق مصالح الغرب، وهذا أمر ظاهر وواضح غاية
الوضوح وذلك أن العولمة تقتضي توحيد النظم والقيم وغيرها حسب
النظام الغربي. فالغرب هو الذي سيتولى تحديد معايير القيم ومواصفاتها،
وهو الذي يوجه هذه العولمة، فإن هذه العولمة ستكون مصبوغة بالصبغة
ً الغربية فلسفة ونمط حياة، وهذا القول ليس استنباطا فحسب بل هو
الحقيقة المعلنة التي تظهر في أطروحات مثقفي الغرب وصانعي القرار
فيهم، يقول أحدهم)» :(١يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويج
لقيمها وسعيها لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين، ينبغي على الأمريكيين ألا
ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم، فإن أمتهم هي
ً الأكثر عدلا ً والأكثر تسامح ً ا والأكثر حرصا على إعادة تقييم الذات
وتحسينها وهي النموذج الأفضل للمستقبل، ويتعين على الأمريكيين أن
يروجوا لرؤيتهم للعالم لأن الفشل في القيام بذلك أو تبني موقف "عش
ودع غيرك يعيش" يعنيان التنحي، فهل تبنى قادة أجانب كنماذج تشجع
ً النزعة الانفصالية والصدوع الثقافية التي تقوض الاستقرار، ويمثل تهديدا
لصالح الولايات المتحدة وللسلام الإقليمي وللأسواق الأمريكية ولقدرة
الولايات المتحدة على القيادة؟ إن الإجابة هي نعم بالتأكيد، وهي كذلك
) ( ً ١هو ديفيد روشكويف أستاذ جامعي ومسؤول في حكومة كلنتون سابقا.٢٣١
سوف تكون مفصلة على ما يحقق مصالح تلك القوى ويحفظ لها موقعها
ُ المتفوق وريادتها الحضارية وي ً بقي عالم الضعفاء اتباعا مهمشين منجذبين
من أنفسهم أو بسلطان العولمة نحو التبعية لتلك القوى.
ولعل من أبرز ما أسهم في فرض العولمة ما حدث في نهاية القرن التاسع
عشر وعلى امتداد القرن العشرين من تطورات هائلة في مجـال التكنولوجيـا،
لاســيما في مجــالي الاتصــالات والمواصــلات الدوليــة، حيــث أصــبح مــن
الممكن القول: إن العالم أصـبح قريـة واحـدة، مـن خـلال سـهولة التواصـل
العالمي بانتقال الأفكار والمبادئ والقيم فض ًلا عن الأمور الماديـة المتعلقـة
بالاقتصاد وغير ذلك، وهذا يجرنا إلى الحديث عن الوسائل التي يتم فـرض
العولمة من خلالها، والتي من أبرزها:
أ - الإعلام: فـالإعلام هـو الوسـيلة الأبـرز لاسـيما في الجانـب الأخطـر
وهو الجانب الفكري والثقافي، الذي يهدف إلى إعادة بناء المنظومة الفكريـة
ّ والثقافية في العالم بما يتوافق مع فكر معـين، ولا شـك أن الإعـلام بمختلـف
جوانبه ومناشطه الصحفية والكتب والمؤلفـات ومواقـع الإنترنـت والأفـلام
ً وغيرهـا اسـتطاعت أن تحقـق تقـدم ً ا رهيبـا في هـذا البـاب وهـو أمـر مشـاهد
وظاهر في جميع دول العالم، ويكفي أن أشير هنا إلى ما تحققه أفلام هوليود
الأمريكية من تـأثير بـالغ علـى عقليـات الشـباب في محاولـة إبـراز الأمريكـي
ً والغربي عموما وجعله النموذج المتميـز الـذي يسـتحق أن يسـار علـى نهجـه
ويقتفى أثره.
ب - الغزو والاحتلال والاسـتعمار: وهـي وسـيلة قديمـة حديثـة حيـث٢٣٢


عادت بصورتها الجديدة بعد أحـداث الحـادي عشـر مـن سـبتمبر في محاولـة
لإزالــة كــل مــا يعــترض طريــق العولمــة وتنصــيب مــن يســهم في امتــدادها
ويدعمها.
ج - الضغوط الاقتصـادية والسياسـية والتهديـدات العسـكرية، وهـذا لا
شك من الوسائل التي أتاحت فـرض توجـه واحـد وفكـرة واحـدة، إلـى غيـر
ذلك من الوسائل.
ّ ولا بد هنا أن نقول: إن العولمة لم تكن كما كان يرجـى لهـا وذلـك بـأن
تسود العالم ثقافة إنسانية تناسب كل الناس وتساعد على تعاونهم وتطورهم
والاسـتفادة مـن خـبرات بعضـهم مـن بعـض، بـل عـادت العولمـة أن تكـون
ً تغريبـا بسـبب هـذا التفـوق الغربـي وعـدم تسـامح حضـارته مـع الحضـارات
الأخــرى؛ ولــذا أفــرزت ســلبيات عظيمــة. ولعــل مــن أبرزهــا في الجوانــب
الاقتصادية والثقافية:
ً أولا: الاقتصاد: ارتبطت العولمة بالمؤتمرات والمنظمـات الاقتصـادية
كمنظمة " الجات " وبعـدها منظمـة التجـارة العالميـة والمـؤتمرات الدوليـة
التي تعقدها كمؤتمر دافوس وغيـره ممـا كـان علـى نسـقه، وكلهـا تتجـه إلـى
تحريــر الأســواق وخصخصــة المؤسســات وانســحاب الدولــة مــن الــدعم
الاقتصـــادي للمؤسســـات الوطنيـــة، بـــل وانســـحابها حتـــى مـــن وظائفهـــا
الاجتماعية المرتبطة بالجانب الاقتصـادي كالرعايـة الاجتماعيـة، وظـاهر في
تلك المنظمات والمؤتمرات سعيها الحثيث لفرض مصالح الـدول الأقـوى
ً اقتصـاديا علـى مـا سـواها، بـل وسـحق مـا سـواها لأجـل مصـالح الأقويـاء،٢٣٣


وتحويل شعوب الأرض سوى الأقوياء إلى مستهلكين فقط يعيشون عالـة -
في الجانب الصناعي- على الأقوياء.
والأمـر الـذي لا شـك فيـه أن السـبق والغلبـة ثـم الهيمنـة هـي للأقـوى
ً اقتصاديا، والاندحار ومن ث ً م الانهيـار مـن نصـيب الضـعفاء اقتصـاديا، وهـذا
يفسر لنا سبب الإلحاح المستمر من الغـرب، وبالـذات أمريكـا، علـى حشـد
دول العـالم نحـو الانخــراط في المنظومــة الاقتصــادية الغربيـة تحــت مظلــة
العولمة، والترهيب من التـخلف عن ذلك.
ثانيًا: الثقافة: المراد بالثقافة هنا هو ذلك الكـل المتجـانس والإبـداعات
والقيم والأفكار والمعايير والرموز والتعبيرات والإبداعات وأنمـاط العـيش
التي تشكل قوام حياة المجتمـع، وظـاهرة خطـورة العولمـة التـي تسـعى إلـى
صياغة ثقافة كونية شـاملة تغطـي مختلـف جوانـب النشـاط الإنسـاني، فهنـاك
اتجـاه صـاعد يضـغط في سـبيل صـياغة نسـق ملـزم مـن القواعـد الأخلاقيـة
الكونية، التي تتوافـق بطبيعـة الحـال مـع نسـق الحيـاة والثقافـة الغربيـة حيـث
تســعى القــوى الغربيــة، وعلــى رأســها أمريكــا، إلــى إيهــام الشــعوب علــى
المستوى العـالمي والضـغط علـى الحكومـات بوجـوب الانتمـاء إلـى ثقافـة
عالمية واحدة، وطمس الفروق الحضارية بين المجتمعات، مع الإيمان بـأن
ً الثقافة العالمية يجب أن تستمد مـن الثقافـة المركزيـة الغربيـة المهيمنـة نظـرا
لتفوقهــا التكنولــوجي الهائــل وتعاظمهــا الاقتصــادي وامتلاكهــا لمعظــم
الإدارات الإعلامية وشبكات المعلومات المتقدمة على المستوى العـالمي،
في خضم ذلك ستجد الشعوب نفسها سائرة في فلكها دون اختيار.٢٣٤


ولعل أبرز المخاطر الثقافية التي تواجهها شعوب الأرض التسلط علـى
هوية الشعوب للعبث بها أو إلغائها؛ ذلك أنه لا يـراد البقـاء إلا لهويـة واحـدة
وهي هوية القوى الذي لا يريد أي مقاومة، ولأجل ذلك فقد سـخر العولمـة
لطمس المعـالم الشخصـية التـي تميـز كـل أمـة، َ ثـم مـاذا؟ ثـم ص ْ ـب ُغ الجميـع
بالشخصية الغربية، ثم التبعية الكاملة للغرب، والضرر يتفاوت من أمـة لأمـة
ومن شعب لشعب، وذلك على مقدار بعدها وقربهـا مـن الأسـس التـي تقـوم
عليها ثقافة الغرب وقيمه وتطلعاته.
ً والمتأمل لكثير من المجتمعات الإسـلامية يجـد طمس ً ـا واقعـا في كثيـر مـن
معالم الشخصية الإسلامية، ولعـل مـن أبـرز ذلـك مـا يظهـر مـن الـزي واللبـاس
الذي أصبح يلفظ المحلي ويتجه بقـوة نحـو الغربـي لاسـيما لـدى الشـباب، ثـم
اللغة التي ضـعف الاهتمـام بهـا في مقابـل العنايـة الفائقـة باللغـة الإنجليزيـة، ولا
شك أن ذلك، ً وإن كان يبدو أمـورا شـكلية، إلا ً أن التغييـر غالبـا مـا يبـدأ كـذلك؛
والأمر الذي لا بد أن يتنبه له هو أن مخاطر العولمة على الهوية إنمـا هـي مقدمـة
لمخاطر أعظم على الدولة والوطن والثقافة والأمة؛ ً إذ هي تعني بلا شـك مزيـدا
ً من تبعية الأطراف للمركز تجميع ً ا لقوى المركز وتفتيتـا لقـوى الأطـراف، ومـن
خـالف ذلـك أو لـم يسـتجب لـه فإنـه يجلـد بسـياط حقـوق الإنسـان، وحقـوق
الأقليـات والحريـات الدينيـة وحقـوق المـرأة بـل يتجـاوز الأمــر ذلـك للـدعم
المباشر للمتبنين للعولمة والتبعية المطلقة والضغط على الحكومات لأجلهم.


هي كلمة أعجمية وليست عربية، ترجع إلى اللغة اللاتينية وهـي مشـتقة٢٣٥


من ليبر ) (Liberوتعني الحر، وهي تطلق الآن ويـراد بهـا حركـة أو مـذهب
لـه فكـر معـين ً لا نسـتطيع أن نحـدد لـه تعريف ًـا دقيقـا يمثـل مفهـوم الليبراليـة،
والسبب في ذلك يرجع إلى عدم الثبات الذي يعاني منـه هـذا المـذهب، وهـو
أمر يعترف به أربابه والدارسون له.
جاء في الموسوعة العربية العالمية: » ً وتعتبر الليبرالية مصطلح ً ا غامضا
ّ لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين، وجاء في
الموسوعة الحرة )ويكيبيديا(: »الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين، وكل
ليبرالي فهو مرجع ليبراليته، وتاريخ الليبرالية المشحون بالتجارب الليبرالية
المتنوعة والنتاج الثقافي المتمحور حول قيم الليبرالية كلها مراجع ليبرالية
ً لكن أي ً ا منها ليس مرجع ً ا ملزما، ومتى ألزم أو حاول الإلزام سقط من سجل
التراث الليبرالي.
ٌ ولأجل ذلك نجد أن تحديد مفهـوم دقيـق لهـذا المصـطلح أمـر في غايـة
الصعوبة.
ولو أردنا العودة لتاريخ هذا المذهب لعلنـا مـن معرفـة تاريخـه نسـتطيع
أن نستوضح معالمه لقلنا: إن الليبرالية ظلت في الولايات المتحدة وبريطانيـا
العظمى نحو ثلثي القرن التاسـع عشـر -القـرن الـذي بـرزت فيـه الليبراليـة -
تعني اعتناق المذهب الاقتصادي القائل بحرية العمل )،(Laissez Faire
ثـم تطـورت مـع مـرور الوقـت وأصـبحت تحمـل مبـادئ مرشـدة ومواقـف
ً موجهة أكثر رسـوخا مـن مجـرد حريـة العمـل، لكنهـا لـم تبعـد عـن المجـال
الاقتصادي على الرغم من النزعة الاجتماعية التي طرأت عليهـا؛ إذ تفـترض
ً الليبرالية دائما أن زيادة الرفاهية المادية، وإن لم تكن تضمن الفضـيلة ً دائمـا،٢٣٦


إلا أنها تزيل السبب الأصلي للرذيلة).(١
أمـا مـن الناحيـة السياسـية -وكـذا الاجتماعيـة- فنظـرة الليبراليـة كانـت
ً دوما لها نظرة علمانية، وهي تدعم بشكل قوي فصل الدين عـن الدولـة، بـل
وتنفـر مـن سـيطرة الـدين وأهلـه علـى نـواحي النشـاط الاجتمـاعي والتعلـيم
والسياسة.
ولعل من أبرز نتاج الفكر الليبرالي في المجال السياسي "الديمقراطيـة"
حيث إنها تعطي جملة من الحريـات السياسـية مثـل حريـة الترشـيح، وحريـة
التفكير والتعبير، وحرية الاجتماع، وحرية الاحتجاج، كما تعطي جملـة مـن
الضمانات المانعة من الاعتداء على الأفـراد وحريـاتهم مثـل ضـمان الاتهـام،
وضمان التحقيق، وضمان التنفيذ، وضمان الدفاع.
ّ وعلـى الـرغم مـن صــعوبة تحديـد مفهـوم دقيـق لليبراليـة إلا أن هنـاك
ً جوهر ً ا أساسيا يتفق عليه جميع الليبراليين يتكون من عناصر أهمها:
-١أن الفرد هو الأساس، ومـن هـذا الفـرد وحولـه تـدور فلسـفة الحيـاة
برمتها وتنبع القيم ال ً تي تحدد الفكر والسـلوك معـا يقـول "تشـارلز فرنكـل":
»وقد دأب الليبراليون منذ لوك وفولتير على القول بـأن تقيـيم رأي اجتمـاعي
أو نظــام سياســي لا يتطلــب أكثــر مــن استرشــاد بمصــالح الإنســان ومهامــه
وميوله في الحياة الدنيا«).(٢
كما ترى الليبرالية مبدأ أولويـة الفـرد علـى الجماعـة، ويعـد هـذا الخـط
) (١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل، ترجمة: نقولا زيادة: ص).(٣٧ ،٣٦
) (٢أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل، ترجمة: نقولا زيادة: ص).(٣٧٢٣٧


الــرئيس للفكــر الليبرالـي الأمـر الـذي دفــع بعــض الليبراليـين إلــى تعريـف
المجتمـع باعتبـاره »مجموعـة مـن الأفـراد يسـعى كـل واحـد مـنهم لتحقيـق
مصـالحه واحتياجاتـه«، ويطلـق علـى هـذا الـرأي المـذهب "الـذري" حيـث
ينظر للأفراد كذرات متنافرة بداخل المجتمع، وهذا التفكير يؤدي إلى فكـرة
مؤداهـا أنـه لا وجـود للمجتمـع بـل هـو متــخيل فهـو مجموعـة مـن الأفـراد
ً المكتفين ذاتيا) ،(١أو قد يقال: إنـه فكـر يحمـل أكـبر حـالات الصـراع الكـل
ضد الكل، فالفرد كل فرد يسعى لتحقيق مصالحه واحتياجاتـه، ويـرى أنـه لا
يمكن لأحد أن يقف في طريقه، والنتيجة صراع لا نهاية له.
-٢تنظر الليبرالية إلى العقائد الدينية والفلسفية على أنها أمـور شخصـية
قد تكون لها أهمية قصوى في خلاص الفرد وفهمه معنى الحياة، ولكـن دون
أن يكون لها أي قيمة سياسية في حد ذاتها.
-٣ترى أن النزاع على السلطة هـو الحقيقـة الثابتـة في الحيـاة السياسـية،
وقـد طـرح هـذا عـدد كبيـر مـن الكتـاب الليبراليـين مـن "جـون لـوك"، إلـى
"جيمس مل"، إلى "برتراند رسل"، إلى )ج. ك. غولبريت" وتنطلق الفكـرة
من اعتقادهم أن المصدر الأكبر للظلم الاجتماعي هو احتكار السـلطة في يـد
جماعة واحدة سياسية أو اجتماعيـة أو دينيـة، والسـبيل الوحيـد في نظـرهم -
لاتقاء قيام الظلم الاجتماعي هو أن توازن القوة بالقوة).(٢
) (١الجوهر الليبرالي: فردانية القيم والتصورات، هبة رؤوف عـزت: )مقـال( )موقـع إسـلام
.(www. islamonline. net أون لاين
) (٢أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل: ص).(٣٧٢٣٨


-٤لا تعـترف الليبراليـة بمرجعيـة مقدسـة إذ تـرى أنهـا لـو قدسـت أحـد
رموزها إلى درجـة أن يتحـدث بلسـانها، أو قدسـت أحـد كتبـه إلـى درجـة أن
ً تعده المعبر الوحيد أو الأسـاس عنهـا لـم تصـبح ليبراليـة ولأصـبحت مـذهبا
ً منغلقا على نفسه.
ما سبق يعطي الملامح الأوضح لهذا الفكـر المسـمى الليبراليـة، ولعـل
ً المطلع عليه وعلى أطروحات أربابه يلاحظ أمورا أهمها:
-١أن الفكر الليبرالي ينطلـق في بنيتـه الأساسـية مـن السـعي الحثيـث في
محاولة معرفة الآخـر مـن خـلال مـا قدمـه هـذا الآخـر عـن نفسـه ولـيس مـن
خلال قراءت ً ه قراءة نقدية؛ متجاوزا الأهم والأولى وهو معرفة الذات بجميـع
خصائصها ومميزاتها، بل متجاهلا ً ً لها متجـاوزا إياهـا عـن عمـد) ،(١ولـذلك
نجد الأطروحات الليبرالية فيها من التمجيـد والتعظـيم والإجـلال لنظريـات
لا ترتقي لما يوجـد مـن أنظمـة في الشـريعة الإسـلامية التـي علـى الـرغم مـن
حسنها الذي شهد به الأعداء وكثرتها وتعدد مجالاتها؛ لم تلفـت نظـر هـؤلاء
ولم يعنوا بها كعنايتهم بما يطرح في الغرب من أفكار لا ثبات لها ولا اتزان.
-٢الفكر الليبرالـي مـن اسـمه يلاحـظ أنـه منـتج غربـي كـان نتـاج واقـع
عاشه المجتمع الذي ظهر فيه هذا الفكر، وهذا الفكر قد يكون أثمر في ذلـك
المجتمع وأدى نتائج مقبولة فهو متميز بالنسبة للمستفيدين منه، ولكن قد لا
) (١انظر: هل للفكر العربي الحديث من فلسـفة، ماجـد صـالح السـامرائي، ) .awu-dam
) orgمجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العـرب بدمشـق )عـدد ،٢١السـنة ،٨شـتاء
.(م٢٠٠٥٢٣٩


يكون كذلك لدى مجتمعات لم تستفد منه، بل لا تحتاج إليه أصـ ًلا، وهنـا لا
بد أن نشير إلى أن الفكر الليبرالي لـم يقـرأ قـراءة نقديـة ممـن أعجـب بـه مـن
الليبراليين العرب، بل أخذهم الإعجاب بالحضارة المادية الغربية فاعتقـدوا
أن الرقي بمجتمعاتهم لا يكون إلا بسلوك نفس الطريق والنسـج علـى منـوال
القوم فركبوا موجة هذا الفكر دون وعي بمضامين -لـدى الـبعض- وحـاول
ً غرسه في المجتمعـات العربيـة، كمـا أن فئامـا ً مـنهم قـد ضـاقوا ذرعـا بمكانـة
الـدين لـدى المجتمعـات العربيـة وإقبـالهم عليـه؛ فـرأوا أن وجـود مثـل هـذا
الفكر الذي يدعو إلى الحرية سبيل لتهمـيش الـدين ومـن ينتمـون أو يـدعون
إليـه فكانـت عنـايتهم بهـذا الفكـر؛ ولـو أنهـم قـرؤوا هـذا الفكـر قـراءة نقديـة
لوجدوه ً خاليا من المقومات الأساسـية للـنظم الحقـة التـي تحمـل في طياتهـا
أبرز أسس البقاء والتي على رأسها الثبات والتوازن؛ إذ هي منـتج بشـري ولا
يمكـن لأي منـتج بشـري أن يحمـل الثبـات؛ ولـذا نجـد أربـاب هـذا الفكـر
يعترفون بعدم ثباته »الليبرالية تكاد تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع مـن يتمثلونهـا،
لا ً يمكن أن أحاسب ليبراليا ما بقـول يقـول بـه ليبرالـي آخـر؛ لأن كـلا ً منهمـا
مسؤول عن ليبراليته وليس عـن ليبراليـة الآخـرين، كمـا أن تيـارات الليبراليـة
ً متنوعة فمنها ما ينحو منحى إيمانيا يكاد أن يعم جميع أفراد التيـار، ومنهـا مـا
ينحو علـى الضـد مـن ذلـك«) ، ً (١فهـل مبـدأ كهـذا يحمـل في مضـامينه نظامـا
يمكن أن يسير عليه مجتمع ما.
أمـا التـوازن فظـاهر الشـطط في هـذا الفكـر الـذي يقـدس الفـرد ويجعلـه
ً المحور الذي يدور عليه مهمش ً ا المجتمع بل موجدا للعـداوة بـين المجتمـع
) (١الموسوعة الحرة )ويكيبيديا .(http: //ar. wikipedia. org٢٤٠
٤٠١–
ً والفرد، فالليبرالية كانت دائما في الجانب الذي يدعو إلى التحرر مـن القيـود
ً التي تربط الناس ربط ً ا وثيقا بأي فئات اجتماعية، بمعنى أنهـم يسـعون لإلغـاء
أي سلطة يمكن أن تسيطر على الفرد) ، ّ (١وهذا أمر لا شـك مـدمر للمجتمـع
إذ لا ي ً ستقر المجتمـع بمثـل هـذه النزعـة الفرديـة ولا بضـدها، بـل بهمـا معـا،
وسبق بيان شيء من ذلك.
-٣تضـارب آراء مفكـريهم في أسـاس الفكـر الليبرالـي وهـي الحريـة،
فبينمـا لا يقبـل الكثيـر مـن الليبراليـين بالحريـة المطلقـة، بـل يـذهب جـون
ستيوارت ميل إلى أن المسوغ الوحيد لممارسة القوة، بشـكل صـحيح تجـاه
أي عضو في المجتمع المتحضر والتي تكون ضد إرادته، هو منع الضرر عـن
الآخرين بمعنـى أنـه هنـا يسـلب الحريـة، ثـم نجـده يـذهب في رأي آخـر إلـى
رفض أي قيود تفرض على الفرد لمنعه من ً تدمير نفسه جسماني ً ا أو أخلاقيـا،
وبهذا يرفض القوانين التي تجبر سائقي العربات على ربـط حـزام الأمـان، أو
ً سائقي الدراجات النارية ارتداء الخوذة، ويساويهما تماما بالرقابة التي تمنـع
الأفـراد مـن القـراءة أو الاسـتماع إلـى رأي مـا، بـل ويـدافع أصـحاب الفكـر
التحرري المتطرف عن حق الفرد ما يشاء بما في ذلك تناول المخـدرات)،(٢
ولا شك أن هذا من التضارب الذي يدل على وجود خلل في المنهجيـة التـي
يعتمد عليها أرباب هذا الفكر؛ إذ كيف يتم فرض حماية الآخر من الفرد ولا
) (١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل: ص).(٣٨-٣٧
) (٢الجــوهر الليبرالــي، هبــة رؤوف عــزت: )مقــال( )موقــع إســلام أون لايــن .www
.(islamonline. net٢٤١


يتم حماية الفرد من نفسه بمعنى كيف لفكر يعظم الفرد ألا يسعى في حمايتـه
والحفاظ على ذاته.


في مقابل تلك التيارات الفكرية ذات الامتداد الإيديولوجي الغربي فإنـه
في المقابل ظهر في بلاد المسلمين بعـض التيـارات الفكريـة الغاليـة التـي هـي
امتداد لظاهرة الغلـو عنـد الفـرق القديمـة كـالخوارج، والجماعـات الحديثـة
الغاليــة كجماعــة التكفيــر والهجــرة، وقــد اخترقــت مــن قبــل المشــبوهين
والعملاء ووقع في شباكهم وتأثر بشبهاتهم بعض الشباب الغر، قليلي الثقافـة
ً والتحصين الذين عندهم نزعة تدين وحب للخير حتى جيشوهم جنودا لهـم
ينفـذون أهـدافهم بغيـر وعـي ولا بصـيرة مـن قتـل وتفجيـر وتـدمير في بـلاد
المسلمين.
ً والغلو هو مجاوزة الحد المشروع إفراط ً ا أو تفريطا.
وقد جاءت الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة في النهي عن الغلـو
والتنطع في العبادة ومن ذلك:


ٹ﴾ ]المائدة: .[٧٧فهذا التحذير وإن خوطب به أهل الكتاب إلا أن
ً المقصود به المسلمون أيضا حتى يجتنبوا موجبات الغضب التي وقع فيها
من سبقهم من الأمم).(١
-٣وقوله تعالى: ﴿ڈٱژٱژٱڑٱڑٱکٱکٱکک ٱگٱگٱ
گٱگ﴾ ]هود: ،[١١٢فالآية نص صريح على الأمر بالاستقامة،
وهذه الاستقامة ليست بحسب الأهواء أو اجتهادات البشر بل حددها
الشارع بأن تكون )كما أمرت( أي كما أمر االله تعالى. ثم أكد ذلك بالتحذير
مما يقابل الاستقامة وهو الطغيان )ولا تطغوا( والطغيان مجاوزة الحد
ً إفراط ً ا أو تفريطا.
-٤ومــن الأحاديــث مــا جــاء َع ْ ــن َأبِ ْ ــي ال َعالِ َي ِ ــة َق َ ــال َ : ق َ ــال ابْ ُ ــن َع َّب ٍ ــاس
¶، َق َ ال لِ َ ي ر ُس ُ ول االلهِ صلى الله عليه وسلم َغ َد َ اة ْ ال َع َق َب ِة َو ُه َو َع َل َ ـى ر ِ اح َلتِ ِ ـه: ) َه ِ ـات ْ ال ُق ْ ـط
لِ َ ي. ف َل َق ْط ُت َل ُه َح َص َي ٍ ات ُه َّ ـن َح َص ْ ـى ال َخ ْ ـذ ِف َ ، ف َل َّم َ ـا و َض ْ ـع ُت ُه َّن فِ َ ـي ي ِ ـد ِه َق َ ـال:
بِ َأ ْم َث ِ ال َه ُؤ ِ لاء، َوإِ َّي ُ اك ْم َو ْ ال ُغ ُل َّو فِ ِّ ي الد ِ ين َفإِ َّن َم َ ا أ ْه َل َك َم ْن َك َ ان َق ْب َل ُك ْم ْ ال ُغ ُل ُّ ـو فِـي
ِّ الـد ِ ين() ،(٢قـال ابـن تيميـة رحمـه االله: »وهـذا عـام في جميـع أنـواع الغلـو في
الاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيـه،
مثل الرمي بالحجـارة الكبـار بنـاء علـى أنهـا أبلـغ مـن الصـغار، ثـم عللـه بمـا
) (١تفسير الطبري ).(٣٤/٦
) (٢رواه أحمـــد قــي المســند ح: ،١٨٥١و النســائي ح: ،٣٠٠٧وابـــن ماجــة ح: ،٣٠٢٩
والحاكم في المستدرك ٦٣٧ /١وصـححه، وصـححه الألبـاني في حجـة النبـي صلى الله عليه وسلم ، ص:
.(٨١)٢٤٣


ً يقتضي مجانبة هديهم، أي هدي من كان قبلنا إبعادا عن الوقوع فيمـا هلكـوا
به، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك«).(١
َ -٥ع ْن َأبِ ُ ي ه َر ْي َر َة ؓ َع ْ ـن النَّبِ ِّ ـي صلى الله عليه وسلم َق َ ـال: )إِ َّن ِّ الـد َ ين ُي ْس ٌ ـر َ ، و َل ْ ـن
ُي َش َّ اد ِّ الد َ ين َأ َح ٌد َ إلا غ َل َب َ ـه، ف َس ِّ ـد ُد َ وا، و َق ِ ـار ُب َ وا، و َأ ْب ِش ُ ـر َ وا، و ْ اس َ ـت ِعينُوا بِ ْ ال َغ ْ ـد َو ِة،
َو َّ الر ْو َح ِة َ ، و َش ْي ٍء ِم ْن ُّ الد ْل َج ِ ـة)َ ،(٣)((٢و ْ ال َم ْعنَـى لا يتشـدد َأ َحـد فِـي الأَ ْع َمـال
ِّ الدينِ َّي َـة و َي ْت ُـر ِّ ك الر ْفـق إِ َ لا ع َج َـز َو ْ ان َق َط َـع َف ُي ْغ َلـب) ،(٤وقـد رأينـا ورأى النـاس
عواقب الغلو والتشدد، من تـرك الالتـزام، وعـدم الثبـات علـى الحـق، وهـذه
من دلائل النبوة المشاهدة على مر العصور.
َ -٦ع ْن الأَ ْحنَ ِف َ بن ق ْي ٍس َع ْ ـن عبـد االلهِ بـن مسـعود ؓ، َق َ ـال َ : ق َ ـال
َر ُس ُ ــول االلهِ صلى الله عليه وسلم: ) َه َل َ ــك الْ ُم َتنَ ِّط ُع َ ــون، َق َ ال َه َ ــا ث ً لاثــا() ،(٥قــال الإمــام النــووي:
»المتنطعـــون: المتعمقـــون، المغـــالون المجـــاوزون الحـــدود في أقـــوالهم
وأفعالهم«).(٦
فمـن خـلال هـذه الأدلـة القرآنيـة، ومـا جـاء مـن بيـان إضـافي في السـنة
المطهرة يتبـين بصـورة قاطعـة النهـي الصـريح عـن مجـاوزة الحـد، والزيـادة


على َّ ما شرع االله جل وعلا، فكما أن التفريط فيما شـرع االله انحـراف، كـذلك
الزيادة عليه انحراف وخطر، وأن الهداية في الاسـتقامة علـى الكتـاب والسـنة
دون إفراط أو تفريط.
وكان لهذه الظاهرة من الأسباب، إضافة إلى ما تقدم من كونها ردة فعـل
للتيــارات التغريبيــة الآنــف ذكرهــا ومــا تبثــه مــن فســاد وانحــلال في بــلاد
المسلمين، أسباب أخرى من أهمها:
-١الجهـل بالـدين: ويشـمل الجهـل بالكتـاب والسـنة ومـنهج السـلف
الصالح في النظر والاستدلال. كما تقدم الجهل بعقيدة أهل السنة والجماعـة
ـــ والجهــل بمقاصــد الشــريعة والســنة الربانيــة ومراتــب الأحكــام ومنــاهج
الاستدلال والجمع بين الأدلة.
-٢الإعراض عن العلماء وعدم التلقي مـنهم والاسـتهانة بهـم والطعـن
فيهم، واتـخاذ رؤوس جهال مـنهم يفتـون بغيـر علـم )فضـلوا وأضـلوا( كمـا
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
-٣الغلو والتشدد والتعصب للـرأي والإعجـاب بـه، والاسـتعلاء علـى
الآخرين واحتقارهم والشعور بالكمـال والأفضـلية علـيهم، فهـم في زعمهـم
من القاعـدين الـذين رضـوا بـأن يكونـوا مـع الخوالـف... الـخ ممـا أدى إلـى
القول بتكفير المجتمعات وعلمائها وقياداتها وسوء الظن بالمسلمين.
-٤الاضطراب النفسي والسلوكي وعدم التوازن والتركيـز علـى بعـض
الجوانــب دون الجوانــب الأخــرى، وعــدم النظــر في عواقــب التصــرفات
ومآلاتهـا، والمبالغـة في الأمـور بحيـث يصـعب معهـا تقبـل النقـاش والحـوار٢٤٥
٤٠١–
حولها.
-٥قلة الصبر واليأس، والإحباط والبطالـة والفـراغ، مـع ثـورة الشـباب
غير المنضبطة والجنوح إلى العنف والقوة.
-٦التقصير الحاصل في بعض المجتمعات المسلمة من ضعف التـدين
والتساهل في الالتزام بأحكام الشريعة، مع ضـعف التربيـة والتحصـين، وقلـة
المحاضـن التربويـة المـؤثرة، إضـافة إلـى الطروحـات الفكريـة المنحرفـة في
الإعلام وغيره والمثيرة لغيرة الشباب الدينية وحماسته.
وقد ترتب على هذا زعزعة الأمن وعدم الاسـتقرار في بـلاد المسـلمين،
إضافة إلى ما ترتـب علـى ذلـك مـن إزهـاق لـلأرواح، وتـدمير للممتلكـات،
وإثــارة للفوضــى والخلافــات، وتشــويه لحقــائق الــدين وشــعائره العظيمــة
كالجهاد والتدين، وتعطيل كثير من المصالح الشـرعية والدنيويـة والطاقـات
البشرية، وتأخير عجلة التنميـة وخـدمات المجتمـع، وغيـر ذلـك ممـا يحـزن
الصديق ويفرح العدو.
ومـن المؤكـد أن هـذه الظـاهرة، إذا لـم تكـن ذات صـلة مباشـرة بأعـداء
الأمـة في الغـرب أو الشـرق، فممـا لا شـك فيـه أنهـم يسـتثمرونها ويوظفـون
اتباعها لتحقيق أهدافهم التي من أهمها زعزعة الأمـن والاسـتقرار في أوطـان
المســلمين ليكونــوا عالــة علــيهم في حمايــة أمــنهم والرضــوخ لمطــالبهم
الاسـتعمارية. فهـل يعـي شـبابنا ذلـك فيحـذرون مكائـد الأعـداء ويكونـون
لبنات صالحة في مجتمعاتهم وأوطانهم يلتفون حول علمائهم وقادتهم وأهـل
الرأي والحل والعقد منهم للمشاركة في البناء والإصلاح وقطع الطريق على٢٤٦


العدو المتربص بالإسلام والمسلمين.


مـا سـلف مـن الاتجاهـات والمـذاهب الفكريـة لا شـك أن لهـا ً وجـودا
ً كبيرا في البلدان الإسلامية، وينتمي إلى ذلك الفكر بعض المسلمين، ومـنهم
مــن يــدعو لتلــك الضــلالات، ومعلــوم مــا تشــتمل عليــه تلــك الاتجاهــات
والمذاهب من مبادئ في حقيقتها كفر باالله وبما جاء عنه من الشـرع المطهـر،
فهل يصح إطلاق الكفر على كل من انتسب لـذلك الفكـر سـواء أعلـن ذلـك
أم لم يعلنه؟ وهل يجوز تصنيف الناس لمجرد رأي أبـداه أو فكـرة طرحهـا؟
الجواب على ذلك في أمور:
ً أولا: مسألة تكفير المعين من المسائل الخطيرة التي لا يجوز للمـرء أن
يتكلم فيها إلا عن علم ّ وبصيرة ووفق ضوابط وقيود لا بد من مراعاتهـا، كمـا
سبق الحديث عن ذلك في النقطة السابقة، وفي مبحث المفاهيم المنحرفـة في
الإيمان والكفر، فلا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعـن علـى أحـد حتـى
لـو فعـل ممـا يشـرك أو يكفـر أو يلعـن فاعلـه لأن الحكـم بـذلك لـه أسـباب
وموانع؛ إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبـق علـى الأشـخاص إلا
بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه.
ثانيًا: ً قد يطرح البعض آراء أو أفكارا توافق بعض ما لدى العلمـانيين أو
الليبراليين أو غيرهم من رؤى وأفكار فلا يعني هذا أنـه ينتسـب إلـيهم، أو أن
يصنف معهم، بـل الصـحيح الواجـب علـى المسـلم ألا يتعجـل في مثـل هـذه
الأمور، أو يتبين مـن صـاحب المقـال، ولا يجـوز لـه بحـال مـن الأحـوال أن٢٤٧
٤٠١–
ً يشتغل بتصنيف الناس على الظن والهوى حتى لو كان بناء على دافع عقدي
ّ في حسبانه، بل لا بـد لـه أن يرجـع إلـى العلمـاء الموثـوقين فيمـا يشـكل عليـه
ليعرف وجه الحـق في المسـائل ّ وقائليهـا، كمـا أنـه لا بـد أن يعلـم أن تجـريح
النـاس وتصـنيفهم بغيـر وجـه حـق، شـعبة مـن شـعب الظلـم فهـو مـن كبـائر
الذنوب والمعاصي، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ) ْ ال ُم ْس ِل ُم َم ْن َس ِ ـل َم
الْ ُم ْس ِل ُم َ ون ِم ْن لِ َسانِ ِه َو َي ِد ِه، َو ْ ال ُم َه ِ اج ُر َم ْن َه َج َر َم َ ـا ن َهـى االلهُ َعنْ ُ ـه() ،(١وقولـه:
) ُك ُّل ْ ال ُم ْس ِل ِم َع َل ْ ى ال ُم ْس ِل ِم َح َر ٌ ام: َد ُم ُه، َو َم ُ ال ُه، َو ِع ْر ُض ُ ـه() (٢وغيرهـا، فهنالـك
فرق بين كشف الباطل والرد عليه، وبين الحكم على من يفعل الباطل.
وهنا تساؤل مهم: هل يعني مـا سـبق السـكوت عمـن طعـن في الـدين أو
هاجمـه أو جـاء بـآ ّ راء فاسـدة يـدعو لهـا في مواجهـة الشـريعة؟!! لا شـك أن
الجـواب: لا. بالتأكيـد، فالقيـام الله نصـيحة لـه ولرسـوله صلى الله عليه وسلم ولدينـه ولكتابـه
واجب لا يجوز التـخلي عنه، وكذلك مواجهة دعاة الباطـل مـن أهـل البدعـة
والضلال واجب وأمر لا شك فيه؛ لكن هذا لا بد لمن يقوم بـه أن تتـوفر فيـه
شروط الأمر بـالمعروف والنهـي عـن المنكـر، حتـى يكـون أمـره بـالمعروف
ً معروف ً ا، ولا يكون نهيه عن المنكر منكرا


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

مبادرة نظام الب...

مبادرة نظام البناء المطور: خطوة نحو مدينة عصرية منظمة سعت أمانة مدينة الرياض إلى تطوير بنيتها العمرا...

Chapter 1 :Intr...

Chapter 1 :Introduction to E-commerce E-commerce refers to the use of the internet to conduct busin...

نفذت القوات الإ...

نفذت القوات الإسرائيلية اعتقالات في الضفة الغربية والقدس، حيث اعتقلت 20 فلسطينيًا على الأقل فجر السب...

سَئِمَت نَفسي ا...

سَئِمَت نَفسي الحَياةَ مَعَ الناسِ وَمَلَّت حَتّى مِنَ الأَحبابِ وَتَمَشَّت فيها المَلالَةُ حَتّى ...

تعتبر جامعة الم...

تعتبر جامعة الملك فيصل إحدى المؤسسات التعليمية الرائدة في المملكة العربية السعودية، حيث تلتزم بتقديم...

قدمـــــــــة ت...

قدمـــــــــة تمثل فتوى محكمة العدل الدولية المرة الأولى التي يتطلب فيها إلى قضاة هذه المحكمة أن يحل...

Environmental, ...

Environmental, social, and governance (ESG) scores are used to evaluate a company's performance in a...

2-The Danger of...

2-The Danger of Martyrdom: Mathilde's perception of herself as a martyr leads her to take unwise, s...

العروبة…تاريخنا...

العروبة…تاريخنا, قوميتنا العربية وأصلنا العربي, ثقافتنا ولغتنا العربية كلها أمور خلقت معنى… ميزتنا و...

بعد أن استمعنا ...

بعد أن استمعنا إلى وجهتي نظر مختلفتين حول المحافظة على الماء، نستطيع أن نستنتج أن كل منهما له حق في ...

أن السياسة الإق...

أن السياسة الإقتصادية التي تبنتها الجمهورية التي أسسها (كمال اتاتورك)(*) بعد الإعلان عن قيام الجمهور...

Everything On D...

Everything On Demand: The “Uberization” of E-commerce • Class Discussion – Have you used Uber or any...